أحدث المقالات




إعداد: قاسم قصير (مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر)

 

عن مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر للدارسات والبحوث ودار الملاك صدر كتاب جديد تحت عنوان: "أدبيات التعايش بين المذاهب" للعلامة الشيخ حسين علي المصطفى (من علماء السعودية) وقد أهداه للمرجع الراحل السيِّد محمد حسين فضل الله بعبارات جاء فيها "أيها المعلِّم الذي جاء ليعبِّر عن وجوده في عالمنا من خلال إنسانيته وحضارته وعالميته، فتح للوحدة رمزاً وللتعايش قيمة وللحب مساحة وللحرية متنفساً… إنَّه فضل الله وما هذه الصفحات إلاَّ حبَّات اقتُطِفَت من خطاه".

وأهمية هذا الكتاب اليوم أنَّه يُشكِّل ضرورة وحاجة للمسلمين ولأصحاب الأفكار والأيديولوجيات لأنَّه يُقدِّم لهم دليلاً عملياً حول أساليب الحوار والنقاش وتبادل الآراء، ورغم أنَّ الكتاب يُركِّز على العلاقة بين المذاهب الإسلامية، فإنَّ ما تضمنه من أفكار واقتراحات تصلح للحوار وإدارة الاختلافات بين أتباع الأديان والمعتقدات المختلفة.

وقد قدَّمت مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر للكتاب في كلمة مختصرة جاء فيها: "يحتشد المجال البشري بتنوعات دينية وطائفية ومذهبية غير مسبوقة وتتوالد التيارات السياسية والفكرية والتربوية والاجتماعية في العالم بمتواليات قلَّ نظيرها في التاريخ الإنساني، ويمكن لهذا التنوُّع أن يُشكِّل قاعدة صلبة ووعاءً جامعاً تجري في داخله عملية تفاعل خلاقة بين هذه المكونات إذا أحسن أتباع الديانات والمذاهب إدارة التنوُّع والاختلاف فيما بينهم. وكما أنَّه يمكن أن يكون التنوُّع نعمة على أهل الأرض، يمكن أن يتحوَّل إلى نقمة على أهل الدنيا إذا تحوَّل إلى مادة خلافية تضيق الفضاء الديني… والأديان هي رسائل الله إلى البشر، فهل يمكن أن نلتقي جميعاً على ثوابتها حتى لو اختلفت تفاصيل أدياننا ومذاهبنا وخصوصياتها؟ هذا هو السؤال المركزي الذي يسعى هذا الكتاب للإجابة عنه".

فماذا في مضمون الكتاب وأفكاره؟

ينطلق الشيخ حسين المصطفى في كتابه بداية (ص13) من الحديث "عن ظاهرتين خطيرتين تجتاح العالم اليوم ويجمع بينهما التهاون وانعدام الوعي وهما وجهان قبيحان لعملة واحدة، أحدهما ظاهرة التشهير والتسقيط بين المسلمين، وثانيهما اجتياح ظاهرة التكفير من قبل بعض الجماعات".

وبعد أن يتحدَّث عن تفاصيل هاتين الظاهرتين وخصوصاً من خلال انتشارهما عبر الإنترنت، ينطلق الكاتب لوضع الأسس العملية لمواجهة مخاطر هاتين الظاهرتين من خلال ما يسميه "فقه أدب التعايش".

ويشتمل فقه أدب التعايش على عدة نقاط وهي:

1-                 مفهوم التعايش

2-                 الفقيه والمفكِّر

3-                 غيبة المسلم المخالف

4-                 المسلم المخالف والعدالة

5-                 أصالة الصحة والبعد العقدي

6-                 أصالة الصحة والبعد الأخلاقي

7-                 أصالة الصحة في القانون المدني

8-                 محاكمة العقائد

 

من خلال هذه العناوين يستعرض المؤلف كل الإشكاليات الفكرية والقانونية والعقائدية التي تؤدي إلى "تكفير الآخر" والتعاطي معه بطريقة سلبية ويرد على كل الأسس التي يستدل بها البعض من أجل مواجهة الآخرين ليصل إلى النتيجة التالية والتي تحدث عنها سماحة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله (ص75):" إن الذين يستسهلون طريق القتل حتى ضد المسلمين يعيشون في حالة من الفوضى المفاهيمية التي غالباً ما تقود إلى فوضى سياسية وعسكرية وأمنية، تجعلهم يسفكون الدماء داخل المجتمع الإسلامي بدم بارد حتى قادهم ذلك إلى قتل النساء والأطفال والشيوخ، وعمليات القتل تختلف تماماً عن العمليات الاستشهادية التي تطلق في مواجهة الاحتلال… من هنا فإن ظاهرة التكفير التي تتحرك في أكثر من سياق وبعيداً عن الموازين الشرعية والإنسانية قد استطاعت أن تصنع واقعاً مدمراً في العالم العربي والإسلامي، كما أنها أعطت الفرصة للمستكبرين في العالم لكي يتحرك عنوان الحرب ضد الإرهاب في طول العالم وعرضه".

وفي مواجهة حالة التكفير يقدم الكاتب واستناداً لرؤية السيِّد فضل الله مجموعة من الأفكار العملية والتي تؤكد على احترام التنوُّع الفكري والعمل الجدي للتقريب بين المذاهب ومعالجة الخوف المتبادل والإحباط الموجود لدى البعض.

وفي القسم الثاني من الكتاب يتحدَّث الكاتب عن "التعايش ووحدة الوطن" حيث يستعرض النقاط التالية:

1-            مفهوم الوطن والمواطنة

2-            وثيقة المدينة أو إقرار المواطنة

3-            الموقف الإسلامي من المواطنة

4-            المواطنة وصياغة القانون

 

 وأما القسم الثالث فأتى تحت عنوان "التعامل مع الاختلافات" حيث يتحدَّث حول العنوانين التالية:

1-            كيف نتعامل مع الاختلافات

2-            الأسباب الكبرى للإختلاف

3-            الأسباب الجزئية للإختلاف

4-            كيف نقلل من الخلافات مع الآخرين

5-            إدارة الخلافات

 

وأهمية هذا القسم أنَّه يقدم أفكاراً عملية وتطبيقات ميدانية يمكن إذا ما تم اعتمادها أن نتجاوز الكثير من المشاكل في واقعنا الإسلامي.

وفي القسم الأخير من الكتاب يقدِّم المؤلف تحت عنوان: "لوحات مضيئة" عدة نماذج حول التعايش الحقيقي بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين أتباع الأديان الأخرى وفي اللوحة الأولى نص وثيقة المدينة المنورة التي أعدها رسول الله محمد(ص) للتعايش بين المؤمنين والمسلمين واليهود من قريش ويثرب واللوحة الثانية حول نموذج التعايش المذهبي في الدولة الحمدانية.

واللوحة الثالثة دراسة حول التعايش المذهبي بقلم مفتي مصر العلامة الدكتور علي جمعة.

ومن خلال استعراض هذه اللوحات يؤكد المؤلف على إمكانية تطبيق الأفكار التي طرحها حول التعايش وإدارة الاختلافات سواء بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم من أتباع الديانات الأخرى.

وفي الخلاصة فإنَّ هذا الكتاب يُشكِّل دليلاً ميدانياً وعملياً لإدارة الاختلافات ولتجاوز ظاهرة التكفير ولمعالجة الظواهر السلبية التي يُعاني منها عالمنا الإسلامي بسبب الخلافات المذهبية.

 
 
 
 
 
 




Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً