أحدث المقالات

د. أبو الفضل عابديني(*)

مقدمة ــــــ

في السنين الأولى من القرن العاشر الهجري، الموافق للقرن السابع عشر الميلادي، وقع تطوران مهمّان قُدّر لهما بعد فترة طويلة أن يؤثِّرا تأثيراً كبيراً وواسعاً في تكامل الدولة والمجتمع العثماني: أحد هذين التطورَيْن المهمَّيْن: وصول الدولة الصفوية الشيعية إلى سدّة الحكم في إيران؛ والآخر: فتح الدول الغربية على يد الدولة العثمانية. وحتى بعد وصول الإمبراطورية العثمانية إلى أوجها، واستقلالها سياسياً، بقيت متأثِّرة بالثقافة التركية والإيرانية، التي مركزها الأصلي إيران وآسيا المركزية.

تحظى العلاقات الاجتماعية بين الشعبين الإيراني والعثماني بأهمية خاصّة على مستوى العلاقات المذهبية القديمة، الأدبية، العرفانية، والاجتماعية. فقد لَعِبَت هذه الأمور دوراً هاماً في استحكام العلاقة بين الشعبين الجارَيْن المُسلمَيْن. ورغم أن هذه العلاقات تتعرّض في بعض الأحيان لأزمات خفيفة لكنّها لم تنقطع أبداً. ويمكن القول: إن العلاقات الاجتماعية والثقافية لم تنقطع أصلاً بين الشعبين حتى في أوج الأزمات العسكرية والسياسية التي كانت تقع بين الدولتين؛ وذلك للجذور الوجدانية للعلاقات التاريخية بين الشعبين، التي لم ولن تنقطع أبداً، ولا زالت على حالتها الطبيعية الهادئة.

إن أكثر المعاهدات التي أُبرمت بين الدولتين كانت تؤكّد على مسألة أمن الطرق؛ من أجل تأمين الذهاب والإياب للناس. وعُقدت معاهدة صلح بين الشاه طهماسب الأول والسلطان العثماني، وجاء في بنودها: أن تكون العلاقات السياسية دائمة بين الدولتين؛ وتكون هنالك تسهيلات للزائرين الإيرانيين في أراضي الدولة العثمانية([1]).

يكتب المؤلِّف جهانكشاي نادري: «أحد بنود رسالة السلام التي أرسلها نادرشاه من (دشت مغان) إلى السلطان العثماني هو: إن الحجّاج الإيرانيين يسافرون كل عام عن طريق الشام إلى بيت الله الحرام، وهو طريق طويل، وإن المسؤولين في مصر والشام يضعون الجِمال تحت تصرُّف العارفين بالطريق؛ لكي يوصلوا حجاجهم الى الكعبة المشرفة بسرعة…»([2]).

إن أحد العوامل المهمة في العلاقات الاجتماعية والثقافية بين البلدَيْن الجارَيْن هو هجرة جماعات من الناس بين الدولتين، حيث كان مهاجرو إحدى الدولتين يعيشون ضمن أراضي البلد الآخر. يعتقد لويس أن العثمانيين قد اتّكأوا على المهاجرين الإيرانيين، وكتب في ذلك يقول: «…السلاجقة، ومن بعدهم العثمانيون، لا زالوا تابعين وتلاميذ لمذهب الشرق في إدارة أمور الدولة والمؤسسات، في الفقه والكلام، وفي الأدبيات والفن، وكذلك اعتمدوا كثيراً على المهاجرين الذين جاؤوا من الشرق، حيث كانوا يديرون مؤسسات الدولة…»([3]).

أشار بعض المحققين إلى الثروة الكبيرة التي يمتلكها السلاطين العثمانيين، وقالوا: إنها كانت سبباً آخر في هجرة بعض الجماعات الاجتماعية والعلماء والأدباء إلى ذلك البلد. كتب مؤلِّف كتاب «روابط إيران وعثماني» (العلاقات الإيرانية العثمانية): «…الثروة الواسعة للسلاطين العثمانيين، وتسلطهم على مناطق واسعة جداً من الدول الإسلامية، جعل بلاطهم مركزاً لاجتماع الكثير من العلماء اللامعين والأدباء من شتى أنحاء العالم. ومجموعة كبيرة من أولئك العلماء قد هاجروا من إيران منذ العهد الصفوي وما بعده…، وبقوا في أزمنة مختلفة في الدولة العثمانية، وألّفوا هناك الكثير من الكتب باللغة العربية والفارسية…»([4]).

إن العلاقات الاجتماعية بين إيران والعثمانيين طويلة، وتحظى بأهمية خاصّة، ورغم بعض التوترات التي تحصل بين البلدين من حين لآخر فإن العلاقات لم تنقطع بينهما بشكل كلي أبداً. ويعتبر بعض المحققين المعاصرين أن الدين الإسلامي المبين هو أحد العوامل المهمة في الارتباط الوثيق بين الشعبين ثقافياً واجتماعياً، يقول: «صحيح أن هناك علاقات اجتماعية وثقافية بين الشعبين ترجع إلى قرون متمادية في القِدَم، لكن العامل الأصلي في ذلك هو الاعتقاد المشترك بين الشعبين بتعاليم الإسلام، حيث إن تأثيره يبدو واضحاً في العرف والعادات الاجتماعية والتقليدية لدى الشعبين»([5]).

دلائل الهجرة القومية بين الشعبين ــــــ

1ـ الإيرانيون يهاجرون إلى آسيا الصغرى ــــــ

هاجر الإيرانيون من بلادهم عدّة مرّات في طول التاريخ، حيث التجأ الكثير منهم إلى الدول الأخرى؛ بسبب الظلم والعدوان الواقع عليهم. ففي الهجمة العربية التجأ العديد من الإيرانيين إلى الهند، وقد كانوا قبل ذلك يعانون من الظلم في العهد الساساني، حيث التجأ الكثير منهم إلى آسيا الصغرى إثر ظلم الموبذان الزرادشتي للمانوية والمزدكية، ثم هجوم العرب، وبعدها قتل الخرّميون والفِرَق الأخرى على يد العباسيين، ويرجع نفوذ  الفكر المانَوي في الغرب إلى هجرة المانَويين إليهم([6]).

وكان هناك طريق قريب للهجرة، فآسيا الصغرى المجاورة لإيران، رغم أنها كانت عامرة وخضراء نضرة، لكن لم يكن فيها سكان كثيرون، ممّا ساعد وشجّع الإيرانيين أن يسكنوها؛ لأنها المكان المناسب لهم. أضِفْ إلى ذلك عدم وجود جبال مرتفعة في الحدود الفاصلة بين الطرفين تمنع من تبادل الزيارات بينهما. وهذه المناطق خارجة عن سلطة الروم منذ زمان الساسانيين وحروب الروم وإيران. وسكان هذه المناطق هم من الأرمن والأكراد، ومن المحتمل أن يكون هناك أيضاً مجموعات من الإيرانيين.

وبعد انهيار سور الروم المسيحي، الذي هدمه آلب إرسلان بمناسبة فتح ملاذغرد (463هـ/1071م)، انحدر سيل من الإيرانيين يصاحبهم السلاجقة إلى آسيا الصغرى([7]). وأخذ الإيرانيون بالتوجّه إلى الروم أفواجاً أفواجاً، من عسكريين ومدنيين وتجّار. «وكان من نتائج فتح حكومة ملاذغرد تأسيس حكومة تركية في آسيا الصغرى، وهجرة المسلمين الأتراك إلى الأناضول»([8]).

ونشاهد في بعض الرسائل الكثير من أسماء الأماكن وقد جاء إلى جانبها أسماء أماكن أثرية على لسان أهلها القدماء (الهاييتيين، واليونايين)، أمثال: إسطنبول، الأناضول، بركام، والأسماء الفارسية مثل: (نيكده، آب بند، آب گرم، بندماهي وچشمه)([9]).

إن أكثر الوزراء ورجالات الدولة كانوا من الإيرانيين، من قبيل: الوزير، الحاجب، المنشي، المستوفي، القاضي، الواعظ، والمدرّس. وكل واحد منهم ينتسب إلى مدينة من مدن إيران، مثل: الإصفهاني، التبريزي، الخراساني، الرازي، القزويني، الهمداني، النخجواني، الخوئي، والمرندي…

ولا تزال أسماء المعماريين شاخصة للعيان على الكثير من المباني الأثرية القديمة هناك. وقد بقيت آثار الفنانين الإيرانيين المبدعين قائمة حتى أوائل العصر العثماني، حينما كانت (بورسا) هي العاصمة. ويمكن قراءة العبارة التالية على أجمل مسجد في المدينة، المسمّى مسجد سبز: عمل أساتذة تبريز (عمل أستادان تبريزي)؛ ونشاهد أعلى المحراب في مسجد آخر هذه العبارة: عمل الأستاذ محمد الأصفهاني (عمل أستاد محمد أصفهاني)([10]).

وقد هاجر إلى هذه المناطق مجموعات مهمّة معروفة، ونقلوا معهم الأفكار والآداب والتقاليد الإيرانية، وأهمها: (الفتيان؛ والدراويش)، الذين يشكلون الطبقة المحرومة والدنيا في المجتمع، وكان الكثير منهم يعيش في البلاط الرومي.

الفتيان أو الأذكياء في آسيا الصغرى كانوا يسمُّونهم (أخي ها)، أي الإخوة، وكأنّ الجذور الإيرانية بين جوانحهم. وبعد ذلك اختلطت الفتوّة مع الصوفية، وكتبوا فصولاً خاصّةً في كتب الصوفيّة حول أصول الفتوّة، ونقلوا حولها حكايات متعددة.

الدراويش يسمُّونهم في روما (الجواليق)، أي أصحاب الثياب الرثّة. ورغم أن منشأ هذه الطريقة لم يُقطع بأصله، لكن المحققين ينسبون هذه الطريقة إلى الإيرانيين، حتى أنّهم يسمّون اللباس الذي يلبسه هؤلاء الدراويش (جامه إيرانيان ومغان)، أي لباس الإيرانيين ورجال الدين الزرادشتيين([11]). وتشير بعض القرائن إلى أن أصل هؤلاء الدراويش الذين وفدوا إلى روما يعود إلى خراسان أو ما وراء جَيحون.

وكان لهجرة العوائل المثقّفة وأصحاب العلم والفضيلة من إيران إلى آسيا الصغرى الأثر الكبير في توثيق العلاقات الثقافية والاجتماعية بين الشعبين. ويكتب مؤلف كتاب (بزم ورزم)، أي الحفل والقتال: «… أحد العوامل المهمة في نشر اللغة الفارسية والثقافة الإيرانية في آسيا الصغرى يعود إلى هجرة العوائل الإيرانية المعروفة بالفضل والعلم إلى هذه المنطقة، أمثال: بهاء الدين سلطان العلماء والد مولانا، نجم الدين الرازي (دايه)، أوحد الدين الكرماني، فخر الدين العراقي، سراج الدين الأرموي، سيف الدين الفراغاني، ناصر الدين ابن بي بي، و…. الأمان والجو العلمي السائد في بلاد الروم في القرن السابع ساعد علماء العالم الإسلامي في الإبداع في مجال الثقافة، والعرفان، والأدب. والتأليفات الفارسية في العلم والأدب، وبالأخص تصنيف كتاب (مثنوي معنوي)، ووجود الطريقة المولوية، أدّت إلى الميل نحو نشر الثقافة واللغة الفارسية هناك…»([12]).

الهجرة في زمن التتار وما بعده ــــــ

في زمن المغول؛ ونتيجة للوضع الأمني غير المستقر والهرج والمرج، اضطرّت طبقات مختلفة من الشعب الإيراني للهجرة إلى ديار آسيا الوسطى؛ لأن العيش في إيران بات غير ممكن؛ نتيجة لما أصابها من دمار وخراب، بحيث لم تعد صالحة للعيش فيها.

إن انضمام آسيا الصغرى إلى إمبراطورية التتار، ووجود جماعات مختلفة من الإيرانيين في المناطق المختلفة من البلاد، كان سبباً لعدم إحساس الإيرانيين بالغربة هناك، ممّا أدّى إلى زيادة الرغبة في الهجرة إلى الروم. وكان من بين المهاجرين مجموعة من الصوفيين الذين ديدَنهم السفر.

بدأ أوائل القرن السابع الهجري المصادف للقرن الرابع عشر الميلادي، نقل الناس المهاجرين من مناطق مركز الأناضول إلى المناطق النائية، وذلك عند نهاية عمر الدولة السلجوقية. فالذين كانوا يذهبون إلى المناطق الحدودية لم يكونوا فقط أهل الطرق الباطنية، بل كان المتصدّون السلاجقة، الذين واجهوا عدم اعتناء المغول بهم، ضمن المهاجرين أيضاً، وكذلك أهل المدن والقرى الذين لم يتحملوا عبء الضرائب الثقيلة التي فرضها المغول عليهم، أضِفْ إلى ذلك القبائل الرحّل الذين صاروا يخافون الغارات ونهب قطعانهم من المواشي، وكذلك الشيوخ والدراويش الذين كان لهم نفوذٌ كبيرٌ بين الناس. كل أولئك كانوا من جملة المهاجرين([13]).

يقول مؤلِّف كتاب (تاريخ عالم آراي عباسي): «…اضطر الكثير من الإيرانيين، من أهل العلم والفقهاء والروحانيين، للهجرة إلى الدولة العثمانية أو الهند. وقد استمرت هذه الهجرة حتى عهد الملك عباس. وفي المقابل كان هناك هجرة أيضاً من الدولة العثمانية إلى إيران، حيث هاجر الكثير من المقاتلين الأتراك ورؤساء العشائر العثمانية الذين كانوا مكبوتين هناك. ومن ضمن أولئك المهاجرين مجموعة من رجال الدين الشيعة. فقد قام السلاطين العثمانيون بقتلٍ عام للشيعة، ففي رواية تقول: إن أكثر من 40 ألف شيعي قَتَلَته السلطة العثمانية آنذاك، وصار الشيعة والروافض بحكم الملاحدة، وصار الصوفية بحكم أهل الضلال…»([14]).

قرّر السلطان سليم؛ ومن أجل رفع خطر النفوذ الشيعي، أن يقاتلهم، فأخذ فتوى بذلك من شيخ الإسلام في ضرورة مقاتلة الشيعة، فقتل الكثير من شيعة الأناضول؛ استناداً إلى هذه الفتوى، وقيل: إن عددهم 40 ألف شيعي. وكتب أبو الفضل بن إدريس البدليسي، صاحب كتاب «هشت بهشت» (ثمان جنّات)، حول هؤلاء الأربعين ألف شيعي شعراً، فقال:

«فرستاد سلطان دارا رسوم                         دبيران دانا به هر مرز وبوم…»([15])

أرسل السلطان سليم بعد انتصاره في حرب جالدران (20 رجب عام 920هـ) مجموعة من الشعراء والكتّاب والفنّانين الإيرانيين إلى إسطنبول. وكتب المرحوم نصر الله فلسفي حول هذا الموضوع: «أرسل مجموعة من الفنانين والصنّاع الإيرانيين من تبريز إلى إسطنبول، فانتخب الشاعر والرسّام والكاتب والصائغ وحائك السجاد والصحّاف وأمثالهم، وهم أربعون ألف شخص على اختلاف الروايات، وأرسلهم مع مجموعة من التجار والمقتدرين الذين بلغ عددهم ألف عائلة، ترافقهم مجموعة من الجنود الأتراك، وكان ذلك يوم 22 من شهر رجب إلى إسطنبول…»([16]).

حسين بن عبد الله الشرواني من جملة الذين صاروا تحت سلطة العثمانيين بعد أن أمسك الصفويون زمام الأمور. وكان مقيماً في مدينة ماردين. وحسب ما جاء في ما كتبه عن نفسه([17]) أنه دوّن رسالتين في هذه المدينة: (رساله عدليه)؛ ورسالة (الأحكام الدينية في تكفير قزلباش) ـ وقزلباش هي فرقة عسكرية في العهد الصفوي ـ، ووجّه الاتهامات الكثيرة في كلتا الرسالتين إلى قزلباش، وبالأخص الملوك الصفويين. وأوجب على كافة المسلمين جهاد الصفويين. وكتب حول طائفة قزلباش: «مع أنهم يلقون المصاحف في التنور يحرقونها، وبالقاذورات يلوثونها ـ نعوذ بالله ـ، ويضعونها تحت أقدامهم، ويهينونها كل الإهانة»([18]). وقال: إن القزلباش كفّار ومشركون: «فحينئذ من قتل واحداً من هذه الطائفة الملعونة المشركة فكأنما قتل وغزا سبعين نفراً من  أهل الحرب، بل أكثر»([19])، أي مَنْ قتل واحداً من الرافضة كمَنْ غزا سبعين مرة.

كتب مؤلِّف التاريخ العثماني حول هجرة الخطّاطين إلى الدولة العثمانية: «…علاوة على مذهب الشيخ حمد الله [الذي هو بارع بشكل خاص بخط الثلث والنسخ] هناك مذهب آخر أوجد خط التعليق، حيث جاؤوا به من آذربيجان إيران إلى إسطنبول. وعبد الوحيد المشهدي، أحد تلاميذ سلطان علي، كان أحد هؤلاء الخطاطين الذي حظي بحماية السلطان سليمان القانوني، وبقي في إسطنبول»([20]).

2ـ هجرة الأتراك الأناضوليين إلى إيران ــــــ

يُعَدّ تشكيل الدولة الصفوية من أهم الحوادث المهمة في تاريخ الإسلام. والنتيجة المهمة لهذه الحادثة وجود مركزية جديدة في العالم الإسلامي، مركزها إيران.  ووُجدت تحت اسم (مذهب التشيع). والنقطة المهمة والأصلية في هذا الموضوع هي مجيء شيعة الأناضول إلى إيران.

إن السياسة الخشنة التي اتّبعتها الدولة العثمانية، والهجوم على العلويين، لم تكن سياسة صحيحة؛ لأن الاستمرار بهذه الطريقة يمكن أن يحوّل الكثير من مناطق الأناضول إلى أراضٍ ميّتة وخالية من سكانها اقتصادياً وعسكرياً، ومن ناحية أخرى فإن الكثير من العلويين كانوا منخرطين في السلك العسكري العثماني، بحيث إن بعض الثورات التي قام بها العلويون ضد العثمانيين في القرن السادس عشر الميلادي بسبب عدم وجود العدالة في المجتمع، دعَت أهل السنة أن يثوروا مع الشيعة ضد الحاكم العثماني، ممّا أجبرهم على الهجرة إلى إيران. وقد قامت الدولة العثمانية بمجازاة (قزلباش)؛ بسبب نشاطاتهم السياسية. يكتب فاروق سومر: إن كمال باشا زاده كتب في شعر حماسي بمناسبة هجرة الأتراك الأناضوليين الرحّل، وتشكيل الدولة الصفوية:

تركلر ترك انديلر ديارلرين

يوق باهايا ساتديلر داوارلرين

يعني: (الأتراك باعوا مواشيهم بحجّة واهية، وتركوا ديارهم..)([21]).

وكتب أحمد ياقي: «إيران مأوى الهاربين من ظلم السلاطين العثمانيين. الشيعة انتفضوا في آخر سنة من سلطنة بايزيد الثاني، فقمعهم السلطان سليم، حيث بدأ باتّباع سياسة العنف ضدّ الشيعة الساكنين في الدولة العثمانية، وفرّقهم في شتّى مناطق أوروبا»([22]).

إن أحد أهم العوامل التي أدّت إلى انضمام الأتراك للطريقة الصفوية هو الشيخ جنيد، حيث تخاصم مع عمّه الشيخ جعفر من أجل الوصول إلى مقام (الشيخ)، وبسبب عدم توفيقه في الوصول إلى هذا المنصب اضطرّ إلى مغادرة أردبيل صوب الأناضول، حاله حال كثير من الإيرانيين. وجد الشيخ جنيد أرضية مناسبة وغير متوقعة في الأناضول. فبينما كان يتجول بين القبائل الرحّل والمزارعين واجه الكثير من أفراد الشيعة، أو الذين لهم استعداد لتقبّل المذهب الشيعي. أدّت بلاغة الشيخ ولياقته إلى اجتماع الكثير من الرحّل والمزارعين حوله، بحيث استطاع أن يشكّل من هؤلاء أكثر من خمسة أو عشرة آلاف مقاتلاً مسلَّحاً. وذهب الشيخ مع هؤلاء المسلّحين إلى أوزون حسن حاكم آق قوينلو، واستقبله حسن استقبالاً حاراً، حتى أنه زوّجَه أخته خديجة بيكم. بعد ذلك رجع الشيخ مع مريديه إلى أردبيل، بعد أن قضّى فترة في الأناضول، وبعد الشيخ جنيد وصل الشيخ حيدر بسهولة إلى مقام (الشيخ)، وأمضى الشيخ أوائل عمره في الأناضول من أجل تطوير تنظيماته هناك.

كان لبعض مريدي الشيخ في الأناضول استعداد ذهني واسع، فبعد أن أُدخلوا دورات خاصّة لتطوّر معلوماتهم أُرسلوا إلى البلاد الأخرى للتبليغ بعنوان (خليفة)، ووظيفة الخلفاء([23]) التبليغ للطريقة الصفوية، وجمع الأموال للشيوخ. وقد ازداد مريدو الشيخ حيدر في الأناضول إثر الدعاية الواسعة بشكل مستمر.  هؤلاء المريدون يذهبون إلى أردبيل حاملين الهدايا والنذور لزيارة شيوخهم، حيث صنعوا هناك (في مدينة أردبيل) محلّة خاصّة تسمى الأناضوليون([24]).

والحقيقة أن أحد الأسباب المهمة في انتشار الطريقة الصفوية في الأناضول بشكل واسع وغير مألوف هو عدم اعتناء السلطان بايزيد، وضعفه في إدارة بلاده، وانتشار الظلم في الدولة العثمانية. أما مقتل الشيخ حيدر في ميدان القتال فلم يَثْنِ عزيمة مريديه، بل ازدادت معنوياتهم في الوقوف أمام الحكام، لذلك حافظوا على إسماعيل وإبراهيم وأخفوهما في مكان آمن. بتاريخ (884هـ/1481م) اختفى إسماعيل في محلّة الأناضوليين، وبعدها أرسله مريدوه إلى كيلان خفية. أما مريدوه فلم يَنْسَوه خلال هذه الفترة، فقد كانوا يأتون بالنذور والهدايا من مناطق الأناضول وقرجه داغ واهر، وغيرها؛ لزيارة مرشدهم([25]).

كان الزمان يسير لصالح إسماعيل، حيث بدأ النزاع مرة ثانية بين أبناء آق قوينلو، واستمر من أجل الحصول على السلطة. وبينما كان النزاع مستمراً بين الإخوة، خرج إسماعيل من كيلان (أواسط محرم 905هـ/أواسط آغسطس1499م)، وكان عمر اسماعيل آنذاك اثني عشر عاماً، وكان خروجه في ذلك الوقت موفّقاً، فقد جاء من الديلم إلى منطقة طارم، وعلى ما نُقل فإنه اجتمع حوله 1500 شخصاً من أهالي الأناضول وشاملو. ويكتب روملو: «… عندما تلقي نظرة  على الجيش المنتصر تشاهد ألفاً وخمسمائة شخص من صوفيي الروم والشام ملازمين لقافلة الظفر»([26]).

وفي ربيع سنة 905هـ/1500م، بعد زيارة [الخانقاه] في أردبيل، توجّه إلى أطراف (گوگجه گول). وعند إقامته في المشتى أنفذ رسلاً إلى الأناضول من أجل إحضار مريديه من هناك([27]).

ورغم أن الكثير من مريدي الشيخ كانوا حاضرين إلى جانبه فإن الشيخ الصفوي؛ خوفاً من حسن بيك أن يعتقلَه، فرّ ليلاً مع مريديه إلى نواحي (جخور سعد) [إيروان]. والتحَقَت به تسع مجموعات (دوقوز أولام). استمر إسماعيل في طريقه، فعبر قاغزمان، أرز الروم، وترجان، حتى وصل ناحية (ساروقيه)، وأقام فيها عام (905هـ/1500م). وحسب المصادر العثمانية فإن إسماعيل غادر بعد شهرين إلى (أرزنجان)، وإن أردبيل أوغلي (الشيخ الصفوي) قد عبر من طالش إلى أرزنجان من دون أن يحمل معه التجهيزات الكافية. وهذا المطلب يدل على عمق تشتّت الآقويونلويين. أما مجيء إسماعيل إلى الأناضول فقد نشر الفرحة بين مريديه في المنطقة.

ويكتب مؤلف كتاب شاه اسماعيل: «بعد الوصول إلى أرزنجان فإن كبار الصوفية وأسرة الإمامة والخلافة، من الشام والروم وقرامان وحدود أرزنجان، وصلوا أفواجاً أفواجاً إلى قصر فلك سپاه. ويوماً بعد يوم أخذت أعداد مجموعة الغزاة بالازدياد…، وبعد وصول  الصوفية إلى أطراف الممالك، من طوائف شاملو، وإستاجلو، وروملو، وتكلو، وذو القدر، وأفشار، والقاجار، ورساق…»([28]).

وهكذا التحق الأتراك بإسماعيل جماعات جماعات من القبائل المختلفة، من سيواس، وآماسيه، وتوقات، وغيرها. لقد كتب إسماعيل رسالة إلى بايزيد قبل حركته من أرزنجان يطلب فيها خروج أحد فروع قبيلة إستاجلو مع أموالهم وعوائلهم من الحدود العثمانية([29]). بعد ذلك تجمّع المريدون حول الشيخ الصفوي في أرزنجان تحت عنوان (قزلباش)، وتهيأ الجمع للحركة ضمن تلك الظروف. كان رجوع إسماعيل (أوائل عام 906هـ/1510م)، وكان هدفه الأول هو احتلال شيروان، والأخذ بثأر أبيه، وقد تحقق هذا الهدف بمقتل فرخ يسار حاكم شيروان([30]).

وفي النتيجة انتصر إسماعيل في (شرور) أطراف نخجوان على الوند آق قوينلو([31]). وبذلك هيمن إسماعيل على كل آذربيجان، فأصبحت تحت سيطرته تماماً. وجلس الشيخ الصفوي في تبريز على كرسي السلطنة، وخطب خطبةً باسم الأئمة الاثني عشر، وضرب سكّة، وأعلن الدولة الصفوية بشكل رسمي(907هـ/1501م).

اتّخَذَت الدولة العثمانية تدابير من أجل الوقوف أمام هجرة أتباع الشيخ إلى إيران. فقد كان من الضروري اتّخاذ هذا التصميم؛ لأن ضرائب المهاجرين الثقيلة سوف تقع على عاتق الأفراد الذين لم يهاجروا والمؤسسات الدينية. ومن جانب آخر فإن هجرة هؤلاء الأفراد سوف يلحق الضرر الكبير بأصحاب الأملاك، بحيث إن هذه المسألة صارت مشكلة تؤرّق الدولة([32]).

في سنة (916هـ /1510 ـ 1511م) ثار بابا شاهقلي تكلو في الأناضول، وهو ابن حسن خليفة، من أهالي قرية (قزل قيه) منطقة تكه، وكان رجلاً لائقاً وجسوراً وفعّالاً. قام شاهقلي زاده بالثورة نتيجة تأثره بمشاهدة الدولة الصفوية والانتصارات المتكرِّرة للشاه إسماعيل الصفوي، وعجز الإمبراطور العثماني بايزيد الثاني، وضعف وجور الحاكم، لذلك بدأ ثورته على أجهزة الدولة العثمانية. «وقد كان تأثير ثورة شاهقلي كبيراً جداً، بحيث إن (شاهنشاه) بن بايزيد، الذي كان حاكماً لقرامان، التحق وصار ضمن زمرة قزلباش»([33]). كتب صاحب كتاب «تاريخ عثماني»: «شاهقلي بن حسن خليفة كان من العلويين في الأناضول، ومن خلفاء الشيخ حيدر والد شاه إسماعيل، وكان يعمل تحت اسم (إسماعيل) في منطقة أنتاليا وما حولها، وكانت نشاطاته قد انتشرت من خلال أفراد إلى (الروم إيلي)  (915هـ/1509م)»([34]). وبعد مقتل شاهقلي توجّهت قواته صوب إيران. نور خليفة من الخلفاء [الداعين] لشاه إسماعيل من خلال مريديه في الأناضول، وكانت نشاطاته قبل شاهقلي، وكان من العلويين الساكنين سيواس، توقات، آماسية، وجو روم، وقد دعا إلى الوحدة والاتّحاد باسم شاه [إسماعيل]([35]). وحدثت ثورات أخرى تحت اسم قزلباش في الدولة العثمانية، مثل: قدري خوجه بابا، المشهور بـ(سولون) (933هـ/1527م)، وابنه شاه ولي، نهضت بابا ذو النون، نهضت جلبي، المعروف بـ (قلندر شاه)([36]).

أسماء القبائل التي لعبت دوراً في تشكيل الدولة الصفوية ــــــ

1ـ روملو([37]): ابتداءً تشكّلت هذه القبيلة من أهالي قزلباش، قرى قويول حصار (قويلاحصار)، وقراحصار، القسم التابع لسيواس وسائر المناطق المتّصلة بها، وكذلك توقات وآماسية. ومن الأمراء المعروفين في هذه القبيلة نور علي خليفة، بيري بيك، وديو سلطان. أرسل شاه إسماعيل نور علي خليفة روملو إلى الأناضول، وأمره أن يجمع كل الصوفيين الموجودين في تلك المناطق. واستطاع نور علي خليفة خلال فترة إقامته في قراحصار أن يجمع حوله ثلاثة إلى أربعة آلاف عائلة من مناطق تركان، سيواس، آماسية، وتوقات. وقد كان لقبائل روملو دور مهم في تشكيل الدولة الصفوية. ونستطيع ذكر أسماء من قبيلة روملو أمثال: بادنجام (باتلي جان) سلطان والي أردبيل، قزاق([38]) السلطان، صوفية الخليفة، وإيقود بيك([39]). حسن بيك الروملوي كان مؤرخ حفيد أمير سلطان. حسن روملو ولد في قم عام 937هـ/1530م، وقد اشترك في الكثير من الحروب بسبب دخوله ضمن صنّاع الأسلحة([40]).

2ـ إستاجلو: يرجع نسب الإستاجلويون في الأصل الى القبائل الساكنة في سيواس، آماسية، وتوقات، الذين انتشروا في المناطق المحيطة بـ (قير شهر) على شكل مجموعات كبيرة باسم (أولويوروك). والكثير من مريدي الشيخ جنيد والشيخ حيدر ينتسبون إلى هذه القبيلة. محمد بيك بن ميرزا بيك، الذي التحق بإسماعيل عام 906هـ/1500م في منطقة أرزنجان مع مئتي نفر تحت إمرته، كان من قبيلة إستاجلو، وهذا الشخص هو نفسه محمد خان إستاجلو، الذي كان قائد ميسرة الجيوش الصفوية في معركة جالدران. ومن قبيلة إستاجلو أيضاً محمد بيك سفرجي باشي شاه إسماعيل، الذي حصل على لقب (جايان السلطان) عام 920هـ/1514م، وبهذا اللقب نُصّب أميراً للأمراء. ويمكن أن نتعرّف على اسم جديد معروف من قبيلة إستاجلو هو ساروبيره قورجي باشي، الذي قُتل في معركة جالدارن([41]). «خضر آغا إستاجلو، الذي أنقذ الشاه إسماعيل حينما أعطاه فرسه في ساحة المعركة ففرّ ونجا»([42])، من هذه القبيلة أيضاً.

3ـ تكلو([43]): تكلويون من ولاية (تكه)، أو بعبارة أخرى: كانوا من أتراك تكه الساكنين منطقة (آنتاليه). عصيان شاهقلي بابا([44]) في سنة 916هـ/1510 ـ 1511م، وهجرة 15000 ألف شخص إلى إيران ـ علاوةً على دور هذه القبيلة في تشكيل الدولة الصفوية ـ كان سبباً في استتباب قدرة التكلويين أكثر فأكثر في إيران. كان لسارو علي تكلو دور مهم وقيّم في تشكيل الدولة الصفوية، وقد وصل إلى شغل حامل الأختام في جهاز الدولة، وفي عام 912هـ/1506م أُرسل إلى حرب صاريم كُرد مع عبدي بيك شاملو، ولكنهم خسروا الحرب، وقُتل سارو علي([45]).

وكان من جملة أمراء هذه الطائفة جوهه سلطان، يكن سلطان، رئيس بيك،  وشرف الدين بيك. وكان التكلويون شاهقلي قبل هجرتهم إلى إيران في خدمة الشاه إسماعيل، حتى أن الشاه إسماعيل، وقبل أن يهاجر التكلويون شاهقلي إلى إيران، ومن أجل تعريف هؤلاء الأشخاص، أرسل جوهه سلطان أمامَهم إلى إيران([46]). وفي هذا الوقت دخل بورون سلطان (أمير مشهد)، جوهه سلطان، قراجه سلطان (والي همدان)، أخي سلطان، وجركين حسن، وهم أمراء من الطراز الأول للتكلويين. ومن المحتمل أنهم دخلوا إيران قبل التكلويين شاهقلي([47]).

4ـ شاملو([48]): كان الاسم العام للقبائل التركمانية في حلب زمن الدولة العثمانية هو شاملو. وكان هؤلاء يقضون الصيف في (أوزون يايلا) الواقعة جنوب سيواس، أما الشتاء فيقضونه في النواحي بين حلب وغازي عينتاب. وكان اسم الشاملويين معروفاً في الأناضول منذ زمن بعيد قبل الصفويين. صارت للشاملويون بعد الشيخ جنيد صارت لهم مكانة مميزة من بين المريدين القدماء للطريقة الأردبيلية. يعتبر حسين بيك، الذي هو من الشاملويين، من خلفاء الشيخ حيدر من الطراز الأول، وهذا الشخص كسب مقام أمير الأمراء في تشكيل الدولة الصفوية، وذلك عام 907 هـ /1502م.

 وكان من بين كبار أمراء طائفة شاملو عبدي بيك، الذي التحق بشاه إسماعيل مع ثلاثمائة فارس كانوا تحت إمرته في منطقة أرزنجان. وقد وصل إلى مقام (تواجي باشي) في السلطة، وفي عام 912هـ/1506م قُتل في معركة صاريم كُرد، وله ولَدان: دورميش خان؛ وحسين خان. وكان من أمراء طائفة شاملو زينل خان، الذي صار والي إسترآباد في نفس التاريخ. وقد حافظ الشاملويون على اعتبارهم في السلطة كل هذه الفترة.

ذو القدر: ذكرت المصادر الصفوية أن تعداد هذه القبيلة ثمانون ألف عائلة، وذكروا أنهم كانوا يسكنون نواحي ماراش وبوزوق (يوزقات). وكان من بين هؤلاء الطائفة (دده أبدال بيك)، الذي كان من المريدين المقربين جداً من الشيخ حيدر والد الشاه إسماعيل([49])، حاله حال حسين بيك شاملو، الذي كان من بين المرشحين لعنوان (بيكي) لكنه أظهر نفسه أنه من الأشراف. وبعد تشكيل الدولة الصفوية شاهدناه وهو يرتقي إلى مقام (قورجي باشي)، ثم إلى مقام والي ساوجبلاغ والري. وقد عُزل عن مقامه عام 915هـ/1509 ـ 1510 م، لكنه بعد سنةٍ من عزله صار والياً على مدينة مرو، التي استُعيدت من أوزبكستان. وفي سنة 919هـ/1513 ـ 1514م فرّ تاركاً مرو للأوزبكيين، الذين هجموا على مرو واستعادوها منه. ونتيجة لارتكاب أبدال بيك هذا الخطأ أصدر الملك الصفوي أمراً بأن يلبس ملابس النساء، ويركب على حمار، ويُطاف به في المعسكر، لكنه لم يأمر بقتله؛ لما قدّمه من خدمة طويلة، ثم بعد ذلك أرجعه إلى شغله القديم([50]). وبعد هذه الحادثة لم يأتِ ذِكْر (أبدال دده بيك) في التأريخ([51]).

6ـ طائفة القاجار([52]): طائفة القاجار منسوبة إلى قجار نويان، الذي كان أحد قادة المغول الذي عاش زمن غازان خان (من سنة 694هـ حتى 703 هـ). وبعد انقراض دولة الإلخانيين تفرّق الكثير منهم في البلدان، حيث اتّخذوا أرمنستان والشام سكناً لهم، وصار حالهم حال القبائل التركية في الغارة والغزو. هجم أمير تيمور كوركاني على الروم (آسيا الصغرى)، وفي طريق عودته إلى إيران اصطحب معه مجموعة من الطوائف التركية التي كانت في الشام وأرمنستان وآسيا الصغرى، حيث كانوا من طوائف روملو والقاجار.

رجع جمع من القاجاريين إلى تركستان، وسكنت مجموعة أخرى  أطراف مدن كنجه وإيروان وحدود قره باغ. وبدأ شاه عباس الأول عمله بالمجيء إلى أذربيجان، والتحق بمريدي أبيه. والتحق به مجموعة من كبار القاجار، ودخلوا ضمن زمرة الصوفيين وقزلباش، حيث تسلّموا مناصب عالية في السلطة زمن الصفويين.

7ـ أفشار: وهم طائفة من الطوائف التركية، وكانوا يسكنون تركستان، لكنهم هربوا منها وتركوها عندما قام المغول بالاستيلاء عليها، واتّخذوا ولاية آذربيجان سكناً لهم. ومن هناك مال مجموعة من أبناء هذه الطائفة إلى الشيخ صفي الدين وأبنائه، وساعدوا الشاه إسماعيل في فتوحاته وإدارة بلاده. وقد انقسمت هذه الطائفة إلى قسمين كبيرين: أحدهما: قاسملو: والآخر: أرخلو أو قرقلو، وكان نادر شاه من ضمن شعبة قرقلو. وأجبر شاه إسماعيل طائفة قرقلو على الانتقال من آذربيجان إلى خراسان، حيث سكنوا شمال هذه المنطقة  أطراف أبيورد، من أجل أن يكونوا سداً منيعاً أمام هجمات الأزبك والتركمان([53]).

8ـ القبائل الأخرى: علاوة على الطوائف السبعة المذكورة سابقاً هناك قبائل صغيرة أخرى كان لها دور في تشكيل الدولة الصفوية، وهناك بعض الشخصيات أيضاً لهم دور هام وحسّاس. فمن تلك الطوائف: ورساق، جيني، عربگيرلو، تورغودلو، بزجلو، أجيرلو، حنيسلو، جميشكزكلو، وقبائل أخرى([54]).

النتيجة ــــــ

كانت العلاقات حسنة دائماً على طول التاريخ بين الجارَيْن المسلمَيْن: إيران؛ والعثمانيين. تدلّ البحوث والمطالعات على حسن الجوار بين البلدين، وذلك من خلال الاشتراك الموجود في الثقافة والتاريخ والاعتقاد بينهما، وبالخصوص الشريعة الإسلامية المقدّسة، التي هي عنوان الدين المشترك بينهما. كل تلك الأمور أوجَدَت علاقة حميمة بين الجارَيْن.

ومن العوامل المهمة للعلاقات الاجتماعية تردّد الزوّار والتجّار، والعلاقات الاقتصادية بين الناس، وحتى في زمن المناوشات السياسية والعسكرية بين البلَدَيْن لم تتأثر هذه العلاقات بين الشعبين.

ومن العوامل المهمة الأخرى الجديرة في تقريب العلاقات الاجتماعية والثقافية بين البلدين هي هجرة جماعات من الشعب إلى الدول المجاورة لبلادهم. فقد هاجر الإيرانيون، الذين من جملتهم: الأدباء، العرفاء، العلماء، والفنّيين، إلى الدولة العثمانية؛ وذلك لاحترام السلاطين العثمانيين لهم، ووجود الأمان هناك، وبالخصوص بعد الهجوم الوحشي للمغول الذي قام بالإخلال بمنطقتهم، وقد كانت ثرواتهم العظيمة في الدول الغربية. وفي المقابل هاجر العثمانيون إلى إيران؛ نتيجة ظلم السلاطين العثمانيين وشدّتهم، وبالخصوص الشيعة، الذين كانوا يتّخذون الملوك الصفويين بعنوان مرشدين لهم. ومن جملتهم: القبائل التسعة التركية الأناضولية المذكورة سابقاً، والتي ساعدَت في إيجاد الدولة الصفوية.

كل هذه العوامل أدّت إلى إيجاد علاقة حميمة بين الجارَيْن المُسلمَيْن على طول التاريخ.

الهوامش

________________________

(*) أستاذ مساعد، وعضو الهيئة العلمية، في جامعة طهران.

([1]) لاكهارت، انقراض الدولة الصفوية: 25؛ يكتب سايكس أيضاً: «في سنة 961 هـ / 1554م يذهب سفير من إيران إلى الروم، وهو قائد الحرس السلطنتي الخاص، مطالباً بالهدنة بين الدولتين. وقد وافق السلطان على ذلك الاقتراح، وفي السنة التي بعدها أرسل سفيراً آخر من إيران إلى المعسكر العثماني، وهو يحمل رسالة سلام إلى هناك، طلب في هذه الرسالة السماح للحجاج الإيرانيين بالذهاب إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة عن طريق الأراضي العثمانية. وكان السلطان سليمان قد ردّ على هذه الرسالة بالإيجاب حيث أمر المسؤولين على الحدود بحماية الزائرين الإيرانيين وحراستهم» (سايكس، تاريخ إيران 2: 238).

([2]) عبد الله أنوارف ميرزا مهدي خان إسترآبادي، جهانكشاى نادرى: 300؛ جعفر شهيدي، دره نادره: 597؛ محمد كاظم مروي، عالم آراي نادري 3: 986.

([3]) برنارد لويس، إستانبول وتمدن إمبراطوري عثماني: 42، ترجمة: ماه ملك بهار، طهران، علمي وفرهنگي، 1365؛ وذبيح الله صفا، تاريخ أدبيات در إيران 5 (القسم الأول): 45.

([4]) رحيم رئيس نيا، روابط إيران وعثماني 2: 792، تبريز، نشر ستوده، 1374.

([5]) زكريا طرزمي، (سنت هاي ديني  واجتماعي مشترك)، آشنا: 1 ـ 4، السنة الأولى، رقم 4، (شتاء 1374).

([6]) للتعرف على هجرة الإيرانيين راجع: بطرشفسكي، إسلام در إيران: 45؛ عبد الحسين زرين كوب، تاريخ مردم إيران: 487 فما بعدها؛ زرين كوب، تاريخ إيران بعد أز إسلام: 372.

([7]) انظر: إسماعيل حقي أوزون جارشي لي، تاريخ عثماني 1: 3.

([8]) عبد الكريم كلشني، فرهنگ إيران در قلمرو تركان: 5 ـ 7.

([9]) محمد أمين رياحي، زبان وأدب فارسي در قلمرو عثماني: 10.

([10]) عبد الباقي كلبنارلي: 72، نقلاً عن: محمد أمين رياحي، المصدر السابق: 12.

([11]) خطيب شيرازي، قلندرنامه: 15، تصحيح: حميد زرين كوب، طهران، انتشارات طوس، 1962.

([12]) أردشير إسترآبادي عزيزي، بزم و رزم، تحت نظر: محمد فؤاد كوبرلي زاده، إسطنبول، 1928، نقلاً عن: مهدي درخشان، المصدر نفسه: 101 ـ 102.

([13]) انظر: داور دورسون، دين وسياست دولت عثماني: 187، ترجمة: منصورة حسيني، داور وفائي، طهران، وزارت الثقافة والإرشاد الإسلامي، 1381هـ ش.

([14]) إسكندر بيك روملو، تاريخ عالم آراى عباسي: 145.

([15]) انظر: إسماعيل أحمد ياقي، دولت عثماني أز اقتدار تا انحلال: 52، ترجمة: رسول جعفريان، قم، مركز الحوزة والجامعة، 1379؛ إدوارد براون، تاريخ أدبيات أز ظهور قدرت صفوي تا عصر حاضر: 82؛ إسماعيل حقي أوزون، جارشلي، تاريخ عثماني 2: 294.

([16]) نصر الله فلسفي، جنك جالداران: 115، مجله دانشكده آداب، السنة الأولى، العدد الثاني؛ تاريخ إسلام: 420.

([17]) حسين عبدالله شيرواني، الأحكام الدينية في تكفير قزلباش: 722، تحت نظر: رسول جعفريان، قم، ميراث إسلامي إيراني، المكتب الرابع، مكتبة آية الله العظمى مرعشي نجفي، 1376هـ ش، 1417هـ).

([18]) المصدر نفسه: 725.

([19]) المصدر نفسه: 728.

([20]) مناقب هنروران: 39 ـ 40، نقلاً عن: التاريخ العثماني 2: 718.

([21]) فاروق سومر، نقش تركان آناضولي در تشكيل و توسعه دولت صفوي: 2 (مقدمة)، ترجمة: إحسان إشرافي، محمد تقي إمامي، تهران، نشر گسترده، 1371.

([22]) إسماعيل أحمد ياقي، دولت عثماني أز اقتدار تا انحلال: 28، ترجمة: رسول جعفريان، قم، مركز الحوزة والجامعة، 1379.

([23]) انظر: حسن بيك روملو، أحسن التواريخ: 10، تحت نظر: عبد الحسين نوائي، طهران، انتشارات بابك، 1357؛ فاروق سومر، نقش تركان آناضولي در تشكيل و توسعه دولت صفوى: 16؛ منوچهر پارسا دوست، شاه إسماعيل الأول: 389، طهران، شركة مساهمة انتشار، 1375.

([24]) أحسن التواريخ: 5.

([25]) انظر: تاريخ شاه إسماعيل، نقلاً عن: فاروق سومر، المصدر السابق: 23؛ حسن بيك روملو، المصدر السابق: 14.

([26]) حسن روملو، المصدر السابق: 26.

([27]) تاريخ شاه إسماعيل: 49، نقلاً عن: فاروق سومر، المصدر السابق: 26 (الحاشية).

([28]) تاريخ شاه إسماعيل: 53، نقلاً عن: فاروق سومر، المصدر السابق: 27 (الحاشية).

([29]) عبدي بيك شاملو: 243، فاروق سومر، المصدر السابق: 27.

([30]) انظر: حسن بيك روملو، المصدر السابق: 65.

([31]) إسماعيل حقي أوزون جاشلي، تاريخ عثماني 2: 256، ترجمة: وهاب ولي، طهران، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگي، 1370.

([32]) تاريخ إسلام: 416، تحقيق: جامعة كمبردج.

([33]) حول ثورة شاهقلي انظر: أوزون جارشلي، المصدر السابق: 258 ـ 397؛ فاروق سومر، المصدر السابق: 41 ـ 42.

([34]) أوزون جارشلي، المصدر السابق: 292، حسن بيك روملو، المصدر السابق: 164.

([35]) المصدر نفسه.

([36]) انظر: أوزون جارشلي، المصدر السابق: 398؛ فاروق سومر، المصدر السابق: 44.

([37]) انظر: نصر الله فلسفي، زندگاني شاه عباس أول 1: 161.

([38]) اسم يطلق على الجندي الروسي، ثم أطلق على الجندي القاجاري.

([39]) انظر: فاروق سومر، المصدر السابق: 44؛ إسماعيل حقي أوزون جارشلي، المصدر السابق: 292.

([40]) شاه طهماسب صفوي، تذكره شاه طهماسب: 24، حسن روملو، المصدر السابق: 205.

([41]) فاروق سومر، المصدر السابق: 57؛ حسن بيك روملو، المصدر السابق: 188؛ نصر الله فلسفي، المصدر السابق: 162.

([42]) حسن بيك روملو، المصدر السابق: 194.

([43]) انظر: نصر الله فلسفي، المصدر السابق: 163.

([44]) انظر: حسن بيك روملو، المصدر السابق: 164؛ إسماعيل حقي، المصدر السابق: 2: 294؛ فاروق سومر، المصدر السابق: 41.

([45]) فاروق سومر، المصدر السابق: 58.

([46]) تاريخ إيلجي نظام شاه: 40، نقلاً عن: سومر، المصدر السابق: 59.

([47]) فاروق سومر، المصدر السابق: 59.

([48]) نصر الله فلسفي، المصدر السابق: 162.

([49]) سومر، المصدر السابق: 60.

([50]) انظر: حسن روملو، المصدر السابق 152؛ خواندمير: 80 ـ 81.

([51]) حول طائفة ذو القدر انظر: نصر الله فلسفي، زندگاني شاه عباس أول 1: ؟، طهران، انتشارات جامعة طهران، الطبعة الخامسة، 1353؛  التوضيحات والضمائم: 164.

([52]) حول طائفة القاجار انظر: نصر الله فلسفي، زندگاني شاه عباس أول 1: 69، الطبعة الخامسة؛ التوضيحات والضمائم: 165؛ فاروق سومر، المصدر السابق: 69.

([53]) انظر: نصرِ الله فلسفي، زندگاني شاه عباس أول 1: 164؛ فاروق سومر، المصدر السابق: 67 ـ 121.

([54]) انظر: فاروق سومر، المصدر السابق: 62 إلى 70؛ نصر الله فلسفي، المصدر السابق: 161.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً