أحدث المقالات

د. محمد علي راغبي(*)

السيد محمد تقي موسوي كراماتي(**)

ترجمة: سرمد علي

تمهيدٌ

إن العصمة من المقولات الواسعة، التي كَثُر البحث حولها في العلوم الإسلامية. وقد قدَّم علم الكلام ـ بوصفه منشأً للأبحاث والدراسات العقائدية ـ تحقيقاتٍ وأبحاثاً متعدِّدة حول مقولة العصمة. وقد تجلّى انعكاس الاتجاهات الفكرية المتبلورة حول مسألة العصمة في علم الكلام من خلال اتجاه المفسِّرين في علم التفسير بشكلٍ واضح، بحيث ذهب كلّ واحدٍ من المفسِّرين ـ عطفاً على النتائج المترتِّبة على الدراسات الكلامية ـ إلى بحث الآيات التي تُستفاد منها مسألة العصمة.

إن التبويب والفصل الفكري في هذا المجال الدراسي بحيث يتمّ التمييز فيه بين المسالك الكلامية المختلفة بشكلٍ كامل.

تحظى مسألة العصمة في التشيُّع بمكانةٍ ممتازة، ولا سيَّما أن الشيعة هم وحدهم ـ من بين الفِرَق الإسلامية ـ الذين يذهبون إلى القول بعصمة الإمام([1]).

وقد ذهب الدكتور محمد حسين الذهبي ـ وهو من باحثي ومحقِّقي أهل السُّنّة في الشأن القرآني ـ في المقدّمة التحليليّة التي يبيِّنها حول تفاسير الشيعة إلى الاعتقاد بأن مسألة عصمة الأئمّة الشيعة والقول بالإمام المهديّ والرجعة والتقيّة من أهمّ تعاليم الشيعة الاثني عشريّة([2]).

وحيث يُعَدّ تفسير مجمع البيان، للعلاّمة الطبرسيّ، من أشهر تفاسير الشيعة يبدو بحث مسألة العصمة، ودراسة كيفيّة الخَوْض فيها، من خارج المجال التخصُّصي لعلم الكلام، من قِبَل مفسِّرٍ شهير، مثل: العلاّمة الطبرسيّ، في غاية الأهمّية، ولا سيَّما أنه لا توجد في التفاسير قراءةٌ واحدة لمقولة العصمة، الأمر الذي يُضاعف من أهمّية وضرورة التعرُّف على كيفيّة الدفاع عن مسألة العصمة في ضوء المعطيات الكلاميّة والتفسيريّة.

مكانة العلاّمة الطبرسي في علم التفسير

هو أمين الإسلام، أبو عليّ، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (منسوبٌ إلى مدينة طبرس، وتعريبها «تفرش»، وهي مدينة بالقرب من ساوة)([3]). وقد عَدَّ الدكتور محمد حسين الذهبي كتاب «مجمع البيان» كتاباً عظيماً في مجال التفسير، وأنه يُنبئ عن هيمنة الشيخ الطبرسي على مختلف العلوم، ورأى تنظيم الكتاب وترتيبه وتدوينه جميلاً، واستحسن أسلوبه وبديع تنظيمه. وقد اعتبر الذهبي أن الشيخ الطبرسي كان موفَّقاً في تناول مختلف الأبعاد التفسيريّة، من القراءة واللغة والإعراب وأسباب النزول وشرح القصص، وقال بأنه يعمد إلى حلّ المعضلات التفسيريّة بما يرفع الإشكال، وتركن إليه النفس، ويورث الاطمئنان([4]).

مفهوم العصمة في اللغة

إن الحبل ـ طبقاً لما قاله الزجاج ـ هو المنشأ الأصلي لمفهوم العصمة. ولكنْ بعد أن توسَّع هذا المعنى صار يُستعمل في كلّ شيءٍ يؤدّي إلى حفظ شيءٍ آخر، حيث قال ما نصُّه: «أصل العصمة: الحبل. وكلُّ ما أمسك شيئاً فقد عَصَم»([5]).

وفسَّر الراغب الأصفهاني «العصم» بمعنى الإمساك([6])، وقال بأن المعنى الأوّلي لـ «العصمة» شيءٌ يشبه السوار الذي يحيط بالمعصم([7]).

وقد ذهب الشيخ الطبرسي في بيان المعنى اللغويّ للعصمة إلى اعتبارها صيانةً من الشرّ([8]).

حقيقة العصمة

لقد تمّ بيان أربعة آراء وتعريفات كلِّية لمفهوم العصمة([9]). إن هذه الآراء الأربعة عبارةٌ عن: اللطف الإلهيّ؛ وعدم خلق الذنب؛ والقدرة على الطاعة([10])؛ والمَلَكة النفسانيّة.

ومن بين هذه الآراء والتعريفات الأربعة تمّ تنظيم التعريفين الثاني والثالث على أساس المنهج الفكريّ للأشاعرة([11])، وهذا يؤدّي إلى جَبْريّة العصمة([12]).

وأما التعريفان الأوّل والرابع فقد تمّ بيانهما من قِبَل الإماميّة وبعض علماء أهل السُّنّة.

قال السيد المرتضى في تعريف العصمة على أساس اللطف: «اعلَمْ أن العصمة هي اللطف الذي يفعله تعالى، فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح»([13]).

وقال ابن أبي الحديد في تعريف العصمة: «قال أصحابنا: العصمة لطفٌ يمتنع المكلَّف عند فعله من القبيح، اختياراً»([14]).

وقيل في تعريف العصمة على أساس المَلَكة النفسانيّة: «العصمة مَلَكةٌ نفسانيّة تمنع المتَّصف بها من اقتراف الفجور، رغم قدرته على ذلك»([15]).

ومن بين المعاصرين ذهب الشيخ جوادي الآملي إلى اختيار هذا التعريف في بيان حقيقة العصمة؛ حيث قال: «إن العصمة مَلَكةٌ نفسانية قويّة، لها حضورٌ وظهورٌ دائم في وجود الإنسان، ولا يمكن لأيّ قوّةٍ، من قبيل: الغضب والشهوة و…، أن تزيلها»([16]).

كما ذهب الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي إلى استعمال هذا المعنى من العصمة أيضاً، وقال في توضيح ذلك: «حيث إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يمنع عبده من الخطأ والزَّلَل بهذه المَلَكة النفسانيّة يمكن اعتبار هذه المَلَكة النفسانيّة مانعةً من ارتكاب المعصية والخطأ، كما يمكن اعتبار الله صائناً وحافظاً لذلك الشخص من الذنب والخطأ»([17]).

في البحث عن جذور ومناشئ العصمة عمد أمين الإسلام الطبرسي ـ عطفاً على اللطف الإلهيّ ـ إلى بيان منشأين آخرين، وكلا المنشأين ينبثق عن الإرادة الإلهيّة في الحفاظ على وجود المعصوم من الشرّ. وإن هذه الصيانة والحصانة من الشرّ تشمل المساحتين: الداخليّة؛ والخارجيّة.

إن العصمةَ من كَيْد الكائدين والطهارةَ من دَنَس الذنوب في ظلّ اللطف الإلهيّ حيثيّتان يقول بهما الشيخ الطبرسي، حيث قال في هذا الشأن:

«1ـ أن يمنع عبده كَيْد الكائدين، كما قال سبحانه لنبيه|: ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (المائدة: 67).

2ـ أن يلطف بعبده بشيءٍ يمتنع عنده من المعاصي»([18]).

وقد ذهب في موضعٍ آخر إلى بيان اللطف الإلهيّ بأن منشأه ومصدره مَلَكةُ العصمة، حيث قال: «لأن العصمة هي اللطف الذي يختار عنده التنزُّه عن القبائح، والامتناع عن فعلها»([19]).

وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ﴾ (النساء: 113) ذهب أمين الإسلام الطبرسي إلى اعتبار مسألة العصمة أحد الوجوه المفهومية لرحمة الله على رسوله الكريم([20]).

إن هذا التقرير للعصمة يدلّ على أن مَلَكة العصمة تفضُّلٌ من الله على العبد، وليست مَلَكةً مكتَسَبة. كما أكَّد الشيخ المفيد من كبار علماء الإمامية على هذا الأصل([21]).

الدليل العقليّ على عصمة الأنبياء

أصل قبول الإطاعة دليلٌ عقليّ، يعمد الشيخ الطبرسي ـ على أساسه ـ إلى إثبات مَلَكة العصمة. فهو يرى أن الطاعة من الناس لأوامر ونواهي الأنبياء إنما تتحقَّق إذا كان الأنبياء معصومين ومنزَّهين من المعاصي، وإلاّ ففي غير هذه الحالة ـ بناءً على طبيعة البشر ـ لن يمكن تحقُّق الإطاعة من قِبَل الناس أبداً. وقال في هذا الشأن ما معناه: من الواضح أن النبيّ لو أذنب فإن الآخرين سوف يجتنبون الانصياع لأوامره ونواهيه؛ لأن طبيعة الإنسان تأبى قبول الأوامر ممَّنْ يحتملون في حقِّه ارتكاب المعصية([22]).

وقد أكَّد أمين الإسلام الطبرسي، على هامش بيان رأيٍ يشكِّك في عصمة النبيّ آدم×، أنه بناءً على الدليل العقليّ، الذي يُثبت العصمة، لا يمكن تقبُّل صدور المعصية والشرك وإطاعة الشيطان من قِبَل الأنبياء.

ثمّ نَوَّه إلى أنه في حالة عدم التوصُّل إلى الحقيقة المفهومية للآيات، والإدراك الصحيح لتأويلها، يجب علينا أن نعلم أن الآية تحمل مفهوماً يتطابق مع الدليل العقليّ([23]).

مساحة العصمة

إن مساحة عصمة الأنبياء من الأمور التي اختلفَتْ فيها آراء العلماء([24]).

وكذلك في مجال التفسير لا نشاهد آراءً واحدةً ومتناغمةً أيضاً.

وإن هذا الاختلاف الفكريّ والنظريّ إنما هو حصيلة الأفهام المختلفة الظاهرة في علم الكلام. كما قدَّم المفسِّرون بدَوْرهم ـ بتأثيرٍ من الاتجاهات الكلامية المقبولة في المدارس الإسلامية ـ قراءاتٍ خاصّةً عن العصمة.

كما أن تعيين المساحة الزمنية لعصمة الأنبياء من الوجوه التي اختلفَتْ الآراء بشأنها. يذهب المفسِّرون من أهل السُّنّة إلى الاعتقاد بأن المساحة الزمنيّة للعصمة تبدأ من البعثة، ولا يرَوْن ضرورةً لوجود العصمة قبل البعثة. وهذا هو الرأي الذي ذكره الفخر الرازي في تفسيره، حيث قال: «لا يجوز وقت النبوّة، أما قبل النبوّة فجائزٌ، وهو قول أكثر أصحابنا»([25]).

وقد ذهب المعتزلة في ما يتعلَّق بالعصمة الزمنية إلى القول بوجوب العصمة منذ بداية البلوغ([26]).

وأما الشيعة فيرَوْن وجوب العصمة للأنبياء في جميع الحياة، وهو ما أكَّده الطبرسي في تفسيره لآية سورة الفتح([27]).

ومن الموارد الجديرة بالذكر، والتي اختلفَتْ بشأنها الآراء بين الإماميّة وسائر الفِرَق الإسلامية، مسألة جواز الذنوب الصغيرة.

وذهب بعض الأشاعرة إلى جواز الارتكاب غير المتعمَّد للذنوب الصغيرة، وهو ما قال به الفخر الرازي، على سبيل المثال، وهو من المفسِّرين البارزين من الأشاعرة، حيث قال في تفسير الآية 52 من سورة الحج: «فلم يعصمهم من جواز السَّهْو ووسوسة الشيطان، بل حالهم في جواز ذلك كحال سائر البشر»([28]).

وقال في عبارةٍ أخرى، في بيان عدم اتّصاف الأنبياء برذيلة العُجْب: «الصغائر؛ فإنها جائزةٌ على الأنبياء بالسَّهْو والعَمْد، وهو يصونهم عن العُجْب»([29]).

وقد سلك المفسِّرون في تيار المعتزلة هذا النهج؛ إذ أجازوا ارتكاب الصغائر من قبل الأنبياء، ولم يرَوْا إشكالاً في ذلك. وهذا ما ذكره الزمخشريّ، ممثِّل تيّار الاعتزال في مجال علم التفسير، عند بيان قصّة النبيّ آدم×([30]). وقد تحدَّث الشيخ الطبرسي بدَوْره في بيان قصّة النبيّ آدم× عن ذهاب المفسِّرين من المعتزلة إلى هذا الرأي أيضاً([31]).

يذهب الشيخ الطبرسي إلى القول بشمول مساحة عصمة الأنبياء لجميع شؤون حياتهم وشخصياتهم، ويرى براءة أفعال الأنبياء والرُّسُل من جميع الذنوب، وفي جميع مراحل حياتهم([32]). وفي معرض نَقْده لقول المعتزلة بجواز صدور الذنوب الصغيرة من الأنبياء رَدَّ الشيخ الطبرسي بنفي الذنوب الصغيرة؛ إذ قال بعدم وجود الذنوب الصغيرة أصلاً، وإن الذنوب بأجمعها من نوع الكبائر، وإذا تحدَّثوا عن تقسيم الذنوب إلى: صغائر؛ وكبائر، فإنما ذلك منهم من باب المقارنة والنسبة بين ذنبين، يبدو أحدهما أكبر من الآخر. وبعد بيان هذه المقدّمة قال بأن ارتكاب الذنب يستلزم العقاب، ومن خلال نَفْي عقيدة حَبْط الذنوب قال ببراءة ساحة الأنبياء عن العقاب. وبعد بيان الدليل العقليّ على العصمة قال باستحالة صدور الذنب عن الأنبياء([33]).

وفي موضعٍ آخر ذهب الشيخ الطبرسي إلى القول بأن نسبة صدور الذنب إلى الأنبياء معلولٌ للمعرفة الناقصة عن الأنبياء؛ فهذه المعرفة الناقصة هي التي أدَّتْ إلى نسبة أكبر الكذب على الله إليهم، وقال في ذلك ما نصُّه: «ومَنْ أجاز العقاب على الأنبياء فقد أساء عليهم الثناء، وأعظم الفِرْية على الله»([34]).

المعصومون: دليل العصمة، وردٌّ للشبهات

لقد عرّف أمين الإسلام الطبرسي بثلاث طوائف تحظى بالعصمة بتصريح القرآن الكريم، وهم: الأنبياء؛ والأئمّة؛ والملائكة. وقد أثبت العصمة لكلّ واحدةٍ من هذه الطوائف الثلاثة بشكلٍ مختلف.

ففي خصوص الأنبياء عمد إلى إثبات لزوم العصمة لهم بالدليل العقليّ، ويسعى إلى رفع الشبهات الواردة على الأنبياء والمخلّة بعصمتهم.

وفي بيان عصمة الأئمّة يستند إلى الدليل النقليّ.

وفي التعريف بعصمة الملائكة تحدَّث بتلك الطريقة، ولكنْ باختصارٍ أشدّ.

أـ الأنبياء

إن عصمة جميع الأنبياء هي من بين المسائل التي يذكرها العلاّمة الطبرسي حول العصمة. وقد تحدَّث عن ذلك على هامش تفسير الآية 177 من سورة البقرة؛ حيث يقول: «وبالأنبياء كلّهم، وأنهم معصومون، وفي ما أدَّوْه إلى الخلق صادقون»([35]).

إن نتيجة الاعتقاد بمثل هذا الأصل هو نَفْي الرأي القائل ببلوغ جميع أبناء النبيّ يعقوب× مقام النبوّة. إن العلاّمة الطبرسي ـ على الرغم من ذهاب الكثير من المفسِّرين إلى مثل هذا الاعتقاد ـ يرفض هذا الرأي التفسيريّ؛ من خلال توظيف أصل العصمة؛ إذ يقول: «قال كثيرٌ من المفسِّرين: إنهم كانوا أنبياء. والذي يقتضيه مذهبنا أنهم لم يكونوا أنبياء بأجمعهم؛ لأن ما وقع منهم من المعصية في ما فعلوه بيوسف× لا خفاء به، والنبيّ عندنا معصومٌ من القبائح، صغيرها وكبيرها، وليس في ظاهر القرآن ما يدلّ على أنهم كانوا أنبياء»([36]).

وبعد تقريره لروايةٍ عن الإمام الباقر×، سعى إلى نَفْي أن يكون أبناء النبيّ يعقوب× من الأنبياء؛ وذلك استناداً إلى الدليل النقلي؛ إذ يقول: «عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر الباقر×، قال: قلتُ له أكان ولد يعقوب أنبياء؟ قال: لا، ولكنّهم كانوا أسباطاً، أولاد الأنبياء، ولم يكونوا فارقوا الدنيا إلاّ سعداء، تابوا وتذكَّروا ما صنعوا»([37]).

1ـ عصمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)

يذهب العلاّمة الطبرسي إلى تفسير الآيات التي تتنافى في ظاهرها مع عصمة رسول الله استناداً إلى ما ثبت بالدليل العقليّ القائم على أصل تنزيه النبيّ الأكرم| من الذنب والخطأ.

وفي هامش تفسيره لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التحريم: 1) رفض شبهة نسبة اقتراف الذنب إلى رسول الله|؛ إذ إن تحريم النبيّ الأكرم بعض اللذّات على نفسه، من دون سببٍ أو بفعل علّةٍ خاصّة، لا يُعَدُّ مصداقاً للذنب. ثمّ إنه يستنبط من ظاهر هذه الآية أنها في مقام تسكين خاطر النبيّ الأكرم|، وأن الذي يُستفاد من الآية هو المنزلة والمقام السامي والعالي لرسول لله|، والتقليل من مقام نسائه بالمقارنة إلى منزلته ومقامه([38]).

هذا، في حين أن بعض المفسِّرين من أهل السُّنّة قد استفاد من هذه الآية خطأ النبيّ الأكرم| في هذه القضية([39]).

وبطبيعة الحال هناك مَنْ أنكر بالكامل أن يكون ما فعله النبيّ من الذنوب الصغيرة أيضاً، وقال بأن ما قام به النبيّ الأكرم| إنما هو من قبيل: ترك الأَوْلى([40]).

إن قوله تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ (التوبة: 43) من الآيات التي توهَّم بعض المفسِّرين دلالتها على عدم عصمة النبيّ الأكرم|. وعلى هذا مذهب الجبائي من المنظِّرين للتيّار الفكري المعتزليّ.

وقد ذهب العلاّمة الطبرسي إلى اعتبار هذا القسم من الآية عتاباً لطيفاً، وقد سبق العتاب حديثٌ عن العفو. ثمّ انتقد رأي الجبائي القائل بأن عبارة «لِمَ أذنْتَ لهم» تدلّ على ارتكاب المعصية الصغيرة؛ لأن الأمر المباح لا يُستفاد من هذا التركيب المفهوميّ. يرى العلاّمة الطبرسي جواز استعمال مثل هذا التعبير في الأمر الذي يقوم به الفرد في مقابل عملٍ أفضل، ويشكِّك في انحصار هذا الأسلوب البيانيّ في خصوص ارتكاب المعصية. وبالإضافة إلى النقد الأدبيّ، يذهب العلاّمة الطبرسي بعد ذلك إلى نَقْد رأي الجبائي، بذكر دليلٍ نقليّ، وذلك حيث يقول: «كيف يكون إذنه لهم قبيحاً وقد قال سبحانه في موضعٍ آخر: ﴿فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ (النور: 62)؟!»([41]).

وفي موردٍ آخر، استناداً إلى استدلال السيد المرتضى، صار بصدد نَفْي الوجه القائل بأن المتعلّق المفهومي للآيات الأولى من سورة عبس هو رسول الله([42]).

إن خلاصة الأدلّة التي يسوقها كما يلي:

إن ظاهر الآية ساكتٌ عن أن يكون المراد منها هو رسول الله|، وعدم تصريحها يُحْمَل على هذا المعنى.

ثمّ إن رسول الله كان في تعامله مع أعدائه بريئاً ومنزَّهاً من العبوس، وعليه فهو بريءٌ من ذلك في تعامله مع أصحابه وأنصاره بطريقٍ أَوْلى.

ويؤيِّد ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4)، و﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159).

يُضاف إلى ذلك أن هناك روايةً مأثورة عن الإمام الصادق× تقول بأن المراد من هذه الآية هو شخصٌ من بني أميّة.

ثمّ قال العلاّمة الطبرسي: حتَى لو صحَّتْ الروايات المأثورة مع ذلك لا يثبت ذنبٌ على النبيّ الأكرم|؛ لأن الشخص الأعمى لا يطَّلع على عبوس رسول الله| حتّى يترتَّب على ذلك معصيةٌ.

كما أن العلاّمة لا يستبعد رأي الجبائي، ويراه جديراً بالتأمُّل والاهتمام. ويرى الجبائي أن هذا النَّهْي؛ حيث كان نَهْياً ابتدائياً، فإن إطلاق المعصية إنما يُحْمَل على فعلٍ يتحقَّق بعد صدور النَّهْي المذكور، وحيث كان فعل النبيّ الأكرم| قبل ذلك فلا يقع مصداقاً للذنب والمعصية([43]).

2ـ عصمة النبيّ آدم (عليه السلام)

احتدم البحث والجَدَل بين المفسِّرين حول إخراج النبيّ آدم× من الجنّة.

وقد ذهب العلاّمة الطبرسي إلى تفسير قوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾ (البقرة: 36) بحيث لا تُمَسّ عصمة النبيّ آدم×. فهو لا ينظر إلى المراد من الإخراج من زاوية العقوبة والمؤاخذة، وإنما يُفسِّر الإخراج بمعنى تغيير المصلحة([44]).

3ـ عصمة النبيّ نوح (عليه السلام)

لقد أدَّتْ الآيات التالية إلى ذهاب الظنّ ببعض المفسِّرين إلى عدم عصمة النبيّ نوح×، وهي: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (هود: 45 ـ 47).

وأما العلاّمة الطبرسي فلا يرى هذه الآيات منافيةً للعصمة؛ إذ يرى أن الطلب المذكور قد تحقَّق بقَيْد المصلحة، وأن عبارة: ﴿وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ قد صدرَتْ بداعي الخشوع تجاه الحقّ تعالى([45]).

4ـ عصمة النبيّ يوسف (عليه السلام)

لم يتمّ تجاهل بحث عصمة النبيّ يوسف× في كتاب مجمع البيان.

فمن خلال الاهتمام بنقل الأقوال والآراء المطروحة في هامش قصّة النبيّ يوسف× تمّ بحث عصمته على نطاقٍ أوسع. وقد أثبت بالأدلّة العقليّة والنقليّة معاً أن النبيّ يوسف× كان مبرّأً حتّى من التفكير في المعصية.

ففي خصوص الدليل العقليّ أكَّد أن فعل المعصية والهمّ بفعلها يتنافى مع مقام العصمة، حيث قال: «فقد دلَّتْ الأدلّة العقليّة التي لا يتطرَّق إليها الاحتمال والمجاز على أنه لا يجوز أن يفعل القبيح، ولا يعزم عليه، وهذا يتنافى مع مقام العصمة والنبوّة»([46]).

ومن الناحية النقليّة هناك آياتٌ تثبت عصمة النبيّ يوسف× بالكامل، من قبيل: قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ﴾ (يوسف: 24)؛ و﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ﴾ (يوسف: 52)؛ و﴿قُلْنَ حَاشَ للهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾ (يوسف: 51).

 

5ـ عصمة النبيّ موسى (عليه السلام)

وفي ما يتعلَّق بالنبيّ موسى× هناك آياتٌ يُفْهَم منها صدور الخطأ والمعصية، ومنها: قوله تعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ (القصص: 15).

وقد نقل أمين الإسلام الطبرسي الوجهين اللذَيْن ذكرهما السيد المرتضى في هامش الآية المتقدِّمة: الوجه الأوّل: إن النبي موسى× قد ترك عملاً مستحبّاً؛ لأنه قد حُرم من الثواب بموت المقتول، وهذا من عمل الشيطان. الوجه الثاني: إن عمل المقتول هو الذي كان من عمل الشيطان، بمعنى أنه كان مخالفاً لله، ومستحقّاً للقتل. وهذه الفقرة من الآية: ﴿إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ﴾ هي التي تشتمل على وصف الشيطان. ثمّ ذكر العلاّمة الطبرسي ثلاثة أوجه تُخْرِج فعل النبيّ موسى× من كونه عملاً قبيحاً: الوجه الأوّل: إنقاذ شخصٍ مؤمنٍ من يد شخصٍ ظالمٍ؛ الوجه الثاني: عدم تعمُّد أو إرادة ما وقع من القتل؛ الوجه الثالث: إن ما قام به النبيّ موسى× إنما كان من منطلق الدفاع. وهذه الأمور مجتمعةً تدلّ على أن النبيّ موسى× كان بريئاً من ارتكاب المعصية([47]).

6ـ عصمة النبيّ داوود (عليه السلام)

إن قصّة النبيّ داوود× وزوجته من القصص التي تخدش في عصمة الأنبياء.

وقد أدَّتْ الآيات التالية إلى ظهور مثل هذه الآراء: ﴿فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ﴾ (ص: 24 ـ 25).

يسعى العلاّمة الطبرسي، من خلال نَقْده لهذه القصة، إلى إثبات اختلاقها وعدم وجود أساسٍ لها، من الناحيتين العقليّة والنقليّة.

وفي البيان العقليّ يتقدَّم الاستدلال الثابت، الذي سبق ذكره، على اختلاف هذه القصّة عن مقام الأنبياء^، ويأخذ في هذا الاستدلال الحدّ الأوسط المتمثِّل بنفور الناس من الذنب بنظر الاعتبار([48]).

ومن الناحية النقليّة يستند العلاّمة الطبرسي إلى روايةٍ مأثورة عن الإمام عليّ×؛ حيث ذكر الإمام حدَّيْن لعقوبة قائل هذه القصّة المذكورة: حدّاً على الإساءة لمقام النبوّة؛ والآخر طبقاً لقانون الإسلام.

ومن الناحية الأدبيّة يحمل استغفار النبيّ داوود× على الخشوع والخضوع في مقابل الحقّ تعالى.

ويدلّ على ذلك قوله تعالى: ﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ﴾؛ لأن هذه العبارة قد وردَتْ في الجملة بصيغة الجزاء، وأسلوبُها يشبه أسلوب الآيات التالية: ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ (النساء: 142)؛ و﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ (البقرة: 15)([49]).

7ـ عصمة النبيّ سليمان (عليه السلام)

في ما يتعلَّق بقصّة النبيّ سليمان عمد بعض المفسِّرين إلى تفسير ظاهرها بما لا يتناسب مع مقام العصمة الثابت للأنبياء^، وذلك في قوله تعالى: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ﴾ (ص: 31 ـ 33).

وقد عمد العلاّمة الطبرسي، من خلال بيان روايةٍ مأثورةٍ عن الإمام عليّ×، إلى نفي الآراء المنافية لأصل العصمة:

قال ابن عبّاس: سألت عليّاً× عن هذه الآية؟ فقال: «ما بلغك فيها، يا بن عبّاس؟»، قلتُ: سمعت كَعْباً يقول: اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتّى فاتَتْه الصلاة؛ فقال رُدُّوها عليَّ ـ يعني الأفراس كانت أربعة عشر ـ، فأمر بضرب سُوقها وأعناقها بالسيف؛ فقتلها، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوماً؛ لأنه ظلم الخَيْل بقتلها، فقال عليٌّ×: «كذب كَعْبٌ. لكنْ اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يومٍ؛ لأنه أراد جهاد العدوّ، حتّى توارت الشمس بالحجاب، فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكَّلين بالشمس رُدُّوها عليَّ؛ فرُدَّتْ، فصلّى العصر في وقتها. وإن أنبياء الله لا يظلمون، ولا يأمرون بالظلم؛ لأنهم معصومون مطهَّرون»([50]).

والملفت للانتباه في هذا الحديث هو اشتماله على الاستدلال العقليّ، الأمر الذي أغنى العلاّمة الطبرسي عن بيان الدليل العقليّ في هذا الشأن.

 

ب ـ الأئمّة (عليهم السلام)

إن وجوب عصمة الأئمّة من الأصول القطعيّة ضمن معتقدات الإماميّة.

قال العلاّمة الحلّي في بيان هذا الأصل: «ذهبت الإماميّة إلى أن الأئمّة كالأنبياء، في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش، من الصغر إلى الموت، عَمْداً وسَهْواً؛ لأنهم حَفَظة الشرع، والقوَّامون به، حالهم في ذلك كحال النبيّ»([51]).

وقد تحدَّث الطبرسي عن عصمة الإمام بمزيدٍ من التفصيل، فهو يسعى، برؤيةٍ نقليّة كاملة، إلى إثبات عصمة أئمّة الشيعة بالأدلّة الواضحة المبيَّنة ضمن الآيات، وهي: آية الإمامة، وآية أولي الأمر، وآية التطهير.

1ـ آية الإمامة

لقد أثبت العلاّمة الطبرسي عصمة الأئمّة^ في ضوء الاستعانة بقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 124). فقد عمد في بادئ الأمر إلى التعريف بمنصب الإمامة ـ من خلال هذه الآية ـ بوصفه مقاماً ممتازاً، لا يتّصف به كلُّ نبيٍّ بالضرورة. ثمّ يعمد، عطفاً على القواعد البنيويّة للأدب العربيّ، إلى التذكير بتوظيف اسم الفاعل للزمان الحاضر والمستقبل. وأضاف: إن النبيّ إبراهيم× كان نبيّاً من قَبْل هذا. وعليه فإن المراد من الإمامة هو هذا المقام الممتاز الذي أخبَرَتْ به هذه الآية.

إن العلاّمة الطبرسي، من خلال الاستفادة من عموم الظلم في الآية، يستفيد وجوب العصمة من مدلولها؛ لأن الظلم من غير المعصوم لا يمكن اجتنابه، وإن غير المعصوم يظلم نفسه أو يظلم الآخرين قَطْعاً.

ثمّ عمد إلى طرح هذا السؤال القائل: من الممكن أن لا يكون في الآية شمولٌ لحالة الظلم، ولكنّها لا تدلّ على أكثر من ذلك، وأنه لا يمكن الحصول عليها في حالة التوبة؟

ويجيب عن ذلك بالقول: إن إطلاق قوله تعالى ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ غير مقيَّدٍ بزمانٍ خاصٍّ، وبالتالي مع وجود الظلم فإن الفرد مهما تاب لا يكتسب الصلاحية للإمامة([52]).

2ـ آية أولي الأمر

إن آية أولي الأمر هي الأخرى من الآيات التي استفاد منها العلاّمة الطبرسي لإثبات عصمة الأئمّة من أهل البيت^.

وقد ناقش الوجهين اللذَيْن يذكرهما علماء العامّة في تفسير هذه الآية ـ حيث يقولون: إن المراد منها هم الحكّام والعلماء ـ، من خلال ذكر روايةٍ مأثورة عن الإمامين الصادقين’. إن هذه الرواية تدور حول محور العصمة؛ وذلك لأن الطاعة المذكورة في هذه الآية قد وردَتْ بشكلٍ مطلق، وهذا لا يكون إلاّ من خلال العصمة؛ والشاهد على هذا المعنى ذكر أولي الأمر مقروناً بالله سبحانه وتعالى والرسول في سياقٍ واحد لوجوب الطاعة؛ حيث قال: «أما أصحابنا فإنهم روَوْا عن الباقر والصادق’ أن أولي الأمر هم الأئمّة من آل محمد، أوجب الله طاعتهم بالإطلاق، كما أوجب طاعته وطاعة رسوله، ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحدٍ على الإطلاق إلاّ مَنْ ثبتَتْ عصمته، وعلم أن باطنه كظاهره، وأمن منه الغَلَط والأمر بالقبيح، وليس ذلك بحاصلٍ في الأمراء، ولا العلماء سواهم، جلَّ الله عن أن يأمر بطاعة مَنْ يعصيه أو بالانقياد للمختلفين في القول والفعل؛ لأنه محالٌ أن يُطاع المختلفون، كما أنه محالٌ أن يجتمع ما اختلفوا فيه. وممّا يدلّ على ذلك أيضاً أن الله تعالى لم يقرِنْ طاعة أولي الأمر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسوله بطاعته إلاّ وأولو الأمر فوق الخلق جميعاً، كما أن الرسول فوق أولي الأمر وفوق سائر الخلق. وهذه صفة أئمّة الهدى من آل محمد|، الذين ثبتَتْ إمامتهم وعصمتهم، واتّفقَتْ الأمّة على عُلُوّ رتبتهم وعدالتهم»([53]).

3ـ آية التطهير

إن آية التطهير، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ (الأحزاب: 33)، من الآيات الأخرى التي استدلّ بها العلاّمة الطبرسي لإثبات عصمة الأئمّة الأطهار^.

فإنه، بعد بيان الروايات المأثورة في مصادر الفريقين، والدالّة على أن المراد من الآية هم أهل البيت^، ذكر من الناحية المفهوميّة وجوهاً يُفْهَم منها عصمتهم، ومن ذلك: اشتمال الآية على لفظ «إنَّما»، الدالّ على الحَصْر؛ حيث يجعل مصداق الآية ـ طبقاً لقواعد اللغة العربيّة ـ خاصّاً بأهل البيت^.

وإن لفظ الإرادة لا يفيد المعنى المطلق أيضاً؛ لأنه وارد في سياق المَدْح.

وعلى هذا الأساس، فإن الآية تدلّ على الطهارة، التي يُستَنْتَج منها ثبوت العصمة لأهل البيت^([54]).

ج ـ الملائكة

يستنبط العلاّمة الطبرسي عصمة الملائكة من قوله تعالى: ﴿لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: 6)، ويصرِّح بأن الملائكة معصومون من اقتراف الأعمال القبيحة، وأنهم يمتثلون أوامر الله، وينتهون عن نواهيه، ويطيعونه، ولا يعصونه شيئاً([55]).

التوفيق بين بعض الطروحات القرآنيّة والقول بالعصمة

هناك في مجموع القرآن بعض الطروحات التي تبدو للوَهْلة الأولى غير منسجمةٍ مع القول بعصمة الأنبياء^.

وقد سعى العلاّمة الطبرسي في جميع مواطن تفسيره إلى رفع التعارض البَدْوي عن هذه الطروحات، من خلال القول بأصل العصمة.

1ـ الأنبياء بين التوبة والعصمة

يرى العلاّمة الطبرسي نوعين للتوبة، وهما: التوبة من فعل المعصية؛ والتوبة من ترك المستحبّات. ويقول في هذا النوع الثاني: إن المعصوم بعد التوبة يسعى إلى عدم التقصير في أداء المستحبّات. وقد أعاد بعض معاني توبة الأنبياء في القرآن الكريم إلى هذا المعنى([56]).

وفي معرض تفسير قوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ (غافر: 55) ذكر وجهين آخرين، وهما: أوّلاً: الأمر التعبُّدي الصادر عن الله سبحانه وتعالى؛ كي يرتقي النبيّ في ضوئه إلى أعلى الدرجات والمنازل؛ وثانياً: أن يكون أسوةً للمؤمنين به، فيتبعونه ويقتفون أثره.

وعلى هامش دعاء النبيّ إبراهيم× يقدِّم وجهاً آخر لهذا المعنى، وقال في تفسير كلام النبيّ إبراهيم×: إن هذا الكلام منه انقطاعٌ إلى الله، وإن خليل الله قد تمكَّن من الوصول إليه([57]).

2ـ البلاء والعصمة

إن تعميم البلاء والمصيبة؛ بسبب الذنوب، مقولةٌ أخرى يذكرها العلاّمة الطبرسي في سياق التعريف بالعصمة.

إن ظاهر قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (الشورى: 30) يفيد أن كلّ مصيبةٍ إنما هي معلولةٌ لاقتراف معصيةٍ.

وإن الرواية المأثورة عن الإمام عليّ× ظاهرةٌ في هذا المعنى أيضاً: عن عليٍّ× أنه قال: قال رسول الله|: «خيرُ آيةٍ في كتاب الله هذه الآية. يا عليّ، ما من خَدْش عودٍ ولا نكبة قَدَمٍ إلاّ بذنبٍ، وما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه، وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثنّي على عبده»([58]).

وأما العلاّمة الطبرسي فإنه يخصِّص العموم المفهومي لهذه الآية؛ لعدّة أسباب، ومنها: حكاية مصائب الأطفال والمجانين عن عدم الشمول المفهوميّ للآية، حيث قال: «إن ذلك خاصٌّ، وإنْ خرج مخرج العموم؛ لما يلحق من مصائب الأطفال والمجانين ومَنْ لا ذَنْب له من المؤمنين؛ ولأن الأنبياء والأئمّة يُمتحنون بالمصائب، وإنْ كانوا معصومين من الذنوب؛ لما يحصل لهم على الصبر عليها من الثواب»([59]).

3ـ حاكميّة العصمة على بعض الخطابات القرآنيّة

قد لا تبدو بعض الخطابات القرآنية، للوَهْلة الأولى، منسجمةً مع القول بأصل العصمة.

وأما العلاّمة الطبرسي فإنه يُفسِّرها في إطار مفهومٍ لا يختلف عن القول بالعصمة أبداً. ومن ذلك أنه، على سبيل المثال، في تفسيره لقوله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ (المائدة: 48) لا يرى أيّ إشكالٍ في منع النبيّ عن فعلٍ لا يقترفه، كما أنه لا يستبعد فرضيّة أن يكون المخاطَب بهذه الآية هو النبيّ الأكرم، ويكون المراد بها جميع الحكّام([60]).

التحقيق في عصمة إجماع الأمّة

لقد ذهب المفسِّرون من أهل السُّنّة إلى القول بعصمة إجماع الأمّة، ولزوم اتّباعها. وقد استندوا في ذلك إلى بعض الآيات في سياق إثبات هذا الأصل، ومنها: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾ (النساء: 115).

بَيْدَ أن العلاّمة الطبرسي لا يرتضي دلالة الآية على مثل هذا المفهوم؛ إذ المراد من الاتّباع والتَّبَعيّة للمؤمنين هو المؤمن الحقيقيّ، الذي يستوي ظاهره وباطنه في الإيمان، ولا ترى المؤمن الظاهريّ مؤمناً. وقال: إن هذه الآية لا يُفْهَم منها وجوب التَّبَعية لكلّ مَنْ أظهر الإيمان.

وقد نقل هذا الرأي القائل بأن بعضَهم يعتقد بأن إجماع بعض الأمّة يخلق مثل هذه الحجِّية. ثمّ نقل رأي الشيعة القائل بأن الإجماعَ الحجّةَ لا يكون إلاَّ من قِبَل الذين يتَّصفون بالإيمان الحقيقي، وهذا الأمر لا يُكْتَب له التحقُّق إلاّ مع وجود الأئمّة الأطهار^.

ثمّ أضاف العلاّمة الطبرسي: إن التهديد في هذه الآية يشمل أولئك الذين يخالفون النبيّ الأكرم|، ويسلكون سبيلاً غير سبيل المؤمنين. وهذان الأمران يؤدِّيان معاً إلى هذا المعنى. في حين أن القائلين بعصمة إجماع الأمّة قد أخذوا من هذه الآية مجرَّد مخالفة المؤمنين فقط([61]).

وقد ناقش العلاّمة الطبرسي في دلالة قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ (النساء: 59) على حجِّية إجماع الأمّة، وقال بأنه يفتقر إلى المعنى اللازم في إضفاء الحجِّية على ادّعاء إجماع الأمّة؛ لأن القائلين بإجماع الأمّة قالوا بعدم وجوب الرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة في غير مورد التنازع، وهذا يعني حجِّية الإجماع. بَيْدَ أن العلاّمة الطبرسي لا يرى تماميّة هذا الاستدلال؛ فهو إنما يقول بحجِّية الإجماع إذا كان المعصوم داخلاً في الأمّة؛ إذ في غير هذه الحالة قد يُجْمِع أفراد الأمّة على الأمر الباطل.

يُضاف إلى ذلك أنه يقول: إن ارتباط حكمٍ أو شرطٍ أو صفةٍ لا يصحّ دليلاً على أن الحكم يتغيَّر في غير ذلك الشرط والصفة.

ويضيف العلاّمة الطبرسي: إنه من الممكن أن يكون إجماع الأمّة الإسلامية واقعاً على أمرٍ مطابق للكتاب والسُّنّة. ومع وجود هذا الافتراض يبطل الاستدلال القائل: كلّما اجتمعت الأمّة على أمرٍ لم يجب الرجوع إلى الكتاب والسُّنّة، في حين أنه طبقاً لهذا الفَرْض يكون مثل هذا الرجوع من قِبَل الأمّة قد تحقَّق([62]).

خلاصةٌ

طبقاً لما تقدَّم يتَّضح أن العلاّمة الطبرسيّ ـ وبما يتناسب مع الأبحاث القرآنية ـ قد بحث مختلف الموضوعات حول مسألة العصمة بشكلٍ جيّد.

وعلى الرغم من أنه كان بمقدوره الاستفادة ـ في إثبات أصل عصمة الأنبياء ـ من آياتٍ تشتمل على دلالةٍ كافية في هذا الشأن، فقد اكتفى بدليلٍ عقليّ تقدَّم الكلام عنه.

وهو في هذا الشأن كان يسعى ـ في الغالب ـ للإجابة عن الشبهات المحيطة بقصص الأنبياء. إلاّ أنه في ما يتعلَّق بإثبات عصمة الأئمّة ـ وخلافاً لموضوع عصمة الأنبياء ـ قد استعان بالأدلّة النقليّة فقط.

وفي ما يتعلَّق بمساحة وسَعَة عصمة الأنبياء، وبالخصوص في نفي صدور الذنوب الصغيرة، دافع العلاّمة الطبرسي عن عصمة الأنبياء بشكلٍ صحيحٍ وحَسَنٍ، وبيَّن قوّة استدلال مذهب الإماميّة في إثبات وترسيخ أصل العصمة، وإظهار اختلاف فكر الشيعة عن المعتزلة.

إن جميع هذه الموارد تثبت أن العلاّمة الطبرسي قد أجاب عن التوقُّعات التفسيريّة في موضوع العصمة بشكلٍ كاملٍ وجامعٍ، وأنه قد قدَّم أحد أكمل الأبحاث الكلاميّة في مجال التفسير.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعِدٌ في قسم الفقه ومبادئ الشريعة الإسلاميّة في جامعة قم ـ إيران.

(**) طالبٌ على مستوى الدكتوراه في قسم علوم القرآن والحديث في جامعة قم ـ إيران.

([1]) انظر: جعفر السبحاني، فرهنگ عقايد ومذاهب إسلامي (موسوعة العقائد والمذاهب الإسلامية) 6: 273، مؤسّسة الإمام الصادق×، قم، 1390هـ.ش.

([2]) انظر: محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسِّرون 2: 8، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

([3]) انظر: محمد هادي معرفة، التفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب 2: 382، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، مشهد، 1418هـ.

([4]) انظر: الذهبي، التفسير والمفسِّرون 2: 104.

([5]) انظر: محمد بن مكرم الأفريقي (ابن منظور)، لسان العرب 12: 405، دار الفكر، بيروت، 1414هـ.

([6]) انظر: الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 569، الدار الشامية ـ دار العلم، دمشق ـ بيروت، 1412هـ.

([7]) انظر: المصدر السابق: 570.

([8]) انظر: الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في علوم القرآن 6: 170، ناصر خسرو، طهران، 1372هـ.ش.

([9]) انظر: حسن يوسفيان وأحمد حسين شريفي، پژوهشي در عصمت معصومان (بحثٌ في عصمة المعصومين): 23 ـ 25، پژوهشگاه فرهنگ وأنديشه إسلامي (معهد بحوث الثقافة والفكر الإسلامي)، طهران، 1388هـ.ش. (مصدر فارسي).

([10]) إن المعنى المراد من هذا التعريف هو أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق في وجود المعصومين سوى القدرة على الطاعة، وسلب منهم القدرة على المعصية.

([11]) انظر: السيد شريف الجرجاني، شرح المواقف 8: 280، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1325هـ.ش.

([12]) انظر: علي رباني الگلپايگاني، إمامت (الإمامة): 218، انتشارات بوستان كتاب، قم، 1387هـ.ش.

([13]) السيد المرتضى، الرسائل 3: 325، دار القرآن الكريم، قم، 1405هـ.

([14]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 7: 7، دار الجيل، بيروت، 1407هـ.

([15]) الفاضل المقداد السيوري، اللوامع الإلهيّة: 244، 1422هـ.

([16]) عبد الله جوادي الآملي، وحي ونبوّت (الوحي والنبوّة): 197، منشورات الإسراء، قم، 1384هـ.ش. (مصدر فارسي).

([17]) محمد تقي مصباح اليزدي، راه وراهنماشناسي (الطريق والهادي): 286، مؤسّسه آموزشي إمام خميني (مؤسسة الإمام الخميني التعليمية)، قم، 1395هـ.ش. (مصدر فارسي).

([18]) الطبرسي، مجمع البيان في علوم القرآن 6: 170.

([19]) المصدر السابق 5: 344.

([20]) انظر: المصدر نفسه.

([21]) انظر: الشيخ المفيد، تصحيح اعتقادات الإمامية: 128، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، 1414هـ.

([22]) الطبرسي، مجمع البيان في علوم القرآن 1: 134.

([23]) انظر: المصدر السابق 4: 783.

([24]) انظر: جعفر السبحاني، منشور جاويد (البيان الخالد) 3: 181، مؤسّسة الإمام الصادق، قم، 1383هـ.ش. (مصدر فارسي).

([25]) الفخر الرازي، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) 3: 455، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420هـ.

([26]) انظر: المصدر نفسه.

([27]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في علوم القرآن 9: 168.

([28]) الفخر الرازي، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) 23: 241.

([29]) المصدر السابق 28: 66.

([30]) انظر: جار الله الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 1: 130، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407هـ.

([31]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في علوم القرآن 1: 195.

([32]) انظر: المصدر السابق 9: 168.

([33]) انظر: المصدر السابق 1: 195.

([34]) المصدر السابق 1: 197.

([35]) المصدر السابق 1: 476.

([36]) المصدر السابق 1: 369.

([37]) المصدر نفسه.

([38]) المصدر السابق 2: 472.

([39]) انظر: الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 4: 564؛ عبد الله بن عمر البيضاوي، أنوار التنـزيل وأسرار التأويل 5: 224، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1418هـ.

([40]) انظر: محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 18: 184، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1364هـ.ش.

([41]) الطبرسي، مجمع البيان في علوم القرآن 5: 52.

([42]) انظر: السيد المرتضى، تنـزيه الأنبياء: 119، انتشارات الشريف الرضي، طهران.

([43]) الطبرسي، مجمع البيان في علوم القرآن 10: 644.

([44]) انظر: المصدر السابق 1: 197.

([45]) انظر: المصدر السابق 5: 254.

([46]) انظر: المصدر السابق 12: 196.

([47]) انظر: المصدر السابق 7: 382.

([48]) انظر: المصدر السابق 8: 736.

([49]) انظر: المصدر نفسه.

([50]) المصدر السابق 21: 102، ترجمة: مجموعة من المترجمين، انتشارات فراهاني، طهران.

([51]) الحسن بن يوسف الحلّي (العلاّمة)، نهج الحقّ وكشف الصدق: 164، دار الهجرة، قم، 1407هـ.ش.

([52]) انظر: الطبرسي، مجمع البيان في علوم القرآن 1: 381.

([53]) المصدر السابق 5: 202.

([54]) انظر: المصدر السابق 8: 560.

([55]) انظر: المصدر السابق 10: 477.

([56]) انظر: المصدر السابق 1: 201.

([57]) انظر: المصدر السابق 7: 304.

([58]) المصدر السابق 9: 47.

([59]) المصدر نفسه.

([60]) المصدر السابق 3: 313.

([61]) المصدر السابق 3: 169.

([62]) المصدر السابق 3: 101.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً