أحدث المقالات





الشيخ حسين الراضي

تعارفت كثير من المجتمعات قديماً وحديثاً إسلامية وغيرها أن الولد من حقه أن يبحث لشريكة حياة تحلو له ويتزوجها ،كذلك من حق البنت أن تبحث لها عن شريك حياة يصلح لها وهذا سواء أكان على نحو المباشر منهما أو بواسطة أهلهما كأبيهما فيتقدما لأن يخطبا لولديهما وقد يحصل فيه إلحاح من قبل هذا الفريق على الفريق الآخر حتى يقتنع أحد الشريكين بالآخر.

 

لماذا حق الخطوبة تختص بالولد دون البنت ؟

 في بعض المجتمعات الأخرى تبقى الفتاة بعيدة كل البعد عن حق الاختيار للزوج ولشريكها في حياتها بل إن موافقتها ورفضها ليس له أي دخل في تحقق الزواج مادام أبوها قد وافق عليه -أو أقرب الأشخاص لها من الأسرة عند فقد أبيها -فيتم الزواج إن وافق أو يلغى مع عدم الموافقة حتى وإن لم تستشار البنت بل في بعض العوائل البنت لا تعلم عن من يتقدم لها إلا بعد موافقة الأسرة من الأب والأم والأخوان فيبقى حق الاختيار للحياة الزوجية مربوط بنظر الرجل والأسرة.

ولكن في الآونة الأخيرة طرأ تحسن ملحوظ في بعض هذه المجتمعات فأصبح أخذ رأي البنت من الأمور الضرورية والمهمة وإذا لم توافق يلغى.

 

هل من العيب أن يخطب الأب لابنته ؟

 ولكن لا يزال يعد تقدم البنت لأن تخطب لنفسها أو يتقدم والد البنت ويخطب لابنته هذا ضرب من الخيال ودون تحققه خرط القتاد – كما يقول المثل العربي – ولو حصل فإنه يعد من المعيب والمهانة في المجتمع ويبقى هذا العار يلاحقه هو وابنته إلى ما بعد زواجها فلو حدث أقل خلاف بينها وبين زوجها فأقرب شيء يعيرها به وهو يخاطبها ويقول لو كان فيك خير ولم تكوني وضيعة لما قدموك لي ورغبوا في القرب مني ولكن لأنه لا أحد يرغب فيك أهدوك لي.

إنه منطق الجهل وعدم مكافئة الإحسان بمثله أو أحسن منه بل مقابلته بالإساءة والظلم الناشئ من العادات القبلية الجاهلية ، وإلا فإن خطبة البنت لنفسها أو خطبة والدها لها لا يوجد فيه أي محذور شرعي وكما أن الولد من حقه الشرعي والاجتماعي أن يخطب لنفسه فالمفروض البنت كذلك من حقها هذا ولا فرق بينهما ، وكما أنه من حق أب الولد أن يتقدم ويخطب لولده فالمفروض والد البنت أن يتقدم ويخطب لابنته وكما أنه من الناحية الشرعية لا فرق بينهما وهما على حد سواء في هذا الشأن فعلى المجتمع أن يسير خلف الشرع وينقاد إليه خصوصاً وأن هذه المساوات في هذا الجانب مما يحل بعض مشاكل الزواج ويذلل بعض عقباتها ويقلل من العنوسة والقيود الموضوعة على البنت التي ما أنزل الله بها من سلطان وإنما هو سلطان الشيطان.

 

عادات ما أنزل الله بها من سلطان :

لماذا إذا كانت البنت ترغب في ابن عمها أو أحد أقربائها أو ترغب في رجل أجنبي يحجر عليها من أن تتكلم أو تبوح بما في خاطرها ويقف الأهل والمجتمع أمامها ؟.ولماذا لا يمكنها أن تتقدم لخطبته ؟ ولا يمكن لأبيها أن يتقدم لخطبته ؟ وإنما عليها أن تنتظر القدر وتنتظر حظها حتى يتقدم هذا الشاب إنشاء وبعد ذلك يأتي دور موافقة أهلها أو رفضهم له قبل موافقتها وإخبارها ، إنها عادات جاهلية ، عشائرية ، لم يأتي بها نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا رجل امتحن الله قلبه بالإيمان حتى يحس بآلام وآمال البنات المقهورات اللاتي كتب المجتمع عليهن الشقاء والتعاسة وفي نفس الوقت ينظر لهن بالحقارة والمهانة ، إنه عدم الإنصاف وعدم العدالة الاجتماعية.

وفي هذا الجانب نحاول أن نعرض موقف الإسلام ونماذج وقعت في تاريخ الإسلام من هذه القضية لعل هذه المجتمعات التي تعودت على عادات لا تمت إلى الدين الحنيف بصلة أن ترجع عنها لما فيه مصلحتها جماعات وأفراد.

 

نبي الله موسى – مع نبي الله شعيب نموذجاً :

القرآن الكريم ذكر اسم موسى عليه السلام 136 مرة ويحكي قصة نبي الله موسى عليه السلام مع نبي الله شعيب عليه السلام بعد الأحداث التي مرت عليه في مصر ، انتقل موسى عليه السلام من عاصمة الفراعنة في مصر ( طِيبَة : الأُقصر ) إلى مدين عبر سيناء. [1]

ومَدْيَن : هي بلد قوم نبي الله شعيب وتقع على ( بحر القُلْزُم ) المعروف بالبحر الأحمر على خليج العقبة فإحدى ضفتيه على طور سيناء الطرف الآخر مدين ، وهي من جانب الصحراء محاذية لتبوك ( الأيكة ) وهي أكبر من تبوك وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لبنات شعيب ، ومدين اسم قبيلة ، تنسب إلى مدين بن إبراهيم عليه السلام لذلك قال القرآن الكريم { وإلى مدين أخاهم شعيباً } [2]

وقيل : مدين نسبة إلى مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل عليه السلام كانوا ينزلون بمدينة مَدين نسبة إليهم ، وتقع شرق خليج العقبة بالقرب من بحيرة بنواحي البلقاء ببادية الشام وتُدعى معاناً. [3]

قال تعالى : { وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقي‏ حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبيرٌ (23)

لما ورد موسى إلى مدينة ( مدين ) وذهب إلى البئر الذي يستقون الناس منه لهم لأغنامهم وهنا وجد الظلم الذي فر منه وإذا الناس يتغالبون والقوي يدفع الضعيف وهذا ظلم فادح ولكنه وقف أمامه ، فعندما وجد امرأتين في زاوية منحازتين عن الرعاة وعليهن آثار العفة والشرف.

سألهما لماذا لا تتقدمان وتسقيان الأغنام كبقية الناس ؟

أجابتاه أننا لا نتقدم ونسقي حتى ينتهي الرعاة ثم نسقي.

ولما رأى موسى هذا الظلم من الأقوى في حق الضعفاء والذكور في حق الإناث ، وأشعرتاه لولا أن أباهما شيخ كبير ولا يتمكن من الخدمة والسقاية وإلا لما احتاجتا إلى مثل هذا العمل.  

{ فَسَقى‏ لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقيرٌ } (24).

لمّا سمع كلامهما وقد تأثر نفسياً تقدم وألق الدلو في الماء وقد كان كبيراً لا يتمكن على حمله إلا عدة أشخاص ولكنه تمكن هو بوحده ، ثم ذهب إلى الظل ليستريح بعد تعب الطريق والغربة وقد توجه إلى الله وقد دعاه بدعاء مؤدب حيث لم يطلب منه مباشرة ويقول إني أريد كذا وكذا بل قال { رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقيرٌ } فهو يكشف عن حاجته فحسب والمولى سبحانه هو بلطفه يعمل ما يشاء.

ولكن هذا العمل البسيط الخالص لله في الدفاع عن المظلومين كم فتح من أبواب الخير لموسى عليه السلام.

وأول هذا العمل لإخلاصه أن جاءته إحدى البنتين تتخطى بهدوء وسكينة ملئها العفة والحياء والشرف ، وكانت تستحي من الكلام مع شاب أجنبي ولكنها مضطرة لذلك لأنها رسول من قبل أبيها الشيخ الكبير وأنه يدعوه ليجزيه على ما قدم من خدمة.

تذكر بعض الروايات أن موسى عندما أراد أن يذهب إلى أبيها شعيب برفقتها كانت البنت تمشي أمامه وهو خلفها لتدله على المنزل ولما حرك الهواء ثيابها طلب موسى منها أن تتركه يمشي أمامها وهي ترشده بكلامها ففعلت لأنه ذلك الشاب مؤمن وغيور وكيف لا وهو نبي الله.

حتى إذا ما دخل بيت النبوة المملوء بالروحانيات والمعارف الإلهية وإذا بالشيخ الوقور نبي الله شعيب يرحب بالشاب القادم ويسأله الأسئلة التي تكشف عن وضعه. من هو ؟ ومن أين جاء ؟ وما عمله ؟ وما الذي يريد في قدومه وما هدفه ؟ ولِمَ كان وحده وأسئلة أخرى.

وها هو القرآن يصور لنا هذا المشهد بكل روعة فيقول :

{ فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشي‏ عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبي‏ يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ } (25).

وكأن البنت تبشره بأن دعاءك قد استجابه الله وأن أبي سوف يجازيك على ما قدمت لنا من خدمة وإن كانت قليلة إلا أنها كبيرة بإخلاصك لله فالعمل لا يقاس بحجمه وإنما يقاس بإخلاصه المؤدي إلى قبوله. وبما أن موسى قد خرج من مصر خائفاً يترقب ولكنه عندما التقى مع نبي الله شعيب طمئنه وقال لا تخف نجوت من القوم الظالمين فإن بلادنا بعيدة عن أولئك الجبابرة الطغاة.

والنتيجة إلى هنا :

1- أن موسى عليه السلام لم يقبل بالظلم في مصر أو مدين وكان يدافع عن المظلومين.

2- أن عمل موسى عليه السلام في سقي الأغنام لم يكن يقصد منه غير رضا الله خالصاً لوجهه ولكن هذا العمل الصغير كم فتح أبواباً ونعم متعددة على موسى عليه السلام فبالإضافة إلى الأمان الذي تحصل عليه ، ووصوله إلى نبي من أنبياء الله يخدمه ويعيش معه عشر سنين ويربيه ويعده لقيادة الأمة ، وأن يحصل على زوجة صالحة.

3- أن شعيب كبقية الأنبياء لا يتركون أي يعمل يسدى لهم وإن كان صغيراً إلا ويكافئون عليه.

4- توجه موسى إلى الله وتفويض أمره إليه وكشف حاله له.

 

البنت تقترح على أبيها أن يستأجر موسى :

لمّا استقر موسى في بيت شعيب اقترحت إحدى ابنتي شعيب على أبيها أن يستأجر موسى عليه السلام ولاحظت فيه :

1- القوة البدنية حيث كان قد قام في السقي بحمل دلو لوحده لا يحمله إلا عدة أشخاص.

2- الأمانة لأنه لم يترك البنت أن تمشي أمامه عندما كانت الريح تحرك ثيابها وهذا يدل على أمانته في دينه وغيرته وحفاظه على أعراض الآخرين. فالبنت رغبت فيه أن يكون لها زوجاً لهذه المواصفات وأرادت من أبيها أن يزوجها منه ولكن بأسلوب مؤدب حيث أبرزت ذلك أن يستأجره لخدمة البيت ورعاية الأغنام وأن يكون كالولد له.

{ قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمينُ } (26)

لذلك عندما فهم نبي الله شعيب هدف ابنته من الاستئجار خاطب موسى بقوله إن أريد أن زوجك ابنتي التي دعتك ومدحتك بالقوة والإيمان والأمانة. وبشرط أن تكون الخدمة لمدة 8 سنين هذا هو الحد الأقل وأما الأكثر فهو 10 سنوات والأمر يرجع إليك في اختيار أحد الأجلين.

{ قالَ إِنِّي أُريدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَني‏ ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَ ما أُريدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُني‏ إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحينَ } (27)

فوافق موسى عليه السلام على ذلك وقال أي الأجلين قضيت فلا تلزمني بالآخر وأشهد موسى على هذا الاتفاق المولى سبحانه.

{ قالَ ذلِكَ بَيْني‏ وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَ اللَّهُ عَلى‏ ما نَقُولُ وَكيلٌ } القصص (23-28).

 
والخلاصة:

1- إن بنت شعيب رغبت في موسى لقوته وأمانته وعفته.

2- إنها ألمحت إلى أبيها أن يزوجها منه.

3- إن نبي الله شعيب خطب موسى عليه السلام لابنته ورغب أن يكون صهراً له ، وهذا ما تحقق بالفعل.

4- حينئذ فما المحذور أن يقتدي آباء بعض البنات عند الحاجة بنبي الله شعيب عليه السلام وأن يخطبن لبناتهم ؟

5- وما المحذور أن يصارحن بعض البنات آبائهن أو ذويهن في رغبتهن بالزواج عند تأخرهن عن ذلك وأن يقتدين ببنت نبي الله شعيب مع حسن الأدب والأخلاق والعفة والشرف كما كانت بنت شعيب ؟

6- ولماذا هذا الثقل أو الاشمئزاز الاجتماعي من هذه المساواة بين الولد والبنت ؟ ألم يتغير الكثير من العادات الاجتماعية السيئة إلى الحسنة أو بالعكس ؟.

7- ولماذا الذي يتقدم لنا بالرغبة والإحسان نقابله بعد ذلك بالإساءة ؟.

 

قوم لوط والشذوذ الجنسي :

ذُكِرَ اسم لوط عليه السلام في القرآن 27 مرة. وقد جاء لوط مع إبراهيم عليهما السلام وآمن به فبعد عودتهما من مصر افترقا عن تراض لأجل الدعوة وحل لوط عليه السلام في أقص جنوب البحر الميِّت ( بحيرة لوط ) حيث سدوم وعامورة اللتان دمرتا بزلزال جعل عالي البلاد سافلها ، ولم تصب ( صوغر ) بضرر حيث التجأ قوم لوط إليها. [4]

عرف عن قوم لوط أنهم يستعملون الشذوذ الجنسي إلى حد منقطع النظير وكانو يجلسون على الطرقات فكل من يمر بهم من خارج المدينة يختطفونه ويفعلون به القبيح ، وقد حصل حوار شديد بينهم وبين نبيهم لوط عليه السلام وكان يحذرهم عقاب الله ولكن بدون جدوى ، وحينها أرسل الله لهم ملائكة العذاب ولكن في صورة بشر في غاية الجمال وجاءت إلى منزل لوط عليه السلام بعنوان ضيوف وهو لا يعلم حقيقتهم ، فلما علم بهم قومه جاءوا إلى منزله مستبشرين وفرحين حيث أن هذه لقمة سائقة وصيد ثمين ما كانوا يتحصلون عليه فهذه فرصة لهم وقد بلغ بهم من الوقاحة حيث لا خجل بل يتباهون بمثل هذا العمل القبيح متجاهرين به.

أما نبي الله لوط وهو لا يعلم عن حقيقة ضيفانه إلا أنهم بشر وصار في موقف حرج وصار يخاطب قومه أنكم إن لم تؤمن بالله وبالنبي المرسل من قبله ولا تؤمنوا بمبادئ ولا دين فعلى الأقل ليكن معكم ذرة من الإنسانية فإن لم يكن لكم دين ولا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم. فهؤلاء ضيوفي ولا تفضحون ، والفضيحة : إخراج العيب ، فأنتم تخرجون عيوب هذه البلاد. أمام الآخرين ، فاتقوا الله وفكروا في آخرتكم ، ولا تخزوني في ضيوفي أي لا تباعدوا بيني وبين ضيوفي ولا تخجلوني معهم ، بل أصر قومه على محاججته.

وقالوا له : أولم ننهك أن لا تستضيف أحداً من المارين ، وأنت تعلم أن كل من يأتي ويمر بنا سوف نفعلوا فيه ما نشاء.

وعندما وصل لوط إلى هذا الحد من الإحراج مع ضيوفه خاطب قومه المنحرفين أنه مستعد أن يقدم بناته لهم ويزوجهم منهن بدل استعمال الشذوذ الجنسي { قالَ هؤُلاءِ بَناتي‏ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلينَ } فاستبدلوا الشذوذ الجنسي بالزواج الحلال.

واحتمل بعض المفسرين : أن المراد من بناته ليس بناته الصلبيين ومن نسله وإنما أراد من بناته الإناث من قومه حيث أن النبي هو أب روحاني للمجتمع ومنهم البنات. خصوصاً وأن بناته لا يكفين لمن جاء إلى منزله من أهل المدينة فكيف في من بقي منهم فيها. ولكنهم أصروا على فعلتهم هذه. وعندها الملائكة كشفوا عن حالهم وقالوا لنبي الله لوط لا تخف نحن رسل الله إليك لننزل العذاب على قومك. وبالفعل تم العذاب وقلبوا المدينة عليهم وجعلوا عاليها سافلها.

قال تعالى : { وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفي‏ فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ لا تُخْزُونِ (69) قالُوا أَ وَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمينَ (70) قالَ هؤُلاءِ بَناتي‏ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفي‏ سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } الحجر (67-72).

 

زواج النبي من حفصة كان حلا لمشكلة :

أكثر زيجات النبي الأعظم صلى الله عليه وآله من نسائه كان لحل مشكلة ما اقتصادية أو اجتماعية أو أسرية ، وكان منها زواجه صلى الله عليه وآله من حفصة فهي أيَّمة بعد أن توفي زوجها الأول خنيس بن حذافة ومعنى الأيّم كما جاء في قوله تعالى { و أنكحوا الأيامى منكم } الأيامى : جمع أيم وهو الذي لا زوج له من الرجال والنساء. ولذلك قال أهل اللغة :

( فالأيّم كل من لا زوج لها من النساء قالوا وكذلك كل رجل لا امرأة له أيّم أيضا الرجل أيم إذا كان لا زوجة له والمرأة أيم إذا كانت لا زوج لها واحتجوا…..

بما روي عن سعيد بن المسيب قال : آمت حفصة ابنة عمر من زوجها وآم عثمان من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر عمر بعثمان فقال : هل لك في حفصة ؟.

فلم يحر إليه شيئا ، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألم تر إلى عثمان عرضت عليه حفصة فأعرض عني ولم يحر إلي شيئا ؟.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فخير من ذلك أتزوج أنا حفصة وأزوج عثمان أم كلثوم فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة وزوج عثمان أم كلثوم.

 ألا ترى أن في هذا الحديث آمت حفصة وآم عثمان قالوا ففي ذلك دليل على أن من لا زوج له فهو أيم ثيبا كان أو بكرا رجلا كان أو امرأة [5]

وعن أبي الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم قالا :

قال عمر : لما توفي خنيس بن حذافة عرضتُ حفصة على عثمان فأعرض عني فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ألا تعجب من عثمان إني عرضت عليه حفصة فأعرض عني.

فقال رسول الله : قد زوج الله عثمان خيرا من ابنتك وزوج ابنتك خيرا من عثمان.

قالا : وكان عمر قد عرض حفصة على عثمان متوفى رقية بنت النبي وعثمان يومئذ يريد أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عثمان عن عمر لذلك فتزوج رسول الله حفصة وزوج أم كلثوم من عثمان بن عفان [6].

 

أم كلثوم زوج عثمان هل هي أخت حفصة أو بنت النبي ؟

اختلف في أم كلثوم التي تزوجها عثمان بعد وفاة زوجته رقية هل هي بنت النبي صلى الله عليه وآله أو ربيبته من خديجة أو أنها بنت عمر بن الخطاب وأخت حفصة فحفصة كانت ثيب بعد زوج بينما أم كلثوم بنت باكر لم تتزوج من قبل ، الرواية التي رواها ابن سعد في الطبقات ترجح القول الثاني فتقول :

( عن سعيد بن المسيب قال أيمت حفصة من زوجها وأيم عثمان من رقية قال فمر عمر بعثمان وهو كئيب حزين فقال هل لك في حفصة فقد فرطت عدتها من فلان فلم يحر إليه شيئا قال فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال خيرا من ذلك زوجني حفصة وأزوجه أم كلثوم أختها قال فتزوج رسول الله حفصة وزوج عثمان أم كلثوم. [7]

ويوجد هناك نماذج كثيرة في خطبة الآباء لبناتهم أو تقدم البنت لخطبة الرجل خصوصاً إذا كان الرجل متميزاً في صفات الحسب أو النسب أو العلم أو غيرها.

 

المناشدات :

1- فسح المجال للبنت للتعبير عن رغبتها في زواج من تريد.

2- لا مانع من الناحية الشرعية أن تتقدم البنت لمن تريد.

3- ولا مانع شرعاً من أن الأب يخطب لابنته كما يخطب أبو الولد لولده.

4- على البنات أن يعرفن أهميتهن ودورهن في صلاح المجمع بالحفاظ على عفتهن وشرفهن وإيمانهن واستعدادهن لتربية الأجيال القادمة.

الأم مدرسة إن أعددتها * أعددت شعباً طيب الأعراق.

5- عليهن أن يركزن على الأمور المهمة والأساسية في الحياة الزوجية والأسرية وعدم تركيزهن على المهور المرتفعة والأثاث المكلف والحفلات المعوقة لزواجهن.

6- على المجتمع وضع المؤسسات الخيرية النسائية والرجالية لتسريع الزواج والخطوبة بدل الخطوبة الفردية المادية وحلّ المشاكل الأسرية.

 


[1]أطلس القرآن.
[2]معجم البلدان ج 5 ص 79.
[3]إعلام القرآن ص 488.
[4]أطلس القرآن ص 61 بتصرف.

[5]التمهيد لابن عبد البر ج19/ص81 ، الطبقات الكبرى ج8/ص83

[6]الطبقات الكبرى لابن سعد ج8/ص83.

وكان ذلك قبل 30 من واقعة أحد. كما في نفس المصدر.

[7]الطبقات الكبرى لابن سعد ج8/ص83.




Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً