أحدث المقالات

د. الشيخ عصري الباني(*)

مقدّمةٌ

هناك نوعان من الشؤون:

الأوّل: ما يرتبطُ بالأمور الشخصيّة التي تخصّ الأفراد، والتي هي في أُفُق السرّ، فهي شؤون شخصيّة، وهذه الأمور لا يجوز كشفها ولا يجوز طرحُها. وإذا كان ذكرُها يُسبّب خَطَراً أو يُسبّب انتقاصاً أو يُسبّب خَلَلاً لسُمعة الإنسان أو لمصالح الإنسان أو لحياة الإنسان المؤمن فلا يجوز ذكرها أبداً بهذه العناوين. وهذه الأمور هي التي تحدّث عنها قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ (الحجرات: 12).

الثاني: ما تكون شؤون الشخص مرتبطة بالمشروع الديني، عند ذلك لا تدخل تحت عنوان أكل لحوم الآخرين، بل على العكس يجب وجوباً قطعياً أن تُكشف الحقائق. ولكنْ لا بُدَّ أن تكون بالأساليب المناسبة، وبالأدلّة والبراهين الواضحة؛ إذ ليس الهدف أن يكون الإضرار بشخصٍ لأنّه هو ذلك الشخص، بل القضيّة مُرتبطةٌ بأصل الدين وبمشروعه.

فهُناك دينٌ، وهناك أنا. وعليه فكُلّ الأمور تُقاس وفقاً لهذا الأصل. ومن هنا لا بُدَّ أن ندور في فناء هذا الأصل. وهذه القضيّة تختلفُ من زمنٍ إلى زمنٍ، ومن مكانٍ إلى مكانٍ، ومن شخصٍ إلى شخصٍ، ومن مُجتمعٍ إلى مُجتمعٍ، بحَسَب الإمكانات المتوفّرة، وبحَسَب المعوّقات الموجودة، وبحَسَب الظروف والمُلابسات (السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة).

وفي هذا الاتّجاه يجب أن ننقد الواقع الذي يقف عائقاً في نشر الدين الصحيح حينما تكون منابع الفكر في الساحة الإعلاميّة والتعليميّة وفي الساحة الثقافيّة تُغذّي الناس وتقودهم إلى نتيجةٍ مُناقضة ومُضادّة لما تريده مدرسة أهل البيت^. فنحن لا نريد أن يكون ما يؤسِّسه هذا الفكر من أدبيّاتٍ مدخلاً ومنطلقاً للانحرافات ـ التي وقعت وما زالت تقع وستقع ـ ما لم ننهَضْ لتصحيح هذه المفاهيم المغلوطة؛ حتّى نحفظ ديننا من التحريف.

فلا بُدَّ أن نعرف شخصيّاتنا، ولا بُدَّ أن نُسلِّط الضوء على هذه الرموز، فننتفع من صوابها، وكذلك ننتفعُ من أخطائها؛ كي نتجنَّب الأخطاء. فكلُّنا نخطئ ونُصيب، لكنّ صواب العالِم شيءٌ عظيمٌ يقود إلى الهدُى، وخطأُ العالم شيءٌ عظيمٌ يقودُ إلى الضلال أيضاً؛ فزلَّة العالم كخرق السفينة، والسفينة تَغْرَق وتُغْرِق مَنْ فيها.

الإشكالات النقديّة على كتاب (فدك في التاريخ)

هو كتابٌ تاريخيّ تحليليّ، بحث فيه السيد محمد باقر الصدر& مسألة أرض فدك، التي انتزعها أبو بكر بن أبي قحافة من السيدة الزهراء÷ عقب وفاة النبيّ الأكرم|. وقد ناقش فيه أيضاً بعض المسائل الفقهية لكبار علماء الشيعة الإمامية بهذا الشأن. وذكر السيد الصدر في مقدّمة كتابه أنّه اغتنم فرصة عطلة الدراسة في حوزة النجف الأشرف ليدرس مشكلةً من مشاكل التاريخ الإسلاميّ، وهي مشكلة فدك، والخصومة التاريخية التي قامت بين السيدة فاطمة الزهراء÷، بنت رسول الله|، وبين الخليفة الأوّل أبي بكر بن أبي قحافة. وكان عمر السيد الصدر& آنذاك أقلّ من عشرين عاماً؛ حيث طبع الكتاب لأوّل مرّةٍ سنة 1374هـ، وعمره حينئذٍ كان عشرين عاماً. وقد صرّح في مقدمة الكتاب أنّ الكتاب بقي مخطوطاً عدّة سنين قبل طباعته([1]).

وعندما نرجع إلى الكتاب نجده في بعض المواضع بعيداً عن الرؤية واللغة الشرعية الأصيلة لمدرسة أهل البيت^، وهو ما يوجب علينا التصدّي لمراجعة الأفكار التي جاءت في الكتاب، ونقدها وتصحيحها.

وسنقوم بذلك من خلال الإشارة إلى مجموعة من المباحث:

الأوّل: تلقيب الشيخين بألقاب الأئمّة (عليهم السلام)

وهذا ما حدث منه كراراً. ونشير إلى نماذج من ذلك:

أـ لقب الصديق والفاروق

قال: «تلك هي خلافة الصدّيق (رضي الله تعالى عنه)…»([2]).

قال: «وكان الدَّوْر الفاطمي يتلخّص في أن تطالب الصدّيقة الصدّيق…»([3]).

قال: «أرسل الفاروق…»([4]).

قال: «وقد توافقني على أن مقام الصدّيق والفاروق (رضي عنه الله)…»([5]).

ولقب الصدّيق والفاروق من ألقاب أمير المؤمنين×، لا يدّعيها إلاّ كاذبٌ. وهو ما جاء في مجموعةٍ كبيرة من الروايات، نشير إلى بعضها:

1ـ عن عباد بن عبد الله، عن عليّ× أنه قال: (أنا عبد الله، وأخو رسوله، وأنا الصدِّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كذّابٌ، صلَّيْتُ قبل الناس بسبع سنين)([6]).

ورواه بهذا اللفظ من العامّة: ابن ماجة([7])، والحاكم([8])، وابن أبي شيبة([9])، والضحّاك([10])، وابن أبي عاصم([11])، وغيرهم.

قال الكناني الشافعي: «هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيح، رِجَاله ثِقَات. رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُسْنده من طَرِيق أبي سُلَيْمَان الجهيني عَن عَليٍّ، فَذكره، وَزَاد: لا يَقُولهَا قبلي. وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر فِي مُسْنده من طَرِيق أبي يحيى، عَن عَليّ بن أبي طَالب، بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه… وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من طَرِيق الْمنْهَال بن عَمْرو بِهِ، وَقَالَ صَحِيحٌ على شَرط الشَّيْخَيْنِ. انْتهى»([12]).

2ـ صحيحة المفضَّل بن عمر، عن أبي عبد الله× قال: «…وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيراً ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنّة والنار، وأنا الفاروق الأكبر…، الخبر»([13]).

3ـ عن سُلَيْم بن قيس قال: صعد أمير المؤمنين× المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «أيها الناس…، وأنا الصدّيق الأكبر، والفاروق الذي أفرق بين الحقّ والباطل…، الخبر»([14]).

4ـ سُئل×: كيف أصبحْتَ؟ فقال: «أصبحْتُ وأنا الصدّيق الأوّل والفاروق الأعظم…، الخبر»([15]).

5ـ عن الحكم بن الصلت، عن أبي جعفر× قال: قال رسول الله|: «خذوا بحجزة هذا الأنزع، يعني عليّاً؛ فإنه الصدّيق الأكبر، وهو الفاروق، يفرق بين الحقّ والباطل…، الخبر»([16]).

6ـ عن أبي الصامت الحلوائي، عن أبي جعفر× قال: «…وقال أمير المؤمنين: أنا قسيم الجنّة والنار لا يدخلها داخلٌ إلاّ على أحد قسمين، وأنا الفاروق الأكبر…، الخبر»([17]).

7ـ عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قلتُ: يا رسول الله، أرشدني إلى النجاة، فقال: «يا بن سمرة، إذا اختلفت الأهواء، وتفرّقت الآراء، فعليك بعليّ بن أبي طالب؛ فإنه إمام أمتي، وخليفتي عليهم من بعدي، وهو الفاروق الذي يميِّز بين الحقّ والباطل…، الخبر»([18]).

8ـ عن أبي سخيلة قال: أتيتُ أبا ذرّ&، فقلتُ: يا أبا ذرّ، إني قد رأيتُ اختلافاً، فبماذا تأمرني؟ قال: عليك بهاتين الخصلتين: كتاب الله؛ والشيخ عليّ بن أبي طالب×؛ فإني سمعتُ رسول الله| يقول: «هذا أوّل مَنْ آمن بي، وأوّل مَنْ يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل»([19]).

9ـ عن ياسر الخادم، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ^، قال: قال رسول الله| لعليٍّ×: «…يا عليّ، أنت الفاروق الأعظم، وأنت الصدّيق الأكبر…، الخبر»([20]).

وأما السبب في تسمية عليّ× بالفاروق فلفرقه بين الحقِّ والباطل، والحلال والحرام، والمؤمن والكافر، والصادق والكاذب. وبالجملة هو الفارق بين كلِّ ضدَّيْن على الإطلاق، وليس لأحدٍ من الأمّة غيره هذه الفضيلة. وكونه الفاروقَ الأكبر لأنّه أكبر أئمّة الهدى وأعظمهم في ذلك؛ من حيث إنّ إنكاره يوجب إنكارهم، والإقرارَ به يؤدّي إلى الإقرار بهم؛ ومن حيث إنّه إمامٌ لهم، وليس أحدٌ منهم إماماً عليه.

وأما السبب في تلقيب أبي بكر وعمر بالصدّيق والفاروق فتبيِّنه رواية سُلَيْم بن قيس أنه جلس إلى سلمان وأبي ذرّ والمقداد في إمارة عمر بن الخطّاب، فجاء رجلٌ من أهل الكوفة، فجلس إليهم مسترشداً، فقالوا له: «عليك بكتاب الله فالْزَمْه، وعليّ بن أبي طالب؛ فإنه مع الكتاب لا يفارقه. وإنا نشهد أنا سمعنا رسول الله| يقول: «إن عليّاً مع القرآن والحقّ، حيثما دار دار. إنه أوّل مَنْ آمن بالله، وأوّل مَنْ يصافحني يوم القيامة من أمّتي، وهو الصدّيق الأكبر، والفاروق بين الحقّ والباطل، وهو وصيّي ووزيري وخليفتي في أمّتي، ويقاتل على سنّتي»، فقال لهم الرجل: فما بال الناس يسمّون أبا بكر الصدّيق، وعمر الفاروق؟! فقالوا له: «نحلهما الناس اسمَ غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله| وإمرة المؤمنين، وما هو لهما باسمٍ؛ لأنه اسمُ غيرهما. إن عليّاً لخليفة رسول الله| وأمير المؤمنين. لقد أمرنا رسول الله| وأمرهما معنا فسلَّمنا على عليٍّ× بإمرة المؤمنين»([21]).

وهنا نسأل: ما هي الحاجة لتسمية أبي بكر صدّيقاً؟! فكونه صدّيقاً يعني أنه لا يكذب، وعليه فإنه عندما ادّعى أن رسول الله| قال: «إنّا معشر الأنبياء لا نورِّث. ما تركتُ بعد مؤنة عاملي ونفقة نسائي صدقة»([22]) فإنه بذلك سيكون صادقاً، وعليه فقد قضى على مشروعيّة مطالبة الزهراء÷ من الأساس!

ب ـ لقب الخليفة

 قال: «صحيحٌ أن الإسلام في أيام الخليفتين كان مهيمناً، والفتوحات متّصلة، والحياة متدفّقة بمعاني الخير…»([23]).

قال: «ولكنّا نعلم أن المسلمين في أيّام الخليفتين كانوا في أوج تحمّسهم لدينهم، والاستبسال في سبيل عقيدتهم…»([24]).

قال: «ولكنّنا جميعاً نعلم أيضاً أن ذلك لا يسجّل للحكومة القائمة في أيام الخليفتين بلونها المعروف مجداً في حساب التاريخ…»([25]).

 ولقب الخلفاء الراشدون هو من ألقاب الأئمّة الاثني عشر؛ أما غيرهم فهم ليسوا خلفاء، ولا راشدين، وإنّما يصدق القائل بأن هؤلاء خلفاء راشدون في موضع التقية فحَسْب؛ لأن رسول الله| لم يستخلِفْ هؤلاء، بل استخلف الأئمّة الأطهار^ كخلفاء راشدين على هذه الأمّة. وهو ما أشارت إليه مجموعةٌ كبيرة من الروايات، نشير إلى بعضها:

1ـ صحيحة موسى بن عمران النخعي([26]) قال: قلتُ لعليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب^: علّمني يا بن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زُرْتُ واحداً منكم، فقال: إذا صرْتَ إلى الباب فقِفْ، واشهد الشهادتين، وأنتَ على غسلٍ، فإذا دخلْتَ ورأيتَ القبر فقِفْ، وقل: «…وأشهد أنكم الأئمّة الراشدون المهديّون المعصومون المكرّمون المقرّبون المتّقون الصادقون المصطفون المطيعون لله القوّامون بأمره العاملون بإرادته…، الخبر»([27]).

2ـ عن ابن عبّاس قال: صعد رسول الله| المنبر، فخطب، واجتمع الناس إليه، فقال|: «يا معشر المؤمنين، إن الله (عزَّ وجلَّ) أوحى إليَّ أنّي مقبوض، وأن ابن عمّي عليّاً مقتولٌ، وإني ـ أيّها الناس ـ أخبركم خبراً، إنْ عملتم به سلمتم، وإنْ تركتموه هلكتم، إن ابن عمّي عليّاً هو أخي ووزيري، وهو خليفتي…»([28]).

3ـ عن ابن عبّاس أنه قال: سمعتُ النبيّ| يقول لعليٍّ×: «يا عليّ، أنتَ وصيّي، أوصيتُ إليك بأمر ربي، وأنت خليفتي، استخلفتُك بأمر ربّي…»([29]).

4ـ عمرو بن ميمون قال: إني لجالسٌ إلى ابن عبّاس إذ أتاه تسعةُ رَهْطٍ، فقالوا: يا بن عبّاس، إما أن تقوم معنا وإما أن تخلونا هؤلاء، قال: فقال ابن عباس: بل أقوم معكم، قال: وهو يومئذٍ صحيحٌ قبل أن يعمى، قال: فابتدأوا فتحدّثوا، فلا ندري ما قالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه، ويقول: أفّ وتفّ، وقعوا في رجلٍ له عشر…، وخرج بالناس في غزوة تبوك قال: فقال له عليٌّ: أخرج معك، قال: فقال له نبيّ الله: لا، فبكى عليٌّ، فقال له: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنك لستَ بنبيٍّ، إنه لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي…، الخبر»([30]).

5ـ عن عمرو بن هشام، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما‘ قال: «إذا أتَيْتَ قبور الأئمّة بالبقيع فقِفْ عندهم، واجعَلْ القبلة خلفك والقبر بين يدَيْك، ثمّ تقول: …وأشهد أنكم الأئمّة الراشدون المهديّون…، الخبر»([31]).

6ـ عن زيد بن أرقم قال: «خطبنا رسول الله|، فقال ـ بعدما حمد الله وأثنى عليه ـ: …معاشر الناس، أوصيكم الله في عترتي وأهل بيتي خيراً؛ فإنهم مع الحق والحقّ معهم، وهم الأئمّة الراشدون بعدي، والأمناء المعصومون، فقام إليه عبد الله بن العبّاس، فقال: يا رسول الله، كم الأئمّة بعدك؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل وحواريّي عيسى، تسعة من صلب الحسين، ومنهم مهديّ هذه الأمّة»([32]).

7ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد الله× قال: «فإنْ رأيت في منامك ما تكرهه فقُلْ حين تستيقظ: أعوذ بما عاذَتْ به ملائكة الله المقرَّبون، وأنبياء الله المرسلون، وعباد الله الصالحون، والأئمّة الراشدون المهديّون، من شرِّ ما رأيت، ومن شرّ رؤياي أن تضرّني، ومن شرّ الشيطان الرجيم…، الخبر»([33]).

وعليه فهذين اللقبين مختصّين بهم^، ولا يجوز إطلاقهما على غيرهم. كما هو الحال مع لقب أمير المؤمنين×، الذي لا يصحّ إطلاقه على غيره. فعن عمر بن زاهر، عن أبي عبد الله×، قال: سأله رجلٌ عن القائم يسلَّم عليه بإمرة المؤمنين؟ قال: «لا، ذاك اسمٌ سمّى الله به أمير المؤمنين×، لم يُسَمَّ به أحدٌ قبله، ولا يتسمّى به بعده…، الخبر»([34]).

إن تلقيب الشيخين بألقاب أهل البيت^ ليس له موجبٌ، كالتقيّة ونحوها. ومع إرادة إثبات حقّ الزهراء÷ في فدك ما هو الداعي لتلقيبهما بألقاب أهل البيت^؟! ومن الكافي في المقام الاقتصار على أسمائهم بلا ألقاب، لكفايته في الوصول إلى المطلوب.

فإنْ قيل: إن السيد الصدر& قصد ما تعارف عليه الناس.

قلنا: لا اعتبار لهذا؛ فالناس تعارفوا على أن عيسى إلهٌ، فهل نقول مثلهم؟! إن اصطلاحاتنا وتعابيرنا لا بُدَّ أن تكون خاضعةً لمبادئ ديننا. ومن هنا، كما لا يصحّ أن نقول عن عيسى× بأنه ابنُ الله كذلك لا يصحّ أن نقول: إن أبا بكر خليفةُ رسول الله، وهو راشدٌ؛ فإنّ أهل البيت وغيرهم لم يقرّوا لهؤلاء بأنهم خلفاء، ولا بأنهم راشدون. والحديث هنا ليس في روايات التقيّة، وإنّما نتحدّث عن المعروف من الروايات المفهومة.

الثاني: الترضّي على الشيخين

حيث قام السيد& بالترضّي على الشيخين كلّما جاء ذكرهما في الكتاب([35]).

مع العلم أن هناك نهياً شديداً عن الترضّي على مخالفيهم؛ فقد قال رسول الله|: «أشرار علماء أمّتنا: المضلّون عنا، القاطعون للطرق إلينا، المسمّون أضدادنا بأسمائنا، الملقِّبون أضدادنا بألقابنا، يصلّون عليهم وهم للعن مستحقّون، ويلعنونا ونحن بكرامات الله مغمورون، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقرّبين علينا عن صلواتهم علينا مستغنون»([36]).

وقد أجاب بعضهم عن هذا الإشكال بأن قال: إن (رضي) هنا بلا نقاط، فهو يقصد أن الرضا الإلهي يتعالى عنهما، فهما ليسا أهلاً للرضا عنهما؛ والدليل عدم وجود النقطتين تحت الياء!

وجوابه:

1ـ إن عدم وجود النقطتين هو أمرٌ جَرَتْ عليه الطباعة المصرية، فهم لا يضعون نقطتين للياء إذا جاءت في آخر الكلام؛ وأما في هذه الطبعة التي ننقل عنها فقد ثبتت النقطتان.

2ـ ماذا نفعل في الموارد التي لم يأتِ لفظ تعالى فيها([37])؟

ومع إرادة إثبات حقّ الزهراء÷ في فدك فما هو الداعي للترضّي عليهما؟! ومن الكافي في المقام الاقتصار على ذكرهما، بلا لعنٍ، ولا ترضٍّ.

الثالث: التأسيس لأعذار أبي بكر وعمر

من باب أنهما تأوّلا واجتهدا، قال&: «ونحن نعلم أن مجال الاجتهاد والتأويل عند الخليفة كان واسعاً، حتّى أنه اعتذر عن خالد لما قتل مسلماً متعمّداً بأنه (اجتهد فأخطأ)»([38]).

وهذا مردودٌ؛ إذ لو كانت الشبهة أو وجود التأويل وإنْ كان باطلاً مانعاً عن الكفر والارتداد والظلم لأمكن مثل ذلك في التوحيد والنبوة أيضاً. وعليه لو اشتبهت النبوة أو التوحيد على شخصٍ، وتخيَّل أنّ الرسول كان كاذباً في دعواه النبوّة، والله تعالى في ألوهيّته وفردانيّته، فحارب النبيّ| لأجل الشبهة، وأنكر التوحيد كذلك، فهل أنه ليس بفاسقٍ، ولا ظالمٍ، فضلاً عن الكفر؛ لما له من التأويل.

الرابع: أقواله في السيدة الزهراء (سلام الله عليها)

وتجلّى ذلك في مجموعةٍ من النصوص:

قال&: «يا روح أمّي العظيمة، إنّكِ ألقَيْتِ عليّ درساً خالداً في حياة النضال الإسلاميّ بجهادك الرائع في صفّ سيِّد المرسلين، وسوف أجعل من نفسي خديجة عليٍّ في محنته القائمة. لبَّيْكِ لبَّيْكِ يا أمّاه، إنّي أسمع صوتكِ في أعماق روحي، يدفعني إلى مُقاومة الحاكمين»([39]).

قوله&: «ولمّا اختمرَتْ الفكرة في ذهن فاطمة اندفعت لتُصحِّح أوضاع الساعة»([40]).

قوله&: «لبَّيْكِ لبَّيْكِ يا أمّاه، إني أسمع صوتك في أعماق روحي، يدفعني إلى مقاومة الحاكمين، فسوف أذهب إلى أبي بكر لأقول له…»([41]).

قوله&: «غير أن الأمر الذي تجمع عليه الدلائل أن من المعقول جدّاً أن يقف شخصٌ مرَّتْ به ظروف كالظروف الخاصّة التي أحاطت بالخليفة من عليٍّ وفاطمة موقفه التاريخي المعروف، وأن امرأةً تعاصر ما عاصرَتْه الزهراء في أيّام أبيها من منافسات، حتّى في شبّاكٍ يصل بينها وبين أبيها، حريٌّ بها أن لا تسكت إذا أراد المنافسون أن يستولوا على حقِّها الشرعي الذي لا رَيْبَ فيه»([42]).

وهنا نلاحظ مجموعةً من الأمور:

1ـ إنّه& يتخيَّل مُناجاةً لفاطمة مع أمّها‘، التي انتقلت إلى العالم الآخر، وكأنّه يتحدَّث عن شابّةٍ مُتديِّنةٍ في زمن معارضةٍ لحكومةٍ من الحكومات. وهكذا تعابير لا تتناسب حتّى مع بعض المؤمنات ممَّنْ يمتلكْنَ درجةً عالية من المعرفة والاعتقاد السليم.

2ـ إنّه& يصوِّر موقف الزهراء÷ وكأنّه ردّةُ فعلٍ نفسيّة؛ لأنها واجهَتْ أيّام حياة أبيها مُنافساتٍ داخل الأسرة، وداخل بيت النبيّ ـ من نساء النبيّ، ومن أقرباء نساء النبيّ ـ. وهذا جعل أعصابَها مستفزّة. فما إنْ تُوفيّ رسول الله|، وحدثت هذه المتغيّرات، كان من الطبيعيّ والمنطقيّ أن تقوم الزهراء بما قامت به.

وهكذا ردّة فعلٍ لا يقوم بها حتّى الإنسان الذي يمتلك خبرةً وحكمةً، ولا يندفع بهذه الطريقة، فما بالك بالزهراء المعصومة بنصّ القرآن. فعن ابن عبّاس قال: «أخذ رسول اللهﷺ ثوبه، فوضعه على عليٍّ وفاطمة وحسن وحسين، فقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾»([43]).

3ـ إن الزهراء÷ أكبر من هذه المعاني، فهي لا تتحرَّك وتنفعل بمثل هذه الصور. فمشروع الزهراء÷ مشروعٌ طويل المدى، وهو بوابةٌ لبداية المشروع الذي صار بديلاً عن (مشروع الغدير)، وهو مشروع النبيّ| الذي أشار إليه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة: 67)، بعد أن غدرت الأمّة بهذا المشروع، فجاءت الخُطّة البديلة (مشروع القُرْبان)، وبوّابة هذا المشروع هي الزهراء÷. وتجلّى أكثر في عاشوراء، والأئمّة^ من بعد عاشوراء يستثمرون هذا المشروع ليكون مُحرِّك الطاقة الحقيقيّ لإنتاج قاعدةٍ جماهيريّةٍ يُمكن أن يخرج منها أنصار المشروع المهدويّ الأعظم. فالقضيّة كبيرةٌ جدّاً، ولا تُؤخذ بهذه الاعتبارات السطحيّة.

الخامس: توصيف عهد الخليفتين بعصر الازدهار والخير

يقول&: «صحيحٌ أنّ الإسلام في أيّام الخليفتين ـ أي الأوّل والثاني ـ كان مُهيمناً، والفتوحات مُتّصلة، والحياةُ مُتدفِّقة بمعاني الخير، وجميع نواحيها مُزدهرة بالانبعاث الروحي الشامل، والّلون القرآني المُشعّ…»([44]).

ويقول& أيضاً ـ واصفاً ذلك العصر ـ : «ولكنّها الحماسة لذلك العصر هي التي دفعتني إلى ذلك، فهو بلا رَيْبٍ زين العصور في الروحانية والاستقامة. أنا أفهم هذا جيّداً، وأوافق عليه متحمّساً»([45]).

وهنا نسأل: أيُّ معانٍ للخير في ذلك العصر وقد انقلبت الأمّة على أعقابها بعد رسول الله|، وهو ما عبَّر عنه أمير المؤمنين بقوله: «حتّى إذا قبض الله رسوله| رجع قومٌ على الأعقاب، وغالَتْهم السُّبُل، واتّكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرَّحِم، وهجروا السبب الذي أُمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه، فبنَوْه في غير موضعه»([46]).

وقد هجموا على دار الزهراء÷ وأحرقوها؟!، وهي تقول:

صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها *** صُبَّتْ على الأيّام صِرْنَ لياليا([47])

فأيُّ خيرٍ هذا!

عصر السقيفة هو ذلك العصر الذي ضلَّتْ فيه الأمَّة بحَسَب رواياتهم. فعن أبي هريرة، عن النبيّ| قال: «بينا أنا قائمٌ فإذا زمرةٌ حتّى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم، فقال: هلمّ، فقلتُ: أين؟ قال: إلى النار، والله، قلتُ: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثمّ إذا زمرةٌ حتّى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم، فقال: هلمّ، قلتُ: أين؟ قال: إلى النار والله، قلتُ: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم»([48]).

قال ابن الاثير: «الهمل: ضوالّ الإبل، واحدها: هامل؛ أي إن الناجي منهم قليلٌ في قلة النعم الضالة»([49]).

فقد رجعوا القهقرى، ورجعوا إلى الكفر بما جاء به محمد| من المبادئ السامية، وحافظوا على القشور. فهم مسلمون ظاهراً وتترتَّب عليهم أحكام المسلمين، من عصمة المال والدم والعرض، ولكنّ أرواحهم كافرةٌ ملحدة، تؤمن بالجِبْت والطاغوت وحزبهم الظالمين.

وها هو عليٌّ×، المعاصر لتلك الفترة، يعبِّر عنها بقوله: «وطفقتُ أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذّاء أو أصبر على طخيةٍ عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمنٌ حتّى يلقى ربَّه، فرأيتُ أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً. حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى فلان بعده…، فصيَّرها في حوزةٍ خشناء، يغلظ كلامها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إنْ أشنق لها خرم، وإنْ أسلس لها تقحّم، فمُنِي الناس لعمر الله بخبطٍ وشماس، وتلوّن واعتراض. فصبرْتُ على طول المدّة وشدّة المحنة»([50]). ففي زمن أبي بكر كان التباس الأمور واختلاطها وعدم تمييز الحقّ وتجريده عن الباطل، وذلك في غاية الشدّة والبلاء. واستعار لذلك الالتباس لفظ الطخية، وهو استعارة لفظ المحسوس للمعقول، ووجه المشابهة أنّ الظلمة كما لا يهتدى فيها للمطلوب كذلك اختلاط الأمور هاهنا، لا يهتدى معها لتمييز الحقّ وكيفيّة السلوك إلى الله. ووصف الطخية بالمعنى أيضاً على وجه الاستعارة؛ فإنّ الأعمى لمّا لم يكن ليهتدي لمطالبه كذلك هذه الظلمة لا يهتدى فيها للحقّ ولزومه. ثمّ كنّى عن شدّة ذلك الاختلاط ومقاساة الخلق؛ بسبب عدم انتظام الأحوال، وطول مدّة أحدها: أنّه يهرم فيها الكبير، والثاني: أنّه يشيب فيها الصغير، والثالث: أنّ المؤمن المجتهد في لزوم الحقّ والذبّ عنه يقاسي من ذلك الاختلاط شدائد، ويكدح فيها حتّى يلقى ربّه. وقيل: يدأب ويجتهد في الوصول إلى حقِّه فلا يصل حتّى يموت([51]).

ثم أشار× بابتلاء الناس بطبيعة عمر، وهي خليطٌ من الاضطراب، وعنه عبَّر الإمام بالخبط؛ وخليط أيضاً من الصرامة، وإليها أشار بالشماس؛ ومن التبدُّل من حالٍ إلى حال، وهو المراد من التلوُّن؛ أما الاعتراض فالقصد منه عدم الاستقامة على حالٍ.

إن عمر يصرِّح برأي عليٍّ× في النظام الحاكم وشخصية الشيخين وحكمهما، فيقول: «…فلمّا توفّي رسول اللهﷺ قال أبو بكر: أنا وليُّ رسول اللهﷺ، فجئتما؛ تطلب ميراثك من ابن أخيك؛ ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول اللهﷺ: ما نورِّث، ما تركنا صدقةٌ، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً، والله يعلم أنه لصادقٌ بارٌّ راشدٌ تابعٌ للحقّ. ثمّ توفّي أبو بكر، وأنا وليُّ رسول اللهﷺ، ووليُّ أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً…، الخبر»([52]).

فكيف يكون هكذا زمن زمناً لـ «الروحانية والاستقامة»! واذا كان كذلك فكيف سيكون حال زمن الكفر والانحراف؟!

قوله&: «والجواب المفصَّل عن هذا السؤال نخرج ببيانه عن حدود الموضوع، ولكنّا نعلم أن المسلمين في أيّام الخليفتين كانوا في أَوْج تحمُّسهم لدينهم، والاستبسال في سبيل عقيدتهم، حتّى أن التاريخ سجَّل لنا أن شخصاً أجاب عمر حينما صعد يوماً على المنبر، وسأل الناس: لو صرفناكم عمّا تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين؟: إذن كنا نستتيبك، فإنْ تبْتَ قبلناك، فقال عمر: وإنْ لم؟ قال: نضرب عنقك الذي فيه عيناك، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمّة مَنْ إذا اعوجَجْنا أقام أودنا»([53]).

وهنا نشير إلى عدّة أمور:

1ـ نسأل عمر: أنتم صرفتم الخلافة إليكم، ودفعتم عليّاً×، وقتلتم فاطمة÷، وحرَّفتم الدِّين بأكمله، فماذا صنع الناس؟! فما قاله هي أكاذيب يدَّعيها. وهذه الادّعاءات تكذِّبها صحاح العامّة قبل الخاصّة.

2ـ إن السيد الصدر& يُقرّ بأن الأمور كانت تسير بهذه الطريقة، وهذا مدحٌ واضح لأعداء أهل البيت^.

3ـ إن الخطبة الشقشقيّة وخطبة الزهراء÷ تخالفان ما ذُكر تماماً؛ فالزهراء وعليّ‘ يذهبان إلى ارتداد هؤلاء عن الدِّين، وانقلابهم على الدِّين، وعلى رسول الله|، وعلى القرآن، وعلى أمير المؤمنين×.

4ـ إن هذه النظريّات تتعارض مع أبده البديهيّات في قراءة الشيعة للتأريخ.

السادس: إنكار الهجوم على بيت الزهراء (سلام الله عليها)

قال&: «سيرة الخليفة وأصحابه مع عليٍّ، التي بلغت من الشدّة أن عمر هدَّد بحرق بيته وإنْ كانت فاطمة فيه، ومعنى هذا إعلان أن فاطمة وغير فاطمة من آلها ليس لهم حرمةٌ تمنعهم عن أن يتّخذ معهم نفس الطريقة التي سار عليها مع سعد بن عبادة، حين أمر الناس بقتله…»([54]).

فالسيّد الصدر& يقول: إنّ القوم هدَّدوا بالإحراق فقط، ولكنّهم لم يفعلوا. مع أن الإمام الحسن× يقول للمُغيرة بن شُعبة: «أنتَ الذي ضربتَ فاطمة بنت رسول الله| حتّى أدمَيْتَها، وألقَتْ ما في بطنها؛ استذلالاً منك لرسول الله|، ومخالفةً منك لأمره، وانتهاكاً لحرمته، وقد قال لها رسول الله|: «يا فاطمة، أنتِ سيّدة نساء أهل الجنّة». والله مصيرك إلى النار»([55]).

وكان هذا الضرب في هذه اللحظات حينما صفق عمر الباب على فاطمة÷، حين ركل الباب برجله. فعن سليم بن قيس قال: «فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر، فوثب عمر غضبان، فنادى خالد بن الوليد وقنفذاً، فأمرهما أن يحملا حطباً وناراً، ثمّ أقبل حتّى انتهى إلى باب عليٍّ×، وفاطمة÷ قاعدةٌ خلف الباب، قد عصَبَتْ رأسها، ونحل جسمها في وفاة رسول الله|، فأقبل عمر حتّى ضرب الباب، ثمّ نادى: يا بن أبي طالب، افتح الباب، فقالت فاطمة÷: «يا عمر، ما لنا ولك؟ لا تدعنا وما نحن فيه»، قال: افتحي الباب وإلاّ أحرقناه عليكم، فقالت: «يا عمر، أما تتّقي الله (عزَّ وجلَّ)، تدخل على بيتي، وتهجم على داري؟»، فأبى أن ينصرف. ثمّ دعا عمر بالنار، فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثمّ دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة÷، وصاحت: «يا أبتاه، يا رسول الله»، فرفع السيف وهو في غمده، فوجأ به جنبها، فصرخَتْ، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت: «يا أبتاه»، فوثب عليّ بن أبي طالب× فأخذ بتلابيب عمر، ثمّ هزّه فصرعه، ووجأ أنفه ورقبته وهمَّ بقتله، فذكر قول رسول الله|، وما أوصى به من الصبر والطاعة، فقال: «والذي كرَّم محمداً بالنبوة، يا بن صهاك، لولا كتابٌ من الله سبق لعلمْتَ أنك لا تدخل بيتي»، فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار، وسلَّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة÷، فحمل عليه بسيفه، فأقسم على عليٍّ× فكفَّ»([56]).

السابع: دعوى مشاركة عليٍّ (عليه السلام) في حروب الردّة

قال&: «إن عليّاً، الذي ربّاه رسول الله| وربّى الإسلام معه ـ فكانا ولدَيْه العزيزَيْن ـ، كان يشعر بأخوته لهذا الإسلام. وقد دفعه هذا الشعور إلى افتداء أخيه بكلّ شيءٍ، حتّى أنه اشترك في حروب الردّة التي أعلنها المسلمون يومذاك، ولم يمنعه تزعُّم غيره لها عن القيام بالواجب المقدَّس؛ لأن أبا بكر إنْ كان قد ابتزَّه حقَّه، ونهب تراثه، فالإسلام قد رفعه إلى القمّة، وعرف له أخوّته الصادقة، وسجَّلها بأحرف من نورٍ على صفحات الكتاب الكريم»([57]).

وهذا أمرٌ لم يذكره أحدٌ من المؤرِّخين، وليس له مصدرٌ، بل إنّ محقِّق الكتاب الدكتور عبد الجبّار شرارة& لم يستطع إثبات موردٍ واحد يؤيِّد هذا المعنى. وهذا من أخطاء التحقيق والتتبُّع عند الشهيد الصدر&.

إن العمل لاسترضاء واستمالة الناس إلى مشروعٍ سياسيّ أو ديني على حساب الشرع والمبادئ العَقْدية مبدأٌ مرفوض في مدرسة أهل البيت^. ونشير هنا إلى بعض الروايات:

1ـ صحيحة محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر×: «لا دين لمَنْ دان بطاعة مَنْ عصى الله، ولا دين لمَنْ دان بفرية باطلٍ على الله، ولا دين لمَنْ دان بجحود شيءٍ من آيات الله».

2ـ موثَّقة السكوني، عن أبي عبد الله، عن أبيه‘، عن جابر بن عبد الله [الأنصاري] قال: قال رسول الله|: «مَنْ أرضى سلطاناً بسخط الله خرج من دين الله»([58]).

3ـ موثَّقة السكوني، عن أبي عبد الله× قال: قال رسول الله|: «مَنْ طلب رضا الناس بسخط الله جعل الله حامده من الناس ذامّاً».

4ـ عن جابر، عن أبي جعفر× قال: قال رسول الله|: «مَنْ طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذامّاً، ومَنْ آثر طاعة الله بغضب الناس كفاه الله عداوة كلّ عدوٍّ، وحسد كلّ حاسدٍ، وبغي كلّ باغٍ، وكان الله عزَّ وجلَّ له ناصراً وظهيراً».

5ـ عن الفضل بن أبي قرّة، عن أبي عبد الله× قال: كتب رجلٌ إلى الحسين (صلوات الله عليه): عِظْني بحرفين، فكتب إليه: «مَنْ حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو، وأسرع لمجيء ما يحذر».

الثامن: تشبيه ثورة الزهراء (سلام الله عليها) بثورة عائشة

قال&: «وقد شاء القدر لكلتا الثائرتين أن تفشلا، مع فارقٍ بينهما»([59]).

يتحدَّث عن ثورتين: ثورة فاطمة؛ وثورة عائشة. ولا ندري ما العلاقة بين الثورتين؟! إذ لا علاقة زمانيّة، فالزمان مختلفٌ؛ ولا علاقة فكريّة أو عقائديّة، فهذه قضايا تختلف فيما بينها اختلافاً يصل إلى حدّ التناقض.

إن هذه المساواة وهذا الحشر لموقف عائشة مع موقف الصدِّيقة الكبرى÷ ليس بصحيحٍ؛ فعائشة ثارت في وجه أمير المؤمنين×، ووصيّ رسول ربّ العالمين، مخالفةً لأوامر الله في قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ (الأحزاب: 33). وقد أقرَّتْ هي بذلك واعترفت، قال ابن راهويه: «وكانت ـ رضي الله عنها ـ إذا قرأَتْ الآية: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ…﴾ بكَتْ حتّى تبلّ دموعها خمارها». وجاء عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: إذا مرّ ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فأرونيه، فلما مرَّ بها قيل لها: هذا ابن عمر، فقالت: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيتُ رجلاً قد غلب عليك، يعني ابن الزبير. فكلّ هذه الروايات تدلّ على ندامة عائشة ـ رضي الله عنها ـ ندامةً كاملة، بل إنها اعتبرَتْ مسيرها حَدَثاً في حياتها، وكان من نيّتها أوّلاً أن تُدْفَن في بيتها، ثمّ انصرفت عن ذلك، فقالت: إنّي أحدَثْتُ، فأوْصَتْ أن تدفن في البقيع ـ رضي الله عنها ـ».

وأما الزهراء÷ فثارت دفاعاً عن الغدير في وجه السقيفة، التي عبّر عنها القرآن بـ (الشجرة الملعونة). فعن أبان، عن سليم قال: حدَّثني عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: «…سمعتُ رسول الله|، وقد سُئل عن هذه الآية: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ (الإسراء: 60)، فقال: «إني رأيتُ اثني عشر رجلاً من أئمّة الضلالة، يصعدون منبري وينزلون، يردّون أمتي على أدبارهم القهقرى، فيهم رجلان من حيّين من قريش مختلفين، تيم وعديّ…، الخبر»([60]).

إن جمَع الزهراء÷ مع غيرها في لفظٍ مُثنّى جنايةٌ كبيرة في حقِّها، ويؤدّي إلى غضبها، وبالتالي فهو يغضب الله ورسوله، فعن المسور بن مخرمة: إن رسول الله| قال: «فاطمة بضعةٌ منّي؛ فمَنْ أغضبها أغضبني»([61]).

التاسع: وصف تحرُّك الزهراء (سلام الله عليها) بـ (الفاشل)

يقول&: «…وقد فشلت الحركة الفاطمية بمعنىً، ونجحت بمعنىً آخر. فشلت لأنّها لم تُطوِّح بحُكومة الخليفة رضي عنه الله في زحفها الأخير الخطير الذي قامت به في اليوم العاشر من وفاة النبيّ|. ولا نستطيع أن نتبيَّن الأمور التي جعلَتْ الزهراء تخسر المعركة، غير أنّ الأمر الذي لا رَيْبَ فيه أنّ شخصية الخليفة رضي الله عنه من أهمّ الأسباب التي أدَّتْ إلى فشلها؛ لأنّه من أصحاب المواهب السياسيّة…»([62]).

قال&: «ولنستمع إلى كلام الخليفة بعد أن انتهَتْ الزهراء من خطبتها وخرجت من المسجد، فصعد المنبر، وقال:…. وهذا الكلام يكشف لنا عن جانب من شخصية الخليفة، ويلقي ضوءاً على منازعة الزهراء له. والذي يهمّنا الآن ما يوضِّحه من أمر هذه المنازعة، وانطباعات الخليفة عنها، فإنه فهم حقّ الفهم أن احتجاج الزهراء لم يكن حول الميراث أو النحلة، وإنما كان حرباً سياسية، كما نسمِّيها اليوم، وتظلُّماً لقرينها العظيم، الذي شاء الخليفة وأصحابه أن يبعدوه عن المقام الطبيعي له في دنيا الإسلام، فلم يتكلَّم إلاّ عن عليٍّ فوصفه بأنه ثعالة، وأنه مربٍّ لكلّ فتنةٍ، وأنه كأمّ طحال، وأن فاطمة ذَنَبه التابع له، ولم يذكر عن الميراث قليلاً أو كثيراً»([63]).

ونجيب عمّا قاله السيد&، فنقول:

1ـ إن كُتب التأريخ تذكر أن أبا بكر تكلَّم بمحضر فاطمة÷. قال ابن أبي الحديد: «حدَّثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال: فلمّا سمع أبو بكر خطبتها شقّ عليه مقالتها، فصعد المنبر وقال: أيّها الناس، ما هذه الرعة إلى كلّ قالةٍ؟! أين كانت هذه الأماني في عهد رسول اللهﷺ. ألا مَنْ سمع فليقُلْ، ومَنْ شهد فليتكلَّمْ. إنما هو ثعالة، شهيده ذنبه، مربِّ لكلّ فتنةٍ. هو الذي يقول: كرّوها جذعةً بعدما هرمت، يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأمّ طحال أحبّ أهلها إليها البغي. ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلتُ، ولو قلتُ لبحتُ. إني ساكتٌ ما تُركتُ. ثمّ التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، وأحقّ مَنْ لزم عهد رسول اللهﷺ أنتم، فقد جاءكم فآويتم ونصرتم. ألا إنّي لست باسطاً يداً ولا لساناً على مَنْ لم يستحقّ ذلك منّا. ثمّ نزل. فانصرفت فاطمة÷ إلى منزلها»([64]). وهذا حَدَثٌ تأريخي. وإذا أردنا أن نستنتج من هذا الحَدَث التأريخي فليس صحيحاً أن نحرِّفه بهذا الشكل، حيث ستكون النتائج مختلفةً بالكامل. إن أبا بكر تكلَّم بمحضر فاطمة؛ لأنّ فاطمة خطبت خطبتها، وبيَّنَتْ الحقائق، وأبو بكر ما كانت عنده حُجّة، فأخذ يُخاطِب فاطمة خطاباً ليِّناً، لكنّ موقف فاطمة كان موقفاً واضحاً.

2ـ إن الزهراء÷ كانت تريد أن تستخرج ما في نفس أبي بكرٍ أمام الناس؛ ففاطمة÷ نجحت في ثورتها حين أخرجت الذي كان يخفيه أبو بكر. وهذه هي تقنيّة الثورة الفاطميّة، والتكتيك الثوري، الذي فهمه غاندي فقال: «تعلَّمْتُ من الحسين أن أُظلَم فأنتصر…». فالأسلوب الفاطمي في العمل هو:

أوّلاً: إبراز المظلوميّة.

ثانياً: إخراج ما يسرّون في صدورهم.

وهذا هو الذي أرادَتْه الزهراء÷، وقد نجحت.

3ـ إن آية التطهير، والكلام الوارد في الزيارة الجامعة الكبيرة ـ الذي ينطبق على فاطمة÷، والذي جاء بسندٍ صحيح عن الإمام الهادي×: «السلام على الدعاة إلى الله، والأدلاّء على مرضاة الله، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّة الله، والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله ونهيه، وعباده المكرَّمين، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، ورحمة الله وبركاته»([65]) ـ ينفيان بالمطلق أن يكون مشروع الزهراء÷ فاشلاً في موقف من المواقف؛ لأنّها تتحرّك بأمر الله تعالى، وعليه فهذا يعني أنّ الله تعالى فاشلٌ!

العاشر: الخطأ في تحليل نجاح الزهراء (سلام الله عليها)

يقول&: «ونجحت معارضة الزهراء؛ لأنها جهّزت الحقّ بقوّةٍ قاهرة، وأضافت إلى طاقته على الخلود في ميدان النضال المذهبي طاقةً جديدة. وقد سجّلت هذا النجاح في حركتها كلّها وفي محاورتها مع الصدّيق والفاروق عند زيارتهما لها صورة خاصّة»([66]).

ويَرِدُ عليه: إن النجاح الفاطمي يتجلَّى عند ظهور الإمام المهديّ#، لا أن نسجِّل نجاحها بمحاورةٍ! فما قيمة المحاورة؟ هي حَدَثٌ جزئيّ في خطٍّ طويل في مشروع كبير. إن الزهراء÷ تمتلك مشروعاً هائلاً بحجمها، وهو مشروع الإمام المهديّ#، الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجَوْراً.

هكذا يجب التعامل مع الزهراء÷، نتعامل مع الزهراء÷ بحَسَب ما جاء في زيارتها: «السَّلامِ عَلَيكِ أيَّتُهَا الْمُحَدَّثَةُ العَلِيْمَةُ»([67])، والْمُحَدَّثَةُ هي المرتبطة بالغيب. والعليمة تُشير إلى جانب الشهادة. نحن نُخاطب النبيّ الأعظم| بأنّه سيِّد الكائنات، أي كلّ مَنْ على صفحة الوجود. والزهراء÷ هي روحه التي بين جنبَيْه، كما قال: «فاطمة مهجة قلبي»([68])، فهي مركز الولاية في قلب رسول الله|.

الحادي عشر: استمرار السيّد الصدر (رحمه الله) في منهجه

هنا قد يقولُ قائلٌ: اذا كان السيّد الصدر قد كتب الكتاب في أوائل أيّام حياته، فرُبَما تغيَّرت آراؤه وتبدَّلت أفكارُه؟،

ويُرَدُّ على هذا الكلام بأمرين:

الأوّل: حين نقرأ آخر البيانات التي كتبها في آخر أيّام حياته فإنّنا نجد عين مضامين الكتاب هذه، فنجده يقول في آخر بيانٍ أصدره: «وأُريد أن أقولها لكم، يا أبناء عليٍّ والحُسين، وأبناء أبي بكرٍ وعُمَر: إنّ المعركة ليست بين الشيعة والحُكم السُّنِّي، إنّ الحكم السُّنِّي الذي مَثَّلَهُ الخُلفاءُ الراشدون، والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل»([69]).

وفي معرض الجواب عمّا قاله& نقول:

1ـ إن هناك معركةً للشيعة مع حكم أبي بكر وعمر منذ يوم السقيفة وإلى يوم القيامة؛ باعتباره الحكم الظالم المخالف لكتاب الله ولسنّة النبيّ| ومنهجهما وحكمهما. ونحن أُمرنا بمحاربته، فقد كانت |آخر وصيّةٍ لعليّ× للحسن والحسين‘، لمّا ضربه ابن ملجم: «…وكونا للظالم خصماً…، الخبر»([70]).

2ـ إن القول بأن حكم أبي بكر وعمر كان حكماً سُنِّياً يقوم على أساس الإسلام والعدل يعني أن تصرُّفاتهم كانت إسلاميةً عادلة، فلم يظلموا أحداً. وعليه فإن عملهم مع بنت رسول الله| كان إسلاماً وعدلاً. مع أن الزهراء÷ كانت تصرِّح بالقول والعمل بأن أبا بكر كان ظالماً لها، وهو ما رواه عروة بن الزبير، أن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها أخبرته أن فاطمة÷، ابنة رسول اللهﷺ، سألَتْ أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللهﷺ أن يقسم لها ميراثها، ما ترك رسول اللهﷺ ممّا أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول اللهﷺ قال: لا نورِّث، ما تركنا صدقةٌ، فغضبَتْ فاطمةُ بنت رسول اللهﷺ، فهجرَتْ أبا بكر، فلم تزَلْ مهاجرته حتّى توفِّيت، وعاشت بعد رسول اللهﷺ ستّة أشهر([71]).

3ـ ماذا ترك لنا السيّد الصدر& في مقابل المخالف؛ إذ أننا طوال 1440 سنة نقول للمخالف: إن أبا بكر وعمر كانا ظالمين للزهراء÷، وإنها استشهدت وهي غاضبةٌ عليهما؟ وإذا به ينسف كلّ ذلك، وكأنه يقول: إن الزهراء كانت متجنِّيةً عليهم.

الثاني: إن تلامذة السيّد الصدر& يمدحون ويمجِّدون ويعتمدون الأفكار الموجودة في هذا الكتاب. ومن هؤلاء: تلميذه السيد كاظم الحسيني الحائري، الذي قال: «وترى في هذا الكتاب ـ الذي يمثِّل السنين الأولى من بلوغه سنّ التكليف ـ ما يعجبك من روعة التأليف، وعمق التحقيق والتدقيق. وممّا يزيدك إعجاباً بهذا الكتاب أنّه جاء فيه بالمناسبة بعض المناقشات الفقهية الدقيقة لما ورد في كلمات أكابر الفقهاء، وهذا ما لا يصدر عادةً إلاّ عن العلماء المحقِّقين الكبار، في سنين متأخِّرة من أعمارهم الشريفة…»([72]).

الهوامش

(*) أستاذُ التاريخ في مجمع الإمام الخمينيّ للدراسات العليا في قم. من العراق.

([1]) قال&: «هذا إنتاجٌ اغتنمتُ له عطلةً من عطل الدراسة في جامعتنا الكريمة ـ النجف الأشرف ـ، وتوفّرتُ فيها على درس مشكلةٍ من مشاكل التاريخ الإسلامي، وهي (مشكلة فدك)، والخصومة التاريخية التي قامت بين الزهراء (صلوات الله عليها) والخليفة الأوّل (رضي الله تعالى عنه). وكانت تتبلور في ذهني استنتاجاتٌ وفكر، فسجَّلتها على أوراق متفرِّقة، حتّى إذا انتهيتُ من مطالعة مستندات

القضية ورواياتها، ودرس ظروفها، وجدْتُ في تلك الوريقات ما يصلح خميرةً لدراسةٍ كافية للمسألة، فهذَّبْتُها ورتَّبْتُها على فصولٍ، اجتمع منها كتيِّب صغير، وكان في نيّتي الاحتفاظ به كمذكّر عند الحاجة، فبقي عندي سنين مذكراً ومؤرّخاً لحياتي الفكرية في الشهر الذي تمخّض عنه. غير أن حضرة الوجيه الفاضل الشيخ محمد كاظم الكتبي ابن الشيخ صادق الكتبي (أيَّده الله) طلب منّي تقديمه إليه ليتولّى طبعه. وقد نزلتُ على رغبته؛ تقديراً لأياديه البيضاء على المكتبة العربية والإسلامية. والكتاب هو ما تراه بين يديك». السيد محمد باقر الصدر، فدك في التاريخ: 15، تحقيق: عبد الجبّار شرارة، ط1، 1415 ـ 1994م، مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

([2]) فدك في التاريخ: 138.

([3]) المصدر السابق: 113.

([4]) المصدر السابق: 130.

([5]) المصدر السابق: 131.

([6]) الشيخ الصدوق، الخصال: 402، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 18 ذي القعدة الحرام 1403هـ ـ 1362هـ.ش، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.

([7]) محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة 1: 44، تحقيق وترقيم وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

([8]) الحاكم النيسابوري المستدرك على الصحيحين 3: 112، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي.

([9]) ابن أبي شيبة الكوفي، المصنَّف 7: 498، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، ط1، جمادى الآخرة 1409هـ ـ 1989م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

([10]) الضحّاك، الآحاد والمثاني 1: 148، تحقيق: باسم فيصل أحمد الجوابرة، ط1، 1411هـ ـ 1991م، دار الدراية للطباعة والنشر والتوزيع.

([11]) ابن أبي عاصم، السنة: 584، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، ط3، 1413هـ ـ 1993م، المكتب الإسلامي ـ بيروت ـ لبنان.

([12]) أبو العباس شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري الكناني الشافعي، مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 1: 20، المحقِّق: محمد المنتقى الكشناوي، الدار العربية، بيروت، ط2، 1403هـ.

([13]) الشيخ الكليني، الكافي 1: 196، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط5، 1363هـ.ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

([14]) كتاب سليم بن قيس الهلالي الكوفي: 256، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني، ط1، 1422هـ ـ 1380هـ.ش، دليل ما.

([15]) ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 2: 205، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، 1376هـ ـ 1956م، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

([16]) محمد بن الحسن بن فرّوخ (الصفّار)، بصائر الدرجات: 73، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، 1404هـ ـ 1362هـ.ش، منشورات الأعلمي، طهران.

([17]) المصدر السابق: 219.

([18]) الشيخ الصدوق، الأمالي: 78، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية في مؤسّسة البعثة، قم، ط1، 1417هـ، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة.

([19]) المصدر السابق: 274.

([20]) الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا× 2: 9، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، 1404هـ ـ 1984م، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

([21]) كتاب سليم بن قيس: 404.

([22]) مسند أحمد بن حنبل 2: 463، دار صادر، بيروت ـ لبنان.

([23]) المصدر السابق: 50.

([24]) المصدر نفسه.

([25]) المصدر السابق: 51.

([26]) محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (إماميّ ثقة)، عن محمد بن إسماعيل البرمكي (إماميّ ثقة) قال: حدَّثنا موسى بن عبد الله النخعي (إماميّ ثقة).

([27]) الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا× 2: 306.

([28]) الشيخ الصدوق، الأمالي: 121.

([29]) مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 179.

([30]) مسند أحمد 1: 331؛ مستدرك الحاكم 3: 134.

([31]) جعفر بن محمد بن قولويه، كامل الزيارات: 119، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، ط1، عيد الغدير 1417هـ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

([32]) الخزّاز القمي، كفاية الأثر: 104، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، 1401هـ، انتشارات بيدار.

([33]) الميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل 5: 112، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، بيروت ـ لبنان.

([34]) الكافي 1: 412.

([35]) وهو ما جاء في الصفحات: 15، 89، 94، 111، 129، 130، 138.

([36]) تفسير الإمام العسكري×: 301، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهديّ×، قم المقدّسة، ط1 (محققة)، ربيع الأول 1409هـ؛ الشيخ الطبرسي، الاحتجاج 2: 264، تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، 1386هـ ـ 1966م، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف.

([37]) كما جاء في الصفحتين: 131، 144.

([38]) فدك في التاريخ: 131.

([39]) المصدر السابق: 29.

([40]) المصدر السابق: 114.

([41]) المصدر السابق: 29.

([42]) المصدر السابق: 63.

([43]) مسند أحمد بن حنبل 1: 331.

([44]) فدك في التاريخ: 50.

([45]) المصدر السابق: 48.

([46]) نهج البلاغة 2: 36 (خطب الإمام عليّ×)، شرح: الشيخ محمد عبده، ط1، 1412هـ ـ 1370هـ.ش، دار الذخائر، قم ـ ايران.

([47]) الفتّال النيسابوري، روضة الواعظين: 75، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، قم؛ ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 1: 208، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، 1376هـ ـ 1956م، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف؛ الشهيد الثاني، مسكِّن الفؤاد: 103، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم، ط1، ذي الحجة 1407هـ؛ تفسير الآلوسي 19: 149.

([48]) صحيح البخاري 7: 9، 1401هـ ـ 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

([49]) مجد الدين ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر 5: 274، تحقيق: محمود محمد الطناحي، ط4، 1364هـ.ش، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم ـ إيران.

([50]) نهج البلاغة، الخطبة 3.

([51]) انظر: ابن ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة 1: 256، عُني بتصحيحه: عدّة من الأفاضل، وقوبل بعدّة نسخٍ موثوق بها، ط1، صيف 1362هـ.ش، مكتب الإعلام الإسلامي ـ الحوزة العلمية، قم ـ إيران.

([52]) صحيح مسلم النيسابوري 5: 152، دار الفكر، بيروت ـ لبنان.

([53]) فدك في التاريخ: 50.

([54]) فدك في التاريخ: 92.

([55]) الاحتجاج 1: 414.

([56]) كتاب سليم بن قيس: 387.

([57]) فدك في التاريخ: 106.

([58]) الكافي 2: 373.

([59]) فدك في التاريخ: 60.

([60]) كتاب سليم بن قيس: 362.

([61]) صحيح البخاري 4: 210.

([62]) فدك في التاريخ: 117.

([63]) المصدر السابق: 67.

([64]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 16: 215، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، 1962م، دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه.

([65]) مَنْ لا يحضره الفقيه 2: 610.

([66]) فدك في التاريخ: 118.

([67]) الشيخ الطوسي، مصباح المتهجِّد: 712، ط1، 1411هـ ـ 1991م، مؤسّسة فقه الشيعة، بيروت ـ لبنان.

([68]) العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار 29: 649، تحقيق: الشيخ عبد الزهراء العلوي، 1403هـ ـ 1983م، دار الرضا، بيروت ـ لبنان.

([69]) الشيخ محمد رضا النعماني، الشهيد الصدر: سنوات المحنة وأيّام الحصار: 305، ط2، 1997م، مطبعة إسماعيليان.

([70]) نهج البلاغة، الكتاب 47.

([71]) صحيح البخاري 4: 42، 1401هـ ـ 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

([72]) مباحث الأصول (تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر، بقلم: السيد كاظم الحائري) 1: 83 ـ 84، ط1، 1407هـ، مكتب الإعلام الإسلامي، قم.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً