أحدث المقالات




المرجعية ليست إرثاً.. وقد يتقدم أحد تلامذته ليشغل موقعه

السيد علي فضل الله في أول حوار صحافي مع «السفير»: يجوز البقاء على تقليد سماحته.. وبابه سيظل مفتوحاً ونهجه مستمراً

 

تقرير: فاتن قبيسي

 

يشعر السيد علي فضل الله، بكر المرجع السيد محمد حسين فضل الله (بين الذكور)، بعظيم المصاب برحيل والده. ليس باعتباره خسارة عامة فحسب، أو افتقاداً خاصاً كأب وأستاذ تتلمذ على يديه فقط، بل لكونه ترك خلفه أيضاً مسؤوليات عظيمة يتهيب السيد علي استلامها وإكمال الطريق بعده.

بخفر شديد، كان ابن الحادية والخمسين يبكي فقيده الكبير أثناء تقبله التعازي. وهو رفيقه الذي كان يلازمه الى المسجد، منذ أيام مسجد «الإمام الرضا» في بئر العبد، وحتى مسجد «الإمامين الحسنين» في حارة حريك. وهو الناطق باسمه، وناقل فتاويه وآرائه الفقهية، وقد ألفت الأذن سماع صوته عبر أثير إذاعة «البشائر» منذ سنوات، يتلقى مراجعات المستمعين في هذا المجال، عبر البرنامج اليومي الصباحي «ويسألونك عن الحياة».

والسيد علي هو إمام مسجد «الإمام الحسنين»، وإمام «صلاة الجمعة» بعد المرجع الراحل. وأحد مؤسسي ورئيس «جمعية المبرات الخيرية»، والمشرف على مؤسسة رديفة وهي «مؤسسة سماحة السيد محمد حسين فضل الله للخدمات الاجتماعية».

في أول حديث صحافي مفصّل حول مرحلة ما بعد السيد محمد حسين فضل الله، يعرض السيد علي لـ«السفير» مسألة المرجعية والخلافة، الى جانب أمور جدلية أخرى. وهو الذي استعار من والده هدوءه وإقباله على الناس، وأسلوبه في الحديث المتصف بالمنهجية مع استخدام بعض المفردات ذاتها.

لم يحدد السيد علي مرجعية بديلة من والده. واعتبر أن مسؤولية الحفاظ على إرثه هي مسؤولية عامة، وأن فكره سيستمر وإن لم يبرز بصورة مرجع محدد.

ورأى أن البديل يجب أن يعكس أفكار الراحل وتوجهاته، والروح الفقهية نفسها، وصورة ذاتها التي قدمها عن المرجعية.

وأكد أن المرجعية ليست إرثاً. لكنه أبقى كل الاحتمالات واردة بقوله: «نسأل الله أن يساعدنا لنكون في هذا الموقع. وقد يتقدم أحد تلامذته ليشغل هذا الموقع».

وبالنسبة الى مقلدي المرجع الراحل، لفت الى أن البقاء على تقليده بعد وفاته، إما جائز، بحسب بعض الفقهاء، وإما واجب تبعاً للبعض الآخر.

وحول مقتضيات مواكبة المستجدات على المستوى الاجتهادي، يعتبر «أن الغزارة التي كانت لدى سماحته، قد لا يحتاج معها الإنسان للرجوع الى مرجع آخر.(..) لكن ثمة حاجة أحياناً الى مجتهدين أحياء، لكننا لسنا بوارد تحديد مرجع معين يرجع اليه الناس. فلكل فرد قناعاته».

أما بالنسبة الى الذين يريدون اليوم تقليد المرجع الراحل، فيشير السيد علي إلى وجوب أن يستند هؤلاء الى مرجع أو مجتهد، ليرى إمكانية ابتداء التقليد في هذه الحالة.

ولا يغفل السيد علي التأكيد أن باب «سماحة السيد» سيظل مفتوحاً، وأن المكتب الشرعي أيضاً مفتوح للمراجعين، «ولا يجد أحد حرجاً في أن يقصده في أي وقت».

والسيد علي دخل الشأن العام باكراً، فأسس «رابطة أصدقاء المسجد» في النبعة أوائل السبعينيات، وكان السيد حسن نصر الله عضواً فيها، وأطلق آنذاك «جمعية أسرة التآخي». كما دخل حقل الإعلام ، فأسس مجلة «الحكمة» العام 1979، التي استمر صدورها ثلاث سنوات. كما أسس مجلة الأطفال «أحمد». وله مؤلفات عدة في مجال الطفولة. وله كتب عدة ستصدر قريباً.

درس الحقوق والإعلام، وهو ممثل المرجع الراحل في «المجمع العالمي لأهل البيت»، وعضو «المجلس المركزي» لتجمع العلماء المسلمين، وعضو «الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين». وهنا نص الحديث:

يعتبر السيد علي أن «سماحة السيد» ترك إرثاً على مختلف المستويات، الفقهية، الاجتماعية، الفكرية، الإنسانية، والأدبية والعلمية، وعلى مستوى حل مشاكل الناس، والمشاكل التي كانت تحدث بين المؤسسات والجهات المختلفة، في مواقف كثيرة، بالإضافة الى الموقعين السياسي والجهادي اللذين كان يمثلهما ويحرص عليهما. كل هذا الإرث الكبير لا بد من أن يبقى ويمتد، وألا يذهب إرثه بذهاب الجسد، وأن يبقى السيد حاضراً في الوجدان. وهو بمثابة الوفاء الحقيقي له. وتلك مسؤولية تقع على عاتق الكثيرين، ولا سيما المقربين منه، الذين يجب أن يكونوا أكثر حرصاً، لأنهم فهموه ووعوه وعرفوا الحيوية التي كان عليها. «لكنها في النهاية مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع، ممن استمعوا اليه وتعرفوا اليه من خلال كلماته ومواقفه، وكل الذين أحبوه. لذا، أعتقد أن هذا الإرث الكبير هو مسؤولية عامة، وأن في هذه الأمة من سيتابع هذه المسيرة ويمتد بها إن شاء الله».

وحول مصير المرجعية يقول: «من الطبيعي أن يحمل البديل لمرجع كبير نفتقده، أفكار الفقيد ذاتها وتوجهاته، قد لا تكون متطابقة، لكنها يجب أن تعكس الروح ذاتها التي عبّر عنها الفقيد، من خلال جهده الفقهي، بالإضافة الى الصورة التي قدمها عن المرجعية، أي الصورة التي يعيش عبرها المرجع مع الناس، ويفكر بحاجاتهم، ولا يحوجهم حتى الى تطبيق الحكم الشرعي، بل إنه يسعى هو لذلك. المرجع الذي ينفتح على كل القضايا، ويدخل الى كل التفاصيل في الواقع الإنساني وحركة الناس، وهو الأمر الذي يحتاج اليه المجتمع. من حيث المبدأ، سنفتقد السيد الى أن يقيض الله الى الأمة من يحمل كل هذه التوجهات وهذه الروح».

ويضيف: «أعتقد أن فكر «السيد» الاجتماعي قد يظهر أثره واضحاً. قد تكون هناك بعض الغيوم التي وُضعت في طريقه، في إطار الضوضاء التي أثيرت من حوله، لكن كأي عمل تجديدي يبدأ به الإنسان في مناخ آخر، فمن الطبيعي أن يواجه العقبات وردود الفعل وعلامات الاستفهام. وعلى هذا الأساس، أظن أن هذا التوجه في الاجتهاد وطريقة التفكير، بدأت ترى آثارها في الواقع الفقهي، وبدأ الكثيرون يتفهمون آراء «سماحة السيد»، وبالتالي سيستمر هذا الفكر الاجتماعي، وإن لم يبرز بصورة مرجع محدد. وحتى المراجع الذين كانوا يختلفون مع السيد، سيبدأون التفكير بطريقة جديدة، وسيفهمونه أكثر، وبعضهم من آمن ببعض آرائه وتوجهاته فقهياً واجتهادياً».

وبالنسبة الى الذين يتبعون الرأي الفقهي للمرجع الراحل، يوضح السيد علي «أن بعض العلماء يتفقون اليوم على جواز بقاء تقليد الميت، وبعض الفقهاء يرون بوجوب البقاء. وثمة رأي يقول انه قد لا يكون الميت بالضرورة أعلم، ما يسمح للمقلدين متابعة تقليدهم «للسيد»، ومتابعة المسيرة الفقهية التي شعروا بأنها تمثل لهم الصورة الأمثل لما يؤمنون به من دين. وسيكون ذلك بمثابة عزاء للكثيرين ممن عاشوا الصورة التي قدمها «السيد» للإسلام والمذهب، لأنهم سيرونه حاضراً حتى بالتكليف الشرعي المتعلق بعباداتهم ومعاملاتهم وكل شؤون حياتهم».

وحول خلافة المرجعية يشير الى ان «السيد» استطاع أن يغرس في قلوب تلامذته هذا الفكر الاجتهادي. وقد يبرز منهم من يتقدم الى الموقع الفقهي المتقدم الذي كان عليه الراحل.

وحول ما إذا كان مطروحاً ان يخلفه في المرجعية، يقول السيد علي: «كلنا تتلمذنا على يد «السيد». وأنا شخصياً وفقني الله أن أكون تلميذه في كل المراحل، ومنذ الدراسة الأولى، وما زلت أتعلم منه. ومن الطبيعي أن كل إنسان في موقعي الديني، لا يفكر بالعمل الاجتماعي والإنساني فقط، وينسى العمل الفقهي. ونسأل الله أن يساعدنا لنكون بهذا الموقع. وقد يحمل آخرون من تلامذته هذه المسؤولية. ولا نعتقد بشكل عام أن المرجعية إرث. عندما يصل شخص الى موقع اجتهادي يقدم نفسه للناس، وقد يٌُقبل، وقد لا يُقبل. لكن الانسان يسعى ويتابع، والمتابعة مسؤولية أكبر، لكونها تتعلق بالفكر الاجتهادي».

وحول الفتاوى الممكن إصدارها بشأن القضايا الطارئة وفق مستجدات العصر، يعتبر «أن الغزارة التي كانت لدى «سماحته»، قد لا يحتاج معها الإنسان للرجوع الى مرجع آخر، ولا سيما أنه تطرق الى تفاصيل التفاصيل في القضايا العامة. ويكفي الانطلاق من العناوين العامة لتطبيقها على التفاصيل التي يمكن أن تحصل مستقبلاً. لكن هناك حاجة أحياناً الى مجتهدين أحياء، يرجع اليهم الناس. لكن لسنا بوارد تحديد مرجع معين يرجع اليه الناس. فلكل فرد قناعاته، ولكن ما نراه بين كثيرين من مقلديه قد يصعب عليهم تقليد أي شخص لا يمتلك الروحية والانفتاح ذاتيهما، اللذين كان يملكهما «السيد». الأمر صعب، لكن اذا احتاجوا لمن يرجعون اليه بالتقليد، فلا بد لهم من ان ينطلقوا من قناعاتهم».

ورداً على سؤال يوضح أن «الذين سيقلدون من جديد، فلا بد لهم من الرجوع الى مرجع يستندون اليه، وهذا عائد الى القناعة. وهو أمر لا ندخل في تحديده.

اما بالنسبة الى الذين يريدون تقليد «السيد»، فلا بد لهم من أن يستندوا الى مرجع أو مجتهد، يرى إمكانية ابتداء التقليد، حيث ثمة فقهاء يرون ذلك، ممن يقولون بأن علم الميت لا ينتهي بموته، وقد لا يكون الرأي الغالب».

وحول إمامته صلاة الجمعة، يقول ان «البعض يطرح ان تكون «صلاة الجمعة» محصورة بمجتهد أو مرجع، فيما يشدد البعض الآخر على أهمية أن يكون إماماً عادلاً، بما يتيح له إلقاء الخطبتين الدينية، والسياسية والاجتماعية».

وفي ما يتعلق بالجانب الفكري والسياسي والجهادي من حياة الراحل، يرى «ان ذلك بمثابة مسؤولية تقع على الذين يحبون أن يستمروا على مواقفه إزاء المقاومة في لبنان وفلسطين، وكل ما يتعلق بالمستضعفين في العالم، والوقوف مع قضايا العدل. سيبقى كل ذلك في عهدة الذين يحبونه».

اما في الجانب الفكري، فيشير الى ان الراحل قدم صورة نموذجية عن الإسلام في كل قضاياه، بحيث استطاع أن يدخل الى الجميع، حتى الذين لا يؤمنون به كدين، كانوا يستمعون الى آرائه، فتدخل عقولهم الى جانب قلوبهم.

كما أنه حارب موضوع الغلو، وقد واجه على أساسه تحديات، وكان يعتبر انه كما الإساءة الى الاسلام وأهل البيت مشكلة، فإن المغالاة هي مشكلة أيضاً لهذا الدين. لهذا دعا الى ضرورة تنقية الإسلام ومذهب أهل البيت مما دخل اليه. ودعا الى إعادة النظر ببعض الأمور التي لا تمت بصلة الى المذهب، ودخلت على أساسه العادات والتقاليد، وأصبحت من المقدسات، سيما مظاهر عاشوراء، والتي تسيء الى أهل البيت.

وعلى مستوى المؤسسات الاجتماعية، يؤكد انه «جعلها أمانة. وقد كان يؤكد أنها ليست ملكاً لشخص أو جمعية. صحيح أن جمعية تديرها، لكنها ملك للأمة، باعتبارها تسد حاجاتها. من هنا يجب أن تبقى هذه المؤسسات للمجتمع بكل أطيافه واتجاهاته. ويجب أن يكون الجميع سنداً لهذه المؤسسات، التي ترعى فقراء، وهناك آلاف الأيتام، وآلاف العائلات التي كانت تأخذ مخصصات، وعدد كبير من المعوقين، والمحتاجين الى مراكز صحية ومستشفيات، والطلاب لا يجدون مجالاً للتعليم. كل ذلك تركه «السيد» في عهدة المجتمع. وباب «سماحته» مفتوح، ولا يجد أحد حرجاً في أن يدقه في أي وقت.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً