أحدث المقالات

السيد علي عباس الموسوي

يتحدَّث القرآن الكريم عن خلق السموات والأرض فينزِّه الله عزَّ وجل عن خلقهما عبثاً بلا غاية، يقول تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ}(المؤمنون: 115)، كما أنَّ الدليل العقلي الذي يُثبت كون الله عزَّ وجل حكيماً ينفي عنه تعالى العبث في أيِّ فعلٍ من أفعاله ومن هذه الأفعال خِلْقَة هذا الإنسان.‏

 

‏وكذلك يتحدَّث القرآن الكريم عن سبب هذه الخلقة، ففي الحوار الذي جرى بين الله عزَّ وجل وملائكته قبل خِلْقَة الإنسان الأوَّل أي آدم عليه السلام، جاء الملائكة الخطاب الإلهيّ بأنَّ الله يريد أن يجعل خليفة له في هذه الأرض. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}(البقرة: 30).‏

إذاً الغاية من خلق الإنسان تتمثَّل في وجود خليفة لله عزَّ وجل على هذه الأرض.‏

وهذا الإنسان هو الذي يعبِّر عنه القرآن الكريم بأنَّه الحامل للأمانة الإلهيّة، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}(الأحزاب: 72).‏

 

فأيّ أمانة هذه؟!‏

ومن هو هذا الخليفة الإلهيّ؟!‏

إنَّ هذه الأمانة هي ذلك الشيء الذي استخلَف الله عزَّ وجل الإنسان عليه، فصحَّ لمن يؤدِّيه بحقّ أن يُطلَقَ عليه أنَّه خليفة الله في أرضه.‏

ويقف الإنسان حائراً مبهوتاً أمام فعل الإنسان الذي يعصي جبَّار السموات والأرض، والذي يُمارس الظلم والاضطهاد بحقِّ سائر الناس، ولا يُمكن أن يرى فيه خليفة الله في الأرض.‏

إنَّ خليفة الله في الأرض لا بدَّ أن يكون أقرب الناس إلى الله عزَّ وجل، المتمثِّل بالصِّفات الإلهيَّة والذي تتجلَّى الصفات الإلهيَّة فيه.‏

فالرحمة والمحبَّة وسائر الصفات الكمالية لا بدَّ أن تتجلَّى في هذا المخلوق الذي يكون أهلا لأن يُطلَق عليه اسم خليفة الله في أرضه.‏

وبهذا يصف الله عزَّ وجل رسوله الأكرم محمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم برسول الرحمة والمحبة حيث قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107).‏

وهذه الرحمة تتمثَّل في اللين الذي عاشه النبي مع قومه، رغم ما لاقاه منهم من أذىً، حيث يقول تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ}(آل عمران: 159).‏

ويعدِّد القرآن الكريم صفات هذا النبيّ التي هي تجلِّيَات للصِّفات الإلهيَّة في الخليفة الإلهيّ فيَصِفَه بأنَّه الشاهد والمبشِّر والنذير والهادي والسراج المنير، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً}(الأحزاب: 45-46).‏

ونتَّبِع الآيات لنبحث عن صفة علاقة رسول الله بالمؤمنين فنجد صفة الرؤوف، قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة: 128).‏

ونتابع تلاوة آيات كتاب الله فنجد الله تعالى يصفه بصاحب الخلق العظيم، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم: 4).‏

ويتجلَّى حفظه للأمانة الإلهيَّة بصِفَةٍ عُرِفَ بها النبي بين العرب ووصفه القرآن بها حيث يقول: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ}(التكوير:12).‏

وهو الذي يُمارس العدل في هذه الأرض، امتثالاً لأمر الله عزَّ وجل له بذلك: {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ}(الشورى: 15).‏

والعدل هو الغاية التي يَنشدها الإنسان في هذه الدنيا، ودولة العدل هي الحلم الذي تعيشه الإنسانيَّة؛ لأنَّها ترى فيه الغاية التي تحقِّق لكلِّ صاحب حقٍّ الوصول إلى حقِّه.‏

وبهذا النبيّ تحقَّقت الغاية الإلهيَّة من خِلْقَة الإنسان فكان خاتم النبيين، وكان القدوة الصالحة التي يَقتدي بها الناس ويتأسَّون بأفعاله، ولذا يصفه الإمام علي خليفته وأفضل الناس من بعده بقوله: (فهو إمامُ من اتَّقَى، وبصيرةُ من اهتَدَى، سراجٌ لَمَعَ ضوءُه، وشهابٌ سَطع نوره، وزَنْدٌ برَقَ لَمْعُه، سيرته القَصْد، وسنَّتُه الرُّشْد وكلامه الفصل وحُكْمه العدل)(1).‏

نقلاً عن موقع مجلة بقية الله العدد222

الهوامش:‏

1- نهج البلاغة، الخطبة94.‏

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً