أحدث المقالات





إيمان شمس الدين

لا يمكننا في ظل قيام الدولة الحديثة أن نتكلم عن مفاهيم جديدة على الساحة الفقهية كمفهوم المواطنة ونحن ما زلنا لا نملك الأدوات الصحيحة في استخراج نظرية فقهية جديدة حول مفهوم المواطنة وفق مقومات الدولة الحديثة.

وطالما أن الفقه يقف إلى الآن ببعض أحكامه موقف النقيض من فكرة المواطنة سيبقى الفرد الشيعي يعيش حالة التناقض الذاتي بين سلطة الفقيه وحدودها وسلطة الدولة وحدودها سواء في الوعي أو اللاوعي,وهو ما سينعكس على ممارساته وسلوكه العملي داخل وطنه ويبقى كفرد شيعي في قفص الاتهام بالانتماء إلى الخارج والتشكيك في مواطنته والذي يؤدي إلى التشكيك في الانتماء.علما أن الفقه جاء لهيمن ويسيطر على سلوكيات الانسان المكلف لتكون في الحياة ضمن دائرة الرؤية الالهية داخلة فيها لا خارجة عنها لتستقيم حياته الدنيوية وتستقيم معها الحياة الاخروية أي أن الدين جاء ليخدم الانسان ويقوم حياته وفق الرؤية الالهية.

لعل من الاشكاليات المهمة التي تقف حجر عثرة في التكريس الفقهي لمفهوم المواطنة هو تعارضة الظاهر مع المفهوم القرآني والحديثي "الأمة" وكيفية الخروج بتوليفة فقهية حقيقية بين مفهوم المواطنة ومفهوم الأمة.

ويمكن بحث الموضوع من باب نظرية الشهيد محمد باقر الصدر والتي انتقل فيها من فقه الاحكام إلى فقه النظريات أو مايمكن تجاوزا تسميته الفقه الموضوعي.

بحيث نعرض مفهوم المواطنة بشكله الحداثاوي ضمن صياغة الدولة الحديثة على القرآن والأحاديث المعتبرة لكي نعرف رأي الشريعة في هذا الموضوع خاصة أن الخطوط العامة والكلية للدولة كمفاهيم وصياغات أولية مارسها الرسول صلى الله عليه وآله في بناء الدولة الاسلامية كحاكم ومارسها أمير المؤمنين عليه السلام حينما تولى مسؤولية الخلافة,وحتى باقي الأئمة رسموا لأصحابهم من خلال مجموعة من التساؤلات والاستفسارات التي طرحت عليهم في ما يخص التعامل مع الدولة وكيفية ممارسة الحياة العامة للفرد الشيعي في ظل الدولة القائمة المغتصبة لحق الخلافة والممارسة للظلم.وكان الأئمة رضوان الله تعالى عليهم رغم اعتبارهم أن الحكم مغتصب إلا أنهم لم يعترضوا على فكرة قيام الدولة والعيش في ظلها كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات بل كان الامام الصادق عليه السلام واضحا مع احد أصحابه الذي قال له "كنت في عهد الامويين أسن السيوف لحربكم واليوم تبت وها هم بنو العباس يطلبون مني سن السيوف لحرب الروم "وكان رد الامام الصادق أن يسن السيوف ضد الروم ولا يفعل ذلك ضدهم.وهو تمييز واضح لأسس المواطنة الصالحة القائمة على نصرة الحق لا الرجال.

ولعل من أبرز التساؤلات التي يمكن طرحها لصياغة رؤية واضحة فقهيا حول موضوع المواطنة هي:

1.كيف يمكن أن نكرس مفهوم المواطنة الصالحة دون أن يتعارض مع مفهوم الأمة؟وهل يمكن أن نشكل رؤية تكون المواطنة مرتبطة بمفهوم الأمة ارتباط الخصوص والعموم بحيث تشكل المواطنة الدائرة الاصغر التي هي جزء من الدائرة الاكبر أي الأمة ,وتترتب أولويات وأهداف المواطنة لتصب في طول أولويات وأهداف الأمة في ظل وجود حكومات مستبدة وتربطها مصالح مع أعداء للأمة الاسلامية وهو ما يطرح استفهاما حول مدى قبول هذه الحكومات بمشروع مواطني بهذه الطريقة؟

2.كيف يمكن أن نحدد صلاحيات المرجع وحدود علاقته بالمقلدين من مختلف البلاد الاسلامية والغير اسلامية حتى يستطيع الفرد الشيعي أن يميز بين حدود سلطة المرجع وسلطة الدولة؟

3.هل نستطيع أن ننظر لفقه مناطقي يأخذ في الحسبان ظروف وأعراف كل دولة على حدة بحيث يقوم الفقيه برسم الحدود العامة والكلية لكل منطقة على حدة من خلال اتصاله بعلماء ومثقفي ومفكري كل بلد ويترك لهم تحديد المصاديق وإدارة الأمور لتخف سلطته على الفرد من جهة وتنمي الحس المواطني من جهة أخرى ويقل بذلك التناقد الذاتي الذي يعيشه الفرد الشيعي بين سلطة الفقيه وسلطة الدولة.

4.إلى أي مدى يمكن ان نستفيد من إيجابيات التجربة المسيحية في هذا الصدد؟

هي تساؤلات تطرح على طاولة البحث علها تشكل مفتاحا أوليا للنهوض بنظرية قادرة على طرح موضوع المواطنة بشكل عصري وضمن الثوابت الدينية.      

 
 




Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً