أحدث المقالات

حوار مع د. عبد الكريم سروش(*)

ترجمة: السيد حسن الهاشمي

المهدوية والتنافي مع الديمقراطية ــــــ

_ إذا رجعنا إلى كلمتكم في باريس، وما تبع ذلك من بحوث وحوار مع السيد بهمن پور.، فقد قلتم: إن فكرة المهدوية تتعارض مع الديمقراطية، فإذا أخذنا عراقة المهدوية والمنقذ في إيران، وكونها من المفاهيم الخالدة، فإننا سنشهد غياباً مستمرّاً ودائماً للديمقراطية؟!

^ لا ينبغي تفسير الكلام على هذه الشاكلة. فأنا لم أقُلْ بأنّ الفكر المهدوي يتعارض والديمقراطية في جميع وجوهه وتفسيراته. ولكنه بطبيعة الحال في بعض وجوهه يتنافى قطعاً مع الديمقراطية. وقد تمّ تفسير أكثر ما كتبتُه حول المهدوية ـ للأسف الشديد ـ بهذا التفسير، وقد تمّ تجاهل الجوانب الإيجابية التي ذكرتها عن مفهوم المهدوية. ومن الواضح أن الجمود السياسي، والأساليب التي انتهجها الصفويون، والنظريات الفقهية القائمة على المهدوية، لا تنسجم مع الديمقراطية.

هل يعني ذلك أنّ علينا في بحث المهدوية أن نأخذ القراءات المتعدِّدة بنظر الاعتبار أيضاً؟

أجل، يمكن أن تكون هنا قراءات متعددة. وقد أشرت إلى أن المهندس مهدي بازرگان لم (يتاجر) بـ (المهدي)([1]). فهو رغم إيمانه بالمهدي، ولكنه لم يتَّخذه أداة سياسية.

وهنا توجد نقطة هامة، إذ يبدو لي أنّ الشيعة أخذوا يدركونها بالتدريج. فأنا أرى أنّ المهدوية كانت تشكل عقبة بالنسبة للشيعة الأوائل، وكانت تحول بينهم وبين إقامة الدولة. فقد كانوا يكتفون بالجلوس والانتظار، قائلين: لن يمضي إلا بضعة أيام حتى يظهر الإمام المهدي، وعندها سنحظى بحكومة عادلة.

وبعد مدّة أدركوا أن هذه المدّة قد تطول، ولذلك لابد من التفكير جدياً في تأسيس حكومة، وأن نعمل على تنظيم أمورنا.

وكان سبب ذلك أنّ الشيعة كانوا فرقة صغيرة، وقد اعتبرت هذه الفرقة أن إمام العصر هو المنقذ لها؛ لأنها تنتمي إليه، وأما البحث في الحكومة العالمية فهو من البحوث المستحدثة. كان الشيعة فرقة صغيرة ومستضعفة ومظلومة، وكانت هذه الفرقة تجأر بالشكوى إلى الله على الدوام، قائلة: «اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا.، فأعنّا على ذلك كلّه بفتحٍ منك تعجِّله، وبضرّ تكشفه، ونصر تعزه، وسلطان حق تظهره». وبذلك فقد كان صاحب الأمر هو المنقذ لفرقة الشيعة، وكانوا يؤمنون بأنه سيظهر في يوم ما، عاجلاً أو آجلاً. وهذا بالضبط ما كان عليه الفكر المسيحي في بداياته، حيث كان النصارى يعتقدون أنّ المسيح سرعان ما سيأتي من غيبته، إلى أن أدركوا أن هذه الغيبة قد تطول، فعمدت المسيحية إلى تغيير نهجها بالكامل، وغيّرت كذلك نظرتها إلى الدنيا وإدارتها.

إذاً يمكن لنا القول بإمكان الجمع بين المهدوية والديمقراطية، شريطة أن نؤمن بطول غيبة الإمام المهدي#، حتى نتمكن من التخطيط في مدّة غيبته.

تأثيرات المهدوية على نسق الحياة الدنيوية ــــــ

_ إذا دخلنا في هذا النمط الفكري فإن هذا يعني دخولنا في العلمانية، وفي ذلك نقوم بإبعاد تفكيرنا الديني، والتخطيط للدنيا بعيداً عن الدين، فأنت بذلك لا تنفي الدين، ولكنك تقرب من نفيه.

^ وهذا هو ما عليه اليهودية الراهنة. وقد التقيتُ ببعض المتكلِّمين من اليهود أثناء تواجدي في الخارج.

جاء في التوراة: (إن الله تعالى خلق الكون في ستة أيام، ثمّ استراح في اليوم السابع). وإنّ الشيخ مطهري قد غمز اليهود في واحد من كتبه، وعرّض بهذا الكلام قائلاً ببطلانه، وأنهم أدخلوه في كتابهم المحرّف. فما معنى أن يتخلى الله عن العمل ويمنح نفسه تقاعداً؟ إنّ الله في عمل دائم ودؤوب، فهو الخالق والقيوم، وإذا تعزَّز لحظة فإنّ أمر الدنيا سينقلب رأساً على عقب. ولكن هل تعلمون ما الذي يقوله اليهود حالياً؟ إن هذا هو تماماً ما يذهبون إليه؛ إذ يقولون: إنّ الله قد ترك أمر العالم لأهله عملياً، وقد أوكل الناس لأنفسهم. هذا هو معنى استراحته في اليوم السابع. فلم يكن ذلك عن تعب. أجل، لقد منح لنفسه تقاعداً، وكان ذلك عن قصد منه. وقال: لن أتدخل بعد اليوم في شؤون العالم والكون، فقد خلقته في ستة أيام، ومن الآن فصاعداً عليكم أن تتدبّروا أمركم. وكان هذا بداية العلمانية. وهذا لا يعني عدم وجود الله، فهو موجودٌ، ولكنه عاطل عن العمل، وقد فسح لنا المجال لندير أمرنا بأنفسنا.

إن المقترح الذي يقول بأنّ الموعود بعيدٌ عنا، بحيث يمكن لنا التخطيط لأنفسنا، جيِّدٌ للغاية، إنما الإشكال عندما نأخذه بنظر الاعتبار. فهل يمكننا أن لا نأخذه بنظر الاعتبار؟ هذا ما أريد قوله. فعندما نأخذه بنظر الاعتبار علينا انتظار نتائج ذلك. عندها يمكن القول: إنكم عندما تدخلون هذا الموضوع في أمر السياسة، وتقيمون السياسة على هذا الموضوع، علينا أن ننتظر النتائج؟ فإذا كان هناك جماعة تؤمن بأنّ إمام العصر سيظهر بعد سنتين أو خمس سنوات، كما كان يعتقد الشيعة في بداية الغيبة، فكونوا على اطمئنان أنّ هذه الجماعة لن تخطِّط لنفسها سياسياً، ولا اقتصادياً، ولا تهتم بالتنظير بشأن الحرية وحقوق الآخرين.

إنّ الدولة التي تحاول التمهيد لظهوره، ويقوم برنامجها على هذا الأساس، لن تكون بحاجة إلى هذا التنظير.

وعلى  أية حال لا يمكن القيام إلا بواحد من أمرين؛ إما أن نتصوّره قريباً جداً، فنترك الأعمال نصف منجزة، ليأتي صاحب الأمر فيتمها وينجزها؛ أو نتصوره بعيداً، فنأخذ كل الأعمال والأمور على عواتقنا.

الهوامش

________________________

(*) مفكر إيراني معروف، وأشهر منظِّري الإصلاح الديني في إيران. طرح ـ وما يزال ـ سلسلة من النظريات التي أثارت جدلاً واسعاً، كان آخرها حول الإمامة والوحي.

([1]) هناك تلاعب لفظي في النصّ الفارسي، فإنّ كلمة (بازرگان) في اللغة الفارسية تعني التاجر.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً