أحدث المقالات




حقوق الإنسان في الإسلام

إيمان شمس الدين

 

مقدمـــــة:

 

ظهرت في الآونة الأخيرة مصطلحات قد تكون جديدة في ألفاظها إلا أنها قديمة في معانيها قدم الإنسان على الأرض, وأهم هذه المصطلحات التي باتت تشكل العنوان الرئيسي لأي انتفاضة إنسانية ضد الظلم والاضطهاد هي مصطلح حقوق الإنسان,وأصبح هذا المصطلح يدغدغ مشاعر الكثيرين خاصة أولئك الذين عاشوا في ظل حكومات ديكتاتورية مارست أشد أنواع الظلم والقهر الإنساني وعملت على سحق البعد الإنساني في شخص الإنسان, واستغلت الدول العظمى خاصة تلك التي تحمل الفكر الإمبريالي الصهيوني هذا المصطلح وجعلته شعارا لحملاتها الاستعمارية في الهيمنة الفكرية والثقافية واستطاعت فعليا أن تغري الكثير من المثقفين وتستقطبهم بهذا الشعار مع أنها بعيدة كل البعد عن التطبيق العملي له بل وتوظفه لمصالحها فأينما حلت حل يمهد لها العقول الساذجة لتسيطر عليها وتنطلق بها لتنفيذ مخططاتها.مع أننا لا ننكر أبدا أنها سباقة في مسألة تقنين تلك الحقوق والنهوض بالبعد الحقوقي في شخصية الإنسان في بلدانها وسبقها ليس على المستوى الإيديولوجي التنظيري للمسألة بل على المستوى التطبيقي لها لأن الإسلام تنظيريا سبق كل تلك الحضارات في التنظير لحقوق الإنسان ولعل دستور المدينة الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله هو وثيقة ناريخية تثبت أسبقية الإسلام بقضايا حقوق الإنسان . ولكن من حكم باسم الدين بعد ذلك كان ليس من صالحه أن ينتقل بهذه النظريات إلى مرحلة التطبيق بل سعى إلى طمس هذه النظريات الحقوقية لأنها تضر بمصالحه وتحكمه بالعباد وثروات البلاد.

ويكمن السؤال هنا هل جاء الإسلام بمنظومة حقوقية كفلت للإنسان حقوقه ليحيى كريما كما صرح القرآن ولقد كرمنا بني آدم؟

 

الهدف من الخلقة:

 

إن الله سبحانه وتعالى يتصف بالحكمة ومن صفات الحكيم أن كل أفعاله غير عبثية , بل تهدف هذه الأفعال لغايات تتناسب وفعلها من حيث الكمال والنقص , فعندما يكون الفعل منسوب إلى الله المنزه عن كل عيب ونقص يكون هذا الفعل متصفا بالكمال, وخلق الخلق هي من أفعال الله تعالى غير العبثية ولكن هنا السؤال يكمن في هدف الفاعل من الخلق أم هدف الفعل نفسه أي الهدف من خلق الخلق؟ إننا حينما نقول أن الله لا يتصف إلا بكل كمال ومنزه عن كل نقص إذا نحن هنا ننفي عنه تعالى أي هدف أو غرض لذاته المقدسة لأن المحرك الرئيسي والدافع للفاعل نحو الهدف لا يكون إلا ليتجه به من النقص إلى الكمال وتعالى الله سبحانه عن ذلك علوا كبيرا.إذا الهدف يكون هنا للفعل وليس للفاعل بمعنى أن فعل الله والذي هو الخلق له هدف وليس الفاعل للفعل.إذا فالفعل هنا خلق لأجل الوصول به إلى كمالاته اللائقة "فالله لا هدف له من خلق الإنسان ولا يصله نفع من ذلك وإنما خلقه ليصل إلى سعادته"[1]

ومن هنا نستطيع القول أن الله الكامل الحكيم بما أنه خلق الإنسان للوصول به إلى كماله اللائق به  إذا فلا بد من أن يهيئ له كل ما يضمن له هذه السعادة والكمال خاصة إذا علمنا أن الإنسان مخلوق من بعد يشده إلى الأرض(التسافل)وهو الطين وآخر يشده إلى السماء(السمو) وهو الروح وبين هذين القطبين جدل يسمى بالجدل الإنساني وصراع يتنازع فيه الإنسان بين بعديه الطيني والروحي ولا بد من غلبة أحدهما على الآخر, وبما أن السعادة هي الغاية الإنسانية إذا لا بد من غلبة الروح على الطين بما تمثله الروح من بعد ملكوتي وما يمثله الطين من بعد غرائزي.ولهذا الصراع أو الجدل الإنساني الداخلي انعكاس خارجي على سلوكه حيث أنه يتأثر ويؤثر في المحيط الذي يحيا به , ولكي تتم السيطرة على هذه السلوكيات المؤثرة في مسيرة الإنسان نحو الكمال لا بد من قوانين تحكم هذه السلوكيات ولا بد لهذه القوانين من ارتباط بقوة قادرة عالمة حكيمة منزهة عن النقص والعيب يحيط علمها بكل شيء ولا يوجد صفات شمولية لجهة كالله تعالى البصير بما خلق والعالم بخفايا خلقه والمحيط بها وهو الأقدر على وضع الضوابط التي تسيطر على سلوكيات الإنسان لتحقق الهدف من الخلقة.

وبما أن الإسلام خاتم الأديان إذا لا بد له من أن يتصف بالشمولية وأن يكون صالحا لكل زمان ومكان, ولا بد أن ينظم علاقات الإنسان بأخيه الإنسان وفق منظومة حقوقية تضمن عدم انحراف مسيرته عن السعادة المنشودة.

وقبل الدخول بحقوق الإنسان في الإسلام لا بد أولا من توضيح منهج التعرف على الإسلام لكي يتسنى بعد ذلك التعرف على المنظومة الحقوقية في الإسلام.

 

منهج التعرف على الإسلام:

لكي نتعرف على الإسلام بشكل جيد لا بد من استخدام هذه المراحل الخمسة:

1.  يجب أولا التعرف على الله تعالى وطرق الوصول إلى الله بعدد أنفاس الخلق وهناك طرق كثيرة ذكرتها الكتب المتخصصة في معرفة الله تعالى وكيفية هذه المعرفة.

2.     معرفة كتاب هذا الدين والذي هو القرآن الكريم ( الثقل الأكبر)

3.     معرفة نبي هذا الدين وهو محمد صلى الله عليه وآله(السنة)

4.     معرفة كيفية ظهور نبي الإسلام .

5.     معرفة الوجوه البارزة والنماذج البشرية التي صنعها هذا الدين.[2]

وقد نتساءل ماذا يفيدنا هذا المنهج في حقوق الإنسان؟

إن معرفة صفات الله عز وجل تقودنا كما ذكرنا سابقا إلى ضرورة وجود منظومة حقوقية تنظم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان, ومعرفة كتاب الله تعالى ألا وهو القرآن الكريم توضح لنا ماهية الموضوعات التي اهتم بها الإسلام وأراد الله تعالى من خلالها أن يوجه الحياة الإنسانية نحو السعادة وفي القرآن الكريم آيات واضحة تدلنا على حقوق الإنسان ويعتبر القرآن مصدرا من مصادر التشريع في الإسلام والذي من ضمنه تشريعات حقوق الإنسان.ومعرفة الرسول صلى الله عليه وآله هي تجسد البعد العملي للمنظومة الحقوقية لأن النظريات وحدها لا تحقق الغرض في الوصول للسعادة المنشودة وستبقى مثلا بعيدة المرام إذا ما جسدت واقعا عمليا يحمله الإنسان في تطبيقاته اليومية في ساحة الحياة المترامية الأطراف فالنبي هو الأكثر قدرة على تطبيق المشروع الإلهي عمليا . ومعرفة الظروف والحيثيات التي سبقت وتلت ظهور النبي صلى الله عليه وآله تبين كيف جاء الإسلام بمنظومة نقلت الإنسان من ظلمات الجهل والظلم والاضطهاد إلى نور العلم والمساواة والعدل وهذا يثبت أن الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي حاكى الفطرة الإنسانية "وتجاوب مع الواقع الإنساني بكل حاجاته ومطامحه وهو دين الكرامة الإنسانية (ولقد كرمنا بني آدم), ذلك لأن الحكم على أية عقيدة بأنها إنسانية أو غير إنسانية يتوقف على الموقف الذي تتخذه العقيدة من مسائل الإنسان الكبرى: وضعية الإنسان إزاء العالم الخارجي, والعقل الإنساني والحرية الإنسانية وفكرة التقدم الإنساني المستمر"[3]  

وأخيرا معرفة الوجوه البارزة والنماذج البشرية التي صنعها هذا الدين,فدراسة شخصيات ومواقف وأدوار هذه الوجوه البارزة المنتسبة إلى الدين الإسلامي تبين لنا حقيقة أن الدين الإسلامي هو مصنع للإنسانية وكيف أن الإسلام ساهم في تربية هذه الشخصيات وصقلها على إرساء الحقوق والمفاهيم الإنسانية بل والدفاع عن هذه الحقوق بالغالي والنفيس وهل يوجد اغلي من الروح والتي بذلت في سبيل إرساء الحق الإنساني في العيش الكريم والعدل والمساواة كما فعل الإمام الحسين عليه السلام .

 

الإنسان مريد ومختار:

 

من أجمل ما جاءت به الشريعة الإسلامية هو كون الإنسان كائن مريد ومختار حيث جعلت هدايته للدين القويم هداية تشريعية تكليفيه لا هداية تكوينية وغريزية جبرية, فالإرادة من أعظم خصائص الإنسان التي ميزه بها الله عن باقي مخلوقاته , فهو الوحيد من بين الكائنات الحية الذي يستطيع أن يتمرد على جوهره وطبيعته وأن يختار أن يكون إنسانا خيرا أو إنسانا شريرا: "إنا هديناه النجدين إما شاكرا وإما كفورا" وبما أن الإنسان يعيش في مجتمع إنساني إذا لا بد من قوانين تحكم حركته داخل المجتمع وحقوق تحفظ له حياة كريمة.   

 

معنى مفردة الحقوق:

(إن مفردة الحقوق ذات معان اصطلاحية عديدة نشير إلى اثنتين منها:

أ‌.   يكون المراد من الحقوق أحيانا هو النظام الحاكم على السلوك الإجتماعي لدى المواطنين في المجتمع, أي مجموعة ( ما ينبغي وما لا ينبغي) التي يلزم أبناء المجتمع الواحد العمل بها.

ب‌. إن كلمة الحقوق في الاصطلاح الثاني جمع "لحق" ولفهم هذا الاصطلاح من الضروري أن نلاحظ أولا مفهوم "الحق" والمفاهيم المشابهة له.

مفردة الحق:

المستفاد من معنى كلمة الحق في دائرة الحقوق مفهوم اعتباري كحق الرجل وحق المرأة والمقصود من اعتبارية المفهوم هو أنه ليس له عين خارجية ويطرح فقط فيما يرتبط بالأفعال الإرادية لأفراد الإنسان, فعلى الإنسان الحر والمختار أن يقوم بمجموعة من الأعمال ويحترز من مجموعة أخرى وفي إطار (ما ينبغي وما لا ينبغي) الحاكم على سلوك الإنسان تتولد مفاهيم نظير " الحق" و " التكليف" . والحق هو أمر اعتباري يجعل لشخص(له) وآخر(عليه) .)[4]  

 

ولكن يكمن الخلاف الجوهري بين الباحثين الحقوقيين في كون هل الحقوق خطاب إرشادي إمضائي بمعنى أن الحقوق أمرا كان متداولا بين العقلاء بحسب سيرتهم وقامت الشريعة المقدسة بإمضائه أم أنه خطابا تأسيسيا مولويا أحدثه الشارع المقدس (الشريعة الإسلامية) ولم يكن متداولا بين العقلاء لولا أمر الشريعة به؟

(إن أفضل ما يعبر عن الإجابة على هذا التساؤل هو أن" الواجبات الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية"[5]  .

بمعنى أن التكاليف (ما ينبغي وما لا ينبغي) والتي تنظم الحياة الإنسانية والتي وضعت من قبل الله تعالى في الشريعة الإسلامية ألطاف بحق عباده لكي يتعرفوا على واجباتهم العقلية.

توضيح ذلك: لو امتلك العقل البشري القدرة والكفاءة في معرفة وتمييز المصالح والمفاسد الواقعية لأدرك درجة التأثير الإيجابي للصلاة والحج والزكاة والواجبات الشرعية الاخرى في اكتمال النفوس ووصولها للسعادة المنشودة عندئذ يعمل بالواجبات تلقائيا وبدون أمر ونهي إلهي ويحترز عن المحرمات. ولكن العقل البشري قاصر – في أغلب الموارد – عن إدراك وفهم المصالح والمفاسد ولو ترك أفراد الإنسان مع هكذا عقل قاصر عن معرفة الحقائق لضلوا وتاهوا ولم يفلحوا في مسيرتهم وعجزوا عن تحصيل المزيد من مصالحهم الدنيوية والآخروية  وقد من الله تعالى على عباده بأن أرسل الرسل وأنزل الكتب وأنقذهم من الحيرة والتيه وهداهم إلى طريق الكمال والسعادة بأوامره ونواهيه وإلزاماته وتكاليفه.

والقوانين الحقوقية في الإسلام بوصفها جزءا من الأحكام الشرعية ليست مستثناه من هذه القاعدة أي انها مستندة إلى المصالح والمفاسد الواقعية ولكن بما أن العقل الإنساني لا يكفي للكشف عن المصالح والمفاسد وكثيرا ما يضعف دافعه للعمل بأحكامه شرع الله سبحانه  القوانين الحقوقية وأنزلها مقرونة مع الترغيب والتحذير.إذا فجميع القوانين الحقوقية اعتبارية ولكنها ذات جذور تكوينية واقعية وتكون تلك الواقعيات أسس الحقوق لا نصها.)[6]  

إذا الإسلام على المستوى النظري أرسى قواعد تأسيسية للحقوق الإنسانية ولكنه أوكل إلى العقل مهمة الكشف عنها ووضع النصوص المناسبة لها فالوحي في هذه المسألة بمثابة المرشد والدليل للعقل الإنساني الذي يجب إعماله بشكل سليم لكي يستطيع إدراك هذه الحقوق وقولبتها في صياغة قانونية , وهو ما قصر عنه المسلمون وقام به الغربيون.فالإسلام على المستوى النظري استطاع أن يؤصل لمسألة الحقوق وترك قضية الكشف عن واقعية أسس هذه الحقوق للعقل البشري ليصوغها وفق قوانين تناسب الزمان والمكان إلا أن الغرب كان سباقا على المستوى العملي في تقنين هذه الحقوق ولكننا لا يمكننا إغفال أن هذا التقنين مازال قاصرا لابتعاده عن الوحي واعتماده العقل تحت شعار الأنسنة في الكشف عن هذه الحقوق وتقنينها.ولو أن المسلمين عمدوا إلى هذا الكشف العقلي من الجذور الوحيانية التكوينية وقننوا هذه الحقوق وفق صيغ عملانية لكنا ترجمنا نظريات الإسلام إلى واقع عملي وحضاري ومدني .      

شخصيات إسلامية حقوقية تاريخية ومعاصرة :

شخصية تاريخية:

أ. الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام الملقب بالسجاد :

هو من الشخصيات الدينية التي شهد لها التاريخ في بعدها الإنساني والأخلاقي تخرج من مدرسة الإسلام المحمدي الأصيل وأرسى منظومة حقوقية ظلت مفخرة للمسلمين إلى يومنا هذا عرفت برسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام والتي تضمنت خمسين حقا جسدت دستورا حقوقيا إنسانيا شاملا لو روعي تطبيقه لتبدل الحال إلى أحسن الأحوال.ولقد شملت هذه الرسالة الحقوق التالية :

1.حقوق الجوارح: اللسان, السمع, البصر, اليد, الرجل, البطن, الفرج.

2.حقوق الوالدين والولد والأخ: الأم, الأب, الابن, الأخ

3.حقوق الأفعال:الصلاة, الصيام, الهدي, الصدقة.

4.حقوق الزوج والزوجة .

5.الحقوق الثلاثة: الله, النفس, الناس.

 

شخصية معاصرة:

ب. الإمام روح الله الخميني الموسوي:

 

هو أحد العلماء المعاصرين و البارزين , تميز بدوره الفعال في القيام على حكومة الشاه التي مثلت قمة الطغيان والاضطهاد الإنساني والانبطاح للمستعمر, وأرسى جمهورية إسلامية في إيران وكان له رؤية إسلامية متقدمة على أمثاله في الحوزة العلمية.

نظرته للإنسان كانت نظرة أخلاقية عرفانية جسدها في الدستور الإيراني الذي أرسى قواعده على أسس فكرية إسلامية استمدها من عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر حينما أرسله لولاية مصر ومن كتاب تنبيه الامة وتنزيه الملة للشيخ النائيني الذي أرسى به الحكومة الدستورية وكتب نظريات في الحكم والسياسة وإدارة الدولة. كان يرى أن الإنسان كحقيقة وجودية هو خلاصة كل موجودات العالم, وكان يقول " إذا كان لكل علم موضوع فإن علم الأنبياء موضوعه الإنسان ,وإذا كان لكل دولة مشروع  فإن المشروع  الذي يمكننا أن نقول أنه مشروع  رسول الله صلى الله عليه وآله هو المضمون الذي تختزنه أول سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله " بسم الله الرحمن الرحيم , اقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق) كل الأنبياء جاؤوا لتربية الإنسان وجاءوا لأجل أن يرتقوا بهذا الموجود الطبيعي من مرتبة الطبيعة إلى مرتبة ما وراء الطبيعة وما وراء الجبروت المتعالية ,كل بحث الأنبياء منذ أول مجيئهم وبعثتهم كان حول الإنسان وعن الإنسان وكلهم بعث من أجل الإنسان ولأجل تربية الإنسان).

ولقد انعكست رؤيته على بنود الدستور حيث أن هناك فصلا كاملا عنوانه حقوق الشعب أبرزها المادة التاسعة عشر والتي تنص على أن أفراد الشعب الإيراني من أية قومية أو قبيلة كانوا يتمتعون بالمساواة في الحقوق ولا يعتبر اللون أو العنصر أو اللغة أو ما شابه ذلك سببا للتفاضل.

أما المادة الثانية عشرة في الأصول العامة للدستور فهي تحفظ  حقوق الأقليات الدينية بالتمتع بالاحترام الكامل وحرية الاعتقاد كل وفق مذهبه وحسب فقهه ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية وما يتعلق بها من دعاوي في المحاكم.

دور الوعي بحقوق الإنسان في النظم التربوية:

إن أهم ما يواجهه العالم الإسلامي في وقتنا الحاضر هو القصور في المناهج التربوية والتي جاءت نتيجة عدة أسباب أهمها:

1.     البعد عن منابع التشريع الأصيل كالقرآن والسنة النبوية الشريفة والصحيحة .

2.     ضيق الأفق في فهم وتقليدية منابع الفهم في الفكر الديني .

3.     تدخل المؤسسات الدينية المتطرفة صاحبة النفوذ في الدولة الحاكمة بالمنظمة التربوية في وضع المناهج.

4.     الديكتاتوريات التي حكمت المنطقة الإسلامية والتي كان لها الأثر الواضح على المناهج التربوية .

 وبدأ الخطر يتزايد مع الدعوات الأمريكية لتعديل وفلترة المناهج التربوية حيث أن هذه الدعوة لها منطلقات سياسية بعيدة كل البعد عن مصلحة الإنسان المسلم بل إنها لا تنظر لهذا الإنسان وكل ما تنظر له هو تحقيق مصالحها.(فالمستبد لا يخاف من العلوم الدينية المتعلقة بالمعاد لاعتقاده أنها لا ترفع غبادوة ولا تزيل غشاوة وخاصة إذا اغتروا وصاروا لايرون علما غير علمهم..ترتعد فرائص المستبد من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية والفلسفة العقلية وحقوق الامم وطبائع الاجتماع والسياسة المدنية ونحو ذلك من العلوم التي تكبر النفوس وتوسع العقول وتعرف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها وكيف الطلب والنوال..)[7]

إلا أن نظرة المصلحين الإسلاميين للمناهج التربوية تختلف اختلافا كليا عن هذه النظرة الامبريالية الصهيونية , إذ أنهم ينطلقون من منطلقات إسلامية تحفظ حق الإنسان المسلم في التعليم الصحيح الذي يوجهه إلى سلوك الطريق السليم  لبناء مجتمعه بعيدا عن أي تبعية لغير الله.ومن هنا تعالت صيحات المصلحين للنهوض بمستوى المناهج التربوية لتتحقق الغاية الحقيقية من التعليم والتي توصلنا إلى مراحل الاكتفاء الذاتي.

وإن من أهم مصاديق الإصلاح في المناهج التربوية وأبرزها هو إدماج مفاهيم حقوق الإنسان في المؤسسات العلمية الحكومية والأهلية  والذي سيكون له الدور الأبرز بالنهوض بمستوى الفرد الذي يعد اللبنة الأولى في بناء المجتمع الصالح . وإذا ما تم تنشئة الأجيال على فهم الحقوق والواجبات فإن ذلك سيكون له بالغ الأثر في النهوض والتقدم على كافة المستويات في الدولة.لأن التنمية البشرية في أي مجتمع تعد المدماك الأساس لكل مشاريع التنمية التي تنهض بمستوى الدولة لتصبح بمصاف الدول المتقدمة.

ويقول عبد الرحمن الكواكبي في كاتبه طبائع الاستبداد واصفا المستبد:"كما أنه ليس من صالح الوصي أن يبلغ الأيتام رشدهم كذلك ليس من غرض المستبد أن تنور الرعية بالعلم,لا يخفى على المستبد مهما كان غبيا أن لا اعتساف غلا مادامت الرعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه وعماء..لكنه الإنسان يصيد عالمه جاهله).

إذا العودة إلى الإسلام لإرساء المنظومة الحقوقية من خلاله وإدماج ذلك في فكر الناشئة سيكون له الأثر الكبير في حفظ الهوية الثقافية الإسلامية من خطر العولمة الذي يهدف إلى محو أي هوية تقف في قبال الهوية الغربية , ويعيد صياغة المناهج لا على الطريقة الغربية وإنما على طريقة المنهج الحضاري الإسلامي في فهم الدين. 



[1] آية الله مرتضى مطهري-الهدف السامي للحياة الإنسانية

[2] الدكتور علي شريعتي – منهج التعرف على الإسلام

[3] الشهيد محمد باقر الصدر – رسالتنا

[4] الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي – الحقوق و السياسية في القرآن

[5] كفاية الأصول

[6] الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي – الخقوق والسياسة في القرآن

[7] عبد الرحمن الكواكبي-طبائع الاستبداد

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً