أحدث المقالات

السيد جعفر فضل الله

ثمّة رموز إسلاميّة لم تكن يوماً إلا مشتركاً إسلاميّاً، بمعنى أنّها تمثّل عناصر القدوة في أعلى مراتبها لكل المسلمين على تنوّع مذاهبهم ومعتقداتهم.

ولكنّ هذا الرمز الإسلامي المشترك نفسه، عندما يحمّل بكثير من إرث الصراع المذهبي الذي عاشه المسلمون عبر التاريخ بأشكال عصبيّة مقيتة، يساهم في حبس الرمز المشترك في إطار المذهبيّة والعصبيّة، بما يؤدّي إلى إبعادها عن مواقع الاقتداء بالنحو الذي تستحقّه، وتحوّله من شخصيّة إسلاميّة جامعة إلى شخصيّة مذهبيّة يتعصّب لها قومٌ، وقد يصل تعصّبهم إلى حدّ الغلوّ، ويعزُف عنها آخرون يتّجهون معها اتّجاه التقصير.

ومن تلك الرموز المشتركة والشخصيّات الجامعة شخصيّة الإمام عليّ (ع). ومن الواضح ـ في أدنى تأمّل للمذاهب الإسلاميّة ـ أنّ عليّاً يمثّل قطب الرحى في افتراق المسلمين، بمعنى أنّ المسلمين عموماً قد افترقوا بسبب اعتقادهم به؛ فمنهم من ذهب إلى أنّه الخليفة بعد رسول الله بلا فصل وأنّه أُبعد عن حقّه الطبيعي، وهو اعتقادنا كمسلمين شيعة إماميّة، ومنهم من ذهب إلى أنّ النبيّ تركها للمسلمين الذين اختاروا أبا بكر فبايعوه خليفةً لرسول الله، وبعض الفرق غالت في عليّ إلى مستوى الكفر، وبعضها كفّرت عليّاً، كالخوارج مثلاً؛ وهكذا..

ولكنّنا لو دقّقنا النظر لوجدنا أنّ بإمكاننا أن نجتمع على تلك الشخصيّة اليوم، وكلماتُها الوضّاءة تعالج أدقّ مشكلاتنا، سواء في الجانب الروحي أو الاجتماعي أو السياسي أو الإداري أو ما إلى ذلك، ولكنّنا عندما حبسناها في إطار قمقمنا المذهبيّ والعصبيّ حجبنا شيئاً من نورها عن الآخرين، ولا سيّما عندما تتعقّد الحالة المذهبيّة أمام الأجيال الصاعدة، كما قد نلاحظه في هذه الأيّام، عندما بلغت الحالة المذهبيّة أوجها.

حتّى ما نعاني به من التكفير اليوم، نجد عليّاً قد عالجه عندما قال: «لا تقاتلوا الخوارج من بعدي؛ فإنّه ليس من طلب الحقّ فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه»، وعندما قال ذلك الخارجيّ: «قاتله الله كافراً ما أفقهه!»، ووثب إليه القوم ليقتلوه، قال عليّ (ع): «رويداً، إنّما هو سبّ بسبّ، أو عفوٌ عن ذنب»؛ هذا كلّه فضلاً عن كيفية تغليبه مصلحة الإسلام والاجتماع الإسلامي على مطالبته بحقّه، عندما وجد أنّ الموقف السلبيّ يُمكن أن يؤدّي إلى ضياع الإسلام والمسلمين، وقال مقولته الشهيرة: «لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلى عليَّ خاصّة».

مهما كانت عقيدتنا في مسألة الخلافة، فإنّنا اليوم نحتاج إلى أن نطلق عليّاً، الفكر والروحانيّة والذهنيّة والمنهجيّة، إلى كلّ واقعنا الإسلاميّ؛ فلا يجد المسلم السنّي حرجاً في أن يأخذ من عليّ (ع) بحجّة أنّ المسلمين الشيعة يعتقدون أنّه الخليفة الأوّل بعد رسول الله، ولا يرى المسلم الشيعي أنّ عليّاً (ع) خاصّته لأنّه في اعتقاده الخليفة، فيكفّ بذلك عن تلمّس كثير من الجوانب التي تنفع المسلمين، ونخرج بعليّ (ع) من دائرة تسجيل النقاط على بعضنا البعض؛ لأنّ عليّاً (ع) لا يسجّل إلا لمصلحة الإسلام.. وعند ذلك قد نستطيع أن نقترب من بعضنا البعض أكثر، كمسلمين اختلفنا في تقييم الأمور التي حصلت في التاريخ، ويُمكن لكل فريق أن يتوقّع ما الذي يُمكن أن يكون قد تغيّر لو كان الواقع على خلاف ما آلت إليه الأمور، ولكنّنا اليوم نعيش حاضرنا، ولا ينبغي أن يؤثّر خلافنا العقيدي أو الكلامي على أن ننهل من ذلك المعين الذي لم ينبع إلا من القرآن ومن علم رسول الله (ص)؛ والله من وراء القصد.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً