أحدث المقالات
في أجواء الذّكرى الثّانية لرحيل العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله (رض)، يكشف النّقاب عن موسوعة فكريّة للسيّد فضل الله(رض) تؤرِّخ الإرث الفكريّ الكبير لسماحته في مختلف المجالات، توزّعت على تسعة أجزاء، ساهم في إعدادها أكثر من أربعة وعشرين باحثاً من عدد من الدّول العربيّة والإسلاميّة. بدأ العمل بإعداد الموسوعة في العام 2009م بمباركة من السيّد، واستغرق إنجازها ثلاث سنوات، تولّت خلالها مؤسّسة الفكر الإسلامي المعاصر مهمّة إنجاز الموسوعة، فيما تولّى الإشراف العام عليها رئيس الجامعة اللّبنانيّة، د.عدنان السيّد حسين.
في هذا التّحقيق، نعرض لكافّة التّفاصيل المتعلّقة بموسوعة السيّد فضل الله(رض):
ولادة الموسوعة
يتحدّث مدير مؤسّسة الفكر الإسلامي المعاصر، د.نجيب نور الدّين، عن الظّروف الّتي رافقت ولادة الموسوعة، مشيراً إلى أنّ الفكرة تعود إلى أواخر عام 2008، حيث طرحت فكرة الاستفادة من الكمّ الكبير والهائل لفكر السيّد، سواء الكتابات، أو المواقف، أو الخطب، المقابلات، ومحطّات أطلق فيها سماحته المواقف والرّؤى. ويلفت نور الدّين إلى وجود بعض الأفكار الّتي تحتاج إلى استكمال، فيما تحتاج بعض الطروحات إلى أبحاث موسّعة لمعرفة مراد سماحته بالكامل، والمدى الذي يمكن أن تبلغه تحديداً الأفكار الاستراتيجيّة ذات العلاقة بقضايا الأمّة، كالوحدة الإسلاميّة، والقضيّة الفلسطينيّة، ومشكلات العالم الإسلاميّ، وفي مقدّمها قدرة الحركات الإسلاميّة على مواكبة التحدّيات، سواء المتعلّقة بالأنظمة التي تحاربها، أو ما له علاقة بنشر الوعي بين جمهور المسلمين في كافّة أقطار العالم العربي والإسلامي.    
حرصت مؤسّسة الفكر الإسلاميّ المعاصر التي تولّت مهمّة متابعة الموسوعة، على إيجاد شخصيّة تتميّز بالوعي والكفاءة والمهنيّة، وأيضاً بحبّها لسماحة السيّد(رض) ووقع الاختيار على د.عدنان السيّد حسين، الّذي كان على درجة عالية من الجديّة والالتزام بهذا العمل. كانت البداية عام 2009، من خلال لقاء عقد بين سماحة السيّد(رض) و د.السيّد حسين، تم الاتّفاق خلاله على الخطوط والعناوين العامّة، ووضع سماحته آنذاك كلّ ما لديه لخدمة المشروع، لأنّ سماحة السيّد فضل الله(رض)، كان يؤمن بأنّ أفكاره ليست أفكاراً شخصيّة، بل هي أفكار لخدمة الإسلام.    
فكر السيّد ملك الإنسانيّة
المشرف العام على إعداد الموسوعة، رئيس الجامعة اللّبنانيّة، الوزير السّابق د.عدنان السيّد حسين، يشرح طبيعة الموسوعة الّتي تحتوي بشكل أساس على التراث الفكريّ للعلامة فضل الله(رض) في مختلف المجالات، مشيراً إلى أنّ العمل تركّز بشكل أساس على عرض مواقف سماحة السيّد الّتي أطلقت في أكثر من موضع بعيداً عن التّأويل.
وفيما يتعلّق بمراحل إنجاز الموسوعة، يلفت د.السيد حسين إلى أنّ المرحلة الأولى تركّزت على تجميع التّراث الفكريّ، وكان ذلك في العام 2009، قبل تولّيه منصب وزارة الدّولة في الحكومة اللّبنانيّة، وتحديداً قبل ستّة أشهر منه. بعد عمليّة جمع الموادّ، بدأت مرحلة التّصنيف الّتي وزِّعت خلالها الموادّ إلى أبواب: أمور فكريّة، فقهيّة وعقيديّة، وتم التوقّف عند فكر السيّد السياسيّ، وأيضاً الفكر الاجتماعيّ الّذي يتضمّن دراسةً حول المرأة، إلى جانب فصول متعدّدة حول الأدب والشّعر والثّقافة. وتمّ التوقّف عند نظرة سماحة السيّد إلى العلم والعلماء في بلاد العرب والمسلمين.
رئيس الجامعة اللّبنانيّة يرى في موسوعة العلامة المرجع فضل الله(رض) عاملاً مساعداً للجميع، من لبنانيّين وعرب ومسلمين، وربما عامّة النّاس في المعمورة، للاستفادة من هذا التّراث الكبير للسيّد الّذي لم يعد ملك عائلته ولا طائفته ولا وطنه، بل هو اليوم ملك للإنسانيّة وللمدافعين عن فكرة العدالة والإنسانيّة في هذا العالم المضطرب.
وفيما يتعلّق بالمشاركين في إعداد موسوعة المرجع فضل الله(رض)، يلفت رئيس الجامعة اللّبنانيّة إلى أنّ هذا العمل الموسوعيّ الكبير شارك فيه أكثر من عشرين باحثاً متخصّصاً من مختلف البلدان العربيّة والإسلاميّة؛ من المغرب وتونس والعراق وسوريا وفلسطين ومصر وغيرها من الدّول، وجميعهم أساتذة جامعيّون متخصّصون، التزموا بالعناوين المطروحة للنّقاش وفق شروط بحثيّة علميّة بحتة.     
أسس عمل الموسوعة
انطلقت الموسوعة من الإسهامات الهامّة والكبيرة للسيّد فضل الله(رض) على مستوى تظهير العقيدة وتفسير القرآن، وفي مقدّمها موسوعة السيّد القرآنيّة "من وحي القرآن"، الّتي قدّمت لأوّل مرّة تفسيراً حركيّاً لمعاني القرآن الكريم، ليس فقط على صعيد المفردات والنّصوص الجامدة. فسماحة السيّد كانت له محطّات هامّة في محاربة التطرّف والغلوّ والتطرّف والجهل، ووضع الكثير من التصوّرات الّتي تعزّز مكانة العقل في الإسلام، وتدعو إلى إعمال العقل، لمواجهة العديد من الموروثات الخاطئة على المستوى الإسلاميّ. وفي هذا السّياق، يؤكّد د.نجيب نور الدّين، أنّ حقل العمل الأساس للموسوعة يتناول كلّ هذه المفردات، وذلك وفق آليّة العرض والدّراسة، بعيداً عن مبدأ التّأويل.    
ويوضح مدير مؤسّسة الفكر الإسلامي المعاصر، أنّه فور الاتّفاق على طبيعة عمل الموسوعة، وضعت خطّة تحدّد (من أين نبدأ وأين ننتهي)، ثم وضع إطار زمنيّ لإنجاز المشروع حدّد بثلاث سنوات، لافتاً إلى أنّ الموسوعة أنجزت قبل انتهاء المهلة، فيما استغرقت فترة التّنفيذ الفنيّة والتّدقيق ما يقارب الستّة أشهر.
ويختم د.نجيب نور الدّين بالقول: "الموسوعة تشكّل رصيداً مهمّاً لكلّ من يريد أن يطّلع على فكر سماحة السيّد، وعوناً أساسيّاً لمن يريد أن يتوسّع في هذا الفكر، أو أن يبحث في أيّ شأن تطرّق إليه سماحة السيّد فضل الله(رض).
شخصيّة تستحقّ الدّراسة
يتحدّث د.محمد منير سعد الدّين في حوار خاصّ مع موقع بيّنات، وهو صاحب الباع الطّويل في مجال التّربية، عن تجربته ضمن فريق الباحثين المتخصّصين الّذين ساهموا بخبراتهم وكتاباتهم في صياغة الموسوعة، متوقّفاً بدايةً عند الانتقاء الجيّد من قبل القيّمين على الموسوعة للباحثين والكتاب الّذين تنوّعوا من مختلف البلدان العربيّة والإسلاميّة، وتوحّدوا بكتاباتهم حول شخصيّة سماحة السيّد محمد حسين فضل الله(رض). بدأ مشوار التّعاون مع د.سعد الدّين بعد اتّصالٍ طلب منه المشاركة في موسوعةٍ عن السيّد فضل الله(رض).
فكانت المشاركة في مشروع الموسوعة، وكتب د.محمد منير سعد الدّين حول الفكر التربويّ لسماحة السيّد. ولعلّ الملاحظة الأساس الّتي سجّلها من خلال عمله، أنّ شخصيّة السيّد فعلاً تستحقّ الدّراسة؛ يقول: "كنت أقرأ عنها، ولكن عندما بدأت العمل، شعرت بأنّ الدّعوة كانت في مكانها، فهي أعطتني فرصة الغوص في فكره النيّر". يتميّز الفكر التربويّ للسيّد فضل الله بأنّه يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وينطلق في طروحاته التربويّة من موقع الخبرة الّتي اكتسبها السيّد من خلال التّواصل المباشر مع النّاس، الأمر الّذي ساهم في تشكيل قراءة واقعيّة لمجريات الأمور.
بعد انتهاء البحث في الفكر التّربويّ الّذي تطلّب الجهد الكبير، واستغرق فترةً زمنيّةً لا يستهان بها، طلب من د.سعد الدّين المساهمة مجدّداً في الموسوعة، والكتابة هذه المرَّة حول الفكر الحواريّ للسيّد، ونظرته إلى الحوار، ولا سيَّما في لبنان؛ هذا البلد المتعدّد الألوان، الّذي يشكّل فيه الحوار حاجةً ملحّةً لجميع أبنائه. يتميّز فكر السيّد الحواريّ بانفتاحه على الآخر، وهو أيضاً فكر قابل للآخر، فالسيّد تبنّى مقولة "الحقيقة بنت الحوار"، وحاور رجال دين مسيحيّين.    
رجل موسوعيّ
ويختم الباحث التربوي د.سعد الدّين بالقول: "السيّد فضل الله رجل موسوعيّ، متنوّر في فكره، جريء في طروحاته، كان يؤمن بأنّ الاختلاف فيه إثراء وإغناء، والخلاف هو المرفوض"، آملاً أن تعطي الموسوعة من خلال مجموعة الباحثين الّذين شاركوا فيها، صورةً عن طبيعة الدّور الّذي قام به في إثراء الفكر الإسلاميّ والإنسانيّ بشكل عام.
الفكر المقاوم
تحت عنوان "تأثير سماحة السيّد فكريّاً على المقاومة"، كتب المستشار السياسي والإعلامي للعلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض)، الحاج هاني عبد الله، وهو الّذي رافق سماحته في مسيرته النضاليّة المقاومة على مدى سني عمره الشّريف، وكان بمثابة المؤرّخ بذاكرته منذ اللّحظة الأولى لولادة المقاومة الإسلاميّة في لبنان، وللدّور الرّياديّ لسماحته. بلور سماحة السيّد الفكر المقاوم للأمّة، وكان المنظّر الأوّل للمقاومة في لبنان، ليس فقط على المستوى النظريّ من خلال الكتابات، بل من خلال حركته العمليّة الّتي تجسّدت بمشاركاته اليوميّة في تأبين الشّهداء والمقابلات الصحفيّة، وفي المواقف الميدانيّة شبه اليوميّة.
ويشير الحاج هاني عبد الله إلى أنّ السيّد فضل الله(رض) عمل على خطّين؛ الأوّل: تشجيع النّاس على المقاومة والتّرويج للانخراط في الخطّ المقاوم، والثّاني: الدّفاع عن المقاومة الّتي كانت تتعرّض لهجمة كبيرة متعدّدة الأوجه من النّاحية النفسيّة، حيث كان هناك من يروّج لمنطق القعود والسّكوت والصّمت أمام الاحتلال، إلى جانب الهجوم على هويّتها وأصالتها وانتمائها، من خلال ما يشبه الحصار الإعلاميّ عليها.
الحاج هاني عبد الله استعرض في كتابته حول المقاومة مواقف السيّد الّذي كان يؤكّد دائماً أنّ العمود الفقريّ للمقاومة هي المقاومة الإسلاميّة الّتي أثبتت فيما بعد أنّها الأكثر قدرةً على مواصلة الطّريق، وصولاً إلى هزيمة العدوّ الّتي حصلت العام 2000، ومن ثم التصدّي له وإفشال مخطّطه العام 2006. ويتابع قائلاً: "كان السيّد الشخصيّة الأولى الّتي بذرت بذور المقاومة على الصّعيد الفكريّ والسياسيّ في لبنان، وعمل على حماية المقاومة، فكان دوره بمثابة المظلّة الواقية للمقاومة حتّى آخر أيّام حياته".
فالسيّد من خلال حضوره الكبير في السّاحة الإسلاميّة العامّة السنيّة والشيعيّة، ومن خلال حضوره المؤثّر في ساحة المثقّفين والمتابعين، واحترامه الكبير الّذي كان يحظى به على مستوى السّاحة المسيحيّة، وفي المجتمعات غير الإسلاميّة، ليس فقط في لبنان، بل على مستوى المنطقة والعالم، استطاع سماحته أن يقدّم المقاومة للآخرين بثوبها الشرعيّ المنفتح غير الإرهابيّ.
ويشرح الحاج هاني عبد الله ما تناوله في الموسوعة، مشيراً إلى أنّه استند في كتابته إلى أكثر من موقف لسماحة السيّد، منذ أن انطلق في مسجد الإمام الرّضا(ع) في منطقة بئر العبد. يقول: "ارتكزت في كتابتي على الكتاب الأوّل لسماحة السيّد "المقاومة الإسلاميّة آفاق وتطلّعات"، فالسيّد كان السّاعي إلى تأسيس حالة مقاومة، ليس على المستوى العابر، بل على مستوى المستقبل في لبنان والمنطقة، ولا سيَّما المقاومة الّتي تؤسِّس لتحرير فلسطين المحتلّة.
ويستذكر الحاج هاني عبد الله ما سمعه من عدد من القيادات والكوادر في المقاومة الفلسطينيّة، في عداد أوّل وفد من المبعدين من فلسطين المحتلّة العام 1987، حيث قال أحدهم لسماحة السيّد: "عندما كنت أقرأ كتاباتك، كنت أشعر بأنّك تتحدّث عن انتفاضة قادمة للشعب الفلسطيني". وقد أشار الوفد إلى أنّ كتب سماحة السيّد: "الإسلام ومنطق القوّة"، و"خطوات على طريق الإسلام"، كانت توزّع في السجون الإسرائيليّة بين المعتقلين من خلال قصاصات صغيرة، وكان لها دورها في بثّ روح المقاومة وزرعها في نفوس الفلسطينيّين والمقاومين.
مسجد الرّضا(ع): منطلق المقاومة
يعود المستشار الإعلاميّ والسياسيّ بذاكرته إلى المرحلة التي بدأت فيها المقاومة ضدّ الاحتلال الصّهيونيّ، الّتي أسّس لها سماحة السيّد على المستوى التّنظيريّ والتّعبئة السياسيّة في مسجد الإمام الرّضا(ع) في بئر العبد، الّذي انطلق منه الشهداء والمقاومون الّذين تأثّروا بفكر سماحة السيّد المقاوم. فالسيّد فضل الله(رض) كان له الدّور الأبرز في إسقاط اتفاق السابع عشر من أيّار، وقال حينها: "هذه المرحلة صنعناها، وإذا لم نفعل لكان العدوّ صنعها".
باختصار، يعتبر الحاج هاني عبد الله أنّ سماحة السيّد كان الشخصيّة الإسلاميّة المرجعيّة الأساسيّة الّتي أسّست للفكر المقاوم والحركة الإسلاميّة المقاومة، واستطاعت أن تنظّر على المستوى الفكريّ والسياسيّ والثّقافيّ لمقاومة تحمي الواقع اللّبنانيّ، كما تطلّ على مشروع المقاومة على مستوى المنطقة كلّها.     
ثقافة السيّد موسوعيّة
وفيما يتعلّق بأهميّة الموسوعة، يرى عبد الله أنّها عمل مهمّ يؤرّخ لمراحل الحركات الإسلاميّة في لبنان، ويشير إلى شخصيّة أساسيّة لعبت دوراً مركزيّاً في تقديم الفكر الإسلاميّ المنفتح والواعي للعالم الإسلاميّ، معتبراً أنّ خصوصيّة هذا الفكر أنّه نابع من شخصيّة لها مكانتها الفقهيّة إلى جانب المكانة الفكريّة. وفي الوقت الّذي يرى الحاج هاني عبد الله، أنّ الموسوعة هي محاولة للإضاءة على جوانب متعدّدة من فكر سماحة السيّد(رض)، يشير إلى أنّ الإطلالة على الفكر الكامل والشّامل قد يحتاج إلى دراسات موسوعيّة أكبر، بسبب الغنى والتنوّع في شخصيّة السيّد الّذي امتلك ثقافة موسوعيّة قلّ مثيلها في العالم الإسلاميّ، في زمن السيّد، وفي هذه المرحلة الّتي نعيشها.
ويختم بالقول: "إنّ إطلالة الموسوعة على فكر سماحة السيّد من خلال استقراء النّصوص عمل مهمّ، يؤشّر للأجيال الإسلاميّة المتعاقبة بأهميّة هذا الفكر الّذي لا يزال فكراً بكراً، ولا تزال الأمّة بحاجة إلى التعرّف إليه في المراحل القادمة".
تجدر الإشارة إلى أنَّ موسوعة السيّد فضل الله(رض)، ومنذ اللّحظة الأولى للعمل فيها، رصد لها ميزانيّة خاصّة تشمل كافّة التّكاليف الماليّة، من الإعداد حتّى الإصدار، مروراً بالتّدقيق والتّنقيح وما إلى ذلك. الموسوعة من إصدار دار الملاك للتّأليف والنّشر، وهي تقع في تسعة أجزاء مغلّفة بشكل مربّع، تتناول شتّى المجالات العقائديّة الفكريّة الكلاميّة الاجتماعيّة والتّاريخيّة والتربويّة والوحدويّة والإنسانيّة والفقهيّة والأدبيّة وغيرها، وهي ستوزّع في الأسواق تزامناً مع الذّكرى الثّانية لرحيل المرجع فضل الله(رض).

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً