أحدث المقالات

مقدمة

بات الحديث عن نشأة مدرسة النجف وتاريخها وتطوّر مراحلها معروفاً, تعدّدت مصادره, فلعلّنا لسنا بحاجة إلى إعادة التعريف بالمعروف([1]). لكننا بحاجة إلى المقاربة مع موضوعات ذات صلة بمدرسة النجف العلمية ومنها:

هل يمكن أن يدرس العمق المعرفي في النجف وتطوراته بمعزل عن جذره في مدرسة الكوفة, ومدرسة قم الأخبارية في القرن الرابع, ومدرسة بغداد في القرنين: الرابع والخامس؟ لأن دراسة التحولات العلمية والمنهجية لهذه المدرسة تتخطّى الجانب الحدثي التاريخي, والجانب الجغرافي المكاني فهي تقارب امتدادت الأفق الحضاري ولأن المعرفة جوهر الحضارة, لذا أعتقد أن ما حصل في مدرسة الحلة في القرنين السادس والسابع هو امتداد أو تداعيات لتأسيس مدرسة النجف, فمدرسة النجف ـ فيما أرى ـ لم يبدأ تاريخها العلمي في 448هـ بل يبدأ تاريخها من تحصير الكوفة وممارستها الجهد المعرفي في القرن الأول ويمتد إلى بغداد حتى 656هـ, ثم الحلّة في القرنين: السابع والثامن، ثم كربلاء في القرنين: الحادي عشر والثاني عشر, ثم تطوّرات المعرفة والمنهج في تلك المدرسة والتطور العلمي المعاصر إبان القرن الرابع عشر الهجري وبعده.. إيماناً بأن تاريخ المعرفة في هذه المدرسة ليس تاريخاً تنتابه القطيعات المعرفية، إنما صنعه التواصل المعرفي, والتراكم العلمي والمنهجي؛ فالكوفة أسست مبادئ المعرفيات الإسلامية ونقلتها إلى بغداد، ثم صنفت هذه المبادئ وفق مناهج متطورة، ثم دخلت التطورات العلمية عليها في الحلة وكربلاء؛ فعادت تحمل هذه الحصيلة مرة أخرى إلى مدرسة النجف الأشرف, فصارت النجف ـ المدرسة هي المبتدأ والمنتهى؛ لذلك فدراسة الفقه الشيعي من خلال مدرسة النجف يجب أن يؤرخ بعمق شمولي وليس بطريقة تجزيئية، ويجب أن يتعدّى طريقة الاقتصار على ترجمة الفقهاء البارزين إلى رصد نظرياتهم وأصول استنباطهم والتحولات الفكرية في آرائهم.

ومما يلحق بالدراسة المنهجية على النمط المطلوب هذا, قراءة علمية للتحولات المهمة التي منها دراسة التحولات المهمة في الفقه الشيعي، وكمثال على ذلك التحول من سمات مدرسة الأصول الأربعمائة إلى فقه الاجتهاد عند المفيد وابن الجنيد, وتحوّلات النقلة من الفقه المستقرّ في رحم الحديث ـ كما هو ديدن مدرسة قم, وما ظهر منه عند الطوسي في كتابه: النهاية في الفقه ـ إلى فقه الاجتهاد في (المبسوط)، والاجتهاد المقارن في الخلاف.. ومن تداعيات هذه الرؤية دراسة أسس المتغيرات التطبيقية في فقه ابن إدريس «بعدم العمل بخبر الواحد» والمتغيرات المنهجية في فقه المحقق الحلّي «بإعادة التصنيف الفقهي» عبر معيار جديد والمناظرات الفقهية في المختلف ومنتهى المطلب ذات العمق المقارن والأصولي الناضج, كذلك من تداعياته عودة ظهور مدرسة كربلاء الأخبارية ثم تطورات الفكرة الأخبارية حتى آل التعديل عليها على يد المحقق البحراني في الحدائق، والذي كان من ناتج الحوار مع المنهج الأصولي على يد الوحيد البهبهاني، كذلك من تداعياتها التجديد الأصولي والمنهجي والفقهي التفسيري الذي ظهر في القرن الثاني عشر الهجري وما تابعه من تطوّرات حتى يومنا هذا, ويبدو أنّ هذه التراتبية ليست دراسة تاريخية للحدث بقدر ما هي دراسة راصدة للتطور العلمي وتحولاته في مدرسة النجف وغيرها.

وعلى هذا المنهج في سبر هذه التحولات، نختار «مساهمة الفقيه الشيعي في تأسيس الفقه الدستوري وتطويره» آخذين بهذه المراحل والتحولات, فيقتضي لنا أولاً التعريف بالفقه الدستوري, ثم ملاحقة التطورات التي حصلت بعد بواكير التفكير الفقهي الدستوري، ثم معرفة ما للنظرية الدستورية الشيعية وما عليها.

مفهوم الفقه الدستوري

من المعروف أن الفقه هو مجموعة الأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية التي تنظم وتضبط سلوك الأفراد والمؤسسات.. أما الدستور فهو مفردة حديثة تعنى بما يحدّد «شكل الدولة»، ثم الحقوق والحريات وصلاحيات السلطات الثلاث، وعليه يكون الفقه الدستوري هو مجموعة الدراسات الشرعية المستندة للأدلة الأصولية الأساسية أو الاجتهادية التي تعنى بتجديد شكل الدولة وحقوق الأفراد وحرياتهم, وصلاحيات السلطات, والأصل في شرعية السلطة, وحقوق الأقليات وأحكام الجنسية، والأسس القانونية التي تحكم سلوك الحكومة, ووظائف الدولة, وأسس السياسة الاقتصادية للحكومة، وهياكل السلطة التشريعية وصلاحياتها, وطريقة تشكيلها، وكذلك سلطة التنفيذ وسلطة القضاء, ودور الإعلام وحرياته والتزاماته والضمانات الدستورية, ونوع الدستور وطرق تعديله؛ فهل كان للفقه الشيعي دور ريادي في مثل هذه المباحث؟ وما مدى الريادة؟ وهل نستنتج من خلال المقارنة مع الفقه الدستوري للمذاهب الأخرى والنظريات الدستورية الوضعية تفوقاً علمياً في مدرسة فقه الإمامية؟ وهل يمكن في هذا الإطار ممارسة جهد علمي تأصيلي لدفع قضية الفقه الدستوري نحو مزيد من البحث المتخصّص, والمزيد من عمق الاستدلال للوصول إلى قواعد دستورية إسلامية؟ وهل يمكن أن يكوِّن ذلك أطروحتنا في مجال حوار الحضارات؟

البواكير الأولى للفقه الدستوري الإمامي

لعلّ نقطة الخلاف الأساسية بين الشيعة الإمامية والمذاهب الأخرى تبدأ من النظر بإشكالية السلطة (الإمامة)، ولاسيما بعد أحداث السقيفة, فهي المنطلق لتراكمات هذا الخلاف([2]) حتى ظهر معيار التشيع في الرواية عن المعصوم وهو يخاطب أبا البلاد قال(ع) : >يا أبا البلاد أتدري من الشيعة؟ الشيعة إذا اختلف الناس عن رسول الله’ أخذوا بقول علي×، وإذا اختلف الناس عن علي أخذوا بقول جعفر<([3]). وبذلك بدأ التشيع خلافاً دستورياً وانتهى خلافاً منهجياً وعلمياً؛ فأصل الخلاف الممتدّ تاريخياً على مدى خمسة عشر قرناً هو خلاف دستوري, استدعى التعدّد في المواقف, مثل موقف المعارضة السلمية الذي ظهر في سلوك أئمة أهل البيت في النصف الأول من القرن الأول، من ذلك موقف الإمام علي من شكل التعاون مع (سلطة الخلفاء الثلاثة) وموقف الإمام الحسن من الهدنة, ثم المعارضة التصادمية عندما تحول الحكم من حكم شورى (بدرجة ما) إلى حكم ملكي وراثي عضوض على يد معاوية ومن أعقبه,واستمرار ذلك الموقف حتى العصر الحديث؛ فاستقرّ في الذهن الشيعي أن الحكم وإدارة الدولة على طول التاريخ يجري خارج نطاق الشرعية؛ فانحسر في فقه الفرد والآليات الشرعية لممارسة المعارضة.

ومن استقراء التجربة السياسية لأئمة أهل البيت وجدنا أنهم حينما يحوزون السلطة ويمارسون قيادة الأمة يرتكزون على شرعيتين: أولاهما النص الجلي, والأخرى كونهم نخبة الأفضلية والصفوة القيمية والمعرفية, وإن غلبتهم القوة على اغتصاب حقهم فالموقف عندهم أنهم يسالمون في معارضتهم سلطة الغاصب متى سلمت أمور المسلمين وإن لحق بهم الجور؛ فيتحملون الضرر الخاص دفعاً للضرر العام (الكيان الإسلامي). لكن حينما تتعرّض أمور المسلمين ويتضرّر التطبيق المركزي للشريعة إلى الانحراف فإنهم يجاهرون ببطلان التصرفات ويتصدون للمواجهة([4]), بهذا يحدثنا تاريخ الثورات العلوية.

ضعف الدراسات الدستورية الشيعية القديمة

وبهذا يظهر أثر النص في صياغة الواقع, وأثر الواقع في تكييف فهم النص ومن تداعيات هذا أن الفقه الشيعي لانشغاله تماماً في التنظير للواقع ـ وهو خارج إدارة المجتمع والدولة ـ انحسر بسبب واقع لا شرعية السلطة إلى الاهتمام بفقه الفرد، وهذا ما أدى إلى تضاؤل الاهتمام بفقه المؤسسات, والأحكام السلطانية؛ فالفقهاء لم يكونوا على صلة بالسلاطين, بل أصبحت العلاقة معهم من الكبائر([5])المسقطة لعدالتهم, ولم يفسح السلاطين لهؤلاء الفقهاء فرصة ترشيد قراراتهم فتركّز جهدهم على حماية الفرد وبيان تكاليفه, وأصبح فقه التقية هو فقه المعارضة المعبّر عن إسقاط الواقع على توجهات الفقهاء, مع الإشارة إلى أنه في طيات بحث فقهاء الإمامية في صلاة الجمعة, والزكاة, والجهاد, والأمر بالمعروف، والقضاء, والحدود والتعزيزات.. مجموعة من المبادئ الدستورية, لكننا لم نشهد بحثاً مستقلاً ومتميزاً في صلاحيات السلطات وحقوق الأفراد وشكل الدولة، كما وجدناه في كتب الأحكام السلطانية، مع الإشارة إلى أنّ بعض مباحث الإمامة في علم الكلام قد تناولت بعض هذه الموضوعات لكنها كانت خارج التخصّص الفقهي, كونها دائرة في مجال «شرعية السلطات لا غير».

لهذه الأسباب صار الفقه الشيعي فقه الحكم الجزئي, وفقه المعارضة السياسية, وتناقص عندهم فقه الدولة وفقه المؤسسات الوطنية حتى ظهرت ضرورة للتفريق بين فقه الفرد وفقه المجتمع, أو الفقه الجزئي وفقه النظرية العامة.. وحتى نفرّق بينهما يجب ـ بدءاً ـ أن ننطلق من القدر المتيقن وهو أن الفقه هو المنظومة الحقوقية التي تدير حركة الإنسان والحياة.. كما هو مقتضى التكليف العقدي؛ فما كانت تطبيقات الحكم على مستوى الفرد دون أن يكون شروطاً بالامتثال الجمعي عينياً أو كفائياً فهو حكم للفرد مثل صلاة الليل والوضوء, أما إذا اقترن بالامتثال الجماعي مثل صلاة الجماعة والجمعة والجهاد والأمر بالمعروف والحج.. فهو تطبيق جماعي وفقه للمجتمع ومؤسّساته.

وهناك معيار آخر: ما كان للامتثال وقت محدّد يؤدي فيه سواء أكان موسعاً أم مضيقا فهو حكم اجتماعي, وما لم يكن مؤقتاً والمخاطب به فرد بعينه فهو حكم فردي على الأغلب، ولعلّ عموم التكاليف الشرعية التي تندرج في الحكم التكليفي (الكفائي) هو فقه جماعي. وكذلك أحكام المؤسسات مثل أحكام بيت المال والأموال الموقوفة.

 

الفقه الدستوري عند المذاهب الأربعة

من المعروف أن فقه المذاهب الأخرى قد سبق فقه الإمامية في تنظيرات الفقه الدستوري؛ وذلك لامتداد عصر النص عند الإمامية حتى منتصف القرن الثالث؛ فيمكن أن نتلمس ذلك في الروايات، بينما انتهى عصر المعصوم عند المذاهب الأخرى بوفاة النبي عام 11هـ، وقد ظهر في فقههم بموجب نظريتهم في عدالة الصحابي امتداد آخر يستندون إليه كحجة شرعية هي تصرّفات الصحابي وأقواله وتطبيقات (دولة الراشدين) ([6]), ومباحث الإمامة وإن كثرت في المباحث الكلامية إلا أنها دارت في مدار سجال الشرعية الأساسية أكثر من اهتمامها بجدّيات سلطة الحكام وحقوق الأفراد, لقد ظهر أكثر من كتاب بعنوان الأموال، ومن كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام (224هـ) الذي تناقل بعض المقولات الدستورية فيما يخص الموارد المالية([7]), ظهرت في القرن الرابع أعمال أخرى، وهو قرن الإنتاج المعرفي الإبداعي للحضارة الإسلامية والذي كانت منه حكومات الدويلات الإسلامية كل منها يتبنى مذهباً بل يفرضه على الناس, فالري وإصفهان في أيدي بني بويه, والموصل وسوريا عند بني حمدان, ومصر عند الإخشيد, والمغرب وشمال أفريقيا في يد الفاطميين والأندلس عند بني أمية والبحرين بيد القرامطة, لكن ملوك الطوائف هؤلاء يعترفون بالسيادة الشكلية للخليفة في بغداد، ومنها تجد مجموعة أفكار في هذا الشأن يوجزها آدم متز حين يتحدّث عن الفراغ في الفقه الدستوري كيف ظهرت تداعياته في الانقلابات على الخلفاء وتولى حكام الولايات (الأمراء) مهام إدارة دويلاتهم([8]).

يقول جولدتسيهر في معرض التفريق بين الخليفة في الفقه السنّي والإمام في الفقه الشيعي: إن الخليفة عند السنّة يجب تنصيبه خليفة وأن مهماته تنفيذ أحكام الشريعة وحماية البلاد وتسيير الإدارة المالية, وهو رئيس السلطة القضائية والإدارية والحربية, ويختاره المسلمون بالانتخاب أو بالتعيين من سلفه، ولا يشترط فيه أن يكون أعلم المسلمين([9])، أما عند الشيعة فهو رئيسهم ومعلّمهم فهو (يحكم ويعلم). ويرى آدم متز أن دولة الخلفاء كانت أشبه باتحاد يتألف من ولايات كثيرة ولكل ولاية ديوان (وزارة مستقلة)، ويحمل ما زاد على نفقات الخراج إلى خزينة الدولة المركزية([10]), وقد ظهر منصب الوزارة في العصر العباسي الأول إذ يعيّنه الخليفة, وكان بيت المال ـ على الأقل نظرياً ـ مؤسّسة مستقلة عن خزانة الخليفة، ولم يظهر فصل بين سلطة التنفيذ والسلطة القضائية وإن تعاظم شأن القاضي.

ولعلّ من رواد الفقه الدستوري في فقه المذاهب أبو الحسن الماوردي (364 ـ 450هـ) الذي عمل قاضياً، وكان يصرّح بأن على القضاة ألا يلتزموا بمذهب معيّن إنما يعملوا باجتهادهم, وله كتاب «الأحكام السلطانية والولايات الدينية»([11])الذي يقرر فيه في رواية لأبي هريرة عن الرسول’ أنه سيليكم الفاجر بفجوره فاسمعوا له وأطيعوا, والحديث مما رواه الطبراني بإسناد هشام بن عروة وعبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، وهما ضعيفان جداً على إجماع رجال الرواية([12])، وقد قسّم الماوردي الناس على: نخبة تنتخب وصفوة مرشحة للخلافة، ثم قال: وليس على من عدا هذين الفريقين في تأخير الإمامة من حرج ولا مأثم، كما حدّد شروط أفراد الفريق الأول بالعدالة والعلم والحكمة والتدبير ([13])؛ ليختاروا من بينهم من هو أصلح, ويتم الاختيار في بلد الإمام فهو المتولّي عرفاً مهام اختيار الإمام.

أما الصفوة المرشحة فشروط أفرادها سبعة: العدالة والعلم الاجتهادي وسلامة الحواس وسلامة الأعضاء والتدبير والشجاعة والنسب (من قريش). وتنعقد الإمامة عنده إما باختيار أهل الحل والعقد أو بعهد الإمام الذي قبله، ويورد آراء بعدد (أهل الحل والعقد)، منها أنه يكفي فيهم أن يكونوا خمسة، مستدلاً على ذلك كلّه بالتجربة السياسية لعصر الراشدين، ونقل عن أهل الكوفة أنها تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم، وبرضا الاثنين اللذين عدّهما شاهدين (مثل عقد النكاح) ونقل أيضاً أنها تنعقد بواحد([14])؛ فمن صار إماماً بغير عهد ولا اختيار انعقدت إمامته وتحمل الإمامة على طاعته.

ثم تحدث عن منصب الوزارة وأمراء الأقاليم، يقول: «أمراء الأقاليم: مرة بعقد عن اختيار, وأخرى بعقد عن اضطرار، ومن جهة أخرى ولاية مطلقة على كل المهام في الإقليم أو ولاية متخصّصة»([15]). وصلاحيات رئيس الإقليم: تدبير الجيش,إلا إذا حدّد الخليفة نوع تدبير الحكم وتعيين القضاة وجباية الخراج والصدقات وتعيين متولّي المالية حماية الدين ومراعاة التغيير والتبديل وإقامة الحدود في حقوق الله وحقوق العباد وإمامة الناس في الجمعة والجماعة أو الإنابة لتدبير فعاليات الحج، وإذا كان الإقليم (حدودياً) فعليه إدارة العمليات الحربية ويجوز للوزير تعيين الولاة (رؤساء الأقاليم)، وفيه تفصيل، ولا يجوز لرئيس الإقليم (زيادة الرواتب) بلا مسوغ. وينتقل الفائض من الضرائب والموارد المالية عن (ميزانية الإنفاق) إلى المركز ليدخل في موارد المصالح العامة, وإذا نقصت موارده المالية طالب العاصمة بإتمام ميزانية الإنفاق, إلا الزكاة فإن نقصت لم يجز له المطالبة.

ورئيس الإقليم إن كان مقلداً بأمر الخليفة لم ينعزل بموته، بينما إذا كان بأمر الوزير انعزل بموته أو إقالته؛ لأن تقليد الخليفة (المنتخب)حصل نيابة عن المسلمين وينعزل الوزير بموت الخليفة, لكن رئيس الإقليم لا ينعزل بموت الخليفة؛ لأن الوزارة نيابة عن الخليفة والإمارة على الإقليم نيابة عن المسلمين. وعنده بحث في أمراء سرايا الدفاع والسلطة القضائية ونقابة الأشراف وإمامة الصلاة وولاية الصدقات والموارد المالية والجنايات والحسبة وتقسيم الحقوق إلى حقوق خالصة للعبد وحقوق مشتركة بين الله وبين الآدميين, وفي هذا الكتاب آراء كثيرة لا تصمد للنقد؛ لأن أكثر أسانيدها انعكاسات عصره, وتطبيقات العصرين: الأموي والعباسي.

وقد ظهر كتاب آخر بذات الاسم لأبي يعلى الفرّاء الحنبلي الذي لا يفترق بالمضمون إلا قليلاً عن كتاب الأحكام السلطانية للماوردي([16])، ولم يتوالى هذا الجهد فيما بعد، ولاسيما بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد (656هـ) وتوالي الدويلات المتعاقبة على بلاد الإسلام والتي لم تلتزم بالقواعد الدستورية الإسلامية.

الفقه الدستوري عند الشيعة الإمامية

في البدء، يعدّ الإمام المعصوم مدبّر العالم الإسلامي في عصره ومعلّمه، وواضح أنّ النظرية الدستورية الشيعية تقارب جمهورية أفلاطون التي تمنح السلطة للأكمل والأعلم والأفضل، ويكون جهاز الدولة كلّه من العلماء والخبراء وأفاضل الناس.. فالمعصوم الذي هو رأس الدولة وفقاً للنظرية الشيعية ليس في مجتمعه من هو أكمل منه، و له وظيفة النبي في التبليغ والقضاء والحكم([17]), إلا أن هذه النظرية الشيعية بقيت في حدود النظرية فلم تطبّق حتى في عصر الإمام علي× لوجود مخلّفات أوجدت رأياً عاماً مضاداً لهذه النظرية في فترة من سبقه من الخلفاء بعد وفاة النبي’، وتميزت هذه الفترة بكثرة المشكلات والحروب الداخلية والتمرد السياسي المسلح التي انتهت باستشهاد أمير المؤمنين×، ثم انتهت فترة الإمام الحسن بهدنة مع معاوية على أمل استرجاع الدستورية الشيعية لدورها في التطبيق بعد موت معاوية الذي نكث عقد الهدنة وورّثها لابنه يزيد الذي مارس ـ عملياً ـ سلوكيات الدولة الاستبدادية القمعية الخارجة علناً عن الإسلام المحمدي؛ فتولى أئمة أهل البيت^ مهمة قيادة المجتمع ـ من خارج مركب السلطة ـ واهتموا بتعليمهم والحفاظ على معتقداتهم والتزامهم بالتكاليف وتهيئة الوضع الاجتماعي لاستعادة الصورة الصحيحة للمجتمع الإسلامي، وفق نظرية المعلّم الأكمل (الإمام المعصوم) الذي يمتاز بسمات الشخص الكامل ويكون جهازه التنفيذي والقضائي على ذات المواصفات التي للإمام؛ فقد جاء في قول الإمام علي×: «ألا إن لكل إمام مأموم يقتدي به.. فأعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد».

وقبل غيبة الإمام الثاني عشر (صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه) بل من أواخر القرن الأول سادت فكرة المصلح الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً, في النصوص المروية, وارتكزت في الذهنية السائدة وتحولت إلى أمل يخفف من اليأس والإحباط اللذين انتهت إليهما التجربة التاريخية السياسية للإسلام في العصرين: الأموي والعباسي, ولقد حصلت الغيبة فعلاً وأعلن رسمياً عن بدء عصر الترقب للإمام العادل الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وبذلك أنهت فعلاً نظرية القيادة المعصومة للأمة.

وكان لابد للفقه الشيعي أن يتحول إلى نظرية دستورية لشكل الدولة ومؤسّساتها والحقوق والالتزامات القانونية لمؤسّساتها وللأفراد، يقول محسن كديفر: «يمكن ملاحظة بعض المؤشرات التي تدلّ على تناول الشيخ المفيد في كتابه: المقنعة، لموضوع الحكم, لكن الآثار المتبقية من فقه تلك المرحلة لا توحي بوجود أيّ نظرية سياسية متكاملة، بل يمكننا القول: إن هذا الباب من أبواب البحث كان بعيداً جداً عن أذهان فقهاء ذلك العصر»([18])، ولعل ظهور هذه المؤشرات, ولقد تقدّم ما حصل بعد القرن السابع, من تضاؤل في التفكير بالنظرية الدستورية لما حصل من أوضاع سياسية في كلا المدرستين الفقهيتين السنية والشيعية.

ظهور العقل الدستوري الشيعي الجديد في العصر الصفوي

بيد أن ذاك الأمر لم يستمرّ في الفقه الشيعي طويلاً؛ ففي القرن العاشر أيقظته دولة شيعية قامت في إيران قد حفزت العقل الفقهي أن ينظّر لفقه الدولة, بينما لم يستعد التفكير بالفقه الدستوري في المدرسة السنّية إلا عند جمال الدين الأفغاني في القرن الرابع عشر؛ ففي القرن العاشر كان السائد التفكيك بين الأمور الشرعية والأمور العرفية، وتعني الأخيرة ممارسة السياسة فهي تكليف المتصدّين من الناس (السلاطين)، أما الفقهاء فلم يكونوا في وضع يتيح لهم أكثر من ممارسة الأمور الحسبية، مع الاختلاف في مدياتها, لكن مع قيام دولة شيعية في إيران في القرن العاشر تحرّكت أذهان الفقهاء نحو رسائل الخراجيات؛ فكان منها ما ألّفه المحقق الكركي والأردبيلي والفاضل القطيفي وغيرهم في جواز أخذ السلطان لضريبة الخراج([19])، والجديد الذي ظهر في شروط إقامة الجمعة مثل رسالة في صلاة الجمعة للمحقق الكركي والرسائل الجهادية، وظهرت على يد المحقق الكركي بواكير إعادة التفكير بنظرية الدولة، وظهرت فكرة نيابة الفقيه العادل الجامع للشرائط عن الإمام المعصوم الذي له ما للإمام مع استثناءات طفيفة, فهو الحاكم المنصوب بالوصف من قبل الإمام مما تطوّر فيما بعد تحت اسم (ولاية الفقيه)، لكنه ـ وعلى أثر الخلاف مع الصفويين وهجرته إلى العراق ـ لم تتطور آراؤه نحو النضج وشاطره الرأي المحقق الأردبيلي (993هـ) صاحب زبدة البيان.

ثم بعد ثلاثة قرون ظهر الشيخ النراقي فسطر في كتابه (عوائد الأيام) مشروعه في ولاية الفقهاء والدور السياسي لهم, ولاقت نظريته تجاوباً واسعاً ونقداً ظهر في مؤلف الشيخ الأنصاري «المكاسب» يقول (عن ولاية الفقهاء) إنّها غير ثابتة بعمومها ولا بدليل عدا ما ربما يتخيل من أخبار واردة بشأن العلماء، .ثم يعدد الروايات ومنها مقبولة عمر بن حنظلة: «قد جعلته عليكم حاكماً»، ويعقب بقوله: >لكن الإنصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنها في مقام وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية لا كونهم كالنبي والأئمة^ في أنهم أولى بالناس في أموالهم<. ثم يقول: >فلو طالب الفقيه الزكاة والخمس من المكلف فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعاً<، ويقول: >وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب إطاعة الفقيه كالإمام إلا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد<. أما الصلاحية الثانية، وهي توقف تصرف الغير على إذنه مما يتوقف على إذن الإمام، فهي غير مضبوطة فلابد من ضابط، وتحدث عن ما يرجع فيه الناس إلى رؤسائهم([20]).

ولم يعضدها أيضا الشيخ محمد حسن النجفي صاحب جواهر الكلام؛ إذ صرّح أن الروايات غير واضحة هل ولايتهم من باب الحسبة أم لا؟ وإذا كانت كذلك فما مسوغ تقديمهم على بقية الناس أو أن الله انشأ لهم ولاية أو أنها وكالة عن المعصوم([21]).

الدستورية الشيعية في القرن العشرين

وفي مطلع القرن الرابع عشر الهجري داهمت العالم الإسلامي في تركيا وإيران قضية السلطة والنواب والانتخاب (عصر المشروطة). وظهرت مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة والحقوق العامة والفصل بين السلطات فنشأ تياران: أحدهما يؤيد هذا التطور ويجد له أصولاً في الفكر النظري الإسلامي، وآخر يدافع عن السائد الفكري بالفصل بين مهام الفقهاء ومهام السلطة السياسية (الأمور العرفية)، ومثل الاتجاه الأول وظهر إلى جانبه تنظير الشيخ محمد حسين النائيني في كتابه (تنبيه الأمة) وقد سبقه الكواكبي (1855-1902م) الذي ولد في حلب,وعمل في الصحافة والتقى بجمال الدين الأفغاني في (1895م) في الأستانة، ثم استقر في مصر (1900م) فنشر كتابه: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، في مصر 1901م, ثم دسّ له السم في (1902م) ودفن في القاهرة([22])؛ ففي كتابه ذاك اعتبر الكواكبي الاستبداد أساساً في تخلّف المسلمين، مستفيداً من كاتب إيطالي (فيتوريو الفيري) الذي تناول الاستبداد وعلاقته بالدين والعلم، والمترجم إلى التركية عام (1898م). ومن يقرأ فصل الاستبداد والدين في كتاب الكواكبي,وفصل الدين وحقوق الإنسان([23])يتوصل إلى شبه يقين أن النائيني قد اطّلع على كتاب الكواكبي وتأثر به، وقد ذكر بعض الباحثين أن النائيني كان على صلة بجمال الدين الأفغاني منذ أيام دراسته الأولى في إصفهان([24]).

والنائيني في هجرته إلى العراق كانت سامراء مستقره الأول وكان السيد إسماعيل الصدر من أوائل من تلمّذه، ثم المجدد الشيرازي, بعدها لازم الآخوند الخراساني, فأثر هؤلاء في صياغة توجهاته فهم جميعاً ممن يصير على المشاركة الجادة في صناعة الحدث التاريخي وفق رؤى تجديدية. وقد صدر كتابه (تنبيه الأمة) في 1909م, وقد توفي النائيني بعد ذلك التاريخ بـ(27) سنة قضاها بين مرجعية منافسة لمرجعية السيد أبي الحسن الإصفهاني بعد أن عاش صداماً مع المستبدة, ونفي خارج العراق بسبب مواقفه ضدّ الإنجليز، ليعود في أواخر عمره إلى العراق, ويتولّى نظرياته في علم الأصول.

المضمون الدستوري لرسالة «تنبيه الأمة» للميرزا النائيني

تتألّف الرسالة من مقدمة طويلة وخمسة فصول وخاتمة([25])؛ ففي المقدمة ابتدأ النائيني من فكرة أن وجود الدولة في أي مجتمع ضرورة فطرية وعقلية, أيد الشرع تلك الضرورة فأصبحت ضرورة قانونية أيضاً؛ فضلاً عن موافقة سلوك النبي والائمة لذلك,ووظائفها حماية البلاد وتمشية أمور الناس ومصالحهم وفق نظام, والحكومات في تاريخ البشرية نوعان: منها ما يقوم على أساس أن الحاكم مالك للبلاد والعباد مطلق تصرّفه فيهما, وسلطانه استبدادي؛ فهو يحكم أمة ذليلة تسودها ـ هي ذاتها ـ قيم الاستبداد كما يمارسه كل صاحب سلطة على من هو في سلطته. وأخرى حكومة أمناء على إدارة أمور الناس فهي (السلطة) ولاية وأمانة، ثم يشترط في بيان كل صنف وآثاره ونشأته وتأثيره على نهضة الأمم ليتوصل إلى أنّ السبب الرئيس في التخلّف هو الاستبداد,ولا بديل للأمم الناهضة إلا بالتخلّص منه وإقامة النظام البديل([26])، ثم يقرر أن أصل السلطة في التصور الشيعي هو سلطة المعصوم بوصفه الفرد الأكمل إلا أنها غصبت منه وبغصبها غلب الاستبداد وصار سمة لتجربة أمتنا السياسية بل الحضارية, ويقرّر أنّ الغاصب قد غصب حقين: حق الله وحق الناس, وأنّ من النادر أن يجد المجتمع حاكماً عادلاً كريماً كالمعصوم ولا من يقترب منه, فلابد إذاً ـ مع فقدان المعصوم وندرة العدول ـ أن ينتخب الناس العدول الأمثل فالأمثل,وينتخبون إلى جنبه هيئة مسدّدة من العقلاء العدول والعلماء لمراقبته ومحاسبته. ويقيد الجميع بدستور يتضمن كيفية إقامة السلطان, ودرجتها، وحرية الأمة وتشخيص الحقوق، ويكون الدستور بالنسبة للدولة مثل الرسالة العملية للمكلفين([27])، شرط ألا يتعارض الدستور مع قوانين الشرع، ولا يعتبر أي شرط آخر قيداً على صحة الدستور ومشروعيته, وهذه النظرية في رأي النائيني وسطٌ بين حكومة المعصوم وحكومة الاستبداد.

ولعل ما يكشف من عباراته عن اطلاعه على كتاب الكواكبي، قوله: «ومن هنا يظهر لك جودة استنباط أهل الفن عندما قسموا الاستبداد إلى استبداد سياسي وآخر ديني»([28]). وختم مقدمته: إن وظيفة الدين استنفاذ حرية الأمم, وإنها أهم مقاصد الأنبياء، وإن أهم ركنين في أية رسالة سماوية: الحرية والمساواة في الحقوق والأحكام والتقاضي. ثم ردّ على استدلالات (المستبدة).

ذهب النائيني إلى أنّ الموقف الشرعي يدعونا إلى إيجاد حكومة منتخبة، وعدّ ذلك مقصداً شرعياً، كما رأى أنّ الاستبداد غصب مركّب لحق الله في وجوب طاعته بتولية المعصوم وحقّ الأمة في التمتع بالعدل والحرية؛ لذا فالحكومة الدستورية تجعل الغصب فقط في شأن حقّ الله, لأنها تحدد الجور قدر الإمكان ولا تتخذ مغصوبية المعصوم ذريعة لإسقاط تكليف الانعتاق من الاستبداد.

وقد فصّل النائيني في الفصل الخامس ركني: الحرية والمساواة، وفي الفصل الرابع أورد شبهات المعارضين لأطروحته وردّ عليها؛ منتهياً إلى صحّة انتخاب أعضاء مجلس النواب، وبيّن مهامهم([29]).

والحكومة المنتخبة ـ عنده ـ هي حكومة عدل نسبي، مقابل عجزنا عن التمتع بحكومة العدل المطلق التي هي حكومة المعصوم, وهذا العدل النسبي يتم بالانتخابات والبرلمان والدستور؛ وبذلك نقل النائيني الخطاب الدستوري الشيعي من الانحسار في المشروعية الدينية إلى خطاب تتجلّى فيه المشروعية المدنية السياسية المستمدة من الدين، وقد حشد النائيني في رسالته عشرات الأدلة من القرآن والسنن الفطرية والأحاديث النبوية وكلام الأئمة من نهج البلاغة وبقية كتب الرواية والتجربة العملية.

بيد أن عوامل متعددة ـ مختلف عليها ـ أدت إلى أن يسحب النائيني كتابه ويتنصّل منه([30])، ولم تتتابع أفكاره عند تلاميذه.. حتى ظهر كتاب السيد الخميني (الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه) الذي كتبه في مدينة النجف، ونشره عام 1970م, ثم نظرية السيد الشهيد محمد باقر الصدر الدستورية والتعديلات التي أجراها على أفكاره بحيث غدت أفكاره تعبر عن أكثر من أطروحة، كما سوف نرى إن شاء الله تعالى.

الفقه الدستوري في مدرسة السيد محمد باقر الصدر

من المصادفات الملفتة للنظر أن الشهيد الصدر يشاطر قول من يرى أن الدولة الإسلامية في عصر الغيبة ليست دولةً معصومة عن الخطأ؛ لذلك اتجه أول أمره إلى نظرية حكم الأمة لنفسها وفق نظرية الشورى, فللأمة بموجبه ولاية الأمر, وأي شكل شوري يعدّ صحيحاً ما لم يتعارض مع الثوابت الشرعية, وما لم يهدر مصالح الأمة الفعلية والرسالية, وفي ضوء هذه يحتكم إلى صناديق الاقتراع وحكم الأكثرية البرلمانية في مقام الترجيح بين الخيارات.. ([31])، ويروى أن الصدر قال بجواز الأخذ بولاية الفقيه بشرط الكفاءة الواقعية، وهي الاجتهاد الشرعي والعدالة، والخبرة السياسية بالنسبة للفقيه الذي يتولّى الإشراف على إدارة الدولة والمجتمع، وفي أواخر حياته دمج الصدر بين النظريتين بما سماه: (خلافة الأمة وإشراف الفقيه)، وتنص هذه النظرية على:

1 ـ إذا حرّرت الأمة نفسها فهي مصدر السلطات, وصاحبة الحقّ في ممارسة السلطات استناداً إلى قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}.

2 ـ إنّ عدداً من أحكام الشرع موجّه نحو المجتمع؛ فلابد من تفعيل الفقه المجتمعي, ولابد من دولة تحت إشراف الفقهاء للإشراف على امتثال التكاليف.

3 ـ إن السيادة لله تعالى, والولاية بالنيابة للأمة, والفقيه جزء من هذه الأمة إذا كان الأبرز وعياً ونزاهة،وكما أنّ للمواطنين رأيهم فله رأيه في المشاكل الزمنية، ولكن بقدر ما له من تأثير في الأمة([32]). وقد سماه (الشاهد والشهيد) أي أن يكون له رؤية أيديولوجية (شاهد) ويشرف على سير الجماعة ويتدخل لتعديل المسار متى انحرف عن التطبيق, فمركزه القانوني يتركّز في ضمان تطبيق الشريعة، وعلى نحوين: معرفة موضوعات الحكم وتشخيص مصلحة الأمة (من خلال مجالس الخبراء) وملء منطقة الفراغ التشريعي وفقاً للمؤشرات العامة والأصول النصية والقواعد الاجتهادية فيما سكت عنه النص أو أوكل النص الأمر فيه إلى المناط العقلي والتطوّر الحضاري للمجتمعات([33]).

أما صفات الفقيه (الموجّه) عند السيد الصدر، فأنه معيّن ربانياً بالوصف والخصائص، وعلى الأمة أن تعرفه بالشخص وتختاره بوعي بحسب تلك التوصيفات؛ لذلك بنبغي أن يرشح من أكثرية أعضاء مجلس المرجعية ويؤيد الترشيح من عدد كبير من العاملين, وفي حالة تعدّد المرجعيات بنفس المواصفات يصار إلى الاستفتاء العام على تشخيص مرجع الأمة.

4 ـ ويرى السيد الصدر جواز فصل السلطات ـ بعد عصر العصمة ـ كما يرى ضرورة انتخاب رئيس السلطة التنفيذية، ولم يتضح ما إذا كان رأيه اختيار النظام (البرلماني أو الرئاسي),بعد ترشيحه من المرجعية, أو من غير المرجعية، كما يرى انتخاب أعضاء مجلس النواب, وضمناً لابد من دستور تستفتى عليه الأمة؛ فيفهم منه أن هناك أربع سلطات: سلطة المرجعية (إشراف وتوجيه وتقويم) والسلطة التشريعية (مجلس النواب) والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية([34]).

5 ـ ويرى أنّ على مجلس النواب الاستعانة بالعقل الاجتهادي لتشريع القوانين وفق نظرية ملء الفراغ التشريعي، بما لا يتعارض مع الدستور، وعلى المجلس مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها.

ويمنح (المرجع) سلطة قيادة الجيش, وإمضاء انتخابات البرلمان, ومراقبة التنفيذ الحكومي والبت في دستورية القوانين, وإنشاء محكمة عليا, وديوان للمظالم.

6 ـ وتقرّر أطروحة الصدر أن ليس للمرجع شأن مباشر في التخصّصات التفصيلية للوزراء, إنما تنحصر مهامه في الإشراف والتوجيه العام.

مميزات في أطروحة الصدر الدستورية

وفي أطروحة الصدر آراء متقدمة في النضج والوعي الدستوري، منها:

1ـ إن المسلم على نوعين: المسلم الملتزم والمسلم الظاهري، ويعاملان على قدم المساواة في الحقوق والواجبات, وهذه تحلّ إشكالية الإقصاء في الفكر الديني.

2 ـ إن المرتد ـ فطرياً أو ملياً ـ إذا رجع عن ردّته تقبل عودته سواء كان ذلك واقعاً أم ظاهراً، ويعامل كبقية المسلمين، وهذا الرأي خلاف المشهور.

3 ـ إن الوطن الإسلامي منه ما كان استحقاقاً سياسياً كاختيار أغلبيته الرؤية الإسلامية, ومنه ما كان استحقاق مواطنة.. وهذه رؤية متقدمة على التفكير السائد.

4 ـ إن المعارضة في دولة غير إسلامية حقٌّ شرعي، لكن لا يجوز القيام بأعمال تعرّض العاملين والناس إلى الخطر, بل على المثقفين إيضاح ما تجهله الدولة من نظريات الإسلام بالحوار, مع ضرورة إطاعة النظام العام وحتى مع اختلاف في وجهات النظر مع دولة مسلمة غير إسلامية القوانين، فإن إطاعتها واجبة فيما يجب فيه توحيد الرأي كالضرائب والأمور العامة، أما فيما له مجاله الخاص ـ دون أن يؤثر على وحدة الكيان ـ فللمكلف اجتهاده المخالف لاجتهاد الدولة.

5 ـ أما إذا تعمّدت الدولة التمسك بمخالفات صريحة للثوابت والمصلحة الوطنية فللمعارضة حقّ العمل لاستبدالها على أن لا يكون بالحرب الداخلية إنما طبقاً لأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. إلا إذا تعمدت الحكومة تلك إبادة واستئصال الدعاة.

أمّا فيما يخص السلطة القضائية، فقد ظهرت عند السيد الشهيد أفكار أهمّها:

أ ـ لا يمنح منصب القضاء إلا للمجتهد العادل, ولا يمنع مجتهد من ممارسة هذا الحقّ, ولم يظهر رأيه ـ في حدود ما اطلعت عليه ـ في مسألة القضاة المأذونين بالقضاء.

ب ـ يجب على الدولة توفير المجتهدين العدول لممارسة القضاء بما يسدّ حاجة الأمة.

ج ـ مع تعدد آراء المجتهدين في الموضوع الواحد؛ فإن تبنّى الحاكم اجتهاداً ما كان على الجميع القضاء وفقاً له؛ فمن كان مخالفاً قضى به بالوكالة عن ذاك المجتهد.

وثمة قضية دستورية أخرى في تراث السيد الصدر وهي أنه حينما أصدر رسالته العملية (الفتاوى الواضحة) أعرض عن التصنيف التقليدي السائد, وقسّمها إلى أربعة أقسام: العبادات، وأخرج منها الجهاد والزكاة والخمس والأمر بالمعروف، ثم الأموال التي قسّمها إلى أموال عامة (الزكاة,الخمس,الخراج..)، وأموال خاصّة، فعرض فيها أسباب التملك والحقّ الخاص والإحياء والضمان.. وأحكام التصرف بالمال, والتصرف الاجتماعي والخاص. ثم الأحوال الشخصية والأحكام الاجتماعية، وأفرد للسلوك العام ـ وهو سلوك ولي الأمر في مجالات الحكم والقضاء والحرب والعلاقات الدولية والولاية العامة والحدود والجهاد ـ باباً خاصاً.

 

قراءة مقارنة بين نظريتيّ: النائيني والصدر الدستوريّتين

أ ـ تتميز نظرية السيد الصدر بمواصفات زائدة عن السائد التقليدي في المرجع الفقيه، فإضافة إلى العلم الشرعي والعدالة، هناك حاجة للخبرة الفعلية، بينما تفتقد نظرية النائيني هذا التوصيف.

ب ـ تميّز نظرية الصدر بين تكليف الناس في وضع المعارضة وبين وضع استلام زمام القيادة؛ ففي عصر المعارضة يفترض الصدر الفقيهَ عقلاً موجّهاً, بينما في عصر القيادة يرى مهمّته الإشراف والتوجيه لإدارة الدولة وليس التنفيذ المباشر.

ج ـ أغفلت نظرية النائيني آثار مفهوم الخلافة الربانية على الأرض (الاستخلاف) لعموم الإنسان وما يترتب عليها، بينما أكّدت عليها نظرية الصدر.

د ـ تمنح نظرية الصدر المرأة دوراً واسعاً, وتسكت عنها نظرية النائيني.

هـ ـ يشدّد الصدر على احترام غير المسلمين ويؤكّد على تمتعهم بالحقوق والحريات, فيما تسكت نظرية النائيني عن ذلك.

و ـ لم تقدّم أطروحة متكاملة عن السلطة القضائية في النظريتين معاً، إلا أن الصدر جعلها تحت إشراف المرجعية، ويمنح الصدر سلطة القضاء للمرجعية للحفاظ على سلامة التطبيق.

ز ـ تمنح نظرية الصدر للناس مهمّة تشخيص موضوعات الأحكام وعلى الفقهاء تشخيص الأحكام نفسها.

ح ـ تمنح نظرية الصدر مجلس النواب اختيار الرأي الراجح عند تعدّد الخيارات بما يتناسب مع المصلحة, حتى لو خالفت المرجع الفقيه نفسه..

التعليقات الدستورية عند الشيخ محمد جواد مغنية

وقد حفلت الآراء الدستورية ذات الصلة بولاية الفقيه بدراسات وتعليقات كثيرة، منها تعليقات الشيخ محمد جواد مغنية وأبرزها:

1 ـ تصريحه بأنّنا لا نعرف طريقاً للحكم سوى الرجوع إلى آراء الناس عامّة،ولذلك ليس هناك غير الانتخابات من سبيل.

2 ـ إنّ الفقهاء لا يتميزون عن الناس في خضوعهم لسياسات الحكومة المنتخبة وينحصر دورهم في استنباط الأحكام وفي القضاء الصلحي بين الناس والدعوة إلى الخير.

3 ـ يميز الشيخ مغنية بين الثوابت والمتغيرات؛ فيرى العقائد والعبادات والإرث والزواج والطلاق ثوابت، أما المعاملات فهي متغيرات([35]).

المداخلات الدستورية للشيخ محمد مهدي شمس الدين

يقول الشيخ شمس الدين: إن الأحكام التي تنظم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلاقات الدولية أحكام متغيرة ومرتبطة بالزمان وتتغير بتغيير المصالح؛ لذلك فهي ناشئة من إرادة المجتمع، وعلى الفقهاء إعطاء رأي منها وبيان الأحكام، وليس للفقهاء غير دور استنباط الأحكام الشرعية، وليس الفقيه نائباً للإمام المعصوم ولا ولاية له على الأمة؛ من هنا يرى العلامة شمس الدين أنّ الأمة بالانتخابات تحدّد شكل نظامها على أساس الشورى، ولا يعد الفقه شرطاً لرئيس الدولة المنتخب([36]). ومن البيّن أن حكومةً لا تنسجم مع طبيعة المجتمع ولا تمتزج في أعماق الأمة لا يكتب لها النجاح.

المعارضات الدستورية لنظرية ولاية الفقيه

ويرى معارضو نظرية ولاية الفقيه السياسية أنّ النظرية تجعل الحكم السياسي من مقتضيات النصّ وتحصر دلالته في ما تريد وتهمل دلالته الأخرى؛ وبذلك تجعل المعارضة الضرورية في أيّ أنموذج متحضر في مواجهة مع النص، كما أنها تمنح الفقهاء فقط السلطة السياسية وتمنع غيرهم؛ فتصبح نظرية إقصائية للتكنوقراط فضلاً عن ظهور احتمالات في أن تجعل من الفقهاء وحدهم الطبقة المستفيدة, وتقترب من أنموذج الحكم الثيوقراطي (الحكومة الإلهية) الذي يحكم الفقيه فيه باسم الإله..

إنّ اعتماد نظرية ولاية الفقيه لا يحتاج للشرعية المدنية إنما تطرح مكملاً للشرعية الدينية، ومن ثمّ فهي تتصادم مع الاختيار الديموقراطي المدني,ولا تطرح فاصلاً معرفياً بين الفكر الديني الثابت (النصوص والحقائق المجمع عليها) وبين الفكر السياسي المتغير تبعاً لتعدّد دلالة النص أو تبعاً للاجتهاد.

ومنهجياً تؤدي نظرية ولاية الفقيه إلى الاعتماد على مستند مركّب: المستند العقائدي والمستند التاريخي على حساب مستند الاختيار المدني, وستتحوّل في ظلها ـ فقط ـ الأحزاب الدينية، بل يحتمل أن تتحول الأحزاب إلى فرق دينية, وتمنع الأحزاب غير الدينية والمنظمات المدنية من أن تأخذ دورها السياسي والرقابي للمساهمة في خلق وعي متجدّد.

إن الفقيه في النظرية فوق الدستور والقانون, فهو المشرف والموجّه وليس مقيداً إلا بالنصوص القابلة للتأويل (الذي قد يتعدّد) والاجتهاد المفتوح، وعليه فلا يصح هذا قيداً ضابطاً.

منافحات أنصار ولاية الفقيه عن صيغتها الدستورية

أما مؤيدو نظرية ولاية الفقيه فيرون:

1 ـ أن مشروعية الاجتهاد واحترام المجتهدين عرفٌ تقليدي وشرعي في الوسط الفقهي الشيعي؛ لذلك فإنّ تعدّد الدلالة لا يسبّب انقساماً بل ينظر إليه كما ينظر للراجح والمرجوح أو الصحيح والأصح,ويعتقدون أن مشروعية المعارضة ثابتة شرعاً بحيث لا تستطيع نظرية ولاية الفقيه إلغاءها نظرياً أو عملياً إلا بخروجها عن النصّ الذي نصّب الفقهاءَ أنفسهم ولاةً للأمّة، ويؤكدون أنه لما كانت مهمة الفقيه إشرافيةً توجيهية فليس ينتج عن ذلك شيء من الإقصاء أو الثيوقراطية، كما أنهم يرون أنّ اختيار الفقيه الأعلم والأعدل والخبير يتم عن طريق طبقة واسعة من أهل العلم؛ فلا يفرض بطريقة قسرية؛ وبهذا تدمج هذه النظرية بين المشروعية الدينية والمشروعية المدنية.

ولا يرى أنصار ولاية الفقيه فاصلاً بين المستند العقائدي والممارسات والسوابق التاريخية التي تكوّن بأجمعها العقل القيمي للإنسان المسلم، وبين المستند الاختياري المدني.

خاتمة

إن وجود هذه التحولات الدستورية في الفكر السياسي الإسلامي في مرحلة تسبق القرن الماضي, ثم تجذرها مطلع القرن الماضي وتبلورها في نصفه الثاني يكشف عن:

أ ـ بطلان ما اجتمع عليه الغرب من أن الفكر الإسلامي فكرٌ استبدادي أصولي ينتج الإرهاب والعنف السياسي, في حين أن الحقّ أن هذا الدين له أكثر من قراءة دستورية تحترم سيادة القانون والحقوق والحريات وتحتكم إلى صناديق الاقتراع, وتطبّق القيم الإنسانية الرفيعة وتجعلها منظوراً ينظر الدين من خلاله..

وليس مستند هذه القراءة استجابة للضغوط الراهنة، إنما هي قراءة للنص التاريخي المشار إليه في القرآن الكريم, ثم قراءة للنصوص, ولتجربة الرسول الأكرم العملية والإمام علي إضافة لمقاصد الشريعة.

ب ـ لقد دعت رسالة تنبيه الأمة للشيخ النائيني إلى تأسيس رؤية نقدية موضوعية للتراث الفكري, وتحليل الهزيمة الحضارية للمسلمين ومعرفة أسبابها, وتحليل أسباب فشل المشروعات التنموية في دول العالم الإسلامي، ومجرد الدعوة لممارسة النقد العلمي والموضوعي للتراث والتجربة السياسية الإسلامية هي خطوة مهمة واستراتيجية على طريق التصحيح العقائدي والسياسي نحو إشاعة ثقافة الحرية والمساواة والعدل وسلطة العلم.

ج ـ أقرّت رسالة النائيني بضرورة الإفادة من منجزات الغرب المنهجية والمعرفية والتقنية, والإفادة من تجربته التي سبقتنا إلى الأوضاع الديموقراطية, وبهذا ألمح إلى نظرية تكامل الحضارات، وهي الحلقة الثالثة بعد صدامها، وتنوّرها بالفكر الإسلامي (الأندلس: ابن رشد).

د ـ اتهم النائيني «بعض العقول الدينية التي تعتقد أن الاستبداد مقتضى الدين, حتى صيرت الدين مقتضى للاستبداد».

ج ـ إن هذه الأفكار والمفاهيم الدستورية وجهت أنظار الدراسات المفسّرة للإحباط النهضوي إلى الأسباب العملية الفعلية القائمة, دون تزييف وعي الناس بأنّ ذلك قضاء من الله وقدر أو أنّه من جراء ذنوب العباد.. وإذا كان التنوير الأوروبي قد نشأ كجبهة معرفية مستقلة من خارج الكنيسة فإن التنوير الإسلامي يمكن اعتباره نسقاً من الإضاءة القيمة من داخل المنظومة الأصولية الإسلامية.

د ـ كما فسّرت هذه التحولات سبب تردي الإبداع الفكري بفقدان الحرية اعتماداً على مبدأ (الإبداع شرطه الحرية).

هـ ـ إن شكل الدولة الإسلامية ـ كما هو مقتضى التطبيق التاريخي لها ـ هو الدولة الاتحادية المنضوية ولايتها تحت سلطة العاصمة أو أن إدارة الولايات «تأخذ منحى مركزياً» فإذا عاملنا التطبيق التاريخي على شكل الدولة (سياسياً) فهو اتحادي، وإذا نظرنا إليه من الناحية الإدارية فهو «إدارة لا مركزية».

و ـ نلحظ في التطبيقات التاريخية أن سلطة التنفيذ لا تبتعد كثيراً عن السلطة القضائية في الفكر الإسلامي، لكن على مستوى الأداء الفعلي نجد نصوصاً وممارسات كثيرة مقتضاها استقلال القضاء عن إرادة السلطة التنفيذية لاسيما في قضاء المظالم، وهو عبارة عن قضاء يحاسب رموز السلطة التنفيذية.

ز ـ ومن مباحث الوزارة في التطبيق التاريخي نلحظ أنّ شكل النظام يقترب من الشكل الرئاسي طالما أن تعيين الولاة وحكّام الأقاليم والوزراء بيد الخليفة.

ح ـ إن الأحاديث المروية عن النبي في ولاية الجائر والفاجر إخبارات عن الرسول الأكرم’؛ فهي لوحدها لا تحمل أمراً بإطاعتهم, لكنها زيدت بـ(فاسمعوا لهم وأطيعوا)، ويمكن حملها على حال عدم القدرة على استبدالهم وعزلهم. لكن ثقافة الاستبداد جعلتها هي القاعدة.. وإلا فإن نقد المتن ـ بعد غض النظر عن الأسانيد ـ لا يحتمل أمر النبي بإطاعة الظالم, إذ بذلك يمنح الرسول الأكرم الشرعية للاستبداد.

ط ـ من فكر الماوردي نلحظ «أن الناخبين ليسوا عموم الناس إنما من تتوفر بهم شروط محددة, وبذلك يكون الشكل الانتخابي هو الشكل الجزئي وليس العام, ولا يمكن ـ وفق اجتهاد الماوردي ـ اعتبار بلد الإمام هو القاعدة الانتخابية إلا على اعتبار الوضع التاريخي وصعوبة أخذ آراء مواطني الدولة وليس على إسقاط حقّ المقاطعات.

ي ـ إن ولاية العهد لها شكلان:

1 ـ الشكل الشرعي,وهو ما أسّس على قاعدة النص المسبق ـ كما فيما رواه ابن كثير من أنّ الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش([37])ـ فيكون العهد من الله تعالى وليس من الإمام السابق للاحق, وليس لمن يعهد خيار في تشخيصه إنما هو مشخص أساساً بأمر الله وبالحديث الصحيح المروي من الطرفين.

2 ـ أما الشكل الثاني فهو استئثار هذه الشكلية الدستورية الخاصة بأئمة آل البيت، ونقل صلاحية العهد والتشخيص من الله إلى الخليفة المستولي فهو يختار من يلي الأمر بعده. وهذا التفريق قد غاب في الفكر الدستوري الإسلامي عن الماوردي وساق التولية بعهد السابق على أنّها إحدى الحقائق الدستورية.

الهوامش

(*)أستاذ جامعي، والأمين العام لبيت الحكمة في بغداد، من العراق.

([1]) مقدمة اللمعة الدمشقية: 2، بتحقيق السيد محمد كلانتر.

([2]) د. عبد الأمير زاهد، التنظير المنهجي عند السيد محمد تقي الحكيم: 43.

([3]) الحر العاملي، وسائل الشيعة.

([4]) د. زاهد: التنظير المنهجي.

([5]) هو ظاهر مباحث الفقهاء في جوائز السلطان وهداياه.

([6]) وهذا أمر مختلف فيه كما يظهر من الغزالي في المستصفى.

([7]) هو ظاهر أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال؛ وظاهر قدامة بن جعفر في دراسته حول الخراج.

([8]) يراجع: آدم متز في كتابه: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري.

([9]) انظر: المصدر نفسه 1: 125.

([10]) وهذه مقاربة تطبيقية ربما تحظى بقدر من الإمضاء في قبول الفيدرالية؛ فانظر: المصدر نفسه: 130.

([11]) راجع الماوردي في الأحكام السلطانية والولايات الدينية.

([12]) المصدر نفسه: 15.

([13]) المصدر نفسه: 16.

([14]) المصدر نفسه: 17.

([15]) المصدر نفسه: 51 ـ 55.

([16]) أبو يعلى الفراء، الأحكام السلطانية.

([17]) الشيخ الصدوق، علل الشرائع: 196.

([18]) الشيخ محسن كديفر، نظريات الحكم في الفقه الشيعي: 20.

([19]) الخراجيات, مؤسسة النشر، قم، 1413هـ.

([20]) الشيخ الأنصاري، المكاسب: 320.

([21]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 16: 180.

([22]) د. ماجدة حمود، فارس النهضة والأدب الكواكبي: 9, وهي تنقل عن سعد زغلول، عبد الرحمن الكواكبي, سيرة ذاتية.

([23]) المصدر نفسه: 64، 67.

([24]) فرهاد إلهيان، آفات الاستبداد في أفكار النائيني: 52، مجلة النبأ، ترجمة عباس كاظم.

([25]) الشيخ النائيني، تنبيه الأمة وتنزيه الملّة, ترجمه إلى العربية الشيخ صالح الجعفري، ونشر في حلقات بمجلة العرفان، صيدا, وجمع بملفّ عن النائيني في مجلة الموسم، 1990م، العدد الخامس: 73، السنة الثامنة.

([26]) النائيني، تنبيه الأمة، مجلة الموسم: 74.

([27]) المصدر نفسه: 76.

([28]) المصدر نفسه: 82.

([29]) المصدر نفسه: 88.

([30]) منها: اتهامات المستبدة له, وتداعيات النفي السياسي، واشتراط عودته بعدم ممارسة أي دور سياسي, وصيرورته مرجعاً تلزمه الأعراف بالتمحض للشؤون الدينية, وفشل الحركة الدستورية.

([31]) محمد الحسيني، محمد باقر الصدر, حياة حافلة: 330.

([32]) المصدر نفسه: 334.

([33]) المصدر نفسه: 338 ـ 340.

([34]) المصدر نفسه: 342.

([35]) مغنية، الخميني والدولة الإسلامية: 79.

([36]) محمد مهدي شمس الدين، الفقيه والدولة، حورات خاصة: 427.

([37]) جامع البخاري 4: 207؛ وجامع مسلم 3: 1452؛ وسنن أبي داوود 4: 106؛ وسنن الترمذي 9: 67؛ وسنن الطيالسي: 105؛ ومستدرك الحاكم 3: 717؛ وتاريخ بغداد 2: 126.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً