أحدث المقالات

د. الشيخ عصري الباني([1])

مقدّمة

تعتبر الحوزات العلمية لأتباع مدرسة أهل البيت(عم) المنبع الذي يستمد منه المذهب روحه وتجدده وبقائه، اذ لولاها لما بقي له من اثر، ولتقاذفته الأديان والمذاهب الانحرافية، فإما أن تقتلعه من أساسه، أو أن تفرغه من محتواه، وقد أنجبت هذه الحوزات الآلاف المؤلفة من العلماء والفضلاء وعلماء الدين، فكان منهم من ترك أثره لا على الشيعة وغيرهم من طوائف المسلمين فحسب، بل كان لهم أثر عالمي، وقدموا للإنسانية أكبر الخدمات وأجلها، والحديث في هذا الموضوع وذكر أسماء هؤلاء وإنجازاتهم حديث ذو شجون سيخرج بمقالتنا هذه عن هدفها، ولكن نظرة بسيطة لما يحدث في عالمنا اليوم، ومقارنتها بالماضي القريب تؤكد ما أشرنا اليه، وصدق الشاعر([2]) عندما قال:

تلك آثارنا تدلّ علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار([3])

وبعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة في سنة 1979م كان للحوزة الأثر الكبير في حمايتها ودعمها ورفدها بالطاقات العلمية التي استطاعت ان تحمي هذه الثورة وتذود عنها.

 مشكلات النظام التربوي والتعليمي في الحوزة

ولكن هذه الحوزة العلمية تعاني من مشكلات عديدة تؤدي إلى ضعف في عملها وجعلها لا تستطيع التماشي مع المستجدات التي يشهدها عالم التشيع خاصة، والعالم الاسلامي والعالم، فمع وجود التطور العلمي ووسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والمحطات الفضائية والموبايل، وغيرها من الوسائل الحديثة، كان يفترض في الحوزة ان تغير من طريقتها في التصدي لمعالجة هذه المشاكل، وتغيير نظم التعليم والتبليغ فيها، لكي تستطيع أن تواجه هذه التحديات، ولكننا ومع الاسف الشديد لا نجد لهذا الشيء من أثر إلا القليل من الجهود المبعثرة التي لا تتناسب والتحدي الذي يواجهه الاسلام والمسلمون، ونحن في هذه المقالة سنركز على اهم هذه المشكلات، والتي تتمثل في نظام التربية والتعليم في هذه الحوزة.

المشكلة الاُولى: حصر الاهتمام بعلمَيْ الفقه والأصول

تتمثل أهم مشكلة في الحوزة العلمية في أنها حوزة تقوم على علمٍ واحد وهو علم الفقه([4]) الذي يتفرع منه علم الأصول([5])، مع أن لفظ العلم الوارد في التسمية شامل لجميع أنواع العلوم، فتسميتها من الاساس خاطئة فلابد من تسميتها بحوزة الفقه والاصول، وقد يتصور المطالع لهذه المقالة ان لكاتبها مشكلة مع هذين العلمين العظيمين، وهذا التصور غير صحيح، وانما مشكلتي بل مشكلة اغلب طلبة الحوزة في انحصار الاهتمام بهذين العلمين.

مظاهر هذا الاهتمام

ولكي لا يكون كلامنا من باب إلقاء الكلام على عواهنه([6]) نشير إلى بعض الظواهر التي تؤكِّد ما ذهبنا إليه:

أـ حرمان الآخرين من الرواتب

أـ في الرواتب التي تعطى للطلبة، فإن الشرط الوحيد فيها هو أن يكون قد أكمل السطح الأول أو الثاني أو الثالث أو من طلبة الخارج، وجميع هذه المراحل في الفقه والأصول، وهذا التخصيص بلا دليل إذ إن علوم آل محمد(عم) غير منحصرة في هذين العلمين حتى نحصر أخذ الحقوق الشرعية بمَنْ يحويهما، وهو ما أشارت إليه العديد من الروايات، نشير إلى بعضها:

الرواية الأولى: رواية إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى(ع) قال: (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ(ص) الْمَسْجِدَ فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: عَلَّامَةٌ، فَقَالَ: ومَا الْعَلَّامَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ ووَقَائِعِهَا وأَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ والْأَشْعَارِ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ(ص): (ذَاكَ عِلْمٌ لَا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ ولَا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ)، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ(ص): (إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ ومَا خَلَاهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ)([7]).

فقد أرشدهم النبي الأعظم(ص) إلى العلم الذي يضر جهله وينفع تعلمه، ويصح أن يقال لصاحبه (عَلَّامَةٌ)، لوجود حقيقة هذا الاسم، ثم بين العلم الذي يستحق إطلاق اسم العلم عليه وينفع في الدين والدنيا، وقد عدها ثلاثة: ـ

العلم الأوّل: أشار اليه بقوله(ع): (آيَةٌ مُحْكَمَةٌ)، ويحتمل معنيان:

الأوّل: أي غير منسوخة لأحكام معناها وعدم إزالة حكمها.

الثاني: إنها غير متشابهة لأحكام بيانها بنفسها، وعدم افتقارها في معرفة ما فيها من الحقائق والمعارف والأحكام إلى غيرها، وعدم احتياجها إلى تأويل أو غير مختلف فيها يقال: هذا الشيء محكم إذا لم يكن فيه اختلاف.

 وهو إشارة إلى العلم بالمحكمات القرآنية المتعلقة بأصول الدين وفروعه وبالمواعظ والنصائح والعبرة بأحوال الماضين، وإنما خص المحكم بالذكر لأن المنسوخ ليس للعلم بمضمونه كثير نفع، والمختلف فيه لا يعلم الحق منه قطعاً إلا المعصوم، وكذا المتشابه لقوله تعالى: (هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في‏ قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ)([8]).

العلم الثاني: ما أشار اليه(ع) بقوله:(فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ) ويحتمل هنا عدة معان:

الأوّل: العلم بالواجبات المتوسطة بين الإفراط والتفريط.

الثاني: العلم بالواجبات العادلة أي الباقية غير المنسوخة.

الثالث: العلم بما اتفق عليه المسلمون.

الرابع: أراد العدل في القسمة، أي فريضة معدلة على السهام المذكورة في الكتاب والسنة من غير جور.

الخامس: إنها مستنبطة من الكتاب والسنّة، فتكون هذه الفريضة تعدل بما أخذ عنهما.

وقد أشار بذلك إلى العلم بواجبات الأعمال البدنية والقلبية التي تشمل الأخلاق والمعارف.

العلم الثالث: وهو ما اشار اليه بقوله(ع): (سُنَّةٌ قَائِمَةٌ) السنن: الطريقة. يقال: استقام فلان على سنن واحد([9])، وسنة النبي: طريقته التي كان يتحرّاها([10])، وقام فلان على الشيء إذا ثبت عليه وتمسك به([11])، والقائمة: الدائمة المستمرة التي العمل بها متصل لا يترك([12]).

ويحتمل فيها معنيان:

الأوّل: إشارة إلى العلم بالأحاديث التي بعضها في التوحيد وما يليق به، وبعضها في المعاد وما يناسبه، وبعضها في الأخلاق وما يتعلق بها، وبعضها في الأحكام وما يعتبر فيها، وبعضها في عادات الرسول والأئمة(عم).

الثاني: يحتمل أن يكون إشارة إلى العلم بمستحباتها.

ووجه حصر العلم في الثلاثة ظاهر; لأن العلوم النافعة إما متعلقة بأصول العقائد أو بفروعها، والثانية إما متعلقة بأعمال الجوارح، أو بأفعال القلب من محاسن الأخلاق ومقابحها والاعتبار والاتعاظ وجميع ذلك مندرج في الثلاثة المذكورة.

قوله(ع):(وَمَا خَلَاهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ) أي زيادة لا خير فيه في الآخرة، سواء كان ممدوحاً في نفسه كعلم الرياضيات والهندسة ونحوهما، أو مذموماً كعلم السحر والشعبذة ونحوهما.

أقول: من الواضح في هذه الرواية أنه(ص) لم يحصر العلم بالفقه، بل قدم العلوم الأخرى عليه.

الرواية الثانية: صحيحة صفوان الجمال قال: سألتُ أبا عبد الله (ع) عن قول الله ـ عزَّ وجلَّ ـ: (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتيمَيْنِ فِي الْمَدينَةِ وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما)([13])، فقال: (أما إنه ما كان ذهباً ولا فضة وإنما كان أربع كلمات، لا إله إلا أنا، مَنْ أيقن بالموت لم يضحك سنه، ومَنْ أيقن بالحساب لم يفرح قلبه، ومَنْ أيقن بالقدر لم يخْشَ إلا الله)([14]).

فقوله(ع): (وإنما كان أربع كلمات) حث بالأولى على التوحيد المطلق والتنزيه عن جميع ما لا يليق به تعالى، وبالثاني على تذكر الموت والاستعداد لما بعده والتحزّن لأحوال البرزخ، وبالثالثة على تذكر أحوال القيامة وأهوالها سيما الحساب الذي لا يعلم مآل أحواله وهو يوجب زوال الفرح والسرور عن القلب، وبالرابعة على اليقين بالقدر والخوف من الله وحده واقتصر بذكر هذه الخصال لأن الاتصاف بها يوجب البلوغ إلى غاية الكمال.

وقوله(ع): (لا إله إلا الله أنا؛ مَنْ أيقن بالموت لم يضحك سنّه). السنّ معروف ويحتمل أن يراد به العمر أي لم يضحك في مدّة عمره لأن الضحك ينشأ من الفرح والسرور والموقن بالموت وشدائده وما بعده من القبر وسؤال منكر ونكير فيه وأهوال البرزخ والقيامة والجنة والنار قلبة محزون مغموم دائماً لعلمه بمآل حاله وما يفعل به في تلك المواطن فينقطع عنه أسباب السرور بالكلية.

قوله(ع): (ومَنْ أيقن بالحساب) عن القليل والكثير (لم يفرح قلبه) لشدّة الحزن والخوف من رجحان سيئاته على حسناته ويوجب ذلك اشتغاله بمحاسبة النفس قبل أن تحاسب.

قوله(ع): (ومَنْ أيقن بالقدر) يحتمل فيه معنيان:

الأوّل: إن المراد به التقدير كما أن المراد بالقضاء الخلق على وفق التقدير.

الثاني: ان المراد به تعلق علم الله سبحانه وإرادته بالكائنات قبل وجودها.

 قوله(ع): (لم يَخْشَ إلا الله) ومن علامات تخليه الظاهر والباطن عن الرذائل وتحليتهما بالفضائل وعدم الرجوع في جلب النفع ودفع الضر إلا إلى الله.

أقول: لا نجد في تلك الوصايا للفقه أثر ولا عين، وهذا لا يعني الانتقاص من هذا العلم العظيم، ولكنه إشارة إلى عظمة تلك العلوم التي وردت في الرواية وأهميتها، وهل هناك أعظم من التعبير من قبل ربّ العزة والجلالة عنها بأنها كنز.

الانتقاص في ألقاب الآخرين

ب ـ في باب الألقاب العلمية فلا يقال: آية الله أو آية الله العظمى أو ملاّ أو فاضل… إلا لمَنْ بلغ درجة الاجتهاد في الفقه، ولا يقال لغيره من المتخصِّصين في العلوم الإسلامية الأخرى أيّ من هذه الألقاب، ولو بلغ ما بلغ من التخصُّص في العلوم الأخرى في التفسير والحديث والفلسفة والأخلاق والعرفان والرجال والتاريخ الإسلامي… وغيرها، ولا أدري ما الذي خصَّص هذا العلم بهذه الألقاب، ولم يشمل العلوم الأخرى؟

اعتمادهما معياراً في التدرُّج العلميّ

ج ـ اعتماد الفقه والأصول كأساس في التدرج العلمي في الحوزة العلمية، واعتبار جميع علوم آل محمد الأخرى دروساً ثانوية ـ وهو عين المصطلح المتبع في الحوزة هذا إنْ وجدت بالأساس ـ، ولا يوجد أيّ دليل يشير إلى ثانوية هذه العلوم فكلها نزلت على النبيّ الأعظم(ص)، وأمر وأهل بيته الأطهار(عم) بتبليغها من دون التمييز بان هذا أوّليّ وهذا ثانويّ، بل إن بعض الروايات تشير إلى أفضلية العلوم الأخرى، وقد تقدم بعضها ونشير هنا إلى روايتين:

1ـ رواية يونس بن يعقوب قال: كنتُ عند أبي عبد الله(ع) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك، فقال أبو عبد الله (ع): كلامك من كلام رسول الله(ص) أو من عندك؟ فقال: من كلام رسول الله(ص) ومن عندي، فقال أبو عبد الله: فأنت إذا شريك رسول الله؟ قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن الله (عزَّ وجلَّ) يخبرك؟ قال: لا، قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله(ص)؟ قال: لا، فالتفت أبو عبد الله (ع)إلي فقال: يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم ثم قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته، قال يونس: فيالها من حسرة، فقلت: جعلت فداك انى سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب الكلام يقولون، هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله، فقال أبو عبد الله (ع): إنما قلت: فويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون. ثم قال لي: اخرج إلى الباب فانظر مَنْ ترى من المتكلِّمين فادخله؟ قال: فأدخلت حمران بن أعين([15]) وكان يحسن الكلام، وأدخلت الأحول([16]) وكان يحسن الكلام، وأدخلت هشام بن سالم([17]) وكان يحسن الكلام، وأدخلت قيس بن الماصر([18]) وكان عندي أحسنهم كلاماً، وكان قد تعلم الكلام من عليّ بن الحسين(عما)، فلما استقر بنا المجلس ـ وكان أبو عبد الله (ع) قبل الحجّ يستقرّ أياماً في جبلٍ في طرف الحرم في فازة([19]) له مضروبة ـ قال: فأخرج أبو عبد الله رأسه من فازته فإذا هو ببعيرٍ يخب([20]) فقال: هشام([21]) وربّ الكعبة، قال: فظننا أن هشاماً رجل من ولد عقيل([22]) كان شديد المحبّة له. قال: فورد هشام بن الحكم وهو أوّل ما اختطت لحيته وليس فينا إلاّ مَنْ هو أكبر سنّاً منه، قال: فوسَّع له أبو عبد الله (ع) وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده، ثم قال: يا حمران كلِّم الرجل، فكلَّمه فظهر عليه حمران، ثم قال: يا طاقي، كلمه فكلَّمه فظهر عليه الأحول، ثم قال: يا هشام بن سالم كلِّمه، فتعارفا، ثمّ قال أبو عبد الله(ع) لقيس الماصر: كلِّمْه فكلَّمه، فأقبل أبو عبد الله(ع) يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي. فقال للشامي: كلم هذا الغلام ـ يعنى هشام بن الحكم ـ فقال: نعم فقال لهشام: يا غلام سلني في امامة هذا، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي: يا هذا أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي انظر لخلقه، قال: ففعل بنظره لهم ماذا؟ قال، أقام لهم حجةً ودليلاً كي لا يتشتّتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم قال: فمَنْ هو؟ قال: رسول الله(ص)، قال هشام: فبعد رسول الله(ص) ؟ قال: الكتاب والسنّة، قال هشام: فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا؟ قال الشامي: نعم، قال: فلم اختلفنا انا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك؟ قال: فسكت الشامي، فقال أبو عبد الله(ع) للشامي: ما لك لا تتكلَّم؟ قال الشامي: إنْ قلتُ: لم نختلف كذبت، وإن قلتُ: إن الكتاب والسنّة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت، لأنهما يحتملان الوجوه، وإن قلتُ: قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحقّ فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة إلا ان لي عليه هذه الحجّة، فقال أبو عبد الله(ع): سله تجده مليّاً. فقال الشامي: يا هذا مَنْ أنظر للخلق، أربهم أو أنفسهم؟ فقال هشام: ربّهم أنظر لهم منهم لأنفسهم، فقال الشامي: فهل أقام مَنْ يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقّهم من باطلهم؟ قال هشام: في وقت رسول الله(ص) أو الساعة؟ قال الشامي: في وقت رسول الله(ص) والساعة مَنْ؟ فقال هشام: هذا القاعد الذي تشدّ إليه الرحال، ويخبرنا بأخبار السماء [والأرض] وراثة عن أبٍ عن جدٍّ، قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك؟ قال هشام: سله عما بدا لك، قال الشامي، قطعت عذري، فعليّ السؤال. فقال أبو عبد الله(ع): يا شاميّ، أخبرك كيف كان سفرك؟ وكيف كان طريقك؟ كان كذا وكذا، فأقبل الشامي يقول: صدقت، أسلمت لله الساعة، فقال أبو عبد الله(ع): بل آمنت بالله الساعة، إن الإسلام قبل الإيمان، وعليه يتوارثون ويتناكحون، والإيمان عليه يثابون، فقال الشامي: صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله(ص) وأنك وصي الأوصياء. ثمّ التفت أبو عبد الله(ع) إلى حمران، فقال: تجري الكلام على الأثر فتصيب، والتفت إلى هشام بن سالم، فقال: تريد الأثر ولا تعرفه، ثمّ التفت إلى الأحول، فقال: قيّاس روّاغ، تكسر باطلاً بباطل، الاّ ان باطلك أظهر، ثم التفت إلى قيس بن الماصر، فقال: تتكلَّم وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله(ص) أبعد ما تكون منه، تمزج الحق مع الباطل، وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل، أنت والأحول قفّازان حاذقان، قال يونس: فظننتُ والله أنه يقول لهشام قريباً ممّا قال لهما، ثم قال: يا هشام لا تكاد تقع، تلوي رجليك إذا همَمْتَ بالأرض طرْتَ. مثلك فليكلِّم الناس، فاتَّقِ الزلّة، والشفاعة من ورائها، إنْ شاء الله ([23]).

وهنا نشير إلى عدّة أمور لها دلالة وردت في الرواية:

1ـ تحسُّر يونس بن يعقوب انه لم يتعلم علم الكلام، وهذا يشير إلى الأهمية الكبرى التي يتمتع بها هذا العلم عند الأئمة وأصحابهم.

2ـ أمر الامام للراوي بالخروج لإيجاد بعض أصحابه المتكلمين، وأنه وجد ثلاثة منهم وأشار إلى أنهم كانوا يحسنون الكلام، مما يشير إلى أن أصحاب الائمة لم يكونوا يدرسون علماً واحداً بل كانوا ذوي تخصُّصات متعدِّدة، وعدّ هذا التخصص من مميزاتهم.

3ـ قول الإمام الصادق(ع) عن هشام بن الحكم بانه: (ناصرنا بيده ولسانه)، تشير إلى أن التخصُّص في هذه العلوم فيه نصرة للمذهب، وعليه فهل يجوز أن نقطع عن هؤلاء الأنصار والحماة للمذهب من الحقوق الشرعية وحصرها في الطلبة الدارسين للفقه والأصول؟!

4ـ قول الإمام الصادق(ع): (مثلك فليكلِّم الناس)، فيسأل الامام: كيف يمكن أن ننتج أشخاصاً كهشام ليكلِّموا الناس وفي الحوزة التي تنتمي إليك لا يشجِّعون مثل هذه العلوم، بل لو تخصَّص أحدهم فيها من دون الفقه والأصول فسيكون نتيجته الطرد والموت جوعاً.

2ـ رواية يونس بن يعقوب قال: كان عند أبي عبد الله(ع) جماعة من أصحابه، منهم حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان، وهشام بن سالم، والطيّار، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شابّ فقال أبو عبد الله(ع): يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟ فقال هشام: يا بن رسول الله، إني أجلّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد الله: إذا أمرتكم بشيءٍ فافعلوا. قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك عليّ فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متّزر بها من صوف، وشملة مرتد بها والناس يسألونه، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت: أيها العالم إني رجلٌ غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم، فقلت له: ألك عين؟ فقال يا بنيّ أيّ شيء هذا من السؤال؟ وشيء تراه كيف تسأل عنه؟ فقلت: هكذا مسألتي، فقال: يا بنيّ سَلْ وإنْ كانت مسألتك حمقاء، قلتُ: أجِبْني فيه، قال لي سَلْ، قلتُ: ألك عين؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص، قلت: فلك أنف؟ قال: نعم قلت: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة، قلت: ألك فم؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم، قلت: فلك أذن؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت، قلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أميِّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح والحواسّ، قلت: أوليس في هذه الجوارح غنىً عن القلب؟ فقال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحةٌ سليمة، قال: يا بنيّ، إن الجوارح إذا شكَّتْ في شيءٍ شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردّته إلى القلب، فيستيقن اليقين ويبطل الشكّ، قال هشام: فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟ قال: نعم، قلت: لا بُدَّ من القلب وإلّا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم، فقلت له: يا أبا مروان، فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحِّح لها الصحيح ويتيقَّن به ما شكّ فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكّك؟! قال: فسكت ولم يقل لي شيئاً. ثمّ التفت إليّ، فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا، قال: أمن جلسائه؟ قلت: لا، قال: فمن أين أنت؟ قال: قلت: من أهل الكوفة قال: فأنت إذاً هو، ثمّ ضمّني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتّى قمتُ، قال: فضحك أبو عبد الله(ع) وقال: يا هشام، مَنْ علمك هذا؟ قلت: شيءٌ أخذته منك وألّفته، فقال: هذا والله مكتوبٌ في صحف إبراهيم وموسى([24]).

هنا لا بُدَّ من الاشارة إلى نكتتين([25]) وردت في هذه الرواية الشريفة:

الأولى: إن الإمام(ع) كان يدرس المسائل الكلامية بشكل معمق، وبشكل ممنهج، بحيث أنتج هشام وأمثال هشام الذين وردت أسماؤهم في رواية سابقة، وهو ما أشار اليه هشام بقوله: (شيءٌ أخذته منك وألّفته).

الثانية: قول الإمام(ع): (هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى)، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يمكن أن تكون صحف إبراهيم وموسى من الدروس الثانوية في الحوزة؟ ما لكم كيف تحكمون([26])؟!

العلوم الاُخرى في أوقات الفراغ

د ـ إن هذه النظرة أدّت إلى أن تظهر حالة خطيرة تتمثل في أن بعض الفقهاء تصدّوا إلى تدريس العلوم الأخرى باعتبار أنها علوم ثانوية يدرسونها وقت فراغهم، فظهرت عندنا حالة عجيبة ننفرد بها عن جميع الجامعات العلمية، وهي أن نصف أحدهم بانه: (فقيه أصولي ومحدث رجالي، نجومي ورياضي، متبحِّر في المعقول والمنقول، وأستاذ ماهر، وشاعر بليغ، وزاهد متّقٍ، وهو في أوصافه الحميدة وأخلاقه الفاضلة مشهور ومعروف، وجامع الكمالات الصورية والمعنوية، وإضافة إلى العلوم العقلية والنقلية والمتداولة له باع طويل في الكثير من العلوم)([27])، وهذا ما لا نجده في أيٍّ من الجامعات العلمية الأخرى، فلا نجد في العالم أحد يقول: (طبيب مهندس طيار عالم ذرّة فيلسوف أديب…).

قد يقول قائل: ما هو المانع؟ فهذا ليس غريباً في تاريخنا، فقد وجدنا أمثال ابن سينا([28])، والشيخ البهائي([29])، وغيرهم قد نبغوا في العديد من العلوم.

وفي معرض الجواب عن ذلك أقول:

1ـ إن هذه الحالات كانت من النوادر والقاعدة لا تؤسِّس على الشاذ النادر.

2ـ ان من ذكروا لو كانوا تخصّصوا في علم واحد من العلوم المتعدّدة التي اشتغلوا بها لكان أنفع بكثير للإسلام والمذهب، وهو ما ثبت بالتجربة في العلوم الأخرى، إذ إن اشتغاله بعدّة علوم سيشتت جهوده من جهة، ومن جهة أخرى سيحدث خلطاً في العلوم التي يدرسها، وهو ما وجدناه في عدّة مجالاتٍ لا مجال لذكرها هنا.

3ـ لا دليل يلزمنا بأن نبقى على ما فعله السابقون مهما كان وإنْ ثبت عدم نجاعته وعدم نجاحه، بل العقل يلزمنا أن نستفيد من تجارب الآخرين الناجحة، ومن أخطائهم.

4ـ إن من البديهيات العلمية أن لكلّ علم من العلوم أدواته، وطرقه، ومنابعه الخاصة به، وهذا الشخص له طرقه وأدواته ومنابعه في علمه الذي تخصص به، وأما في تلك العلوم فهو لا يملك أدواتها ولا طرقها ولا منابعها، فكيف يمكنه النجاح في ذلك؟!

نعم، بعض العلماء توجهوا لتدريس هذه العلوم من جهة سدّ النقص الحاصل بسبب سياسة الانحصار، وهؤلاء ليسوا محلّ الكلام، بل كلامنا حول مَنْ يصنِّف العلوم على أنها أوّلي وثانويّ، ويدرس هذه العلوم على هذا الأساس في أوقات الفراغ.

وهذا الأمر انجرّ إلى الندوات التخصصية، فنجد أنه يدّعى شخصية متخصّصة في الفقه لإلقاء محاضرة حول (نهج البلاغة)، وهذا الشخص في حياته لم يكتب مقالة حول هذا الموضوع، ولا دَرَسَ ولا درّس هذا الكتاب، وإنما دُعي لأنه مجتهد في الفقه والأصول([30]).

وقد كنا نسمع البعض ينتقدون المقرَّبين من السيد أبو القاسم الخوئي(1413هـ) في أنهم منعوه من أن يكتب تفسيراً للقرآن الكريم، وفي الحقيقة علينا أن نكرِّم هؤلاء لأنهم بذلك جعلوا السيد يبدع في مجال تخصُّصه، واستطاع بذلك تخريج خمسة أجيال من الفقهاء محلّ اعتماد الطائفة إلى يوم الناس هذا.

النظرة الفوقية لدارسي الفقه والأصول

هـ ـ الحالة النفسية التي تتولَّد لدى طلبة العلوم الدينية من جرّاء هذا الجوّ، فإن طلبة الفقه وأساتذته يرَوْن لأنفسهم أفضلية، وينظرون لغيرهم نظرةَ استنقاصٍ ـ وإن كانوا لا يصرِّحون بذلك، والبعض يصرِّح ـ، بل إن هناك اصطلاح لمَنْ لا يتفوق في الفقه والأصول فينبز بأنه (روضه خون)، أي إنه لا يعرف الفقه والأصول، وما تشكله هذه القضية من آثار على نفسية الطلبة من الجانبين، وهنا نذكر بعض آثارها:

1ـ إنها تؤدي إلى الإحساس بالتفضيل لدى قسم من الطلبة مما يؤدي إلى تهيئة الأرضية الخصبة لنشوء التكبر باعتبار أنه له الأفضلية على غيره من بقية طلاب علوم آل محمد(عم).

2ـ إنها تؤدي إلى الحرص على اكتساب هذا العلم دون غيره لما فيه من مميزات ـ ذكرت آنفاً ـ، وإن كان ليس في هذا التخصص قربة إلى الله أو فيه مصلحة للإسلام والمسلمين.

3ـ إنها تؤدي إلى الحسد من قبل الطرف الآخر من الطلبة المتخصصين في العلوم الأخرى من علوم آل محمد(ص).

 والحالات الثلاث آنفة الذكر تعتبر من أخطر الأمراض الأخلاقية التي يمكن أن يصاب بها الانسان، وهو ما أشارت إليه الرواية المروية عن الإمام الحسن(ع) أنه قال: (هلاك الناس في ثلاث الكبر والحرص والحسد فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس والحرص عدو النفس وبه أخرج آدم من الجنة والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل)([31]).

العزوف عن التخصُّص في سائر العلوم

و ـ إنها تؤدي إلى عزوف الطلبة عن التخصُّص في العلوم الأخرى من علوم آل محمد(ص)، باعتبار أنه يقول لنفسه: أنا أتعب نفسي في علم غير مقدر من أهله والمفروض أن يكونوا من حماته بل قد أعاقب على تخصصي بقطع راتبي الشهري لعدم نجاحي في امتحان الفقه والأصول، مع أن غيري في علم الفقه والأصول ينالون جميع الامتيازات، وما لهذا الأمر من عوارض من أخطرها انقراض هذه العلوم الإلهية، وحرمان الأمة منها.

العجز عن حلّ المشكلات غير المرتبطة بالفقه والأصول

ز ـ انتشار الحالات السلبية والظواهر الخطيرة في المجتمع، عقائدية وأخلاقية وسلوكية، وعجز الحوزة من معالجتها، من جهة أن جميع الطلبة مشغولون بدراسة علم الفقه والأصول، فهم يستطيعون حل مشاكل المجتمع التي لها ارتباط بالفتوى، وأما المجالات الأخرى فإنهم غير مؤهلين لحلها، بل أستطيع القول بأنهم لو تصدّوا لحلّها فإنهم سوف يزيدون الطين بلّة، لأن هذه المشاكل تحتاج إلى متخصِّص لحلّها، فمثله كمثل الطبيب المتخصص في القلب يدعى لمعالجة كسر في رجل شخص فإنه بالتأكيد سوف يؤدي إلى عرجه وإلى الأبد.

مخالفة مناهج سائر الجامعات العلمية

ح ـ إن الحوزة العلمية من خلال هذه الطريقة وهذا المنهج تخالف جميع الجامعات العلمية في العالم، والتي حققت في جميع مجالات العلوم أفضل الانجازات في جميع المجالات، حيث تجد أن هذه الجامعات فيها كليات، والكليات تنقسم إلى فروع وهكذا، فمثلاً في الطب لا نجدهم يدرسون الباطنية ويعتبرون بقية أعضاء الجسم ثانوية، ولو كانوا قد فعلوا كما فعلنا لأدّى ذلك إلى انقراض البشر عن وجه الارض، وفي الهندسة لو أنهم اتخذوا من الهندسة المعمارية أساساً واعتبار بقية الفروع الأخرى في الهندسة ثانوية لوجَدْتَنا بدون طرق ولا جسور ولا سدود ولا مفاعلات نووية ولا حتّى بنايات من جهة أن البناء يحتاج إلى مواد تعتمد على الهندسة في مجالات أخرى غير الهندسة المعمارية.

تضييع النظرية الفكرية الجامعة في القرآن والحديث

ط ـ إننا ومن خلال هذا المنهج ـ التركيز على علم معين وإهمال العلوم الأخرى ـ نهمل قسماً كبيراً من الآيات القرآنية وقسماً عظيماً من تراثنا الواصل إلينا من قِبَل الأئمة(عم)، فإن القرآن الكريم والإرث الروائي الواصل إلينا لم يكن فقهاً وأصولاً فقط بل هو فكر جامع لجميع المجالات الفلسفية والعقائدية والاخلاقية… فبإهمال جميع هذه العلوم ـ كما يحدث الآن ـ سوف يحدث عندنا خللٌ كبير في استخراج النظرية الاسلامية العامة.

إشكالٌ وجواب

هنا قد يقول قائلٌ: إن التوسع في العلوم الأخرى إنما يجيء من خلال التوسع في الفقه والأصول.

وهو كلامٌ غير صحيح من جهتين:

الأولى: إنه مدّعى لا دليل عليه، فنحن لم نجرب التخصص في العلوم الدينية المختلفة لنقارن بين النتيجتين، بل ان التجارب في العلوم الأخرى أثبتت عكس ذلك.

الثانية: إنه خلاف السيرة العقلائية فلا يقال: إننا تقدّمنا في الفيزياء لأننا درسنا الكيمياء بشكلٍ جيد.

العجز أمام تيّارات الانحراف المتعدِّدة

ومما يؤكِّد ما أوردناه ـ عجز الحوزة الذي خلّفته سياسة انحصار العلم بالفقه والأصول ـ ما حدث في النصف الثاني من القرن العشرين من ظهور ظواهر خطيرة هدّدت الإسلام، كظهور الشيوعية بعد الثورة البلشفية التي حدثت في روسيا سنة 1917م، ومعه المدّ القومي الذي جاء من أوروبا ـ إذ وجدنا أن الحوزة العلمية ـ والتي كانت تضمّ مجموعةً كبيرة من الفقهاء لم يسبق لها مثيلٌ في تاريخ التشيع ـ تقف عاجزةً أمام هذا التحدي الخطير، بل إن هذه الافكار والمدارس دخلت بيوت النخبة من علماء الطائفة من خلال أبنائهم، وإليك بعض النماذج:

النموذج الأول: نقل عن الشيخ محمد رضا المظفر ـ وهو من المجدِّدين، وممَّنْ واجه ذلك المدّ الشيطاني بكلّ قوّةٍ ـ أنه ما نصب طعام إلّا وشبّ جدالٌ بين أبنائه والذين كانوا منقسمين بين هذه المذاهب الوضعية([32]).

النموذج الثاني: إن محمد صالح بن مهدي بن محسن بحر العلوم الطباطبائي أحد ابناء عائلة بحر العلوم كان شاعر الشيوعيين الأوّل في العراق والعالم العربي.

النموذج الثالث: محمد مهدي الجواهري، شاعر العرب الأول، كان أحد طلبة العلوم الدينية، وهو من عائلة الشيخ حسن صاحب الجواهر، ثم أصبح شاعراً للشيوعيين تارةً؛ وتارةً للقوميين، بحَسَب ظروفه وحالته المزاجية.

النموذج الرابع: بلغَتْ قوّة الشيوعيين في النجف الأشرف ـ والتي قلنا: إنها كانت تضمّ عدداً من الفقهاء لم يسبق له نظير في تاريخ التشيع ـ بحيث إنهم حاصروا بيت السيد الحكيم، والذي كان مرجع الطائفة في ذلك الوقت ممّا اضطرّه إلى الرحيل إلى مدينة كربلاء.

والنماذج أكثر من أن تُحصى، وأستطيع تصنيف كتب أشير فيها إلى ما حدث في تلك الفترة؛ لأنني كنت معاصراً لها، ورأيتُ بأمّ عيني ما حدث للأمة في ذلك الزمان.

فاذا كانت هذه الحالة في النجف التي هي مقرّ الحوزة العلمية، فما بالك ببقية الأصقاع الأخرى من العراق؟ وما بالك بحال البلدان والقارات الأخرى؟ وهذا العجز أمر طبيعي إذ كيف يمكن لهذه الحوزة الفقهية الأصولية أن تتصدى لمجالٍ ليس من تخصُّصها، ولو كانت الحوزة اتّخذت منهج الأئمة(عم) في عدم حصر اهتمامهم بعلمٍ دون آخر لما حدث ما حدث.

محاربة المشتغلين بغير هذين العلمين

وليتهم حصروا العلم في هذين العلمين، بل إنهم حاربوا كلّ مَنْ يحاول أن يخرج عن هذا الخطّ، ولنذكر هنا حادثتين:

1ـ روى الإمام الخميني(1) أن ابنه الشهيد مصطفى([33]) شرب ماءً في المدرسة الفيضية فبادر أحدهم إلى غسل الإناء، ولما سُئل عن السبب قال: إن والده يدرّس الفلسفة([34]).

2ـ بسبب الضغوط التي كانت تمارس على العلامة الطباطبائي(1401هـ) اضطرّ إلى تعطيل درسه عدّة مرات، وحرم طلابه من الراتب، وقد سمعت من أحد العلماء أنه كان يذهب إلى درس السيد سرّاً بدون علم والده الذي كان يمنعه من ذلك.

ولولا تصدّي بعض الأفاضل ممَّنْ كانوا قد درسوا هذه العلوم بشكلٍ غير منتظم وخارج السياق الحوزوي، وشروع بعض العلماء الشجعان في تحدّي انحصار العلم بالفقه والأصول من خلال الشروع بتدريس الفلسفة وعلم الكلام، وخصوصاً في حوزة قم المقدّسة، وبالنتيجة تخريج مجموعة من الفضلاء الذين وقفوا أمام هذه الهجمة، لما بقي للإسلام اسمٌ ولا رسم.

المشكلة الثانية: الاعتماد على كتبٍ لم تؤلَّف للتدريس

إن النظام الحالي في الحوزة يعتمد ـ في كلّ المجالات التي تدرس وحتّى في الفقه والأصول ـ على كتب لم تؤلَّف لكي تكون كتباً دراسية، كاللمعة والمكاسب والكفاية ـ، وهذا الأمر يدخل الطالب في دوّامة وأرق، إذ إن المطالب العلمية في تدريسها تحتاج إلى آليات وطرق خاصة متبعة وناجحة في كل أنحاء العالم في تدريس العلوم، بل إننا نجد حتى في المدارس التعليمية الأكاديمية الأولى ـ الابتدائية والمتوسطة والإعدادية ـ هناك لجان لتأليف الكتب المدرسية، ويقومون بإدخال الإصلاحات عليها في كلّ سنةٍ تماشياً مع المستجدات العلمية على الساحة العالمية.

المشكلة الثالثة: غياب الآلية الناجعة لتطوير التحقيقات العلميّة

إن النظام المتَّبع في الحوزة لا توجد فيه آلية محدّدة في مجال تطوير التحقيق العلمي، فليست هنا نسبة معينة من الحقوق الشرعية لهذا المجال، ومن أجل هذا الأمر تجد المحقِّقين في الحوزة، وخاصة الجدد، يستجدون هذا، ويتملّقون لهذا، ويبيعون آثارهم التي جاءت من السهر والتعب البدني، بأرخص الأثمان وتقوم دور النشر بفرض تغييرات على المضامين العلمية الواردة في هذه الكتب، وهذا يؤدّي بالنتيجة إلى أن يستغني الطالب عن هذا المنهج، إذ يقول في نفسه: لماذا أكتب والمؤسسة التي أكتب لها غير مهتمة وغير داعمة؟ وبذلك ينتهي التحقيق والبحث العلمي، ونبقى نخاطب العالم اليوم بكتب ألّفت قبل ألف سنة، ويكون يومنا كالبارحة، وخير ما يمكن أن يعبِّر عن هذه الحالة قول أمير المؤمنين(ع): (مَنْ اعتدل يوماه فهو مغبون)([35]).

المشكلة الرابعة: ضعف الدعم الماليّ

في كلّ مرّةٍ ترتفع الدعوات إلى الإصلاح يرفع في وجوهنا موضوع الضعف المادّي وقلة الأموال، وعندما تقول لهم: إننا نعيش في دولةٍ إسلامية غنية، يقولون: إننا يجب أن نفرِّق بين الدولة والحوزة، وهنا ترد عدّة اسئلة: أليست هذه دولة إسلامية تعمل بالقوانين الإسلامية ودستورها إسلامي؟ أوليست هذه الحوزة تعمل من أجل خدمة الإسلام والمسلمين ومنهم أبناء هذه البلاد، إنْ لم يكن هم أكثر المستفيدين منه؟ اذن يرتفع الإشكال الذي من أجله أسّست القاعدة، فالقاعدة أسّست بالأصل من أجل أن لا تصبح الحوزة ألعوبةً في أيدي الطغاة ـ كما حدث في بعض المذاهب الأخرى ـ، ولكنْ الآن الدولة إسلامية، ومن ناحيةٍ أخرى الحوزة تخدم الدولة في مدّها بالمبلِّغين وأئمّة الجمعة والجماعة، والقضاة، وتخدم أمنها القومي من خلال التبليغ لمبادئها والدفاع عنها في الخارج، وبعد كلّ هذا أليس من الإنصاف أن تدعم هذه المؤسسة من قبل الدولة الإسلامية؟!

المشكلة الخامسة: انحصار اللغات بالعربيّة والفارسيّة

من الواضحات أن في العالم الآلاف من اللغات، ورسالة الحوزة رسالة عالمية، وليست منحصرة في بلد أو قارة معينة، ولكن الملاحظ أن الحوزة لا تولي هذا الجانب الاهتمام المطلوب، فلا يوجد في الحوزة تدريس إلاّ بلغتين، هما: العربية والفارسية فقط، ومعنى ذلك أننا حددنا نشاطنا في رقعةٍ محدودة من العالم وتركنا بقية أرجاء العالم تفترسه الأديان والفرق المختلفة، وتركنا للمصادفة وضربة الحظّ أن يصبح شخصٌ يعرف إحدى هذه اللغات شيعيّاً ويأتي إلى الحوزة ويدرس، ثم يبلغ للتشيع والإسلام ويدافع عنهما، وأما نفس الحوزة فلم تقم بأيّ جهدٍ من أجل تدريس هذه اللغات وإنشاء مبلغين يتقنونها وبالتالي يبلغونها، وهذا أيضاً يرجع إلى انحصارية العلم في الحوزة.

المعالجات المتصوَّرة للنظام التعليميّ في الحوزة

إذا أردنا أن نواكب العصر، ونحلّ المشاكل التي يعاني منها الشيعة خاصة، والمسلمون بشكلٍ عامّ، فلا بُدَّ ولزاماً علينا تغيير هذا النظام الحالي واستبداله بنظام يتلاءم والتحدّيات التي نواجهها.

وهذه الإصلاحات تتمثَّل في عدة أمور:

1ـ أن يُصار إلى تصنيف العلوم التي تدخل في مجال العلوم الإسلامية، وتأسيس كلّيات بعدد هذه العلوم، وبذلك يكون عندنا متخصِّصون في جميع المجالات، فلا نواجه بنقصٍ، ولا نضطر إلى إيكال حل المشكلات إلى غير المتخصِّصين فلا يزيدون الأمور إلا سوءاً.

2ـ يدخل الطالب في بداية أمره إلى دورةٍ من الدراسة عامّة لمدّة أربع سنوات يدرس فيها العلوم الدينية بأجمعها، الفقه والأصول والكلام والحديث والفلسفة…، ومن ثمّ يتخرّج بدرجة بكالوريوس عامّة في العلوم الدينية.

3ـ عدم إجبار الطلبة على الانخراط في تخصُّص الفقه والأصول رغم أنفه كما يحدث الآن، بل يترك له كامل الحرّية في أن ينتخب تخصُّصاً من التخصُّصات الإسلامية، لكي يتخصَّص بها، فيصبح إمّا مؤلِّفاً فيها أو مدرِّساً أو متخصّصاً ترجع إليه الناس ومؤسّسة الحوزة إذا حدثت مشكلةٌ في تخصُّصه.

4ـ الشروع في تصنيف المدرِّسين الأكفاء كلٌّ بحَسَب مادته، وايجاد دورات تخصُّصية لإيجاد منهج تدريسي علمي يقوم هؤلاء من خلاله بتدريس المواد الموكلة إليهم.

5ـ تشكيل لجان علمية متخصِّصة لتأليف المواد في جميع التخصُّصات، مع التخلّي عن الكتب المتَّبع تدريسها في الحوزة في الوقت الراهن، من جهة أنها كتب لم تؤلَّف لكي تكون كتباً دراسية، بل إنها أُقحمت إقحاماً وفرضت فرضاً.

6ـ العمل على تغيير النظرة التحقيرية لباقي علوم آل محمد(ص)، من خلال الإشارة إلى أهميتها من قِبَل مراجع الأمّة، مع الإشارة إلى الآثار السيئة ـ التي ذكرنا جانباً منها ـ.

7ـ تغيير نظام الرواتب المتَّبع في الحوزة، وهو نظامٌ وضعي بلا أدنى شكٍّ، ويصار إلى نظام جديد يعتمد آلية التخصُّصات لا الاقتصار على الفقه والأصول، فطلبة علم الكلام يعطون راتباً بحسب درجتهم في علم الكلام، لا بحَسَب درجتهم في الفقه، وهكذا سيشعر فضلاء الحوزة في التخصُّصات المتعددة بالأمان المالي فيبدعون في تخصُّصاتهم.

8ـ دعم المحقِّقين في جميع العلوم الدينية، مادّياً ومعنوياً، من أجل خلق الأرضية للتجديد والإبداع في جميع المجالات، ومن أجل أن تتواكب الحوزة مع المستجدّات العالمية، وذلك من خلال أمور:

الأوّل: تأسيس مراكز تحقيقية هدفها تقديم الاستشارات العلمية للمحقِّقين في جميع المجالات العلمية، ويعمل فيه وبجدٍّ مجموعة من المحقِّقين متخصّصين من ذوي الباع في العلوم التي تخصَّصوا بها، لا ان يجعل فاضلٌ في الفقه والأصول مسؤولاً عن قسم الفلسفة كما يحدث الآن([36]).

الثاني: تأسيس المجلاّت العلمية لنشر مقالاتهم العلمية، في جميع التخصُّصات، فتؤسَّس مجلة لعلم الكلام وأخرى للفقه وثالثة للفلسفة، وهكذا.

الثالث: تأسيس دار نشر متخصِّصة لنشر كتب المحقِّقين، وعدم تركهم فريسة لأصحاب دور النشر ذات النفع المادي.

ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنه ينبغي أن لا يكون هدف هذه المجلات ودار النشر مادّياً، بل بما أنها مأخوذة من الحقوق الشرعية فيكون هدفها الإرشاد والتثقيف فقط.

9ـ تقنين الدعم الذي تقدِّمه الدولة الإسلامية للحوزة باعتبارها مؤسّسة تخدم الصالح العامّ، وعليه فإنها لا بُدَّ أن تستفيد من موارد الدولة، حالها في ذلك حال المؤسّسات الأخرى، فلا يعقل أن تعطى أموال الدولة للعمّال الذين يجمعون الزبالة، ولا تعطى هذه الأموال لمَنْ يهدون الناس إلى الحقّ وإلى الصراط المستقيم!

10ـ إنشاء كلّية للغات تابعة للحوزة؛ لإعداد مبلغين يتقنون اللغات المختلفة لنشر الإسلام والتشيع في أنحاء العالم، وللدفاع عنه.

([1]) أستاذ التاريخ في مجمع الإمام الخميني في قم المقدّسة.

([2]) محمد رضا الخالصي الكاظمي.

([3]) الغدير، الأميني: (5: 458)، الطبعة الثالثة، 1967م، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.

([4]) الفقه: التفهم في الدين والنظر فيه. والتفطن فيما غمض منه فقه يفقه فقها وهو فقيه. وأفقهته: بينت له. وسمي علم الشرع فقها لأنه مبني عن معرفة كلام الله تعالى وكلام رسول الله(ص) .غريب الحديث، الحربي: (2: 736)، تحقيق: دكتور سليمان بن إبراهيم بن محمد العاير، الطبعة الأولى، 1405هـ، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، جدة، الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري: 412 ـ 413، الطبعة الأولى، شوال المكرّم 1412هـ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرفة.

([5]) اختلف في تعريف علم الاصول وأنا هنا سأنتخب أحدها وإلا فإن استيعابها سيخرج المقالة عن هدفها، قال الشهيد السيد محمد باقر الصدر: “علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة لاستنباط جعل شرعي”. دروس في علم الأصول، السيد محمد باقر الصدر: (2: 11)، الطبعة الثانية، 1986م، دار الكتاب اللبناني، بيروت ـ لبنان.

([6]) يقال هو يلقي الكلام على عواهنه إذا لم يبال كيف تكلم وهذا قياس صحيح لأنه لا يقوله بتحفظ وتثبت وربما قالوا يرمى الكلام على عواهنه إذا قاله بما أداه إليه ظنه من دون يقين. معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا: (4: 176)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، طبعة 1404هـ، مكتبة الإعلام الإسلامي.

([7]) الكافي، الشيخ الكليني: (1: 32)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران.

([8]) سورة آل‏ عمران: 7.

([9]) الصحاح، الجوهري: (5: 2138)، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة الرابعة، 1987م، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان.

([10]) تاج العروس، الزبيدي: (18: 300)، تحقيق: علي شيري، 1994م، دار الفكر، بيروت.

([11]) النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير: (4: 125)، تحقيق: محمود محمد الطناحي، الطبعة الرابعة، 1364هـ.ش، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم ـ إيران.

([12]) النهاية في غريب الحديث: (4: 126).

([13]) سورة الكهف: 82.

([14]) الكافي: (2: 58).

([15]) حمران بن أعين، أبو الحسن، تابعي من أصحاب الباقر، والصادق(عما)، عن حجر بن زائدة، عن حمران بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر(ع): إني أعطيت الله عهداً أن لا أخرج عن المدينة حتّى تخبرني عما أسألك. قال: فقال لي: سل، قال: قلت: أمن شيعتكم أنا؟ قال: نعم، في الدنيا والآخرة. وعن زياد القندي، عن الصادق(ع)، إنه قال في حمران: إنه رجل من أهل الجنة. وعن عدة من أصحابنا، عن الصادق(ع)، قال: كان يقول: حمران بن أعين مؤمن لا يرتد والله أبداً. وروى أنه من حواري محمد بن علي وجعفر بن محمد(عم) . رجال الشيخ 132 / 41؛ 194 / 272، اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي: 176 / 303؛ 9 / 20، تحقيق: مير داماد الأسترابادي، 1404هـ، مؤسّسة آل البيت(عم) لإحياء التراث.

([16]) الحارث بن ابي جعفر محمد بن النعمان الأحول، مولى بجيلة، أبو علي، من أصحاب الصادق(ع)، وروى عنه، له كتاب يرويه عدة من أصحابنا، منهم: الحسن بن محبوب. الفهرست: 64 / 256؛ رجال النجاشي: 140 / 363؛ رجال الشيخ: 192 / 233.

([17]) هشام بن سالم الجواليقي الجعفي، أبو محمد، ويكنى بأبي الحكم، مولى بشر بن مروان، كوفي، كان من سبي الخوزجان، من اصحاب أبو عبد الله وأبي الحسن(عما)، ثقة ثقة، له كتب، روى عنه: ابن أبي عمير، له أصل، روى عنه: صفوان بن يحيى وعلي بن الحكم. رجال النجاشي: 434 / 1165، الفهرست: 174 / 780، اختيار معرفة الرجال: 284 / 503، رجال الشيخ: 318 / 17؛ 345 / 2.

([18]) قيس الماصر من المتكلمين، تعلم من علي بن الحسين(عما)، وصحب الصادق(ع)، وهو من أصحاب مجلس الشامي، وفي “تعق” في الكافي رواية مشهورة عن يونس أنه أحسن كلاماً من ابن الحكم وحمران والأحول. طرائف المقال، السيد علي البروجردي: (2: 63) تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الطبعة الأولى، 1410، مكتبة المرعشي النجفي العامة، قم المقدسة.

([19]) الفازة: بناء من خرق وغيرها تبنى في العساكر، والجمع فاز. لسان العرب ـ ابن منظور: (5: 393)، 1405هـ، نشر أدب الحوزة، قم ـ إيران.

([20]) الخبب: ضرب من العدوّ. تقول: خبّ الفرس يخبّ بالضم خباً وخبباً وخبيباً، إذا راوح بين يديه ورجليه. الصحاح: (1: 117).

([21]) هشام بن الحكم: أبو محمد، مولى كندة، البغدادي، يكنى أبا محمد وأبا الحكم. لقي أبا عبد الله جعفر بن محمد وابنه أبا الحسن(عما) وله عنهما روايات كثيرة، وروي عنهما فيه مدائح له جليلة، وكان ممَّنْ فتق الكلام في الإمامة، وهذب المذهب بالنظر، وكان حاذقاً بصناعة الكلام حاضر الجواب. وروى هشام عن الصادق والكاظم(عما)، وكان ثقة في الروايات، حسن التحقيق بهذا الأمر، له أصل وله من المصنفات كتب كثيرة. روى عنه: ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى. كان ينـزل بني شيبان بالكوفة، ثم انتقل إلى بغداد سنة تسع وتسعين ومائة، وفي هذه السنة مات. رجال الشيخ: 345 / 1؛ 318 / 18، رجال النجاشي: 433 / 1164، الفهرست: 174 / 781، اختيار معرفة الرجال: 256 / 476 ـ 500، الخلاصة، العلاّمة الحلي: 178 / 1، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الطبعة الأولى، 1417هـ، مؤسسة نشر الفقاهة.

([22]) عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، وكنيته أبو يزيد: أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها وأنسابها. صحابي فصيح اللسان، شديد الجواب. وهو أخو عليّ وجعفر(عما) لأبيهما. وكان أسنّ منهما. برز اسمه في الجاهلية. وكان في قريش أربعة يتحاكم الناس إليهم في المنافرات: عقيل (صاحب الترجمة) ومخرمة، وحويطب، وأبو جهم. وبقي عقيل على الشرك إلى أن كانت وقعة بدر، فأخرجته قريش للقتال كرهاً، فشهدها معهم، وأسره المسلمون، ففداه العبّاس بن عبد المطلب، فرجع إلى مكة، ثمّ أسلم بعد الحديبية. وهاجر إلى المدينة سنة 8ه‍، وشهد غزوة مؤتة. ولم يسمع له بخبرٍ في فتح مكة ولا الطائف. وثبت يوم حنين. وعمي في أواخر أيامه. وكان الناس يأخذون عنه الأنساب والأخبار في مسجد المدينة. وتوفي في أول أيام يزيد 60ه‍.، قال المبرد: “كان عقيل بن علفة من الغيرة والأنفة، على ما ليس عليه أحد”. وهو القائل:

إن بني ضرّجوني بالدم

من يلق أبطال الرجال يكلم

شنشنة أعرفها من أخزم

البيان والتبيين، للجاحظ: (1: 174) المطبعة العلمية؛ نكت الهميان في نكت العميان، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي: 201، طبعة مصر؛ الطبقات الكبرى، ابن سعد: (4: 28)، دار صادر ـ بيروت؛ ذيل المذيل في تاريخ الصحابة والتابعين، ابن جرير الطبري: 23 طبعة مصر؛ مقاتل الطالبيين ابو الفرج الاصفهاني: 7، الطبعة الثانية، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم ـ ايران.

([23]) الكافي: (1: 171 ـ 173).

([24]) المصدر السابق: (1: 169 ـ 171).

([25]) النكتة: شبه وقرة في العين. وشبه وسخ في المرأة. وكل شيء مثله، سواد في بياض أو بياض في سواد فهو نكتة. كتاب العين، الخليل الفراهيدي: (5: 339)، تحقيق:الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية، 1410هـ، مؤسّسة دار الهجرة.

([26]) أشير بذلك إلى قوله تعالى: (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ). الصافات: 154.

([27]) ريحانة الادب، محمد علي المدرس التبريزي: (6: 160)، طبعة طهران، 1367ه‍.

([28]) الحسين بن عبد الله بن سينا، أبو علي، شرف الملك: الفيلسوف الرئيس، صاحب التصانيف في الطب والمنطق والطبيعيات والالهيت. أصله من بلخ، ومولده في إحدى قرى بخارى سنة 370هـ. ونشأ وتعلم في بخارى، وطاف البلاد، وناظر العلماء، واتّسعت شهرته، وتقلد الوزارة في همذان، وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته، فتوارى. ثم صار إلى أصفهان، وصنف بها أكثر كتبه. صنف نحو مئة كتاب، أشهر كتبه (القانون) في الطب، بقي معولاً عليه في علم الطب وعمله، ستة قرون، و(المعاد) رسالة في الحكمة، و(الشفاء) في الحكمة، و(السياسة) و(أسرار الحكمة المشرقية)، وأرجوزة في (المنطق)، ورسالة (حي بن يقظان)، و(أسباب حدوث الحروف)، و(الاشارات) و(الطير) في الفلسفة، و(أسرار الصلاة). عاد في أواخر أيامه إلى همذان، فمرض في الطريق، ومات بها سنة 428ه‍.. الأعلام، خير الدين الزركلي، (2: 241)، الطبعة الخامسة، أيار ـ مايو 1980، دار العلم للملايين، بيروت ـ لبنان.

([29]) شيخ الإسلام محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي من النوادر والنوابغ في الفنون والعلوم المختلفة، وألف تاليفات مفيدة وخالدة، والجميع خاضعٌ أمام علومه ونبوغه، وفي أواخر عمره توجه إلى المعارف العرفانية. ومن مؤلفاته زبدة الاصول، الحبل المتين، الكشكول، المخلاة الصمدية، خلاصة الحساب، تشريح الافلاك، نان وحلواست. دائرة المعارف، مهرداد مهرين: 461.

([30]) أقيمت ندوة في المدرسة الحجتية في قم المقدسة سنة 1387هـ.ش حول نهج البلاغة دُعيت لها شخصيّةٌ لم تكتب في حياتها مقالةً علمية حول نهج البلاغة، ولم يدرس أو يدرس هذا الكتاب.

([31]) كشف الغمّة، ابن أبي الفتح الإربلي: (2: 194)، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان.

([32]) راجع سيرته في كتاب “هكذا عرفتهم”، للخليلي.

(1) زعيم المسلمين ومؤسس الجمهورية الإسلامية السيد روح الله بن السيد مصطفى الموسوي الخميني، ولد في مدينو خمين إحدى توابع المحافظة المركزية في إيران في 30 شهريور 1279هـ.ش، المصادف مع ولادة الصديقة الطاهرة(عا). استشهد والده وهو بعد لم يبلغ 5 أشهر فتولت رعايته والدته السيدة هاجر، والتي توفيت وهو لم يبلغ 15 سنة، وبعد دراسته المقدّمات في مدينته انتقل إلى مدينة أراك سنة 1298هـ.ش، وبعد سنتين انتقل إلى مدينة قم، نال أعلى الدرجات العلمية في معظم الدروس التي درسها، وبعد وفاة السيد البروجردي تولى التدريس في المسجد الأعظم، وبعد الإجراءات التي قام بها الشاه الخائن أعلن نهضته على هذا النظام ممّا أدّى إلى إبعاده إلى تركيا، ومنها هاجر إلى النجف الأشرف، حيث بقي هناك إلى أن قام بقيادة الثورة الإسلامية وانتصارها سنة 1357هـ.ش. توفّي سنة 1368هـ.ش ودفن في مقبرة جنّة الزهراء في طهران. (سيرته مأخوذة من القرص المدمج روح الله 2).

([33]) السيد مصطفى نجل الإمام الخميني ولد في مدينة قم المقدسة عام 1309ه‍.ش. سمّاه أبوه العظيم محمداً، وطوّقه بـ “مصطفى” لقباً، وغلب عليه لقبه، فاشتهر بالسيد “مصطفى”. نشأ الشهيد وترعرع في ربوع قم المقدّسة ورحابها. اشتغل بطلب العلوم الدينية، اغتيل عام 1356هـ.ش عن عمرٍ ناهز السابعة والأربعين. تحريرات في الأصول، السيد مصطفى الخميني ـ مقدّمة التحقيق: (1: 1 ـ 8)، الطبعة الأولى، 1376هـ.ش، مطبعة مؤسّسة العروج، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني.

([34]) صحيفة النور، الإمام الخميني: (21: 279).

([35]) الأمالي، الشيخ الصدوق: 477، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسّسة البعثة، قم، الطبعة الأولى، 1417هـ.

([36]) كنتُ أعمل مسؤولاً عن قسم رسائل التخرُّج في احدى الجامعات، فتعجبتُ يوماً من أنهم وضعوا شخصاً يدرس خارج الفقه والأصول مسؤولاً عن قسم الفلسفة في الجامعة.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً