أحدث المقالات

ـ القسم الأوّل ـ

الشيخ جويا جهانبخش(*)

ترجمة: حسن مطر

«…دين الإسلام أشرف من أن يُؤخذ من كلّ جاهل عامّي، أو يثبت بقول كل غافل غبيّ…»([1]). (أبو الفضائل الصغاني(577 ـ 650هـ)).

هناك في عصرنا مَنْ يذهب به التصوّر إلى عدم الحاجة إلى مناقشة التراث الأخلاقي، وعدم الضرورة إلى نقده وتقييمه من الناحية السندية، وأنه لا إشكال في التسامح في نقل روايات الترغيب والترهيب والفضائل والرذائل الواردة في الكتب الروائية وغيرها وشاع تداولها بين الناس.

هناك مَنْ يُصرِّح بهذا التصوّر الخاطئ؛ وهناك مَنْ يمارسه على الصعيد العملي دون أن يصرِّح به!

وبطبيعة الحال فإن هؤلاء لا يخطر ببالهم احتمال أن يكون ما ورد في هذا الكتاب الروائي أو ذلك النصّ الوعظي للمتعولم الفلاني، الذي جاء بعد رسول الله بمئات السنين، وأن ما أنهاه كذباً إلى رسول الله‘ دون حياءٍ أو خجل، ليس سوى اختلاق من ترشُّحات ذهنيته ولهجته المريضة.

وإن من الأمثلة على هؤلاء الكذّابين والوضاعين والمختلقين هو «بابا رتن الهندي»، الذي تسرّبت أخباره وأحاديثه إلى الكتب والمؤلَّفات، رغم تنبيه وتحذير علماء الحديث منه!

قال العالم النحرير الشيخ بهاء الدين محمد العاملي، المعروف بـ «الشيخ البهائي»(1030هـ)، في كتابه القيِّم (الأربعون حديثاً)، في سياق الحديث عن الوضّاعين والأحاديث الموضوعة والمختلقة: «وقد ظهر في الهند بعد الستمائة من الهجرة شخصٌ اسمه (بابا رتن)، ادّعى أنه من أصحاب رسول الله‘، وأنه عُمِّر إلى ذلك الوقت، وصدّقه جماعة، واختلق أحاديث كثيرة زعم أنه سمعها من النبي‘. وقال صاحب القاموس: «سمعنا تلك الأحاديث من أصحاب أصحابه، وقد صنَّف الذهبي كتاباً في تبيين كذب ذلك اللعين، سمّاه: كسر وثن بابا رتن»»([2]).

وقد عمد ابن خاتون العاملي([3]) في كتابه (شرح أربعين)، وهو مصدر فارسي، إلى تقرير كلام الشيخ البهائي كما يلي: «رُوي لنا أنه قد ظهر في الهند بعد القرن السادس من الهجرة شخصٌ اسمه (بابا رتن)، ادّعى أنه من أصحاب رسول الله‘، وأنه عُمِّرَ إلى ذلك الوقت، وصدّقه جماعة، واختلق أحاديث كثيرة زعم أنه سمعها من النبيّ‘. وإن صاحب القاموس ـ وهو محمود([4]) بن يعقوب الفيروزآبادي ـ قال: «سمعت تلك الأحاديث من أصحاب أصحابه، وقد صنّف الذهبي كتاباً في تبيين كذب ذلك اللعين، سمّاه: كسر وثن بابا رتن»»([5]).

وقال الفقيه النبيه الملا إسماعيل الخواجوئي(1173هـ)، في تعليقته على الأربعين حديثاً للشيخ بهاء الدين العاملي، بشأن «بابا رتن»: «رتن ـ محرّكة ـ ابن كربال بن أتن البترندي. ورتن يُقال بالهندي للياقوت، وكربال من أسامي صنمهم، وأتن، أي: بلا بدن.

قيل: إنه ليس بصحابي، وإنما هو كذّاب، ظهر بالهند بعد الستمائة، فادّعى الصحبة، وصُدِّق، ومن مصدِّقيه: علاء الدولة السمناني، حتّى كتب في لفافة بعض أمشاطه: هذا مشط من أمشاط رسول الله‘ أهدى إليّ بابا رتن الصحابي، وصورة خطّه مذكورة في أكثر كتب الفرقة المعروفة بينهم بأهل المعرفة، عند ذكر أحوال السمناني ومقاماته»([6]).

كما قال الشيخ البهائي في كشكوله، بمناسبة ذكر بيتين شعريين للشيخ رضيّ الدين علي لالاء الغزنوي(642هـ) بشأن رَتَن: «ذكر في أوائل الثلث الأخير من النفحات أن هذا الشيخ سافر إلى الهند، وصحب أبا الرضا رتن، وأعطاه رتن مشطاً زعم أنه مشط رسول الله‘.

وذكر في النفحات أيضاً: أن هذا المشط كان عند علاء الدولة([7]) السمناني، كأنه وصل إليه من هذا الشيخ، وأن علاء الدولة لفّه في خرقةٍ، ولفّ الخرقة في ورقة، وكتب على الورقة بخطّه: هذا المشط من أمشاط رسول الله‘. وهذه الخرقة قد وصلت من أبي الرضا رَتَن إلى هذا الضعيف.

وذكر أيضاً أن علاء الدولة كتب بخطّه: إنه يُقال: إن ذلك كان أمانة من الرسول‘ ليصل إلى الشيخ رضي الدين لالاء.

انتهى كلام النفحات، وفيه نظرٌ. وكلامه طويلٌ يظهر لمَنْ رأى كلام صاحب القاموس في لفظ رتن. وفيه رمز يعرفه مَنْ يعرفه، فحُلّه إنْ أطقت، والسلام»([8]).

وسنأتي على ذكر كلام عبد الرحمن الجامي ـ المشار إليه في هذا الكلام المنقول عن الشيخ البهائي ـ في هذه المقالة إنْ شاء الله الرحمن.

يجب اعتبار رَتَن هذا من جملة الفِتَن في عصره. وعلى حدّ تعبير العلاّمة المتتبّع محمد القزويني: «إن الأخبار والحكايات والأساطير المتعلقة بهذا الشخص، والأحاديث التي زعم أنه سمعها من رسول الله مشافهةً، والأكاذيب والخرافات التي كان البسطاء من الناس أو المحتالين يثيرونها عنه، قد طبقت الآفاق، وعمّت أغلب الأقطار الإسلامية، وكانت موضع حديث الناس طوال القرن السابع الهجري»([9]).

إن هذه الكلمات سواء في ذلك العصر أو العصور اللاحقة قد أدّت إلى غرائب في ردّ أو قبول مدَّعيات رتن([10]). وقد صدّق الكثير من البسطاء عن سذاجة ـ أو لدواعٍ أخرى ـ مدعيات هذا المحتال الأفاك المختلق([11]).

وقال الذهبي(673 ـ 748هـ) في كتابه «ميزان الاعتدال»: «رتن الهندي، وما أدراك ما رتن؟! شيخٌ دجّال بلا رَيْب، ظهر بعد الستمائة، فادّعى الصحبة!… جريءٌ على الله ورسوله! وقد ألّف في أمره جزءاً. وقد قيل: إنه مات سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. ومع كونه كذّاباً فقد كذبوا عليه جملةً كبيرة من أسمج الكذب والمُحال!»([12]).

كما عمد علماء آخرون، غير الذهبي، إلى تكذيب رتن، والإنكار عليه، وهناك مَنْ كتب في الردّ عليه كتباً مستقلة، ومن هؤلاء: علم الدين البرزالي الشافعي(665 ـ 739هـ)؛ وبرهان الدين بن جماعة(790هـ)؛ وابن حجر العسقلاني(773 ـ 852هـ) أيضاً([13]).

قال أبو الفضائل (الحسن بن محمد بن الحسن) الصغاني(577 ـ 650هـ)، في رسالته الوجيزة المسمّاة بـ «الموضوعات»: «وأحاديث رتن الهندي موضوعة، وما يحكى عن بعض الجهّال من أنه اجتمع بالنبيّ×، وسمع منه×، ودعا له النبيّ× بقوله: عمّرك الله تعالى، ليس له أصلٌ عند أئمة الحديث وعلماء السنّة. وكلّها موضوعة. ولم يعِشْ من الصحابة ممَّنْ لقي النبيّ× أكثر من خمس وتسعين سنة، وهو أبو الطفيل، فبكوا عليه، وقالوا: هذا آخر مَنْ لقي النبيّ×، واجتمع بالرسول×. وهذا هو الصحيح؛ تصديقاً لقوله× حين صلّى العشاء الآخرة في آخر عمره ليلةً، فقال لأصحابه ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ: أرأيتم ليلتكم هذه، فإنّ على رأس مئة سنة لا يبقى على وجه الأرض أحدٌ من المؤمنين، ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ (النجم: 3 ـ 4). وأحاديث رتن الهندي المنقول عنه من جنس الأحاديث التي تنسب إلى الحكيم الترمذي بزعمهم أنه سمعه من أبي العبّاس الخضر×. وكل هذا ليس له أصل يعتمد، ولا قاعدة تقعّد، بل ينقلها الفقراء في زواياهم، وستكون الرواية من دراياتهم…»([14]).

وكما تقدّم فإن مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(817هـ)، وشارح قاموسه السيد محمد مرتضى الزبيدي(1205هـ)، كانا في عداد مَنْ أنكر رتن وكذبه([15]).

قال الفيروزآبادي في «القاموس المحيط»: «رَتَنٌ ـ مُحَرّكاً ـ: ابنُ كِرْبالِ بنِ رَتَنٍ البَتْرَنْدِيِّ([16])، ليس بصحابيٍّ، وإنَّما هو كذَّابٌ ظَهَرَ بالهِنْدِ بعدَ السِّتِّمِئَةِ، فادَّعَى الصُّحْبَةَ، وصُدِّقَ، ورَوَى أحاديثَ سَمِعْناها من أصْحابِ أصْحابِهِ»([17]).

وقال الزبيدي في شرحه على القاموس، المسمّى بـ «تاج العروس»: «رَتَنٌ ـ مُحَرّكاً ـ: هو ابنُ كِرْبالِ بنِ رَتَنٍ البِتْرَنْدِيِّ، بكسر الموحدة وسكون الفوقية وفتح الراء وسكون النون، وبِتْرَندة: مدينةٌ بالهند. اختلف في شأنه كثيراً، فقيل: إنه من المعمّرين، أدرك النبيّ‘، وحضر معه الخندق، فدعا له بالبركة في العمر، وأنه حضر في زفاف فاطمة إلى عليٍّ ـ رضى الله تعالى عنهما ـ، وروى أحاديث، ومات ببلده. وله مقامٌ جليل يُزار. والصحيح أنه ليس بصحابيٍّ، وإنما هو كذّاب، ظهر بالهند بعد الستّمائة، فادعى الصحبة، وصُدّق، وروى أحاديث سمعناها من أصحاب أصحابه.

وفى ذيل الديوان للحافظ الذهبي&: رتن الهندي ظهر في حدود الستمائة فزعم الصحبة، فافتضح بتلك الأحاديث الموضوعة، فأخاف أن يكون شيطاناً تبدّى لهم، لا بل الظاهر أنه لا وجود له، بل هو اسمٌ موضوع، ألصقت به متون مكذوبة، اهـ.

قلتُ: وكان فتح الهند في المئة الرابعة على يد السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي، المشهور بالعدل والإنصاف، ولم ينقل شيء عن رتن إلاّ في آخر المئة السادسة، ثم في أوائل السابعة، قبيل وفاته.

وفي التبصير للحافظ: رتن الهندي الذي ادّعى في المئة السابعة أنه أدرك الصحبة، فمقته العلماء وكذَّبوه.

قلتُ: والأحاديث التي رواها وتلقّاها عنه أصحابه وأصحاب أصحابه قد جمعت في كراسة وتسمّى بـ (الرتنيات)، كنت اطلعت عليها سابقاً. وأطال الذهبي في الميزان في ترجمته، وكذا الحافظ في لبابه، وفي الإصابة»([18]).

وقال محمد بن يحيى بن محمد شفيع القزويني، في كتابه ترجمان اللغة، المعروف بـ «شرح القاموس»: «رَتَنٌ ـ مُحَرّكاً ـ: ابنُ كِرْبالِ بنِ رَتَنٍ البَتْرَنْدِيِّ، قيل: إنه ليس بصحابيٍّ، وإنَّما هو كذَّابٌ ظَهَرَ بالهِنْدِ بعدَ السِّتِّمِئَةِ، فادَّعَى الصُّحْبَةَ، وصُدِّقَ، ورَوَى أحاديثَ سَمِعْناها من أصْحابِ أصْحابِهِ»([19]).

إن قول محمد بن يحيى بن محمد شفيع القزويني: «قيل: إنه ليس بصحابيٍّ…» يعود إلى ما ورد في بعض نُسَخ القاموس في كلام الفيروزآبادي من إضافة كلمة «قيل». إلاّ أن هذه الـ «قيل» يُحتمل أن تكون من إضافات المخدوعين بـ «رتن» و«الرتنيات». كما ذهب أبو الكمال السيد أحمد عاصم إلى القول بأن لفظ «قيل» الوارد في كلام الفيروزآبادي ـ حيث يقول: «قيل: إنه ليس بصحابيٍّ… » ـ مُلحق، ويقول: إن الفيروزآبادي في مقام المنكر والمكذِّب لـ «رتن البترندي»، وليس في مقام نقل أقوال الآخرين»([20]).

وعلى أيّ حال فإن الفيروزآبادي ـ طبقاً للنصّ المحقَّق للقاموس، والزبيدي بتصريح عبارة تاج العروس ـ من المنكرين والمكذِّبين لـ «رتن».

كما أن ابن عراق الكناني(907 ـ 963هـ) قال في فهرست الوضّاعين، الذي ذكره في بداية كتابه «تنزيه الشريعة المرفوعة»، في معرض الحديث عن «رتن»: «رتن الهندي: ذلك الكذّاب المشهور، ظهر بعد الستّمائة، فادّعى الصحبة»([21]).

وفي مقابل النُخَب التي أنكرت على «رتن»، هناك بعض الأشخاص الذي صدَّقوا مدَّعياته وتُرَّهاته للأسف الشديد. وفي هذا البين نجد للصوفيين والمتصوِّفين حضوراً بارزاً وملحوظاً.

وقد سبق أن ذكرنا في كلام الشيخ البهائي والفاضل الخواجوئي أن علاء الدولة السمناني وعبد الرحمن الجامي ضمن هذه الجماعة.

وإن عبد الغفار بن نوح القوصي(708هـ)، صاحب «الكتاب الوحيد في سلوك أهل التوحيد»، والجَنْدي(732 هـ، مؤلِّف كتاب «تاريخ اليمن»، وشمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري(739هـ)، مؤلِّف كتاب «حوادث الزمان»، هم من الذين صدَّقوا مدَّعيات رتن([22]).

وكان الخواجة محمد بارسا(822هـ)، الذي ينتمي إلى ذات الدائرة الثقافية لـ «ما وراء النهر»، المرتبطة بالجامي وفكره الصوفي الذي ترعرع ونشأ وتأقلم ضمنه، هو بدوره من المصدِّقين بمدَّعيات رتن([23]).

وكما يقول أبو الكمال السيد أحمد عاصم، صاحب كتاب «الأوقيانوس البسيط في ترجمة القاموس المحيط»: «لو كان رتن الهندي من أصحاب رسول الله حقّاً لورد ذكره في كتب السِّيَر والروايات، ولا يمكن الاستدلال لإثبات ذلك بكلام عبد الرحمن الجامي وعلاء الدولة السمناني على ذلك النحو المذكور»([24]).

لو كان هذا «الكذّاب المحتال»([25]) من الصحابة حقّاً كيف لم يأتِ أحدٌ على ذكره طوال القرون، ليظهر فجأةً من خلف غبار الفوضى السياسية والثقافية في حدود عام 600هـ، وفي فترة فتنة المغول، ليصدع بعض الأشخاص باسمه ويلهج بذكره؟!

وكما صرّح الزبيدي: لماذا لم يُؤْتَ على ذكر هذا الهندي المدَّعي بعد فتوحات محمود الغزنوي في شبه القارّة الهندية؟!

والذي يدعو للأسف الشديد أن عدداً من حملة الأقلام والمؤلِّفين الشيعة في القرون الأخيرة قد انخدعوا بمدَّعيات رتن، واعتقدوا صدق أكاذيبه وهرطقاته.

فقد ذكر الشهيد الثالث القاضي السيد نور الله التستري(1019هـ) ـ رفع الله درجته ـ في مجالس المؤمنين، بعد نقل تقرير الجامي (النفحات) ـ التي كان يحلو للقاضي أن يسمّيه «النفَخات»؛ سخريةً واستهزاء ـ بشأن رضي الدين علي لالاء، المشتمل على قضية محاورته لـ «رتن»: «تنبيهٌ: لا يخفى أن علماء أهل السنّة والجماعة، ولا سيَّما الحشوية وأصحاب الحديث، من أمثال: الذهبي ـ المشؤوم والمتعصِّب ـ قد قدح في أبي الرضاء المذكور [رتن] بشدّةٍ، حتّى تكشّف في كتاب الميزان (غير المعتدل) عن غاية التعصّب، حيث اعتبره كذّاباً ودجالاً. والداعي الرئيس الذي دفعه إلى هذا القدح أمران، وهما: أولاً: إن أبا الرضا كان شيعي المذهب؛ فإن أكثر الأحاديث المأثورة عنه تصبّ في فضائل أهل البيت^ ومدح الشيعة. وثانياً: إن معاصريه من المحدِّثين من أهل السنّة كانوا قد جعلوا من درس الحديث وسيلةً للشأنية والاعتبار ورجوع أبناء عصرهم إليهم، وكان [أبو الرضا] قد قعد لهم بالمرصاد، وأفسد عليهم بضاعتهم؛ إذ كلما ظهر محدِّث صحابي ينقل الحديث عن النبيّ الأكرم ـ صلوات الله عليه وآله ـ من دون واسطةٍ سوف يقلّ رجوع المعاصرين إلى مَنْ يروي الحديث عنه بوسائط متعدِّدة.

[ثم تمثَّل] شعراً:

لعمر أبيك ما نُسب المعلا *** إلى كرمٍ وفي الدنيا كريمُ

ولكنّ البلاد إذا اقشعرّت *** وصوّح نبتها رعي الهشيم»([26])!

للأسف الشديد فإن القاضي الشهيد الشوشتري ـ طيَّب الله ثراه ـ لم ينطلق في حكمه هذا من منطلق تحقيقي، ورؤية منصفة وتحقيقية، ولم يتحدّث بما يتناسب مع عظمته وما يتحلّى به من الشخصية المرموقة.

فحبَّذا لو ذكر القاضي الشوشتري& بتفصيلٍ ما هي الأحاديث المعتبرة والهامّة في فضائل أهل البيت^ التي انفرد هذا الهنديّ المدَّعي بروايتها، مما لا يمكن العثور عليها في النصوص القديمة لدى العامّة والخاصة؟

ثمّ إن كتب الصوفية من السنّة ملأى برواية الكثير من مناقب وفضائل أهل البيت^، دون أن يكون ذلك دليلاً على تشيُّعهم، بل كان منهم مَنْ هو أشدّ الحاقدين على التشيُّع، ومَنْ يسمهم بأقذع أنواع الذمّ!

… فلنطوِ عن ذلك كشحاً.

هذا وقد ذهب الميرزا المحدِّث حسين النوري ـ تغمَّده الله بغفرانه ـ في كتاب «النجم الثاقب» إلى الاعتقاد بأن رتن من «المعمِّرين» الأبرار. وبعد جانبٍ من الحديث في هذا الشأن، قال: «روى الشيخ الفاضل ابن([27]) أبي جمهور الأحسائي في أوّل كتاب عوالي اللآلي، بأسانيده عن العلامة جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر، قال: رويت عن مولانا شرف الدين إسحاق بن محمود اليماني القاضي بقم، عن خاله مولانا عماد الدين محمد بن محمد بن فتحان القمي، عن الشيخ صدر الدين الساوي قال: دخلت على الشيخ بابا رتن وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فرفعهما عن عينيه، فنظر إليَّ، وقال: ترى عينيَّ هاتين؟ طالما نظرتا إلى وجه رسول الله‘، وقد رأيته يوم حفر الخندق، وكان يحمل على ظهره التراب مع الناس، وسمعتُه يقول في ذلك اليوم: (اللهم إنّي أسألك عيشة هنيئة، وميتة سوية، ومردّاً غير مخذولاً)».

وقال العالم الرباني مولانا محمد صالح المازندراني في شرح أصول الكافي: «وقد رأيت خطّ العلاّمة الحلّي كتبه بيده، رابع عشر من شهر رجب سنة سبع عشرة وسبعمائة: رويت عن مولانا شرف الملة والدين… إلى آخر ما نقلناه عن الغوالي».

والظاهر من ذلك أنّه من أمثاله، ولو لم يكن مطمئناً لما نقل مثل هذا الخبر العجيب بحَسَب السند.

فيظهر أن لا مستند لتضعيف الشيخ البهائي وتكذيبه، إلاّ كلام الذهبي صاحب رسالة (كسر وثن([28]) بابا رتن)، ولم يكن له مستندٌ غير الاستبعاد، والله العالم»([29]).

كما نقل الشيخ علي اليزدي الحائري(1333هـ) في «إلزام الناصب» ما ذكره ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي، وما قاله السيد علي خان، الذي سنشير إليه بعد هذا المورد([30]).

كذلك يبدو من الحاج الشيخ علي أكبر النهاوندي في كتابه «العبقري الحسان»([31]) ـ من خلال ذكر كلام عن «النجم الثاقب» و«إلزام الناصب» و… ـ أنه يرتضي بحَسَب الظاهر كون رتن صحابياً معمِّراً.

وبغضّ النظر عن «إلزام الناصب»، الذي يجب تناوله بالبحث والتحقيق بشكلٍ مستقل ـ وهو للإنصاف كتابٌ مثير للريبة([32]) ـ، فإن كتاب «النجم الثاقب» و«العبقري الحسان» ـ من حيث المزاج الإخباري الذي يسودهما، حيث يمزجان بين الغثّ والسمين دون القيام بتمحيصها بشكل كافٍ ـ جديران بالنقد.

إن كلاًّ من الحاج النوري والنهاوندي، رغم كثرة مطالعاتهما، وتتبّعهما، وعنائهما الكبير الذي بذلاه في التأليف والكتابة، إلاّ أنهما للأسف الشديد لم يبذلا الدقة المناسبة والمطلوبة في نقد العمل القيِّم الذي نذرا نفسَيْهما له([33]).

وحتى طريقة فهم الحاج النوري لكلام المولى محمد صالح المازندراني وابن أبي جمهور الأحسائي لا يبدو صحيحاً أيضاً.

فقد قال المولى محمد صالح المازندراني(1081هـ) في شرح أصول الكافي، بعد نقله كلام الشيخ البهائي بشأن رتن (عن الأربعين): «وقد رأيتُ خطّ العلامة الحلّي كتبه بيده، في الرابع والعشرين من شهر رجب سنة سبع عشرة وسبعمائة: رويت عن مولانا شرف الملة والدين إسحاق بن محمود اليماني القاضي، عن خاله مولانا عماد الدين محمد بن محمد بن فتحان القمي([34])، عن الشيخ صدر الدين الساوي قال: دخلت على الشيخ بابا رتن وقد سقط حاجباه على عينيه، فرفعهما عنهما، فنظر إليّ، وقال: ترى عينين طالما نظرتا إلى وجه رسول الله‘، وقد سمعته يوم الخندق، وكان يحمل على ظهره التراب‘، وهو يقول: اللهم إنّي أسألك عيشة سويّة، وميتة نقية، ومردّاً غير مُخزٍ ولا فاضح»([35]).

وأورد ابن أبي جمهور الأحسائي(بعد عام 901هـ) أيضاً في عوالي اللآلي: «وعنه [يعني «المولى العالم الواعظ وجيه الدين عبد الله بن المولى علاء الدين فتح الله بن عبد الملك بن فتحان الواعظ القمي الأصل القاشاني المسكن»([36])] بإسناده إلى جدّه عبد الملك قال: حدّثني المولى الأعظم الأفضل شرف الدين علي، عن أبيه الشيخ الكامل الأعظم الفقيه العالم الفاضل تاج الدين حسن السرابشنوي، قال: حدَّثني الشيخ العلامة الفهّامة أستاذ العلماء جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهّر، قال: رويت عن مولانا شرف الدين إسحاق بن محمود اليماني القاضي بقم، عن خاله مولانا عماد الدين محمد بن محمد بن فتحان القمي، عن الشيخ صدر الدين الساوي قال: دخلت على الشيخ بابا رتن وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فرفعهما عن عينيه، فنظر إليّ وقال: ترى عينيَّ هاتين؟ طالما نظرتا إلى وجه رسول الله‘، وقد رأيته يوم حفر الخندق، وكان يحمل على ظهره التراب مع الناس، وسمعتُه يقول في ذلك اليوم: اللهم، إنّي أسألك عيشة هنيئة، وميتة سوية، ومردّاً غير مخزٍ ولا فاضح»([37]).

إن الذي يدعو إلى التساؤل الجادّ هو كيف يعتبر الحاج النوري نقل العلامة الحلي، وحتّى نقل ابن أبي جمهور، دليلاً على اطمئنانهما واعتمادهما على «الراوي»؟!

إن العلاّمة الحلي من أكبر مشايخ الإجازة، وهو يروي الكتب الحديثية، وحتّى التاريخية والأدبية لأهل التسنُّن بأسانيدها. فهل سند العلامة المتّصل إلى صحيح البخاري وصحيح مسلم ـ على سبيل المثال ـ دليلٌ على اعتقاده بجميع الروايات والأحاديث المروية في هذين الصحيحين؟! أو أنه إذا أوصل سنده إلى كتاب الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني وجب اعتباره واثقاً ومعتمداً على مرويات هذا الكتاب؟!

وبغضّ النظر عن مثل هذا المناقشات، كيف لا يتمّ الالتفات من الأساس إلى أن ثمالة الباقين من الصحابة كانوا موضع اهتمام وعناية المختصّين بثبت أحوالهم وحياتهم ووفيّاتهم([38]). وهكذا صار من المعروف لديهم مَنْ هو آخر الصحابة رحيلاً من هذه الدنيا، حيث ذهب المشهور إلى القول بأن أبا الطفيل عامر بن واثلة قد توفي سنة 100 للهجرة (أي قبل وفاة الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز بسنةٍ واحدة)([39]). إن التوافق على هذا الأمر قد بلغ حدَّ ادّعاء «الإجماع» عليه أيضاً([40]).

إن أبا الطفيل عامر بن واثلة هو الذي يُذْكَر في التراجم السنّية بالقول: «كان من شيعة عليّ»([41])، و«يُفضِّل عليّاً…»([42]).

والغرض إنه لممّا يدعو إلى الأسف أن يطلع مدَّع كذّاب مشبوه برأسه، بعد قرون من رحيل النبي الأكرم‘؛ ليثير مثل هذه الفتنة، رغم تاريخ عهد الصحابة المضبوط والمثبت، وإنْ كان هذا الأمر لا يثير الكثير من التعجُّب والاستغراب إذا التفتنا إلى الظروف التاريخية التي ظهر فيها هذا المدَّعي!

وبعبارةٍ أوضح: لا ينبغي لنا أن نعجب من أن يحظى المدّعي الكاذب بمثل هذا الإقبال والاهتمام من قبل معاصريه؛ لأن ذلك العصر، الذي هو من عصور الرواية ومقبولية أمثال هذا المدّعى وهذا المدّعي، كان عصراً كارثياً على تاريخ العقل لدى المسلمين، حيث كان يسير على طريق معاكس لعصر الشيخ المفيد والشريف المرتضى وأبي ريحان البيروني وابن سينا، حيث كانت شمس العقل ساطعة في كبد سماء العلم والمعرفة، فلم يكن لطاقة العقل أن تشحن بطارية ذلك العصر بطاقتها، بل كانوا يصرِّحون بأن العقل ليس له ميدانٌ في ولاية المعرفة التي حشروا أنفسهم فيها، ولم يكونوا يرغبون في أن يكون للعقل دورٌ في حياتهم العلمية والمعرفية([43])، وكانوا يتداولون المدّعيات المناوئة للعقل، والفاقدة للضوابط والقواعد، مستأنسين بالأفكار الصوفية والخيالية لعصر ابن عربي(560 ـ 638هـ)([44])، ويتداولونها فيما بينهم كما لو أنهم يتداولون سبائك من الذهب الإبريز.

كما علينا أن لا نتجاهل البيئة الحاضنة لأمثال مدَّعيات بابا رتن، وعدم فصلها عن مناخها الجغرافي، حيث الهند معقل العقائد الغريبة والعجيبة([45]) أيضاً.

إن امتزاج الجوّ الثقافي والمعرفي للهند بمفاهيم من قبيل: «التناسخ»، وما إلى ذلك من العقائد الخرافية والمنحرفة الأخرى، توطّن الأذهان للاستئناس بحالاتٍ غريبة من طوال الأعمار، وتمهّد الأرضية لتقبُّل وتصديق أقوال مَنْ كان على شاكلة «رتن».

إن التاريخ الثقافي والمعرفي لشبه القارّة الهندية لا يفتقر إلى أمثال مدَّعيات «رتن»، وإنٍ كانت تلك المدَّعيات لا ترقى إلى الحالة الاستثنائية لـ «رتن» طولاً وعرضاً([46])!

ولكي يكوِّن القارئ الكريم صورةً واضحة عن قابلية صناعة الشخصيات وتمويهها على شكل صحابيّ من قبل بعض عباقرة الاحتيال في شبه القارّة الهندية، ويطلع في الجملة على سذاجة وسطحية بعض المخاطبين لهؤلاء المختلقين للأساطير، نسوق نصّ قصّة شخصيتين ذكرهما علي البدخشاني، في «ثمرات القدس»، بعد الحديث عن «بابا رتن»، وذلك على النحو التالي:

«الشيخ عبد الله ـ قدَّس الله روحه ـ: من مشاهير وكبار سلاطين الهند، من الكفّار. كان اسمه قبل إسلامه «راجه بهوج»، وعاصمته «اجيّن». وبعد أن تشرّف باعتناق الإسلام تسمّى بـ «عبد الله».

يُقال في بيان سبب إسلامه: إنه عندما عمد النبي وخلاصة أبناء آدم‘ إلى إظهار معجزة شقّ القمر للمشركين والكفار من العرب صادف أن شاهدها في عاصمته [في الهند]، فطلب علماءه وأحباره، واستفهم منهم عن هذه الظاهرة، فاتفقت كلمتهم على الإنكار والجحود وإخفاء الحق، مدَّعين أن هذه الظاهرة من الحالات والأوضاع الفلكية المعهودة، والتي تحدث باستمرار! بَيْدَ أنه لم يقتنع بكلامهم. فأخرج الجميع واستبقى واحداً من الأحبار ـ وقد كان أعلمهم وأصدقهم ـ، فاستدناه، وطلب منه الكشف عن سرّ هذه الواقعة بشكلٍ صادق وحقيقي.

فقال: وجدنا في كتب المتقدِّمين من علمائنا أن نبيّاً سيظهر في هذا الزمان يملك العرب، وهو خاتم الأنبياء، وأن المشركين من العرب سيطلبون منه معجزة، فاجترح لهم هذه المعجزة التي رأيتها، فانشرح صدر السلطان عند سماعه لهذا الكلام. ثم خرج واستدعى وزيره «برج»، وأسرّ له بما سمعه من الحَبْر، وقال له: عليك أن تشدّ الرحال إلى حيث يقيم ذلك النبيّ، وخُذْ معك أوراق التنبول وعدَّتها، فإذا وصلت وتشرّفت بالمثول بين يدَيْه اعرض عليه الأوراق، واستر عنه عدّتها، فإنْ طالبك بها كان هو خاتم الأنبياء، وإلاّ فعُدْ إلينا!

وبعد أن ذهب الوزير إلى هناك، وتشرّف بلقاء النبيّ‘، عرض عليه الأوراق دون عدّتها، فقال له خلاصة([47]) عبد مناف ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعدها: أخرج العُدّة التي أمرك سيّدك بإخفائها. فلما وقف الوزير منه على هذه المعجزة آمن من فوره، وأعطى البيعة بالنيابة عن سيّده. واختار النبيّ‘ لصاحبه اسم عبد الله، وزوّد الوزير بصحيفةٍ تشتمل على آداب الشريعة، وأذن له بالعودة إلى بلاده. وعند عودته قصّ ما كان منه من إخفاء عدّة التنبول، وإظهارها من قبل خلاصة بني آدم‘، واعتناقه الإسلام، وبيعته النبي بالنيابة عن سيّده. ثم أخرج الصحيفة التي زوّده بها رسول الله‘، وعرضها على السلطان، فلما سمع السلطان ذلك، ونظر في تلك الصحيفة، سارع إلى إعلان الإسلام، وجدّ في الرياضة ومجاهدة النفس، حتّى صار قطب الأقطاب!

وقيل: إنه بعد أن أسلم أمر بحفر جميع العبارات والألفاظ الموجودة في جميع كتب المتقدّمين والمتأخّرين من الهنود على أحجار كبيرة، وبعد ذلك يستعملونها في بلاطة البيت! وعندما رحل عن هذه الدنيا دفنوه وسط تلك البلاطة. فاليوم يطأ كلّ مَنْ يفد إلى زيارته تلك البلاطة بأقدامه! وقيل: إن وفاته كانت قبل هجرة خاتم الأنبياء‘[!]، وقال آخرون: إنها كانت بعد الهجرة. والعلمُ عند الله. وقد تمّ دفنه في قصبة دهارنغري.

الشيخ تشنغال ـ قدّس الله تعالى سرّه ـ: وتشنغال هذا هو ذات الوزير الذي أرسله السلطان عبد الله إلى سيّد الأنام‘، حيث أخذ معه أوراق التنبول وعُدّتها، وما شاهده من تلك المعجزة التي اجترحها رسول الله‘، وإسلامه على يدَيْه، وتلك الصحيفة التي زوَّده بها رسول الله‘، والتي اشتملت على القواعد الشرعية وأحكامها. وبعد أن عاد إلى سيِّده، وأعاد عليه ما رآه وسمعه عن خلاصة بني آدم‘، وآمن بدوره على ما مرّ بيانه، قال عندها: أترك أمر تسميتي إليك، فسمّاه تشنغال.

يُقال: بعد أن آمن دلّ أتباعه ـ وكانوا كثيرين ـ إلى الإيمان، واشتغل هو بالرياضات ومجاهدة النفس، حتّى صار من مشاهير الأولياء في عصره. وعندما توفي دفنوه قبالة الشيخ عبد الله. ويقع قبره اليوم في مدينة دهار التي جعلها عاصمةً له بعد إيمانه، رحمة الله عليه»([48]).

وهكذا نكون قد قرأنا قصّة ذلك الشيخ المدعوّ عبد الله ووزيره تشنغال! واتّضح من خلال رواة هذه القصة أن أحد سلاطين الهند قد رفع راية الإسلام في تلك البلاد قبل رحيل النبيّ الأكرم‘، وجعلها خفاقة هناك!

لا أريد أن أعلِّق على هذه القصّة، أو أبدي رأيي فيها، وأكتفي بذكر نصّ عبارة طابع «ثمرات القدس»، التي أوردها في هامش ذلك الكتاب، وهي: «لم أعثر على هذه القصّة في أيّ واحدٍ من كتب السِّيَر!»([49]).

مَنْ يعلم؟ فلربما كان مزار الشيخ عبد الله ووزيره تشنغال لا يزال معلماً إلى يومنا هذا! ويعتبر من البقاع المقدّسة والمباركة في شبه القارّة الهندية! ويُعَدّ قبلة للكثير من القاصدين والزائرين!

لنعُدْ إلى قصة «بابا رتن»:

يبدو أن أشمل التحقيقات التي قام بها قدامى المتأخِّرين بشأن «رتن» هي تلك التي قام بها المستشرق الألماني هورفيتز (Horovitz)، والعالم الهندي البروفيسور المولوي محمد شفيع([50]).

ولا يبعد أن يكون الباحثون والمحققون في شبه القارّة الهندية ـ وخاصّة بالنظر إلى النشاط والبحث الذي قاموا به في مجال الدراسات الحديثية ـ قد قاموا بأبحاث بديعة وجديدة بشأن «رتن»، ولم نتمكَّن من الاطّلاع عليها.

هناك اختلافات كبيرة في ضبط الاسم واللقب الأصلي والهندي لـ «رتن» بين المصادر والروايات([51])، وبطبيعة الحال لا يبعد أن يعود ذلك إلى غرابة الألفاظ الهندية بالنسبة إلى الرواة والناقلين والناسخين من العرب والإيرانيين.

تمّ ضبط لقب «رتن» بـ «البَتْرَندي» ـ أو بقراءة أخرى «البِتْرَندي» ـ، وقيل: إنها نسبة إلى «بِتْرَندة»، وهي ذاتها مدينة «بهاتندا» في الهند، وقيل: إنّ «رتن» ولد ومات فيها([52]).

وكما قال أبو الكمال السيد أحمد عاصم: «من الغرائب [أن] يذكر اسم هذا الشخص في الكتب بعناوين مختلفة. فهناك مَنْ قال: إنه رتن بن كريال؛ وهناك مَنْ يعرفه بكنية أبو الرضا، واسم رتن؛ وبعضٌ يلقِّبه برتن، ويسمّيه ساهول بن جلديو بن مهاد؛ وبعض يسمّيه رتن بن ماهوك بن خليد؛ وبعضهم يُسمّيه راتونا؛ وبعضهم يعرفه باسم نونداد. وعلى الإجمال لا يوجد لهذا الرجل اسمٌ ولا رسم في الكتب المعتبرة، ويغلب الظنّ أيضاً على عدم وجود مسمّى لهذا الإسم أبداً؛ لكونه من مختلقات المحتالين والمغرضين»([53]).

كما لا نعلم سنة وفاة «رتن» بالتحديد، فهناك أقوالٌ مختلفة في هذا الشأن، وهي تتراوح بين عام «596»، و«608»، و«612»، و«632»، و«700»، و«709»هـ([54]).

إن هذا الحجم الكبير من الاختلاف في تاريخ موت «رتن» عجيبٌ([55]) ـ إذا ضممناه إلى ما قيل بشأن سيرته وحياته ـ، ويثير الكثير من الظنون.

يقول الباحثون: إن قبر هذا الكذّاب المحتال قائمٌ في موضع اسمه «حاجي رتن»، يبعد ثلاثة أميال عن «بهاتِندا» (Bhatinda)، وهي مدينة تقع شمال الهند في ولاية البنجاب على ثلاثين درجة وثلاث عشرة دقيقة في العرض الشمالي، وخمس وسبعين درجة في الطول الشرقي، في ملتقى عدد من الشعب الهامة لسكك الحديد، وقد تمّ ثبت اسمها في كافة الخرائط الأوروبية للهند. وقد كان إلى ما قبل ستين أو سبعين سنة ـ وربما كان إلى هذه اللحظة ـ «مزاراً للهنود ولعامة المسلمين»([56]).

إن المرقد الذي أقاموه لهذا المحتال الكذاب عبارة عن عمارة ضخمة، لها بوابة كبيرة، وأقيم فيه مسجدٌ، يحيط به سور من جميع الجهات([57]).

إن هذا المزار كان محطّ اهتمامٍ كبير، ولا سيَّما في القرن الثاني عشر الهجري / القرن الثامن عشر للميلاد([58]).

ومن اليوم السابع وحتّى اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة تقام مراسم احتفالية، يطلق عليها اسم «عُرس حاجي»، حيث يأتي بعض المنخدعين لزيارة هذا المرقد([59])؛ ومنذ قرابة خمسة قرون تتولّى فئة خاصّة سدانة قبر «رتن»([60]).

بين النقل الموجود في الإصابة عن الجَندي، والنقل الموجود في الوافي بالوفيات والإصابة عن الراوي الذي ذهب إلى الهند من خراسان، يكمن الاختلاف؛ حيث النقل الأول يثبت عدم زواج رتن، بينما يتمّ الحديث في النقل الثاني عن وجود أولاد وأحفاد والكثير من أحفاد الأحفاد لـ «رتن»([61])!

ومضافاً إلى ذلك تمّ الحديث عن وَلَدين لـ «رتن»، باسم «محمود» و«عبد الله»، بوصفهما راويَيْن للحديث([62])!

ـ يتبع ـ

الهوامش

(*) باحثٌ متخصِّص في مجال الكلام والحديث. له دراساتٌ تحقيقيّة وتراثيّة قيِّمة.

([1]) أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني(577 ـ 650هـ)، الموضوعات (ملحق الدرّ الملتقط، له): 8.

([2]) بهاء الدين أبو الفضائل محمد بن الشيخ حسين الجبعي العاملي البهائي(1030هـ)، الأربعون حديثاً: 298، تحقيق: أبو جعفر الكعبي، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، قم، 1422هـ؛ بهاء الدين العاملي، الأربعون حديثاً: 460 ـ 461، مع تعليقات: محمد إسماعيل المازندراني الخواجوي(1173هـ)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، باختلافٍ يسير، مؤسسة عاشوراء، ط1، 1426هـ ـ 1384هـ.ش.

([3]) انظر بشأنه: السيد محمد علي الروضاتي، فهرست المخطوطات في إصفهان 1: 83 ـ 84.

([4]) هكذا في الطبعة الحجرية، ولا يخفى أن اسم الفيروزآبادي هو «محمد»، وليس «محمود».

([5]) شرح أربعين: 275، الطبعة الحجرية (بومباي، مطبعة الناصري)، 1309هـ.

([6]) بهاء الدين العاملي، الأربعون حديثاً: 460، تحقيق: السيد مهدي الرجائي.

([7]) في طبعة دار نشر أدبيّة: علا الدولة.

([8]) محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي، المشهور بـ «الشيخ البهائي»(1030هـ)، الكشكول 2: 491 ـ 492، تحقيق: السيد محمد السيد حسين المعلم، المكتبة الحيدرية، ط1، قم، 1427هـ ـ 1385هـ.ش؛ وطبعة دار نشر أدبيّة: 161 ـ 162.

([9]) معين الدين أبو القاسم جنيد الشيرازي، شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوّار المزار: 231 (الهامش)، تصحيح وتهميش: العلاّمة محمد القزويني وعباس إقبال، ط1، طهران، 1328هـ.ش.

([10]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 45 ـ 46، بيروت، دار المعرفة.

([11]) انظر: دائرة المعارف فارسي (برئاسة د. غلام حسين مصاحب) 1: 825، شركت سهاي كتابهاي جيبي (التابعة لمؤسسة انتشارات أمير كبير)، طهران، 1380هـ.ش.

([12]) أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي(748هـ)، ميزان الاعتدال في نقد الرجال 2: 45، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 1382هـ.

([13]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 46، بيروت، دار المعرفة.

([14]) أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني(577 ـ 650هـ)، الدرّ الملتقط في تبيّن الغلط (ويليه: كتاب الموضوعات): 7 ـ 8، تحقيق: أبو الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1405هـ.

([15]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 46، بيروت، دار المعرفة.

([16]) جاء في هامش طبعة مؤسسة الرسالة: «هكذا بالفتح في المتن، وضبطه عاصم بكسر الموحّدة، نسبة إلى بِتْرَند [أي بلد] بالهند. اهـ نصر. وكذا الشارح ضبطه بكسر الموحّدة وسكون الفوقية وفتح الراء وسكون النون. اهـ مصحِّحه».

([17]) مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي(817هـ)، القاموس المحيط: 1548، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة (بإشراف: محمد نعيم العرقسوسي)، طبعة مؤسسة الرسالة، ط3، بيروت، 1413هـ.

([18]) السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس 35: 75 ـ 76، تحقيق: مصطفى الحجازي، راجعه: الدكتور أحمد مختار عمر والدكتور ضاحي عبد الباقي والدكتور خالد عبد الكريم جمعة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، الكويت، 1421هـ

([19]) محمد بن يحيى بن محمد شفيع القزويني، ترجمان اللغة: 1033، الطبعة الحجرية، 1303هـ.

([20]) انظر: الحافظ حسين الكربلائي التبريزي(997هـ)، روضات الجنان وجنات الجنان 2: 592، تحقيق وتقديم وتكميل وتصحيح وتعليق: سلطان القُرّائي، ستوده، ط1، تبريز، 1383هـ.ش.

([21]) أبو الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني(907 ـ 963هـ)، تنـزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة 1: 59، حقَّقه وراجع أصوله وعلَّق عليه: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق، دار الكتب العلمية، ط2، بيروت، 1401هـ.

([22]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 45 ـ 46، بيروت، دار المعرفة.

([23]) انظر: المصدر السابق 10: 46.

([24]) الحافظ حسين الكربلائي التبريزي(997هـ)، روضات الجنان وجنات الجنان 1: 541، تحقيق وتقديم وتكميل وتصحيح وتعليق: سلطان القُرّائي.

([25]) معين الدين أبو القاسم جنيد الشيرازي، شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوّار المزار: 230 (الهامش)، تصحيح وتهميش: العلامة محمد القزويني وعباس إقبال.

([26]) انظر: القاضي السيد نور الله الشوشتري(1019هـ)، مجالس المؤمنين 2: 134، انتشارات إسلامية، طهران، 1377هـ.ش.

حيث لم يتمّ تحقيق النسخة المتداولة لكتاب (مجالس المؤمنين) بتحقيق وتصحيح مناسب فقد قابلت هذا الكلام بمخطوطتين قيِّمتين محفوظتين في مكتبة مدرسة مروي (بطهران)، فأثبتُّ بعض الأمور على أساس تينك النسختين. وعليه لا بُدَّ من الالتفات إلى أن بعض ما ورد في النصّ يختلف شيئاً ما عن طبعة إسلامية.

وأما البيتان اللذان استشهد بهما القاضي في آخر كلامه، واللذان يجريان إلى حدٍّ ما مجرى المثل أيضاً (انظر على سبيل المثال: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان 3: 321، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت)، وممَّنْ تمثّل بهما ابن أبي جمهور الأحسائي في بعض إجازاته (انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 105: 6)، وكانا كذلك مورداً لاستشهاد بعض الأدباء واللغويين (انظر: ابن أبي الحديد المعتزلي(586 ـ 656هـ)، شرح نهج البلاغة 7: 167، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية؛ ابن منظور الإفريقي المصري (أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم)، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، قم، 1405هـ ـ 1363هـ.ش؛ السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، مادة «صوح»، تحقيق: مصطفى الحجازي، راجعه: الدكتور أحمد مختار عمر والدكتور ضاحي عبد الباقي والدكتور خالد عبد الكريم جمعة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، الكويت، 1421هـ)، فهما للشاعر المتشيِّع أبي علي الفضل بن جعفر بن الفضل بن يونس الكاتب الأنباري(251هـ)، وحيث كان كفيف البصر فقد اشتهر بـ «أبي عليّ البصير». وقد أنشد هذا الشعر في هجاء المعلّى بن أيوب (انظر: السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة 8: 397، حقَّقه وأخرجه: حسن الأمين، دار التعارف، بيروت؛ المجدي، طبعة مهدوي الدامغاني: 380).

([27]) في المصدر المطبوع: بن.

([28]) في المصدر المطبوع: وشن.

([29]) الميرزا حسين الطبرسي النوري، النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجّة الغائب صاحب العصر والزمان بقية الله الأعظم#: 690 ـ 691، طبعة مسجد جمكران، ط4، قم، 1380هـ.ش.

([30]) انظر: علي اليزدي الحائري(1333هـ)، إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب 1 ـ 2: 281، تحقيق: السيد علي العاشور، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، بيروت، 1422هـ.

([31]) انظر: الشيخ علي أكبر النهاوندي، العبقري الحسان في أحوال مولانا صاحب الزمان×، المجلد الأول، البساط الثالث: 146، أوفست عن الطبعة الحجرية، كتابفروشي دبستاني، طهران.

([32]) يجدر عدم اعتبار إلزام الناصب من حيث الإتقان والتحقيق مساوياً حتّى للنجم الثاقب. نقرأ في إلزام الناصب 2: 134 (طبعة السيد علي العاشور) في ما ذكره في علامات الظهور: «في مجمع النورين عن غيبة ابن عُقدة، عن الصادق×: اختلاف الصنفين من العجم في لفظ كلمة عدل يقتل فيهم ألوف ألوف ألوف، يخالفهم الشيخ الطبرسي، فيُصلب ويقتل».

إن هذه الرواية الكذائية لم يتمّ العثور عليها ـ بطبيعة الحال ـ في أيٍّ من التراث الحديثي القديم أبداً.

وما ورد في مجمع البحرين: 297 (الطبعة الحجرية)، للشيخ أبو الحسن المرندي كما يلي: «…اختلاف الصنفين من العجم في لفظ كلمة، ويسفك فيهم دماء كثيرة، ويقتل ألوف ألوف ألوف…».

بغضّ النظر عن مقدار ما لنقل مجمع النورين من الصحّة والأصالة، ومع غضّ الطرف كذلك عن نسبة الكلام في مجمع النورين إلى الإمام الحسين× و…، فكما هو واضحٌ إن نقل إلزام الناصب صورة محوّرة ومختلقة، ومن خلال إشارتها إلى الشيخ فضل الله النوري الشهيد وأحداث المشروطة [الحركة الدستورية] يمكن القول على نحو القطع واليقين: إنه قد تم وضعه واختلاقه بعد أحداث المشروطة واستشهاد الشيخ فضل الله النوري!

وبطبيعة الحال فإن المختلق ـ مثل الكثير من معاصريه ـ قد أراد من «الطبرسي» «المازندراني»!

كما يُعتبر كتاب إلزام الناصب هذا واحداً من المصادر المتداولة للوصول إلى خطبة البيان الكذائية، التي قال عنها العلاّمة المجلسي ـ رضوان الله عليه ـ: لم تَرِدْ إلاّ في كتب الغلاة ونظرائهم (انظر: بحار الأنوار 25: 348؛ وسفينة البحار 2: 71، طبعة بنياد پژوهشهاي إسلامي آستان قدس رضوي).

لقد قام صاحب إلزام الناصب ـ من خلال إبداء نوع من القبول لخطبة البيان ـ بنقل نسختين أو ثلاث نسخ عنها! (انظر: إلزام الناصب 2: 148 ـ 198، تحقيق السيد علي العاشور). ومن نافل القول: إنه بناء على النسخة الأولى يُدّعى أن أمير المؤمنين عليّ× قد ألقى هذه الخطبة الغريبة والعجيبة و… (التي لا شَكَّ في أنها من مختلقات الغلاة، وليست من كلام أمير البيان، الذي لا يُشقّ له غبار في ميدان الكلمة والكلام) في أيام خلافته بعد أبي بكر وعمر وعثمان، وفي البصرة تحديداً، والذي يروي الخطبة هو عبد الله بن مسعود. (انظر: إلزام الناصب 2: 148، تحقيق: السيد علي العاشور).

لقد خفي على مختلق هذه الرواية؛ بسبب جهله لبعض الحقائق أنّه على فرض المحال لو كان من الممكن قول هذه الكلمات في حدّ ذاتها، لم يكن من الممكن قولها في فضاء البصرة الملتهب ـ وهي «البصرة» الموصوفة في نهج البلاغة ببصرة الفتنة والجمل ـ، ثم لو أنها لو قيلت في البصرة فليس بالإمكان أن يكون راويها هو عبد الله بن مسعود؛ وذلك لعدم تواجده في البصرة، وتحت منبر أمير المؤمنين، ليكون هو الذي يرويها؛ فقد توفّي عبد الله بن مسعود في السنة الثالثة والثلاثين من الهجرة، في خلافة عثمان بن عفان، في المدينة المنوّرة، بينما كانت بداية خلافة أمير المؤمنين عليّ× سنة 35هـ. فيجب أن يكون الإمام×، بناءً على افتراض صحّة هذه الرواية، قد أوردها بعد واقعة الجمل. وعليه لا يكون هناك إمكان لرواية ابن مسعود لهذه الخطبة على الصفة المذكورة.

وبطبيعة الحال لا تُرجى مثل هذه الدقّة عن مثل صاحب إلزام الناصب! لكنْ كان بإمكانه في الحدّ الأدنى أن يحرِّك ذهنه كما صنع محمد بن سليمان التنكابني؛ ليقوم بعملية تحليلية عادية وعرفية.

يقول التنكابني: «…كيف يمكن للعقل أن يتقبّل أن يبادر أمير المؤمنين×، الذي لم يتقبَّله الناس [العثمانيون] خليفة رابعاً، سوى البعض [من غير العثمانيين]، ومع ذلك يعتلي المنبر ليعلن للناس قائلاً: أنا خالق السماوات والأرض! بل لم يكن [بسبب عصبية بعض أنصار مدرسة السقيفة] ليجرؤ على ادّعاء خلافته المباشرة للنبيّ» (محمد بن سليمان التنكابني(1234 ـ 1302هـ)، قصص العلماء: 58، إعداد: محمد رضا برزگر خالقي وعفت كرباسي، شركت انتشارات علمي وفرهنگي، ط1، طهران، 1383هـ.ش).

ثم نقل جانباً من كلام الشيخ عبد الرحيم البروجردي الوارد بشأن هذا الموضع، مخاطباً به الحاج محمد كريم خان ـ الذي كان شيخيّاً ـ، على النحو التالي: «…في ذلك العهد كان هناك مَنْ يتهم الإمام علي بالكفر، مثل: أهل الشام، وهناك مَنْ يراه مجرّد خليفة رابع، ولا يؤمن بكونه خليفة مباشراً للنبيّ، سوى النـزر القليل. فكيف أمكن للإمام عليّ ـ في مثل هذه الظروف ـ أن يصعد المنبر، ليقول بملء صوته: أنا خالق السماء والأرض! لم يكن الناس يعترفون له بخلافة النبيّ، فكيف لهم أن يؤمنوا بخالقيته؟! لا شَكَّ في أنه لو كان قد قال مثل هذه الكلمات حقيقةً، وسمعوها منه، لكانوا قتلوه» (المصدر السابق).

لقد ذكر التنكابني هذا الكلام في سياق الحكم بوضع واختلاق «خطبة البيان»، معتبراً صدور مثل هذا الكلام في تلك الأجواء شاهداً على اختلاق «خطبة البيان». وبغضّ النظر عن طريقة تعبير التنكابني ـ التي هي مثل سائر المواضع الأخرى لقصص علمائه ـ مبتذلةٌ إلى حدٍّ كبير! إلاّ أن أصل استبعاده العرفي والعقلي جديرٌ بالثناء والتقدير، وهو أمرٌ لا نراه في إلزام الناصب!

([33]) ينقل عن السيد علي نجف آبادي ـ رحمة الله عليه ـ أنه كان يصف الحاج النوري بـ «المصحِّح اعتباطاً» (انظر: مرتضى قاسمي (تقرير دقيق لدروس المحقّق المدقّق الحاج السيد موسى شبيري زنجاني ـ دامت إفاضاته ـ)، علم درايه، رجال وتراجم (مصدر فارسي): 152، انتشارات محتشم، ط1، كاشان، 1380هـ.ش).

وبطبيعة الحال قد لا يكون هذا التعبير تعبيراً مناسباً، إلاّ أن سعة المنهج المتَّبع ـ على كلّ حال ـ من قِبَل الحاج النوري في بعض الأمور، من قبيل: توثيق الرواة وتصحيح الروايات، مشكلٌ للغاية.

([34]) إن آل فتحان من الأسر العلمية المتجذِّرة، والبيوتات الشيعية المعروفة.

وبشأن إجازة عن «رضيّ الدين عبد الملك بن شمس الدين إسحاق بن رضي الدين عبد الملك بن محمد بن محمد بن فتحان الواعظ القمي الكاشاني» انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة 1: 207.

وبشأن المخطوطة في المحتضر للحسن بن سليمان الحلّي، التي كتبها «وجيه الدين عبد الله بن علاء الدين بن فتح الله [كذا] بن رضيّ الدين عبد الملك بن شمس الدين بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن فتحان الواعظ القمي الكاشاني»، انظر: الذريعة إلى تصانيف الشيعة 20: 143 ـ 144.

وفي تفصيل الكلام بشأن هذه الأسرة، التي كان لها حضورٌ ثقافي ملحوظ في مركز إيران منذ الاجتياح المغولي إلى بداية العصر الصفوي، انظر: حسين مدرسي طباطبائي، قمّيات: 7 ـ 48، نيوجرسي، مؤسسة انتشارات زاجروس، 1386هـ.ش ـ 2007م؛ أخبار وأحاديث وحكايات در فضائل أولاد رسول‘ و… (مصدر فارسي): 62 ـ 69، إعداد: رسول جعفريان، مشعر، طهران، 1386هـ.ش.

([35]) المولى محمد صالح المازندراني(1081هـ)، شرح أصول الكافي 2: 312، مع تعاليق الميرزا أبي الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي العاشور، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1421هـ.

([36]) محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، المعروف بابن أبي جمهور، عوالي اللآلئ العزيزية في الأحاديث الدينية 1: 24، تحقيق: مجتبى العراقي، ط1، قم، 1403هـ.

([37]) المصدر السابق 1: 29.

([38]) حتّى كان من المعلوم أين توفّي آخر صحابيّ في كلٍّ من (مكة أو البصرة أو الكوفة وهكذا). انظر: رسائل في دراية الحديث 1: 271، إعداد: أبو الفضل حافظيان بابلي، دار الحديث، ط1، قم، 1424هـ ـ 1382هـ.ش.

([39]) انظر: رسائل في دراية الحديث 1: 270، إعداد: أبو الفضل حافظيان بابلي؛ شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي، اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي» 1: 309، تصحيح وتعليق: المعلم الثالث الميرداماد الأسترآبادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مؤسّسة آل البيت^، ط1، قم، 1404هـ.

([40]) انظر: الذهبي، تاريخ الإسلام 6: 527، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، 1407هـ؛ أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، البداية والنهاية 9: 215، تحقيق وتعليق وتهميش: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت، 1408هـ.

([41]) الذهبي، تاريخ الإسلام 6: 527، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري.

([42]) أبو الفلاح عبد الحيّ بن العماد الحنبلي(1089هـ)، شذرات الذهب في أخبار مَنْ ذهب 1: 118، دار الكتب العلمية، بيروت.

([43]) وقد صوَّر الشاعر الإيراني الشهير حافظ الشيرازي هذا الواقع في بيت شعرٍ له، ومفاده بالعربية: هات الصبوح ولا تهوّل علينا بمنع العقل، فإن العقل لا دور له في أجوائنا.

([44]) للاطلاع على جوانب من المناهج الفكرية المتداعية والمستهلكة لابن عربي هناك مقالٌ جدير بالقراءة للأستاذ مصطفى ملكيان، تحت عنوان: (ويژگيهاي چاپ جديد فصوص الحكم ونقدهاي ابن عربي)(مطبوعٌ في مجلة بخارا، العدد 62: 125 ـ 136)، دون أن يكون هناك ـ على حدّ تعبيره (ذرة من الشكّ أو الإنكار في نقاط القوّة التي يتمتَّع بها فكر ابن عربي). (انظر: مجلة بخارا، العدد 62: 129).

([45]) لا تزال الغرائب والعجائب تنقل عن الهند منذ الأزمنة الغابرة إلى عصرنا الراهن. وفي كتاب الهندستاني (سفرنامه هند)، الذي رأيته بأمّ عيني، والذي كتبه السيد علي مير شريفي، هناك شرح لطقوس الوثنية في الهند (ص 51، 108، 359)، وانتعاش سوق الخرافة والاحتيال على الناس (ص 297، 321)، ما يُثبت للقارئ أن المشاهد الهندية المعاصرة لا تختلف كثيراً عمّا سبق لابن بطوطة أن شاهدها (انظر: المصدر: 257 ـ 258)!

([46]) ذكر عبد الحق المحدِّث الدهلوي (297 ـ 1052هـ) في أخبار الأخيار، عند حديثه عن (السيد محمد بن جعفر الملكي الحسيني): «أنه كان على قيد الحياة منذ عهد السلطان محمد تغلق إلى عهد السلطان بهلول» (أخبار الأخيار: 274)، ثم نقل عن لسانه أنه «قال: رأيت صفوان بن قصيّ [في طبعة: قصّي] أخو عبد مناف، الذي تشرّف بالإيمان على يد رسول الله‘، وكان مشغولاً في مغارة. وقد كان له من العمر ـ عندما ذهبتُ لتقبيل أقدامه ـ اثنتان وتسعون وتسعمئة سنة، وقال: إن رسول الله‘ قد دعا له بطول العمر». (المصدر السابق: 281).

وهناك بعد هذا الكلام في أخبار الأخيار توضيح يبدو أنه إضافة من المحدِّث الدهلوي نفسه، يقول: «إن قصة صفوان هذه المذكور في هذا الكتاب ـ والتي نراها في بحر الأنساب الذي هو من تأليفه ـ لا تخلو من الغرابة، ولا تتفق مع قواعد وأصول كتب الأحاديث والسِّيَر». (المصدر نفسه).

([47]) هكذا في المصدر المطبوع، ويبدو أن هناك سقط لكلمة مثل: «بني» أو «آل» أو ما شابه ذلك.

([48]) الميرزا لعل بيك لعلي بدخشي (968 ـ 1022هـ)، ثمرات القدس من شجرات الأنس: 73 ـ 75، مقدّمة وتصحيح وتعليق: الدكتور السيد كمال الحاج السيد هادي جوادي، پژوهشگاه علوم إنساني ومطالعات فرهنگي، ط1، طهران، 1376هـ.ش.

([49]) المصدر السابق: 73.

([50]) انظر: معين الدين أبو القاسم جنيد الشيرازي، شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوّار المزار: 231 (الهامش)، تصحيح وتهميش: العلامة محمد القزويني وعباس إقبال؛ دائرة المعارف الإسلامية 10: 43 ـ 48، بيروت، دار المعرفة.

([51]) للوقوف على هذه الاختلافات انظر على سبيل المثال: الحافظ شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني(852هـ)، لسان الميزان 2: 450 ـ 454، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط2، بيروت، 1390هـ؛ معين الدين أبو القاسم جنيد الشيرازي، شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوّار المزار: 230 (الهامش)، تصحيح وتهميش: العلامة محمد القزويني وعباس إقبال.

([52]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 43، بيروت، دار المعرفة.

([53]) الحافظ حسين الكربلائي التبريزي(997هـ)، روضات الجنان وجنات الجنان 1: 541 ـ 542، تحقيق وتقديم وتكميل وتصحيح وتعليق: سلطان القُرّائي.

([54]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 45، بيروت، دار المعرفة؛ معين الدين أبو القاسم جنيد الشيرازي، شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوّار المزار: 231 (الهامش)، تصحيح وتهميش: العلامة محمد القزويني وعباس إقبال.

([55]) انظر: دائرة المعارف فارسي (برئاسة د. غلام حسين مصاحب) 1: 825.

([56]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 43، بيروت، دار المعرفة؛ دائرة المعارف فارسي (برئاسة د. غلام حسين مصاحب) 1: 825؛ معين الدين أبو القاسم جنيد الشيرازي، شدّ الإزار في حطّ الأوزار عن زوّار المزار: 231 (الهامش)، تصحيح وتهميش: العلامة محمد القزويني وعباس إقبال.

([57]) انظر: دائرة المعارف الإسلامية 10: 44، بيروت، دار المعرفة.

([58]) انظر: المصدر نفسه.

([59]) انظر: المصدر نفسه.

([60]) انظر: المصدر نفسه.

([61]) قارن: المصدر السابق 10: 44 ـ 45.

([62]) انظر: المصدر السابق 10: 45.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً