أحدث المقالات

مقدمة: يهدف هذا البحث للمقارنة بين ما تطرحه الحركات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي من اهداف ومشاريع ونظريات بشأن القيم السياسية والدينية عندما تكون خارج الحكم وبين ما تطبقه او تحققه عندما تصل الى الحكم وتصبح جزءا من النظام الحاكم في البلد الذي تنشط فيه والسؤال المركزي الذي يحاول ان يجيب عنه هذا البحث: هل ان مشاركة الحركات الاسلامية في الحكم يؤدي الى تطوير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي نظرا لما تحمله من افكار وما تطرحه من قيم ، ام ان هذه المشاركة لم تؤد الى تقديم اية اضافات مهمة في هذا الواقع وما هو تأثير مشاركة الاسلاميين في الحكم على القيم الدينية والسياسية في اي بلد؟.
ولا بد من الاشارة الى انه دار نقاش كبير في الاوساط الاسلامية وداخل الحركات الاسلامية حول الموقف من الديمقراطية والمشاركة في الحكم ففي حين ان هناك حركات اسلامية ترفض الديمقراطية مطلقا وتعتبرها كفر وشرك مثل حزب التحرير وبعض التيارات الاسلامية السلفية فان هناك العديد من الحركات الاسلامية التي قبلت بالديمقراطية والمباديء التي تقوم عليها وشاركت هذه الحركات في الحكم في العديد من الدول العربية والاسلامية وان حركة الاخوان المسلمين بمعظم فروعها شاركت في الحكم في الدول العربية والاسلامة ، اضافة لحزب الدعوة الاسلامية والقوى الاسلامية في العراق وحزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين المحتلة  ، كما ان تجربة   الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تجمع بين مباديءولاية الفقية وبعض اسس النظام الديمقراطي ،وتجربة حزب  العدالة والتنمية في تركيا والذي شارك في الحكم في نظام قائم على اسس علمانية رغم انه ينطلق من اصول فكرية اسلامية، هاتان التجربتان تستحقان دراسة خاصة .
وان تقييم مشاركة الاسلاميين في الحكم يمكن ان تتم على مستويين ، المستوى الأول تأثير مشاركة الافراد المنتمين للحركات الاسلامية في الواقع السياسي وعلى صعيد العملية الديمقراطية وادارة البلاد ،  والمستوى الثاني تأثير مشاركة اية حركة اسلامية في الحكم على صعيد البلد بشكل عام وماهي الانجازات التي حققتها وهل نجحت في تثبيت اسس الديمقراطية وتطبيق مباديء الحكم الرشيد ومواجهة الفساد وتحقيق تقدم على صعيد التنمية ومعالجة الفقر .
ولاننا لا نستطيع دراسة كل التجارب الاسلامية فسنقتصر على تجربتي حزب الدعوة الاسلامية في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003  وحركة النهضة في تونس بعد الثورة الشعبية التي اندلعت في هذا البلد عام 2010 والتي ادت الى وصول حركة النهضة الى الحكم بعد سنوات طويلة من المعارضة والنفي والاعتقال.
اولا : تجربة حزب الدعوة الاسلامية في العراق
تأسس حزب الدعوة الاسلامية في العراق عام 1957 بمبادرة من عدد من علماء العراق وابرزهم المرجع الديني السيد محمد باقر الصدر ( والذي ترك الحزب لاحقا) وانتشر الحزب وتوسع داخل العراق وفي العديد من الدول العربية والاسلامية ، كما انتشر اعضاء الحزب وكوادره الى دول اوروبا واميركا في ظل الصراع الذي خاضه الحزب ضد نظام البعث العراقي والذي قام باعدام واعتقال الالاف من اعضاء الحزب وكوادره.
وجاء في احدى نشرات الحزب الداخلية حول اسم الحزب: اسم الدعوة الاسلامية هو الاسم الطبيعي لعملنا والتعبير الشرعي عن واجبنا في دعوة الناس للاسلام ولا مانع ان نعبر عن انفسنا بالحزب والحركة والتنظيم، ونحن دعاة الى الاسلام وانصار الله وانصار الاسلام ونحن حركة في المجتمع وتنظيم في العمل وفي كل الحالات نحن دعاة الى الاسلام وعملنا دعوة الى الاسلام . (المصدر كتاب سنوات الجمر لعلي المؤمن –صفحة36-الكتاب صادر عن المركزالاسلامي المعاصر-بيروت).
ويذكر حزب الدعوة الاسلامية في ادبياته انه يسعى الى اعادة الاسلام الى حياة المسلمين وتحكيم الشريعة السمحاء في الوطن الاسلامي الكبير واقامة حكومة الله على الارض كهدف نهائي، ويسعى الى تغيير النظام الجاهلي المتحكم في المجتمع الاسلامي في مجالات السياسة والاقتصاد والحرب واحلال النظام الاسلامي مكانه.
اما الاهداف المرحلية فتتمثل بالامور التالية: بعث الفكر الاسلامي الاصيل ونشر الوعي في صفوف الامة، تصحيح المفاهيم التنظيمية للحركات الاسلامية وبناء التنظيم على اساس القرأن والسنة الشريفة، تطهير المجتمع من التقاليد والاعراف الغربية وبعث الروح الاسلامية شكلا ومضمونا في حياة الناس ، تربية الامة التربية الايمانية الصحيحة التي لا ينفصل فيها المضمون عن الشكل في الممارسات العبادية،وعلى صعيد الفرد يهدف الحزب الى تجديد بناء الشخصية الاسلامية والاسرة المسلمة بكل مقوماتها من تربية وثقافة وسلوك.(المصدر السابق ص 40)
ومنذ تأسيسه خاض الحزب صراعا فكريا وجماهريا ومن ثم صراعا عسكريا ضد الحكومات التي كانت تحكم العراق وخصوصا نظام حزب البعث ، مما ادى الى اعدام عدد كبير من قادة الحزب وكوادره وفر الاخرون الى دول الجوار وخصوصا ايران وسوريا والعراق، كما فر الاخرون الى دول اوروبية واميركا.
واستمر هذا الصراع بين حزب الدعوة والمعارضة العراقية من جهة والنظام البعثي الحاكم من جهة اخرى  الى ان قامت اميركا بشن الحرب على العراق عام 2003 مما ادى الى سقوط نظام البعث بقيادة صدام حسين وتم تشكيل حكم انتقالي ضم عددا من قادة المعارضة باشراف الحاكم الاميركي بول بريمر، ومن ثم تم وضع دستور عراقي جديد واجريت الانتخابات النيابية والتي شارك فيها حزب الدعوة وتولى من بعدها رئاسة الحكومة العراقية احد قياديي الحزب الدكتور ابراهيم الجعفري ، كما تولى العديد  من كوادر الحزب مواقع محتلفة في  الوزرات والمحافظات والبلديات، وبعد انتهاء فترة حكومة الجعفري تولى رئاسة الوزراء القيادي في الحزب نوري المالكي والذي رفع شعار : ائتلاف دولة القانون. وبعد تجربة ثمان سنوات في الحكم واجه العراق مشاكل عديدة امنية وسياسية واقتصادية اضافة الى الخلافات الداخلية، وكل ذلك مهد لنشوء تنظيم داعش وسيطرته على اجزاء كبيرة من الاراضي العراقية، وحصلت ضغوط كبيرة على نوري المالكي رغم فوزه في الانتخابات الاخيرة في العام الحالي مما ادر الى تنازله عن الترشح  لرئاسة الحكومة لصالح قيادي اخر من الحزب وهو الدكتور حيدر العبادي.
ونحن في هذا البحث لا نستطيع تقديم تقييم شامل لتجربة حزب الدعوة وبقية قوى المعارضة الاسلامية وغير الاسلامية في الحكم منذ سقوط نظام صدام حسين ، لكن من خلال عرض سريع للواقع السياسي العراقي اليوم ، نلاحظ انه بعد 11 سنة من قيام الحكم العراقي الجديد لم تستطع القوى العراقية من اقامة الدولة المركزية العادلة والقادرة على تامين الامن والتنمية والديمقراطية الصحيحة، بل ان الفساد انتشر بشكل كبير ان على مستوى الافراد او المؤسسات ، وتشير بيانات هيئة النزاهة العراقية الى احالة الاف الموظفين والمسؤولين الى القضاء بتهمة الفساد  وحتى ان هيئة النزاهة نفسها اتهمت لاحقا بالفساد . وافاد مؤشر الشفافية العالمي الذي يقيس الفساد في 180 بلد بان العراق ثالث اكبردولة  من حيث الفساد.
ونشر موقع الزقورة الالكتروني تقريرا يشير الى ان حجم الفساد الكلي في العراق يقدر ب229 مليار دولار اميركي.
وبصورة اجمالية فان وصول حزب الدعوة الاسلامية في العراق الى الحكم لم يحقق اي من الاهداف الاساسية التي رفعها ان على صعيد الافراد او المجتمع او الدولة، وقد يكون صحيحا ان الحزب قد ساهم طيلة الخمسين سنة من تأسيسه في نشر الفكر الاسلامي وتعميم الثقافة الاسلامية وبناء الكوادر الاسلاميين ، لكن عند وصول هؤلاء الى الحكم والمسؤوليات نجد انهم لم ينجحوا في تقديم التجربة الاسلامية الرائدة ولم يساهموا في تحقيق الديمقراطية والحكم الرشيد ، مما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول هذه التجربة الاسلامية في الحكم واسباب الفشل في تحقيق الاهداف التي رفعت.
ثانيا : تجربة حركة النهضة في تونس
تعود جذور حركة النهضة  (الاسلامية) في تونس الى جمعية المحافظة  على القرأن والتي تأسست عام 1970 وضمت الشيخ راشد الغنوشي والشيخ عبد الفتاح مورو واللذان حوّلا الجمعية  عام 1981 الى حركة سياسية باسم حركة الاتجاه الاسلامي والتي اعلنت سعيها لاقامة النظام الاسلامي لكن الحركة تعرضت الى مقاومة كبيرة من السلطات التونسية وتم اعتقال المئات من كوادرها لاسباب مختلفة مما ادى الى تحولها الى حركة سرية ، وبعد قيام رئيس الوزراء زين العابدين بن علي بالانقلاب على الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة سعى الى التقرب من الاسلاميين وسمح باقامة الاحزاب السياسية بشرط ان لا تشير اسمائها الى العرق والدين واللغة والمنطقة فاصبحت حركة الاتجاه الاسلامي حركة النهضة ، لكن ذلك لم يمنع الصدام بين الحركة والنظام التونسي مما ادى الى اعتقال المئات من كوادر الحركة وهروب عدد من قيادييها الى الخارج وابرزهم الشيخ راشد الغنوشي والذي قضى فترة طويلة من حياته في بريطانيا حيث كان يقود الحركة والف العديد من الكتاب وابرزها كتابه حول الحريات في الاسلام واذي يتضمن رؤى جريئة على صعيد الموقف من الحريات وحقوق الانسان.
ويدعو الخطاب السياسي للنهضة الى اعادة توزيع الثروات في البلد واقامة نظام اقتصادي عادل وتشجيع النساء على العمل واقامة دولة اسلامية حديثة والقبول بالتنوع والتعددية ورفض الطائفية.(المصدر موسوعة الحركات الاسلامية في الوطن العربي وايران وتركيا للدكتور احمد الموصللي والصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت عام 2004 –ص 235 و236و245 و246).
وبعد الثورة الشعبية في تونس عام 2010 وسقوط نظام زين العابدين بن علي عاد الشيخ راشد الغنوشي الى تونس لقيادة حركة النهضة واعلن فور عودته رفض اقامة حكومة دينية في تونس ، وخاضت الحركة الانتخابات لتشكيل مجلس تأسيسي لادارة المرحلة الانتقالية وواستطاعت الفوز ب89 مقعدا من اصل 217 أي حوالي 42% من المقاعد، ودخلت في ائتلاف حاكم مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات و أطلق عليه الترويكا.
ونجحت الحركة وبالتعاون مع بقية القوى السياسية والنقابية والشعبية بادارة المرحلة الانتقالية والتي استمرت حوالي الثلاثة سنوات رغم الكثير من المشكلات الداخلية والصراعات الامنية ووجود تيارات اسلامية متشددة وحصول العديد من الاغتيالات، وقد تولت الحركة رئاسة الحكومة التونسية لفترتين خلال المرحلة الانتقالية ولكن بعد حصول ازمة سياسية داخلية تنازلت عن رئاسة الحكومة لصالح شخصية مستقلة ومن ثم تم اعداد دستور جديد ووضع قانون انتخابات جديد  وجرت الانتخابات الجديدة في شهر تشرين الاول من العام 2014  والتي ادت الى فوز حزب نداء تونس بالمرتبة الاولى وتحولت الحركة الى الموقع الثاني بعد نيلها حوالي 32% من مقاعد المجلس النيابي الجديد. واعلنت الحركة عدم دعمها لاي مرشح للرئاسة التونسية واستعدادها للتحالف مع بقية الاحزاب.
ورغم الاوضاع الاقتصادية والامنية والاجتماعية  والسياسية الصعبة التي مرت بها تونس خلال السنوات الثلاثة الماضية ، فان التجربة التونسية خلال المرحلة الانتقالية تعتبر التجربة الافضل على صعيد عملية الانتقال الديمقراطي وتعاطت حركة النهضة مع الاوضاع بمرونة ولم تكرر التجارب الفاشلة لحركات اسلامية اخرى كحركة الاخوان المسلمين في مصر في ادارة المرحلة الانتقالية رغم ان حركة  النهضة تعود بجذورها الى حركة الاخوان المسلمين.
ويعتبر المراقبون ان نجاح حركة النهضة وبالتعاون مع بقية القوى السياسية في تونس في ادارة المرحلة الانتقالية يعود الى عدة اسباب ومنها:استفادة حركة النهضة من بقية التجارب الاسلامية وخصوصا ما جرى في مصر، طبيعة المجتمع التونسي التعددية وقوة المجتمع المدني والنقابات ، المميزات الفكرية والشخصية لقائد حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي والذي قدّم خطابا اسلاميا متطورا ومتناغما مع الديمقراطية.
وخلال تجربة الحركة في الحكم وفي العمل السياسي قدمت تجربة جيدة على صعيد القبول بالتنوع واشراك المرأة وتبني خطابا معتدلا.
لكن رغم هذه الايجابيات فأن تونس لا تزال تواجه الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والامنية، اما على صعيد مواجهة الفساد بعد الثورة الشعبية  فيشير تقرير لمنظمة الشفافية الدولية (نشر بتاريخ14-12-2011 في جريدة الشروق التونسية) ان تونس تراجعت على صعيد مكافحة الفساد بعد الثورة من المرتبة 59 الى المرتبة 73.
وكشفت الجمعية التونسية لمكافحة الفساد خلال ملتقى وطني نظم في تونس العاصمة بتاريخ 13-3-2014 ان الفساد تفاقم في تونس بعد الثورة وذلك بسبب ضعف الموارد وصعوبة المقاربة وكثرة المتدخلين من هياكل وجمعيات وتسيس عملية مقاومة الفساد .
وكشف البنك الدولي في تقرير اصدره في 17 ايلول 2014 ان ثورة تونس لم تكتمل لان تونس شهدت بعد الثورة تفاقما للفساد.
وافاد استطلاع للرأي نظمه منتدى العلوم الاجتماعية والتطبقية في تونس بتاريخ 26-5-2014 بان 50% من المستوجبين يعتقدون ان هناك ارتفاعا لظاهرة الفساد بعد الثورة.
وبالخلاصة لا يبدو ان مشاركة حركة النهضة الاسلامية في الحكم في تونس قد ادت الى نهاية الازمات في تونس ، لكن بالمقابل نجحت الحركة في ادارة المرحلة الانتقالية كمقدمة لاقامة حكم ديمقراطي قادر على معالجة المشاكل في تونس وهذه التجربة تحتاج الى المزيد من المتابعة والمراقبة.
ثالثا :الخلاصات الاولى
خلال انعقاد منتدى الحركات الاسلامية الاول في ماليزيا بتاريخ 14 تشرين الثاني 2014 وحسبما نقلت وكالة سما الاخبارية، قال النائب السابق للرئيس السوداني علي عثمان طه : ان شعار الاسلام هو الحل لم يحقق العدالة الاجتماعية ولم يخلق برنامجا للعدالة الاجتماعية لان الحركات الاسلامة تعاملت ببساطة مع قضايا المجتمع.
اما رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد فقال في المنتدى نفسه : ان بناء الدولة بعتبر القضية الابرز التي تواجه المسلمين حاليا خاصة في تلك الدول التي اطاحت شعوبها بانظمة شمولية دكتاتورية.
اما زكي بني ارشيد (الذي انتخب امينا عاما للمنتدى)  فقد اعتبر ان المطلوب اليوم من الحركات الاسلامية القيام بمراجعة عميقة وجذرية للموروث الفكري والفقهي في الاسلام خاصة في ظل بروز او نشوء حركات واشكال ومؤسسات تقوم بممارسات تتناقض مع تعاليم الدين الاسلامي والمقاصد الكلية للشريعة.
هذه الاقوال تؤكد ان تجربة الحركات الاسلامية في الحكم تواجه العديد من المشاكل وان هناك حاجة لمراجعة وتقييم هذه التجارب بعد ان فشلت العديد من الحركات الاسلامية في تقديم نموذج متطور وناجح ان على صعيد الديمقراطية او الحكم الرشيد او مواجهة الفساد .
وفي الخلاصة وبعد ان نزل الاسلاميون من السماء الى الارض وخاضوا تجارب سياسية واقعية وعملية اصبحوا اليوم موضع المراقبة والمحاسبة وهم بحاجة لاعادة تقييم تجربتهم لمعرفة اساب الفشل ولتحديد خريطة طريق جديدة للمستقبل كي يقدموا تجارب ناجحة.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً