أحدث المقالات

السنن التاريخية حتميات تقع مهمة تمظهرها كواقع على إرادة الإنسان واختياره ،  وهما العلة التي بها تكتمل العلة التامة ، فأن تختار طريق الحق وتنصره فحتمية النصر الإلهي تتحقق بهذا الاختيار ، وأن تختار الطريق المعاكس فحتمية الانهزام ستتحقق بهذا الاختيار ، كون من يسير عكس السنن فإن سيره سيصل إلى نقطة لتنقلب ضده الأمور وتعود المسيرة نحو سيرها الطبيعي التكاملي.

ما يحدث اليوم في منطقتنا ليس بدعا من أحداث التاريخ ، فإن تعددت الوجوه لكن أصل الصراع وكنهه هو صراع الحق والباطل ، لكن الاختلاف هو في الإرادات والخيارات ، فحينما اختارت الأمة الخنوع والذل ولى الله عليها منها وشبيها لما هي عليه ، أنظمة مستبدة استخدمت الدين وسيلة لضرب الدين وامتلاك الدنيا لكن بشعارات الدين ، فحينما تم تقليص الدين إلى مجرد عبادات فارغة وابتعد الناس عن مقاصده وغاياته وكنهه ومحتواه ، جاءهم ولاة حافظوا على هذه القشور كي يضمنوا ملكهم ، لكنهم ولاة لم يختلفوا أبدا في غيهم وظلهم وجبروتهم وأكلهم لأموال الناس عن أولئلك اللادينيين ، ولحرص الناس على الدنيا بحجج دينية ، التزموا الصمت حتى عاشوا مقهورين وهو موت في حقيقته ، بينما قلة اختارت أن تموت قاهرة لكن ميتة بعز وكرامة ، بهذه القلة استمرت مسيرة الإنسانية في تكاملها بين ركام الباطل تشق طريقها الوعر بين وحوش السلطة وطلاب الدنيا كي توصل لنا ما وصل من بقايا حق وحقيقة ، لتبقى راية التوحيد عالية ليس كلقلقة لسان بالتشهد بلا إله إلا الله ، كون الطواغيت على مر الزمان كانوا يصلون في المساجد ويذكرون لا اله الا الله بألسنتهم بينما قلوبهم تمجد فرعون منهجا ومسلكا ، بل هي لا الرافضة قولا وفعلا لاله غير الله ، وهو ما حفظ لنا خطا مقاوما للذل والخنوع ورافضا للفراعنة على مر التاريخ ، ارتبط بالسماء فمارس ارتباطه على الأرض محققا كل مقاصد السماء في ذاته ومجتمعه ومحيطه حتى بذل لأجل وصول الحقيقة لنا نفسه وكل ما يملك .

ولكن اليوم حينما كان الخيار هو إحياء منهج الرفض ومقاومة الذل هو خيار قيادة وجمهور ونخب ، اشتد أوار حرب المستبدين وانكشف الستار وسقطت الأقنعة عن وجوه أولئك المتسترين بالدين ، فحينما تحقق النصر على الكيان الصهيوني وثبت بالدليل والبرهان هشاشة جيشهم المزعوم بأنه لا يقهر ، وخرجت الأمة من وهم ضعفها الذي رسمته حكوماتها وشرعنته فتاوى السلطة ، إلى حقيقة ما تملكه من قدرات وبدأ ماردها الداخلي يتحرر من سلطة فرعون ويكتشف قدراته وآثار كلمة ” لا ” الحقيقية ، قامت قيامة تلك الأنظمة خوفا على كراسيها من الزوال ودارت رحى المعارك المضادة لنهضة الأمة وتم شرعنت القتل والذبح والسبي والعودة إلى الجاهلية الأولى بفتاوى البترودولار ، ومازالت محاولات إعادة الأمة إلى حظيرة النعاج مستمرة ، وهو ما يتطلب منا اليوم وضوح خياراتنا ، فتهديدننا بالأمن والاستقرار والموت وتخييرنا بينه وبين حريتنا  يجب ألا يجعلنا نتراجع عن الاستمرار في عملية التحرير الكبرى التي بدأت بسقوط هيبة الجيش الصهيوني عند أقدام المقاومين والشهداء الأبرار .

فالدماء التي سقطت في هذا الطريق هي أمانة في أعناقنا وإكمال مسيرة النهوض والتحرر التي سقطت بأجلها هذه الدماء الطاهرة مرهون بخيارنا وإرادتنا ، فإن اخترنا الدنيا وخوفنا من الموت كنا أحكمنا حلقة الفراعنة على أعناقنا وبات موتنا في حياتنا مقهورين ، وضيعنا تلك الدماء الطاهرة التي سقطت في عملية التحرير وأخرنا مسيرة رفع الظلم وإرساء العدالة ، أما لو قررنا أن نضحي ونستمر ولا نخضع لتهديدات الموت والاذلال والاضطراب الاجتماعي ، فإننا نمضي سريعا نحو بزوغ فجر الحرية وانجلاء الغبرة عن الشمس  لتشرق  شمس الحقيقة التي سيحترق بها كثر .

فنحن أصحاب القرار بإرادتنا وخيارنا ، وستنطبق علينا السنن وفق ما نختاره ونسلكه.

فكل ما يحدث اليوم هو نتاج نجاح ثورة شعب في إيران خافوا من انتقال تجربته للجوار ، وهو نتاج نجاح ثورة مقاومة ضد الاحتلال في لبنان أسقطت معادلة الجيش الذي لا يقهر ففتحت عيون الناس على ثقافة الاقتدار والمكنة بأقل التكاليف ، وما مذهبة وشيطنة كل من إيران والمقاومة إلا لخلق جدار سميك بين هذا للنجاح والمكنة والاقتدار وبين الشعوب لتبقى تعيش كقطيع يرعاها الراعي حيث يشاء.

فمهما طال الظلم فإن يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم ، فأن نموت في سبيل عزة هذه الأمة واندثار منهج الفراعنة وارتفاع منسوب العدل والاقتراب من حركة التحرر الشاملة لهو أجدر وأرقى من العيش بذل في الدنيا وبذل في الآخرة ، فمن يرضى لنفسه في هذه الدار الفانية بالذل ، فهو رسم معالم حياته في الآخرة لتكون أيضا ذليلة .

المشروع الناهض اليوم هو آلية توحيد الجبهات جميعا تحت لواء محور المقاومة،

وهذا يعني أن تكون لدينا جبهات للمقاومة توحد الانسانية ضد جبهة الاستعمار بأدواتها التكفيرية  ، وضد الاقصائيين والتكفيريين من كافة المشارب كونهم أدوات تقسيمية سهلة في يد المستعمر والمستبد ، فيد ثغرات الجسد من أوجب الواجبات لقطع الطريق على المستبدين والمستعمرين.

فجبهة تواجه الاستعمار بالفكر والمفاهيم والثقافة الداخلية والخارجية ، وجبهة تواجه أدواته التي تقاتل في كل ساحاتنا الأنسانية بالسلاح عسكريا ، وبالسلاح الثقافي المنهجي الفكري الكاشف عن تزييف التراث الذي يعتمدونه .

لاحظوا الاستعماريين هم هم ، ولكن كل عقد يغيرون أدواتهم لأنهم براغماتيين ، فتارة مع الإخوان المسلمين وأخرى مع القاعدة ، وثالثة مع أنظمة البترودولار وقبلها مع الشاه وبعدها مع صدام وإلخ ، المهم أنهم اليوم يحاولون قطف ثمار جهد الآخرين ليحققوا أهدافهم بهؤلاء الذين يموتون ظنا منهم أنهم يجاهدون في سبيل الله ، بينما تستخدهم أمريكا وحلفائها كورقة حينما تصبح محروقة يتم رميها في مزبلة التاريخ كما فعلوا في أفغانستان وغيرها.

لكن العقد الأخير كان الأخطر كونهم استخدموا أدوات من داخلنا وبشعاراتنا ومن دمنا ولحمنا واكتفوا بتحريكها من بعيد في سياسية تفتيتية ، يستخدم فيها الفراعنة الفتنة المذهبية لأجل تحقيق غايات سياسية السلاح فيها عامة الناس الذين للاسف غيبوا وعيهم وسلموه لهؤلاء بحجة عدم مخالفة ولي الأمر التي ابتدعها فقهاء السلطة لتمكين السلطة من رقاب الناس.

التكفيريون بأشكالهم المختلفة هم منهج إقصائي يستمد قوته من التراث الاسلامي الذي فيه الغث والثمين و هذا يدفعنا لخلق جبهة مقاومة داخلية تعني بالتخلص من ثقافة التكفير والإقصاء فكرا وممارسة وإعادة النظر في كثير من التراث بطرق علمية موضوعية تخصصية وهو ما يجعل جميع علماء الأمة من كافة المذاهب أمام مسؤولية عظيمة أمام الله والتاريخ ، تتطلب منهم التخلص من كل عصبياتهم المذهبية والجلوس على طاولة الحقيقة وعرض التراث عرضا منهجيا موضوعيا علميا على القرآن وقراءته بلغة العصر .

وفي خط متوازي يكون هناك جبهة مقاومة عسكرية ضد التكفيريين والمستعمرين، تحاول منع عمليات الالتفاف على عملية تحرر الشعوب ونهوضها وتمنع محاولات التقسيم الجديدة ، وتفشل محاولات سن سنن جديدة باطلة تزيد من هيمنة هذه الأنظمة الفاشلة بسلطان القوة وقهر الموت.

لذلك نحن اليوم واقعا أمام معركة وجود للمسلمين وللإنسانية ولكلمة ” لا ” فإما أن نتقدم ونراكم نجاح خط المقاومة الناهض ونحافظ على أمانة دماء الشهداء ، وندفع مسيرة التحرر إلى الأمام لنختصر مسافات زمنية طويلة بقرارات وإرادات ثابته ، أو أن نحكم الخناق على أعناقنا من قبل الأنظمة المستبدة وتيارات التكفير والإقصاء خوفا على دنيا وحياة ، لكن لنجهز حجتنا أمام الله يوم القيامة.

لذلك علينا خلق جبهة مقاومة عامة تحتها يندرج جبهات متعددة ، داخلية وتعني بالثقافة والقيم وتحصين التراث بتثويره باسئلة الحاضر ، وتخليصه من الاقصاء وسياسة لا أريكم إلا ما أرى ، وخارجية بجبهات عسكرية وفكرية وثقافية أيضا.

الصراع اليوم تحدده الجغرافيا والثروات

فامتدادنا على جغرافيات ثرواتنا وتمكننا منها ، لا يتم إلا بخياراتنا القائمة على إرادة السماء لا إرادة الأرض .

فالسيطرة على العقول بالأفكار الناهضة هو سيطرة على الميدان ، وبالتالي هو توجيه السياسيين رغما عنهم وفق إراداتنا لا إراداتهم ، فالعقل الناهض والوعي الثائر يصنع الحاضر وينهض بالمستقبل .

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً