أحدث المقالات

الشيخ علي حسن غلوم علي(*)

(a)      مقدمة

التجديد في حركة الاجتهاد من خلال آلياته وإعادة قراءة مصادره ضرورة ملحّة، بل واقع يفرضه طبيعة مفهوم الاجتهاد الذي تدخل فيه الطبيعة البشرية، الطامحة نحو التكامل، والقاصرة عن بلوغ الهدف بخطوة واحدة حاسمة. هذه الحركة التي تعمل على قراءة الفقه الإسلامي في ثوابته ومبادئه وغاياته ونصوصه وقواعده وآلياته، ومن خلال ما تفرضه تبدُّلات الزمان والمكان والظروف المتغيرة والمعطيات العلمية المتجددة، لتقوم عندئذ بتقديم الحلول الشرعية العملية دون المساس بالأصالة.

(b)     المنهج الفقهي التجديدي عند المرجع فضل الله

  وقد امتازت المدرسة الفقهية للمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله& بحركة تجديدية واضحة، قدّم من خلالها فتاواه وآراءه الفقهية دون تحرُّج من مخالفة الأشهر والمشهور، بل وحتى الإجماع، الذي لا يمثِّل ـ عنده ـ الحجية إن لم يكن كاشفاً عن قول المعصوم× أو فعله أو تقريره، وقد لا يتسنَّى ـ حسب رأيه ـ إحراز هذه الكاشفية في جملة كثيرة من الإجماعات المدَّعاة في الموارد الفقهية المختلفة. كل ذلك أثار ضد المرجع الراحل موجة من الانتقادات ـ غير العلمية في أغلب الأحيان ـ، إلا أن ذلك لم يُثْنِه عن المضي في منهجه التجديدي والإبداعي.

  وقد أشار إلى هذه الحقيقة الباحث السيد محمد الحسيني ـ وهو المتتلمذ على يدي المرجع الراحل ـ، منوّهاً إلى أن السيد فضل الله& ـ رغم ما تقدم ـ لم يخرج عن الاتجاه التقليدي في منهجية الاستنباط، فقال: «وإذا كان السيد مجدِّداً مبدعاً فإن ذلك لا يمثل خروجاً على الثوابت والقواعد؛ لأن التجديد لا يعني القطيعة معها، كما أنه لا يمثل ابتداعاً أيضاً بقدر ما يعني التفكير بهذه القواعد والثوابت، دونما اعتراف بسلطة الماضي وذهنيته، وإلا فإن السيد تقليدي إن صح التعبير في أدواته الموروثة التي أُنجزت تاريخياً، وأصبحت بحكم المقطوع به، فهو فقيه يحتفظ بالمنهج التقليدي، ويستضيء بما أنتجه العقل الفقهي الإمامي الاثنا عشري على مدى الزمن، ليضيف لبنة هنا، وينتزع لبنة أخرى هناك، بدأت تتآكل على مدى الأيام، وهو ـ أي السيد فضل الله ـ في إطار المعاصرة متفرِّد لا ينازعه فيها منازع، ولا يباريه معها مبار»([1]).

(c)      ملامح المنهج الاستنباطي عند السيد فضل الله

  يمكن تلخيص أهم ملامح منهج الاستنباط الفقهي عند السيد فضل الله في النقاط التالية:

(d)     1ـ الطابع العرفي

لا إشكال أن قراءة الفقيه للنص الشرعي لا تختلف عن قراءة النصوص الأخرى الصادرة باللغة العربية؛ ولا يختلف فهم النص الشرعي عن فهم أية وثيقة مكتوبة باللغة العربية؛ وذلك لأن الشارع في أسلوبه البياني اللغوي يجري وفقاً لأصول وقواعد المحاورات عند العرف. ولكن مع ذلك هناك اتجاه لا يُستهان به أخذ يميل إلى قراءة النصوص الشرعية بطريقة فلسفية، ودخلت معها لغة الفلسفة والمنطق وآلياتهما وقواعدهما. ولم يُخْفِ السيد فضل الله امتعاضه من هذه الطريقة في التفكير وطغيانها في المدرسة الفقهية، وهو ما أكّده أكثر من مرة، مطالباً بضرورة الحفاظ على الفهم العرفي للنصوص. قال&: «لعل مشكلة الاستنباط الفقهي تتمثل في المنهج العقلي الذي يستخدمه البعض في فهم النص، بما قد يبعده عن الفهم العرفي الذي يرتكز عليه وعي المضمون في اللغة العربية على أساس الظهور، فقد يقف هذا البعض عند المعنى اللغوي ليؤكد وروده في نطاق الاستعمال الحقيقي بينما يكون وارداً على سبيل الاستعارة أو الكناية من خلال السياق أو بعض القرائن المحيطة بالنص، وهو ما يجعل المسألة تتجمد في الاستنطاق الحرفي لا العرفي»([2]).

(e)      2ـ الطابع الواقعي

يتسم فقه السيد فضل الله بالواقعية في النظر إلى المسائل الفقهية، بعيداً عن النظرة التجريدية أو الافتراضية التي لا واقع لها، كما دأب على ذلك بعض الفقهاء، من قبيل: حكم تزويج الصغيرة من قبل وليها، وذلك بهدف رفع الكُلفة وتحليل النظر إلى أمها، ثم تصدي الولي لتطليقها من الزوج المفترض، لتكون أمها حراماً على الأخير الذي أنشأ القبول بالزواج لهذا الغرض بينه وبين الولي. وقد لاحظ السيد على هذا الزواج أنه غير صحيح، لأنه لم ينظر إلى واقع الحال، وأنه زواج غير جاد، أي لم يُقصد فيه الزواج فعلاً، وإن لم ينفِ وجود القصد الجدي أحياناً قليلة. قال&: «…لابد من رفض الحيل الشرعية القائمة على المعاملات الشكلية التي لا تعبر عن القصد الجدي للعنوان، بحيث يتحرك الإنسان نحوه بشكل طبيعي في نطاق الحالة المحيطة به، وتبقى الحيل الشرعية في نطاق الموارد التي يمكن أن تحقق القصد الجدي إلى العنوان البديل، بحيث يتضمن خصائصه الذاتية التي تختلف طبيعياً عن الخصائص الأخرى في المورد الآخر. أما أدلة اليسر والتخفيف والعفو والرحمة فإنها لا تمثل قاعدة فقهية ترفع الحكم الشرعي إلا في موارد انطباق عنوان الحرج على الحالة، فترتفع بقاعدة نفي العسر والحرج.. وقد لا يبتعد هذا اللون من التفكير الفقهي مع روح الشريعة ومقاصدها الكلية، باعتبار أن الشريعة قد انطلقت من أجل حماية حياة الإنسان ورعايتها، التي قد تلتقي في حركيتها في بعض الحالات ببعض الاستثناءات في الترخيص لما كان حراماً أو تحريم ما كان حلالاً على قاعدة «ما من عام إلا وقد خصّ». وخلاصة الفكرة إن المعاملات والإيقاعات تتقوَّم بالقصد الجدّي، وليست عناوين خاضعة للتعبد، بعيداً عن الإرادة الحقيقية للاعتبار، وليست مجرد حالات شكلية تفتقد المضمون، مما يفرض التأمل بما ورد في الروايات من هذا القبيل، وحملها على الموقع الاضطراري الذي لا ينافي الجدية. وعلى ضوء ذلك فإننا نتحفظ في شرعية الحيل الشرعية التي يقصد فيها المكلَّف شيئاً وينشئ بالمعاملة شيئاً آخر؛ لأن قضية الوفاء بالعقد تفرض وجود التزام عقدي جدّي خاضع للحاجة الإنسانية، بحيث ينطلق منها في التزاماته مع الآخر»([3]).

(f)       3ـ النزعة التاريخية

قد تبدو للفقيه نتائج قد يقتنع بها، إلا أنها لا تثبت أمام النقد من وجهة نظر تاريخية، وذلك من قبيل: ضرورة الالتزام بالإحرام من أحد المواقيت اعتماداً على بعض الأخبار، من قبيل: «لا ينبغي لحاجّ أو معتمر أن يحرم قبلها»، و«لا تجاوزها إلا وأنت محرم». وعليه أفتى الفقهاء بإطلاق وجوب الإحرام من أحدها. غير أن السيد فضل الله& لم يستفد منها الإطلاق، بل اعتبر أن النظرة التاريخية تدفع نحو القول بأنها ناظرة إلى طرق السفر المعتمدة آنذاك من قبل المسافرين والحجاج، فكلُّ مَنْ مر عليها يلزمه الإحرام منها، أما مَنْ لم يمرّ عليها كلية، كما إذا نزل بالطائرة في جدة، فلا إطلاق لهذه الأدلة بحيث تلزمه الرجوع إلى الجحفة مثلاً، والإحرام منها. قال&، بعد استعراض الروايات، ونظريات الفقهاء في الباب، وترجيح صحة الإحرام من غير المواقيت لمن لم يسافر عن طريقها: «ثم إنه مما يؤيد ما ذهبنا إليه، من عدم لزوم الذهاب إلى الميقات، وكفاية الإحرام من جدة ـ بل قد يدل عليه ـ، ما ورد مرسلاً في (الفقيه)، ومسنداً بطريق معتبر في (الكافي)، أن رسول الله’ أحرم في عمرة الحديبية من عسفان، مع أن عسفان ليست ميقاتاً، فإن هذا يفيد أن مَنْ كان بعد الميقات إلى مكة، حتى لو لم يكن منزله هناك، لا يجب عليه الرجوع إلى الميقات، بل يحرم من مكانه، فكأن هذه الرواية نصٌّ في ما نحن فيه»([4]).

(g)      4ـ المعطى العلمي

في ظل التطور العلمي والتقني تقفز إلى ساحة البحث الفقهي عدة مسائل تفتقر إلى أجوبة شرعية شافية وواضحة، وعلى الفقيه تقديم الحلول الشرعية تجاهها، ولاسيما بلحاظ أنها بدأت تفرض هيمنتها على حياة المسلمين، وذلك من خلال الاعتماد على المعطى العلمي والتقني الحديث. ومسألة الاعتماد على الحسابات الفلكية الدقيقة في تحديد بدايات الأشهر القمرية نموذج بارز على ذلك. قال&: «يعتبر الشهر ظاهرة زمنية خاضعة لنظام الزمن الكوني، ويتكرر حدوثه منذ خلق الله السموات والأرض في وقت معين لا يزيد ولا ينقص أبداً من ظل الأرض المصطلح عليه بـ «المُحاق»، وينتهي لحظة ولادة الشهر التالي، بعد أن يمضي عليه تسعة وعشرون يوماً وحوالي ثلاث عشرة ساعة، ولا يتخلف فيها عن موعده الدائم هذا ثانية واحدة منذ أن كان، وهو بذلك ظاهرة متكررة الوجود، ولا علاقة لوجودها برؤية البصر، تماماً كما هو الليل والنهار، فإذا شهد أهل الخبرة من الفلكيين، الذين يفيد قولهم الاطمئنان، بولادة الهلال وخروجه من المحاق فهذا يعني أنّ الهلال قد وجد في الكون قطعاً، ولن ننتظر حتى نراه لنحكم بوجوده. علماً أنّنا؛ ومن أجل الزيادة في تأكيد هذا الوجود، قد أضفنا إلى نفس التوليد عنصراً آخر، وهو ضرورة مضي بضع عشرة ساعة على لحظة ولادته، يصير خلالها على درجة من قوة الضوء تجعله قابلاً للرؤية بالعين بالنسبة للناظر إليه من الأرض؛ إذ حينها نحكم ببداية الشهر القمري الجديد فعلاً، حتى لو لم يُرَ بالعين في المنطقة التي يمكن رؤيته فيها، وفي كل منطقة تشترك معها بجزء من الليل، والذي يشمل معظم العالم إلاّ بلداناً قليلة. وهذا الرأي هو نفس ما ذهب إليه أستاذنا السيد أبو القاسم الخوئي& في كتاب خاصّ له حول هذه المسألة، لكنّه توفيّ دون أن يفتي بمقتضاه. وأمّا مَنْ ذهب إلى خلاف هذا الرأي من العلماء فإنّهم قد فهموا من الحديث الشريف الذي يقول: «اليقين لا يدخله الشكّ، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» أن الرؤية بالعين مطلوبة بذاتها للحكم ببدء الشهر القمري، حيث إنّ الرؤية تمثل بذاتها حالة موضوعية دخيلة في بداية الشهر، فلا يحكم به بدونها، حتى مع اليقين بولادة القمر وبلوغه درجة عالية من قوة الضوء. في حين لا نرى خصوصية للرؤية البصرية بذاتها، بل هي مجرد طريق ووسيلة للتحقق من وجود الهلال وثبوت عنوان الشهر؛ لأنّ القرآن الكريم اعتبر عنوان الشهر موضوعاً للحكم بوجوب الصوم، وهذا العنوان سيتحقق سواء ثبتت الرؤية بالبصر أو من خلال الشهادة القاطعة لعلماء الفلك بتحققه ووجوده. وهذا المعنى للرؤية هو الذي يفهم حتى في العرف العام. فمثلاً: لو قال شخص لآخر: «إذا رأيت سعيداً في منزله فأخبرني»، وصادف أنّه علم بوجود سعيد في المنزل من خلال الاتصال التلفوني، فإنّ عليه حينئذ أن يخبر بوجوده، رغم أنه لم يَرَه بعينه؛ لأنّ العرف يفهم من كلمة «رأيته» العلم بوجوده، لا نفس مشاهدته بالعين، بل يمكننا تأكيد هذا المعنى من نفس الحديث الشريف الذي يفيد مطلعه: «اليقين لا يدخله الشك» بأنّ المعول عليه في هذا المقام هو تحقق اليقين بوجود الهلال، وأنّ رؤيته بالعين هي إحدى وسائل اليقين التي كانت متوافرة، فلو حصل اليقين من طريق آخر لزم الأخذ به، والحكم بمقتضاه؛ لأنّ اليقين لا يدخله الشك»([5]).

  وقال في مقابلة مع جريدة اللواء الإسلامي: «المشكلة لا تُحلّ إلا إذا انطلق المسلمون ليوحّدوا الرأي الاجتهاديّ الفقهيّ حول تحديد بدايات الشهور، إلى جانب اعتمادهم على ما وصل إليه علم الفلك من النتائج العلميّة في هذا المجال. وهذا يتطلّب ـ إلى جانب الانفتاح العلميّ ـ أن يلتقي العلماء ليحاور بعضهم بعضاً، وليستمعوا بشيءٍ من الجدّية إلى آراء علماء الفلك، لتحصل لديهم الثقة بهذا العلم، أو حتى ليناقشوا علماء الفلك في بعض ما توصّلوا إليه من نتائج إذا لم تحصل لديهم القناعة بها؛ لأنّ المشكلة في كثيرٍ من الأحيان هي في غياب الروح العلميّة التي لا بدّ أن يتحلّى بها العالِم، سواء كان فقيهاً، أو عالماً فلكيّاً، أو في أي ميدانٍ من الميادين»([6]).

(h)     5ـ البعد المجتمعي

كان السيد فضل الله ينظر إلى الفقه الإسلامي كإطار تشريعي منظم للفرد والمجتمع. وهو بذلك يتجاوز الفرد إلى المجتمع الإنساني، مما يجعل هذا الإطار التشريعي صالحاً للوفاء بمتطلبات هذا الاجتماع. وهو ما يغفل عنه عدد من الفقهاء، أو على الأقلّ لا يشعرون بضرورته. ولذلك دعا& إلى ضرورة إعادة النظر في مناهج الفقيه في مقام استنباط الحكم الشرعي، والكشف عنه من أدلته المعتبرة شرعاً، وهي مناهج تتحدَّد أساساً طبقاً لهدف الاجتهاد نفسه، الذي يمكن تلخيصه برفد حركة المسلمين أفراداً ومجتمعاً ودولةً. وربما تساعد هذه الرؤية على حل بعض الإشكاليات القائمة لفهم بعض النصوص، وفي المجالات الحيوية تحديداً. ومن هذا القبيل: مسألة حصر الزكاة في الغلات الأربع، فإن عدم توسيع دائرة الغلات ستترتب عليها نتائج اقتصادية سلبية على مستوى الدولة. وقد اعتبر السيد فضل الله أن الروايات تتحدث عن أحكام ولايتية، بقرينة ما ورد في بعضها بقوله: «وعفا رسول الله’ عمّا سوى ذلك»، على نحو يفيد أن كلمة «العفو» في الروايات ظاهرة في أنها حكم مؤقَّت، على خلاف التشريع العام، ما يعطي القوة والرجحان للروايات المعارضة، التي تؤكِّد شمول الزكاة لغير الغلات الأربع.

  وهكذا الأمر في مسألة الوصية، فقد أشكل على منهجية الفقهاء في استنباط المسائل الشرعية ذات البعد الاجتماعي حين يتغافلون عن هذا البُعد، وينخرطون في الاستنباط النظري. قال&: «إلاَّ أنَّ مشكلة هذه الطريقة ـ طريقة تقيُّد العام بالخاص ـ أنها صورية وشكلية، وتتعاطى مع النصوص كقواعد هندسية أو حسابية، دون أن تأخذ بالاعتبار مقتضيات المضمون في جوانبه الاجتماعية والتاريخية والإنسانية. فموضوع الوصية ينطلق من نظام العلاقات الاجتماعية، وبناء العقلاء وسيرتهم في تنظيم معاملاتهم وتوزيع ثرواتهم وتناقل أملاكهم، فلا يمكن التعاطي مع موضوعات الوصيّة وأحكامها كأمور تعبدية لا مجال للفهم الاجتماعي أو التحليل العقلي في استيعاب مضامينها أو تأسيس معانيها، أو اعتبارها مضامين شرعيّة تتكون من داخل النص، وتتولد من رحم ألفاظه، من دون أن يكون للبناء العقلائي أو الممارسة الإنسانية يد في تشكّل مفهومها، وفي تحديد معانيها، وضبط إجراءاتها ونظامها.

  فنحن نرى أن الوصية لا تحمل خصوصية ذاتية لتستثنى من سائر أعمال الصبي التي لا تصح ولا تترتب عليها آثارها العقلائية والشرعية المطلوبة، بحيث يكون استثناء بعضها دون بعض في الجواز ترجيحاً دون مرجِّح، ومخالفاً لمجرى العقلاء وبنائهم.

  ولو نظرنا في الأدلة الشرعية الواردة حول المرحلة التي يصح فيها معاملة الصبي، وتكون أعماله فيها نافذة، نجد أنَّ الآية القرآنية تؤسِّس قاعدة في المقام، وذلك في قولة تعالى: ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً (النساء: 6)، حيث إنّ الآية علَّقت جواز تصرف اليتيم الصبي بأمواله على الرشد، والرشد عبارة عن الحالة الذهنية والعقلية التي تؤهِّل الإنسان أن يستقلّ في تصرفه وأعماله، وبالتالي فإنّ الرّوايات التي تحدد الاحتلام أو بلوغ سن معينة، كخمسة عشر أو اثنتي عشرة أو غيره، كعلامات للبلوغ، تكون مبنية على الشيء الغالب والمعتاد من علامات البلوغ..»([7]).

(i)        6ـ اعتماد مرجعية القرآن الكريم

وذلك باعتبار هذه المرجعية هي الأساس في الاستنباط، بحيث تمثل الركيزة الأساس في فهم موضوع الحكم الشرعي، مع تقديم حاكمية النص القرآني على أي دليل آخر. ولما كانت هذه النقطة هي التي يدور حولها هذا البحث فسأتناولها بشيء من البيان والتفصيل وفق نقاط متتالية.

  ولكن ما ينبغي التنبيه عليه هنا ذكره المرجع الراحل في معرض كلامه عن مرجعية القرآن وتنقية السنة، حيث قال: «هذا لا يعني بالطبع تأييد الاتجاه الذي برز أخيراً، والذي يرمي إلى إبعاد السنة عن دائرة اعتبارها مصدراً للفهم الإسلامي في دائرة التشريع والمفاهيم وما سوى ذلك، وقد دعّم هؤلاء اتجاههم بحجج عديدة، أبرزها: وجود الكثير من الروايات والأحاديث الموضوعة، مما يعرّض منظومة السنة للإرباك والفوضى. ونحن إذ نسلّم بوجود الكثير من الأحاديث الموضوعة نعلم في المقابل بأن ثمة قواعد عقلائية وشرعية يمكنها تنقية السنة، وتمييز الحديث المسند من غيره»([8]).

(j)        مرجعية القرآن الكريم الفكرية

  قبل الحديث عن مرجعية القرآن الكريم في مجال الاستنباط الفقهي من المهم أن أتناول عموم هذه المرجعية على مستوى المعارف الإسلامية، وما يواجه هذه المسألة المهمة من إشكاليات وتحديات. لا خلاف بين المسلمين ـ نظرياً ـ على اعتبار القرآن الكريم هو المصدر الأول والأساس في تكوين المعارف الإسلامية في الحقول المختلفة، كالعقائد والفقه والفلسفة والتاريخ والأخلاق والاقتصاد والاجتماع والسياسة والتربية وغيرها، وأنه هو الميزان والمعيار في تصويب الآراء والأفكار، والمصدر الرئيس للقواعد الثابتة والشاملة لجميع العلوم الدينية، وأن ما ورد في القرآن الكريم ذاته من مسميات وصفات لهذا الكتاب السماوي الخالد يمثل دليلاً على صحة ما سبق. إلا أن الواقع يشهد أن هذا الدور المرجعي ووظيفته المتعددة الأطراف ـ عملياً ـ أمر غير متحقق إلا في موارد محدودة، وأن الهجران الذي حذَّرت منه بعض النصوص القرآنية والنبوية لا يقتصر على الجانب العملي في حياة المسلمين، بل هو أشمل من ذلك.

  وقد أشار إلى خطورة استمرار هذا الوضع أكثر من مفكر وباحث إسلامي، معتبرين أن الفرضية الخطيرة والحساسة والمفصلية التي يجب أن تُبذل جهود بحثية عظيمة لإثباتها وتحقيقها هي أن القرآن الكريم هو الميزان وهو المعيار في تقويم جميع المعارف، وعلاوة على حجيته فإنه مقياس تقويم الحجج والمعارف المكتوبة أو الذهنية أو الشخصية. كما أن مجرد إثبات حجية الظواهر القرآنية، إلى جانب حجية الخبر الواحد، وبمستوى واحد من الحجية، لا يحل المشكلة، ولا يزيل العوائق، فما يؤدي إلى التوازن ورفع الخلل في منهجية إنتاج المعارف الدينية واستنباط العلوم الشرعية هو إعادة القرآن إلى رتبة الهيمنة والمرجعية قياساً بمصادر إنتاج المعرفة الدينية الأخرى. وإلى جانب ذلك لابد من التنبه إلى أن اعتبار خبر الواحد بشروطه الخاصة على مستوى واحد من الحجية مع القرآن الكريم وفي ذات المنزلة، أو أن ظاهر الاثنين بنفس القيمة، من أهم عوامل إلغاء تلك الهيمنة والمرجعية القرآنية. وهذا هو مراد العلامة محمد حسين الطباطبائي حيث قال: «وقد أفرط في الأمر إلى حيث ذهب جمع إلى عدم حجية ظواهر الكتاب، وحجية مثل: مصباح الشريعة، وفقه الرضا، وجامع الأخبار! وبلغ الإفراط إلى حيث ذكر بعضهم أن الحديث يفسِّر القرآن مع مخالفته لصريح دلالته، وهذا يوازن ما ذكره بعض الجمهور: «أن الخبر ينسخ الكتاب». ولعل المتراءى من أمر الأمة لغيرهم من الباحثين ـ كما ذكره بعضهم ـ «أن أهل السنة أخذوا بالكتاب وتركوا العترة، فآل ذلك إلى ترك الكتاب؛ لقول النبي’: «إنهما لن يفترقا»، وأن الشيعة أخذوا بالعترة وتركوا الكتاب، فآل ذلك منهم إلى ترك العترة؛ لقوله’: «إنهما لن يفترقا»، فقد تركت الأمة القرآن والعترة «الكتاب والسنة» معاً. وهذه الطريقة المسلوكة في الحديث هي أحد العوامل التي عملت في انقطاع رابطة العلوم الإسلامية، وهي العلوم الدينية والأدبية، عن القرآن، مع أن الجميع كالفروع والثمرات من هذه الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وذلك أنك إن تبصَّرت في أمر هذه العلوم وجدت أنها نُظِّمت تنظيماً لا حاجة لها إلى القرآن أصلاً، حتى أنه يمكن لمتعلِّم أن يتعلَّمها جميعاً: الصرف والنحو والبيان واللغة والحديث والرجال والدراية والفقه والأصول، فيأتي آخرها، ثم يتضلَّع بها، ثم يجتهد ويتمهَّر فيها، وهو لم يقرأ القرآن، ولم يمسَّ مصحفاً قط. فلم يبق للقرآن بحسب الحقيقة إلا التلاوة؛ لكسب الثواب أو اتخاذه تميمة للأولاد تحفظهم من طوارق الحدثان! فاعتبر إنْ كنت من أهله»([9]).

  هذا فضلاً عن أن إلغاء الدور المرجعي الفكري للقرآن الكريم أثّر بصورة سلبية على تكوين صورة متكاملة ومتناسقة للدين والشريعة، وعلى فهم الروح الكلية وتشخيص الأهداف الاستراتيجية لهما. وهو بدوره هدَّد المعرفة الدينية بشكل عام، ومهّد الأرضية لظهور كثير من الصور غير العقلائية وغير القابلة للتفسير، بل والمتعارضة فيما بينها، الأمر الذي ساهم ـ أحياناً ـ في خلق حالة من ازدواجية الشخصية عند بعض المتدينين بين التزامهم الفقهي وسلوكهم الأخلاقي القِـيَمي، ودفع بآخرين إلى الابتعاد عن الإسلام وشريعته.. هذا علاوة على أن ظهور بعض صور التعارض مع حقائق علمية يقينية فتح الباب على مصراعيه للتشكيك من قبل العلمانيين وغيرهم في مقولات من قبيل: «البناء العقلائي في الإسلام»، و«المكانة المتميزة للعقل في الإسلام»، و«عدم إمكانية التضاد بين العلم والدين»، و«وحيانية المعارف الدينية»،  وما إلى ذلك.

  قال السيد فضل الله& في هذا الخصوص: «إن هناك كثيراً من الناس من الذين قد يملكون موقعاً علمياً فقهياً اجتهادياً عندما يقتربون من القرآن يقولون: نحن لا نفهم القرآن؛ لأن القرآن لا يفهمه إلا أهله، وأهله هم النبي’ وأئمة أهل البيت^. وعليه فقد أنكروا حجية ظواهر القرآن… في الواقع فإن هذا النمط من التفكير حوّل القرآن إلى مجرد كتاب مقدس يُقرأ من دون وعي ولا فهم، إلا من خلال الأحاديث، ما أدى إلى أن تصبح الأحاديث حاكمة على القرآن، وهذا ما جعل القرآن يعيش في متاهات ثقافية، من خلال الأحاديث التي قد لا تكون موثوقة في سندها، ولا في متنها. وفي حين أن الحديث النبوي وأحاديث الأئمة الأطهار من أهل البيت^ يؤكِّدان أهمية عرض كل الأحاديث على القرآن تصبح المسألة معكوسة، أي إن القرآن وفق هذه الذهنية هو الذي صار يُعرض على الحديث. وقد تطور هذا الأمر إلى حدّ أن بعض الناس يفسرون عبارة «ما خالف كتاب الله فهو زخرف» بمعنى ما خالف باطن كتاب الله، وليس ما خالف ظاهر كتاب الله! وفي ضوء ذلك طرحت عدة إشكالات فكرية، وقد أثرتُ في بعض المناقشات أن هناك في إحدى الزيارات التي تُنسب إلى الأئمة^، من دون سند موثوق، ترد جملة «وإياب الخلق إليكم، وحسابهم عليكم»، أي الأئمة، وقلتُ: إن القرآن يقول: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم (الغاشية: 25 ـ 26)، فكان الجواب: إنه لا مانع من ذلك، فكما نجد أن الله يتوفى الأنفس، ومع ذلك ذكر في القرآن ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ (السجدة: 11)، فإذاً يمكن حمل ذلك على خلاف الظاهر في القرآن، فنقول: إن الإياب إلى الله، ويكون لأهل البيت، تماماً كما في مسألة الوفاة، وهنا يجري الخروج عن ظاهر القرآن لمصلحة نص قد لا يكون موثوقاً؛ حفاظاً على قداسة النص الحديثي الوارد هنا وهناك. لذلك فإننا نعتقد أنه لابد من إعادة النظر في تأصيل الحجية، وفي تطبيقات قضية الحجية في هذا الموضوع..»([10]).

  ولا تقف سلبيات تهميش الدور المرجعي المهيمن للقرآن عند هذا الحد، إلا أن الاسترسال فيه يخرجنا عن مقصد هذا البحث، ولذا أكتفي بهذا المقدار. ويمكن الاستزادة في هذا المجال من كتاب «فلسفة مرجعية القرآن المعرفية في إنتاج المعرفة الدينية»، للباحث الشيخ نجف علي ميرزائي.

(k)      مرجعية القرآن الكريم الفقهية

  لا خلاف بين المدارس الفقهية الإسلامية على اعتبار القرآن الكريم هو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي، غير أنّ الواقع الملموس يشير إلى وجود فوارق شاسعة في مدى الاعتماد على هذا المصدر، بل في مصداقية هذا العنوان المطروح، أعني كون القرآن هو المصدر الأول للتشريع، ولاسيما أنّنا نشهد في الحوزات العلمية غياباً واضحاً للتفسير وعلوم القرآن والدراسات التخصصية المتعلقة بكتاب الله سبحانه، إلا ما ندر، وليست من المقررات الدراسية لطلاب الحوزة العلمية، إلا في الفترة الأخيرة، ضمن التعديلات التي أجريت على مناهج الحوزة في قم المقدسة. بينما من المفترض أن الاجتهاد الفقهي يتوقف على الإحاطة بالقرآن الكريم لغةً وتفسيراً وتاريخاً، وبما يتجاوز آيات الأحكام التي بنى عليها الفقهاء مبانيهم العامة. وهذا ما أشار إليه الباحث مختار الأسدي، حيث كتب: «هناك العديد من الآيات القرآنية الكريمة مفادها أحكام في الفروع، ولم تُذكر في ما أسموه بآيات الأحكام، فضلاً عن العقائد والقيم والأخلاق القرآنية التي لابد للفقيه من التحلي بها؛ تأسياً بأخلاق الله، واقتداءً برسوله والأئمة الميامين من آله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وهذا يعني أن سيادة أو سيطرة الاتجاه التجزيئي للتفسير على الساحة الإسلامية لمدة ثلاثة عشر قرناً ـ حسب تعبير السيد الشهيد محمد باقر الصدر& ـ قد أبعد كتاب الله العزيز كثيراً عن أهدافه العظيمة التي من أجلها نزل؛ إذ راح كل واحد من المفسرين يفسر آيات الله آية آية لدعم اتجاهه الفكري والسياسي، فيبدأ بالقرآن، وينتهي بالقرآن، لا كما يُفترض أن يكون التفسير، أي يبدأ من الواقع، وينتهي بالقرآن، أو كما يقول السيد الشهيد: «..وهنا يلتحم القرآن مع الواقع، يلتحم القرآن مع الحياة؛ لأن التفسير يبدأ من الواقع وينتهي إلى القرآن، لا أن يبدأ من القرآن وينتهي بالقرآن، فتكون عملية منعزلة عن الواقع، منفصلة عن تراث التجرية البشرية، بل هذه العملية تبدأ من الواقع وتنتهي بالواقع». ويضيف: «لم ينزل القرآن الكريم على رسول الله’ لكي يدرسه مجموعة من المتخصصين والمثقفين، وإنما نزل هذا الكتاب لكي يُخرج الناس من الظلمات إلى النور… إذاً فهو كتاب هداية، وليس كتاب اكتشاف»… وتصبح القضية فاجعة ـ حسب تعبير السيد علي الخامنئي مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية، في معرض تعليقه على هذه القضية ـ، ولاسيما حين يجري تجاهل التفسير بشكل كامل وعدم الاهتمام به أو تغييبه في جوّ الحوزات العلمية؛ إذ قال يوماً متشكِّياً متوجِّعاً ضمن كلام له في مدينة قم المقدسة مع طلبة العلوم الدينية: «…وإذا أراد أحد كسب مقام علمي في الحوزة كان عليه أن لا يُفسّر القرآن حتى لا يُتّهم بالجهل؛ إذ كان يُنظر إلى الملا المحترم والعالم المفسر الذي يستفيد الناس من تفسيره على أنه جاهل ولا وزن له علمياً، لذا يضطر إلى ترك درسه، ألا تعتبرون أن ذلك فاجعة؟». إذاً يمكن القول: إن دارس الفقه يجب أن يتوفر على معرفة متخصِّصة في اللسان العربي، وفي تفسير القرآن وعلومه؛ لتترشح عملية الاستنباط عن رؤية شمولية وافية، تؤهله لاستكمال تفاصيلها أو آفاقها أو فضاءاتها، كما يقول المعاصرون»([11]).

  وعلى أية حال فإنني أقدِّم في هذا البحث نموذجين من نماذج المفارقات بين مقولة: إن كتاب الله هو المصدر الأول في الاستنباط، وبين آليات الاستنباط وقواعده ونتائجه. وستتضح من خلال نقاط لاحقة عدة مصاديق عملية في هذا الإطار بإذن الله تعالى.

(l)        مرجعية القرآن الفقهية عند الأخباريين

  هذا هو النموذج الأول في تغييب مرجعية القرآن الكريم، حيث ذهب كثير من فقهاء هذه المدرسة إلى القول بعدم الأخذ بظواهر القرآن الكريم، إلا بالرجوع إلى الأحاديث المروية عن أهل بيت النبوة^، باعتبار أنهم هم الراسخون في العلم الذين دفعنا القرآن ذاته إلى الرجوع إليهم في فهم متشابهاته. وهذا يعني أن خبر الواحد سيكون حاكماً على الآية القرآنية فيما لو كان الخبر موجوداً، وإلا فإن الآية ستكون معطَّلة الدلالة والفائدة.

  ونحن لا نستطيع القول بوجود منهج استنباطي واحد عند المدرسة الأخبارية، ولاسيما في ما يخص الاعتماد على القرآن الكريم كمرجعية أساسية في عملية الاستنباط، فهي تبدو من حيث العنوان وكأنها تقترب كثيراً عند بعض فقهائها من المدرسة الأصولية، وتبتعد كثيراً في بعض الأحايين، وإن كنت من حيث المبدأ أرى أن الابتعاد عند المدرستين متحقق على مستوى متقارب من الناحية العملية التطبيقية.

  وقد صرّح الشيخ يوسف البحراني في كتابه «الحدائق الناضرة» بوجود هذا الاختلاف بين فقهاء المدرسة الأخبارية، حيث قال: «المقام الأول: في الكتاب العزيز. ولا خلاف بين أصحابنا الأصوليين في العمل به في الأحكام الشرعية، والاعتماد عليه، حتى صنّف جملة منهم كتباً في الآيات المتعلقة بالأحكام الفقهية، وهي خمسمائة آية عندهم. وأما الأخباريون فالذي وقفنا عليه من كلام متأخِّريهم ما بين إفراط وتفريط، فمنهم من منع فهم شيء منه مطلقاً، حتى مثل قوله: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (التوحيد: 1)، إلا بتفسيرٍ من أصحاب العصمة^، ومنهم من جوّز ذلك حتى كاد يدّعي المشاركة لأهل العصمة^ في تأويل مشكلاته وحل مبهماته. والتحقيق في المقام أن يقال: إن الأخبار متعارضة من الجانبين، ومتصادمة من الطرفين، إلا أن أخبار المنع أكثر عدداً، وأصرح دلالة».

  ثم يذكر الشيخ البحراني جملة من الروايات المتعارضة ـ بنظره ـ في المقام، وبعد أن يطبّق عليها قواعد التعارض ينتهي إلى ترجيح روايات المنع وردّ ما يعارضها، وكأن الشيخ بذلك يردّ الدليلين ـ الكتاب والسنة ـ إلى دليل ومصدر واحد لا غير، وهو سنة النبي وأهل بيته^.

  وهكذا يبدو من الشيخ الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة&، حيث عقد لهذه المسألة باباً، وعنوانه «عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن إلا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة».

  وبهذا أيضاً برَّر المحدِّث الإسترآبادي عمل الإخباريين أحياناً في الظواهر القرآنية، مثل: قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة: 1)، وقوله تعالى: ﴿أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ (النساء: 43)، وقوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (المائدة: 6)، قائلاً: «نحن نوجب الفحص عن أحوالهما ـ أي الكتاب والسنة ـ بالرجوع إلى كلام العترة الطاهرة^، فإذا ظفرنا بالمقصود وعلمنا حقيقة الحال عملنا بها، وإلا أوجبنا التوقف والتثبت»([12]).

(m)   التعارض بين النص القرآني والحديث

  وهذا هو النموذج الثاني في تغييب مرجعية القرآن الكريم. ولكن حديثنا هذه المرّة ضمن المدرسة الأصولية. فالأصوليون يقولون بأن النص القرآني إذا كان يقيني الصدور والدلالة معاً فإنه لا يقف في وجهه حينئذٍ نصّ حديثي.

  إلا أن الكلام يقع فيما لو كانت دلالة الآية ظنية تعتمد على الأخذ بظاهرها، فأغلب علماء الأصول، ولاسيما المتأخرين منهم، كالشيخ حسن نجل الشهيد الثاني، والمحقق الحلي، والمحقق العراقي، والآخوند الخراساني، والسيد الخوئي، يتبنّون موقفاً خلاصته أنه إذا حصل تعارض بين نصّ قرآني عام أو مطلق وبين مخصِّص أو مقيِّد روائي، وهكذا بين الحاكم والمحكوم، والأظهر والظاهر..، فإن النص الروائي يقدَّم، نتيجة قانون المطلق والمقيَّد، والعام والخاص، والحاكم والمحكوم. ومردّ هذا القول هو النظر إلى النص القرآني والروائي بمنظار الحجية الأصولية، فيراهما الأصولي حجة في نفس المستوى من الحجية، ومن ثم يطبّق عليهما معاً قوانين التخصيص والتقييد والحاكمية وغيرها.

  وبهذا يفقد القرآن الكريم امتيازه كمرجعية أساسية في استنباط الأحكام الشرعية، كما فقدها في مجالات المعارف الدينية الأخرى، ونكون قد قدّمنا نصوصاً ظنية الصدور ـ أعني خبر الواحد ـ على نصوص قطعية الصدور، بذريعة أن الإسلام عذر أتباعه في اتباع تلك الظنية من باب الضرورة، ولفقد أساليب الإثبات.

  وقد تحققت عملية انتقال المرجعية هذه بهدوء وتدرّج تاريخي وبفعل مقومات كثيرة، وغدت بالتالي المرجعية الحديثية على حساب مرجعية كتاب الله ـ بدل أن تكون في طولها ـ من أهم أسباب إضعاف دائرة ثوابت الشريعة ومقاصدها، وكلاهما ـ أي الثوابت والمقاصد ـ من أسس الوصول إلى نظريات فقهية شمولية تبعدنا عن حالة التفكك أو التجزؤ الفقهي ـ إن صح التعبير ـ، وابتعاد الفتوى أحياناً عن روح الإسلام، أو تفريغها من بعدها الإنساني أو الأخلاقي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التربوي.

  ولتقريب الفكرة يمكن تقديم مثال الأحكام الشرعية المبثوثة في كتب الفقهاء حول الزكاة عندما ابتعدوا عن اعتماد المرجعية القرآنية، وقرأوا النصوص القرآنية والحديثية بصورة متجزئة وبعيدة عن مقاصد التشريع وروح الإسلام، كما فصلوا تلك المسائل عن الواقع وعن أزمات المجتمع الإسلامي وأفراده، مما أدى في النهاية إلى تقديم أحكام الزكاة معطَّلة ومفرّغة من أهدافها، بل قد تكون متعارضة معها.

  فلا اجتثاث الفقر، ولا المساهمة في تكوين اقتصاد الدولة العصرية، ولا العدالة الاجتماعية، ولا غير ذلك من روح الزكاة وفلسفتها، حاضرٌ في أبحاث الكثير من الفقهاء وفتاواهم بالصورة التي تؤثر في النتيجة بتقديم نظرية متكاملة حول تشريع الزكاة، والانطلاق لاحقاً في تشكيل مفردات الفتوى ضمن إطار تلك النظرية التي يجب أن تنطلق من المبادئ المعرفية النابعة من القرآن الكريم، بحيث يخرج الاجتهاد الفقهي من إطار البحث ضمن دائرة التكليف الفردي، وينقله إلى دائرة المجتمع والدولة، كما يوسع دائرة موارد الزكاة بما يتوافق مع المعطيات الاقتصادية المعاصرة، وإلا كيف يمكن لنا أن نهضم الفتاوى التي ما زالت تحصر الزكاة في بعض العناوين، ويتحملها الفقراء والمحرومون من المزارعين ورعاة الأنعام، وتعفي أصحاب الملايين النشطين في عالم الاقتصاد، والذين لا يعملون في تلك النطاقات الاقتصادية المحدودة؟!

قال المرجع الراحل السيد فضل الله&، في معرض جوابه عن تساؤل حول (رأيه في الإسراف في توظيف بعض الأدوات الأصولية العقلية في استنطاق النص، والتي صاغت فتاوى لا تنسجم مع روح الشريعة، مثل: كراهة تزويج بعض الأقوام): «لعل مشكلة الاستنباط الفقهي تتمثل في المنهج العقلي الذي يستخدمه البعض في فهم النص، بما قد يبعده عن الفهم العرفي الذي يرتكز عليه وعي المضمون في اللغة العربية على أساس الظهور… هذا بالإضافة إلى عدم مقارنة بعض الأحاديث في مضمونها الفكري مع القرآن، وعلاقتها به سلباً أو إيجاباً، للأخذ به أو لرفضه على أساس القاعدة الحديثية في رفض كل حديث لا يوافق كتاب الله أو يخالفه. وبحسب آراء البعض فإن المنهج العقلي حَصَر المخالفة بمنطوقه فحسب، فإذا لم يصطدم منطوق الحديث بمنطوق القرآن فلا مشكلة، بل يصار ـ لديهم ـ إلى التخصيص. ولعل المثال المذكور في السؤال أحد أبرز الأمثلة في هذا المجال، فهذا البعض يعتبر أن الأحاديث الواردة في عدم تزويج الأكراد والزنج وأمثالهما لا تنافي قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ (الإسراء: 70)؛ لأنه ـ كما هو المنهج عندهم ـ لا يدل على شمول التكريم بكل ألوانه وأشكاله أو لكل الأشخاص، فلا مانع من تقييده ببعض الأشخاص أو ببعض حالات التكريم؛ لأن الفهم الحرفي يفرض ذلك، أما الفهم العرفي فإنه يستفيد من هذه الفقرة من الآية التي يتحدث فيها الله عن تكريم الإنسان من خلال إنسانيته، باعتبارها القيمة التي يملك فيها الإنسان الفضل على كثير من المخلوقات، ما يجعل من أي تشريع ينزل بقيمة الإنسان من حيث ذاته، انطلاقاً من نسبه أو قوميته، مخالفاً للآية، وذلك باعتبار أن المخالفة للقرآن تمثل المخالفة لمفاهيمه، وفي ضوء ذلك فإنه يكون مخالفاً لروح الشريعة. وإننا إذ نؤكد على مراعاة روح الشريعة فإننا لا نريد بها الروح التي يستوحيها الإنسان في تفكيره الذاتي غير المرتكز على ظهورٍ أو نصّ، بل الروح التي يستوحيها من الكتاب والسنّة، كما في الفقرة المذكورة في هذه الآية، ولهذا رفضنا مثل هذه الفتاوى؛ لمخالفتها للقرآن من جهة، إضافة إلى ضعف السند في رواياته من جهة أخرى»([13]).

  وقال في مجال آخر: «أعتقد أن العودة إلى القرآن واستنطاقه قد يزوِّدنا بعددٍ كبيرٍ من القواعد الفقهية الواسعة بالطريقة المصطلح عليها في عالم الاستنتاج وبالطريقة غير المصطلح عليها. إنني أضرب مثلاً لهذا: عندما ندرس في القرآن الكريم عدة موارد تتحدث عن مسألة الضرر مثلاً، الله سبحانه وتعالى يتحدث في الوصية بكلمة ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ﴾، وبالنسبة إلى المرأة يقول: ﴿ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا، وما إلى ذلك من الموارد التي قد تذكر الضرر لفظاً أو ما يشبه عنوان الضرر، كما في قوله تعالى ﴿ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة: 195)، فإننا نستطيع من خلال هذه النصوص المتناثرة في أكثر من موضوع أن نستخلص قاعدة في الضرر بشكل أساسي بدون حاجة إلى السنَّة، كما يمكننا استيحاء ذلك من خلال الأساليب الحديثة في فهم الفكر، أي من خلال مقاربة عدة نصوص. أمّا الفقهاء فكثير منهم يقولون: إنّ هذا نصٌّ ورد في موردٍ خاص، وذاك النص ورد في مورد خاص، ونقل الحكم من هذا المورد إلى مورد آخر نقل حكمٍ من موضوع إلى موضوع آخر مع عدم اليقين بالعلّة أو بالمصلحة، ما يجعل القضية قياسية، وبالتالي «ليس من مذهبنا القياس»، وما إلى ذلك. وفي تصوري أننا إذا استطعنا الارتكاز على القرآن كأساس للوعي التشريعي في الإسلام، واتَّبعنا الأساليب الحديثة في استيحاء الفكرة من النص، يمكننا أن نحصل على أشياء جديدة جداً. وإنني أتهم الأسلوب الاجتهادي الموجود لدى الكثير من الفقهاء بأنه ضيِّق؛ ذلك أنهم ينظرون إلى كل نصٍ في مورد خاصّ على أنّ له شخصية خاصة تختلف عن شخصية النص الآخر الوارد في مورد آخر، مع أننا نجد أنّ أي إنسان ملمّ باللغة العربية وبالصيغ التعبيرية يستطيع أن يأخذ من مجموع الموارد قاعدة عامة، ولاسيما إذا رأى أنّ هذه الموارد وإن كانت مختلفة في طبيعتها إلا أنها تلتقي بالخطِّ العام الذي تشترك فيه جميع النصوص، ومن الممكن أن نحصل على نتيجة كبيرة في هذا المجال. ولعلّ قيمة هذا المعنى أو الشيء الجديد في هذا الاتجاه هو محاولة تجديد الأساليب في طريقة فهم النص»([14]).

(n)     مرجعية القرآن في الاستنباط عند الفقهاء

  لم يكن السيد محمد حسين فضل الله& الوحيد الذي طرح ضرورة إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في ما يخص مرجعية القرآن في استنباط الأحكام الشرعية، فقد تعرّض لهذه المسألة عدد من الفقهاء، وقدّم بعضهم فتاوى منبثقة عن هذه الرؤية التي سعوا لتأصيلها في عملية الاستنباط. وفي ما يلي نماذج من كلماتهم وآثارهم:

(o)     أطروحة الشهيد الصدر الأول

  تعرّض السيد الشهيد محمد باقر الصدر& في بعض أبحاثه إلى هذه النقطة دون توسُّع. وله عدة تطبيقات أفتى من خلالها بما يخالف به فقهاء آخرين. ومن ذلك ما طرحه في خصوص كيفية التصرف بالهدي بعد ذبحه أو نحره. ففي مقابل الرأي الفقهي القائل بوجوب التقسيم إلى ثلاثة أقسام: أحدها للحاج نفسه؛ والآخر هدية لمؤمن؛ والثالث للفقير المؤمن؛ وذلك اعتماداً على ما جاء في بعض الروايات، وكذلك بالنسبة إلى التصرف بما شاء في ثلث الفقير بأخذ الوكالة من فقير ولو في بلد الحاج، فإن الشهيد الصدر لم يرتضِ هذا القول، واعتمد على مرجعية ظهور الآية في فهم النصوص الروائية، حيث قال: «والصحيح أن هذا التصرف من الأساس ليس بواجب على هذا الوجه في هدي حج التمتع، فلا يجب على الحاج أن يأكل من ذبيحته، وإنما يرخَّص له في ذلك، ويجب عليه أن يُطعم الفقراء من ذبيحته إذا تمكن من ذلك، قال الله سبحانه: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ولا يشترط في الفقير هنا الإيمان، فإن لكل كبد حرّى أجر، وقد ورد بسند معتبر على الأظهر عن الإمام الصادق× أن علي بن الحسين× كان يطعم ذبيحته الحرورية، وهم الخوارج الذين يعادون مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام، وإطعام البائس الفقير الذي يأمر به القرآن الكريم لا ينطبق عرفاً على تقبّل الحاج للثلث نيابة عن فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ، ولا يحصل على شيء من الذبيحة، فإن المأمور به عنوان الإطعام، لا مجرد إنشاء التمليك»([15]).

  والمثال الآخر هو عدم تجاوز السيد الشهيد الصدر للمفهوم القرآني لقيمومة الرجل على المرأة. وفي ذلك قال الباحث السيد محمد الحسيني: «فقد فهمها السيد الشهيد في إطار قرآني، وبذلك لا تتجاوز القيمومة المشار إليها المؤسسة الزوجية إلى غيرها، وذلك للربط بين الإنفاق والقيمومة قرآنياً، ولذلك لا قيمومة للرجل على المرأة مطلقاً بناءً على ظهور الآية الكريمة، من وجهة نظر السيد الشهيد، في أن القيمومة بسبب الإنفاق، فمع التخلُّف عنه لا قيمومة»([16]).

  ويمكن أن يضاف إلى ما سبق مقولة الشهيد الصدر& حول إشعاع المفاهيم على الأحكام، والتي تطرق لها في كتابه «اقتصادنا»، وهو وإنْ لم يخصِّص أولوية استقاء المفاهيم من كتاب الله عز وجل، إلا أنه يمكن استشفاف ذلك من الأمثلة التي قدمها ضمن حديثه حول هذا الموضوع، حيث قال: «ويمكننا أن نضع إلى صفّ الأحكام في عملية الاكتشاف المفاهيم التي تشكل جزءاً مهماً من الثقافة الإسلامية. ونعني بالمفهوم كل رأي للإسلام أو تصور إسلامي يفسر واقعاً كونياً أو اجتماعياً أو تشريعياً. فالعقيدة بصلة الكون بالله تعالى وارتباطه به تعبير عن مفهوم معين للإسلام عن الكون. والعقيدة بأن المجتمع البشري مرَّ بمرحلة فطرة وغريزة قبل أن يصل إلى المرحلة التي يسود فيها العقل والتأمل تعبير عن مفهوم إسلامي عن المجتمع. والعقيدة بأن الملكية ليست حقاً ذاتياً، وإنما هي عملية استخلاف، تعكس التصور الإسلامي الخاص لتشريع معين، وهو الملكية للمال، فإن المال في المفهوم الإسلامي كله مال الله، والله يستخلف الأفراد أحياناً للقيام بشأن المال، ويعبَّر عن هذا الاستخلاف تشريعياً بالملكية. فالمفاهيم إذاً وجهات نظر، وتصورات إسلامية في تفسير الكون وظواهره، أو المجتمع وعلاقاته، أو أي حكم من الأحكام المتشرعة، وهي لذلك لا تشتمل على أحكام بصورة مباشرة. ولكن قسماً منها بالرغم من ذلك ينفعنا في محاولتنا للتعرف على المذهب الاقتصادي في الإسلام، وهو ذلك القسم من المفاهيم الإسلامية الذي يتصل بالحياة الاقتصادية وظواهرها، أو بأحكام الإسلام المشرَّعة فيها. ولكي نوضح بشكل عام الدور الذي يمكن أن يؤديه هذا القسم من المفاهيم في سبيل تحديد معالم المذهب الاقتصادي في الإسلام يجب أن نتعجَّل النتائج التي سوف يسجلها بعض البحوث الآتية، وأن نستعير من تلك البحوث مفهومين إسلاميين دخلا في عملية اكتشاف المذهب التي يمارسها هذا الكتاب.

وأحد هذين المفهومين هو مفهوم الإسلام عن الملكية، القائل بأن الله تعالى استخلف الجماعة على المال والثروة في الطبيعة، وجعل من تشريع الملكية الخاصة أسلوباً يحقق ضمنه الفرد متطلبات الخلافة، من استثمار المال وحمايته، وإنفاقه في مصلحة الإنسان، فالملكية عملية يمارسها الفرد لحساب الجماعة، ولحسابه ضمن الجماعة.. فهناك من المفاهيم ما يقوم بدور الإشعاع على بعض الأحكام، وتيسير مهمة فهمها من نصوصها الشرعية، والتغلب على العقبات التي تعترض ذلك، فالمفهوم الأول الذي عرضناه قبل لحظات عن الملكية الخاصة يهيئ الذهنية الإسلامية ويعدّها لتقبل نصوص شرعية تحدّ من سلطة المالك، وفقاً لمتطلبات المصلحة العامة للجماعة؛ لأن الملكية بموجب ذلك المفهوم وظيفة اجتماعية، يسندها الشارع إلى الفرد ليساهم في حمل أعباء الخلافة التي شرف الله بها الانسان على هذه الأرض، وليست حقاً ذاتياً لا يقبل التخصيص والاستثناء. فمن الطبيعي أن تخضع الملكية لمتطلبات هذه الخلافة. ومن اليسير في هذا الضوء تقبُّل نصوص تحدُّ من سلطة المالك، وتسمح بانتزاع المال من يد صاحبه في بعض الأحايين، كالنصوص الإسلامية في الأرض، التي تؤكد على أن الأرض إذا لم يقم صاحبها باستثمارها ورعايتها، وفقاً لمتطلبات الخلافة، تنتزع منه، ويسقط حقه فيها، وتعطى لآخر. وقد تردَّد كثير في الأخذ بهذه النصوص؛ لأنها تهدر حرمة الملكية المقدسة. ومن الواضح أن هؤلاء المترددين لو كانوا ينظرون إلى تلك النصوص بمنظار المفهوم الإسلامي عن الملكية لما صعب عليهم الأخذ بها، والتجاوب مع فكرتها وروحها. وبهذا عُرف أن المفاهيم الإسلامية في الحقل الاقتصادي قد تشكل إطاراً فكرياً يكون من الضروري اتخاذه لتتبلور ضمنه النصوص التشريعية في الإسلام تبلوراً كاملاً، ويتيسر فهمها دون تردد. ونحن نجد بعض تلك النصوص التشريعية قد لاحظت هذا المعنى بوضوح، فأعطت المفهوم أو الإطار تمهيداً لإعطاء الحكم الشرعي، فقد جاء في الحديث بشأن الأرض وملكية الإنسان لها: «إن الأرض لله تعالى، جعلها وقفاً على عباده، فمن عطّل أرضاً ثلاث سنين متوالية لغير علة أخذت من يده، ودفعت إلى غيره». فنحن نرى أن الحديث قد استعان بمفهوم معين عن ملكية الأرض، ودور الفرد فيها، على توضيح الحكم بانتزاع الأرض من مالكها وتبرير ذلك»([17]).

(p)     أطروحة الشيخ شمس الدين

  بعد أن أشار الشيخ محمد مهدي شمس الدين&، في بحثه حول (الستر والنظر)، إلى أن القرآن الكريم والسنة الشريفة هما المصدران الوحيدان للتشريع، وأن القرآن المتداول بين المسلمين قطعي السند لا زيادة فيه ولا نقصان ولا تحريف، وبعضه نصٌّ قطعي الدلالة، وبعضه ظاهرُ الدلالة، تحدث عن التركيز على آيات الأحكام، وتغييب سائر آيات القرآن الكريم، الأمر الذي ترتبت عليه بعض النتائج السلبية على مستوى الفتوى، فقال: «إن الفقهاء رضي الله عنهم والأصوليون القدماء.. انطلقوا في تعاملهم مع القرآن باعتباره مصدراً للتشريع من خلل أو من ضيق في الرؤية المنهجية جعلتهم يرون فقط آيات الأحكام المباشرة التي يتعاطونها، وهي ما يتصل بفقه الأفراد، عبادات الفرد، تجارة الفرد، جريمة الفرد، الأسرة»، وإنهم «غفلوا عن البعد التشريعي للمجتمع وللأمة في المجال السياسي والتنظيمي وللعلاقات الداخلية في المجتمع وعلاقات المجتمع مع المجتمعات الأخرى غير المسلمة»، وأصبح الفقيه يتعاطى مع أقل من عُشر القرآن الكريم، متغافلاً عن الباقي منه.

  والأمر الآخر الذي لاحظه الشيخ شمس الدين& في مسلك الفقهاء الاستنباطي هو ما ذكرته مسبقاً حول تجاوز حاكمية القرآن الكريم، والسعي لفهم النصوص الدينية من الروايات والأحاديث الشريفة بمعزل عن التوجيه القرآني، بينما كان من المفترض أن تكون للقرآن تلك المرجعية المهيمنة التي يلجأ إليها الفقيه ليحاكم من خلالها النص الروائي؛ وذلك لأن «الرؤية القرآنية هي المناخ التشريعي للأحكام، فهذه الأحكام ليست بلا جذور، وليست بلا إطار ـ فلسفة ـ، بل هي ترتكز على قاعدة عامة تعبر عنها هذه الرؤية، وبذلك تكون هذه الرؤية مرجعاً في فهم النصوص التشريعية وتفسيرها». وعليه فإن «الرؤية القرآنية تضيء النص التشريعي، وتكشف فيه عن أبعاد وخصوصيات قد تضيف إليه دلالة أخرى تضمنية أو التزامية على خصوصيات لا تدل عليها بالمطابقة وبصورة مباشرة»([18]).

(q)     أطروحة الشيخ الفضلي

  يلاحظ العلامة الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي أيضاً على المنهج الفقهي السائد أنه يتعاطى مع السنة الشريفة بمستوى واحد وبمسافة واحدة من القرآن الكريم. وفي معرض تصحيحه لهذا المسلك قدّم عدة أمثلة، منها:

1ـ ولاية المرأة للوظائف العامة، ومنها: الولاية السياسية والقضائية. قال بعد ذكر قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (النساء: 34): «ونستفيد من هذا أن القوامية لا تعني القيمومة التي فهم منها المستدلون التسلُّط والتصرف، وإنما تعني إناطة مسؤولية رعاية مصالح النساء وتدبير شؤونهن بالرجال. ومن أظهر مصاديق تلك الرعاية وذلك التدبير هو وجوب إنفاق الرجل ـ الزوج ـ على زوجته، وهذا يعني أن الإنفاق من القوّامية، وليس من القيمومة. وقد يرجع هذا إلى أن أكثر المجتمعات ـ ومنها المجتمعات العربية التي نحاول معرفة معنى القوّامية لديهم ـ مجتمعات ذكورية، تحمَّل الرجل مسؤولية رعاية مصالح المرأة وتدبير شؤونها، وهم لا يرمون من هذا إلى أن تلك الرعاية وذلك التدبير هما من نوع الولاية السلطوية، وإنما هما شأن من شؤون تركيبة المجتمع.. ونخلص من كل ذلك إلى أن القوّامية غير القيمومة».

2ـ حرمة الغناء، واعتبارها عرضية، وليست ذاتية، حيث يعمد الشيخ الفضلي إلى إرجاع الروايات التي وردت في تحريم الغناء إلى القرآن نفسه، وهو ما تم الإرجاع إليه في الروايات ذاتها، كما في رواية أبي الصباح الكناني، والتي فيها: «عن أبي عبد الله× في قول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ، قال: هو الغناء». وقد اعتبر الشيخ الفضلي أنه لابد من حمل جملة «يشهدون» على معنى «يحضرون»، والمناسب لذلك هو حمل الغناء على إرادة مجالس الغناء؛ لأنه هو المعنى الذي يلائم مجالس الغناء. ولذلك فإنه على رأي الشيخ الفضلي إذا حملت على المعاني الأخرى فإنه لا يتم الاستدلال بالآية… وهذا يعني أن الغناء لم يحرَّم لذاته، وإنما لأسباب خارجة عنه، تعرض له، فتكسبه الحرمة([19]).

(r)      أطروحة الشيخ محمد الصادقي الطهراني

  يعتبر الدكتور الشيخ محمد الصادقي الطهراني من المؤمنين بمبدأ إعادة تكوين طريق المعرفة الدينية عبر إعلاء القرآن الكريم والسنة القطعية، دون غيرهما؛ للوصول إلى معارف إسلامية أصيلة. ويرى الدكتور الصادقي أن أهم شروط الاجتهاد هو أخذ طالب العلم دورة بحثية كاملة للقرآن الكريم. كما لا يقف الصادقي عند القول بأن أفضل طريقة لفهم القرآن هي تفسير القرآن بالقرآن فقط، بل يرى أن هذه هي الطريقة الوحيدة لفهم القرآن، وأن السنة وإن كانت قطعية لا حاجة لها في فهم القرآن، الذي هو نص واضح وميسَّر وتبيان لكل شيء. ولهذا يؤكد الصادقي على بطلان القول بظنية دلالات القرآن، وأن قائل ذلك يشارك في ستر حقائق كتاب الله وكاتم للحق، لكنه يبين أن السنة القطعية يمكن أن ينتفع بها في التفسير القاصرون عن فهم النص الواضح. أما من جهة الأحكام الفقيهة فلا مانع لدى الصادقي أن تؤسس السنة المتواترة أحكاماً لم ترد في القرآن الكريم. كما قام الشيخ الصادقي بتأسيس فقه إسلامي شبه متكامل يعتمد في استدلالاته على الأدلة التي يرى بأنها قطعية، وقد أطلق على هذا الفقه مسمى (الفقه الناطق)، في مقابل نوعين آخرين، هما: (الفقه التقليدي)، وهو الطريقة السائدة التي يصفها الصادقي بأنها همَّشت دور القرآن الكريم؛ والفقه الآخر هو (الفقه التجديدي)، ويشير فيها إلى أصحاب نظرية التحول الدائم في فهم الشريعة، مثل: الدكتور عبد الكريم سروش وأمثاله، وإن كان الصادقي يرى أن بعض الأحكام قد تتغير بتغير أو انتفاء علة الحكم؛ لأن الحكم يدور مع علته.

  وقد جاءت المخرجات التطبيقية لمنهجه الاستنباطي بما يخالف به آراء مشهورة بين فقهاء الإمامية، ومن بينها: تحريم التقليد إلا للعاجز عن الاجتهاد، جواز السجود على الفرش وأنواع السجاد، ربط جواز القصر في السفر بوجود الخوف أو الضرر فقط، وجوب صلاة الجمعة والجماعة والعيدين، حرمة تقبيل يد غير المعصوم، نفي وجوب الخمس في أرباح المكاسب.

  قال الشيخ حيدر حب الله في معرض تقديمه نماذج لتيار التجديد الفقهي المعاصر: «ومن الرموز البارزة والمتقدمة في هذا الاتجاه الشيخ الصادقي الطهراني، صاحب كتاب «تبصرة الفقهاء»، وهو موجَّه للفقهاء لإبانة إشكالات وقعوا فيها. ويميل الطهراني كثيراً إلى الاستنباط من القرآن الكريم، معارضاً التيار الأخباري بشدّة كبيرة، ومن آرائه أنه لا خمس في أرباح المكاسب، ويناقش الفقهاء في ما يطلقون عليه محرّمات الإحرام، ويرى ـ بدلاً عنها ـ محرّمات الحج، مستدلاًّ بقوله تعالى: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، وأن الحِلّ من الإحرام لا يحل الحاج من المحرمات المذكورة. كما أنه يرى زكاة النقدين في عصرنا الحاضر، ولا يرى انحصارها في الموارد التسعة المشهورة بين الفقهاء»([20]).

(s)      أطروحة السيد فضل الله

  اعتبر السيد فضل الله& أن القرآن انطلق في حركة الدعوة ليؤصل القواعد في دائرتها الواسعة، ولعلّ الخطأ الذي يقع فيه كثير من الباحثين والفقهاء والمفسِّرين يرجع إلى «أنهم ينظرون إلى كل آية بمفردها، ويعتمدون في صرف ظواهرها على أخبار غير موثقة، ويتحدثون عن نسخ بعضها ببعض في ما لا مجال فيه للنسخ، لاختلاف الموضوع والجهة، استناداً إلى أخبار آحاد لا تفيد علماً ولا ظناً، مما يجعل الإنسان يفقد الجو القرآني المتكامل في التشريع في ما يقرأه من آيات؛ لأنه يضيع عن المعنى الأصيل أمام هذا الركام الهائل من الوجوه أو الأحاديث. إن قيمة القرآن الكريم في القضايا التي يثيرها هي في هذا التناسق الرائع الذي يمثِّل وحدة القضايا في كل التفاصيل التي تثيرها الآيات، لتكون كلّ وحدة منها جزءاً من كلّ، لا قطعة منفردة، قد تلتقي بالأخرى، وقد لا تلتقي، ولن نستطيع فهم القرآن إلا على هذا الأساس، وبهذه الروح التي أرادنا القرآن أن نتدبر فيها آياته وأحكامه»([21]).

  وحول ذات النقطة كتب نجله السيد جعفر فضل الله في مقدمته لتقرير بحثه بعنوان (البلوغ): «إن المنهجية التي عالج من خلالها سماحة السيد الأستاذ حفظه الله الموضوع في علاقة القرآن ـ في ما طرحه من مواضيع ـ بالسنّة، حيث يمثل القرآن ـ بنظر سماحته ـ الركيزة الأساسية في فهم موضوع الحكم الشرعي، مما سيحكم بالتالي سعة الإطلاقات التي يؤخذ بها في إطار المدرسة الأصولية السائدة، هذه المنهجية ألقت بظلالها على نتائج البحث، وعلى علاج التعارض. علماً أنها تمثل طرحاً جديداً ينبغي التوفر على دراسته من الحوزة العلمية بعامة. أما ملامح هذه المنهجية ـ بحسب فهمي ـ فهي ما نعرض له على النحو التالي: إذا تعرض القرآن الكريم لموضوع من الموضوعات الفقهية فإن وضوح المراد منه يجعله مرجعية في تفسير كل ما ورد في الروايات من عناوين، وبالتالي فإن سعة الإطلاق فيها تتبع سعة الإطلاق في المفهوم القرآني. وهذا ما يفترض ـ تالياً ـ عدم قبول سماحته لما قرّره الأصوليون في باب الحكومة ـ على إطلاقه ـ، حيث نتيجته غض النظر عن المفهوم القرآني في استفادة المراد من الرواية، والحُكم بإدخال فردٍ تعبُّداً فيه. كانت هذه القاعدة حاضرة بقوة في هذا البحث، حيث اعتبر السيد الأستاذ الوالد حفظه الله أن ما ورد في القرآن الكريم من عناوين للبلوغ، وهي بلوغ النكاح والحُلُم والأشُد، تشير إلى معنىً واحد، هو النضوج الجنسي، وهذا هو الذي ينبغي أن يحكم كل العناوين الواردة في الروايات، بحيث تفسَّر على أساس تحقق العنوان القرآني المستفاد، أو عدم تحققه، ما يجعل بعض العناوين الواردة، كالتسع والإنبات وغيرهما، عناوين غير تعبدية بعيداً عن النضوج الجنسي. وقد أكد سماحته ذلك عبر التعليلات الواردة في بعض الروايات، كقوله×: «وذلك أنها تحيض لتسع»، وأيد ذلك ببعض التعبيرات الأخرى، كقوله×: «ودخلت على زوجها»، أو «دُخِل بها»، مضافاً إلى الروايات الواردة مورد بيان القاعدة، كما في قوله’: «رُفع القلم عن الصبي حتى يحتلم»، أو في تفسير الأشُد في قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، قال×: «احتلامه». وفي غير هذا الكتاب طبّق سماحته هذه القاعدة المؤصّلة لديه على روايات الغناء وآلات القمار، حيث استفاد أن الروايات طالما أنها في مقام تطبيق ما ورد في القرآن الكريم فإن المستفاد منها يدور مدار المستفاد من عناوين ﴿قَوْلَ الزُّورِ﴾، و﴿لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾، و﴿المَيْسِر، ما يجعل حرمة اللعب بآلات القمار تدور مدار صدق الميسر عليه، وهو اللعب بِعِـوَض، ويجعل حرمة الغناء مختصة بالباطل والإضلال عن سبيل الله مما كان من مقول القول، وليست حرمتهما مطلقة، كما فهم كثير من الفقهاء. على أن هذه القاعدة الأصولية لا تختص ـ لدى سماحته ـ بالعناوين القرآنية، بل تشمل ما ورد في السنة أيضاً مما كان على مستوى القاعدة التي ترجع إليها كل الروايات، لكونها تطبيقات لها، كما في قوله’: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». ولذا اعتبر سماحته في بحث الرضاع أن ما ورد مما استفاد منه الفقهاء حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن لا يفيد الحرمة؛ لعدم انطباق القاعدة المذكورة، بل هو نظير ما ورد من النهي عن نكاح القابلة، معلِّلاً بأنهنّ «بعض أمهاته»، وفاقاً للشيخ الطوسي& في النتيجة. وهذا ما يمكن انطباقه في مسألة البلوغ، وذلك لوجود ما كان على نحو القاعدة التي تركز البلوغ على أساس النضوج الجنسي»([22]).

(t)       نماذج فقهية

  لم يقتصر السيد فضل الله& على مناقشة وتقرير الموضوع من ناحية نظرية، بل عمل على تقديم تطبيقات عديدة على مستوى الفتوى أحياناً، وعلى مستوى الرأي العلمي أحياناً أخرى. ومن هذه الموارد:

(u)     1ـ حق الزوجة الجنسي

فالاتجاه السائد هو أن لا حقّ جنسي لها أكثر من مرة واحدة كل أربعة أشهر؛ وذلك تبعاً لروايات في هذا المجال. ويتجلى منهج المرجع الراحل& في تحكيم المرجعية القرآنية، حين يقدِّم الرؤية القرآنية عليها، كقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (البقرة: 228)، وقوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (البقرة: 229)، وقوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء: 19). قال& تحت عنوان (موقع القرآن الكريم من عملية الاستنباط): «نستطيع أن نستوحي من بعض العناوين القرآنية ما يكون قرينة على كثير من المواقع الشرعية لعلاقة الرجل بالمرأة. فعندما نقرأ قوله تعالى: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ فهذه الآية ـ بحسب الطريقة الأصولية في المدرسة العقلية ـ خاصة بصورة التعدد، وإن على الإنسان أن لا يجعل الزوجة الأولى كالمعلقة من خلال استغراقه مع الزوجة الثانية. ولكننا نفهم من ذلك أن الله سبحانه وتعالى يفرض أن لا يذرها كالمعلَّقة، بمعنى أن هذا أمر مرفوض في ذاته، فلم يقل «فلا تغمطوهن حقّهن في القسم»، أو «لا تغمطوهن حقّهن في النفقة»، بل أتى بهذا العنوان، مما يدل على أن عنوان المرأة المعلقة هو من العناوين المرفوضة لدى الشارع بحسب الفهم العرفي، وأن الشارع يرفض أن تبقى الزوجة معلَّقة. وعلى هذا الأساس فإن هذا العنوان حاكم على الروايات، وعلى كل حالة من الحالات التي تكون المرأة فيها معلَّقة، لا مزوَّجة ولا مطلَّقة. ومن المعروف أن المراد بالتعليق أن لا تعيش المرأة حقوقها، لا في جانب الإنفاق فحسب، بل في كل الجوانب التي تمثِّل حقّاً للمرأة. وقد تتضح الفكرة أكثر إذا أضفنا إلى ذلك حكماً آخر، وهو ما يقوله صاحب الجواهر وجماعة، من أن حكم الأربعة أشهر مختص بصورة وجود الرجل عند المرأة، أما إذا كان مسافراً فلا يجب عليه شيء، كما لو تزوج ودخل بامرأته، وسافر عنها عشرين سنة، وتزوَّج بغيرها، واكتفى بإرسال الأموال لها، فليس لها الحق في ذلك، أفهل يتناسب هذا الحكم مع روح الإسلام؟ ومن هنا فإننا نحب أن نقول: إن عملية الاستنباط ليست عملية هندسية متحجِّرة، وكنت دائماً أقول لكثير من الإخوة: افهموا النصوص كما تفهمون أي نصوص أخرى، فإننا نجد أن الطريقة الطبيعية المتعارفة في فهم المسألة التاريخية من التاريخ، أو فهم المسألة الأدبية من النص الأدبي، أو في دراسة أي مفكّر، أن المحققين يحاولون أن يفهموا ذلك من خلال التقاط كل الخصوصيات، ومن خلال دراسة الجو العام حتى نستطيع أن نقول بعد ذلك: إن المؤرخ أو الأديب الفلاني يتبنى هذا الرأي. وهذا الكلام يجري أيضاً في الفقه، فالفقه ليس مجرد قواعد معلَّبة لا نحاول أن ننفتح فيها على الجو العام الذي يستفاد من مجموعات الروايات. وعلى هذا الأساس فإننا نفهم من كلمة «بالمعروف» في قوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، إذا فهمنا أن المراد بالدرجة درجة الطلاق، أن حق المرأة في الجنس بالنسبة للرجل كحق الرجل بالنسبة إلى المرأة، وخاصة إذا لاحظنا أن الجانب الجنسي هو الأساس في الزواج؛ لأنه لا معنى لأن تتزوج المرأة حتى تجد شخصاً يوفِّر لها الطعام. والحاصل أن الجنس غريزة خلقها الله في المرأة والرجل، فعالم الجنس هو للمرأة والرجل معاً، فكما أنه يمثل حاجة هنا فإنه يمثل حاجة هناك، وبالتالي فكما يجب على المرأة أن تستجيب كلما أراد الرجل كذلك يجب على الرجل أن يستجيب كلما أرادت المرأة، إلا أن تكون هناك حالة مرضية أو حالة إعياء أو عذر شرعي وما إلى ذلك من العناوين الثانوية. ومن الطبيعي أن الفقهاء لا يوافقون على ذلك، ولكننا عندما نلاحظ النصوص الإسلامية ونجمع فيما بينها نجد أن المسألة تتحرك في هذا الاتجاه. ولو قطعنا النظر عن كل هذه الروايات والقواعد لو أن الرجل منع زوجته حقها الجنسي، بحيث لا يستجيب لحاجتها الجنسية في مدى السنة أو في مدى العمر، وإذا استجاب فإنه يستجيب بالمقدار الذي يصدق فيه عنوان مسمى الجماع أو الإدخال، فهل تصدق المعاشرة بالمعروف؟! أو الإمساك بمعروف؟! إننا ندعي أنه لا يصدق ذلك إلا إذا كان عندنا عقل غير هذا العقل، ولذلك فإن المدرسة العقلية التي درج عليها الفقهاء هي التي أوصلت إلى هذه النتائج الفقهية»([23]).

(v)      2ـ طلاق المرأة التي يغيب عنها زوجها

يخالف السيد فضل الله& فقهاء آخرين، حيث يفتون بأنه مع الإنفاق من قبل ولي الزوج لن يكون لها حق طلاق الحاكم. أما السيد فضل الله فيعتبر أن مجرد الإنفاق من الولي لن يحقق لها سائر حاجاتها، ومنها الحاجة الجنسية، وبالتالي يصح طلاق الحاكم حينئذ وإن أنفق ولي الزوج الغائب. قال&، بعد مقدمة حول منهجه في التعامل مع الروايات والآيات القرآنية، بحيث يستفيد من بعضها أحكاماً ومفاهيم عامة تكون هي الأساس في مختلف الموارد والتطبيقات، وأن هذا الأسلوب يختلف عما هو المعهود لدى علماء الأصول: «قوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. فقد بيّن تعالى في هذه الآية القاعدة العامة التي تحكم علاقة الزوجين، وهذه القاعدة تسري في مختلف موارد هذه العلاقة وحالاتها، ففي كل حالة لا يكون فيها الزواج إمساكاً بمعروف ـ كما لو امتنع الزوج عن النفقة، أو كان يسيء معاملة الزوجة بالضرب المبرح بحيث تكره عندئذ البقاء معه ـ فلابد من أن يطلّقها أو يجبره الحاكم الشرعي على ذلك إذا أصر على عدم الإمساك بالمعروف ورفض الطلاق؛ لأن هذه الآية القرآنية قاعدة عامة تبيّن أن العلاقة الزوجية محكومة بهذه العناوين، بحيث يدور الأمر بينهما، فإذا انتفى الإمساك بالمعروف فلابد من التسريح بالإحسان، ولا ثالث لهما، ولاسيما إذا ضممنا آية: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. ومن هنا عندما يمتنع الزوج عن وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر لا لشيء فإن هذا ليس إمساكاً ولا معاشرة بالمعروف، وما ورد من الروايات المتعلقة بهذا الجانب كعلاج سلبي، كما في امرأة غاب عنها زوجها، فقد سأل أبوالصباح الكناني الإمام الصادق× عن «امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين، ولم ينفق عليها، ولم تدر أحيٌّ هو أم ميت، أيُجبَر وليُّه على أن يطلقها؟ قال: نعم، وإن لم يكن له ولي طلقها السلطان. قلت: فإن قال الولي: أنا أنفق عليها؟ قال: فلا يُجبَر على طلاقها. قال: قلت له: أرأيت إن قالت: أنا أريد مثل ما تريد النساء، ولا أصبر ولا أقعد كما أنا؟ قال: ليس لها ذلك ولا كرامة إذا أنفق عليها». أقول: إن لنا تحفُّظاً إزاء هذا النوع من الورايات؛ لأنها تصادم مفهوماً قرآنياً واضحاً يعتبر قاعدة وقانوناً يحكم هذا النوع من العلاقات. وهنا نرى أن الفقهاء يقعون في حيرة في حالات كهذه، حيث إنهم عندما يستندون إلى مثل هذه الأخبار نجد أنها لا تسمح لهم ولا تعطيهم الحق بفك العلاقة بين الزوجين، وإن كانت الزوجة تعيش الآلام والحرج الشديد الذي لا يُتحمَّل عادة، وربما وقعت في الزنا المحرم! ونحن حينما نعتبر أن القرآن هو الأساس في مثل هذه الحالات نعتبر أن القرآن هو الذي يحكم الروايات، وليس العكس. ومن هنا نستقرب أن للحاكم أن يطلِّقها؛ وفاقاً للمنقول عن الشيخ حسين الحلي، وإنْ اختلفت طريقة الاستدلال، حيث يظهر منه& اعتبار هذا المورد من صغريات الضرر المنفيّ، فتأمل»([24]).

(w)    3ـ إرث الزوجة من الأرض

إن مشهور الإمامية وفق بعض الروايات على أنها لا ترث من أرض العقار، بل من قيمة البناء. وخالفهم السيد فضل الله في هذه المسألة، لأنها وفق مبناه تتعارض مع القرآن، معتبراً أن ما ورد في خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله×: «قال: سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئاً، أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة، فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت» هو الموافق للقرآن، وهو المقدَّم على سائر الروايات، وعليه الفتوى. قال&: «فالخلاف حول المسألة بين المتأخرين منصبٌّ على قضيتين ـ بعد تسالمهم على أصل الحرمان من شيء ما ـ: الأولى: هل يختص الحرمان بغير ذات الولد أو يعم مطلق الزوجة؟ والثانية: ما هو المقدار الذي تُحرم منه الزوجة غير ذات الولد أو الأعم؟ وهل هو مطلق الأرض عيناً وقيمة أو خصوص العقار منها أو تُحرم منها عيناً لا قيمة؟ المشهور حرمانها من مطلق الأرض عيناً وقيمة، ومما هو مثبت فيها عيناً لا قيمة». وبعد استعراض الروايات في الباب وأقوال جملة من الفقهاء قال: «والواقع أن هذا الخبر موافق لظاهر القرآن، وما سبقه مخالف له، ولو بالعموم والخصوص.. وعلى أية حال فخبر ابن أبي يعفور ـ بالرغم من دلالته على التسوية بين الزوج والزوجة في أن الواحد منهما يرث من كل ما تركه الآخر ـ يقرر حقيقة أن الذي كان مترسخاً في أذهان الشيعة هو حرمان الزوجة من الأرض، وهو ما ترشد إليه بطريقة أو بأخرى الأخبار السالفة، مع تفاوت في دلالتها عليه، وليس ثمة ـ بنظرنا ـ ما يرشد إلى الطريقة التي يمكن أن تعالج بواسطتها هذه الأخبار المختلفة المتفاوتة والمتعارضة في آن، وإن كان الذي يرجح بحسب نظرنا في مثل هذه المواضع التي تختلف فيها الأخبار هو عموم الكتاب، ذلك أن المسائل التي تكون موضع ابتلاء المسلمين منذ الصدر الأول، والتي لا تكون من القضايا السرية التي تكثر الدواعي لإخفائها، من الطبيعي أن ينقل المسلمون عن رسول الله’ حكمها، وخصوصاً إذا كان ثمة في كلام رسول الله’ ما يخصص عموم الكتاب أو يقيِّد مطلقه. أما ولم يُنقل عنه’ من ذلك شيء البتة فهو قرينة على كون حكم ذلك هو العموم، وإلا للزم من السكوت إيقاع الناس في الحرام، ومن عدم البيان تسليط الناس على ما لا يملكون من أموال غيرهم. مع ملاحظة أخرى وهي أن الإمام علي× لم ينبِّه الناس إلى ذلك في أيام خلافته، التي كان يملك من خلالها تطبيق حكم الله، ولاسيما أنه لا يتصل بأي شيء مما قد يختلف عليه الناس من القضايا المثيرة للحساسيات الشديدة، وقد تقدم أن مصدر حكم الإمام الباقر× هو كتاب علي×، فكيف نفسِّر ذلك؟»([25]).

(x)      4ـ بلوغ الأنثى

فعلى ضوء التعارض الروايات في تحديد سن البلوغ عند الأنثى فيما بينها، ومع تلك التي تحدِّد البلوغ بالتحيض، رجّح السيد فضل الله روايات بلوغها بالحيض، على خلاف الفتوى الدارجة ببلوغها عند التاسعة من عمرها، كما عليه كثيرون، معتبراً أن النصوص القرآنية تؤكِّد على مسألة النضوج الجنسي في البلوغ، وهي حاكمة على الروايات، وأن الروايات بصدد تقديم أمثلة من الواقع، لا التحديد بالسن على سبيل الدقة. قال& تحت عنوان (الرأي المختار): «هذه هي الروايات التي عثرنا عليها، بعضها على اعتبار التسع، وبعضها ردَّد بينها وبين عشر سنين، وبعض على اعتبار البلوغ بالحيض، والبعض على جعل الثلاث عشرة حدّاً للحكم ببلوغ مَنْ لم تحض. والمتحصِّل منها في نظرنا أمور:

أولاً: إن قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾، وقوله عز وجل: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ﴾، وكذا ما ورد في السنة الشريفة في قوله’: «لايتم إلا بعد الاحتلام»، أو «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم»، وغيرها، مما هو وارد مورد بيان القاعدة في البلوغ، مع عدم إشارة القرآن إلى سنٍّ معين، كل ذلك يستفاد منه أن العنوان الأساسي في البلوغ هو النضوج الجنسي، وبحسب المنهج الذي ارتأيناه في علاقة العناوين القرآنية الثابتة بالعناوين المتحركة الواردة في السنة فإن هذا العنوان يحكم كل ما ورد في الروايات عن عناوين تحدِّد البلوغ بها، مما يكون بإطلاقه اللفظي شاملاً لما تحقق معه العنوان وغيره. وبعبارة أخرى: إن ما ورد في السنة الشريفة في تحديدات للبلوغ بسنٍّ معين، كالتسع والعشر والثلاث عشرة، أو في الذكر بالثلاث عشرة والأربع عشرة والخمس عشرة وغيرها، محكومة بالعنوان القرآني الذي هو وارد مورد القاعدة، ما يعني أن دائرة إطلاق تلك العناوين ـ الواردة في السنة ـ ينبغي أن تقيَّد بالعنوان القرآني، لا أن تتم توسعة البلوغ إلى ما لا يتحقق معه ذلك العنوان، كما قرّبه الفقهاء في ما سُمّي باب الحكومة. ونتيجة ذلك القول بأن التسع ليست ملحوظة بذاتها، وإنما بلحاظ كونها سن الحيض، ولاسيما مع ما ورد في روايتي الكناسي وحمران الواردتين في التسع من الدخول على زوجها أو الدخول بها، فإنه قد يقال بأن ذلك إنما هو بلحاظ بلوغها مبلغ النساء من الحيض، وليس المراد التسع على إطلاقها، فتأمل في هذا الأخير»([26]).

(y)      5ـ وجوب الخُلع على الرجل إذا بذلت الزوجة

قال السيد محمد الحسيني: «ولعل أهم الموارد الفقهية التي حاول أن يعالجها السيد فضل الله في ضوء المنهج القرآني مسألة الخُلع، وكونه واجباً على الرجل حين بذل الزوجة أو لا؟ ومن الجدير بالذكر أن هناك عدداً من فقهاء الإمامية، وفي مقدمتهم الشيخ الطوسي، اختاروا وجوب الخلع، واستدلوا له بأن النهي عن المنكر واجب، وإنما يتم بهذا الخلع فيجب. أما السيد فضل الله فقد حاول التنظير له بعيداً عن استدلال الشيخ الطوسي وأمثاله، وردّه إلى المنهج القرآني، حيث إن قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّـهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ يعني أن الحل مما يريده الله على كل حال في حالةٍ من هذا القبيل، بحيث يخشى أن لا يقيما حدود الله، ويتم تجاوزها أو انتهاكها، ولو تُرك للرجل بأن يمتنع على نحو يكون كالطلاق فعندئذ يكون الأمر عديم الفائدة، هذا فضلاً عن روايات شروط البذل؛ إذ يمكن أن يستفاد منها أنها تؤكد على أن الطلاق واقع على كل حال»([27]).

  وقد سألت المؤلف إن كان يملك وثيقة مكتوبة في هذا الخصوص فأجاب بأن ما طرحه السيد فضل الله& قد بيّنه له على مستوى الرأي العلمي، لا الفتوى، وأن بيانه كان شفاهاً، لا كتباً.

(z)      6ـ وجوب صلاة الجمعة وجوباً عينياً في زمن الغيبة

فبعد أن كان يوافق مشهور الفقهاء بالوجوب التخييري، كما في رسالته العملية «فقه الشريعة»، عدل عن ذلك في السنوات الأخيرة من حياته المباركة، اعتماداً على مرجعية القرآن الكريم، وتقديم ظاهر الآية على ظاهر الأحاديث في الباب، كما أخبرني بذلك شفاهاً، وكنتُ قد استفتيتُه حول هذه المسألة قبل سنتين تقريباً، حين عقدت العزم على إقامة صلاة الجمعة في المسجد الذي أؤم فيه المصلين في الكويت، فأجاب: «صلاة الجمعة في رأينا الفقهي واجبة وجوباً عينياً عند توفر شرائطها، وإذا أقيمت وجب الحضور إنْ لم يكن هناك عذر شرعي مانع، والتارك لها مأثوم كترك أية فريضة يومية أخرى. إني أدعو المؤمنين في الكويت وفي كل البلدان الإسلامية إلى إقامتها وحضورها، فإن الله لم يتحدث عن صلاة في القرآن كما تحدث عن صلاة الجمعة، وأوحى بأن الانشغال عنها باللهو والتجارة يبعد الإنسان عن الخير، وقد ورد عن رسول الله’ أنها حج المساكين، مما قد يستفاد منه أن الآتي بها يثاب ثواب الحج، إذا لم يكن قادراً على الحج مالياً. وجاء عن الإمام الباقر× أنه قال ـ في رواية زرارة بن أعين عنه ـ: صلاة الجمعة فريضة، والاجتماع إليها فريضة مع الإمام ـ والمقصود به إمام الجمعة؛ لأن الأئمة^ لم يستطيعوا إقامتها، ولم يقيموها بإمامتهم ـ. وإذا كان بعض المراجع يرون التخيير بينها وبين الظهر فإنهم يرون أفضلية الإتيان بها عن الإتيان بالظهر، والله العالم»([28]).

(aa)  7ـ ابتداء الكفار بالحرب

قال السيد فضل الله&، بعد إشكاله على المنهجية السائدة بين كثير من الفقهاء في عدم صياغة المفاهيم العامة القرآنية، وقراءة النصوص بشكل متجزئ، وإهمال المرجعية الأساسية للقرآن: «ولعل من الطريف أن نجد بعض الفقهاء الكبار يستدلون على وجوب ابتداء الكفار بالحرب بسيرة النبي’ والتابعين، التي تدل على شدة المواظبة والحث عليه، حتى تكرر ذلك منه’ وهو في النزع، وخصوصاً في تنفيذ جيش أسامة بن زيد.. فإننا نسجل على هذا الاستدلال ملاحظات أساسية، وهي أن السيرة لا تدل على وجوب الابتداء بالجهاد كحكم شرعي أصيل، بل كل ما تدل عليه مشروعية الجهاد ضمن الظروف الموضوعية التي كانت موجودة في ذلك العهد. وهذا مما لا شك فيه؛ لأن حديثنا ليس في المبدأ، بل في التفاصيل. إن كل ما نريده من هذا الحديث هو إبداء التحفظات حول الفكرة التي يدعو إليها جمهور فقهاء المسلمين، من اعتبار الحرب أصلاً في الشريعة الإسلامية، بحيث يحتاج السِّلْم إلى مبرِّر.. فربما كانت الفكرة الأكثر قرباً للإسلام هي اعتبار السِّلْم أصلاً، لتكون الحرب قضية طارئة تخضع لمبرراتها، ولهذا ترجع إليه كلما زالت المبررات، أو ربما كانت قضية السِّلْم والحرب خاضعة لمصلحة الإسلام والمسلمين، فليس أحدهما أصلاً، ليكون الآخر أمراً طارئاً، بل كلٌّ منها أصلٌ في إطاره وضرورة في موقعه، تماماً كأيّ أسلوبين يختلف موضوعهما ومجالهما في الحياة، فلكلٍّ موضعه الذي يستقل به ولا يشاركه فيه شيء آخر. وعلى ضوء ذلك كله نجد أنّ من الحق لنا أن نرفض الفكرة التي حاول بعض المستشرقين أن يحاربوا بها الإسلام، فتحدثوا عن الروح الحربية التي تحكم القائمين على شؤون الإسلام، من خلال شريعة الجهاد التي تعمل على إشعال نار الحروب الدائمة في العالم، فلا تخمد حرب في مكان إلا لتشعل في مكان آخر، ولا تهدأ جبهة في جانب إلا لتثور جبهة أخرى في جانب آخر، مما لا يسمح للعالم أن يستقر أو يخلد إلى طمأنينة أو استقرار»([29]).

(bb) 8ـ حكم ثمار البحر وما لا فلس له من السمك

إن الأشهر بين الإمامية هو حرمة تناولها، وفقاً لما جاء في عدد من الروايات، التي عارضتها روايات أخرى دفعت ببعضهم إلى القول بالكراهة لا التحريم. إلا أن المبنى الفقهي للسيد فضل الله، القائل بحاكمية القرآن، دفعته إلى ترجيح الروايات المبيحة؛ لتوافقها مع القرآن، بل لاستشهادها بالآية القرآنية، وتعليق الإمام عليها بقوله: «إنما الحرام ما حرم الله ورسوله في كتابه، ولكنهم قد كانوا يعافون أشياء، فنحن نعافها». وقد أفتى& في عام 1430هـ بحلية كلّ السمك، بالإضافة إلى ثمار البحر، وأصدر رسالةً علمية بحثية في هذا الصدد تحت عنوان (ثمار البحر، نظرة فقهيّة جديدة)، بعد أن كان يحتاط احتياطاً وجوبياً، كما في تقرير درسه المنشور عام 1428هـ تحت عنوان (فقه الأطعمة والأشربة)، وفي رسالته العملية «فقه الشريعة». قال&: «إنّ النصوص العامة المتوفرة في المقام، تدلّ على أنّ القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية هي الحلية والإباحة، والنصوص العامة الواردة في الحلية على ثلاثة أنواع: فهناك عمومات الحل التي تثبت حلية كل ما في الأرض؛ وهناك ما يدل على حلية كل ما يطعمه الإنسان؛ وهناك ما يدل على حلية مطلق صيد البحر وطعامه. وهذه العمومات إذا تمّت، ولو في نوعٍ منها، فإنّها ستشكل مرجعاً لدى الشك وعدم تمامية المخصِّص، وسوف نلاحظ أنه لا مخصِّص لهذه العمومات في ما نحن فيه، وإليك هذه الأنواع:

النوع الأول: عمومات حل ما في الأرض. وبالإمكان أن نذكر لهذا النوع عدة وجوه: الأول: قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً… (البقرة: 29).

وبعد أن يذكر مفاد الآية يضيف: «الثاني: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً (البقرة: 168). وتقريب دلالتها…

الثالث: قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ (المائدة: 4). بتقريب أنّ…

النوع الثاني: عمومات حل الطعام. ويمكننا أن نذكر لهذا النوع عدة وجوه أيضاً: الأول: قوله تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (الأنعام: 145)…

الثاني: مـا ورد عـن الأئمّة^ في غير واحدة من الروايات الصحيحة الواردة في حكم السؤال عن حلية بعض حيوانات البر أو البحر، حيث أجابوا^ بأنّ الحرام هو ما حرّم الله في كتابه، ثم استشهدوا^ بقوله: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ…. ومن مجموع هذه الروايات يستفيد الفقيه قاعدة عامة في حلية كل الحيوانات إلاّ ما أخرجه الدليل.

النوع الثالث: عمومات حل ما في البحر. ويمكننا أن نذكر هنا عدة وجوه أهمها: الوجه الأول: قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ (المائدة: 96)…

الوجه الثاني: قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (النحل: 14)، ونحوه قوله تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (فاطر: 12)([30]).

(cc)   9ـ حرمة التدخين

 استدل المرجع الراحل& بقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا (البقرة: 219) على حرمة التدخين، بتقريب أن مفادها يعني أن كل ما كان ضرره أكثر من نفعه فهو حرام.

قال&، في معرض رده على سؤال حول مبناه في تحريم التدخين: «دليل الحرمة هو ما يسبِّبه التدخين من الأضرار البالغة بشهادة أهل الخبرة وإقرار العقلاء، وما كان ضرره أكثر من نفعه فهو محرَّم، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسَرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإثْمُهُمَا أكْبَرُ مِن نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (البقرة: 219). وقال في كتابه «دنيا الشباب»: «الأصل في الأشياء الإباحة في ما لم يرِدْ فيه نص، ولكنني أقترب من القول بأن هناك وجهاً وجيهاً في حرمة التدخين من خلال استيحاء الآية الكريمة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإثْمُهُمَا أكْبَرُ مِن نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ العَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾. فإذا فسرنا الإثم بالضرر أو بما يختزن في داخله الضرر؛ لأنه في مقام تقديم الأساس للتحريم الذي هو أن الإثم أكبر من النفع، فالقاعدة هي أنه كل ما كان ضرره أكثر من نفعه نوعاً فهو محرَّم. والتدخين ضرره أكثر من نفعه بشهادة جميع الأطباء، ولذلك قد يقترب الإنسان من أن يقول بالحرمة، وإذا لم يقُلْ بالحرمة فإن المسألة تدعو إلى الاحتياط. وهناك مسألة وهي أن الإنسان إذا عرف بأن التدخين سوف يوقعه في مرض مميت بنسبة عالية، ولو بعد عشر سنين، بحيث صار واضحاً لدى الأطباء أن التدخين يؤدي إلى التهلكة، فعندئذ يحرم على الإنسان ذلك»([31]).

(dd) 10ـ تحديد ماهية القمار

قال&، عند تقديمه نماذج على منهجه في التعامل مع الروايات والمفاهيم القرآنية: «في مسألتَيْ الشطرنج والنرد عندما يرِدْ في الروايات أنهما من الميسر فما هو المقصود من ذلك؟ نحن نرى أن هذه الروايات ناظرة إلى المفهوم القرآني في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ﴾. ونحن عندما نعرف أن الميسر من المفاهيم العرفية الواضحة، وهو عبارة عن القمار، فما لم يكن قماراً فليس ميسراً؛ لأن القمار والميسر من المفاهيم المتساوية لدى العرف. مثلاً: يقال: الرجل يقامر بزوجته، أو يقامر بماله، فكلّ ما يكون ميسراً لابد أن يكون قماراً، هنا يقولون: إن الأمر وإن كان كذلك لكن الإمام كأنه يريد توسعة الموضوع وجعل الميسر شاملاً للقمار وغيره، من خلال تنزيل الشطرنج والنرد مثلاً منزلة الميسر. ولكنّنا نفهم الموضوع بطريقة مغايرة تماماً، فنحن نستفيد من هذه التعبيرات أن الإمام يشير إلى أن هذه الأفراد هي من الميسر، والميسر هو من المفاهيم التي يتداولها الناس ويعرفونها، وحينئذ فإن ما هو المفهوم لدى العرف هو الذي يقيد به الحديث ويفسر على أساسه، فلا مجال بعد ذلك للعكس، أي أن نقيِّد الآية بالحديث. والخلاصة أننا عندما نطبق الآية على موضوع خارجي، والذي يكون مفهوماً بصورة معينة، مع احتمال أن يكون بنحو آخر، فلابد من أن يكون مورد التطبيق منسجماً مع المفهوم القرآني، ولا يكون حينئذ موجباً لتوسعة الموضوع، إلا إذا كان ذلك بلسان التخصيص الصريح، فما يقوله علماء الأصول في باب الحكومة من توسعة الموضوع وتضييقه إذا كان لا يرجع إلى التخصيص صراحة لا واقع له أصلاً، فقولهم^: «لا شكّ لكثير الشك»، أو «الطواف بالبيت صلاة»، مما يعتبره الأصوليون من باب التنزيل لتوسعة الموضوع، لا نوافق عليه، وإنما هذا يرتبط بالجانب الشكلي التعبيري، فـ «لا شك» يعني لا حكم لكثير الشك، وحكم الطواف هو حكم الصلاة، وهذا يكون من اختلاف الصورة، أي اختلاف التعبير، كما في التعبير بقولهم: «زيد عدل»، فإنهم يريدون المبالغة في ذلك»([32]).

(ee)  11ـ التفصيل في حكم الغناء

عالج السيد فضل الله& روايات حكم الغناء من خلال الآية القرآنية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ (لقمان: 6)، معتبراً أن حرمة الغناء ناشئة من كونه لهو الحديث، وفي الآية الأخرى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (الحج: 30) من كونه من مصاديق قول الزور، فما كان من الغناء من هذا الباب فهو حرام، وما سواه مباح. قال&: «عندما نلاحظ أن الأئمة^ يفسرون ﴿قَوْلَ الزُّورِ بالغناء، أو يطبِّقونه عليه، كما يفسِّرون ﴿لَهْوَ الْحَدِيثِ بذلك، ويطبِّقونه عليه أيضاً، نعرف أن الغناء المحرَّم يدور مدار صدق هذين العنوانين: قول الزور؛ ولهو الحديث. وبعد ذلك لا نستطيع أن نأخذ بإطلاقات أدلة تحريم الغناء، حتى ولو كان مضمونه حقاً. لماذا ذلك؟ لأننا فهمنا من خلال استشهاد الإمام× بالآية القرآنية لتحريم الغناء أن مورد الحرمة هو ما تنطبق عليه الآية القرآنية، ليكون الغناء المحرم ما كان مصداقاً لقول الزور أو لهو الحديث، وخاصة أن موضوع حرمة الغناء هو الغناء الموجود في زمانهم^ في مجالس الخلفاء ومحافل المغنين، والذي يتناسب مع عالم أهل الفسوق، وعندئذ لا محالة أنه يتضمن كلماتٍ هي مصداق للعناوين القرآنية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ﴾. قد يقال: إن أدلة الغناء مطلقة تشمل ما كان مضمونه حقاً وما لم يكن كذلك، كأن كان باطلاً. ولكن حسب منهجنا عندما نلاحظ استدلالهم^ على حرمة الغناء من خلال هذه الآيات القرآنية نرى أن الإمام× يريد أن يستدل على أن الغناء محرم لأنه قول زور، وليس معنى ذلك أنه وإن لم يكن الغناء من قول الزور فالإمام يتعبدنا بجعله من مصاديقه، بحيث يريد توسعة الحكم بلسان توسعة الموضوع، فالزور الذي هو المناط في الحكم بالحرمة متعلّق بالقول مع الطريقة الخاصة، وليس متعلقاً بالطريقة وحدها. ولذا فنحن نستفيد من مجموع ذلك ما يقوله الفيض الكاشاني& وينقل عنه من أن حرمة الغناء ليست حرمة ذاتية، وإنما هي حرمة ناشئة من أن مضمونه من قول الزور ولهو الحديث. وليكن هذا على بالك، فإنه مجرّد استقراب وبيان لمنهج عام نحاكم من خلاله كثيراً من الروايات على أساس عرضها على المفاهيم القرآنية، والتي تعتبر من القواعد العامة والمفاهيم الكلية، وإلا فللنقاش في ما طرحناه مجال ليس هنا محل بحثه، وإنما غرضنا الإشارة للمنهج وبعض تطبيقاته»([33]).

الهوامش

(*) باحث وكاتب وناشط في المجال الديني، من الكويت.

([1]) محمد الحسيني، فقهاء ومناهج: 202.

([2]) الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل: 245، المركز الثقافي العربي.

([3]) الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل: 250.

([4]) الشيخ جهاد فرحات، فقه الحج، تقرير لبحوث المرجع السيد فضل الله 2: 138.

([5]) انظر: فقه الشريعة، الرسالة العملية للمرجع الراحل السيد فضل الله، كتاب الصوم.

([6]) نقلاً عن موقع (بينات)، بتاريخ: 1 رمضان 1430.

([7]) الوصية، تقرير بحوث المرجع الراحل السيد فضل الله: 116 ـ 117.

([8]) الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل: 260، وللمزيد انظر: محمد الحسيني، كتاب فقهاء ومناهج: 205 ـ 218.

([9]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 5: 275 ـ 276.

([10]) الميزان في تفسير القرآن 5: 275 ـ 276.

([11]) مجلة الاجتهاد والتجديد 11، مقال بعنوان (الإخفاقات في الدراسات الفقهية) لمختار الأسدي.

([12]) مقدمة كتاب الحدائق الناضرة، بعنوان (منهج المحدث البحراني الفقهي)، بقلم: الدكتور الفضلي، ومنقول عن موقعه الإلكتروني www.alfadhli.org.

([13]) الاجتهاد بين أسر الماضي : 245 ـ 246.

([14]) الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل: 262 ـ 263.

([15]) محمد باقر الصدر، موجز أحكام الحج: 168.

([16]) محمد الحسيني، فقهاء ومناهج: 124.

([17]) محمد باقر الصدر، اقتصادنا: 376 ـ 379.

([18]) فقهاء ومناهج: 175 ـ 176.

([19]) فقهاء ومناهج: 239.

([20]) مقدمة العدد الأول من مجلة نصوص معاصرة.

([21]) السيد علي فضل الله، كتاب الجهاد، تقرير بحوث المرجع السيد محمد حسين فضل الله: 218 ـ 291.

([22]) السيد جعفر فضل الله، البلوغ، تقرير بحث المرجع الراحل السيد فضل الله، المقدمة: 30.

([23]) الشيخ جعفر الشاخوري، كتاب النكاح، تقرير بحوث المرجع السيد محمد حسين فضل الله 1: 168 ـ 170.

([24]) الشيخ محمد أديب قبيسي، رسالة في الرضاع، تقرير بحوث المرجع السيد فضل الله: 30 ـ 31.

([25]) الشيخ د. خنجر حمية، فقه المواريث، تقرير بحوث المرجع السيد فضل الله 2: 261، 270.

([26]) البلوغ، تقرير بحث السيد محمد حسين فضل الله: 174.

([27]) فقهاء ومناهج: 212.

([28]) 6 شعبان 1429هـ. المصدر: وثيقة خطية عند الكاتب.

([29]) كتاب الجهاد، تقرير بحوث المرجع الراحل السيد فضل الله: 218 ـ 219.

([30]) ثمار البحر نظرة فقهية جديدة، تقرير بحث المرجع الراحل السيد فضل الله: 15 ـ 26.

([31]) دنيا الشباب: 214 ـ 215.

([32]) رسالة في الرضاع، تقرير بحوث المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله: 33 ـ 34.

([33]) المصدر السابق: 32 ـ 33.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً