أحدث المقالات
 

"احترمواعقولكم، ولا تجعلوا بعض النَّاس يعيشون على غبائكم…". بهذه الكلماتللفقيه المجدِّد، سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(ره)، قدَّم مديرالمركز الإسلامي الثَّقافي، السيِّد شفيق الموسوي، كتاب "ظواهر ليست منالدّين"، لمؤلّفه سماحة الشّيخ حسين الخشن. وقد اعتبر السيِّد الموسوي أنَّ "الفراغ الفكري والرّوحي والعقائدي الّذي يجتاح الأوساط الشعبيَّة، وبعضالأوساط التي تدّعي العلم والثّقافة والوعي، دفعهم، وكمحاولةٍ للخروج منمشاكلهم الحياتيّة والعاطفيّة، أو حبّاً في معرفة المستقبل، إلى اللّجوءإلى من توهّموا أنَّهم يحقّقون لهم أهدافهم فيما يرغبون بتحقيقه، فلميحصدوا إلا الهواء، علماً أنّ من لجؤوا إليهم قد استطاعوا ابتزازهممادّيّاً، إضافةً إلى اللَّعب على عقولهم وعواطفهم".

تمهيد:
بدايةً،يردُّ سماحة الشَّيخ حسين الخشن انتشار جملة من المفاهيم العقيديَّةالمحرَّفة والمزوَّرة إلى انكفاء علم الكلام عن القيام بوظيفته الأساسيَّةفي التَّجديد، وأيضاً في الرَّصد المستمرّ للمفاهيم الدّخيلة والأفكارالمشوّهة، وغربلتها وتصحيحها، ووضع الحدود الفاصلة بين الحقائق والأوهام،والمقدّس والنّسبي، والثّابت والمتغيّر
وقد خصّص الشّيخ الخشن دراستههذه، ليتناول جملةً من المفاهيم المزوّرة والاعتقادات الدّخيلة التي ألبستلبوساً دينيّاً، ليُبيّن موقف الإسلام من هذه المعتقدات، ويوضح بعضالمفاهيم الملتبسة التي أعاقت نهوض الأمّة وتطوّرها. وقد ضمّت الدراسةمفردات من قبيل: "التنبّؤات الفلكيّة، نحوسة الأيّام، التّشاؤم أوالطِّيَرة، الرّقى والأحراز، الإصابة بالعين، الحظّ والنّصيب"، وغيرها منالمفردات التي أُضفي عليها طابع ديني، وساد الاعتقاد بها في الأوساطالشعبيَّة وغير الشعبيّة على امتداد العالم.
في القواعد العامّة:

يركّزالشّيخ الخشن قبل البدء بدراسته، على بعض القواعد الّتي تحكم عمليّة البحثفي مجموعة المفردات المطروحة أعلاه، وتُشكّل مدخلاً أساسيّاً لدراستها
أ ـ هاتوا برهانكم:

فالقاعدةالأولى تؤكِّد أنَّ معيار الإيمان وعدمه هو الحجّة والبرهان: {قُلْهَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:111].
ب ـ الوحي والعقل والعلم:

القاعدةالثَّانية تتمحور حول بيان الدَّليل، ففي حين يصرّ البعض على اعتبارالتَّجربة العلميَّة مرجعيّةً وحيدةً في محاكمة هذه المعتقدات، يؤكِّدالشَّيخ الخشن أنَّ للعلم الدَّور الكبير في الكشف عن بعض هذه المعتقدات،ولكنَّه يرفض أن يكون هو المرجعيّة الوحيدة على هذا الصَّعيد، ويعلّل ذلكبأنَّ بعض القضايا لا مجال لاختبارها من خلال الوسائل العلميَّة التقنيَّة


ج ـ لا يعلم الغيب إلا الله:

القاعدةالثّالثة تقول: "إنَّ علم الغيب هو بيد الله وحده"، وما عدا الله عزّ وجلّلا أحد يعلم الغيب، إلا من قد يمنّ الله عليه ويصطفيه، فيطلعه على بعضالمغيّبات. ويؤكِّد الشَّيخ الخشن هذه القاعدة، منطلقاً في دراسة بعضالمعتقدات الّتي يزعم أصحابها أنَّهم يكشفون عن الحوادث قبل وقوعها، وهيمزاعم تلقى صدى واسعاً لدى جمهور عريض من النَّاس.


د ـ اعتماد منطق الأسباب والمسبّبات:

القاعدةالرّابعة، قوامُها ضرورة رعاية القوانين الطبيعيَّة، واعتماد منطق الأسبابوالمسبّبات، لأنَّ الكون، كما يؤكّد الشّيخ الخشن، "تحرّكه ـ كما أرادالله ـ جملة من القوانين، وتحكمه رزمة من المبادئ التي لا تتخلّف… وكلّمحاولة لتجاوز هذه القوانين أو القفز فوقها وتخطّيها، ليست سوى محاولةللبقاء في مستنقع التخلّف والجهل، حتى لو تمّ تغليف تلك المحاولة بغلافٍديني". ويتابع الشيخ الخشن بأنّ أبلغ وأعظم جناية على الدّين، هي وضعه فيمقابل السّنن والقوانين الحاكمة على هذا الكون…".
ولذلك، يتطرَّقالشّيخ الخشن إلى مجموعةٍ من المفاهيم التي توضح المعنى الأخير، فيتحدّث فيعنوانٍ أوّل عن القرآن وقانون العليّة، فيبيّن أنّ المنطق القرآنيّ، ومنخلال العديد من الآيات القرآنيّة، يؤكّد قانون العلّيّة، وإسناد الظّواهرإلى أسبابها الطّبيعيّة، ما يعني "أنّ مبدأ العليّة أو السّببيَّة، ليس فقطلا ينافي التَّوحيد، بل يؤكِّده وينسجم معه".


ويتوقّففي عنوانٍ ثانٍ ليميِّز بين مفهومي التوكّل والتّواكل، وهنا يشير إلى ماتعرّض له مبدأ التوكّل من التّحريف لدى البعض، بحيث خُيّل إليهم أنَّالتوكّل يتنافى واللّجوء إلى الأسباب الطبيعيّة، "ما مهّد لانتشار ثقافةالاستشفاء بالأحراز أو القرآن، وطلب الرّزق أو النّصر بمجرد الدّعاءوالتوسّل، بعيداً من الأخذ بأسباب ذلك".


ويمثِّلالعنوان الثَّالث، وهو النّظرة التّبخيسيّة للدّنيا، إحدى علامات التشوّهالمفاهيمي وأماراته الّتي أشاعت روح الاتكاليّة، وسمحت بتسرّب المعتقدات أوالعادات التي تستغلّ الدّين وتوظّفه بطريقةٍ سلبيّة، فالقراءة الخاطئةللمأثورات الدينيّة التي تُزهّد في الدّنيا وتذّم التعلّق بها، أسّستلنظرةٍ تفاضليةٍ بين علوم الدّين وعلوم الدّنيا، إلى حدّ التّبخيس من شأنعلوم الدّنيا، الأمر الّذي يخالف المنطق القرآني، حسبما يؤكّد الشيخ الخشن.


وربطاًبقانون العليَّة، يتحدَّث الشَّيخ الخشن أيضاً عن الأسباب النَّفسيَّة،الّتي يكشف الالتفات إليها بعض الألغاز، فيقول: "إنَّ ثمة ترابطاً واضحاًوجليّاً من النَّاحية العلميَّة بين الوضعيَّة النَّفسيَّة للإنسان والجهازالعصبيّ.. والحالات النّفسيَّة كما تؤثّر سلباً في صحّة الإنسان، فإنّهاتؤثّر فيها إيجاباً.. وعلى ضوء ذلك، يتَّضح سرّ التَّأثير الّذي تتركه بعضالأمور الّتي لم تثبت واقعيَّتها، سواء أكان تأثيراً إيجابيّاً، كما فيالاستشفاء بآيات القرآن.. أم تأثيراً سلبياً، كما في تأثّر الشَّخص المعتقدبصيبة العين…".


ومن ثمّ ينتقل الشَّيخالخشن إلى دراسة تفصيليَّة لأهمّ المفردات الّتي ذكرت أعلاه، والّتي لا صلةلها بالدّين، فيناقشها، ويدلّل على وهنها وضعفها، وعدم ارتباطها بالدّين،لا من قريب ولا من بعيد.


المفردة الأولى: التنبّؤات الفلكيّة واستطلاع المغيّبات
يحاولالشّيخ الخشن من خلال هذه المفردة، أن يفسّر ظاهرة التّنبؤات الفلكيَّة،وسبب إقبال النَّاس عليها، حتّى المتديّنين والمتعلّمين منهم، هذه الظّاهرةالتي، وعلى الرّغم من التطوّر العلميّ، ما تزال منتشرة وبقوّة، لافتاً إلىمساهمة وسائل الإعلام في ترويجها، "حتى أصبحنا اليوم أمام "نجوم" منالمتنبّئين، الّذين غدا لكلّ واحدٍ منهم جمهور عريض يرجعون إليه ويستفتونهحول ما تخبّئه لهم الأيّام وينتظرهم في قادم الزّمان، فيما يتَّصل بحياتهمالشخصيَّة والعائليَّة والاجتماعيَّة…".
لا يجد الشّيخ الخشن سبباًمقنعاً لانتشار هذه الظَّاهرة ـ حتّى في أوساط المتعلّمين ـ سوى قلقالإنسان على مستقبله، وهو ـ أي القلق ـ "ما يحفِّز الإنسان ويدفعه إلىاستطلاع المغيّبات بشتّى الطرق والوسائل"، إضافةً إلى ضعف الإيمان باللهتعالى. وبعد ذلك، يُعرِّج على المتنبّئين الّذين تعدَّدت أصنافهم ومصادرهم،فمنهم من يدّعي الإلهام، ورؤية صور معيَّنة في حال اليقظة. وفي هذاالإطار، يقول الشَّيخ الخشن: "إنّ دعاوى الإلهام والإيحاء هي دعاوى فارغة،ولا دليل على صدقيّتها، ولا يمكن التّعويل عليها ولا تصديق أصحابها".


ومنهممن يمتلك الفطنة والذّكاء في التعرّف إلى أحوال الآخرين، من خلال ما يسمّىفراسة العين. ومما يقوله الشَّيخ الخشن في هذا الإطار: "إنّ الاعتماد علىفراسة العين هو طريق ظنّيّ ولا حجيّة له شرعاً، ولا سيَّما إذا أُريدالاستناد إليه في اتّهام الآخرين". ويعرب سماحته عن استغرابه لجهة أنَّالبعض من هؤلاء المتنبئين "لا ينتظر إلى أن يلتقي بالأشخاص ليتنبّأ لهم،إنّما يكتفي بسماع أصواتهم ولو عبر جهاز التّلفون".


وأيضاًمن أصناف المتنبّئين من يدّعي الاتّصال بالجنّ، وهنا يؤكِّد الشّيخ الخشنأنّ الجنّ هو حقيقة قرآنيّة، ولكنَّه يُبيّن أنَّ فرصة التَّواصل الثّابتةقرآنيّاً فيما بين الإنس والجنّ، هي الوسوسة التي يمارسها الجنّ تجاهالإنسان. ويبدي استغرابه مما صدر عن بعض الفقهاء من فتاوى حول مشروعيَّةالزَّواج بالجنّ وغيرها من الأمور الغريبة.. كما يؤكّد استناداً إلى الآياتالقرآنيّة، أنَّ الجنّ لا يعلمون الغيب.


وعنالموقف من زعم البعض أنَّ بإمكانهم تسخير الأرواح واستعلام المغيّبات،يقول الشّيخ الخشن: "إنّ تسخير الأرواح أمر غير ثابت، لأنَّ الرّوح بعدانفصالها عن الجسد بسبب الموت، تدخل في عالم البرزخ"… و"إنّ الرّوح ـ علىفرض أنّه يمكن التَّواصل معها ـ لا تعلم الغيب، لأنَّ الغيب لا يعلمه إلاالله". ويفسّر الشّيخ الخشن  بعض الأحداث التي تقع، حيث يتمّ تحضير الرّوحبواسطة الفنجان أو التقمّص في جسد الأطفال والنّطق على لسانهم، فيقول: "هناك احتمال أنَّ ما يجري ليس واقعاً، وإنَّما هو محض تخيّلات وتلاعببأبصار الحضور…"، وقد يكون من مصائد الشَّيطان ومكائده، بهدف إضلالالإنسان وإرباك حياته..


وهناك طريق قد يكونالأكثر شهرةً في عالمنا اليوم، هو طريق التّنجيم، فالمنجّمون، كما يزعمون،يستندون في إخباراتهم وتوقّعاتهم إلى النّظر في النّجوم والأفلاك،لاعتقادهم أنَّ لها تأثيراً في مصير الإنسان. وفي هذا الصَّدد يقول الشّيخالخشن: "هناك نوع من التّأثير الطبيعيّ للنّجوم لا شكّ فيه، وهو تأثيريرتكز على أسس وقواعد مفهومة تحكم النّظام الكوني… ولذا، فالنَّظر إلىالكواكب لمعرفة تأثيراتها التّكوينيَّة أمر جائز، بل مطلوب.. ولكن ثمة نوعٌآخر من اعتقاد التّأثير مرفوض، ولا يمكننا القبول به، وهو الاعتقاد بأنّللنّجوم تأثيراً في حياة الإنسان". ولذلك، يؤكِّد الشيخ الخشن أنّ إخباراتالمنجّمين لا قيمة لها، ولا يجوز تصديق المنجّم فيما يقول.
كما يرى أنّاستطلاع الغيب بواسطة القرآن يمثّل طريقاً يستخدمه البعض في الكشف عنالأحداث والتنبّؤ بها، وهذا الأمر الّذي يختلف عن الاستخارة في مضمونهوهدفه، ليس طريقاً شرعيّاً، ويعدّ استخدام القرآن الكريم في التنبّؤبالمغيّبات وقراءة المستقبل، توهيناً للقرآن وتحريفاً لمقاصده.


المفردة الثّانية: نحوسة الأيّام وسعودتها
يطلّالشّيخ الخشن في هذه المفردة على ظاهرةٍ يتلاقى عليها معظم النّاس، وهيظاهرة نحوسة الأيام وسعودتها، بحيث توصف بعض الأيّام بأنّها أيّام نحس،وأخرى بأنّها أيّام سعد، ويتمّ التّعامل مع الأولى بطريقةٍ تشاؤميّةٍسوداويّة، ومع الثّانية بطريقةٍ احتفاليَّة… وينطلق الشّيخ الخشن ليُبيّنحقيقة النّحوسة، عارضاً لقيمة الزَّمن في التّصوّر الإسلاميّ ومسؤوليَّةالعمر، فالزّمن بمثابة الورق الّذي يتلقّى ويتقبّل كلّ ما يكتبه أو يسجّلهالإنسان في صفحاته، وربما يكون التَّفسير الوحيد لما يفعله الإنسان من ذمّالزّمان، هو محاولة التَّخفيف أو التهرّب من مسؤوليّته عمّا ارتكبه فيه منأخطاء. ومن ثمّ عرض للنّصوص القرآنيّة والرّوايات الواردة في نحوسةالأيّام، مؤكّداً "أنّ تساهل الفقهاء إزاء الرّوايات المذكورة حول نحوسةالأيّام، وتعاملهم معها على أساس قاعدة التَّسامح في أدلّة السّنن، كان لهمحاذير نفسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة".


المفردة الثّالثة: التّشاؤم: عادة جاهليّة رفضها الإسلام
وفيهذه المفردة، يوضح الشَّيخ الخشن أنَّ مفهوم التّشاؤم أو ما يُعرفبالطِّيرة، هو واحد من المفاهيم المتشكّلة خارج الفضاء الدّينيّ، وهواعتقاد قديم أعاق تطوّر الإنسان وتقدّمه. ويعرض في هذا الصّدد لموقفالإسلام من التَّشاؤم فيقول: "والإسلام في موقفه الصَّارم من الجهل وكلِّما يعيق تقدّم الإنسان ونموّه، وفي حرصه الشّديد على أن تسير الحياة وفقمنطق السّنن والقوانين، وقف موقف الرّافض لهذا الاعتقاد الجاهلي، لأنَّهاعتقاد غير مبني على علم، أو معتمد على حجَّة أو دليل، بل إنَّه اعتقادمعيق لتقدّم الإنسانيَّة". ويشير ضمن العنوان نفسه، إلى أن لا واقعيّةللتّشاؤم، و"أنّ القضيَّة لا تعدو أن تكون حالة نفسيَّة بحتة يعيشهاالشَّخص بحكم اعتقاده بوجود رابط بين ما يواجهه من أسباب التّشاؤم، وفشلهفي عمله وسفره… وهذا الاعتقاد المتجذِّر في النَّفس قد يؤثِّر في توازنالشّخص، ما قد يؤدّي إلى فشله". ويطرح الشَّيخ الخشن علاجاً للتَّشاؤمقوامه تأكيد مبدأ الارتباط بالله والتّوكّل عليه، ومخالفة ما يقتضيهالتّشاؤم وعدم الانسياق معه.


المفردة الرّابعة: مفهوم الحظّ في الميزان الإسلامي
يفصّلالشَّيخ الخشن ضمن هذه المفردة مفهوم الحظّ، الّذي يعتبر أيضاً من ضمنالمفاهيم المتشكّلة خارج الإطار الدّيني، وهو مفهوم "يحتجّ به الكثيرونلتبرير إخفاقاتهم في الحياة، سواء على المستوى الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ أوالسّياسيّ…"، فيُبيّن موقف الإسلام من الاعتقاد بالحظّ، ومما جاء فيكلامه: "إنَّ الحديث عن الحظّ كما لو كان قدراً يرسم مصير الإنسان ويحدّدمساره، بعيداً عن إرادة الله سبحانه وتخطيطه، أمر مرفوض في المنطقالإسلاميّ، بل إنّ الاعتقاد بذلك يحمل شائبة الشِّرك بالله، فليس ثمّة شيءمؤثِّر في هذا الكون خارج إرادة الله". ويؤكِّد: "أنّه ليس في منطق العلمشيء اسمه الصّدفة أو الحظّ، وإنّما هناك القوانين الكونيَّة والسّننالإلهيَّة التي يُعدُّ كلّ من وُفّق للأخذ بها فائزاً، وسيكون النَّجاححليفه ولو كان فاجراً أو كافراً، ومن تخلَّف عنها فقد هوى، وإن كان مؤمناًتقيّاً".


المفردة الخامسة: الإصابة بالعين بين الحقيقة والخرافة
يعالجالشَّيخ الخشن ضمن هذه المفردة، معتقداً هو مثار جدل كبير، ولا يزالمنتشراً في مختلف الأوساط ولدى كافَّة الشّعوب، وهو "الاعتقاد بالعين". وبعد أن يعرِّفه، يؤكِّد الشَّيخ الخشن أنَّ صيبة العين، وعلى فرض صحَّتها،تحصل من ذوي النّفوس الخبيثة الّتي يتملَّكها الحسد، ويسيطر عليها الشّعوربالنَّقص. وقد عمد الشَّيخ الخشن إلى بيان حقيقة تأثير العين، معدِّداًثلاثة تفاسير تحاول شرح هذا التَّأثير، وهي: التَّفسير الاتّفاقيّ،التَّفسير المادّيّ، والتَّفسير الإنسانيّ. ومن ثم يُبيِّن الموقفالإسلاميّ من هذه القضيَّة، بأنَّه ليس هناك سندٌ إسلاميّ يبعث على اليقينأو الاطمئنان بواقعيَّة الإصابة بالعين، مفنِّداً آراء البعض ممن يحاولونإثبات صحَّة هذا الاعتقاد من خلال القرآن الكريم والرِّوايات، خالصاً إلىأن لا دليل حاسماً يقطع الشّكّ باليقين في أمر العين وتأثيرها، دون أن ينفيإمكانيَّة التّأثير، لأنَّ النّفي يحتاج إلى دليل كما الإثبات، واضعاً هذهالقضيَّة في دائرة الإمكان الشَّرعيّ.


المفردة السَّادسة: التَّداوي بالقرآن والأحراز و"الطّبّ النّبويّ"
يوضحالشَّيخ الخشن ضمن هذه المفردة اعتقاداً خاطئاً وشائعاً في مسألةالاستشفاء والتَّداوي، اعتماداً على نظرةٍ خاطئةٍ وفهمٍ مبتورٍ لبعض الآياتالقرآنيَّة والرّوايات التي تؤكِّد ضرورة اللّجوء إلى الله سبحانه، وطلبالعون منه. وهنا، يعود سماحته ليؤكِّد مسألة القاعدة القرآنيَّة العامَّة،الّتي تقول إنَّ سُنّة الله جرت على ارتباط المسبِّبات بأسبابها وفق قانونالعليَّة الحاكم على هذا الكون، آخذاً على بعض العلماء اعتبارهم مسألةالتّداوي والتطبّب قضيّة غيبيّة تعبديّة، وإشكالهم على مراجعة الأطبّاء فيهذا الخصوص، وقد سجّل تحفّظه عمّا يصطلح عليه بالطّب الدّيني والرّوحاني أوالدّواء الشّرعي، لأنَّ الشّرع ليس له أدويته الخاصّة فيما يرتبط بصحَّةالإنسان، والمرجع في هذا الأمر هم أهل الخبرة من الأطّباء المختصّين،ويدلّل على أنّه لا تعبّد في مثل هذه القضايا لجهة استعمال الدّواء أوتشخيص الدّاء، من خلال ما جاء في سيرة النّبي(ص) وأهل البيت(ع)، عازياً سببتأخّر المسلمين في الطّب بعدما كانوا روّاداً في هذا المجال، إلى أنّ فكرةالطّب التعبّدي سادت بينهم.

الخاتمة 
تأتيهذه الدّراسة التي جاءت في 128 صفحةً من القياس الوسط، لتسلّط الضّوء علىبعض المفاهيم التي تشكَّلت خارج الفضاء الدّيني، وأُلبست لبوساً دينيّاً،ولتنزيه ساحة الدّين من تبعات هذه المفاهيم الّتي تمثِّل استهانةً بالعقل،واستخفافاً بالعلم، وتجاوزاً لتعاليم السَّماء، وكمحاولةٍ لنشر الوعي وقطعالطّريق على الّذين يحاولون ترسيخ التخلّف في المجتمع.


Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً