أحدث المقالات

الاصلاح حالة تصويبية لمسار الأمة والنقد والتقييم أدوات عقلية للنخبة فيها التي تعيش في رحم المجتمع  وتعي الانحرافات الخطيرة فيه ،إدراك الانحراف يكون بالنظرإلى ميزان العدالة الاجتماعية فكل ما يمكن أن يحرف الميزان ويشكل تمييزا يعمق الطبقيات بكافة أشكالها هو انحراف. وكل ما يعمق الطبقية يكون سببا في حجب الحق والحقيقة عن عقول الناس فيؤخر من مسيرتها النهضوية والتكاملية والابداعية. فالاصلاح كخطوة هي سابقة للنهضة سبق منطقي لا زمني ، لكنها قد تكون مرافقة له زمنيا أو سابقة عليه.

فهو مرحلة تأتي بعد إدراك الخلل في الواقع الخارجي ، وإدراك الخلل يتطلب وعي وبصيرة ومعرفة بالحقيقه والواقع الذي يجب أن تكون عليه الأمور، بالتالي هذا الوعي يحرك صاحبه لتشخيص وجود خلل خارجي مربك للمجتمع، يدفعه للتقييم والنقد وإعادة النظر ، بالتالي لتشخيص الحاجة للاصلاح ، وهو تشخيص استراتيجي بعيد ناظر لمآلات الاخطار والانحرافات الاجتماعية، وخطورته على الوجود الإنساني ووظيفته ، بالتالي يتحرك لأجل إصلاح الخلل ومن ثم النهوض بالواقع.

النهضة فكرة قرآنية أسسها الله تعالى لترسم معالم الإنسان في أبعاد كثيرة،  تبدأ في معراجها نحو النهوض من دائرة الذات وتتسع هذه الدائرة إلى الأسرة، ومن ثم تأخذ اتساعاتها أبعادا تشمل الممجتمع ومن ثم الدولة بحدودها الجغرافية الخاصة والخارج جغرافية أي دولة الإنسان.

والنهضة متصلة اتصال عضوي وظيفي بالتغيير ببعده الإيجابي، كونها كفكرة تكتنز في عمقها الحركة وليس الركود، والحركة باتجاه تصاعدي، وهي من مقومات التغيير – أي الحركة – ومن مصاديق الحركة التصاعدية المقاومة التي تعني رفض ومواجهة كل ما من شأنه سلب مقومات إنسانية  الإنسان ، وهي الحرية والإرادة والاختيار ، سواء بالاستبداد أو الفساد الذي يعيق نهضة الإنسان والمجتمعات والدول ، أو بالاحتلال الذي يسلب المقدرات والثروات والمقومات ويهدر الطاقات فيمنع النهضة كونها مقوضة لوجوده ومانعة لهيمنته.

ولو توغلنا بالفكرة قليلا كي ندخل بها أرض الواقع لوجدنا أن النهضة مع وجود المطامع والمطامح والنزعة نحو الهيمنة من قبل دول النفوذ الاقتصادي والعسكري ، ستحتاج النهضة كي يتم تفعيلها كمشروع أممي يبدأ من الفرد إلى المجتمع والمجتمعات المشكلة للشعوب لينتهي بالدول ، ستحتاج إلى مأسسة في منظومة متكاملة.

ولو عرجنا تاريخيا على مصداق حي للاصلاح والنهضة كان له أثرا بالغا ومازال على مسيرة الإنسان في مواجهته للظلم والاستبداد ومسعاه للاصلاح ، ملهمة لعقله بالفكرة ومعبأة لوجدانه بالثورة والعاطفة.كانت من أهداف الحسين عليه السلام التي صرح بها هي الاصلاح في الأمة ، ولم يقل إصلاح واقع الأمة ، لأن الواقع هو صناعة الإنسان ، فالاصلاح في وعي الأمة ومعاييرها وقيمها وأهدافها وفهمها للكون من خلال اصلاح رؤيتها الكونية سيغير واقعها وينهض به.

فالاصلاح والنهضة كليهما يحتاجان للفكرة والعاطفة في خطاباتهم وأدواتهم ، كي يصيبوا حاجة الانسان في كافة أبعادها، وكي يحرزوا حقيقة التغيير التي هي هدف الاصلاح والنهضة.وبعد ذهاب الحدث زمنيا وبقائه تاريخياً تحول إلى ساحة ملهمة في القراءة والفهم ، ومصدرا يتكيء عليه كل حر مريد للحرية ورافضا للاستبداد.

وظهرت مدارس كثيرة في قراءة هذا الحدث التاريخي ، بل ظهرت ممارسات كثيرا إظهارا للحب وإحياءا للثورة بعد أن جاءت نصوص مؤكدة في وجوب إحياءها ورصدت لذلك ثوابا عظيما ، بل رسمت بعض الممارسات الشعائرية الثابته كالبكاء .وظهرت مدارس على أساس تشخيص مصداق الشعيرة التي تجسد مصداقا لإحياء هذا الحدث التاريخي المفصلي في مسيرة الإنسان.وأخذ مفهوم الإحياء أبعادا كثيرة في الفكر البشري والسلوك الاجتماعي.وكانت هناك صراعات حول تشخيص مصداق الإحياء والشعيرة.

الشعائر وآليات التحقق :

في أي بحث علمي موضوعي يفترض أن يتسم البحث بالدقة ، فسلامة المقدمات ضرورية لسلامة النتائج. فلكي نشخص مسألة ما هل هي في دائرة التشريع المقررة في خمس مساحات تكليفية هي : الحلال والحرام والمكروه والمستحب والمباح، أو هي في دائرة هذا ما وجدنا عليه آباءنا، كموروث وعادة وعرف وتقليد،

وكوننا نسعى لسلوك السبيل الأقصر الموصل للصراط وهو صراط المعصوم، وبما أننا نتعاطى مع معصوم فيفترض أن نتجرد من كل أسلحتنا القتالية الحزبية والمذهبية وحتى أهواءنا النفسية ، فاتباع شريعة الله يكون كما يريد الله من خلال من أرسله لا كما تهوى أنفسنا.وأي سلوك ظاهري عاطفي يعبر عن الحب والميل من قبل أفراد، يفترض أن يأخذ بالحسبان :

أولا :مآلات ذلك على الجماعة التي ينتمي لها الأفراد.
ثانيا : تشخيص خصوصية الزمان والمكان وضرورات المرحلة .
ثالثا : المجتمع الذي ينتمي له وخصوصيته التي تقتضي مراعاتها بما لا يضرب الأطر العامة للاستقرار الاجتماعي وأمنه ، وبما لا يقوض مكتسبات ذلك المجتمع ومنجزاته في صدد التعايش والتسامح .

رابعا: وهو الأهم على الاطلاق : انعكاس أي سلوك على رسالة من يحب وأهدافه ، كون رسالة المصلح وأهدافه تتناسب مع سعة شخصيته ، فحينما يكون شخص وجوده الوظيفي عالمي وهو الكشف عن واقع التشريع  وإزالة الحجب عن عقول البشر للوصول إلى الحقيقة ، وهداية الناس لأقصر الطرق المحقق لسعادتها ، فإن شخصية عالمية بأهداف عالمية كهذه تفرض على الاتباع والمحبين بأن يرتقوا بأدائهم وفهمهم إلى هذه العالمية ، كونهم المؤتمنين عليها أولا ، والمعبرين عنها ثانيا ، والذين يفترض أن يكملوا مسيرة عالميتها ثالثا.

فلا يصبح في هكذا حال مسموحا بالسلوكيات والممارسات غير المنضبطة مع كل هذا الزخم العالمي والعطاء الذي قدمته تلك الشخصية على هذا الطريق.وحتى في دائرة العادات والاعراف والتقاليد والموروث  فهناك معيار في تصنيفها هو العقل والشرع خاصة في تعاطينا مع المعصوم ، ومع رسالته، وهو ما يتطلب منا تقييم منهجي علمي مستديم لكل ما جاء بعد تلك الواقعة والمسيرة ، كي نعيد سيرنا على النهج ونضبط إيقاعه بما يناسب إلهية الحركة ، وقيمة التضحيات التي قدمت لأجلها.

فالمسألة ليست سباق في الحب كمي، وليست عنتريات ولا مزايدات أو مصادرة على المطلوب لأننا :

أولا: نحن كبشر في خندق واحد اليوم مستهدفين في إنسانيتنا ووجودنا الوظيفي من قبل المستبدين والظالمين.
ثانيا:الكم ليس عبرة وحده ، ولكن الكيف له أصالة يتبعه الكم  والجمع بينهما غنيمة.
وهنا صراع بين العقل والعاطفة في ساحات الاستفادة من معين المعركة الخالدة .
فلا نستطيع أن نقدم “نوعا” جافا قاسيا بلا روح يعتمد العقل بالفكرة منهجا خالصا ، ولا نستطيع أن نقدم “كمَّا” سطحيا عاطفيا تفيض به الدمعة دون أن نعي عمق الثورة ودلالاتها ومآلاتها وأهدافها العالمية .

فالمفروض أن لا نعيش هذا الصراع ، والأجدى كيف نقترب من الحقيقة الكاملة ، وكي نفعل يجب أن تتناغم خطاباتنا وممارساتنا وأدواتنا مع متطلبات كينونتنا المتكاملة والمتوازنة بين الوجدان(العاطفة) والعقل.
ففي كربلاء ينقل لنا التاريخ مواقفا قبل الواقعة وبعدها جلاها الفرزدق حينما اختصر المشهد في وصفه للناس ” قلوبهم معك وسيوفهم عليك” ،فكانوا في كربلاء يبكون الحسين عليه السلام رغم مشاركتهم في قتله وتقطيعه وسرقته ، وهو ما يدلل أن المعيار العاطفي ان كان وحيدا في ساحة الإنسان فهو معيار خطير قد يسبب انحرافا خطيرا في واقع الأمة.

لذلك كان الضبط العقلي للفكر والعقيدة والمنهج مطلبا وجوديا حقيقيا ، لأنه سيجعل الناس في معسكر الحسين عليه السلام لا في معسكر عدوه رغم بكائهم عليه. فالفكرة نتاج للعقل ولكن شريطة أن تكون منضبطة المقدمات ويالحة الوسائل لتحقق نتائج صحيحة ، وكلما ارتقت الفكرة ارتقت معها العاطفة لتصبح الفكرة بالعقل مندكة بالعاطفة وترتقي إلى مستوى الوجدان الالهي الشبيه بوجدان الحسين عليه السلام الذي كان يرى كربلاء ساحة للعشق الالهي رغم مأساوية المشهد وكان يردد: ” أرضيت يا رب خذ حتى ترضى ” .وهذا يجلي حالة العاطفة التي انضبطت على طريق العقل والفكرة.

إذا نحن بحاجة “للعقل” و “الوجدان” و “للكم” و “النوع” ، في خطاباتنا وممارساتنا وأدواتنا ومناهجنا وسلوكنا وأهدافنا كي نكون مخلصين لأمرين :
– ١.صاحب الثورة وتضحياته
– ٢.عالمية الثورة وأهدافها

الأدوات والآليات :

دوما ما كنا نقرأ ونسمع عن حاجتنا للتجديد في طرح عاشوراء كشعائر وكخطاب وضرورة المواءمة والعصرنة مع الراهن ، وقد طرحت محاولات عديدة ومهمة في الآليات والأدوات في حركة التطوير ، جلها كمي لا نوعي.
فتم على سبيل المثال لا الحصر استغلال الفضاء مع ثورة الاعلام ، ففتحت الفضائيات كوسيلة لنشر الثورة الحسينية ، وكثرت المجلات التي تناقش ملف عاشوراء وتستفيد منه ، وبات لدينا مسرحا حسينيا يجسد لنا المعركة حسيا.
لكن جل ما سبق مازال يعاني نوعيا مما عانى منه الخطاب المنبري ، من حيث الطرح الشعائري فقط للقضية ، وعدم التدقيق في الواقعة من حيث الأحداث التي حصلت والنصوص التي وردت فيها عن المعصوم عليه السلام . فالسبق إلى الفضيلة مهم  ، لكن العبرة في مدى ما قدمته بعض الأدوات للثورة .

فالفضائيات والمسارح والمجلات التي تحاكي الثورة  أهميتها تحدد من خلال ما قدمته هذه الأدوات من سعة إدراك في وعي الناس ، وما قدمته من قيم ومعايير إلهية يفترض أن تنعكس على سلوك الناس ومدى مواجهتهم للظلم والظالمين ورفضهم للاستبداد، وقدرتهم في الدفاع عن حقوقهم وارسائهم للعدالة وقبولهم لها وللحق ومعاييره.ولا أحد هنا ينكر أي جهد يقدم في سبيل الارتقاء، مهما كان بسيطا شريطة أن تنطبق عليه معايير العقل والشرع.

فالفوضى باسم الشعائر الحسينية ليست فقط مرفوضة عقلا بل شرعا، وما نعنيه بالفوضى هو الاستمزاجات والاستحسانات الفردية التي لا تنطبق عليها معايير العقل والشرع، والتي لمجرد ورودها عن السابقين تحولت لشرعا يُدان به مقدسا فوق النقد والتقييم.

المطلوب هو التنضيج دوما لما يقدم هذه الثورة بطريقة يتم الاستفادة منها كونها ثورة خالدة أصيلة، وهو ما يعني قدرتها على تقديم نموذج دائمي متحرك في كل زمان ومكان.

وهنا تكمن قدرتنا على جعلها كمدرسة حيوية تحاكي واقعنا وتكون قادرة لأن تعالج إشكالياتنا الراهنة لا أن تعمقها وتعقدها من خلال ممارسات منتسبيها. فالحسين عليه السلام خرج للاصلاح الذي  شرَطَه بأنه لا أشرا ولا بطرا .

كلما كانت الأهداف سماوية عالية اعتقد يفترض أن تكون آلياتنا المحققة لتلك الأهداف ترتقي لمستوى سماويتها وعالميتها. فنحتاج لذلك ضبط ومنهجة مستديمتين من خلال التقييم والنقد،وانفتاح أفق دون تحسسات تيارية او حزبية أو مدرسية حوزوية ، بل تحت عنوان اعرف الحق تعرف أهله ويعرف الرجال بالحق ،وعنوان الحكمة ضالة المؤمن . مع قدرتنا على فهم سعة استيعاب الثورة للجميع من خلال تنوع الشخصيات التي انضوت تحت راية الإمام الحسين عليه السلام وسعة استيعابها لكل تلك التنوعات الفكرية والمرجعية. ودون أن يعتقد أحدنا أنه هو فقط حامي الحمى عن الحسين ع ، فحب الحسين اخترق قلوب العالم المسلم وغيره لأنه عالمي وليس مذهبي.

فالعالمية تتطلب رسالة عالمية وأدوات عالمية ، وإلا الاستمرار في مذهبة القضية الحسينية هو قتل لها متجدد،وهي كل متكامل لا يمكن أن يُؤْتي الثمار المرجوة منه في حال تم تجزأته ومذهبته.

الموضوع ليس رفض وقبول لجزئيات هي محل اختيار الناس ومحترمة فلكل طريقته في التعبير، إنما الموضوع في تحويل طرح ثورة عاشوراء من طرح عالمي متكامل إلى طرح شعائري فقط أو شعائري استمزاجي غير منضبط شرعا وعقلا، وهذا لا يعني انتقاصا بالشعائر أبدا ولكن هو اعتراض على اقتصار الطرح فقط بالشعائر أو عدم حتى انضباط الشعائر وفق معايير الشعائر الالهية، ومواءمتها مع ما ذكرناه مقدما.

فلو استطعنا اليوم تطوير الشعائر وفق معطيات العصر الحديث -وهذا طبعا من باب مخاطبة الثورة بلغة الزمان والمكان – ودون أن ندعي مصاديق الشعائر المطلوبة فما ينفع في دولة  قد لا ينفع في دولة أخرى ومع الالتفات لعدم التخلي عن الأصيل فيها والأساسي الثابت. إضافة إلى القدرة على تشخيص المصلحة والمفسدة في ممارسة بعض الشعائر من عدمها وفق معطيات الواقع المحيط.

فلا ضير بما يعبر عن رمزية الحدث ، ولكن أن تتحول عاشوراء فقط إلى رموز أو أي شكل من أشكال التعبير العاطفي وتفرغ من الفكرة والعقل ، هو ما نتمنى أن نبتعد عنه ليس كممارسة شعائرية فقط ، وأنما كمنهج طرح للثورة العاشورائية .

فكل زمان ومكان له ما يناسيه وما يحاكي به الثورة ويطرحها بشكل عالمي وهو ما يتطلب دمج الفكرة مع العاطفة.فإذا ما امتلكنا فكر استراتيجي عاشورائي، استطعنا الخروج برؤية حول الشعائر الأنسب ممارسة في إيصال فكرة عاشوراء بما يتناسب ومقومات الوضع المحيط.

إذا نحن نحتاج واقعا إلى :

١- تطوير المنهج بعد مراجعته مراجعة منهحية علمية موضوعية أحد مراجعها النص الثابت والممارسات المنضبطة عقلا وشرعا.
٢- مناغمته مع الواقع المحيط
٣- طرحه بما يليق بعالميته
٤- الأخذ بالحسبان كلا بعديه العاطفي والفكري
٥- محاكاة وضع البلد وما يناسبه ونحتاج واقعا تقييم مستمر مع الالتفات للمجتمع وليس فقط للفرد وهذا مهم .
الشعائر والاستفتاء الفقهي:

العقل مورد مهم لتشخيص الواقع ومعطياته وتحليلها والخروج بنتائج، فليس كل شيء هو مرد تشريع المتشرع والفقيه المتخصص، فهناك أطر وقواعد يضعها الفقيه تحدد التكليف وتعتمد على المكلف في اعمال عقله للخروج بتكليفه الشرعي في عملية التقليد السليم.فأي خطوة خلل في المقدمات حتما ستتضاعف تراكميا ومعرفيا وعقليا وتنعكس على الخلل في الفهم والتشخيص والحكم لتؤدي إلى خلل في النتائج .

ولاحظت في استقراء الصراعات في كافة أشكالها المعرفية والدينية والسياسية عادة وغالبا ما يكون هناك إفراط وتفريط، فعل ورد فعل ، يغيب واقعا بين هذه الصراعات الخط المتوازن المعتدل وتغيب في هذه الصراعات حقائق كثيرة تبعدنا أميالا عن معرفة الواقع الأقرب للحق والحقيقية ، وتؤخرنا لذلك مسافات زمنية عن تقدم البشرية وتحقيق عدالتها.

لذلك المطلوب من كل نخبنا وخاصة العلماء أن يتمعنوا كثيرا ويتعمقوا أكثر بتجرد وموضوعية وعقلانية وعلمية في طرح المواضيع محل النزاع ، بعد عرض كل الاراء المُفْرِطَة والمُفَرّطَة والفاعلة والمنفعلة كي يستطيعوا ضرب الرإي بالرأي ليخرجوا منه بالصواب ، أخذين في اعتبارهم مصادر المعرفة البشرية ، ومشخصين للواقع بظروفه وحيثياته وقابلياته ومآلاته اجتماعيا وليس فقط فرديا ، بما يحقق العدالة وينهض بوعي الأمة ويبعدها عن الصراعات ويلم شملها ويعمق وحدتها ويفوت الفرصة على المتربصين بها كي لا تكون هذه المواضيع أداة ووسيلة لإشغالنا ولتصارعنا وتفتيتنا وشل وحدتنا . خاصة مع وجود قاعدة الأهم والمهم والمصلحة والمفسدة .

فمثلا في موضوع الشعائر هناك خطوط عامة توردها الشريعة ويشخصها الفقيه ويقع على المكلف تحديد مصاديقها وفق تلك الخطوط والمعايير .فالفقيه حينما يسأله فرد حول ماهية وشرعية بعض الشعائر والممارسات فهو إما :
– ١.يجيب الفرد كفرد دون النظر لشيء أخر وهذه وظيفته.
– ٢.يجيب بطريقة تدفع عنه النقمة الشعبية ويراعي عدم الدخول في فتنة.
.٣ يجيب وفق المدرسة التي ينتمي إليها ، والتي تمتلك معايير وفق الأدلة العقلية والشرعية التي تملكها في تشخيص تلك الممارسات والشعائر، وهو ما يعتبر حجة وفق تلك المدرسة .

فهناك فقه فردي وهو مازال السائد، وما يسعى له كثير من المجددين اليوم من خلال مناهجهم الفتوائية هي الفقه الاجتماعي وهو”فهم النص على ضوء ارتكاز عام يشترك فيه الأفراد نتيجة لخبرة عامة وذوق موحد،وهو لذلك يختلف عن الفهم اللفظي واللغوي للنص الذي يعني تحديد الدلالات الوضعية والسياقية للكلام”.”بحوث اسلامية -: السيد محمد باقر الصدر.”

فأخذ الفقيه في حسبانه البعد الاجتماعي في الفهم وليس فقط الفردي سيغير كثيرا من إدراكه للابعاد والانعكاسات الاجتماعية لجواب الاستفتاء.إضافة أن ليس كل شيء يحتاج الرجوع للفقيه ،لأن الفقيه عادة يطرح للمكلف أسس وأطر وحدود فقهية يستطيع المكلف في حال أعمل عقله قليلا أن يخرج منها بتكليفه.

فبدل أن تكون الفتوى وسيلة للكشف عن الواقع الأقرب للحقيقة ، ولدعم الثورة وعالميتها ، تصبح سلاحا للمذهبة والخندقة والصراع في توصيف الثورة الحسينية وتظهيرها،لتسفك الدماء بالصراعات على مقصلة الثورة التي سفكت بها الدماء لاجل الاصلاح وكرامة الانسان، كي يحيا بعقله وعلمه لا أن يموت بجهله وتعصبه. فالحسين عليه السلام عالميا بكل وجوده وعطائه،وهو ما يتطلب أن نطرحه بما يتناسب مع عالميته أولا، وثانيا بما يحقق وظيفة الحسين عليه السلام الرئيسية وهي:

١- هداية الناس للمطلوب
٢-إحراز ثمرة عاشوراء وأهمها الهداية للحق والقدرة في التمييز بينه وبين الباطل والدفع باتجاه نصرة المظلوم ومواجهة الاستبداد وبذل النفس لاجل الاصلاح والنقد والتقييم. وهو مطلب مستديم في راهننا لأجل التطوير والتكامل والكمال .

لذلك نحن اليوم بأمس الحاجة للنهل من معين الثورة العاشورائية عاطفة وفكرا لتغير واقعنا مع المستكبرين والمستبدين ، وننهض بمجتمعاتنا نحو العدالة من خلال إعادة قولية المعايير والقيم وفق النهضة الحسينية ، والتي تمكننا من النظر للواقع بعين قريبة للعين الحسينية .فحاجتنا للنقد والتقييم حاجة وجودية، فكلما جاءت مناسبة عاشوراء تتجدد الحاجة للتقييم والتقويم، وجود أصوات معتدلة تنقد وتقيم دليل حياة، فلولا هذه الأصوات عبر التاريخ لما تجددت اليات طرح الثورة الحسينية، ولما تطور مفهوم الشعائر ولما تمت غربلة ما لا يصلح وما لا يفيد نهج الثورة ويتلاءم مع مكتسباتها وأهدافها العالمية.فتجديد العهد الذي نقوم به في كل عام يحل فيه موسم عاشوراء ينطبق على الإحياء في النهج ، والتقويم في المنهج والسلوك.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً