أحدث المقالات

 يتجاوز الحديث عن التوحّد والتعدّد على مستوى التشيع الإثني عشري الإطار النظري الصرف، وهو مطلوب في كل حال، إلى الإطار الواقعي المرتبط بحاجات عملية ملحّة يعيشها ملايين الشيعة على امتداد العالم، نظراً لما يمثله ذلك التجاوز من ضرورة لبلورة هوية شيعية معاصرة وموحّدة هي الأساس في معالجة الجوانب المأزومة من الواقع الشيعي الراهن بمستوياته المختلفة، كما هي – أي الهوية –  مدخل نحو صناعة مستقبل شيعي أفضل بعيداً عن التجاذبات التي راوحت بالتشيع بين حدين، أولهما الغلو في التوحد إلى درجة إلغاء حق الاختلاف المبرّر والتعدّد المشروع، وثانيهما الإسراف في الدعوة إلى التعدّد والدفع نحو الاختلاف بنحو لا يراعى فيه ضرورات الحفاظ على الهوية الجامعة والمشتركة ونبذ الفرقة والتشتت. إذ المطلوب في هذا المقام العمل على التوحّد الشيعي من دون ادعاء حصرية الفكر واحتكار الفهم، ومن دون إلغاء حرية النظر والاجتهاد والتعبير، وفي الوقت نفسه، المطلوب ترسيخ حق الاختلاف في قراءة الدين والتعدّد في فهم المذهب، على أن يكون المعيار في ذلك كله البرهان والمنطق والأدلة الملائمة لمقتضى الحال.

  ومع أن التشيع ليس مذهباَ معاصراً، بل موغل في التاريخ ومن الصعوبة بمكان النظر إليه بمعزل عن ظروف نشأته والسياقات التاريخية التي أدّت إلى بلورته ونموّه. مع ذلك، فإن ثمة إمكانية للتعامل معه وفق رؤية بنيوية بوصفه حالة منجزة، والفصل منهجياً، في مقام البحث والفهم، بين التشيع بما هو سياق تاريخي تقليدي والتشيع بما هو ظاهرة معاصرة وحيّة. هذا الفصل تستدعيه ضرورات تجاوز التعقيدات التاريخية التي يتداخل فيها الديني والزمني، المتعالي والتاريخاني، المقدّس واللامقدّس، الوحياني والإنساني، الثابت والمتغير، التشريعي والتدبيري، و…اذ لا بد من تجاوز كل ذلك إلى بلورة الواقع الشيعي براهنيته تمهيداً لتغييره والتنظير له فكرياً انطلاقاً من التفاعل والتكامل بين فكر مستمد من الأصول والمسلّمات، وواقع محاط بالكثير من التحدّيات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية وكل ما يتصل بكينونة الشيعة وهويتهم ودورهم في عالم مضطرب ومتغيّر.
  ما تقدّم يهدف أساساً إلى استيلاد بنية شيعية معاصرة وموحّدة على مستوى النظرية والتطبيق على حدٍّ سواء، بعيداً عن الجدلية الكامنة في ثنائية الفكر والواقع التقليدية، ذلك أن الركون إلى الفكر (وهو ديني على مستوى التشيع) وجعله عاملاً وحيداً في صناعة الواقع، غالباً، ما يفضي إلى مثالية فكرية مقولبة دينياً في عقلية سلفية على خصومة دائمة مع الواقع العصي على التغيير قبالها مهما كانت سطوتها، وبالمقابل، فإن الوثوق بالواقع واتخاذه، مصدراً وملهماً أساسيا في تشكيل المعرفة وتوجيه الفكر، يؤدي، على الأرجح إلى تغليب ما هو كائن على ما يجب أن يكون، وإلى استيلاد ليبرالية فكرية متحرّرة من معيارية الدين وتعاليم الوحي في صناعة الواقع وتغييره.
  إذاً، الحديث عن تشيّع معاصر وموحّد يبقى من دون جدوى في ظل ليبرالية مفرطة في التحرّر من وصاية النص الديني ومغايرة له حد التباين والتعارض، وسلفية موغلة في الفهم الحروفي والشكلاني لهذا النص وادعائها امتلاكه وتمثيله على نحو المحايثة حد التجسّد والتطابق، ذلك أن المدخل المفضي إلى المطلوب في هذا المجال يقوم على وسطية تنظر إلى التدين بوصفه نتيجة تفاعل بناء بين محددات ومؤثرات، الأولى تشكّل امتداداً للوحي وسلطته المعرفية والمسلكية، فيما الثانية تعكس الجانب الثابت من الواقع الذي يجب الأخذ به والوقوف عند خصوصياته وتعقيداته في سياق العصرنة والتوحيد والتغيير.
  وإذا كان التشيع مذهباً واحداً، فإن الشيعة لا ينهلون من مشرب واحد، بل من مشارب متعددة تتفاوت فيها المعايير التي تولد انقسامات واختلافات فقهية تتراوح بين الإخباري والأصولي، وكلامياً بين التقليدي والتجديدي، وسياسياً بين المحافظ والإصلاحي، وقومياً بين الفارسي والعربي، وحتى فكرياً بين الديني والعلماني؛ ذلك أنه لا يمكن فصل الشيعي العلماني عن تأثيرات الانتماء إلى التشيع ولو في دائرة السلب كما هو حال الآخرين في دائرة الإيجاب.
  في ظل هذا التعدد، وبالعودة إلى ثنائية الفكر والواقع على مستوى الإطار الشيعي العام، ثمة ضرورة منهجية للتمييز، تبعاً لهذه الثنائية، بين التشيع بما هو إطار نظري (الدين)، والشيعة بما هم تجسّدات فردية وواقعية لهذا الإطار (التدين)، حيث تنبع هذه الضرورة من الاختلاف في كيفية العمل على العصرنة والتوحيد في كل إطار من هذين الإطارين. إذ الإطار الأول يتسق منهجياً مع المقاربة العقائدية، فيما يخضع المنهج في الإطار الثاني لمقاربة قيمية وتشريعية، وذلك انطلاقاً من تبني الرؤية القائلة بأن الوحي الإلهي يشتمل على ثلاثة مجالات من التعاليم: العقائد ومعيارها الحق والباطل، القيم ملاكها القبح والحسن، الأحكام التشريعية ومناطها الحلال والحرام.. هذه الرؤية التي من شأنها تحديد صلاحيات الدين ودوره في حياة البشر على أساس عدم الوقوع في محذوري الشمولية والاختزال، تقوم على كون المجال الأول موجهاً نظرياً ومعرفياَ للسلوكيات والممارسات المتجسّدة في المجالين الثاني والثالث. ما يعني أن أصل التصنيف إلى نظري وتطبيقي على مستوى الدين إنما يعود إلى النص الوحياني ذاته طبق التعاليم التي ينطوي عليها.
  بالنسبة للإطار الأول (أي التشيع) فلا بدّ فيه من التمييز عقائدياً، بين ما هو ذاتي وما هو عرضي. حيث المطلوب استجماع وبلورة ذاتيات العقائد لتشكّل الأصول والنواة في بلورة تشيع بسيط يحاكي عصر النشأة من جهة المعتقدات والمفاهيم مقابل التشيع المركّب الذي يحمل أعباء التاريخ والاجتماع، ويقوم على التداخل المعقد والملتبس بين الأصول والفروع، بحيث نجد فيه أحياناً الفرع مكان الأصل والعرضي مكان الذاتي والعكس صحيح.
  وإذا كان التعريف العام والمشترك للتشيع هو البلورة الصحيحة لتعاليم القرآن والنبي وأهل بيته والحث على الالتزام بها، عندئذٍ يمكن بلورة التشيع البسيط من خلال التمسك بالأصول الاعتقادية التي ترتقي إلى مصاف البديهيات والمسلمات في إطار المذهب بعيداً عن الفروع العقائدية التي هي محل اختلاف وتباين؛ لأنه عندما يتم التقليل من معايير الانتماء إلى المذهب والتخفيف من شروط الاندراج في إطاره تتقلص مساحة الاختلاف وتتلاشى الاتهامات بالارتداد على أن تبقى الفروع بمثابة الاجتهادات الجانبية التي لا يضير القول بها أو التنكر لها.
  وما نقصده بالتشيع البسيط هو المنظومة الاعتقادية المتشكّلة من العناصر الاعتقادية المسلم بها من قبل كافة المنتمين إلى المذهب بشكل يمكن بلورته كالتالي: الاعتقاد بوجود الله ووحدانتيه وأنه تعالى بحكم لطفه أرسل الرسل والأنبياء وآخرهم محمد(ص) الذي جاء بالإسلام وأنه بعد وفاة النبي كان ثمة ضرورة لمتابعة الأئمة الإثنى عشر والذين هم من ذريته وأهل بيته الدعوة إلى الدين من حيث نشره وتبيانه وتفصيله وعدم الانحراف فيه، وأن هؤلاء لا يخطئون في نقلهم للدين وممارستهم له، وأن آخرهم المهدي المنتظر الذي يظهر في آخر الزمان ليقيم دولة الدين والعدالة الإنسانية وصولاً إلى يوم القيامة، حيث يحاسب الناس على ما قاموا به في هذه الحياة
  إن مثل هذا العرض السهل والميسر للتشيع، لا شك أنه يحظى بقبول كل من لديه الحد الأدنى من الانتماء له، بعيداً عن الاعتقادات الفرعية التي هي مثار اختلاف والتي لن يضر التغافل عنها في سياق عرض المعتقدات الشيعية، من مثل البداء، الرجعة، الصيحة، الولاية التكوينية، وعلم المعصوم،… وهنا لا بدّ من الاعتراف بأنه لا يمكن في المذهب الشيعي، كما هو الحال، في سائر المذاهب، التحول بالكامل من محورية الذات إلى محورية الحقيقة، وبالتالي فإن رفض هذه البنية البسيطة للاعتقاد الشيعي بمثابة الخروج الطوعي عن المذهب وليس بالضرورة الإخراج القسري منه، مهما تكن المبررات والمسوغات التي قد تفضي إلى مثل هذا الرفض، لأنه لا يمكن مقاربة منظومة اعتقادية لتشيع إثنى عشري في ظل رفض أي من مسلماته وبديهياته.
     إذا كان هذا هو الإطار النظري الأعم الذي يمكن أن يشكّل مساحة الالتقاء بين المنتمين إلى التشيع، هنا لا بدّ من اعتماد علم الكلام الجديد بوصفه إطاراً تجديدياً للمعتقدات – كآلية منهجية تربط بين البعد النظري والأبعاد العملية التطبيقية على مستوى التشيع ضمن بوتقة معاصرة وموحدة، مع التأكيد على ضرورة الأخذ بالتجديد الكلامي بمقدار ما يشكّل محط التقاء بين الجميع، وهذا المقدار يبدو أنه يتمثل باعتراف الجميع بضرورة التجديد في القضايا والمسائل الكلامية بعيداً عن التصورات المتباينة حول ماهية ومتعلق التجدد في ماهية علم الكلام، وفي هذا المقام يجدر شيء من التفصيل لتوضيح صلاحية علم الكلام ليكون مرجعية معرفية تساهم في اصلاح فكر الشيعة وتوحيدهم .
     ثمة فرق أساسي بين نظرة العلم – مطلق علم من العلوم الإنسانية – إلى ذاته والنظرة الفلسفية إليه. فالفلسفة تنظر إلى موضوعات العلوم نظرة كلية وفوقية وشمولية من خلال تسليط الضوء على الأبعاد الوجودية لهذه الموضوعات، وهنا نتكلم تحديداً عن الفلسفات المضافة (فلسفة اللغة، التاريخ، العلم، الدين، الأخلاق،…) وذلك بخلاف تعامل العلوم مع موضوعاتها حيث تنظر إليها على أساس تجزيئي، تفصيلي، وداخلي بعيداً عن الخوض في المعطيات والأبعاد الوجودية لهذه الموضوعات وما يتفرّع عنها من مسائل وقضايا.
     ولتوضيح الفكرة بنحو أفضل نقول: يتكفل علم الأخلاق بشكل أساسي  بتحديد ماهية القضايا الأخلاقية من خلال مناط القبح والحسن، فيبين لنا ما هي الأفعال القبيحة التي يجب أن نتجنبها والأفعال الحسنة التي يجب أن نلتزم بها، من دون أن يتعدى هذا العلم إلى ما هو أبعد من ذلك. في حين تتكفل فلسفة الأخلاق بمعالجة وجودية الفعل الأخلاقي وصفاته الذاتية وغاياته، وبالعموم، الحكمة من وجود الأخلاق.
     أيضاً اللغة من حيث هي علم، تعلمنا كيفية الكلام وقواعده، من دون أن يتعدى ذلك إلى علة وجود اللغة، حيث توكل هذه المهمة إلى فلسفة اللغة التي تتكفل بالخوض بموضوعات لا يمكن الوقوف عليها في سياق مباحث علم اللغة، من قبيل: لماذا نتكلم؟ علاقة اللغة بالوجود؟ علاقة اللغة بالفكر؟ طبيعة العلاقة بين اللفظ والمعنى؟ ما معنى المعنى؟ و….
     كذلك الأمر بالنسبة لسائر العلوم الإنسانية، حيث فلسفة التاريخ التي تنصرف إلى تأريخ الوقائع بالمفاهيم تختلف عن علم التاريخ الذي يؤرخ بالأحداث، وفلسفة العلم التي تتحدث وتتعاطى وجودياً مع العلم تختلف عن العلم الذي ينظر إلى مضوعاته نظرة مجرّدة عن الأبعاد الأنطولوجية والماورائية، وأيضاً فلسفة الدين الي تنظر إلى الدين نظرة فلسفية تختلف عن الدين ذاته الذي يقدّم نفسه على خلفية وحياتية.
     وهكذا بالنسبة إلى العلوم الأخرى.
     إذاً نحن أمام مرجعيتين أو رؤيتين معرفيتين أساسيتين، رؤية العلوم إلى ذاتها، ورؤية الفلسفة إلى العلوم (هذا فضلاً عن رؤية الفلسفة إلى ذاتها والتي هي أكثر المرجعيات عمومية باعتبارها تبحث في الوجود المطلق من حيث هو أعم وأشمل الموضوعات المبحوث فيها، إلا أن هذه الرؤية خارج سياق ما نحن بصدده).
     ومع نمو البنية الكلامية وتجددها واقتحامها لمختلف المجالات المعرفية والقضايا ذات الصلة بسائر العلوم الإنسانية، بات من الممكن الحديث عن مرجعية كلامية للمعارف والعلوم إلى جانب المرجعيتين الآنفتين (الفلسفية والعلومية).
     أما التسويغ المعرفي لذلك فيعود إلى أمرين:
     – الأول: طبيعة التعدّد المعرفي للقضايا التي تشتمل عليها المسائل الكلامية الجديدة وإفتقادها لوحدة موضوعية على غرار التعدد الحاصل في الفلسفات المضافة، ذلك أن المسائل الكلامية هي بطبيعتها متعددة المشارب (اقتصاد، أخلاق، نفس، حقوق، دين، سياسة، فلسفة…) وذلك:
     الأول: تبعاً لتعدد الشبهات المطروحة حول الدين، إذ الشبهة تستدعي رداً محايثاً لها ومن سنخيتها (فالشبهة الحقوقية يرد عليها حقوقياً وذاتها)، ذلك أن الدين بما هو منظومة هداية للإنسان في مختلف مجالات حياته يشتمل على مجالات معرفية يمكن بلورتها من خلال العمل على التأصيل الديني للمعارف البشرية المختلفة.
     وخلاصة الكلام في هذا المجال أن المعرفة الكلامية بطبيعتها متعددة بنحو يجعلها قابلة للتجانس والتداخل معرفياً مع سائر المعارف الأخرى غير أن علاقة الكلام بغيره ليس مجرّد تقاطع بل هي فوقية.
     الثاني: يصلح الكلام أن يكون مرجعية للمعارف الأخرى باعتباره مكوّناً من بعدين أساسيين لا يمكن استغناء أي معرفة من المعارف (أو علم من العلوم) عنهما
     وهما: العقائد والقيم. ومع اتصاف هذين البعدين، كلامياً، بالهوية الوحيانية يصبح توفرهما لمحاكمة العلوم الأخرى وضبط حركتهما ضرورياً كمعيارين أحدهما نظري (العقائد) والآخر تطبيقي – سلوكي ( القيم)، حيث تنضبط بذلك مسيرة الإنسان الحياتية وفق معيارية دينية سامية في مختلف مجالاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية و
     على سبيل المثال علم الكلام لا يهتم بالمسألة الاقتصادية من حيث موقعيتها الداخلية والجزئية التي تشغلها في سياق علم الاقتصاد، بل يهتم بها من زاوية ربطها بالعقيدة الإسلامية وترتيب موقعيتها لتكون متجانسة مقصدياً مع القيم الإسلامية. كذلك الأمر بالنسبة للمسألة السياسية، إذ علم الكلام يتعامل معها على خلفية مقاصدية على أساس النظر إلى مدى تلائمها مع العقائد والقيم من دون الخوض في المعطيات التي تقوم عليها السياسية بما هي علم مستقل وموضوعي.
     خلاصة الكلام: المعرفة الكلامية بطبيعتها متعددة بنحو يجعلها متجانسة ومتداخلة معرفياً مع سائر المعارف الأخرى، ويخولها امتلاك الصلاحيات المرجعية للتدخل في شؤون هذه المعارف وفق رؤية وحيانية تتخذ من العقائد والقيم الدينية معياراً أساسياً في عملية المحاكمة والضبط.
     غير أن المرجعية الكلامية مشابهة للمرجعية الفلسفية باعتبارها تمارس التدخل والتقويم وفق نظرة خارجية متعالية وليس من قبيل نظرة الشيء إلى ذاته كما هو حال العلوم إزاء موضوعاتها. مع وجود فارق أن الوجود هو معيار المرجعية الفلسفية في حين أن العقائد والقيم هما معيار المرجعية الكلامية، وفي كلا الحالتين نحن أمام مرجعية كليانية موضوعية وموجِّهة وليس مرجعية تجزيئية غالباً ما هي موسومة بالذاتية كما هو حال العلوم.
 
  والربط المشار إليه (بين ما هو نظري وما هو تطبيقي في التشيع) يكون من خلال اتخاذ منظومة التعاليم الاعتقادية في الوحي المقدّس مرجعية تتحكم بطريقة تفكير الإنسان وبسلوكياته وسائر النتاجات المعرفية التي يحتاج إليها في حياته بنحو يشبه المرجعية التي تشغلها الفلسفة – في الفلسفات المضافةإزاء العلوم وموضوعاتها، بحيث تتدخل العقائد في ضبط وتقويم المعارف والعلوم الإنسانية على خلفية غائية وقصدية في مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسة والقانون والأخلاق والنفس والتربية و…  فتضمن هذه المرجعية كون هذه المعارف منسجمة مع المقاصد الدينية فتلعب من خلال ذلك دوراً أساسياً في مذهبتها على مستوى الصورة وليس في صناعتها على مستوى المادة.
  وهنا، لا بدّ من التأكيد على بلورة هوية قصدية – غائية للإسلام عموماً، والتشيع خصوصاً، لما لذلك من مساهمة أساسية على طريق العصرنة والتوحيد، إذ مع أن الإسلام بعضه أداتي، لكنه بمجمله غائي ومقاصدي، بمعنى أن الوحي حدّد لنا أحياناً وفي موارد محددة الغاية مع الأداة التي تفضي إليها، كما هو حال الصلاة بشكلها المتعارف عليه والهدف المنشود منها، لكن بالمقابل ترك المجال مفتوحاً أمام الإنسان لتحديد الأدوات والآليات التي تفضي إلى المقاصد والغايات العليا التي أكّد عليها كثيراً وجاء لأجلها من مثل العدالة والتنمية والنظام و… فيصبح بذلك للدين صلاحية التدخل في كل أمور الإنسان على خلفية النية والغاية والهدف فيما يكون لدى الإنسان صلاحية تحديد الكثير من السبل المفضية لذلك، وفي هذه الحالة يمكن تحديد الخطوات الأولى على طريق تعيين صلاحيات الدين في حياة الإنسان باعتبار هذا الأمر خطوة أساسية نحو معالجة إشكاليات الانتماء إلى التشيع ودوره في الحياة المعاصرة لأتباعه.
  عطفاً على ما تقدم تبقى  المسألة الأكثر استدعاءً لإعادة النظر والبحث في مؤدياتها ودلالاتها، وبالتالي إخضاعها للتجديد، على مستوى علم الكلام هي مسألة الإيمان باعتبارها جوهر الدين ومقصد الوحي وبها يرتبط تحديد الغايات النظرية والعملية للدين والتديّن، وعليها يتوقف إمكانية بلورة هوية معاصرة وموحدة للدين عموماً والتشيع خصوصاً.
  وجدير بالذكر أن المفاعيل الإيجابية لتجديد مسألة الإيمان والتي سنعرضها تالياً لا تتعلق بالتشيع فحسب، كما ليست مرتبطة بخصوصية شيعية، بل يمكن تعلقها وارتباطها بسائر المذاهب الإسلامية
  يلتقي الفكر الديني التقليدي والفكر الديني المعاصر عند القول بمحورية الإيمان في المنظومات الدينية، حتى أن تعريفات الدين التقليدية المتعددة والمتباينة، تلتقي جميعها عند الأخذ بعنصر الإيمان كمكون جوهري ولازم للأديان السماوية(1) (1)، هذا فضلاً عن أن "الإيمان" يشكِّل اليوم الموضوع الأبرز في إطار دراسات فلسفة الدين والمباحث الكلامية واللاهوتية الجديدة (2)(2).
  وكما أن مفهوم الإيمان على ضوء تعريفاته المتعددة والمتباينة(3) (3)، يشكل مدخلية منهجية لمقاربة محدداته ودلالاته وسائر الإشكاليات المرتبطة به، إلا أننا في هذا البحث توخينا تجاوز الحديث عن التعريفات، والاستعاضة عنها بالنظر إلى التحولات التي طرأت على مفهوم الإيمان بين إطاري الفكر الديني التقليدي والفكر الديني المعاصر، وذلك، كمدخلية في سبيل تحديد مدى تأثير هذه التحولات على فهم الدين، سواء لناحية ماهيته النظرية، أو لناحية الالتزام به والعمل بتعاليمه.
  انطلقت الدراسات الكلامية الجديدة من نظرة محددة إلى مفهوم الإيمان ومختلفة عن تلك التي كانت سائدة في الفكر الكلامي التقليدي؛ بحيث يمكن القول إن هذا المفهوم قد خضع لتحولات عديدة أفضت إلى بلورة رؤية معاصرة للدين، وتحديداً من جهة هويته ووظائفه وارتباط البشر به، من دون أن نقصد القول من خلال ذلك أن هذه التحولات قد أوجدت قطيعة بين الفهمين التقليدي والمعاصر للدين، بل المقصود هو أن إعادة دراسة مقولة الإيمان على ضوء التحولات الهائلة التي شهدها العقل البشري والاجتماع الإنساني، قد ساهمت في الحفاظ على دور الدين –والمذهب-  كعنصر أساسي في حياتنا الراهنة.
* تحولات في فهم الإيمان:
  وبالعودة إلى التحولات التي شهدها موضوع الإيمان في ظل الفكر الديني المعاصر، تجدر الإشارة إلى ثلاثة تحولات أساسية:
1- الإيمان والوحي: طرح موضوع الإيمان، في إطار الفكر الديني التقليدي بما هو مقابل الكفر، فكان الحديث عن الإيمان مقروناً على الدوام بالحديث عن الكفر، حتى أن السبب في ظهور علم الكلام يعود – كما يرى البعض- إلى الجدل حول ما إذا كان مرتكب الكبيرة كافراً أم لا (4)(4). بيد أن الدراسات الدينية المعاصرة، والكلامية منها على وجه التحديد، استبدلت ثنائية الإيمان/ الكفر، بثنائية الإيمان/الوحي، من دون أن يعني هذا الاستبدال، الإطاحة بالنسبة القائمة بين الإيمان والكفر، بل بمعنى أن الوحي هو المقوم لحقيقة الإيمان؛ فالإيمان ليس سوى استجابة لنداء الوحي(5)(5). وبالمقابل فإن الكفر إعراض عن هذا النداء، وعليه فإن الوحي هو متعلق الإيمان ولصيق به ولا يمكن الوقوف على حقيقته إلا من خلال فهم طبيعة الخطاب الوحيائي وخصوصياته. وبذلك، يكون الوحي قد خرج من متفرقات ومستلحقات مباحث النبوة، كما هو الأمر في الكلام التقليدي، وشكل منطلقاً أساسياً في الدراسات الكلامية المعاصرة، وبديلاً عن الكفر في فهم الإيمان ومحدداته.
2- الإيمان والحياة الدنيا: لم تعر الدراسات الكلامية التقليدية أهمية لمقولة الإيمان، إلا من زاوية ارتباطها بالآخرة. ومن الواضح أن ذلك من مستلزمات الخوض في ثنائية الإيمان/ الكفر. بينما شكل نزوع الفكر الكلامي المعاصر نحو البحث في علاقة الإيمان بالوحي مجالاً لدراسة الإيمان على ضوء ارتباطه بالحياة الدنيا، فتحول الإيمان من موضوع أخروي يدور حول القول بأن المؤمنين فائزون في الآخرة بلا ريب، والكفار في النار والعذاب، إلى موضوع دنيوي له تأثير وانعكاسات على حياة البشر الفردية والجماعية(6) (6). وبالعموم، فإن الدراسات المعمقة في مجالات علم نفس الدين، علم اجتماع الدين وفلسفة الدين، قد أفسحت في المجال أمام امتحان الإيمان ودوره في تحقيق النجاح الدنيوي إلى جانب دوره في الخلاص الأخروي.
3- الإيمان والاعتقاد: أخذ الحديث عن الفرق بين الإيمان والإسلام، حيزاً مهماً في إطار الفكر الكلامي التقليدي(7) (7)، فساهم ذلك في تفشي ظاهرة التكفير والتعصب. حتى إن ابن تيمية صاحب النزعة التكفيرية يعترف بأن "الاختلاف حول معنى الإيمان والإسلام كان أول اختلاف داخلي بين المسلمين، وقد أدى بالأمة الإسلامية إلى التشعب مللاً ونحلاً مختلفة في فهم الكتاب والسنة يُكفِّر بعضها بعضاً"(8) (8)، ولا يخفى أن موجبات التمييز بين الإيمان والإسلام لم تكن بعيدة عن فهم الإيمان الناشئ عن مقابلته للكفر من جهة، وارتباطه بالمصير الأخروي من جهة ثانية. غير أن الفكر الكلامي المعاصر، قد تحول عن ثنائية الإيمان/ الإسلام، إلى ثنائية الإيمان/الاعتقاد. فكان لذلك أثر كبير في إعادة بلورة فهم معاصر للدين، أعاد تشكيل الهوية الدينية، انطلاقاً من مكونات أكثر شمولية وأكثر مقدرة على السيرورة والحركية ومحاكاة العصر.
  ونظراً لأهمية التمييز بين الإيمان والاعتقاد وارتباطه المباشر في فهم ماهية الدين وتطبيقاته المسلكية – كما سنبين لاحقاً- نستعرض فيما يلي، وباختصار، أبرز الفوارق التي قيلت بينهما، من دون أن يعني تعدد هذه الفوارق وجود تعارض بينها بالضرورة وعلى الدوام.
الاعتقاد نظري يقوم على جملة من المفاهيم والقضايا المحددة والصارمة، في حين أن الإيمان يتجلى على شكل ممارسات وقيم يلتزم بها.. والقرآن الكريم، عندما زاوج على الدوام بين الإيمان والعمل الصالح، لم يرد بذلك الإشارة إلى اختلافهما بمقدار ما أراد التأكيد على اقترانهما وعدم جواز انفكاكهما عن بعضهما، وبعبارة أخرى: يظهر من الآيات القرآنية أن الإيمان والعمل الصالح جزءان متلازمان لقضية واحدة، أحدهما مقدمة والآخر ينتج عنها على نحو اللزوم.. (أنا مؤمن إذاً أنا أعمل صالحاً)، وبالعموم فإن أزمة العلاقة بالدين والتدين بدأت عندما تم الفصل بين الدين والعمل الصالح.
الاعتقاد عقلي، وبالتالي هو قابل للمعقولية والبرهنة والنفي والإثبات، في حين أن الإيمان يغلب عليه الطابع الوجداني. من هنا، قد يصح القول بأن العقل هو الإطار العام للاعتقاد، والقلب هو الإطار المرجعي للإيمان(9)(9).
  – الاعتقاد ثابت لا يخضع للتحول والتبدل والصيرورة، بينما الإيمان ذو طبيعة إنسانية وسيالة وتحولية وقابلة للازدياد (فزادهم إيماناً)(10)(10). بمعنى أن الإيمان، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
  – الاعتقاد بقوم على فكرة امتلاك الحقيقة، بينما الإيمان يقوم على السعي من أجل الوصول إليها، فالمعتقد يحب عقيدته، أما المؤمن فيحب الحقيقة(11)(11)، وهذا يعني أن الإيمان يفسح في المجال أمام المزيد من البحث عن الحقيقة، ومن الممكن أن لا يكون مترافقاً مع اليقين والجزم والاطمئنان؛ [قال ربي أرني كيف تحيي الموتى* قال أولم تؤمن* قال بلى ولكن ليطمئن قلبي](12) (12).
  – كذلك، فإن الاعتقاد أمر خاص ويتفاوت بين دين وآخر، أما الإيمان فهو عام مشترك بين الأديان لناحية التجربة الدينية التي يعيشها المؤمنون والمعنويات التي يكتسبونها.
  – الاعتقاد أخص والإيمان أشمل؛ بحيث أن كل إيمان يشتمل على عقيدة معينة، لكن ليس بالضرورة أن كل عقيدة تفضي إلى الإيمان.
  – الاعتقاد جدلي يفضي إلى إلغاء وإفحام المعتقدات الأخرى، لكن الإيمان تسامحي يقوم على التمسك بالفضائل وإشاعة القيم والتعاليم الدينية.
  – أخيراً، لا مانع من كون المعتقدات الوضعية متعلقاً للاعتقاد… أما متعلق الإيمان فيقتصر على الديانات السماوية الوحيانية.
* الدين(التشيع) والتدين(الشيعة) على ضوء تحولات فهم الإيمان
  إذاً، نحن أمام ثلاث تحولات تتجلى على شكل ثنائيات، والإيمان على الدوام، أحد طرفيها، وهي:
1- التحول من ثنائية: الإيمان/الكفر، إلى ثنائية: الإيمان/ الوحي.
2- التحول من ثنائية: الإيمان/ الآخرة، إلى ثنائية: الإيمان/الدنيا.
3- التحول من ثنائية: الإيمان/ الإسلام، إلى ثنائية: الإيمان/الاعتقاد.
  إن الأخذ بهذه التحولات مجتمعة من شأنه أن ينعكس على فهم الدين، وتحديداً من جانبين:
  الأول: الفهم النظري للدين.
  الثاني: الممارسة الدينية (التدين).
  بمعنى أن التحولات الثلاث المشار إليها يترتب عليها أمران أساسيان:
1- التحول من البعد التقريري إلى البعد الإيماني التصديقي في القضية الدينية (الفهم النظري للدين).
2- الجمع بين البعد الشعائري والبعد القيمي في السلوكيات الدينية (التطبيق العملي للدين).
  وهو ما سنستعرضه باختصار فيما يلي.
  أولاً: الدين(التشيع) على ضوء تحولات فهم الإيمان: (التحول من البعد التقريري إلى البعد التصديقي)
  كما هو معروف، القضايا الدينية على نوعين:
  قضايا واقعية وظيفتها الحكاية عن الواقع وتوصيفه في إطار ما هو كائن، ومناطها الصدق والكذب، وقضايا قيمية تتعلق بالأفعال والممارسات في إطار الينبغيات (ما يجب وما لا يجب)، ومناطها القبح والحسن.
  هنا، لا بدّ من التأكيد على أن القضايا الدينية جميعها، سواء أكانت قيمية أو واقعية، لها بعدان:
1- بعد تقريري(توصيفي).
2- بعد إيماني (تصديقي) (13) (13).
  البعد التقريري في القضية الدينية يتكفل بدراسة صحة أو عدم صحة مضمونها وما تحكي عنه، كما يتم من خلال هذا البعد دراسة اللوازم المنطقية التي تترتب على القضية.
  فالقضية الواقعية التي مناطها الصدق والكذب، يصار فيها، ومن خلال البعد التقريري، إلى النظر في مدى صدقها أو كذبها، وأيضاً النظر في اللوازم والنتائج المنطقية التي تترتب على ذلك تلقائياً، من دون التعدي والتطرق إلى أي شيء آخر.
  وكذلك الأمر بالنسبة للقضية القيمية، حيث يتم من خلال البعد التقريري البحث حول مدى قبح وحسن المضمون الذي تحمله، إضافة إلى البحث حول النتائج المنطقية التي تتوالد منها من دون الوقوف عند أية نتائج، أو لوازم أخرى خارج الإطار المنطقي.
  إذاً، البحث هنا هو مجرد بحث في :
المضمون لناحية صحته.
ما ينتج عنه في المجال المنطقي.
  أما في البعد الإيماني، فيُنظر إلى القضية بنحو أعم ومختلف؛ إذ ليس المطلوب في هذه الحالة الاكتفاء بالبحث حول صحة المضمون وما يلزم عنه منطقياً، بل المطلوب أيضاً البحث في:
المبتنيات المعرفية التي أسست عليها القضية.
اللوازم التي هي أعم من الجانب المنطقي؛ أي اللوازم الثقافية، والاجتماعية، والمعرفية، والنفسية، والعلمية، والعملية و
النظر في مدى تصديق وقبول المتلقي لمضمون القضية واستعداده للالتزام بها، والعمل بمؤدياتها.
  بمعنى أن التعامل مع القضية الدينية على خلفية البعد الإيماني يهدف إلى جذب المتلقي إلى رحاب الإيمان والتصديق بالوحي بعيداً عن الجدل الرامي إلى الإفحام، وإثبات صحة مدّعى وإبطال آخر.
  وعليه، فإن صدق القضية، والإيمان بها يستوجب دراسة الآثار والنتائج (التي هي أعم من الجانب المنطقي) وتحديداً في ثلاث دوائر:
  – الدائرة الفردية: أي البحث في آثار الإيمان ومستتبعاته على مستوى الفرد من خلال علم النفس الديني.
  – الدائرة الجماعية: أي البحث في آثار الإيمان، ومترتباته على مستوى الجماعة من خلال علم الاجتماع الديني.
  – الدائرة التاريخية: أي البحث في تطور مفهوم القضية، والتدرج في التعامل معها، والتحولات التي تحملها في إطار سياق تاريخي يفضي إلى فهم شمولي وتكاملي.
  إذاً، التحولات الحاصلة في فهم الإيمان، وتحديداً، التحول من الاعتقاد إلى الإيمان يترتب عليه (طبقاً للفوارق التي استعرضناها بينهما)؛ تحول في النظر إلى القضايا الدينية من البعد التقريري (التوصيفي) البحت إلى البعد الإيماني (التصديقي)، وهو ما يعني النظر إلى المشهد الديني والتعامل معه بكل مكوناته ودلالاته بنحو يضمن عدم الاقتصار على رؤية مجتزأة في التعامل مع الدين، ويوفر الانتقال من الجانب المعتقدي النظري، إلى الجانب الإيماني النظري والعملي معاً، انطلاقاً من فهم متكامل للنص الديني ومترتباته.
  خلاصة الكلام: إن التحول من الاعتقاد إلى الإيمان يستوجب التعامل مع النص الديني، ليس من خلال الاقتصار على طرح سؤال ماذا يقول الوحي، بل أيضاً من خلال سؤال لماذا يقول الوحي؛ لأن الجمع بين (ماذا) و (لماذا) في هذا المقام يتكفل بتحويل المعتقد النظري إلى موجه للسلوك، وإلى ممارسات إيمانية تؤسس لحضارة منشؤها الدين.

  ثانياً: المتدينون(الشيعة) على ضوء تحولات فهم الإيمان: (الجمع بين الشعائر والقيم)
  يشتمل النص الديني، على نوعين من التعاليم: تعاليم شعائرية_تعبدية وأخرى قيمية.
  التعاليم الشعائرية: تتعلق بالطقوس والممارسات الدينية الخاضعة بشكل صارم ومحدد لمقاييس الحلال والحرام؛ مثل: الصلاة، الصوم، الحج
  أما التعاليم القيمية: فتتعلق بالمواصفات والممارسات النابعة من روحية التدين بمعزل عن مقاييس الحلال والحرام المحددة؛ مثل: الرأفة، والمحبة، واللهفة، وفعل الخيرات، وحسن الخلق، وبشاشة الوجه، والإيثار….
  يمكن القول: إن الشعائر تتعلق بجوارح الإنسان؛ أي وسائل إدراكه الحسية وأعضائه المادية، بينما القيم تتعلق بوسائل إدراكه المعنوية والمجردة، وملكاته النفسية.
  وعليه، فإن بعض المجتمعات المتدينة، تولي أهمية كبيرة للممارسات الشعائرية (وهو أمر مطلوب)، لكن من دون إعارة التعاليم القيمية ما تستحقه من الاهتمام، وهو أمر في جزء منه ناتج عن التعامل مع المعتقدات بمعزل عن المقاصد الإيمانية التي ترمي إليها؛ فالاعتقاد لوحده يُنتج ممارسات أقرب إلى الشعائر منها إلى القيم، في حين أن المطلوب إخضاع المعتقدات لروحية الإيمان وتجاربه في سبيل إنتاج فعاليات دينية تجمع في آن بين الشعائر والقيم.
باختصار،التمسك بالإيمان يؤدي إلى التحول من جمودية الاعتقاد إلى حيوية الإيمان على مستوى فهم الدين وتطبيقه على حد سواء.

 

الهامش
(1) – أحد قراملكي، الهندسة المعرفية لعلم الكلام الجديد، دار الهادي، 2002م، ص 213.
(2) – مصطفى ملكيان، العقلانية والمعنوية، دار الهادي، 2005م، ص 272.
(3) – هناك الكثير من التعريفات المتباينة حول الإيمان منها أنه: تصديق، عمل، علم ومعرفة، إقبال وإعراض، خصال خير، الإسلام، إقرار باللسان، فضيلة، إطمئنان، إعتقاد، اختبار، تجربة
(4) – ابن خالقداد الهاشمي، توضيح الملل والنحل، طهران، إقبال، 1994، ج1، ص 37.
(5) – الهندسة المعرفية (م.س) ص 213.
(6) – راجع: مرتضى المطهري، الإنسان والإيمان (الأعمال الكاملة)،إنتشارات صدرا، طهران، 1990، ج2، ص 566.
(7) – هناك الكثير من الفوارق التي استعرضت في إطار علم الكلام التقليدي بين الإيمان والإسلام، أبرزها أن الإسلام ما ظهر والإيمان ما بطن، وأن الإسلام إقرار بالقول والإيمان تصديق بالقلب.
(8) – ابن تيمية، كتاب الإيمان، دمشق، (من دون بيانات)، ص 142 ، نقلاً عن الهندسة المعرفية.
(9) – العقلانية والمعنوية (م.س) ص 286.
(10) – سورة آل عمران، آية: 173.
(11) – العقلانية والمعنوية (م.س) ص 286.
(12) – سورة البقرة، آية: 260.
(13) – راجع: الهندسة المعرفية (م.س)، ص 191- 192.

 

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً