أحدث المقالات

بحثا عن دولة الإنسان؟!

بقلم:أ/غريبي مراد(*)

كثيرا ما تتداول مفردة المواطنة في الأدبيات السياسية والإعلامية والثقافية، وحتى الدينية النووية (المذهبية) إلى جانب الهوية والإنتماء والحقوق والإيمان وما هنالك من مفردات نستهلكها في محاولات لتزيين خطبنا، كما نركز عليها في بدايات مشاريعنا السياسية والطائفية بوضعها كأسس وغايات، لكن هذه المفردات وكل الأفكار التي تبتدع على أساسها في واقعنا العربي والإسلامي، قد تحتاج إلى أن نثير بعض المقدمات قبل أن ننفذ إليها بإعتبارها أفكار أساسية ومشاريع إستراتيجية مهمة لمستقبل الإنسان (الفرد والمجتمع) العربي والإسلامي ككل…

حيث هناك كلمة معروفة متداولة كثيرا في أزقتنا السياسية والثقافية: "الدين لله والوطن للجميع" نلاحظ أن هذه المقولة، الخطوط الفكرية والعقيدية والسياسية المتنوعة في واقعنا تختلف في مقاربتها لها، فهناك من يستغرق في معنى الجميع وآخر يثير هوية الوطن وخط عقيدي  يستحضر التنوع الديني والله في مقاربته لها، لا نوّد إثارة الجدل حول المقولة في ذاتها، ولكن نطمح لتثوير التفكير في تعزيز الرابطة الإنسانية في حركة الإنتماء إجتماعيا، هذا المثال ذكرته، لأننا فعلا كما يذكر العلامة الراحل المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض) في إحدى محاضراته قائلا: مشكلتنا بالشرق أننا نتغذى بالعصبيات، نأكل عصبيات ونشرب عصبيات ونستنشق عصبيات…" لذلك لا نزال نجتر أسئلة النهوض، فبدلا أن نتغذى بالعلم والإيمان، رحنا لتضخيم الذات وإلغاء العام، فضاع وعينا للإيمان بالله، ذلك الإيمان الذي يفتح الفكر والقلب والحياة على المطلق، ويدفع بنا لاستيعاب القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية في بعدها الإنساني الواسع…

بصراحة: ممارستنا للحياة بأوطاننا الصغيرة وأمتنا الكبيرة، تحمل في طياتها السلبيات الكثيرة والمتراكمة الناجمة عن الخطأ في تصور الحياة الكريمة، ذلك الخلل في التصور ولد الانحراف في حركة الحياة بكل أبعادها، وأورث للأجيال التخلف في الوعي، وبالتالي أوصلنا أمتنا بكل تجمعاتها وهوياتها الجزئية إلى تعصب الإنتماء، حتى أصبح الإنتماء عندنا غير قابل للتركيب، واجتهد المجتهدون من  كل الهويات الاثنية والعرقية والمذهبية والثقافية والدينية في إختزال الهوية  في الجزء، وضاع الوطن في عصبيات الهويات… إننا أمام مشكلة مركبة في عناصرها وجذورها،هي مشكلة سلطة التعصب (تاريخياً وفكرياً وسياسياً وطائفياً وثقافياً ومصيرياً)، إذ الحلول الواقعية والدقيقة لهذه المشكلة بكل أبعادها، بحاجة لهمّة علماء الدين والمفكرين والإعلاميين والمرشدين في تجديد وإصلاح وتنوير الواقع المتنوع بدولة الإنسان المنفتح على الحياة بهوية مركبة من كل الهويات دون الشعور بالحرج أو التعقد… دولة الإنسان هي على مستوى الفكر وحدة التصور، أما بالواقع فهي ذلك الإشعاع الإيماني في تفاصيل حركة حياة المؤمن، حيث يبقى موضوع دولة الإنسان هو حركة بناء الهوية المركبة في الاجتماع السياسي… والله من وراء القصد

 

الهوامش:

(*) كاتب وباحث إسلامي               

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً