أحدث المقالات

دراسةٌ تحليلية ونقدية

د. السيد محمد رضا مصطفوي نيا(*)

د. السيد حسين الشريف العسكري(**)

أمير صالح معصومي(***)

ترجمة: نظيرة غلاب

 

مقدّمة ــــــ

إن الموقف الديني من الشعر والشعراء لم ينحصر بين السلب والإيجاب، وإنما اختلف الموقف باختلاف ماهيتهما وموضوعهما. فجاء موقف الشارع متنوّعاً بين المدح والاستحسان تارةً؛ والذمّ والقدح تارة أخرى. وقد جاء موقف الشارع تبعاً لنوعية استعمال الشعر في المجتمعات الإنسانية، وما كان له من أهداف؛ فالشعر الذي ينشد للتفاخر، ويكون وسيلة إعلامية قويّة في تأجيج روح العصبيات، وإيقاد نار الحرب بين قبيلتين، لا يمكن أن يكون مورد مدح ورضا الله، أو مورد تأييد المؤمنين. لذلك وجدنا القرآن يشدِّد في ذمّ الشعراء، وجعلهم ضمن طبقة الغاوين، يتقاسمون هذه الصفة مع الشياطين وقادة الكفر والسوء، وأمر المؤمنين باعتزال الشعر، حيث قال في السورة التي وسمها بـ «الشعراء» : ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ﴾ (الشعراء: 224 ـ 226). ونظر إلى ممارسة الشعر على أنها فعلٌ باطل؛ وإنها لا تلتبس بمقام النبوة والرسالة. وهذا ظاهر في نفي الشاعرية عن النبيّ الأكرم|، فقال: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ (يس: 69).

كذلك وجدنا النبيّ الأكرم| لا يستحسن الشعر، ويعتبره من فعل الشيطان. فقد رُوي عنه| أنه قال: «الشعر من إبليس»([1]). كما أنه| قد نهى عن قراءة الشعر في المساجد، فقد رُوي عنه| أنه قال: «مَنْ سمعتموه ينشد شعراً في المساجد فقولوا: فضَّ الله فاك، إنّما نصبت المساجد للقرآن»([2]). ويقف أئمة أهل البيت^ نفس موقف رسول الله في ذمّ الشعر والشعراء، وعدم استحسانه. فقد روى محمد بن مروان قال: «كنتُ قاعداً عند أبي عبد الله×، أنا ومعروف بن خربوذ، وكان ينشدني الشعر وأنشده، ويسألني وأسأله، وأبو عبد الله يسمع، فقال أبو عبد الله: إنّ رسول الله| قال: لئن يمتلئ جوف الرجل قيحاً خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً…»([3]).

لكنْ رغم ما نلاحظه من مذمّة للشعر والشعراء، فإننا نجد في المقابل بعض الأحاديث والروايات التي يصدر فيها المعصوم مدحاً واستحساناً للشعر والشعراء، كالمدح الذي حظي به حسان بن ثابت الأنصاري، ودعبل بن علي الخزاعي. رُوي عن النبي الأكرم| أنه قال: «إنّ من الشعر لحكمة»([4]). كما نقل أن كعب بن زهير أنشد قصيدته المعروفة «بانت سعاد» على النبيّ الأكرم| في المسجد، المكان الذي صدر النهي عن قراءة الشعر فيه، ولم نجد النبيّ الأكرم| قد نهاه عن ذلك، بل أمر أصحابه أن يعيروه مسامعهم، وأن ينصتوا إليه، وفي ختام المجلس ألبسه عباءته([5]). كذلك نجد الأئمة^ يأمرون في بعض المواقف بقراءة الشعر وإنشاده. فقد رُوي أن الإمام الصادق× أمر سفيان بن مصعب العبدي بإنشاد الشعر، وقال: «قُلْ شعراً تنوح به النساء»([6]). كما رُوي عنه أنه قال: «يا معشر الشيعة، علِّموا أولادكم شعر العبدي؛ فإنّه على دين الله»([7]). ولم يتوقَّف الأمر على تعلم الشعر أو قراءته، بل وردت روايات تعد مَنْ أنشد شعراً في مصائب أهل البيت^، مهما كان قليلاً، فقد وجبت له الجنّة والمغفرة. رُوي عن الإمام الصادق× أنّه قال لجعفر بن عفّان الطائي: «ما من أحد قال في الحسين شعراً، فبكى وأبكى به، إلاّ أوجب الله له الجنّة، وغفر له»([8]).

إن قراءة شاملة لسيرة المعصومين تفصح عن أن الشعر الذي يشتمل على مضامين أخلاقية شريفة، ومفاهيم حكمية راقية، لا يكون موقع مذمّتهم وكراهيتهم، بل نجدهم يمجِّدون هذا النوع من الشعر، ويأمرون أتباع المذهب ومحبيه بتعلّمه وإنشاده. بل وجدناهم يستشهدون ببعض الشعر بلحاظ ما ورد فيه من حكم ومواعظ، وقد دوّنت لنا بعض المجامع الحديثية والروائية العديد من تلك الأشعار التي تلاها المعصومون أنفسهم، وألقوها على مسامع الناس، الخاصة منهم والعامة. نعم، لا بُدَّ من الإشارة إلى أنّ هذه الكتب والمصادر الحديثية التي نقلت إلينا أشعاراً نسبت إلى المعصومين^ لم تراعِ الدقة الكافية في هكذا موضوع، بل اكتفت بنقل كل ما نسب إليهم، سواء كان لهذه النسبة واقعية أو مجرّد اشتباه وادّعاء، وإنما هي في الحقيقة لشعراء آخرين، كما أنها كثيراً ما نسبت بعض الأبيات لأكثر من إمام، ليتبين في آخر التحقيق والبحث في الدواوين الشعرية أنها ليست لواحد منهم، وإنما هي لأحد الشعراء. ورغم استعمال الناقلين لعبارة «فتمثَّل»، التي تعبِّر في الجملة عن أن الشعر الذي نقله المعصوم ليس من تأليفه، وإنما هو ينقله للاستشهاد به، إلاّ أنّهم استعملوا كثيراً كلاًّ من عبارتي: «أنشد»، و«قال»، وهما غير صريحتين في دلالتهما؛ فقد تعني أن الشعر من تأليف الإمام×؛ كما تحتمل الدلالة على أنه إنّما استعاره من كلام الشعراء؛ للاستشهاد به والتمثيل به.

كذلك تمّ تأليف بعض الكتب على شاكلة الدواوين الشعرية، ونسبت إلى أحد الأئمة، حيث تم استخراج كلّ الأشعار المتعلقة بأحد الأئمة، والتي نسبت إليه، من كتب الحديث ومجامع الحديثية وكتب السير. ونظراً إلى كون هذه الكتب لم تعتمد على مصادر صحيحة، وإنما اكتفت بالرجوع إلى كتب الأحاديث والروايات، والتي يلاحظ عليها الإفراط في التسامح في نقل الأشعار، ونسبتها إلى المعصوم، فإن هذه الدواوين كذلك لم تسلم من آفة التسامح. فرغم اعتراف مؤلِّفيها بأن هذه الأشعار ليست بالجملة من تأليف المعصوم، إلاّ أنّها لم تتورَّع عن نقل العديد من الأشعار، ونسبتها إلى المعصوم، بدون أدنى دليل علمي معتبر.

إن هذا النقص التي تعاني منه الدواوين أو الكتب الشعرية التي نسبت بكاملها إلى المعصوم دفعنا؛ ومن منطلق التحقيق العلمي والإنصاف، إلى التحقيق في بعض الأشعار المنسوبة إلى الإمام جعفر الصادق×، والعمل الموضوعي على البحث في صحيحها من سقيمها، واستعمال النقد العلمي؛ لاستخلاص ما كان من تأليف الإمام الصادق×، وتصفيته عمّا خُلط به ممّا لم يصدر عنه. وبالتالي فإن تحقيقنا وبحثنا هذا سيضع صورة حقيقية عمّا تناقلته كتب الحديث من الأشعار المنسوبة إلى المعصومين.

إن الأبيات الشعرية التي نحقِّق فيها ضمن هذا المقال هي بأجمعها منسوبة إلى الإمام الصادق×، أعم من أن تكون من إنشاده المبارك أو لشعراء آخرين. وبشكلٍ دقيق فإن هذا المقال سيبحث في إنشاءات وإنشادات الإمام الصادق×. من هنا فإن أسلوبنا في البحث ابتدأ بالرجوع إلى الدواوين الشعرية التي نسبت إلى أهل البيت^؛ لنبحث عن المنهج والأسلوب التي اتبعته في تجميع وتخريج تلك الدواوين الشعرية. وبعد ذلك قمنا باستخراج الأشعار التي نسبت إلى الإمام الصادق× من الكتب الروائية والمجاميع الحديثية. وبمراجعة الكتب الشعرية والأدبية طرحنا ما نسب إلى الإمام من أشعار للنقد والتحقيق.

 

مناقشة ونقد ما نسب إلى الأئمة من دواوين شعرية ــــــ

إلى جانب المجامع الحديثية وكتب الحديث والروايات هناك كتب دُوِّنت تحت عنوان ديوان شعر أئمة أهل البيت، والتي هي في حقيقة أمرها استخراجٌ وتجميع للأشعار بشكلٍ سطحي من كتب الأحاديث. ويلاحظ على هذه الدواوين والكتب الشعرية أنها اكتفت بالتجميع، دون النظر إلى واقعية النسبة إلى الأئمة أو عدم واقعيتها. ونحن في هذا البحث سنتعرض لأربعة من تلك الكتب، على أمل أن يحذو الباحثون والمحقِّقون في الميدان حذونا، ويستأنفوا البحث والتحقيق في باقي الآثار والكتب المدوّنة في شعر أئمة أهل البيت^.

 

أـ كتاب (روائع الأشعار من ديوان الأئمّة الأطهار)، لمحسن عقيل ــــــ

قسَّم المؤلِّف كتابه إلى ثلاثة عشر قسماً، وعمل في كل قسم على نقل أشعار واحد من الأئمة الاثني عشر. كما خصّ قسماً بالأشعار المنسوبة إلى السيدة فاطمة الزهراء÷. وبذلك تكون الأقسام كلها كاملة، وخاصة في المعصومين من أهل البيت^.

في بداية كلّ قسم يتعرّض، وبشكلٍ موجز، لحياة الإمام، والنقاط الخاصة في حياته، بحسب ترتيب أقسام الكتاب. وبعد ذلك ينقل ما نسب إليه من شعر بترتيب حروف القافية. وقد يعمد إلى شرح بعض المفردات في الهامش.

وقد أخذنا من هذا الكتاب 30 بيتاً منسوبة إلى الإمام الصادق×، من مجموع سبعة وتسعين بيتاً، وتعرضنا لها بالبحث والتحقيق ضمن مقالنا هذا.

لقد استفاد مؤلِّف الكتاب في استخراج ما نسب إلى الأئمة من شعر ممّا يُقارب 261 مصدراً، كان من بينها: صبح الأعشى، الصناعتين، وتزيين الأسواق. لكن المصادر الحديثية التي اعتمد عليها في نقل ما نسب إلى الإمام الصادق من شعر عبارة عن: مناقب الطالبيّين، بحار الأنوار، وعوالم العلوم والمعارف والأحوال. ويظهر جلياً قلة المصادر التي اعتمدها في استخراج أشعار الإمام الصادق×. كما يلاحظ عليه عدم استعمال الدقّة في استخراج الأبيات الشعرية، حيث نقل بيتين للأشجع السلمي من كتاب بحار الأنوار، وجعلهما ضمن شعر الإمام الصادق، في حين أن نفس كتاب بحار الانوار قد صرَّح بأنّهما من ضمن شعر الأشجع السلمي، ونقل الرواية بالشكل التالي: «دخل الأشجع السلمي على الإمام الصادق×، فوجده عليلاً، فجلس، وسأل عن علّة مزاجه، فقال له الصادق×: تعدَّ عن العلة، واذكر ما جئت له، فقال:

ألبسك الله منه عافيةً *** في نومك المعتري وفي أرقك

تخرج من جسمك السقام كما *** أُخرِجَ ذلُّ الفعال من عنقك

فقال: يا غلام إيش معك؟ قال: أربعمائة، قال: أعطِها للأشجع»([9]).

وبلحاظ قلّة المصادر التي اعتمد عليها الكتاب في تخريجه وتجميعه للشعر المنسوب إلى الإمام الصادق×، وعدم بذله الدقّة في استخراج تلك الأشعار، والتحقق من صحة نسبتها إلى الإمام، فإننا نحتمل أنّه استعمل نفس الأسلوب واتّبع نفس المنهج في تجميع أشعار باقي الأئمة^، مما يعني تلقائيّاً أنها ابتليت بما ابتليت به سابقتها، من عدم الدقّة، والمبالغة في التسامح، إلى حدّ نسبة ما لشعراء آخرين إلى الأئمة. وهو أسلوب مخالف بشكلٍ صريح لمتطلَّبات التحقيق العلمي. لذا وجب علينا؛ انطلاقاً من مبدأ العلمية، عدم اعتماد هذا الكتاب كمستندٍ كامل في استخراج أشعار الإمام الصادق×.

 

ب ـ (ديوان أهل البيت^)، للشيخ علي حيدر مؤيد ــــــ

أورد المؤلِّف أشعار الأربعة عشرة معصوماً^ ضمن أربعة عشر قسماً. وفي بداية كلّ قسم يستعرض ترجمة المعصوم وفق ترتيب الأوّل ثم الثاني، وهكذا إلى آخر معصوم. كما يقدم بيانات حول شخصيتهم، والنقاط الهامّة في مسيرة إمامتهم. وفي هامش الصفحات يقدم شرحاً وتفسيراً للمفردات المشكِلة. ومضافاً إلى نقله لشعر الأئمة ينقل إلى جانبها اختلاف الروايات فيها.

وقد أخذنا 68 بيتاً من مجموع عدد الأبيات التي اعتمدناها في بحثنا، والتي بلغت 97 بيتاً. أما المصادر التي اعتمد عليها صاحب الكتاب في استخراج أشعار الإمام الصادق× فكانت على الشكل التالي: 1ـ الاثني عشرية. 2ـ إرشاد القلوب. 3ـ أعلام الدين في صفات الدين. 4ـ أعيان الشيعة. 5ـ الأمالي. 6ـ الإمام الصادق. 7ـ الدخيل. 8ـ بحار الأنوار. 9ـ جامع الأحاديث، للقمّي. 10ـ الخصال. 11ـ دار السلام. 12ـ روضة الواعظين. 13ـ الصلة بين التصوّف والتشيّع، للدكتور مصطفى الشيبي. 14ـ الفرج بعد الشدة. 15ـ فلاح السائل. 16ـ في رحاب أئمّة أهل البيت^. 17ـ الكبريت الأحمر. 18ـ كنز الفوائد. 19ـ مستدرك الوسائل. 20ـ مسند الرسول الأعظم|. 21ـ مناقب آل أبي طالب×. 22ـ منتخب الأثر. 23ـ منتهى الآمال. 24ـ النجم الثاقب. 25ـ النور الساطع.

ورغم أن مؤلِّف الكتاب قد اعتمد على 235 مصدراً في استخراج أشعار كتابه، والتي كان من بينها: تاريخ مدينة دمشق، الأغاني، والعقد الفريد، فإنه في قسم أشعار الإمام الصادق× يعتمد وبشكلٍ كلّي على المصادر الحديثية، واستثنى الكتب التاريخية والأدبية. ومضافاً إلى هذا فإنه لا يذكر من المصادر التي اعتمدها سوى اسم الكتاب، دون ذكر توضيحات أخرى، كالجزء والصفحة و…، مما جعل عملنا صعباً وعسيراً في أغلبيته.

لكنْ مع اعتماده على مصادر كثيرة نسبياً، وانتهاجه الدقّة بالنسبة إلى نقل الأشعار، وملاحظته لما يتعلق بها من مجريات ووقائع، كل هذه المميزات تجعل من الكتاب مصدراً معتبراً في استخراج أشعار الأئمّة^.

 

ج ـ (الدر الثمين أو ديوان المعصومين)، لمحمد علي مدرس التبريزي الخياباني ــــــ

وقد قسَّم الكتاب ـ كسابقه ـ إلى أربعة أقسام تتوافق وأربعة عشر معصوماً. كذلك بدأ كلّ فصل بترجمة مختصرة لحياة كلّ معصوم وفق ترتيب المعصومين. وفي القسم الخاصّ بالإمام الصادق× أخذنا منه 36 بيتاً، من مجموع 97 بيتاً التي يدور حولها بحثنا في هذا المقال. ولم يغفل المؤلف عن درج هامش يشرح فيه المفردات المشكِلة أو الصعبة.

وأمّا المصادر التي اعتمدها في قسم أشعار الإمام الصادق× فهي: 1ـ أعلام الورى. 2ـ نور الأبصار. 3ـ مطالب السَّؤول. 4ـ كشف الغمّة. 5ـ رياض الشهادة. 6ـ بحار الأنوار. 7ـ شرح الشافية. 8ـ روضة الواعظين. 9ـ الدمعة الساكبة. 10ـ ناسخ التواريخ. 11ـ مناقب آل أبي طالب×.

وتكمن نقاط ضعف الكتاب في قلّة المصادر التي اعتمد عليها. كما أنه لم ينقل سوى 36 بيتاً للإمام الصادق×، وهو عددٌ قليل بالمقارنة مع ما هو متواجد في باقي الكتب والمصادر، ممّا ينفي الاعتبار عن الكتاب، ويبعده عن أن يكون مصدراً مقبولاً في بحثنا.

 

د ـ (معجم أشعار المعصومين الواردة في بحار الأنوار)، لمركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ــــــ

اختصّ الكتاب بعرض أشعار الأئمة، دون أن يتحدّث عن حياتهم، أو أن يدرج هامشاً لشرح المفردات أو العبارات المشكِلة. لقد عمل على استخراج الأشعار المنسوبة إلى الأئمة من كتاب بحار الأنوار الحديثي، ونقل فهرسها، دون أن يعمل الدقة والتحقيق. فرغم التصريح في البحار بأن الشعر المنسوب إلى أحد الأئمة هو للشاعر الفلاني، إلاّ أن صاحب الكتاب يغمض الطرف عن ذلك، وينسبه إلى إمام آخر، دون أيّ تحقق أو بحث في الموضوع.

كذلك ارتكب أخطاء في عرض رقم بعض الصفحات، أو رقم الجزء المستخرج منه الأبيات التي ينقلها. وهو سلوك يوقع المحقِّقين في الارتباك، ويصعب عليهم مهمة التحقق والإرجاع. فعلى سبيل المثال: أرجع البيت التالي إلى المجلَّد 94، بينما الصحيح أنّه في المجلَّد 91:

بحق جدِّ هذا يا وليّي *** بحقّ الهاشميّ الأبطحيّ([10])

وفي ما يخصّ أشعار الإمام الصادق× ذكر له 265 بيتاً، والحال أن العديد منها لا يتعلَّق بالإمام×. إن اعتماده على البحار كان صحيحاً لو جعله ضمن المصادر الأوّلية، ثم يتحقَّق بنفسه من صحة الأشعار المنسوبة إلى الأئمة، ويبعد السقيم منها، وهو كثيرٌ.

 

تخريج ونقد مصادر الشعر المنسوب إلى الإمام الصادق× ــــــ

لقد قمنا في أوّل خطوةٍ باستخراج الأشعار الواردة في خطابات وأحاديث الإمام الصادق× من المصادر والمجامع الحديثية، ثم قمنا بتطبيقها على الأشعار الواردة في كتب الأدب والدواوين الشعرية؛ حتّى تتبين لنا صحة انتسابها إلى الإمام، وإبعاد ما كان للشعراء وغيرهم. مع الإشارة إلى أن الإمام كثيراً ما يعمد إلى قراءة بعض الأشعار التي جادت بها قريحة الشعراء، مما يدل على إحاطته× بالأدب والشعر العربي.

وضمن هذا البحث سنخضع بشكلٍ كلّي 97 بيتاً للتحقيق والنقد، وفق ترتيب حروف القوافي.

قبل الشروع في البحث نلفت الانتباه إلى مسألتين في غاية الأهمية:

أـ في مبحث استخراج المصادر ستصادفنا أسماء العديد من الشعراء، وسيكون لتحديد تاريخ ولادتهم دورٌ مهمّ في معرفة مَنْ كان منهم قبل الإمام الصادق×، كالنابغة الذبياني، ومَنْ جاء بعده، كأبي العتاهية. وحتى يتضح الأمر أكثر فإن مجموع الشعراء الذين سيتواجدون ضمن بحثنا هم على الشكل التالي:

1ـ قيس بن الحدادية(م10هـ ـ 612م).

2ـ أبو خراش الهذلي(م15هـ ـ 636م).

3ـ النابغة الذبياني(؟ ـ 18هـ / ؟ ـ 605م).

4ـ عقبة بن نعمان العتكي(؟ ـ 20هـ / ؟ ـ 641م).

5ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×(23 ق.هـ ـ 40هـ / 600 ـ 660م).

6ـ حسان بن ثابت الأنصاري(؟ ـ 54هـ / ؟ ـ 673م).

7ـ جميل بثينة(؟ ـ 82هـ / ؟ ـ 701م).

8ـ عبد الملك بن مروان(26 ـ 86هـ / 646 ـ 705م).

9ـ الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين×(38 ـ 94هـ / 658 ـ 712م).

10ـ فضل بن العباس بن أبي لهب(؟ ـ 95هـ / ؟ ـ 714م).

11ـ كثير عزّة(40 ـ 105هـ / 660 ـ 723م).

12ـ ذو الرمّة، غيلان بن عقبة(77 ـ 117هـ / 696 ـ 735م).

13ـ الإمام جعفر بن محمد الصادق×(80 ـ 148هـ / 699 ـ 765م).

14ـ بشّار بن برد(95 ـ 167هـ / 713 ـ 783م).

15ـ عليّ بن موسى الرضا×(153 ـ 203هـ / 770 ـ 818م).

16ـ أبو العتاهية، إسماعيل بن القاسم(130 ـ 211هـ / 747 ـ 826م).

17ـ محمد بن حازم الباهلي(؟ ـ 215هـ / ؟ ـ 830م).

18ـ محمود الوراق(؟ ـ 220هـ / ؟ ـ 840م).

19ـ الواثق بالله، هارون بن محمد(190 ـ 232هـ / 805 ـ 847م).

20ـ أبو حامد الغزالي(450 ـ 555هـ / 1058 ـ 1160م).

21ـ الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد(625 ـ 702 / 1228 ـ 1302م).

22ـ صفي الدين الحلّي(677 ـ 752هـ / 1277 ـ 1339).

ونعتقد أن رجوع الأشعار المنسوبة إلى الإمام الصادق× إلى مَنْ سبقه من الشعراء أمر قابلٌ للطرح، لكنّ إرجاعها إلى مَنْ جاء بعده من الشعراء فالأمر لا يخلو من إشكال؛ إذ من غير الممكن أن ينشد الإمام الصادق× أشعار أبي العتاهية؛ وذلك لأن أبا العتاهية قد وُلد سنة 130هـ، بينما الإمام الصادق× قد استشهد سنة 148هـ، أي بعد ثمانية عشرة سنة من ولادة أبي العتاهية، فكيف سيقرأ الإمام الصادق× أشعاره ويتمثَّل بها؟! لكنّ هذا لا يمنع من وجود هذا الاحتمال؛ إذ إنّ أقدم المصادر التي ذكرت الأشعار المنسوبة إلى الإمام الصادق× هو محاسن البرقي(؟ ـ 274هـ)، لذا فإنه من المحتمل أن بعض ما انتشر بين الناس من أشعار أبا العتاهية آنذاك قد عرفت طريقها إلى كتب الحديث، ومن ثمّ نسبت عن طريق الخطأ إلى الإمام الصادق×.

وهنا سنذكر عناوين العديد من كتب الحديث التي اعتمدنا عليها في موضوعنا، حتى تتبيَّن الفاصلة الزمنية بين كتابتها وحياة الإمام الصادق×:

1ـ المحاسن، لأحمد بن محمد البرقي(؟ ـ 274هـ / ؟ ـ 887م).

2ـ الكافي، لمحمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني(؟ ـ 329 / ؟ ـ 941م).

3ـ الأمالي، التوحيد، الخصال، كمال الدين، معاني الأخبار، مَنْ لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق(306 ـ 381هـ / 918 ـ 991م).

4ـ كنز الفوائد، لأبي الفتوح محمد بن عليّ بن عثمان الكراجكي(؟ ـ 449هـ / ؟ ـ 1057م).

5ـ التهذيب، للشيخ أبي جعفر الطوسي(385 ـ 460هـ / 995 ـ 1067م).

6ـ مكارم الأخلاق، إعلام الورى، للحسن بن فضل الطبرسي(؟ ـ 548هـ / ؟ ـ 1153م).

7ـ الدعوات، لقطب الدين الراوندي(؟ ـ 573هـ / ؟ ـ 1187م).

8ـ مناقب آل أبي طالب، لمحمد بن عليّ ابن شهرآشوب(488 ـ 588هـ / 1095 ـ ؟م).

9ـ فلاح السائل، لأحمد بن موسى بن جعفر بن محمد ابن طاووس(؟ ـ 673هـ / ؟ ـ 1274م).

10ـ كشف الغمة، لعليّ بن عيسى الإربلي(؟ ـ 692هـ / ؟ ـ 1293م).

11ـ الصراط المستقيم، لعليّ بن يونس النباطي(؟ ـ 877هـ / ؟ ـ 1472م).

12ـ وسائل الشيعة، لمحمد بن الحسن الحرّ العاملي(1033 ـ 1104هـ / 1623 ـ 1692م).

13ـ بحار الأنوار، لمحمد باقر المجلسي(1037 ـ 1111هـ / 1627 ـ 1700م).

14ـ مستدرك الوسائل، لحسين بن محمد التقي المحدث النوري(1254 ـ 1320هـ / 1838 ـ 1902م).

15ـ النور الساطع، لمحمد رضا بن هادي عباس كاشف الغطاء(1310 ـ ؟هـ / 1893 ـ 1947م).

ويلاحظ أن كلاًّ من: كتاب مناقب ابن شهرآشوب؛ وبحار الأنوار، للعلامة المجلسي، واللذان يعدّان أهمّ مصدر لأشعار الإمام الصادق× قد كتبا بعد حياته بفاصلة كبيرة، أي بقرون من الزمن، وهي فاصلة كبيرة تقوّي من فرص وقوع الخطأ والاشتباه في هذه النسبة. مضافاً إلى أنّ هذين المصدرين كثيراً ما ينسبان نفس الأبيات إلى أكثر من شخصٍ واحد، وهو دليل على ضعف الإسناد في هذه الكتب.

ومن نافلة القول: إن الدواوين الشعرية ليست على أفضل حال، بالمقارنة بمصادر الحديث. فكثيراً ما تقوم بنسبة أبيات معيَّنة إلى أكثر من شاعر، وتثبتها في ديوان كلّ شاعر منهم. وهذا الواقع يفرض علينا التأنّي في إصدار الأحكام، والكثير من التحقُّق في حقيقة هذا الانتساب.

ب ـ تحظى العبارات التي تذكر في كتب الحديث والروايات قبل إيراد الأشعار، من قبيل: «فتمثَّل×»، «أنشد»، و«قال»، بالأهمية القصوى في تعيين النسبة؛ وذلك لكونها من حيث الدلالة تختلف عن بعضها البعض، وليست بذلك على نحو واحد. فذكر عبارة «فتمثَّل» دالة على أنّ الإمام إنما هو في مقام إنشاد شعر شاعرٍ آخر لمناسبة في الموضوع، وليس في مقام إلقاء شعر من تأليفه. أمّا العبارتين «أنشد» و«قال» فهما قويّتان في الدلالة على أن الشعر هو من تأليف الإمام× نفسه، وليست دالة على أنه في مقام قراءة شعرٍ لأحد الشعراء. وهذه العبارات بالجملة مساعِدةٌ في فرز شعر الإمام الصادق× عن غيره.

بعد ذكر النقاط المهمّة والمتعلقة باستخراج أشعار الإمام الصادق× نشرع في استخراج مصادر أشعار الإمام الصادق، مع ذكر ما نسبته إليه من أبيات:

 

قافية الهمزة ــــــ

(1)

ولو أنّا إذا متنا تركنا *** لكان الموت راحة لكلّ شيءٍ

ولكنّا إذا متنا بعثنا *** ونسأل بعد ذا عن كلّ شيءٍ([11])

البيتان نسبا إلى الإمام الصادق×، وهما في الواقع للإمام عليّ بن أبي طالب×، وقد ذكرا في الديوان الشعري المنسوب إليه، وقد جاءت «كلّ حيّ» بدل «كلّ شيء»، و«بعده» مكان «بعد ذا»([12]).

لكنّ هذا الكلام لم يكن تامّاً؛ إذ لم نعثر على هذه النسبة إلى الإمام علي× في كلّ المصادر التي ذكرت البيتين، وإنما وجدناها بدل أن تنسبه إلى شخص بعينه اكتفت بتقديم عبارة: «ما أحسن قول القائل». وقد استعملت نفس العبارة أو شبيهها في نقل أشعار العديد من الشعراء. وقد روى السيوطي نفس البيتين في كتابه شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور عن دلف بن أبي دلف العجلي، وقال: حكى أنه في إحدى الليالي رأى أباه في ما يرى النائم، فحدّثه عن أهوال القبر والبرزخ، وأنشده البيتين([13]). والعجيب في الأمر أنهما في هذه القصة جاءا على شاكلة ما جاء في ديوان الإمام علي، فقد ذكرت «فنسأل بعده» بدل «ونسأل بعد ذا» من المصرع الأخير([14]).

وأن يكون البيتان للإمام علي× أو لدلف بن دلف العجلي فهذا يفوِّت الفرصة على احتمال كونهما للإمام الصادق×، وخصوصاً إذا عرفنا أن بعض كتب الحديث لم تأتِ على ذكر البيتين ضمن ما نسب إلى الإمام الصادق× من أشعار.

قافية الباء ــــــ

(2)

ما عادانا بيت إلاّ خربْ *** وما عوانا كلب إلاّ جربْ([15])

إننا لم نعثر على البيت ضمن أيٍّ من المصادر الأدبية أو الحديثية التي اعتمدناها في هذا البحث، لكنّنا وجدنا في بحار الأنوار روايةً عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «نحن بنو عبد المطلب، ما عادانا بيتٌ إلاّ خرب، وما عادانا كلبٌ إلاّ وقد جرب، ومن لم يصدِّق فليجرِّبْ»([16]). ويحتمل أن يكون راوي الحديث عن النبيّ قد نقلها على أنها شعرٌ، مع الإشارة إلى أن كتب العامة في الحديث لم تأتِ على ذكر هذا الحديث مطلقاً.

(3)

عن كتاب الدعوات: «جاء رجلٌ من موالي أبي عبد الله× إليه، فنظر إليه، فقال: ما لي أراك حزيناً، فقال: كان لي قرّة عين فمات، فتمثَّل×:

عطيَّتُه إذا أعطى سرورٌ *** وإن أخذ الذي أعطى أثابا

فأيّ النعمتين أعمّ شكراً *** وأجزلُ في عواقبها إيابا

أنِعمتُه التي أبدت سروراً *** أم الأخرى التي ادّخرتْ ثوابا؟

ثم قال×: «إذا أصابك من هذا شيءٌ فأفِضْ من دموعك؛ فإنّها تسكن»([17]).

لكنّ هذه الأبيات قد تمَّت نسبتها في كتابَيْ: فوات الوفيات، والوافي بالوفيات، إلى الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد(625 ـ 702هـ / 1228 ـ 1302م)، مع بعض التغييرات، حيث أتت على النحو التالي:

عطيّتُه إذا أعطى سرورٌ *** فإن سلب الذي أعطى أثابا

فأيّ النعمتين أعدّ فضلاً *** وأحمد عند عقابها إيابا

أنعمته التي كانت سروراً *** أم الأخرى التي جلَّت ثوابا؟([18])

ونسبت في العقد الفريد إلى محمود الورّاق(؟ ـ 220هـ /؟ ـ 840م)، وأن الأبيات كانت ضمن قصيدة يرثي فيها جاريته نشوى، والقصيدة هي:

ومنتصح يكرِّر ذكر نشوى *** على عمد ليبعث لي اكتئابا

فقلت وعد ما كانت تساوي *** سيسحب ذاك من خلق الحسابا

عطيّته إذا أعطى سرورٌ *** وإنْ أخذ الذي أعطى أثابا

فأيّ النعمتين أعم فضلاً *** وأحمد في عواقبها إيابا

أنعمته التي أهدت سروراً *** أم الأخرى التي أهدت ثوابا؟

بل الأخرى وإن نزلت بكرهٍ *** أحقّ بشكر مَنْ شكر احتسابا([19])

ورغم وجود اختلاف في تحديد الشاعر الحقيقي لهذه الأبيات، إلاّ أن عبارة «فتمثَّل×»، التي أوردها صاحب الدعوات، تقف مانعاً أمام إمكان نسبتها إلى الإمام الصادق×، وخصوصاً مع غياب دليلٍ آخر قويّ يعارض هذه الصيغة.

(4)

ذكر ابن عبد ربّه في كتابه العقد الفريد: «ونظر جعفر بن محمد إلى فتى على ثيابه أثر المداد، وهو يستره، فقال له:

لا تجزعنّ من المداد فإنّه *** عطر الرجال وحلية الآداب([20])

ومع أننا لم نعثر على البيت في أيٍّ من المصادر الحديثية التي نعتمد عليها في هذا البحث، إلا أنّ اعتبارية كتاب العقد الفريد وقيمته العالية في مجال الأدب العربي تجعلنا نطمئن إلى صحّة نسبة البيت إلى الإمام الصادق×.

ونشير إلى أن الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرات الأدباء قد نسب البيت لمحمد بن مهران(؟)([21]). وأما في كتاب أدب الإملاء فقد أورد السمعاني ثلاثة أبيات في قافية الباء تحمل نفس معنى البيت المنسوب إلى الإمام الصادق، وقريبة من معناه، لكنه جعلها للشاعر أحمد بن يحيى، حيث قال: «أخبرنا أبو جعفر حنبل بن عليّ الصوفي بجامع هراة: أخبرنا ناصر بن الحسين السجزي أبو بكر أحمد بن أبي حكيم: أنشدني أحمد بن يحيى:

لا تجزعنّ من المداد ولطخه *** إنّ المداد خلوق ثوب الكاتب

وابهَجْ بذلك إنما هو زينة *** هبة من الله الجليل الواهب

وشمّ المداد لكاتب في ثوبه *** سمة تلوح له بحسن مناقب([22])

قافية التاء ــــــ

(5)

قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار: «أقول: وجدت في عقد الدرر، لبعض الأصحاب، بإسناده عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن ابن الزيات، عن الصادق×، أنه قال: كانت صهاك جارية لعبد المطلب، وكانت ذات عجز، وكانت ترعى الإبل، وكانت حبشية، وكانت تميل إلى النكاح، فنظر إليها نفيل، فهواها وعشقها في مرعى الإبل، فوقع عليها، فحملت منه بولده، فلمّا أدرك البلوغ نظر إلى أمّه صهاك، فأعجبه عجزها، فوثب عليها، فحملت منه بجاريةٍ، فلما ولدتها خافت من أهلها، فجعلتها في صوف، وألقتها بين أحشام مكة، فوجدها أحدهم، فحملها في بيته وربّاها، وكانت شيمة العرب أنه مَنْ ربّى يتيماً يتّخذه ولداً، فلمّا بلغت تلك الفتاة رآها أبوها، ولم يكن يعلم بأنّها من صلبه، فخطبها، وتزوَّج منها، فولدت له ولداً، فكان الوالد أباً لولده وجدّه وخاله، وكانت أمه أخته وعمته، وينسب إلى الصادق× في هذا المعنى شعر:

مَنْ جدُّهُ خالُهُ ووالدُه *** وأمُّهُ أختُهُ وعمَّتُه

أجدر أن يبغض الوصيّ *** وأن ينكر يوم الغدير بيعته([23])

لكننا لم نعثر على هذين البيتين في المصادر الحديثية التي نعتمد عليها مصدراً ومرجعاً أولياً في بحثنا هذا. كما ولم نجدها في كتب الأدب. ممّا يجعل الادّعاء بأنها من أشعار الإمام الصادق× ادّعاءً ضعيفاً، وخصوصاً إذا أضفنا أنّ المجلسي قد استعمل عبارة «ويُنسب إلى الصادق× في هذا المعنى شعر»، والذي لا يشعر بصحة النسبة، وأنها مجرد ادّعاء بدون دليلٍ.

 

قافية الحاء ــــــ

(6)

صلّى الإله ومَنْ يحفّ بعرشه *** والطيِّبون على الإمام الناصحِ

وعلى القرابة الذين تهضّموا *** بالنائبات وكلّ خطب فادحِ

طلبوا الحقوق فأُبعدوا من دورهم *** وعوى عليهم كلّ كلب نائح

لُعن الذي عاداهم وقلاهم *** وشاهم في كلّ قلب كاسح([24])

وباستثناء البيت الأول فإنّ باقي الأبيات لم تذكر ضمن مصادرنا في الحديث والأدب. كما أن البيت الأول وجدناه البيت الثامن عشر في قصيدةٍ لحسّان بن ثابت الأنصاري(؟ ـ 54هـ / ؟ ـ 673م) من تسعة عشرة بيتاً كانت في رثاء الرسول الأكرم|، والتي كان مطلعها:

ما بالُ عينك لا تنامُ كأنَّما *** كحلت مآقيها بكُحل الأرمَد

كما جاء في ديوانه: «على المبارك أحمد»، بدل عبارة «على الإمام الناصح»([25]).

ولم يذكر العلامة المجلسي في موسوعته بحار الأنوار إلاّ أبياتاً لأبي طالب×، يُقال بأنه سمعها من عالم الغيب، وهي كالتالي:

صلّى الإله وكلّ عبد صالح *** والطيِّبون على السراج الواضح

المصطفى خير الأنام محمد *** الطاهر العلم الضياء اللائح

زين الأنام المصطفى علم الهدى *** الصادق البرّ التقيّ الناصح

صلى عليه الله ما هبّ الصبا *** وتجاوبت ورق الحمام النائح([26])

وبالنظر إلى كون مصادرنا في الأدب والحديث لم تأتِ على ذكر تلك الأبيات فلا تثبت بذلك نسبتها إلى الإمام الصادق×. وكون كلٍّ من كتابَيْ: الدرّ الثمين؛ وحضرة الصادق×، قد ذكرت هذه الأبيات، وجعلتها ضمن الأشعار المنتسبة إلى الإمام الصادق× ليس له مؤثِّرية؛ بلحاظ عدم اعتبار الكتابين في ما نعتمده من مصادر أصيلة.

 

قافية الخاء ــــــ

(7)

جاء في بحار الأنوار: «سُئل عن محمد بن عبد الله بن الحسن؟ فقال×: ما من نبيّ ولا وصيّ ولا مَلَكٍ إلاّ وهو في كتابٍ عندي، يعني مصحف فاطمة. واللهِ، ما لمحمد بن عبد الله فيه اسمٌ. وأنشأ الصادق× يقول:

وفينا يقيناً يعدُّ الوفاء *** وفينا تفرِّخُ أفراخُه

رأيت الوفاء يزين الرجال *** كما زين العِذقُ شِمراخَه([27])

ونفس الشعر بإضافة البيت الثالث ثبت لعقبة بن النعمان العتكي(؟ ـ 20هـ / ؟ ـ 641م). وقد قال ابن حجر العسقلاني بشأنه، في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة: «عقبة بن النعمان العتكي، أبو النعمان، من أهل عمان. ذكره وثيمة في الردة، وأنه ثبت على إسلامه، وشيع عمرو بن العاص في جماعة من قومه، حتّى قدموا على أبي بكر، فشكر لهم أبو بكر ذلك، وهو القائل:

وفَيْنا وفينا يفيضُ الوفاء *** وفينا يفرِّخ أفراخَه

كذلك الوفاء يزين الرجال *** كما زين الصدق شمراخه

وفَيْنا لعمرو وقلنا له *** وقد نفخ الطير نفّاخه([28])

وبالنظر إلى كون الكتب القديمة في الحديث لم تأتِ على ذكر الأبيات، سوى ما كان من بحار الأنوار والمناقب، وبالنظر كذلك إلى كون عبارة «أنشأ الصادق× يقول» غير صريحة في نسبة الأبيات إلى الإمام الصادق×، وبالإضافة إلى وجود أقوال في أنّ الأبيات هي لشاعر من شعراء مرحلة الإسلام، فإننا لا نستطيع أن ننسب الأبيات إلى الإمام الصادق×، وأن نجعلها من أشعاره.

 

قافية الدال ــــــ

(8)

جاء في بحار الأنوار نقلاً عن مناقب ابن شهرآشوب: «[عن] موسى بن جعفر×، قال: دخلت ذات يوم الكُتّاب ومعي لوحي. قال: فأجلسني أبي بين يديه، وقال: يا بنيّ، اكتب:

تنحَّ عن القبيح ولا تُرِدْه

ثم قال: أجِزْه، فقلتُ:

ومَنْ أوليتَه حسناً فزِدْه

ثم قال:

ستلقى من عدوّك كلّ كيدٍ

فقلت:

إذا كاد العدوُّ فلا تكِدْهُ

قال: فقال: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ﴾ (آل عمران: 43)([29]).

لقد نسب هذا الشعر إلى أبي العتاهية(130 ـ 211هـ / 747 ـ 826م)، وورد في ديوانه المعروف باسمه([30]). لكننا نجد في المقابل كلاًّ من الوافي بالوفيات، وفوات الوفيات، وكذلك ربيع الأبرار، للزمخشري، قد نسبوا الأبيات إلى الخليفة العباسي هارون بن محمد بن هارون، الواثق بالله(190 ـ 232هـ / 805 ـ 847م). وجاءت في الوافي بالوفيات وفوات الوفيات وربيع الأبرار عبارة «ستكفى»، مكان «ستلقى»، وكذلك ورد في تاريخ بغداد: «أخبرنا أبو منصور بن جعفر الجيلي: أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران: أخبرنا محمد بن يحيى قال: حدَّثني عبد الله بن المعتز: حدَّثنا عبد الله بن هارون النحوي، عن محمد بن عطية مؤدِّب المهتدي قال: قال محمد بن المهتدي: كنت أمشي مع الواثق في صحن داره، فقال لي: يا محمد، ادعُ لي بدواةٍ وقرطاس، فدعوت له، فقال: اكتب، فكتبت:

تنحَّ عن القبيح ولا تُرِدْهُ *** ومَنْ أوْلِيْتَه حَسَناً فزِدْهُ

ستُكفى من عدوِّك كلَّ كَيْدٍ *** إذا كادَ العدوُّ فلا تَكِدْهُ

ثم قال اكتب:

هي المقادير تجري في أعنّتها *** واصبر فليس لها صبر على حال

ثم فكّر طويلاً، فلم يأتِه شيءٌ آخر، فقال: حسبك»([31]).

وفي نسبة هذا الشعر إلى الإمام الصادق× نحن أمام احتمالين اثنين:

1ـ احتمال أن يكون الإمام الصادق× قد تمثَّل بشعر أبي العتاهية، والواثق بالله.

2ـ احتمال أن يكون أبا العتاهية والواثق قد قرآ شعر الإمام×.

أمّا الاحتمال الأول فإنه بعيدٌ؛ وذلك لأن الإمام الصادق× قد استشهد سنة 148هـ، وكان أبو العتاهية قد ولد في سنة 130، أي قبل ثمانية عشرة سنة من شهادة الإمام الصادق×. لذا لا نستطيع القول: إنّ الإمام إنّما قرأ هذا الشعر وهو لأبي العتاهية، اللهمّ إلاّ إذا استطعنا أن نثبت أن أبا العتاهية وهو في سن الثامنة عشرة من عمره قد سلك طريق الزهد والزهّاد، واشتغل بالوعظ والإرشاد، وهو عكس ما نقلته ودوّنته كتب الأدب عنه؛ حيث نقلت كتب تاريخ الأدب والأدباء أنّ أبا العتاهية عاش في الكوفة في زمن شبابه، وكان منشغلاً بحياة اللهو واللعب، وكان يقضي أيامه في مجالس المجون واللعب، وانتقل في زمن حكومة المهدي العباسي(159 ـ 169هـ) إلى بغداد، ولازم الخليفة يمدحه، ويقول فيه الشعر، حتى وقع حبّه على إحدى جواري قصر المهدي، فكانت سبباً في انتقاله إلى إنشاد شعر الزهد والتزهّد([32]).

وهذا يعني أنه لم ينتقل إلى شعر الزهد إلاّ بعد أن تجاوز الثلاثين من عمره، وبعد مرور أحد عشر عاماً على شهادة الإمام الصادق×.

أما بالنسبة إلى الواثق بالله فإنّه ولد بعد شهادة الإمام باثنين وعشرين سنة.

والخلاصة أن احتمال أن يكون الإمام قد تلا شعر أبي العتاهية، أو الواثق، احتمال منتفٍ، وليس هناك تاريخياً ما يدعمه.

وبالنظر إلى أن كتاب مناقب ابن شهرآشوب وكتاب بحار الأنوار، اللذين قاما بنقل هذا الشعر، متأخِّران عن زمن الإمام الصادق×، وفي الحدّ الأدنى يُتوقَّع احتمال الخطأ في نسبة الشعر فيهما إلى الإمام الصادق×، تصبح النتيجة أنهما قاما بنسبة شعر أبي العتاهية أو الواثق بالله إلى الإمام الصادق× من طريق الخطأ. وحتّى مع كون ديوان أبي العتاهية لم يدوَّن إلاّ في القرن الخامس الهجري على يد أبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي(423هـ ـ 1070م)، والذي هو متأخِّر عن زمن الإمام الصادق×، فإنّه كذلك يعتبر؛ بلحاظ تاريخ تدوينه، مقدَّماً على تاريخ تأليف مناقب ابن شهرآشوب. ومن مجموع هذه المعطيات نصل إلى أن نسبة هذا الشعر إلى الإمام أمر لا دليل له، ولا مستند.

(9)

جاء في بحار الأنوار: «عن القاسم بن محمد السراج، عن محمد بن أحمد الضبي، عن محمد بن عبد العزيز، عن عبيد الله بن موسى، عن سفيان الثوري، عن الصادق جعفر بن محمد صلوات الله عليه، قال: يا سفيان، أمرني والدي× بثلاث، ونهاني عن ثلاث، فكان في ما قال لي: يا بنيّ، مَنْ يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومَنْ يدخل مداخل السوء يتّهم، ومَنْ لا يملك لسانه يندم، ثم أنشدني:

عوِّدْ لسانك قول الخير تحظ به *** إنَّ اللسان لما عوَّدت معتاد

موكَّلٌ بتقاضي ما سننتَ له في الـ *** خير والشّر فانظُرْ كيف تعتاد([33])

وقد ورد نفس الشعر في كلٍّ من: روضة العقلاء، ونزهة الفضلاء، لابن حبان، دون أن ينسبوه إلى أحد، واكتفوا بذكر عبارة «ولقد أحسن الذي يقول»([34])، مع تغيير في كلمات البيتين على الشكل التالي:

عوِّدْ لسانك قول الخير تنجُ به *** من زلّة اللفظ بل من زلّة القدم

واحرز كلامك من خِلٍّ تُنادِمُه *** إنّ النَديم لمشتقٌّ من النَّدم([35])

ولكون صفي الدين الحلّي تقريباً قد ولد بعد خمسمئة سنة من زمن الإمام الصادق×، وهو من الشعراء الشيعة، لذا يحتمل أن يكون نقل هذا الشعر عن الإمام الصادق.

أما الذهاب إلى كون الشعر الأول هو للإمام بشكلٍ يقيني فهذا ممّا لا تعضده حجّة؛ وذلك لأن غالبية الأشعار الحكمية غير متعلّقة بشاعرٍ بعينه. كما أن عبارة «أنشدني» ليست صريحة في كون الشعر للإمام فعلاً، حيث أقصى ما ترمز إليه أن الإمام في مقام التمثيل بشعر أحدهم، وليس بالضرورة من كلامه.

(10)

ممّا جاء في كتاب مناقب ابن شهرآشوب: «كان الصادق× يتمثل:

لآل المصطفى في كلّ عام *** تجدَّد بالأذى زفرٌ جديد([36])

إلا أننا لم نعثر على هذا الشعر في المصادر الحديثية والأدبية. وكما يظهر من عبارة «فتمثَّل»، التي استهلّ بها كتاب المناقب هذا الشعر، فإنها إنشاد شعر أحد الشعراء، وليس يلازمها أن يكون من تأليفه، وهذا يعني أن الإمام× إنّما أنشد شعراً لأحد الشعراء؛ نظراً للمطابقة الموضوعية.

وقد نسب كتاب الصراط المستقيم هذا الشعر إلى الإمام الرضا×(153 ـ 203هـ / 770 ـ 818م) حيث جاء كالتالي:

لآل محمد في كلّ عصر *** تجدّد في أذى زفر جديد

إذا زفر مضى زفر تولّى *** يشيب نواصياً طفل وليد([37])

(11)

روى المجلسي في بحار الأنوار قائلاً: «رُوي أن الصادق× كان يتمثَّل كثيراً بهذين البيتين:

أخوك الذي لو جئت بالسيف عامداً *** لتَضْربَه لم يستغِشَّك في الوِدِّ

ولو جئته تدعوه للموت لم يكُنْ *** يردّك إبقاءً عليك من الرَّدِّ([38])

ونفس الشعر بإضافة البيت الثالث أورده العقد الفريد، والزهرة، بدون أيّ نسبةٍ، وهو كالتالي:

أخوك الذي إنْ قمت بالسيف عامداً *** لتضربه لم يستغشّك في الوِدِّ

ولو جئت تبغي كفَّه لتبينَها *** لبادَرَ إشفاقاً عليك من الرَّدِّ

يرى أنه في الودِّ كان مقصِّراً *** على أنه قد زاد فيه على الجهدِ([39])

وجاء في كتاب الزهرة: «في عمد»، بدل «في الودّ». كذلك بدل «كان مقصِّراً» جاء: «وإنْ مقصِّراً»([40]).

وكما ورد في بحار الأنوار فإنّ الأصحّ نسبة هذه الأبيات الشعرية إلى أحد الشعراء، وإنّما تمثَّل بها الإمام، وليست من تأليفه. ولا يلتفت إلى غير هذا القول.

(12)

قالوا بمكّة بيت مالٍ داثرٍ *** وكنوزُه من لؤلؤ وزَبَرجَدٍ

فأردت أمراً حال ربي دونه *** والله يدفع عن خراب المسجد

فتركت ما أمَّلتُه فيه لهم *** وتركتهم مثلاً لأهلِ المشهدِ([41])

وكتب العلامة المجلسي في البحار: «عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أبي عيسى، عن الحسن بن عليّ، عن عمر بن أبان، رفعه أنّ تُبَّع قال في مسيره:

حتّى أتاني من قريظةَ عالمٌ *** حبرٌ لعمرُك في اليهود مسدَّد

قال: ازدجِر عن قرية محجوبةٍ *** لنبيّ مكّة من قريشٍ مهتَد

فعفوتُ عنهم عفو غير مثرَّب *** وتركتهم لعقاب يوم سرمَد

وتركتها لله أرجو عفوَه *** يوم الحساب من الحميم الموقد

فلقد تركتُ له بها من قومنا *** نفراً أولي حسب وممَّنْ يحمد

نفراً يكون النصر في أعقابهم *** أرجو بذاك ثواب ربِّ محمد

ما كنت أحسب أن بيتاً طاهراً *** لله في بطحاء مكة يعبد

قالوا: بمكة بيت مال داثر *** وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد

فأردت أمراً حال ربّي دونه *** والله يدفع عن خراب المسجد

فتركتُ ما أملته فيه لهم *** وتركتهم مثلاً لأهل المشهد

 

قال أبو عبد الله×: كان الخبر أنه سيخرج من هذه يعني مكّة نبيّ يكون مهاجره يثرب، فأخذ قوماً من اليمن، فأنزلهم مع اليهود؛ لينصروه إذا خرج، وفي ذلك يقول التُّبَّع:

شهدت على أحمد أنّه *** رسول من الله بارئ النسم

فلو مدّ عمري إلى عمره *** لكنت وزيراً له وابن عمِّ

وكنت عذاباً على المشركين *** أسقيهم كأس حتفٍ وغمِّ([42])

وفي مكانٍ من البحار ذكر العلامة المجلسي، نقلاً عن مناقب ابن شهرآشوب: «روى ابن بابويه في كتاب النبوة أنّه قال أبو عبد الله×: إن تبَّعاً قال للأوس والخزرج: كونوا هاهنا حتّى يخرج هذا النبيّ، أمّا أنا لو أدركتُه لخدمته، ولخرجت معه، ورُوي أنه قال:

قالوا بمكة بيت مال داثر *** وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد

فأردت أمراً حال ربي دونه *** والله يدفع عن خراب المسجد

فتركت ما أملته فيه لهم *** وتركتهم مثلاً لأهل المشهدِ([43])

والذي يظهر صريحاً من كلّ هذه الأشعار أنها في الواقع للشاعر تُبَّع، ولا علاقة لها بالإمام×. اللهمّ إلاّ ما كان من باب التمثيل والإنشاد، وهذا يعني أنّ ما نقله كتاب ديوان أهل البيت^ لم يكن يخلو من الخطأ والاشتباه.

(13)

نقل إرشاد القلوب للديلمي، عن سفيان الثوري، أنه قال: «قصدتُ جعفر بن محمد×، فأذن لي بالدخول، فوجدتُه في سرداب ينزل اثنتي عشرة مرقاة، فقلت: يا بن رسول الله، أنتَ في هذا المكان مع حاجة الناس إليك؟ فقال×: يا سفيان، فسد الزمان، وتنكّر الإخوان، وتقلّب الأعيان، فاتّخذنا الوحدة سكناً. أمعك شيء تكتب؟ قلتُ: نعم، فقال: اكتب شعراً:

لا تجزّعَنَّ لوحدةٍ وتفرُّد *** ومن التفرّدِ في زمانك فازدد

فَسُد الإخاء فليس ثَمَّ أخوّة *** إلا التملّق باللسان وباليد

وإذا نظرت جميع ما بقلوبهم *** أبصرت ثَمّ نقيع سمِّ الأسود

وإذا فتَّشت ضميره من قلبه *** وافيتَ عنه مرارة لا تنفد([44])

لقد نسبت بعض الكتب، ككتاب تحفة الحبيب، هذا الشعر لأبي حامد الغزالي(450 ـ 555هـ / 1058 ـ 1160 م)، وهو في ثلاثة أبيات، وتم وضع كلمة «ذهب الإخاء» مكان «فسد الإخاء». كما أن البيت الثالث جاء فيها كالتالي:

فإذا كشفت ضمير ما بصدورهم *** أبصرت ثم نقيع سمِّ الأسود([45])

وكما يلاحظ فإن هذا البيت هو تركيب من المصرع الأول من البيت الرابع والمصرع الثاني من البيت الثالث. بالإضافة إلى أن إرشاد القلوب، للديلمي(841هـ)، وكتاب مستدرك الوسائل، للمحدث النوري، قد تفرَّدا بروايته من كلّ المصادر الحديثية التي اعتمدناها في هذا البحث. والقول بأن هذه الأبيات هي للإمام الصادق×، ومن تأليفه، نتيجة يتيمة تفتقد إلى الدليل، وبالتالي فإنّنا لا نسلِّم بكونها للإمام× البتّة.

(14)

جاء في بحار الأنوار، نقلاً عن كتاب العدد القوية: «قال الثوري لجعفر بن محمد×: يا بن رسول الله، اعتزلت الناس؟ فقال: يا سفيان:

فسد الزمان وتغيَّر الإخوان *** فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد

ثم قال:

ذهب الوفاءُ ذهاب أمس الذّاهب *** والناس بين مخاتل وموارب

يفشون بينهم المودَّة والصّفا *** وقلوبهم محشوَّة بعقارب([46])

وكذلك نسب البيتان في كتاب المنتظم، لابن الجوزي، إلى الإمام الصادق×([47]). وفي مكانٍ آخر من بحار الأنوار نسب نفس الشعر إلى الإمام عليّ بن أبي طالب×. ووجدا في الديوان المنسوب إليه مع تغيير «والناس» بـ «فالناس»([48]).

والظاهر أنّ البيت الأول ليس شعراً، وإنما هو نثر موزون، واشتبه على ناقله فظنَّه شعراً. وقد أتى هذا البيت في بحار الأنوار نثراً، ولم يأتِ شعراً، حيث جاء على التالي: «فسد الزمان وتغير الإخوان، فرأيتُ الانفراد أسكن للفؤاد»([49]). ونحن إنما اعتمدنا على ما في روائع الأشعار وديوان أهل البيت^ فكتبناه منظوماً، وليس نثراً، على ما جاء فيهما.

(15)

روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار، نقلاً عن العروس، للنرماشيري، أن «سائلاً سأله ـ أي سأل الإمام الصادق× ـ حاجةً، فأسعفها، فجعل السائل يشكره، فقال×:

إذا ما طلبت خصال الندى *** وقد عضك الدهر من جهده

فلا تطلبنّ إلى كالح *** أصاب اليسارةِ من كدّه

ولكنْ عليك بأهل العلى *** ومَنْ ورِث المجد عن جدِّه

فذاك إذا جئته طالباً *** تحبّ اليسارة من جدِّه([50])

ونظراً إلى غياب هذا الشعر عن الكتب الأدبية المعتمدة لدينا، والذي يعني عدم الادّعاء لنسبته إلى أحد من الأدباء أو الشعراء؛ كما أن عدم وجود عبارات مثل «فتمثَّل»، التي تعني أن الإمام إنّما كان في مقام قراءة ما جادت به قريحة بعض الشعراء الحكميين، فإنّنا نستطيع القول بأن هذه الأبيات هي فعلاً للإمام الصادق× بدون منازع.

 

قافية الراء ــــــ

(16)

عن بحار الأنوار، نقلاً عن أمالي الشيخ الصدوق: «عن ابن المتوكِّل، عن عليّ، عن أبيه، عن ابن ابي عمير، عمَّنْ سمع أبا عبد الله× يقول:

لكلّ أناس دولة يرقبونها *** ودولتنا في آخر الدهرِ تَظْهَر([51])

ولم نجد مَنْ تحدَّث عن هذا الشعر ضمن المصادر الأدبية التي اعتمدناها هنا. وبذلك نستطيع التأكيد على صحّة انتسابه إلى الإمام الصادق×. وقد روى المجلسي عن والد الإمام الصادق روايةً في نفس المعنى، حيث قال: «عن أبي جعفر× قال: دولتنا آخر الدول»([52]).

(17)

جاء في كتاب الصراط المستقيم: «رواه ابن جبر في نُخَبه عن الصادق×:

محال وجود النار في بيت ظلمة *** وأن يهتدي في ظِلّ حيران حائرٌ

فلا تطمَعوا في العدل من غير أهله *** ولا في هدي من غير البصائر

ولم يذكر أيٌّ من المصادر الأدبية والحديثية هذا الشعر، وبالتالي لم تتضارب الآراء حول قائله. من هنا نستطيع الاطمئنان بنسبته إلى الإمام الصادق×.

(18)

جاء في بحار الأنوار، وكذلك المناقب، نقلاً عن كتاب محاسن البرقي: «قال الصادق× لضريس الكناسي: لِمَ سمَّاك أبوك ضُرَيْساً؟ قال: كما سمّاك أبوك جعفراً، قال: إنّما سمّاك أبوك ضريساً لأن لإبليس ابناً يقال له: ضريس، وإن أبي سمّاني جعفراً بعلم على أنّه اسم نهرٍ في الجنّة. أما سمعت قول ذي الرمّة:

أبكي الوليد أبا الوليد *** أخا الوليد فتى العشيرة

قد كان غيثاً في السنين *** وجعفراً غدقاً وميرةً([53])

ولم نجد كتاب محاسن البرقي قد أتى على ذكر هذا البيت. كما أن ديوان ذو الرمّة، باختلاف طبعاته (طبعة كمبريدج، طبعة دار الأرقم، دار الكتاب العربي، دار الكتب العلمية، وطبعة دار المعرفة)، لم يأتِ على ذكره.

وبغضّ النظر عن ذلك فقد وجدنا البيت منسوباً في رواية إلى أمّ سلمة زوج النبيّ الأكرم|، أنشدته في رثاء الوليد بن المغيرة. وجاء في الكافي: «عن أبي جعفر محمد الباقر× [قال]: مات الوليد بن المغيرة، فقالت أمّ سلمة للنبيّ|: إنّ آل المغيرة قد أقاموا مناحةً فأذهب إليهم؟ فأذن لها، فلبست ثيابها، وتهيّأت، وكانت من حسنها كأنّها جانّ، وكانت إذا قامت فأرخت شعرها جلَّل جسدها، وعقدت بطرفَيْه خلخالها، فندبت ابنَ عمِّها بين يدي رسول الله، فقالت:

أنعى الوليد أبا الوليد *** أخا الوليد فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجد *** يسمو إلى طلب الوتيرة

قد كان غيثاً في السنين *** وجعفراً غدقاً وميرة

قال: فما عاب ذلك عليها النبيّ|، ولا قال شيئاً» ([54]).

وباستثناء كتاب الكافي فقد جاءت الرواية في باقي الكتب على الشكل التالي:

أنعى الوليد بن الوليد *** أبا الوليد فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجداً *** يسمو إلى طلب الوتيرة

قد كان غيثاً في السنين *** وجعفراً غدقاً وميرة

ومع العلم أن ذا الرمة من شعراء زمن حكم الأمويين(77 ـ 117هـ / 696 ـ 735م) فكيف أمكن لأمّ سلمة رضي الله عنها أن تنشد أشعاره؟! ومهما يكن فإنّ القدر الثابت أنّ هذا الشعر ليس للإمام الصادق×.

(19)

إنْ عادت العقرب عدنا لها *** وكانت النعل لها حاضرة([55])

وهذا البيت أنشده الإمام الصادق× في إحدى مناظراته مع داوود بن عليّ حول مسألة الولاء، في مجلس هشام بن عبد الملك. ونسبه كتابا المناقب وبحار الأنوار([56]) إلى الحسين بن عليّ×، مضافاً إليه بيتاً ثانياً. وجاء في المناقب، نقلاً عن محاسن البرقي: «قال عمرو بن العاص للحسين×: يا بن عليّ، ما بال أولادنا أكثر من أولادكم؟ فقال:

بغاث الطير أكثرها فراخاً *** وأمّ الصقر مقلاة نزور

فقال: ما بال الشيب إلى شواربنا أسرع منه في شواربكم؟ فقال×: إن نساءكم بخرة، فإذا دنا أحدكم من امرأته نكهت في وجهه، فيشيب منه شاربه. فقال: ما بال لحاكم أوفر من لحانا؟ فقال×: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً﴾ (الأعراف: 58). فقال معاوية: بحقي عليك إلاّ سكتّ؛ فإنّه ابن عليّ بن أبي طالب، فقال×:

إنْ عادت العقرب عدنا لها *** وكانت النعل لها حاضرة

قد علم العقرب واستيقنت *** أن لا لها دنيا ولا آخرة([57])

ولم نجد هذا الشعر في محاسن البرقي.

والشعر للفضل بن العباس بن أبي لهب(؟ ـ 95 / ؟ ـ 714م)، ويستعمل كضرب المَثَل. وذكر أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال: «أتجر من عقرب»، وهو [أي عقرب] تاجر من تجّار المدينة، وكان أمطل الناس، فعامله الفضل بن العباس بن أبي لهب، وكان أشدّ الناس اقتضاء، فلما حلّ المال قعد الفضل بباب عقرب يقرأ، وعقرب على شاكلته في المطل غير مكترث به، فلما أعياه قال يهجوه:

وتغير مصرع البيت الأول في كتاب الحيوان إلى «قد تجر العقرب في سوقنا». كذلك بدل «فغير مخشيّ» أتى «فغير ذي أيدٍ ولا ضائرة».

قد تَجَرت في سوقنا عقرب *** لا مرحباً بالعقرب التاجرة

كلّ عدوّ يُتقى مقبلاً *** وعقرب يخشى من الدابرة

كلّ عدو كيده في استه *** فغير مخشيّ ولا ضائرة

إن عادت العقرب عدنا لها *** وكانت النعل لها حاضرة([58])

قافية السين ــــــ

(20)

ولم تقم أيٌّ من المصادر الحديثية والأدبية المعتمدة لدينا بذكر هذا الشعر. وفي القول بانتسابها للإمام الصادق× نظرٌ.

تَوَقَّ سبعة أيام قد اطَّردت *** في كلّ شهر هلاليٍّ مناحسها

فثالث الشهر مذموم وخامسه *** وثالث العشرة الوسطى وسادسها

ثم اخشَ حادي عشرين فخشيته *** حتمٌ رابعها أيضاً وخامسها([59])

قافية العين ــــــ

(21)

ذكر المجلسي في بحار الأنوار روايةً عن أمالي الشيخ الصدوق: «[عن] ابن المتوكِّل، عن عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمَّنْ سمع أبا عبد الله× يقول: ما أحبّ الله عزَّ وجلَّ مََنْ عصاه، ثم تمثَّل فقال:

تعصي الإله وأنت تظهر حبّه *** هذا لعمرُك في الفِعال بديعٌ

لو كان حبُّك صادقاً لأطعتَه *** إنّ المحبَّ لمَنْ يحبُّ مطيعٌ([60])

ولقد نسب هذا الشعر لكلٍّ من: النابغة الذبياني(؟ ـ 18هـ / ؟ ـ 605 م)؛ وذي الرمّة(77 ـ 117هـ / 696 ـ 735 م)؛ ومحمود الورّاق(؟ ـ 220هـ / ؟ ـ 840م).

ولحقت به بعض التغييرات في كلٍّ من ديوان ذي الرمّة ومحمود الورّاق، حيث أتى المصرع الثاني من البيت الأوّل كالتالي: «هذا محالٌ في القياس بديع»([61])، وفي ديوان النابغة الذبياني كان «في المقال» بدل «في الفعال»، و«لو كنت تصدق حبّه لأطعته» بدل «لو كان حبك صادقاً لأطعته»([62]).

(22)

ورد في كتاب البحار، نقلاً عن الكافي: «عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن عليّ، عن مروان بن مسلم، عن عمّار، قال: قال لي أبو عبد الله×: أخبرت بما أخبرتك به أحداً؟ قلتُ: لا، إلاّ سلمان بن خالد، قال أحسنت، أما سمعت قول الشاعر:

فلا يَعدُوَنْ سرّي وسرُّك ثالثاً *** ألا كلُّ سرٍّ جاوز اثنين شائعُ([63])

ولقد نسب هذا البيت في كلٍّ من: كتاب الكامل، للمبرد؛ ونهاية الإرب، للنويري، لجميل بثينة(؟ ـ 82هـ / ؟ ـ 701م)([64]). لكننا لم نجد له ذكراً في نفس ديوان جميل بثينة. بينما تمّت نسبته في كتاب الأغاني لقيس بن الحدادية(؟ ـ 10هـ / ؟ ـ 612م)، ضمن قصيدة مطلعها:

أجدّك إنْ نُعمٌ نأت أنت جازع *** قد اقتربت لو أنّ ذلكَ نافِعُ

كما جاء في هذه المصادر «يسمعن» بدل «يعدون».

(23)

عن بحار الأنوار: «روى سفيان الثوري له×:

لا اليُسرُ يَطرؤنا يوماً فيُبطرنا *** ولا لأزمة دهرٍ نُظهرُ الجَزَعا

إنْ سرَّنا الدهر لم نبهج لصحّته *** أو ساءنا الدهر لم نظهر له الهَلَعا

مثلُ النجوم على مِضمار أوَّلِنا *** إذا تغيَّب نجمٌ آخر طلعا([65])

ورُوي في المناقب وديوان أهل البيت «يطرقنا» بدل «يطرؤنا». ونظراً لأننا لم نعثر على مَنْ نسب هذه الأبيات إلى أحد من الشعراء، وما دامت المصادر الأدبية المعتمدة في هذا البحث لم تتعرَّض لهذه الأبيات، فإنّ نسبتها إلى الإمام الصادق× تزداد صحّة، وتفرض نفسها.

 

قافية الفاء ــــــ

(24)

ولم يزل سيدي بالحمد معروفاً *** ولم يزل سيدي بالجود موصوفاً

وكان إذ ليس نور يستضاء به *** ولا ظلام على الآفاق معكوفاً

فربّنا بخلاف الخلق كلّهم *** وكلّ ما كان في الأوهام موصوفاً

ومَنْ يرده على التشبيه ممتثلاً *** يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفاً

وفي المعارج يلقى موج قدرته *** موجاً يعارض طرف الروح مكفوفاً

فاترك أخا جدل في الدين منعمقاً *** قد باشر الشكّ فيه الرأي مأووفاً

واصحب أخا ثقة حبّاً لسيّده *** وبالكرامات من مولاه محفوفاً

أمسى دليل الهدى في الأرض مبتسماً *** وفي السماء جميل الحال معروفاً

ولقد قرأ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب× هذه الأبيات على منبر الكوفة، وأنشدها الإمام الصادق× نقلاً عنه([66]). ولم نجد مَنْ ينسبها إلى أحد من الشعراء. ومع ذلك فقد وجدنا هذه الأبيات في ديوان الإمام عليّ على الشكل التالي:

قد كنت يا سيدي بالقلب معروفاً *** ولم تزل سيدي بالحمد معروفاً

وكنت إذ ليس نور يستضاء به *** ولا ظلام على الآفاق معكوفاً

قربتنا بخلاف الخلق كلّهم *** وكل ما كان في الأوهام موصوفاً

ومَنْ يرده على التشبيه ممتثلاً *** يرجع أخا حصر بالعجز مكنوفاً

وفي المعارج يرقى موج قدرته *** موجاً يعارض صرف الريح مكفوفاً

فاترك أخا جدل بالدين مشتبهاً *** قد باشر الشكّ منه الرأي موؤوفاً

واصحب أخا مقة حبّاً لسيده *** وبالكرامة من مولاه محفوفاً

أمسى دليل الهدى في الأرض منتشراً *** وفي السماء جميل الحال معروفاً([67])

 

قافية القاف ــــــ

(25)

ورد في بحار الأنوار أنّ الإمام الصادق× روى عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين أنّه قال: «حتّى متى تعدني الدنيا وتخلف، وأءتمنها فتخون، وأستنصحها فتغشّ، لا تحدث جديدة إلاّ تخلق مثلها، ولا تجمع شَملاً إلاّ بتفريق بَينٍ، حتّى كأنها غيرى أو مُحتجبة تغار على أُلاَّف، وتحسد أهل النِّعَمِ. شعر:

فقد آذنَتني بانقطاع وفُرقةٍ *** وأومضَ لي من كلّ أفقٍ بُروقُها([68])

وتجدر الإشارة إلى أنّه في كلٍّ من: بحار الأنوار([69])؛ وكشف الغمّة، لم ترد عبارة «شعر». ومع وجود هذه الكلمة يصعب علينا التسليم بكون هذا البيت الشعري للإمام السجاد×؛ إذ من المحتمل أن يكون هذا البيت قد أُضيف للرواية. ومهما يكن الأمر فإننا لم نعثر عليه ضمن المصادر الحديثية والأدبية المعتمدة لدينا.

 

قافية اللام ــــــ

(26)

في بحار الأنوار: عن عنبسة العابد أنه قال: «لمّا توفي إسماعيل بن جعفر قال الصادق×: أيّها النّاس، إن هذه الدنيا دار فراق، ودار التواء، لا دار استواء، في كلامٍ له، ثم تمثَّل بقول أبي الخراش:

فلا تحسَبي أنِّي تناسَيت ُعهدَه *** ولكنَّ صبري يا أُمَيمُ جَميلُ([70])

وجاء في بحار الأنوار([71]): «ولا تحسبنّ»، بدل «ولا تحسبي».

والبيت هو شعر لأبي الخراش الهذلي(؟ ـ 15هـ / ؟ ـ 636م)، ضمن قصيدة مطلعها:

لعمري لقد راعت أميمة طلعتي *** وإنّ ثوائي عندها قليل

كما جاء «فقده»، بدل عهده»([72]).

(27)

جاء في بحار الأنوار: «[عن] عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن أبي الأصبغ، عن بندار بن عاصم، رفعه عن أبي عبد الله×، قال: قال: ما توسَّل إليَّ أحدٌ بوسيلة، ولا تذرَّع بذريعةٍ، أقرب له إلى ما يريده منّي من رجلٍ سلف إليه منّي يدٌ أتبعتها أختها، وأحسنت ربها، فإنّي رأيتُ منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل، ولا سخت نفسي بردِّ بكر الحوائج. وقد قال الشاعر:

وإذا بليت ببذل وجهك سائلاً *** فابذِلْه للمتكرِّم المِفضالِ

إنّ الجواد إذا حباك بموعدٍ *** أعطاكه سلساً بغير مطالِ

وإذا السؤالُ مع النوال قَرَنْتَه *** رجَحَ السؤال وخفَّ كلُّ نَوالِ([73])

ولقد نسب هذا الشعر إلى ثلاث أشخاص:

1ـ الإمام علي×، وتغايرت روايته عن السابق في عدّة مواضع، حيث جاء كالتالي:

ما اتّعاضَ باذِلُ وجهِه بسُؤالِه *** عِوَضاً ولو نال المُنى بسؤالِ

وإذا السُؤال مع النَّوال وزَنتَه *** رجح السُؤال وخفَّ كلُّ نَوالِ

وإذا ابتُليت بِبَذل وجهِك سائِلاً *** فَابذِلْه للمتكرِّم المِفضالِ

إنّ الكَريمَ إذا حَباك بِنَيله *** أعطاكه سَلِساً بغَيرِ مِطالِ([74])

2ـ بشّار بن برد(95 ـ 167هـ / 713 ـ 783م)، وروي بالشكل التالي:

حَذَفَ المُنى عنه المُشمِّر في الهدى *** وأرى مُناكَ طويلةَ الأذيالِ

حِيَل ابن آدم في الحياة كثيرةٌ *** والموت يَقطع حيلةَ المحتالِ

قِستُ السؤال فكان أعظمَ قيمةً *** من كلِّ عارفةٍ جَرَتْ بسؤالِ

فإذا ابتُليت ببذل وجهك سائلاً *** فابذِلْه للمتكرِّم المفضالِ

وإذا خشيت تعذُّراً في بلدةٍ *** فاشدُد يديك بعاجل الترحالِ

واصبر على غِيَر الزمان فإنّما *** فرج الشدائد مثل حلّ عقال([75])

3ـ أبو العتاهية(130 ـ 211هـ / 747 ـ 826 م)، في قصيدة مطلعها:

حِيَلُ البِلى تأتي على المُحتالِ *** ومَساكِنُ الدنيا فهنَّ بَوالِ

وجاءت بعض التغييرات في باقي الأبيات على الشكل التالي:

وإذا ابتليت ببذل وجهك سائلاً *** فابذِلْه للمتكرِّم المفضالِ

إنّ الشريف إذا حباك بموعدٍ *** أعطاكه سَلِساً بغيرِ مِطالِ

ولم يأتِ في ديوانه البيت الثالث «وإذا السؤال مع النوال قرنته…»([76])، وكان في قصيدة أخرى مطلعها:

قطّعتُ منك حبائلَ الآمالِ *** وحططتُ عن ظهر المَطيّ رِحالي

ولم يتكرَّر في هذه القصيدة سوى البيت الأول: «وإذا ابتُليت ببذل وجهك سائلاً…»([77]).

(28)

نقل المجلسي في بحار الأنوار: «وقال الحافظ عبد العزيز: وقال إبراهيم بن مسعود: قال كان رجل من التجّار يختلف إلى جعفر بن محمد×، يخاطبه ويعرفه بحسن حال، فتغيَّرت حاله، فجعل يشكو إلى جعفر، فقال×:

فلا تَجزعْ وإنْ أعسرتَ يوماً *** فقد أيسرتَ في زمنٍ طويل

ولا تيأسْ فإنّ اليأس كُفرٌ *** لعلَّ اللهَ يُغني عن قليل

ولا تظنَّنْ بربِّك ظنَّ سَوء *** فإنَّ الله أولى بالجميلِ([78])

وأتى المصرع الثاني من البيت الأول بالنحو التالي:

فلا تَجزَعْ وإنْ أعسرتَ يوماً *** فكم أرضاك باليسر الطويل

كما جاء «غير خير»، بدل «ظنّ سوء»([79]).

كما رُويت هذه الأشعار عن أمير المؤمنين×، ضمن قصيدة مطلعها:

ألا فاصبر على الحدث الجليلِ *** وداوِ جَواك بالصبر الجميل

وفي الديوان الموسوم باسمه الشريف تغيَّرت «وإنْ عسرت»، التي حلّ مكانها «إذا أعسرت»، وبدل «في زمن طويل» أتى «في دهر طويل»([80]).

وأتى هذا الشعر في المستطرف وربيع الأبرار بدون نسبة([81]). كما أتى «في الزمن الطويل» بدل «في زمن طويل».

(29)

ذكر كشف الغمّة أنّه: «أنشدني بعض العلويين لبعض الأصحاب:

عَتبْتُ على الدنيا وقلتُ إلى متى *** تَجورين بالهمِّ الذي ليس ينجلي

فكلُّ شريفٍ من سُلالة هاشمٍ *** يكون عليه الرزق غير مُسهَّل

فقالت: نعم، يا بن البتول؛ لأنّني *** حقَدتُ عليكم حين طلَّقني علي([82])

وحسب ما نقله كشف الغمّة فإن شاعر هذه الأبيات غير معروف. لكننا وجدنا كتاب سلك الدرر ينسبها إلى الإمام الصادق×، حيث قال: «فمنه [عبد الجليل المواهبي] قوله مشطِّراً الأبيات المنسوبة إلى جعفر الصادق×:

عتبت على الدنيا وقلت إلى متى *** تسيئين صنعاً مع ذوي الشرف الجلي

أفاقدة الإنصاف حتى عليهم *** تجورين بالهمّ الذي ليس ينجلي

فكلّ شريف من سلالة هاشمٍ *** بسيّء حظّ في مذاهبه ابتُلي

ومع كونه في غاية العز والعُلا *** يكون عليه الرزق غير مسهَّل

فقالت: نعم، يا بن البتول؛ لأنّني *** خسيسة قدر عن علاكم بمعزل

وأمّا إساءتي فذلك أنّني *** حقدتُ عليكم حين طلّقني علي([83])

قافية الميم ــــــ

(30)

وإذا بليت بعسرةٍ فاصبِرْ لها *** صبر الكريم فإنّ ذلك أحزمُ

لا تشكونَّ إلى العباد فإنّما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحمُ([84])

ونسب صاحب الكشكول شيخ الطائفة العلاّمة البهائي هذه الأبيات إلى الإمام زين العابدين×([85]). وذكرها ابن قتيبة، وفي عيون الأخبار، دون أن ينسبها إلى أحد، وجاء البيت الأول على الشكل التالي:

وإذا ابتُليت بمِحنة فالبِسْ لها *** ثوبَ السكوتِ فإنّ ذلك أسلمُ([86])

وبالنظر إلى عدم عثورنا على هذا البيت ضمن المصادر التي اعتمدناها، سواء في الحديث والرواية أو في الأدب، فإننا لا نستطيع الحديث عن نسبتها إلى الإمام الصادق×، وخصوصاً مع علمنا بأن ديدن كتاب ديوان أهل البيت^ التسامح في تخريج الأشعار.

(31)

روى المجلسي في البحار، نقلاً عن معاني الأخبار: «[عن] ابن المتوكِّل، عن الحميري، عن ابن عيسى، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي، قال: قلتُ لأبي عبد الله×: إنّ صاحبتي هلكَتْ، وكانت لي موافقة، وقد هممت أن أتزوَّج، فقال: انظر أين تضع نفسك، ومَنْ تشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرّك وأمانتك، فإنْ كنت لا بُدَّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير، وإلى حسن الخلق. واعلم أنَّهنَّ كما قال [الشاعر]:

ألا إنَّ النساء خُلقْنَ شتَّى *** فمنهنَّ الغنيمةُ والغرامُ

ومنهنَّ الهِلال إذا تجلّى *** لصاحبه ومنهنَّ الظلامُ

فمَنْ يظفَر بصالحِهِنَّ يَسعَد *** ومَنْ يُغبَن فليس له انتقامُ([87])

وكما يلاحظ فإنّ الإمام× قد استهلّ الأبيات بقوله: كما قال الشاعر. وعلى الظاهر فإن هذه الأبيات من الشعر الحِكْمي المتداول بين الناس، يستشهدون بها حين تطابق المقام، ويأخذونها مَثَلاً.

 

قافية النون ــــــ

(32)

نقل المجلسي في بحار الأنوار: «روى الأصمعي له×:

أثامن بالنفس النفيسة ربّها *** فليس لها في الخلق كلّهم ثَمَنُ

بها يشترى الجناّت إنْ أنا بعتُها *** بشيءٍ سواها إنَّ ذلكم غَبَنُ

إذا ذهبت نفسي بدنيا أصبتُها *** فقد ذهبَت نفسي وقد ذهب الثَّمَنُ([88])

وما دامت مصادرنا في الأدب لم تتحدَّث عن هذه الأشعار، وهو ما يعني عدم نسبتها إلى غير الإمام×، كما ذهبت إلى ذلك مصادرنا المعتمدة في الحديث، فإننا نطمئن إلى كونها من أشعار الإمام الصادق× بدون منازع.

(33)

جاء في بحار الأنوار: «وقال×: علمُنا غابر ومزبور، ونَكْت في القلوب، ونَقْر في الأسماع، وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة، وإنّ عندنا الجامعة، فيها جميع ما يحتاج الناس إليه، ويروى له×:

في الأصل كنا نجوماً يستضاء بنا *** وللبريّة نحن اليوم برهانُ

نحن البحور التي فيها لغائِصِكم *** درٌّ ثمينٌ وياقوتٌ ومرجانُ

مساكنُذ عنا فبرهوت مساكنه *** ومن اتانا فجنات و ولدان

القدس والفردوس نَملكها *** ونحن للقدس والفردوس خُزّانُ

مَنْ شذَّ عنّا فَبرهوتٌ مساكنُه *** ومَنْ أتانا فجنّاتٌ ووِلدانُ([89])

وكذلك لم تأتِ مصادرنا الأدبية على ذكر هذه الأبيات، مما جعلنا نطمئن لصدورها من الإمام الصادق×. ولا يؤثِّر في هذا كون البحار والمناقب فقط مَنْ اعتنى بذكر هذه الأبيات، وباقي المصادر في الحديث لم تأتِ على ذكرها، كما لم تأتِ على ذكر الأبيات التي نقلناها في العدد 32.

(34)

نقل الشيخ الصدوق في أماليه: «ابن المتوكِّل، عن عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمَّنْ سمع أبا عبد الله× يقول:

اعمَلْ على مهلٍ فإنّك ميِّتٌ *** واختَرْ لنفسك أيّها الإنسانا

فكأنّ ما قد كان لم يكُ إذ مضى *** وكأنّ ما هو كائنٌ قد كانا([90])

وجاء البيتان في كتاب البيان والتبيين، للجاحظ، دون أن يتمّ نسبتهما إلى أحد، مع وجود اختلاف طفيف في روايتهما على النحو التالي:

فاعمَلْ على مهلٍ فإنّك ميِّتٌ *** واكدَحْ لنفسك أيّها الإنسانُ

فكأنَّ ما قد كان لم يكُ قد مضى *** وكأنَّ ما هو كائنٌ قد كانا([91])

وعلى ما يبدو فإنّ البيتين من الشعر الحِكْمي المشهور بين الناس؛ وذلك لأن المصادر المعتمدة في الحديث لم تأتِ على ذكرهما. كما وأن عبارة «سمع أبا عبد الله× يقول» غير صريحة في أنّ هذا الشعر من تأليفه، وإنّما هو كان في مقام إنشادهما.

 

قافية الهاء ــــــ

(35)

نقل العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار، نقلاً عن رجال الكشّي: «[عن] محمد بن مسعود، عن إسحاق بن محمد البصري، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن بشير الدهّان، قال: قال أبو عبد الله× لمحمد بن بكير الثقفي: ما تقول في المفضَّل بن عمر؟ قال: ما عسيتُ أن أقول فيه؟! لو رأيت في عنقه صليباً، وفي وسطه كستيجاً، لعلمت أنه على الحقّ بعدما سمعتك تقول فيه ما تقول. قال: رحمه الله، لكن حجر بن زائدة وعامر بن جداعة أتياني فشتماه عندي، فقلتُ لهما: لا تفعلا؛ فإني أهواه، فلم يقبلا، فسألتهما، وأخبرتهما أنّ الكفَّ عنه حاجتي، فلم يفعلا، فلا غفر الله لهما. أما إني لو كرمت عليهما لكرم عليهما مَنْ يكرم عليّ، ولقد كان كثير عزّة في مودّته لها أصدق منهما في مودّتهما لي، حيث يقول:

لقد علمَتْ بالغيب أنّي أحبُّها *** إذا هو لم يكرم عليّ كريمها

أما إني لو كرمت عليهما لكرم عليهما مَنْ يكرم عليّ»([92]).

وجاء في مستدرك الوسائل: «أني أخونها»، بدل «أنّي أحبها».

وهذا الشعر الذي قاله الإمام يرجع إلى كثير عزّة(40 ـ 105هـ / 660 ـ 723م)، وكان مطلعه:

عفت غيقةٌ من أهلها فحريمُها *** فبُرقَة حِسمى قاعُها فصريمُها

وقد علمَتْ بالغيب أن لن أودَّها *** إذا هِي لم يَكرُم عليَّ كريمُها([93])

(36)

في بحار الأنوار، نقلاً عن كتاب المسلسلات: «حدَّثني أبو القاسم عليّ بن محمد بن عليّ العلوي قال: سمعتُ محمد بن أحمد السناني: سمعتُ محمد العلوي العريضي يقول: سمعتُ عبد العظيم بن عبد الله الحسني يقول: سمعتُ أحمد بن عيسى العلوي يقول: سمعت أبا صادق يقول: سمعتُ الصادق جعفر بن محمد× يقول: تمثيل لأبي ذرّ الغفاري:

أنتَ في غفلة وقلبك ساهي *** نفِد العمر والذنوب كما هي

جمّة حصلت عليك جميعاً *** في كتاب وأنت عن ذاك ساهي

لم تبادر بتوبة منك حتّى *** صرت شيخاً وحبلك اليوم واهي

عجباً منك كيف تضحك جهلاً *** وخطاياك قد بَدَت لإلهي

فتفكَّرْ في نفسك اليوم جهداً *** وسَلْ عن نفسك الكرى يا تاهي([94])

قافية الياء ــــــ

(37)

نقل المجلسي في البحار: «[عن] ابن المتوكِّل، عن عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمَّنْ سمع أبا عبد الله× يقول كثيراً:

علم المحجّة واضح لمريده *** وأرى القلوب عن المحجّة في عمى

ولقد عجبتُ لهالكٍ ونجاتُه *** موجودةٌ ولقد عجبتُ لمَنْ نجا([95])

وورد هذا الشعر في ديوان أبي العتاهية، ضمن قصيدة مطلعها:

مَنْ أحسَّ لي أهل القبور ومَنْ رأى *** مَنْ أحسَّهم لي بين أطباق الثَّرى

وجاءت فيه عبارة «بيِّن لمريده»، بدل «واضح لمريده»([96]).

وموقفنا من نسبة هذا البيت إلى الإمام الصادق× أو لأبي العتاهية تماثل موقفنا من البيت الشعريّ رقم ثمانية.

 

خلاصة لمطالب هذا البحث ــــــ

 

كما يلاحظ فالعديد من الأشعار التي تمَّت نسبتها إلى الإمام الصادق× منسوبة في نفس الوقت إلى شعراء آخرين، وعثر على العديد منها في دواوينهم. ومن 37 مورداً فقط تحقّق نسبة 7 موارد إلى الإمام الصادق×، وهي عبارة عن الأشعار رقم: 4، 15، 16، 23، 29، 32، 33. وبالنسبة إلى الأشعار رقم: 9، 13، 20، 34 فقد ذكرنا أنّها محلّ نظر. وبالنسبة إلى الأشعار رقم: 8، 37 قلنا بالتوقُّف؛ وذلك لعدم كفاية الأدلّة التي ترجعها إلى الإمام×، أو إلى أبي العتاهية.

وعموماً فإنّ 6 موارد من المجموع قد سبقتها عبارات مثل «فتمثَّل»، والتي تدلّ في العرف المستعمل على أنّ الإمام× كان في مقام الإنشاد، وليس في مقام الإنشاء، وكانت عبارة عن الأشعار رقم: 3، 10، 11، 21، 26، 36، وفي 10 موارد منها سبقت عبارتي: «فأنشد»؛ و«قال»؛ ونحوهما، وهي غير دالّة على إنشاد الإمام× لتلك الأشعار، وهذه الموارد بالترتيب: 7، 9، 14، 15، 16، 19، 28، 31، 34، 37. وفي 4 موارد استعملت عبارة «رُوي له» ونحوها، وكانت في الموارد التالية: 5، 17، 23، 32. وفي 5 موارد أتى ذكر اسم أحد الشعراء، وهي عبارة عن: 12، 18، 24، 35، 36. وفقط في 3 موارد ذكر أنّ أحد الشعراء قد أنشد تلك الأبيات، دون ذكر اسمه، وهذه الموارد عبارة عن: 22، 27، 31.

نتيجة البحث ــــــ

1ـ إن أغلب المصادر الحديثية التي اعتمدناها في هذا البحث لم تلتزم الدقّة الكافية في نقل أشعار الإمام الصادق×، وغالباً ما تنقل شعر أحد الشعراء، وتقوم بنسبته إلى الإمام×. وإنّ في نسبة أحد الأشعار إلى أكثر من إمامٍ دلالةً على اعتماد تلك المصادر لأسلوب التسامح. ثمّ إن هذه الملاحظة تفتح لنا المجال للقول بأنّ ما تعانيه الأشعار المنسوبة إلى  الإمام الصادق× في هذه المصادر من عدم الدقّة وضعف التحقيق يجري على كلّ الأشعار المنتسبة إلى غيره من الأئمة^.

2ـ لقد نقل الإمام الصادق× أشعار العديد من الشعراء، وهو ما يدلّ على معرفته واطّلاعه على الشعر والأدب العربي.

3ـ إن الأشعار التي نقلها الإمام وأنشدها أغلبها ينتمي إلى الشعر الحِكْمي، وأشعار الموعظة.

4ـ إن الدواوين الشعرية التي عملت على تجميع أشعار الأئمّة؛ وبسبب التزامها التسامح والتساهل في تخريج تلك الأشعار، صارت ضعيفة الاعتبار. وبالتالي فهي تحتاج إلى تحقيق كثير؛ لتصفية أشعار الأئمة، والتمييز بين ما كان منها من إنشاداتهم وما كان من إنشاءاتهم. ونحن نرى أنّ الأفضل؛ وتجنباً للنقد والمؤاخذات العلمية، العدول عن تسمية تلك الكتب بدواوين شعر الأئمّة، وتسميتها بـ «ديوان الأشعار الواردة في كلمات وخطابات الأئمّة الأطهار^».

 

الهوامش

(*) أستاذٌ جامعي.

(**) أستاذٌ جامعي.

(***) طالبٌ في مرحلة الدكتوراه.

([1]) وسائل الشيعة 7: 404.

([2]) وسائل الشيعة 5: 213.

([3]) وسائل الشيعة 7: 403؛ بحار الأنوار 76: 292.

([4]) وسائل الشيعة 7: 404.

([5]) انظر: الأغاني 17: 44.

([6]) بحار الأنوار 76: 293.

([7]) المصدر نفسه.

([8]) وسائل الشيعة 14: 593.

([9]) بحار الأنوار 47: 24، 47: 311.

([10]) بحار الأنوار 91: 20.

([11]) ديوان أهل البيت: 5127، نقلاً عن دار السلام.

([12]) ديوان الإمام عليّ: 6384، الحاوي في فقه الشافعي 17: 209.

([13]) شرح الصدور: 282.

([14]) راجع: وفيات الأعيان 4: 78؛ شذرات الذهب 2: 57؛ تاريخ بغداد 12: 422.

([15]) ديوان أهل البيت: 5037، نقلاً عن الكبريت الأحمر.

([16]) بحار الأنوار 107: 32.

([17]) الدعوات: 285؛ مستدرك الوسائل 2: 353؛ بحار الأنوار 79: 88؛ ديوان أهل البيت 7: 504.

([18]) فوات الوفيات 2: 406؛ الوافي بالوفيات 4: 143.

([19]) العقد الفريد 3: 236؛ ديوان محمود الورّاق: 71.

([20]) العقد الفريد 4: 282؛ روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 484؛ ديوان أهل البيت 7: 503.

([21]) محاضرات الأدباء 1: 136.

([22]) أدب الإملاء والاستملاء: 149.

([23]) بحار الأنوار 31: 100؛ ديوان اهل البيت 7: 504.

([24]) الدرّ الثمين: 614؛ حضرة الصادق 4: 215.

([25]) ديوان حسان بن ثابت الأنصاري: 58.

([26]) بحار الأنوار 15: 325؛ الأنوار: 180.

([27]) بحار الأنوار 47: 32؛ المناقب 4: 273؛ روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 482؛ ديوان أهل البيت 7: 505؛ الدر الثمين 620، حضرة الصادق 4: 214.

([28]) الاصابة في معرفة الصحابة 5: 131.

([29]) بحار الانوار 48: 109، المناقب 4: 319، الدر الثمين 620.

([30]) ديوان أبي العتاهية: 122؛ المستطرف 1: 454.

([31]) تاريخ بغداد 14: 18.

([32]) راجع: تاريخ الأدب العربي: 217.

([33]) بحار الأنوار 68: 279، 75: 192؛ الخصال 1: 169؛ ديوان أهل البيت 7: 505؛ الدرّ الثمين: 615، حضرة الصادق× 4: 216.

([34]) روضة العقلاء: 51.

([35]) ديوان صفي الدين الحلّي: 654.

([36]) المناقب 2: 211؛ ديوان أهل البيت 7: 505،

([37]) الصراط المستقيم 3: 26.

([38]) بحار الأنوار 71: 166؛ أعلام الدين: 180؛ كنـز الفوائد 1: 94؛ ديوان أهل البيت 7: 506.

([39]) العقد الفريد 2: 227.

([40]) الزهرة 2: 753.

([41]) ديوان أهل البيت 7: 506.

([42]) بحار الأنوار 15: 182؛ كمال الدين 1: 170.

([43]) بحار الأنوار 15: 222؛ المناقب 1: 16.

([44]) إرشاد القلوب 1: 99؛ مستدرك الوسائل 11: 390؛ ديوان أهل البيت 7: 507.

([45]) تحفة الحبيب 5: 339.

([46]) بحار الأنوار 47: 60؛ العدد القوية: 153، تتمّة المنتهى: 262، روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 483، ديوان أهل البيت 7: 504؛ الدرّ الثمين: 613، حضرة الصادق 4: 216.

([47]) المنتظم 8: 111.

([48]) ديوان الإمام عليّ: 844.

([49]) بحار الأنوار 47: 60؛ المنتظم 8: 111.

([50]) بحار الأنوار 47: 24؛ المناقب 4: 274؛ العدد القوية: 155؛ روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 482، ديوان أهل البيت 7: 506؛ الدرّ الثمين: 621.

([51]) بحار الأنوار 51: 143؛ أمالي الصدوق: 489، روضة الواعظين 1: 212؛ ديوان أهل البيت 7: 507؛ الدرّ الثمين: 616.

([52]) بحار الأنوار 52: 332.

([53]) بحار الأنوار 47: 26؛ المناقب 4: 277.

([54]) الكافي 5: 117؛ وكذلك مسكن الفؤاد: 113؛ وسائل الشيعة 17: 125؛ مستدرك الوسائل 2: 381؛ بحار الأنوار 22: 226، 79: 107؛ تهذيب الأحكام 6: 359.

([55]) الكافي 8: 260؛ بحار الأنوار 22: 270، 36: 105، 44: 209، 47: 389؛ المناقب 4: 67؛ ديوان أهل البيت 7: 508.

([56]) بحار الأنوار 44: 209.

([57]) المناقب 4: 67.

([58]) جمهرة الأمثال 1: 281؛ مجمع الأمثال 1: 147؛ كتاب الحيوان4: 218.

([59]) ديوان أهل البيت 7: 512، نقلاً عن الاثني عشريّة.

([60]) وسائل الشيعة 15: 308؛ بحار الأنوار 47: 24، 67: 15، 75: 174؛ أمالي الصدوق: 489، تحف العقول: 294؛ روضة الواعظين 2: 418؛ فلاح السائل: 158؛ المناقب 4: 275؛ روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 480؛ ديوان أهل البيت 7: 508؛ الدرّ الثمين: 616؛ حضرة الصادق× 4: 215.

([61]) ديوان ذي الرمّة: ؛ ديوان محمود الورّاق: 227.

([62]) ديوان النابغة الذبياني: 131.

([63]) الكافي 2: 224؛ بحار الأنوار 72: 77.

([64]) الكامل 2: 229؛ نهاية الأرب 6: 81.

([65]) بحار الأنوار 47: 25؛ المناقب 4: 276؛ أخبار مكّة 2: 163؛ روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 481؛ ديوان أهل البيت 7: 508؛ الدرّ الثمين: 612؛ حضرة الصادق 4: 216.

([66]) بحار الأنوار 4: 305؛ التوحيد 309.

([67]) ديوان الإمام عليّ×: 378.

([68]) بحار الأنوار 46: 85، 75: 154؛ كشف الغمّة 2: 95؛ المناقب 4: 152.

([69]) بحار الأنوار 75: 154.

([70]) بحار الأنوار 47: 255، 47: 246، 79: 74؛ المناقب 1: 267؛ مستدرك الوسائل 2: 478؛ أمالي الصدوق: 238؛ روضة الواعظين 2: 444؛ كمال الدين 1: 74.

([71]) بحار الأنوار 47: 255.

([72]) الأغاني 21: 159؛ ديوان الهذليّين 2: 116.

([73]) الكافي 4: 25؛ بحار الأنوار 47: 38؛ وسائل الشيعة 9: 458.

([74]) ديوان الإمام عليّ×: 434.

([75]) ديوان بشّار بن برد 4: 146.

([76]) ديوان أبي العتاهية: 252.

([77]) ديوان أبي العتاهية: 249؛ الأغاني 4: 14.

([78]) بحار الأنوار 75: 203، روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 483، ديوان أهل البيت 7: 509؛ الدرّ الثمين: 617، حضرة الصادق× 4: 214.

([79]) ديوان أهل البيت 7: 509.

([80]) ديوان الإمام عليّ×: 430.

([81]) ربيع الأبرار 5: 336؛ المستطرف: 158.

([82]) كشف الغمّة 1: 177؛ ديوان أهل البيت 7: 509.

([83]) سلك الدرر 2: 235.

([84]) ديوان أهل البيت 7: 510، نقلاً عن الإمام الصادق، لدخيل.

([85]) الكشكول 1: 57.

([86]) عيون الأخبار 2: 644.

([87]) الكافي 5: 323؛ الفقيه 3: 386؛ التهذيب 7: 401؛ معاني الأخبار: 317؛ مكارم الأخلاق: 199؛ بحار الأنوار 100: 232؛ ديوان أهل البيت 7: 501.

([88]) بحار الأنوار 47: 25؛ المناقب 4: 275؛ روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 481؛ ديوان أهل البيت 7: 511؛ الدرّ الثمين: 619؛ حضرة الصادق 4: 212.

([89]) بحار الأنوار 47: 26؛ المناقب 4: 277؛ روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 482، ديوان أهل البيت 7: 511؛ الدرّ الثمين: 618؛ حضرة الصادق 4: 212.

([90]) أمالي الصدوق: 490؛ روضة الواعظين 2: 491؛ بحار الأنوار 47: 25، 68: 172، 265؛ المناقب 4: 276؛ روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 481، ديوان أهل البيت 7: 510؛ الدرّ الثمين: 618؛ حضرة الصادق 4: 214.

([91]) البيان والتبيين 3: 107.

([92]) بحار الأنوار 71: 279؛ رجال الكشّي: 329؛ مستدرك الوسائل 12: 235؛ فلاح السائل: 159.

([93]) ديوان كثير عزّة: 207.

([94]) بحار الأنوار 75: 453؛ ديوان أهل البيت 7: 512.

([95]) بحار الأنوار 2: 180، 47: 25؛ المناقب 4: 275؛ أمالي الصدوق: 49؛ روضة الواعظين 2: 465؛ روائع الأشعار من ديوان الأئمة الأطهار: 480؛ ديوان أهل البيت 7: 503؛ الدرّ الثمين: 622؛ حضرة الصادق 4: 213.

([96]) ديوان أبي العتاهية: 30.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً