أحدث المقالات
تتفاوت التقييمات و الآراء بين الناس – في العادة – حيال جملة من القضايا الاجتماعية و الانسانية .
و من بين القضايا التي تفاوتت النظرات إليها هي توصيف الحوزات و علمائها و إداراتها بالناطقة و الصامتة .
و لو نظر المتأمل في هذه التصنيفات و وضعها في سياقاتها ، لوجدها تعبر عن واقع لم يغفله التاريخ .
ان غياب منهجية وضع مجريات الحوادث في سياقاتها التاريخية ، يفضي الى إثارة جدالات تشغل الراي العام المهتم بها ، فيما لا داعي له و لا فائدة ترتجى منه .
و كثيرا ما يؤدي غياب هذا العامل الى شخصنة الأمور ، و النظر الى بعض التوصيفات من منظار سلبي و كأنها ترمي الى التقليل من مكانة شخصيات بارزة و من أدوارها و إنجازاتها .
و ينطبق ذلك على الالتباسات التي تحدث في غمار هذه الجدالات ، فقبول و عدم قبول تقييم معين او رده أو توصيفه بأي وصف سلبي أو إيجابي ، لا ينصرف الى من يتبناه او يقتنع به أو يطلقه ، فتوصيف التقييم لا يعني توصيف صاحبه .
و لنرجع الى مسألة أهمية النظر الى المواقف التاريخية حسب ظروفها و مشروطياتها الاحتماعية .
  اذا تصفحنا السيرة النبوية العطرة لنبيا و قدوتنا صلى الله عليه و آله ، نجد ان مواقفه (ص) تتفاوت حسب مقتضيات الظروف و الأحوال .
و حين نطل على سير الأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم ) نجد ان مواقفهم ليست مماثلة و لا متطابقة .
فمواقف النبي (صلى الله عليه واله ) في مكة المكرمة في السنوات الاولى من الدعوة ليست كمواقفه بعد الصدع بالدعوة .
و مواقفه (ص) في مكة قبل الهجرة اختلفت عن مواقفه في المدينة بعدها .
و مواقفه في بدر و الاحزاب و خيبر تختلف عن مواقفه في الحديبية و فتح مكة .
كما ان تعامله مع يهود المدينة كان متفاوتا حسب تطورات الحوادث و مآلاتها .
و كذلك الحال بالنسبة لمواقف الإمام علي (عليه السلام ) بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله ) ، فهي غير مواقفه بعد تسلمه الخلافة و السلطة ، بل ان مواقفه في المعارك التي خاضها أثناء خلافته ليست مماثلة.
و مواقف الامام الحسن غير مواقف الامام الحسين ، و مواقف الامام الكاظم تتفاوت عن مواقف الامام الرضا و الجواد ، و هكذا مواقف بقية الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) .
و أثناء دراسة سير العلماء عبر التاريخ ، فان منطق التاريخ و الاجتماع السياسي و الفروق الفردية بين بني البشر تحتم أن تتفاوت اتجاهاتهم و نظراتهم و اجتهاداتهم و تحركاتهم و مواقفهم .
و لهذا من المفترض ان تقرأ سيرهم و تدرس مواقفهم حسب ظروفهم التاريخية و الاجتماعية ، و في ضوء مبانيهم الفقهية ، بالإضافة الى شخصياتهم و تكييفهم و تقديرهم لمجريات الأمور و طرائق إدارتهم للمواقف .
و هذه المقاربة ، أعني استحضار هذه العوامل بمجموعها ، من شأنها ان تساعد على قراءة واقعية لكيفية تعاطيهم و تفاعلهم مع الوقائع الحادثة و الحوادث الواقعة في مختلف الأزمنة .
إذ من البداهة أنهم ليسوا بمثابة شخصية واحدة ، و لا ظروفهم التاريخية مماثلة و لا مبانيهم الفقهية ذاتها و لا شخصياتهم متطابقة .
كما ان المحتمع و البيئة المحيطة بهم متفاوتة و موازين القوى الاجتماعية متغيرة حسب الاحوال .
و هذه العوامل من سنن الاجتماع البشري بصرف النظر عن الانتماءات الدينية و غير الدينية.
من جهة أخرى ، أن منطق التاريخ ينبئنا ان النوابغ و العبقريات و المجددين و المصلحين يشكلون نوادر عبر الأزمنة و الأمكنة ، و إلا لما عدوا كذلك ، و في الوقت ذاته ، أنهم ليسوا سواء في إدراكاتهم و أفهامهم و اتجاهاتهم و اجتهاداتهم و تحركاتهم و مواقفهم .
أضف الى كل ذلك ، ان هناك عوامل قد لا تظهر أمام كل باحث و دارس .
و المحصلة ، ان القضايا الاجتماعية و الانسانية بطبعها مرنة و متغيرة و متحركة و هي بطبعها تأبى ان تقاس بالمقاييس الرياضية الصماء الجامدة ، و من ثم من المنطقي ان تتفاوت الأنظار و التقييمات في قراءتها و تحليلها .
Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً