أحدث المقالات

تميزت النهضة الحسينية بسمو الهدف الذي كان ينشده الامام الحسين (ع) " خرجت لطلب الاصلاح في أمتي جدي محمد" ، والاصلاح كلمة تحمل في طياتها كل القيم النبيلة التي يؤمن بها الانسان السوي بغض النظر عن مذهبه ودينه، ومما زاد من الق النهضة المباركة ان الوسائل التي استخدمت لحقيق هذا الهدف النبيل لم تكن أقل نبلامن الهدف ذاته ، فلقد جسد الحسين (ع) والثلة المؤمنة التي كانت معه أسمى القيم وأروع المثل التي تجسد السمو الانساني بأحلى صوره.

إلا ان هذا الهدف العظيم وهذه الوسائل النبيلة التي تجسدت في كربلاء لم تكن كافية لتجعل عاشوراء متأصلة في الوجدان البشري بل مازالت مقتصرة على الوجدان الشيعي وحسب بل ان عاشوراء فشلت حتى في التغلغل في الوجدان الاسلامي فضلا عن البشري ، اللهم إلا من بعض الشواهد التي لا يمكن تعميمها والاستشهاد بها.

فهل فشل النهضة الحسينية في التأثير على الضمير الانساني والإسلامي هو لعدم تملكها المقومات الكافية لجعلها متغلغلة في الوجدان الانساني و الاسلامي ؟ أم أن هناك أسبابا أخرى أدت الى تحجيم هذه النهضة وجعلها مقصورة على الوجدان الشيعي.
 
الواقع ان المتتبع للنهضة الحسينية يقطع بأن النهضة المباركة تملك كل الأسباب التي تجعلها نهضة عالمية لا اسلامية وحسب ، فهي الوحيدة في تاريخ بني البشر التي ضرب فيها جميع الثائرون وبدون استثناء أروع أمثلة السمو البشري ، كما أن كربلاء تميزت بأن الثائرون لم يكونوا يمثلون طبقة اجتماعية معينة بل كان فيهم الغني والفقير والسيد والعبد والعربي والأعجمي …. وغيرهم والذين يمثلون مختلف الطبقات الاجتماعية ، أضف الى ذلك توفر الجانب المأساوي وبشكل كبير في هذه النهضة المباركة والذي يثير عاطفة الانسان ، ولهذا فإنني أعتقد أن النهضة الحسينية تمتلك من المقومات ما يجعلها تؤثر بالوجدان البشري بغض النظر عن انتماءاته .
 
إلا انني اعتقد بوجود اسبابا خارجية أدت الى تحجيم هذه النهضة المباركة وجعلها مقتصرة على الوجدان الشيعي ومن أهمها الأعلام المضاد الذي استخدمته السلطة الأموية آنذاك وعبرت عن الأمام وأصحابه بأنهم مجموعة من الخارجين على القانون وهذا الأعلام المضلل لعب دورا مهما عبر التاريخ في تحجيم هذه النهضة المباركة ، إلا أنه كان يصتبغ بصبغات مختلفة ، فتارة يعتبر الأمام (ع) خرج على أمام زمانه ، وتارة يضفي على يوم عاشوراء هالة من القداسة المزعومة فيعتبره اليوم الذي عفا الله فيه عن آدم وأنقذ ابراهيم فيه من النار وغيرها من الحوادث الهامة في تاريخ الأنبياء ليصرف الناس عن الحدث الأهم وهو النهضة الحسينية ، ومازال هذا الأعلام المضلل يلعب دورا في تشويه النهضة الحسينية ، فالسير الى كربلاء هو مسير الحجاج الى كربلاء ، و لا يخفى على كل لبيب ما للحج من قداسة لدى المسلمين وما ينتج من ردود فعل تجاه تسمية زوار الآمام الحسين بالحجاج لدى عامة المسلمين.
أن هذا الأعلام المضلل صاحبه ولشديد الأسف اسبابا أخرى كان لها دورا ربما يكون كبيرا في تحجيم دور النهضة الحسينية المباركة ، ومن أهمها الاساليب المتبعة في احياء هذه الذكرى العظيمة، فعلى الرغم من اننا ندعي بأن هذه النهضة المباركة كانت للإنسانية لا للشيعة بالخصوص ، بل ونطالب المذاهب الاسلامية الأخرى بأحيائها لكننا عندما نحتفل بها ننظر اليها على انها نهضة شيعية صرفة ، فالإمام ثار من أجل شيعته ، وقتل دفاعا وحفاظا على شيعته، وخاطب شيعته "شيعني مهما شربتم عذب ماء فاذكروني أو سمعتم بقتيل أو غريب فاندبوني " ، ان المستمع للمجالس الحسينية من غير الشيعة يحس بنوع من الغربة في تلك المجالس ، فخاطب الامام الحسين ليس له ، انما هو للشيعة فحسب ، آلا يخلق هذا الامر نوعا من الشعور بأن عاشوراء نهضة شيعية لا مجال للآخرين الاستفادة منها.
 
أن علينا العودة الى خطب الأمام الحسين وبياناته التي لا تتضمن سوى لفظة الاسلام فحسب ، فهدف النهضة الحسينية " خرجت لطلب الأصلاح في أمة جدي محمد (ص) " ويقول في كلمة أخرى " فعلى الاسلام السلام أن قد بليت الأمة براع مثل يزيد" ، كما أن أئمة أهل البيت (ع) جعلوا من قضية الحسين رمزا اسلاميا عالميا ، فهذا الأمام الباقر يصحح للشاعر شعره قائلا بل قل "وان قتيل الطف من آل هاشم أذل رقاب المسلمين فذلت"، لاشك اننا عندما نقدم الامام الحسين على أنه لشيعته فحسب فاننا نقوم بتحجيمه ونجعل الآخرون يبتعدون عنه لأنه من خصوصيات الشيعة.
 
كما أن المنبر الحسيني لا يجب أن يكون وسيلة للشحن الطائفي المنبوذ، مع التأكيد على أهمية طرح المعتقدات الشيعية وأدلتها ولكن يجب أن يكون الطرح بعيدا كل البعد عن الشحن الطائفي وإلغاء الآخر وذلك من خلال الخطابة الهادفة التي تهدف الى بناء انسان يحترم انسانيته ويوقر الآخر حتى ولو اختلف معه في معتقد أو فكر.
 
الأمر الآخر الذي أدى الى تحجيم هذه النهضة المباركة هي بعض الأساليب المتبعة في ابداء مشاعر الحزن والتي تخلق جدار يحول بين النهضة المباركة والوجدان البشري ، فما أن يرى الأخرون هذه الاساليب حتى يتراجعوا القهقرى بل ان بعض هذه الأساليب تخلق ردة فعل معاكسة تجعل الكثير يقف على الطرف النقيض مطالبا بوقف احياء ذكرى عاشوراء، اننا لا نطالب بالغاء جميع الأساليب المتبعة ، فالبكاء والزيارة وغيرها من المظاهر التي عادة ما تقام في المناسبات الحزينة أمور يقرها العقل ويتفهمها الناس ولكن علينا مراجعة انفسنا في جملة من المظاهر الأخرى وحذف كل ما يسيء للنهضة المباركة، وفي الوقت ذاته لابد من إضافة الأساليب العصرية الحديثة والتي لها أبعد الأثر في نشر نهضة الحسين (ع) ، فالفن بأنواعه مثلا أصبح في هذه الأيام أحد أهم الوسائل التي يمكن الاستفادة منها لنشر مفاهيم النهضة المباركة – مع مراعاة الجوانب الشرعية في هذا الأمر- ، كما أن الأعلام المرئي المتمثل في القنوات الفضائية هو أحد أهم الوسائل الأعلامية التي لابد من استغلالها ، وعلى الرغم من وجود كم لا بأس به من هذه القنوات الا أن غالبية جمهورها هم من الشيعة الملتزمين بحضور المآتم والحسينيات ولم تستطع هذه القنوات ان تجتذب جمهورا آخر ، ولربما يعود السبب في ذلك بأن هذه القنوات قامت بنقل المنبر الحسيني كما هو غافلة عن أن المنبر الحسيني في المأتم يخاطب جمهورا يختلف في خلفيته الثقافية تماما عن الجمهور الذي يجلس أمام القنوات الفضائية ، أن استخدام الأعلام المرئي بحد ذاته لا يكفي بل يجب أن يرافقه تحديث في الخطاب حتى يؤتي ثماره.
 
ومن الوسائل الهامة والمتبعة في احياء المناسبات العظيمة كالنهضة الحسينية المباركة ، الوسائل التي تعتمد على وجود مردود ملموس مباشر له اثره في حياة الناس، كإطعام الطعام أو التبرع بالدم ، فهذه الاساليب لها اثر كبير اذ انها تثير فضول الآخرين وتلفت انتباههم ، فلنتصور اننا اذا استطعنا ان نجعل من يوم عاشوراء مثلا يوما عالميا للتبرع بالدم ، اليست هذه وسيلة اعلامية كبيرة سوف تنشر فكر ومبادىء الامام الحسين في العالم بأسره .

ختاما اذا كنا حقا جادين في رغبتنا الى جعل النهضة الحسينية نهضة عالمية فيجب علينا أن نتخلى عن "الأنا" وعن ما تعودنا عليه وأن ننظر الى الأمور من زوايا مختلفة بروي

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً