أحدث المقالات
تمهيد

وجوب قضاء الصلاة على وليّ الميّت ـ في عصرنا هذا ـ في الجملة إجماعي، بل يمكن أن يدّعى الضرورة عليه؛ إذ لم أجد بين المعلّقين على كتاب العروة الوثقى أحداً ناقش في أصل الحكم، بل المناقشات كلّها كانت حول فروع المسألة، مثل إلحاق الأم بالأب، أو إلحاق الصلوات التي تركها عمداً بالتي تركها عذراً، وأيضاً حول المراد بالوليّ.

لكن وبعد الفحص والتدقيق في بابي الصوم والصلاة ظهر لي أنّ الحكم في الصوم تامّ، وغير قابلٍ للنّقاش، بحيث يجب القضاء عن الوالد المتوفى مثلاً، والرّوايات الدالة عليه مستفيضة، والإجماع من القدماء والمتأخّرين موجود، أمّا بالنسبة إلى الصلاة فليست المسألة بهذا الوضوح، فأصل الحكم فيها مخدوش، بل ممنوع، وتقرير نظريتنا في هذا الموضوع على الشكل التالي:

تأسيس القاعدة الأوّلية

1 ـ القاعدة الأوليّة والأصل الذي يرجع إليه عند الشكّ هو البراءة وعدم الوجوب، فعلينا أن نلاحظ الأدلّة الدالة على وجوب قضاء الصلاة على الولي بالدقة حتّى نرى أنّها تامّة أو لا؟

ونصرف نظرنا ـ فعلاً ـ عن الأدلّة المانعة مثل: >وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى< (الأنعام: 164؛ والإسراء: 15؛ والزمر: 7، وانظر: النجم: 38)؛ إذ يحتمل أن الله يريد أن يكلّف الوليّ على عمل لأن الآخرين تركوه، كما نصرفه أيضاً عن قوله تعالى:>وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى< (النجم: 39)، الظاهر في أنّ عمل الوليّ / الأبن الأكبر لا ينفع الميّت شيئاً، فالميّت ضيف عمله؛ إذ يحتمل أن يقال: إن عمل الولي أيضاً من جملة سعى الميّت، أو يقال: الكلام هنا في وجوب القضاء على الوليّ، والآية مرتبطة بمشروعيّة القضاء، والمفروض أن الروايات الكثيرة في أبواب النيابة والتطوّع أثبتت المشروعيّة فكلامنا الآن في الوجوب، وهو ما يقع حتماً بعد الفراغ عن أصل المشروعيّة.

المستند الروائي لوجوب قضاء الصلاة على الوليّ

2 ـ لم أجد آيةً في القرآن تشير إلى وجوب قضاء صلاة الميت على الولي، وفي السنّة لا يوجد إلاّ روايات قلائل يلزم أن نلاحظها.

الرواية الأولى: رواية عبدالله بن سنان عن الصادق B قال: «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولَى الناس به» ([1]).

وهذه الرواية مرتبطة بالصلاة ذات الوقت دون القضاء، أي ما زال وقتها قائماً حين الوفاة، وهي لا تكون أكثر من ثمان ركعات.

الرواية الثانية: رواية ابن أبي عُمير حفص بن البختري عن الصادق B في الرجل يموت وعليه صلاةٌ أو صيام؟ قال: «يقضي عنه أولَى الناس بميراثه. قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: لا إلاّ الرجال» ([2]).

الرواية الثالثة: محمد بن أبي عمير عن بعض رجاله عن الصادق B، في الرجل يموت وعليه صلاةٌ أو صوم؟ قال: «يقضيه أولَى الناس به» ([3]).

الرواية الرابعة: الروايات التي تدلّ على أنه يقضى عن الميت فعله الحسن نظير أنّه يقضي عن الميت الحجّ والصوم والعتق وفعاله الحسن([4]) أو فعله الحسن([5]) أو الفعل الحسن ([6]) أو فعال الخير([7]) أو يُقضى عن الميت أعماله الحسنة كلّها([8]).

هذا هو كل ما دلّ من الروايات في هذه المسألة، وكلّها قابل للنقاش:

نقد المستند الروائي

أ ـ أمّا النصوص الأخيرة، فدلالتها على عدم وجوب قضاء الصلاة أوضح؛ إذ:

أوّلاً: لو كان القضاء واجباً كان أحقّ بالذكر من الصوم والحج؛ إذ الصلاة «عمود الدين» «وإن قبل ما سواها» و«أنّها لا تترك بحال»، فيجب ذكرها مقدّماً على غيرها.

ثانياً: مجيئ «فعال الخير» أو ما شابه تلو العتق يدلّ على أنّ الروايات لا تشمل الصلاة؛ إذ العتق عملٌ اجتماعي ليس له وقتٌ خاص بحيث لو لم يعمل به في وقته الخاصّ يصبح قضاءً، وكذا فعال الخير، وبما أنّ للصلاة وقتاً موقوفاً، ولا يصل نفعها إلى الآخرين مباشرةً فتكون خارجة عن فعال الخير تماماً.

ثالثاً: لو أغمضنا النظر عمّا مضى، فلفظ «يقضي» يدلّ على المشروعية ـ أي الجواز ـ لا على الوجوب.

ب ـ أمّا الرواية الثالثة، فهي مرسلة غير حجّة، اللهم إلاّ أن يقال: إنها متحدة مع الثانية؛ إذ المضمون والإمام المروي عنه واحدان، فالمراد ببعض رجال ابن أبي عمير هو حفص بن البختري، فليس هناك خبران بل خبرٌ واحد.

وقفة مع سند الحديث الرئيس في المقام

حفص بن البختري وثّقة النجاشي، وأهمله الشيخ الطوسي، واكتفى بقوله: «البغدادي، أصله كوفيّ من أصحاب الصّادق والكاظم H»، وعدّه البرقيّ من أصحاب الصادق B، وجماعةٌ من العلماء ـ منهم المحقّق الحلي ـ ضعّفوا هذا الرّجل؛ لأنّ بني أعين غمزوا عليه بلعب الشطرنج.

أمّا السيّد الخوئي، فبعد نقله هذا كلّه، استغرب تضعيف المحقّق الحلّي له، وقال: «إنّما هو (اللّعب بالشطرنج) أمرٌ نسبه إليه جماعة من بني أعين من جهة العداوة التي كانت بينه وبينهم، على ما يظهر من النجاشي» ([9]).

والذي أراه أنّ الرجل لا بأس به في الجملة، لكن إثبات حكمٍ كلي عام مخالف للأصل، محتمل المعارضة لقوله تعالى: >وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى< وهو من موارد الإبتلاء.. بخبرٍ واحد لا يوجد غيره، ولا مؤيد له، مشكلٌ جداً، سيما إذا كان في دلالته أيضاً إشكال، والأصحاب القدماء أعرضوا عنه إجمالاً كما يُستظهر منهم.

وبعبارة أخرى: لو كان قضاء الصلاة عن الميت واجباً على الولي أو غيره لم ينحصر الخبر في هذا، وكانت الأسئلة والأجوبة فيه كثيرة فوق الإحصاء، كما في سائر الموارد؛ فلا نستطيع القول بأنّنا نلتزم بالخبر الواحد مطلقاً؛ بل الصحيح أنّنا نلتزم به لو لم يكن مخالفاً للأصل، ومع مخالفته نأخذ به إنّ كانت تؤيده بعض القرائن والشواهد، ومن جملتها تعدّد الرواية، أو نلتزم به ونقبله إذا كان مخالفاً للأصل لكن في مسألةٍ قليلة الابتلاء؛ بحيث نحتمل أنّه لم يتّفق ـ طيلة مائتين وخمسين سنة ـ تحقق الموضوع إلاّ نادراً، من هنا سُئِل الإمام مرةً واحدة، لا في مثل هذه المسألة العامّة البلوى؛ إذ ما من شخصٍ إلاّ وهو يترك صلواتٍ متعدّدة، إمّا سهواً كالنائم أو شبه عمدٍ كالجاهل والمخطئ أو عمداً؛ فوجود رواية واحدة مجملة مريبة جداً لا يصحّح العمل بها في وضعٍ كهذا، سيّما إذا كانت مخالفةً للأسس المقبولة.

وقفة مع دلالة الحديث الرئيس في المقام

أمّا دلالة الخبر فقابلة للنقاش؛ إذ كلمة «أو» صادرة من الراوي، لكن يحتمل أنه حين السؤال سأل هكذا، فجواب الإمام B يفيد حكم الصلاة على الوليّ، ويحتمل أنّه حكاية نفسه، أي أنه لا يدري سأل الإمام B عن الرجل يموت وعليه الصلاة أو سأله عن الرجل يموت وعليه الصوم، ويحتمل أنه صدر هذا التردّد عن الراوي الثاني، أي أنه لا يدري سمع من الراوي الأوّل حكم الصلاة أو الصيام؛ فإثبات الحكم في قضاء الصلاة التي لا يوجد لها خبرٌ غير هذا مشكلٌ جداً، مضافاً إلى أن إفراد الصلاة والصيام يوهم أنه كان عليه صلاة واحدة، وإلاّ كان عليه أن يقول في الرجل يموت وعليه صلوات، أو صلوات كثيرة أو عليه صيام شهرين، أو ثلاثة أشهر أو..

أمّا الخبر الأوّل، فلا يدلّ على أكثر من وجوب قضاء صلاة ذات الوقت.

 

مواقف الفقهاء، تحليل وقراءة نقدية

هذا حال الأخبار، فتبقى فتاوى الفقهاء يلزم مراجعتها وأدلتها؛ حتى نرى هل هناك إجماع أو لا؟

1 ـ قال السيّد ابن زهرة الحلبي في «الغنية»: «ومن مات وعليه صلاة وجب على وليه قضاؤها، وإن تصدّق عن كل ركعتين بمُدّ أجزأه، فإن لم يستطع ففي كل أربع بمُدّ، فإن لم يجد فمُدّ لصلاة النهار ومدّ لصلاة الليل، وذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط، وكذلك نقول في وجوب قضاء الصوم والحجّ على الولي، وقوله تعالى>وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى< وما روى من قوله: «إذا مات المؤمن انقطع عمله إلاّ من ثلاث»، لا ينافي ماذكرناه، لأنّا لا نقول: إنّ الميت يُثاب بفعل الوليّ ولا أنّ عمله لم ينقطع، وإنما نقول: إن الله تعالى تعبّد الولي بذلك والثواب به دون الميت، ويسمّى قضاءً عنه من حيث حصل عند تفريطه، ويعارض المخالف في قضاء العبادة عن الميت بما رووه عن عائشة أنّ النبيّ 2 قال: من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليُّه، ورووا أن امرأةً جاءت إلى النبيّ 2 فقالت: إنه كان على أمّي صوم شهرٍ فأقضيه عنها؟ فقال: أرأيت لو كان على أمّك دَينٌ أكنت تقضينه؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحقّ أن يُقضى، ومثل ذلك رووا في الحجّ في خبر الخثعمية عنه 2، حين سألته عن قضائه عن أبيها، وروى ابن عباس عنه 2 في صوم النذر أنّه أمر وليَّ الميت أن يصوم عنه»([10]).

2 ـ وقال ابن إدريس الحليّ في «السرائر»: «والعليل إذا وجبت عليه صلاة فأخّرها عن أوقاتها حتّى مات، قضاها عنه ولده الأكبر من الذُّكران، ويقضي عنه ما فاته من الصيام الذي فرّط فيه، ولا يقضي عنه إلاّ الصلاة الفائتة في حال مرض موته فحسب، دون ما فاته من الصلوات، في حال غير مرض الموت» ([11]).

3 ـ وقال الشّيخ الطوسي في «الخلاف»: «إذا أفطر رمضان ولم يقضه، ثمّ مات، فإن كان تأخيره لعذرٍ، مثل استمرار المرض أو سفر، لم تجب القضاء عنه، ولا الكفارة، وبه قال الشافعي، وقال قتادة: يطعم عنه.

دليلُنا: إجماع الفرقة، وأيضاً فإنّ إيجاب ذلك يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدّل عليه.

مسألة 65: فإن أخّر قضاءه لغير عذر ولم يصم ثمّ مات، فإنه يُصام عنه وقال الشافعي.. دليلنا إجماع الفرقة والأخبار التي وردت، رويناها في الكتاب المقدّم ذكره، وروى عروة عن عائشة عن النبيّ 2 قال: «من مات وعليه صيامٌ، صام عنه وليّه»، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبيّ 2 (ونقل نظير ما مر عن
الغنية).

مسألة 66: إذا أخّر قضاءً لغير عذر حتى يلحقه رمضانٌ آخر ثمّ مات، قضى عنه وليّه الصوم وأطعم عنه لكلّ يومٍ مُدّين، وقال الشافعي.. دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً فإنّ ما ذكرناه مُجمع عليه، وما ادّعوه ليس عليه دليل» ([12]).

إنّ الإجماع الذي نُقِلَ عن الشيخ الطوسي في موضوع قضاء الوليّ عن الميت ـ كما سيأتي ـ هو هذا الإجماع المذكور في الصوم، ولم يُذكر هنا ولا في كتاب الصلاة حول موضوع قضاء الولي الصلاة شيئاً، والفقهاء ظنّوا أنّ حكم الصلاة والصوم واحد؛ فحكموا به، مع أنه ليس من مذهبنا القياس، إذ الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، فكذلك الولي يقضي عن الميت صومه؛ لأن الدليل يدلّ على وجوب قضاء الصوم عنه، ولا يجب عليه قضاء صلواته؛ لأنه لا يدلّ عليه دليل.

كما أنّ المحقّق الحلي في الشرائع في مبحث الصلاة لم يتكلّم حول القضاء عن الميت أصلاً([13])، أمّا في مبحث الصوم فقال: «يجب على الولي أن يقضي ما فات من الميت من صيامٍ واجب، رمضان كان أو غيره، سواء فات لمرض أو غيره، ولا يقضي الولي إلاّ ما تمكّن الميت من قضائه وأهمله، إلاّ ما يفوت بالسفر يقضى ولو مات مسافراً على رواية»([14]).

4 ـ وقال الشهيد الأوّل في كتاب اللمعة في مبحث الصلاة: «ويجب على الوليّ قضاء ما فات أباه في مرضه، وقيل مطلقاً، وهو أحوط» ([15]).

5 ـ وقال الشهيد الثاني في شرح «اللمعة» بعد قول الشهيد الأوّل «وهو أحوط»: «وفي الدروس قطع بقضاء مطلق ما فاته، وفي الذكرى نقل عن المحقّق وجوب قضاء ما فاته لعذر كالمرض والسفر والحيض، لا ما تركه عمداً مع قدرته عليه، ونفى عنه البأس ونقل عن شيخه عميد الدين نصرته؛ فصار للمصنّف في المسألة ثلاثة أقوال، والروايات تدلّ بإطلاقها على الوسط والموافق للأصل ما اختاره هنا» ([16]).

ولنا تعليقات:

أ ـ إنّ الشهيد الأوّل هو الذي أوقع الفقهاء في الخطأ هنا؛ لأنه ذكر في مبحث الصلاة ما ذكره المحقّق الحلّي في مبحث الصوم؛ ولم ينتبه هو ولم ينتبه الآخرون بأنّ الصلاة لا تفوت بالمرض والسفر، والحائض لا يجب عليها قضاؤها، ثمّ سرت هذه الفتوى إلى سائر الكتب الفقهية؛ لتصبح إجماعاً محصّلاً أو كالضروري من فقه الشيعة.

ب ـ الأقوال الثلاثة هي: يجب على الوليّ قضاء ما فاته في مرضه؛ ويجب على الوليّ ما فاته مطلقاً؛ ويجب على الوليّ ما فاته لعذر لا ما تركه عمداً مع قدرته عليه، والعجب أنّهم لم ينتبهوا إلى أنّ الصلاة لا تُترك بحالٍ، ولا يُقبل أيّ عذرٍ في ترك الصّلاة.

6 ـ قال العلامة الحلي في المختلف: «قال السيد المرتضى وابن الجنيد، إذا مات المريض وقد فاته في ذلك المرض صلوات فرايض قضاها الولي، وإن جعل مكان القضاء أن يتصدّق عن كل ركعة بمُدّ أجزأه، فإن لم يقدر فعن كل أربع بمدّ، فإن لم يقدر فمدٌّ لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار، وقال ابن الجنيد: «والصلاة أفضل»، وباقي المشهورين من الأصحاب لم يذكروا الصدقة في الفرائض، لنا أنه واجب عليه فلا تجزي عنه الصدقة كالميّت، احتجوا بأنه واجب عليه على سبيل البدل؛ فأجزأت الصدقة عنه كالصوم» ([17]).

7 ـ وقال الطباطبائي في رياض المسائل في ذيل عبارة مختصر النافع في أعداد الصلوات الواجبة وهي: «تسع: الأولى الصلوات الخمس»: «الفرائض اليومية أداءً وقضاءً، ولو من وليّ الميت عنه»([18]).

8 ـ وقال العلاّمة الحلي في المنتهى: «المقصد الأول في مقدّمات.. الأوّل في أعدادها، فهي واجبة ومندوبة، والواجبات تسعة: الصلوات الخمس اليومية، وصلاة الجمعة، والعيدين، والكسوف، والزلزلة، والآيات، وصلاة الطواف الواجب، وما يوجبه الإنسان على نفسه بنذرٍ أو عهد أو يمين، وما عدا ذلك مسنون»([19]).

ثمّ ذكر ما يوجبه الإنسان.. وحيث لم يذكر ما على الولّي من الوالدين دلّ ذلك على أن قضاء صلوات الوالدين على الولد من المندوبات.

9 ـ وذكر العلاّمة الحلي في التذكرة([20]) في كتاب الصوم فروعاً كثيرة حول قضاء الصوم عن الميت أو التصدّق مكانه، وحكم من صام تبرّعاً عن الميت، وذكر روايات الفريقين وأقوالهم فيه، أمّا في كتاب الصلاة فلم يأت بكلمة في موضوع قضاء الوليّ الصلاة، وهذا أمرٌ مريب، وكذا الطباطبائي في رياض المسائل([21])، فهو وإن ذكر قضاء الصلاة في عداد الصلوات الواجبة، لكنّه لم يبحث في كتابه عن قضاء الصلاة على الولّي.

10 ـ وقال الشهيد الأول في «الدروس»: «ويجب أن يقضي الولي جميع ما فات الميت، وخيّر ابن الجنيد([22]) بينه وبين الصدقة المذكورة آنفاً، وبه قال المرتضى([23])، وابن زهرة([24])، وقال ابن إدريس([25])، وسبطه([26]): لا يقضي إلاّ ما فاته في مرض موته، وقال المحقّق([27]): يقضي ما فاته لعذرٍ كمرض أو سفر أو حيض بالنسبة إلى الصّوم لا ما تركه عمداً»([28]).

أقول: ينبغي أن نلاحظ عبارات الفقهاء الذين ذكرهم الشهيد، فعبارتا السيد ابن زهرة وابن إدريس مرّتا، وهما كما نقل الشهيد عنهما، وعبارة المحقّق أيضاً مرّت وعلم أنّ الشهيد أخطأ؛ إذ ذكر في الصلاة ما قاله المحقّق في الصوم، ولم ينتبه إلى أنّ الصلاة لا تفوت لعذر كالسفر والمرض والحيض، وأمّا المرتضى وسبط ابن إدريس فلا يحضرني كلامهما الآن.

وبهذا يظهر ما قاله الإمام الخميني في تحرير الوسيلة: «الصوم كالصلاة في أنه يجب على الولي قضاء ما فات عن الميت مطلقاً»، مع أنه لو قلنا بالقياس ـ ولا نقول به ـ فأكثر شيء نستطيع أن نقول هو: أنّ الصلاة كالصوم في الوجوب على الولّي..، والعجب من السيد اليزدي صاحب «العروة الوثقى» وأكثرِ محشّيه حيث قال: «يجب على وليّ الميت ـ رجلاً كان الميت أو امرأة على الأصحّ حرّاً كان أو عبداً ـ أن يقضي عنه ما فاته من الصلاة، لعذر من مرض أو سفر أو حيض فيما يجب فيه القضاء، ولم يتمكّن من قضائه»([29])، ولم يتنبّه أحدٌ منهم إلى أن الصلاة لا تفوت لعذر، ولا تترك بحال، لا في الحضر ولا في السفر، ولا في المرض، والصلاة التي تترك في حال الحيض لا قضاءَ لها.

والعمدة في الخطأ، هو أنّ السيد اليزدي جاء بعبارة «شرائع الإسلام» المذكورة في مبحث الصوم، وبدّل الصوم بالصلاة، كما فعله قبله الشهيد الأوّل في «الدروس»، وعبارة المحقّق في الشرائع هي: يجب على الولّي أن يقضي ما فات من الميت من صيامٍ واجب ـ رمضان كان أو غيره ـ سواء فات لمرض أو غيره، ولا يقضي الوليّ إلاّ ما تمكّن الميّت من قضائه وأهمله، أو أنّه جاء بعبارة الشرائع المذكورة في كتاب الذكرى: «وجوب قضاء ما فاته لعذر كالمرض والسفر والحيض، لا ما تركه عمداً مع قدرته عليه»، وقد تابعه الآخرون، وظنّوا أنّ المسألة واردة في الصلاة، وأنّها إجماعية، مع أنّها ليست كذلك.

فالمخطئ الأوّل هو الشهيد الأوّل في الذكرى، ثمّ الشهيد الثاني في الرّوضة في الصّلة؛ إذ جاء بعبارة «الذكرى» ثم استمرّ الخطأ إلى زماننا هذا.

 

نتيجة البحث

فالصحيح أنّ على ولي الميت قضاء الصوم عنه، أمّا الصلاة فلا يجب قضاؤها أبداً، لا عن الأب ولا عن الأم ولا عن غيرهما.

*     *     *

الهوامش


(*)  باحث واُستاذ في الحوزة العلمية في مدينة إصفهان، من إيران.



([1]) وسائل الشيعة، أبواب قضاء الصلوات، باب 12، ح 18.

([2]) المصدر نفسه، أبواب أحكام شهر رمضان، باب 23، ح 5.

([3]) المصدر نفسه، أبواب قضاء الصلوات، باب 12، ح 6.

([4]) المصدر نفسه، باب 12، ح 19 و 23.

([5]) المصدر نفسه، ح 21.

([6]) المصدر نفسه، ح 27.

([7]) المصدر نفسه، ح20.

([8]) المصدر نفسه، ح22.

([9]) الخوئي، معجم رجال الحديث 6: 131، 132.

([10]) الجوامع الفقهية 1: 501.

([11]) الحلي، السرائر 1: 277.

([12]) الطوسي، الخلاف 2: 207، مسألة 64.

([13]) الحلي، الشرائع 1: 120 ـ 122.

([14]) المصدر نفسه: 203.

([15]) الشهيد الثاني، الروضة البهية 1: 352.

([16]) المصدر نفسه.

([17]) العلامة، المختلف: 148.

([18]) الطباطبائي، رياض المسائل 1: 99، الطبع الحجري، و2: 161 طبعة مؤسسة آل البيت.

([19]) العلامة، منتهى المطلب 1: 194.

([20]) العلامة، التذكرة، كتاب الصوم 2: 603 وما بعده.

([21]) الطباطبائي، رياض المسائل 1: 323.

([22]) العلامة، مختلف الشيعة 1: 148.

([23]) رسائل الشريف المرتضى، المجموعة الثالثة: 39.

([24]) الغنية (الجوامع الفقهية: 501).

([25]) الحلي، السرائر 1: 277.

([26]) ابن سعيد الحلي، الجامع للشرائع: 89.

([27]) شرائع الإسلام 1: 203.

([28]) الشهيد الأوّل، الدروس 1: 146.

([29]) اليزدي، العروة الوثقى 3: 99، 100، صلاة قضاء الولّي.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً