د. علي أوسط باقري(*)
مقدّمةٌ
تُعَدّ النصوص المكتوبة من التراث البشريّ القيِّم، والذي كان فَهْمه الصحيح يشكِّل ـ ولا يزال ـ هاجسَ الإنسان. وفي هذا الشأن يُعَدّ الفهم الصحيح للنصوص المقدّسة ـ ومنها: القرآن الكريم ـ في غاية الأهمّية، وإن هذا الأمر يجعل من الاهتمام بالاتجاهات والنظريات المختلفة التي ظهرَتْ في مجال تفسير وفَهْم النصوص أمراً ضرورياً. وقد اختار الباحثون اتجاهاتٍ مختلفة في هذا الشأن، وهي تندرج ضمن ثلاث مجموعات كما يلي: محورية المؤلِّف؛ ومحورية المفسِّر؛ ومحورية النصّ.
يذهب أصحاب اتجاه محورية المؤلِّف إلى القول بأن المؤلِّف هو المقوِّم لمعنى النصّ، وإن الغاية من الفهم هي الوصول إلى مراده. ويعود هذا القول بجذوره إلى القراءة التقليدية للكلام المسيحيّ، وهو متقدِّمٌ على الاتجاهين الآخرين من الناحية التاريخية. وقد تمّ القبول بهذا الاتجاه التفسيري في الهرمنيوطيقا التقليدية([1]). كما ذهب إريك هيرش ـ وهو من أبرز الناقدين للهرمنيوطيقا الفلسفية ـ إلى هذا الاتجاه أيضاً، فقد أكَّد على تعيُّن وخلود مفهوم النصّ، وقال بأن نيّة المؤلِّف هي المعنى الخالد للنصّ، وهو المعيار الأوّل والأخير لمختلف الأفهام من النصّ([2]).
ويذهب القائلون بمحورية النصّ ـ من خلال أخذ بِنْية اللغة والعناصر الداخلية للنصّ ـ إلى الاعتقاد بضرورة فهم النصّ بمعزلٍ عن نيّة المؤلِّف. فإن المؤلِّفين من وجهة نظر هؤلاء ـ الذين يُعْرَفون بالبنيويين ـ يقعون أسرى لقيود اللغة، «وإن كلّ ما يقدرون عليه هو تركيب الكتابات الموجودة من ذي قبل، وضمِّها إلى بعضها، أو العمل على إعادة نشرها وتوسيعها»([3]). إن محورية النصّ تقوم على استقلالية النصّ عن أيّ أمرٍ من خارجه، سواء أكان ذلك الأمر الخارجي هو المؤلِّف أو المفسِّر. وعلى هذا الأساس فإن محورية النصّ تقع في مقابل الرؤية التقليدية للتفسير، والتي تبحث عن المعنى في نيّة المؤلِّف، كما تقع في مقابل الهرمنيوطيقا الفلسفية التي تعمل ـ بالإضافة إلى النصّ ـ على إعطاء دَوْرٍ للمفسِّر في إيجاد المعنى أيضاً. إن الشواخص الأصلية للبنيويّة في فهم النصوص عبارة عن: استقلال النصّ عن المؤلِّف والمفسِّر، وإيجاد البنية للمعنى، وعدم الاحتياج إلى أمرٍ آخر غير النصّ لفهمه([4]). وإن التفكيكيين الذين يعطون كامل الدَّوْر في إيجاد المعنى للمفسِّر، ولا يعطون أيّ دَوْرٍ للنصّ وغيره، يجنحون إلى الإفراط في هذا الشأن([5]). بَيْدَ أنهم في الهرمنيوطيقا الفلسفية ـ بالإضافة إلى المفسِّر ـ يرَوْن دَوْراً للنصّ في إيجاد المعنى أيضاً. إن الفهم والمعنى من وجهة نظر الهرمنيوطيقا الفلسفية يتحقّقان بفعل الاقتران بين الأفق الذهني للمفسِّر وأفق النصّ، وعلى هذا الأساس يكون أفق النصّ دخيلاً ومؤثِّراً في إيجاد المعنى أيضاً.
لقد كان للمسلمين، ولا زال لهم، أساليب متنوّعة واتجاهات متعدِّدة في تفسير القرآن الكريم. فما هو الاتجاه الذي اتَّخذه المفسِّرون المسلمون من الاتجاهات الثلاثة في تفسير النصوص؟ وهل كان لجميع المفسِّرين المسلمين ـ على الرغم من اختلافهم في الأساليب والمناهج ـ اتجاهٌ واحد في التفسير أم كان اتجاههم في تفسير القرآن مختلفاً أيضاً؟
في العقد الأخير تمّ تداول الهرمنيوطيقا الفلسفية ـ التي تمثِّل الرأي الشائع في الغرب في مجال التفسير ـ في قطرنا بشكلٍ تفصيلي، وأثار الكثير من المواقف الإيجابية والسلبية في هذا الشأن. وفي الانتقادات الصادرة على الهرمنيوطيقا الفلسفية، من زاوية الدفاع عن أسلوب تفسير المفسِّرين المسلمين، تمّ اعتبار محورية المؤلِّف لدى المفسِّرين المسلمين أمراً مفروغاً عنه وقطعيّاً، وتمّ التأكيد على عدم تناغم الهرمنيوطيقا الفلسفية مع الأسلوب الشائع في تفسير القرآن في المدارس العلمية الإسلامية ـ الأعمّ من المدارس الشيعية والسنّية ـ، إلا أنه لم يتمّ بحث أدلة وشواهد محورية المؤلِّف عند المفسِّرين المسلمين أبداً. وسوف نسعى في هذه المقالة إلى تسليط الضوء على محورية المؤلِّف عند المفسِّرين المسلمين، وذلك من خلال الاستناد إلى مقبولات المفسِّرين المسلمين، وكذلك صراحة وظهور كلماتهم في التفاسير الموجودة ـ على الرغم من اختلاف أساليبهم واتجاهاتهم التفسيرية ـ، التي قد لا يكون بعضها مقبولاً، وتُعَدّ من وجهة نظرنا من مصاديق التفسير بالرأي. ومن وجهة نظرنا فإن الخصيصة المشتركة بين جميع تفاسير المسلمين للقرآن الكريم ـ على الرغم من وجود أساليبهم واتجاهاتهم التفسيرية المختلفة ـ تكمن في محورية المؤلِّف عندهم. وهذا لا يعني ـ بطبيعة الحال ـ تجاهل اهتمام المفسِّرين المسلمين للنصّ، بل هو يؤكِّد على هذا الأمر، وهو أن الذي يحظى بالأهمِّية من وجهة نظر المفسِّرين المسلمين ـ في مرحلة النظر في الحدّ الأدنى ـ هو فَهْم مراد الله سبحانه وتعالى من آيات القرآن الكريم، وإن النصّ ـ حتّى في التفاسير التي تصبّ كلَّ همِّها على بيان الأبعاد الأدبية والبلاغية في القرآن ـ يُعَدّ مجرَّد واسطةٍ للوصول إلى مراد الله سبحانه وتعالى.
شواخص محوريّة المؤلِّف في صريح وظاهر كلام المفسِّرين المسلمين
لقد شهد تاريخ الإسلام تأليف الكثير من التفاسير بمختلف الأساليب والاتجاهات؛ فقد ركَّز بعضها اهتمامه الأصلي على الروايات، وبحث تفسيرها من هذه الناحية؛ واقتصر بعضها على الاهتمام بتفسير معاني الآيات الفقهية في القرآن؛ واهتمّ بعضها الآخر ببيان الأبعاد الأدبية والبلاغية في القرآن الكريم.
وقد أدّى ظهور بعض النِّحَل والفِرَق الكلامية إلى أن تتَّجه أنظار بعضهم إلى القرآن الكريم برؤيةٍ كلامية، حيث كانوا بصدد العثور على مستندٍ يؤيِّد رؤيتهم الكلامية؛ ونتيجةً لذلك ظهرَتْ في البين تفاسير ذات اتجاهٍ كلامي.
وقد ذهب بعضهم إلى تجاوز ظواهر القرآن، وأخذ يبحث عن المعنى الباطني للقرآن. وهؤلاء بدَوْرهم ينقسمون إلى قسمين: قسم سعى إلى بيان المعاني البطنية للقرآن الكريم في طول الاهتمام بظاهر الآيات؛ والقسم الآخر قال بأن ظواهر القرآن ليست هي المقصودة لله سبحانه وتعالى، وإنما المقصود له هو باطن الآيات.
ومع تقدُّم العلوم التجريبية في القرون الأخيرة، ذهب بعضهم إلى تفسير القرآن الكريم في ضوء العلوم التجريبية، وتطبيق القرآن على معطيات العلوم التجريبية؛ وهناك مَنْ ذهب به التطرُّف في هذا الشأن إلى حدٍّ توصَّل معه إلى إفراغ المعجزات المذكورة في القرآن لبعض الأنبياء من بُعْدها الغيبي، وعمد إلى تفسيرها على أساس القوانين التجريبية.
وعلى الرغم من تعدُّد الأساليب والاتجاهات التفسيرية، هناك في مقدّمات ونصوص هذه التفاسير الكثير من الشواهد الدالة على محورية المؤلِّف عند المفسِّرين المسلمين. وإن أهمّ الخصائص على محورية المؤلِّف عند المفسِّرين المسلمين ما يلي:
1ـ الاهتمام بمراد الله تعالى
إن من بين الخصائص الأصلية لمحورية المؤلِّف الاهتمام بمراد المؤلِّف، والسعي إلى اكتشافه. وإن هذا الشاخص واضحٌ للعيان في التفاسير الإسلامية، وفي كلام المفسِّرين المسلمين.
فَهْمُ المراد هويّةُ التفسير
لقد ذهب الكثير من المفسِّرين والمختصّون في علوم القرآن إلى التأكيد ـ في التعريف الذي قدَّموه للتفسير ـ على فَهْم المراد الجدّي لله سبحانه وتعالى في التفسير، وإن هذا التأكيد يمثِّل دليلاً قاطعاً على محورية المؤلِّف من وجهة نظرهم، والاهتمام بنيّة الله سبحانه وتعالى بصفته المُوجِد للقرآن الكريم. لقد ورد التأكيد في هذه التعاريف على فَهْم المراد الجدّي لله تعالى من الآيات كغايةٍ للتفسير. وإن المفسِّرين الذين لم يتعرَّضوا لبيان تعريف التفسير، أو لم يؤكِّدوا في تعريفهم على فَهْم المراد، قد اهتمّوا في نشاطهم التفسيري بمعرفة مراد الله، الأمر الذي يُثبت أنهم كانوا يرَوْن بدَوْرهم أن الغاية الأصليّة للتفسير هي فَهْم مراد الله تعالى، بَيْدَ أنهم لم يؤكِّدوا على هذا الأمر؛ اعتماداً منهم على وضوحه، وعدم وجود التشكيكات التي ظهرت حديثاً في هذا الشأن. ومن هنا يمكن القول: إن فَهْم مراد الله تعالى يشكِّل ـ من وجهة نظر المفسِّرين المسلمين ـ هوية التفسير.
ومن المفسِّرين الذين صرَّحوا بفهم مراد الله تعالى من آيات القرآن في تعريفهم للتفسير: الراغب الأصفهاني([6])، والكافيجي([7])، والطريحي([8])، والخوئي([9])، والطباطبائي([10])، والآلوسي([11])، وعبد الحسين الطيِّب([12])، والمصطفوي([13])، ومصطفى الخميني([14]).
ومن ذلك أن الكافيجي ـ على سبيل المثال ـ قال في تعريف التفسير: «وأما التفسير في العُرْف [عُرْف المسلمين] فهو كشفُ معاني القرآن وبيان المراد»([15]).
كما عرَّف العلاّمة الطباطبائي بدَوْره التفسير بأنه عبارةٌ عن «بيان معاني الآيات القرآنية، والكشف عن مقاصدها ومداليلها»([16]).
التأكيد على فهم المراد من طريق تبويب المعارف القرآنيّة
لقد سعى بعض المفسِّرين إلى فهم مراد الله سبحانه وتعالى من خلال العمل على تبويب معارف القرآن الكريم. ومن ذلك أن الشيخ الطوسي، في مقدّمة تفسير التبيان، قد عمد ـ بعد ردّ الروايات الناهية عن التفسير بالرأي؛ بسبب تناقضها مع آيات القرآن؛ ولكي لا يكون لكلامه وقعٌ ثقيل على حَمَلة الروايات المذكورة ـ إلى تقسيم معارف القرآن إلى أربعة أقسام، وقال بأن الروايات الناهية عن التفسير بالرأي إنما هي ناظرةٌ إلى قسمٍ خاصّ من معارف القرآن.
إن أقسام معارف القرآن، من وجهة نظر الشيخ الطوسي، عبارةٌ عن:
1ـ المعارف التي اختصّ الله تعالى بعلمها([17]).
2ـ الآيات التي يكون ظاهرها مطابقاً لمعناها([18])، فكلُّ مَنْ عرف اللغة العربية عرف معناها.
3ـ الآيات المُجْمَلة التي لا يُنبئ ظاهرها عن المراد منها بالتفصيل([19]).
4ـ الآيات التي يكون اللفظ فيها مشتركاً بين معنيين، وبذلك يمكن أن يكون كلّ واحدٍ منهما هو المراد([20]).
وقد استعمل الشيخ الطوسي في الحالتين الثالثة والرابعة التعبير بـ «المراد». وعليه يكون مراده من «المعنى» الذي استعمله في القسم الأوّل، وكذلك المراد من «معاني القرآن» الذي استعمله في أصل التقسيم، هو معاني المراد. ويتَّضح جليّاً من كلمات الشيخ الطوسي في هذا التبويب أن المهمّ من وجهة نظره في فهم معارف القرآن الكريم هو الوصول إلى مراد الله سبحانه وتعالى من الآيات.
كما عمد أبو الفتوح الرازي ـ مثل الشيخ الطوسي ـ إلى تقسيم «معاني القرآن» إلى أربعة أقسام أيضاً([21]). وإن العبارات التي يستعملها، وكذلك الأمثلة التي يذكرها لكلٍّ من الأقسام الأربعة لمعاني القرآن، تشبه كلمات الشيخ الطوسي في تقسيم معارف القرآن. وعليه فإن كلّ ما ذكرناه بشأن تقسيم الشيخ الطوسي، وطريقة استفادته لمحورية المؤلِّف في التفسير، يَرِدُ بعَيْنه في تقسيم أبي الفتوح الرازي أيضاً.
الاستناد إلى مراد الله في الاتجاهات التفسيريّة المختلفة
أـ التفاسير العرفانيّة
لقد تمّ تأليف بعض التفاسير على أساس الاتجاه العرفاني، وهي تُعْرَف بـ «التفاسير العرفانية». وإن الخصوصية المشتركة في التفاسير العرفانية ـ والتي يتمّ التعبير عنها بالتفاسير الرمزيّة والإشاريّة، وكذلك التفاسير الصوفية أيضاً ـ هي الاهتمام بالإشارات والرموز الباطنيّة للآيات.
وهناك مَنْ رأى فَرْقاً بين التفاسير الباطنية والتفاسير الصوفية، وقال بأن التفاسير الباطنية لا تهتمّ بالظواهر، وأما التفاسير الصوفية فهي التفاسير التي تهتمّ ـ من وجهة نظره ـ بظواهر الآيات أيضاً.
وقد عَدَّ أبو حيّان التفاسير الباطنية من التفاسير الإلحاديّة، حيث قال بأن أصحابها يعمدون إلى إخراج الألفاظ عن معانيها ومداليلها اللغويّة، وهم بذلك يقومون بنسبة ما يهذون به إلى الله، سبحانه وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً. ولكنّه في المقابل يرى إمكان الاستفادة من التفاسير الصوفية، ولا يعتبرها من التفاسير الإلحاديّة([22]).
كما عمد ابن عجيبة بدَوْره ـ في مقدّمة تفسيره، بعد بيان بعض الكلمات عن كبار الصوفيّة حول بطون الآيات ـ إلى التأكيد على أن الاهتمام ببطون الآيات لا يعني تجاهل ظواهر الآيات. ثمّ نقل عباراتٍ عن بعض كبار الصوفيّة في تأييد هذه النقطة. وقد ذهب ابن عجيبة بدَوْره ـ مثل أبي حيّان ـ إلى التفريق بين التفاسير الباطنية والتفاسير الصوفية، وعرَّف الباطنيّةَ بأنهم أشخاصٌ لا يهتمّون بظواهر القرآن الكريم، خلافاً للصوفيّة الذين لا يعني اهتمامهم بباطن الآيات تجاهلاً ونَفْياً لظاهرها. وقد نقل كلاماً تفصيليّاً عن (لطائف المِنَن)، وقد تمّ الاستناد فيه إلى اهتمام الصوفيّة بظواهر الآيات ومرادات الله سبحانه وتعالى([23]).
لسنا هنا بصدد تقييم ونقد التفاسير العرفانية والتفاسير الباطنية، وبيان الاختلافات بينهما، إنما نسعى إلى مجرّد إثبات أن ما ذكره كُتّاب هذا التفسير في ضوء مدَّعياتهم قد تمَّ اعتباره بوصفه مرادَ الله تعالى. فقد ذهب أبو حيّان الأندلسي ـ من خلال الإشارة إلى أحد كتب التفسير الصوفيّة، وبعد الإعراب عن عَجَبه واستغرابه من اشتمال هذا التفسير على بعض المطالب التي لا يمكن أن تخطر على ذهن أحدٍ ـ إلى التصريح بأن صاحب هذا التفسير قد اعتبره مرادَ الله تعالى([24]).
كما نرى التأكيد على مراد الله تعالى في التفاسير العرفانية المتعدِّدة([25])، وبمختلف التعابير.
وقد ذهب بعض المفسِّرين إلى اعتبار الوقوع في الخطأ في الوصول إلى مراد الله أحد أسباب الحاجة إلى التفسير. ومن ذلك ـ مثلاً ـ أن الملاّ حويش آل غازي عبد القادر([26]) قد أكَّد في بيان وجه الحاجة إلى التفسير على هذه النقطة، وهي أن القرآن كان في الحدّ الأعلى من الفصاحة والبلاغة، إلاّ أن بعض الأشخاص يخطئون في الوصول إلى مراد الله تعالى، ويكون الحصول على مراد الله بالنسبة إليهم مشكلاً، ومن هنا نكون بحاجةٍ إلى تفسير القرآن. وقد نبَّه فضيلتُه إلى أن هذه المشكلة لا تختصّ بالعصر الراهن فقط، بل كانت هذه المشكلة قائمةً في عصر النزول أيضاً، وعليه فإن الحاجة إلى التفسير لا تقتصر على عصرنا فقط، وإنْ كانت هذه المشكلة قد اشتدَّتْ في عصرنا بشكلٍ أكبر، وبذلك يتمّ إثبات الحاجة إلى التفسير بطريقٍ أَوْلى([27]).
ورد التأكيد في بعض التفاسير العرفانية على هذه النقطة، وهي أن الوصول إلى مرادات الله تعالى أمرٌ مهمّ وأساسيّ، وإن فهم القرآن الكريم يمثِّل طريقاً للوصول إلى هذه الغاية. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن التستري يعتبر القرآن حبلاً سماوياً بين الله وعباده، وإن كلّ مَنْ يتمسَّك به يكون سبيله هو النجاة. وعندما سُئل عن مراده من هذا الكلام قال: ليس للناس من طريقٍ إلى الله سوى القرآن الكريم وفَهْم ما ورد في القرآن خطاباً للناس؛ حيث يمثِّل ذلك طريقاً للوصول إلى مراد الله منهم([28]).
قد تمَّ التصريح ببيان مراد الله في موارد متعدِّدة من التفاسير العرفانية؛ الأمر الذي يثبت أنهم بصدد الحصول على مراد الله تعالى. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن التستري قد تحدَّث في تفسير الآية 30 من سورة البقرة، التي تتحدَّث عن نهي الله تعالى للنبي آدم× عن الأكل من الشجرة المحرَّمة، قائلاً: «لم يُرِد الله معاني الأكل في الحقيقة، وإنما أراد معاني مساكنة الهمّة مع شيءٍ هو غيره»([29]). كما أنه في المعنى الذي ذكره لـ «الرَّهبة» في قوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ (البقرة: 40) قد عدَّه مرادَ الله صراحةً([30]).
لقد قال السيد حيدر الآملي، في البحث الثالث من المقدّمة الأولى من كتابه، والتي هي في تعريف التأويل، ـ وبعد ذكر مطالب حول مراتب ومعاني الهداية في القرآن ـ، قال في بيان «المراد من الكتاب في آيات القرآن»: «بعد إثبات ما تقدَّم عليك أن تعلم أن مرادَ الله تعالى من «الكتاب» في قوله: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ﴾ (البقرة: 2) هو الكتابُ الآفاقيّ الجامع للكتاب الإنسانيّ الصغير»([31]).
ب ـ التفاسير الاجتماعيّة
لقد اتَّجه بعض المفسِّرين إلى القرآن الكريم بوصفه كتاباً يمكنه تلبية المسائل الاجتماعية، وصاروا بصدد العثور على سُبُل الهداية من القرآن في المسائل الاجتماعية. ويتمّ التعبير عن هذا الاتجاه في التفسير بـ «الصبغة الاجتماعية»، أو «الاتجاه الاجتماعي».
وقد اعتبر الذهبي أن إحدى خصائص التفسير في القرن الرابع عشر تكمن في صبغته الأدبية ـ الاجتماعية، وقال بأن تفسير المنار يأتي في طليعة التفسير الأدبيّ ـ الاجتماعيّ في مجال كتابة التفسير([32]). إن الاهتمام باكتشاف مراد الله تعالى من بين خصائص محورية المؤلِّف، التي تجلَّتْ في هذه التفاسير أيضاً.
لقد قال مؤلِّفو كتاب تفسير المنار، في ضوء الضرورة التي يرَوْنها من أجل الحصول على مقاصد القرآن في هداية الناس، بأن كلّ تفسيرٍ يشكِّل مقدّمةً للهداية وإثبات السنن الإلهيّة للقارئ فإنه يشتمل على أسلوبٍ صحيحٍ في التفسير، وإن كلّ تفسير لا يوصل الإنسان إلى هذه الغاية لن يكون مُجْدِياً، من وجهة نظرهم.
وقد قسَّموا التفسير إلى نوعين، وهما:
1ـ تفسير جافّ وخالٍ من الروح، مُبْعِدٍ عن الله، وعن كتابه، وهو ما يقصد به حلّ الألفاظ، وإعراب الجمل، وبيان ما ترمي إليه تلك العبارات والإشارات من النُّكَت الفنِّية. وهذا ـ من وجهة نظرهم ـ لا ينبغي أن يُسمّى تفسيراً، وإنما هو ضربٌ من التمرين في الفنون، كالنحو والمعاني وغيرهما.
2ـ التفسير الذي يضع الأبحاث النحويّة والبلاغيّة وأمثال ذلك كمقدّمةٍ للوصول إلى مراد الله، وحكمة التشريع في العقائد والأحكام، على الوجه الذي يجذب الأرواح، ويسوقها إلى العمل والهداية المودعة في كلام الله؛ ليتحقَّق فيه معنى قوله تعالى: «هُدىً ورحمةٌ»، ونحوهما من الأوصاف. فالمقصد الحقيقيّ وراء كلّ تلك الشروط والفنون هو الاهتداء بالقرآن. وقد عدَّ مؤلِّفو كتاب المنار الاتجاهَ إلى هذا النوع من التفسير واجباً على نحو الكفاية([33]).
ج ـ التفاسير الروائيّة
تنقسم التفاسير الأَثَرية إلى قسمين، وهما: التفاسير الأثرية المَحْضة؛ والتفاسير الأثرية ـ الاجتهادية. وفي القسم الأوّل يعمل المفسِّر على بيان ما ورد عن المعصومين^ في تفسير الآية، ولا يُبدي أيّ كلامٍ في تبيينه أو تحليله. وأما في التفاسير الأثريّة ـ الاجتهاديّة فلا يكتفي المفسِّر بذكر الروايات فقط، وإنما يمارس عملية تفسير الآيات مستنداً إلى الروايات.
في التفاسير الأثرية يتمّ العمل على نقل الأحاديث أو المطالب التي تعكس اهتمام أصحاب هذا الاتجاه التفسيري بمقاصد الله سبحانه وتعالى ومراداته.
يُعَدّ تفسير «مرآة الأنوار ومشكاة الأبرار» أحد التفاسير الروائية، التي تسعى إلى بيان الروايات المبيِّنة لباطن الآيات. وقد عمد مؤلِّف هذا الكتاب إلى اعتبار المعاني الباطنية المذكورة للآيات في روايات المعصومين^ ـ مثل المعاني الظاهرية ـ مرادةً لله سبحانه وتعالى([34])؛ حيث يُستفاد منه بوضوحٍ الاهتمام بمراد الله تعالى في التفسير.
لقد ذكر الفيض الكاشاني تقسيماً لآيات القرآن الكريم، يحكي عن اهتمامه بفَهْم مراد الله تعالى من الآيات. وقد عمد، في المقدّمة الثانية عشرة من مدخل تفسير الصافي، إلى تقسيم آيات القرآن ـ من حيث الحاجة إلى البيان، وكذلك نوع البيان مورد الحاجة ـ إلى ثلاثة أقسام، وهي:
1ـ الآيات التي لا يكفي فَهْم مفادها الاستعمالي في بيان مرادها، وإنما تحتاج إلى بيانٍ وتفسيرٍ أو تأويل.
2ـ الآيات التي تحتاج إلى مجرَّد شرح اللفظ والمطالب الخاصّة بالعلوم المتداولة، من قبيل: الصرف والنحو فقط، ولا تحتاج إلى بيان المعصوم× في الوصول إلى المراد منها.
3ـ الآيات التي يكون معناها واضحاً، ولا تحتاج إلى بيانٍ([35]).
وقد أشار الفيض الكاشاني ـ بعد بيان منهجه في كلٍّ من هذه الأقسام المتقدِّمة ـ إلى هذه النقطة، قائلاً: «ورُبَما يُحْوجنا تمام الكشف من المقصود إلى ذكر شيءٍ من الأسرار»([36]). إن هذه العبارة منه تثبت اهتمامه بالكشف عن المقاصد الإلهيّة بشكلٍ صريح.
د ـ التفاسير الكلاميّة
لقد تعرَّضَتْ بعضُ التفاسير إلى تفسير آيات القرآن الكريم في ضوء الاتجاه الكلامي، وأبدَتْ اهتماماً بالغاً بالأبحاث الكلامية بما يتناسب مع تفسير تلك الآيات. ومن أبرز هذه التفاسير تفسير الفخر الرازي، فقد اهتمّ الفخر بالكشف عن مراد الله تعالى من الآيات. وفي ما يلي نعمل على بيان بعض نماذج ذلك:
1ـ ذكر الفخر الرازي، بعد بيان معاني الاستعاذة، بعض النقاط، حتّى قال في النقطة التاسعة عشرة: «الشيطان عدوّك، وأنت عنه غافلٌ غائب، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾ (الأعراف: 27)، فعلى هذا لك عدوٌّ غائب، ولك حبيبٌ غالب؛ لقوله تعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾ (يوسف: 21)، فإذا قصدك العدوّ الغائب فافزَعْ إلى الحبيب الغالب. والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده»([37]). فحيث قال الفخر في الختام: «اللهُ سبحانه وتعالى أعلمُ بمراده» يتَّضح أنه قد اعتبر وجوب اللجوء والاستعاذة بالله الغالب من العدوّ الغائب ـ الذي يُستفاد من ضمّ الآيتين السابقتين إلى بعضهما ـ مراداً لله سبحانه وتعالى، وأنه يرى في الأساس أن الغاية من التفسير هي الوصول إلى مراد الله تعالى.
2ـ عمد الفخر الرازي، في تفسير سورة الحمد، إلى بيان مراتب ودرجات المكاشفات، ورأى أن المرتبة الأولى منها هي هداية القلب إلى النور؛ حيث قال: «وهو المراد من قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (الفاتحة: 6)»([38]). وقد أكَّد هنا على مراد الله سبحانه وتعالى.
3ـ وقال في إثبات ضرورة المعاد: «واعلَمْ أن مَنْ سلَّط الظالم على المظلوم، ثمّ إنه لا ينتقم منه؛ فذاك إمّا للعجز؛ أو للجهل؛ أو لكونه راضياً بذلك الظلم. وهذه الصفات الثلاثة على الله تعالى محالٌ؛ فوجب أن ينتقم للمظلومين من الظالمين؛ ولمّا لم يحصل هذا الانتقام في دار الدنيا وجب أن يحصل في دارٍ أخرى بعد دار الدنيا، وذلك هو المراد بقوله: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة: 4)، وبقوله: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ (الزلزلة: 7)»([39]). وقد استفاد الفخر الرازي من هذه الآية أمراً، واعتبره هو المراد من كلام الله سبحانه وتعالى أيضاً.
هـ ـ التفاسير العلميّة
لقد أبدى بعض المفسِّرين اهتماماً خاصّاً بالمعطيات العلمية في التفسير. وقد سُمِّي هذا الاتجاه في التفسير بـ «التفسير العلمي»([40]). وإن من هذه التفاسير العلمية ـ التي خرجَتْ في الكثير من الموارد عن المنهج الصحيح للتفسير، وجنحَتْ في أودية التطبيق ـ كتاب الجواهر، للطنطاوي. وفي ما يلي سوف نذكر بعض عباراته، التي تثبت أنه كان يرى أن ما ذكره هو الذي أراده الله سبحانه وتعالى، بزعمه. ويبدو من بعض كلمات الطنطاوي بوضوحٍ أنه كان يعتبر كلَّ ما ذكره من العلوم التجريبية في تفسيره هو مراد الله سبحانه وتعالى.
خاطب الطنطاوي، بعد أن عمد إلى تعريف القرآن الكريم بوصفه كتاباً دعا إلى مختلف العلوم المرتبطة بالتكوين، المسلمين، قائلاً: «فيا أيُّها المسلمون: اطلبوا علوم الغذاء، وعلوم الدواء؛ أي العلوم الكونية، والعلوم الشرعية، وجميعها يطلبها القرآن، وقد اعتنى بعلوم الغذاء أشدّ من عنايته بالدواء»([41]). وبعد بيان هذه العبارات ذهب إلى الاعتقاد بأن أسلوب المسلمين في عدم الاهتمام بالعلوم المرتبطة بالطبيعة يكمن في تخلِّيهم عن منهج الله سبحانه وتعالى، وقال في ذلك: «فما لي أراكم عمّا قدَّمه الله معرضين، وعلى ما أخَّره الله عاكفين؟! قدَّم تربيته للعالمين ورحمته للمخلوقين على العبادة وهداية الصراط المستقيم، كأنَّه يشوقكم إلى دراسة رحماته، ويأمركم بمعرفة كلماته الكونية، وآياته الرحمانية، وعجائبه الحكمية»([42]).
ويتَّضح من كلمات الطنطاوي أنه يعتبر كلَّ ما ذكره في تفسيره من العلوم التي حثَّ الله سبحانه عليها. وفي الحقيقة إنه، بالإضافة إلى اعتبار أنه إنما يبيِّن معاني الآيات والمقاصد الإلهيّة، يرى أنه قد توصَّل ـ بزعمه ـ من كلمات القرآن إلى العلوم التي شجَّع الله المسلمين عليها، ومن هنا فقد عمد إلى إدراج تلك العلوم في كتابه.
و ـ التفاسير المادّية
لقد بلغ التأثُّر والشَّغَف لدى بعض المسلمين بالعلوم التجريبية بحيث أراد تفسير جميع ما ورد في القرآن الكريم على أساس معطيات العلوم التجريبية. وفي الحقيقة كانت العلوم التجريبية بالنسبة إلى هؤلاء هي الأصل، وكانوا لذلك يسعَوْن بشتّى الطرق إلى تفسير الآيات، بحيث يتمّ تطبيق القرآن عليها. وقد عمدوا في الحقيقة إلى الإعراض عمّا وراء المادّة، وأرادوا تفسير جميع الآيات تفسيراً مادّياً. لقد سلك هؤلاء منهجاً خاطئاً في تفسير آيات القرآن، ولكنْ حيث كانت محوريّة المؤلِّف هي المقبولة بين المسلمين، فقد عرَّفوا عن منهجهم المذكور بأنه هو المراد من قِبَل الله تعالى. وإن من أبرز التفاسير المادّية تفسيرَ (تفهيم)، للسير السيد أحمد خان الهندي([43]).
إن من بين الأصول ـ التي يرى السير السيد أحمد خان ضرورتها، قبل الخوض في التفسير([44]) ـ أنه لا يمكن الاستدلال على شيءٍ في ضوء الاعتماد على ظاهر الكلام، بل يجب العمل أوّلاً على تحصيل مراد المتكلِّم، وبعد ذلك يمكن الاستدلال عليه. كما أنه يذهب إلى عدم اعتبار مطلق حمل اللفظ على خلاف الظاهر تأويلاً، بل لو اتَّضح؛ بسبب بعض القرائن، أن ذلك الأمر المخالف للظاهر هو المراد للمتكلِّم لا يكون ذلك تأويلاً. فهو يرى أن التأويل إنما يكون في حمل الكلام بحيث يتطابق مع المعطيات القطعيّة، خلافاً لمراد المتكلِّم([45]). وفي ما يلي نذكر خلاصة عبارته بشأن الأصل الذي تقدَّم ذكره: في ترجمة آيات القرآن وبيان معاني الألفاظ الواردة في القرآن لا بُدَّ من بيان وحلّ هذه النقطة أيضاً، وهي أنه يجب أن نرى هل الكلام الذي يتمّ الاستدلال به مرادٌ للمتكلِّم أو ليس مراداً للمتكلِّم؟ فإنْ لم يكن ذلك الكلام مراداً للمتكلِّم فلن يكون بالإمكان الاستدلال به… وعلينا أن نعلم أن القرآن الكريم يشتمل على الكثير من الكلام غير المقصود. ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ (الأعراف: 40). ويكمن الشاهد في عبارة: ﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾، حيث لا يمكن الاستدلال بها، والقول بإمكان أن يلج الجمل في ثقب الإبرة؛ إذ ليس هو المراد الجدّي في هذه الآية، وإنما المراد هو مجرّد بيان عدم الإمكان وامتناع دخول الكفّار والذين كذَّبوا بآيات الله إلى الجنّة. كما لا يمكن الاستدلال بهذه الآية على أن للسماء بوّابةً؛ لأن الكلام في هذه الآية لم يَرِدْ لبيان هذا المعنى، وإنما هو لمجرَّد بيان الحرمان من رحمة الله. وهناك الكثير من هذا النوع من الكلام غير المقصود في القرآن الكريم؛ حيث لا يمكن الاستشهاد والاستدلال به على أنه هو المعنى الأصليّ المراد منها([46]).
2ـ الإقرار بارتباط القرآن بالله
إن من بين خصائص محوريّة المؤلِّف الاعتقادَ بوجود علقةٍ بين النصّ والمؤلِّف. في ضوء هذا الاتجاه التفسيريّ يكون الارتباط بين النصّ والمؤلِّف وثيقاً على الدوام، ويجب أن يتمّ فهم النصّ على أساس المعنى الذي أراد المؤلِّف نقله إلى القارئ، وإن نيّة المؤلِّف هي المعنى النهائي للنصّ. وقد تمّ التأكيد في مختلف التفاسير ـ على الرغم من وجود التفاوت في الأساليب والاتجاهات التفسيرية ـ على هذا الارتباط، على ما سيأتي بيانه لاحقاً.
أـ التفاسير العرفانيّة
لقد تمّ التأكيد على هذا الأمر في موارد متعدِّدة من التفاسير العرفانية، وتمّ بيان هذا الارتباط بعباراتٍ متنوّعة.
وقد تمّ التعريف بالقرآن في بعض التفاسير العرفانية بوصفه كنزاً للودائع الإلهيّة. قال القشيري بشأن الكرامة التي يخصّ بها الله عباده المنتجبين من خلال فَهْم القرآن: «وقد كرَّم [الله] المصطفين من عباده بفَهْم لطائف أسراره وأنواره المودعة في القرآن الكريم»([47]). إن هذا الكلام منه صريحٌ في أن المعنى إنما هو من عند الله سبحانه وتعالى، وأن القرآن مشتملٌ على الودائع الإلهيّة.
وقد تعرّض الجناباذي، في الفصل الحادي عشر من مقدّمات تفسيره، إلى التحقيق في تعدُّد وجوه القرآن، وتحدَّث فيه عن استعمال اللفظ في أكثر من معنىً. وقد أكَّد على هذه النقطة، وهي أنه ليس هناك ما يمنع الله من لحاظ عدّة معانٍ في استعمالٍ واحد([48]). إن هذا البيان صريحٌ في أن معاني القرآن من عند الله سبحانه وتعالى.
وقال القونوي، بعد تفسيره العرفاني لـ «بسم الله الرحمن الرحيم»، وذكر رموز حروفها: «ثمّ أقول: إني لم أختَرْ هذا الأسلوب في تفسير هذه السورة، وإن هذا المقدار الذي ذكَرْتُه هو التعريف عن تلك الأشياء التي أودعها الحقُّ تعالى في كتابه العزيز ـ ولا سيَّما هذه السورة التي هي نموذجٌ ونسخةٌ من كتابه الكريم، بل ومن سائر كتبه ـ من الأسرار المدهشة والعلوم العجيبة؛ ليُعْلَم أن حروفه وكلماته قد رتَّبها العليم الخبير. لم يَرِدْ فيه حرفٌ بين حرفين، أو قبل حرفٍ، أو بعده، إلاّ لأمرٍ خاصّ، وعلمٍ كامل، وحكمةٍ تامّة، لا يمكن للعقول أن تدرك كُنْهها»([49]). وقال، بعد شرح كلمة «باسم»، واسم الجلالة «الله»، وحروفهما: «مَنْ لم ينكشف له الأمر على هذه الشاكلة لن يُلِمَّ بسرّ بطون القرآن، التي قال عنها رسول الله|: «إن للقرآن ظهراً وبطناً إلى سبعة أبطن…»، ولا سرّ بيان الحسن [البصري]، حيث قال: «أنزل الله مئة كتاب وأربعة كتب، فأودع المئة في أربعة، وهي: التوراة؛ والإنجيل؛ والزبور؛ والفرقان، وقد أودع الجميع في القرآن، وإن ما في القرآن قد أودع في المفصَّل، وما في المفصَّل تمّ إيداعه في الفاتحة»([50]).
وفي بعض التفاسير العرفانية ورد التعبير عن ارتباط القرآن بالله بالقول: إن القرآن يشتمل على الوعود الإلهيّة للبشر. قال الميبدي، في تفسير قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (الفاتحة: 6)، في الجواب عن السؤال القائل: «ما الذي يعنيه طلب الهداية بعد العثور عليها؟»: «وقالوا في جواب المسألة: إن هذه الزيادة والهداية والإيمان هي التي يطلبها المؤمنون من الله، وإن الله وعدهم بالزيادة وقال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ (محمد: 17)، و﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ (التغابن: 11)، و﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ (التوبة: 124)([51]). إن هذه العبارات تثبت بوضوحٍ أن رأيه، ورأي المفسِّرين الذين نقل عنهم هذا الجواب، هو أن القرآن يتضمَّن وعوداً إلهية.
وفي بعض التفاسير العرفانية عُدَّ وجه إطلاق القرآن على الكتاب النازل على النبيّ الأكرم| اشتماله على أخبار الله تعالى عن نفسه ومخلوقاته. إن هذا البيان إقرارٌ واضح بارتباط القرآن بالله سبحانه وتعالى. قال محيي الدين بن عربي: «ولما كان [هذا الكتاب] جامعاً لهذه الحقائق ـ [التي تقدَّم ذكرها] ـ وأمثالها استحقّ اسم القرآن؛ فإنه ما سُمِّي قرآناً إلاّ لحقيقة الجمعية التي فيه؛ فالقرآن هو الذي له صفةُ الجمع…»([52]). فالقرآن جامعٌ لأخبار الله عن نفسه، وكذلك جامعٌ لأخبار الله عن مخلوقاته وعباده الذين حكى عنهم. وعليه يكون للقرآن الكريم وصفُ الجمع. وقد بيَّن وجه إطلاق القرآن على القرآن الكريم، في كتابه (إيجاز البيان) على النحو التالي: «ولمّا جمع [الله] فيه ما تفرَّق في سائر الصحف والكتب وجميع ما يُحْتَاج إليه من المعارف والعلوم سمَّاه قرآناً»([53]).
وقد تمّ التصريح في آثار بعض العرفاء بهذا الأمر، وهو أن القرآن الكريم مرتبةٌ من علم الله، قد تنزَّلَتْ واكتسبَتْ وجوداً متناسباً مع عالم المادّة. ومن هنا فإن التفسير الكامل للقرآن لا يأتي إلاّ من قِبَل الله سبحانه وتعالى، وإن الله وحده هو العالم بجميع أسرار ورموز كلامه. ومن هنا قال السيد مصطفى الخميني: «قال الوالد المحقِّق العارف برموز الكتاب وبعض أسراره: إن تفسير القرآن لا يتيسَّر إلاّ لله تعالى؛ لأنه علمه النازل، ولا يمكن الإحاطة به»([54]).
وفي بعض التفاسير العرفانية تمّ التعريف بالقرآن بوصفه مبيِّناً لإرادة الحقّ تعالى ومراد الله عزَّ وجلَّ. وقد تحدَّث القونوي عن علم الإنسان الكامل بأسرار القرآن الكريم، قائلاً: «فكان من جملة ما مَنَّ به [الله تعالى على الإنسان] أن أطلعه على بعض أسرار كتابه الكريم، الحاوي على كلّ علمٍ جسيم، وأراه أنه [أي كتابه قد] أظهر عن مقارعةٍ غيبيّة واقعة بين صفتَيْ القدرة والإرادة… فأما نسبته [الكتاب] من الإرادة فإنه مقصود المتكلِّم [= الله] وسرّ إرادته، ومُظهرٌ ومُوصلٌ وجامعٌ. ولهذا يُبرز ما كمن في باطن المتكلِّم [= الله] إلى كلّ مخاطَبٍ وسامعٍ»([55]).
وقال في موضعٍ آخر: «وجعل القرآن العزيز شارحَ خلق المخلوق على صورته؛ ليتبيَّن به خفيّ سيرته، وسرّ سورة مرتبته، فالقرآن العزيز هو النسخة الشارحة صفات الكمال الظاهر بالإنسان»([56]).
ب ـ التفاسير الاجتماعيّة
يرى سيّد قطب أنه لا صلاح لهذه الأرض، ولا راحة لهذه البشرية، ولا طمأنينة لهذا الإنسان، ولا رفعة، ولا بركة، ولا طهارة، ولا تناسق مع سُنَن الكون وفطرة الحياة، إلا بالرجوع إلى الله. والرجوع إلى الله… له صورةٌ واحدة، وطريقٌ واحد، لا غير… إنه العودة بالحياة كلّها إلى منهج الله الذي رسمه للبشريّة في كتابه الحكيم. وقال سيّد قطب بأنه قد انتهى إلى هذه الحقيقة القطعيّة خلال فترة الحياة في ظلال القرآن. ويرى أن تحكيم هذا الكتاب وحده، والتحاكم إليه في جميع شؤون الحياة، هو الضامن للصلاح، وإلاّ فلن يكون هناك سوى الفساد في الأرض، والشقاوة للناس، والارتكاس في الحياة، والجاهلية التي تعبد الهوى([57]).
إنه يرى أن هذا التحكيم أمرٌ واجب وضروريّ، وقال في ذلك: «إن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلةً، ولا تطوّعاً ولا موضعَ اختيارٍ، إنما هو الإيمان… إن هذه البشرية… لا تُفْتَح مغاليق فطرتها إلاّ بمفاتيح من صنع الله، ولا تعالج أمراضها وعللها إلاّ بالدواء الذي يخرج من يده سبحانه وتعالى، وقد جعل الله في منهجه وحده مفاتيح كلّ مغلق، وشفاء كلّ داء، قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الإسراء: 82)، و﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ (الإسراء: 9)»([58]).
ج ـ التفاسير الأَثَريّة
هناك في التفاسير الأثرية والروائية بعض المطالب التي تستلزم القول بارتباط القرآن الكريم بالله سبحانه وتعالى كموجدٍ لهذا النصّ المقدَّس.
وقد ذهب السيد هاشم البحراني، في تأكيده على علم أهل البيت^ بالقرآن الكريم، إلى نقل روايةٍ تحدَّث فيها الإمام الباقر× مع قتادة ـ الذي أخطأ في تفسير آيةٍ ـ، فقال له: «يا قتادة، إنما يعرف القرآن مَنْ خوطب به»([59]). ولازم هذه الرواية هو أن الله سبحانه وتعالى هو المُخاطِب، وأن أهل البيت^ هم المُخاطَب، وأن القرآن الكريم هو الخطاب الإلهيّ الموجَّه إليهم، وهذا يعني القول بالارتباط الوثيق بين القرآن الكريم وبين الله عزَّ وجلَّ.
وهناك رواياتٌ مأثورة عن الأئمّة المعصومين^ تقول في مضمونها: إن الله سبحانه وتعالى قد بيَّن في القرآن الكريم كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في الاهتداء إليه، ولم يترك بيان أيّ مسألةٍ في هذا الشأن. إن القبول بمضمون هذه الروايات يعني الإقرار بارتباط القرآن بالله سبحانه وتعالى. وفي ما يلي نذكر نموذجين من هذه الروايات، التي أوردها السيد هاشم البحراني في مقدّمة تفسير البرهان:
1ـ عن مرازم، عن أبي عبد الله× قال: «إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن تبياناً لكلّ شيءٍ، حتّى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد ـ لا يستطيع عبدٌ أن يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن ـ إلاّ وقد أنزل الله فيه»([60]).
2ـ عن عمر بن قيس، عن أبي جعفر×، قال: سمعتُه يقول: «إن الله تبارك وتعالى لم يَدَعْ شيئاً تحتاج إليه الأمّة إلاّ أنزله في كتابه، وبيَّنه لرسوله|، وجعل لكلّ شيءٍ حدّاً، وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه، وجعل على مَنْ تعدَّى ذلك الحدّ حدّاً»([61]).
وقال صاحب تفسير (مرآة الأنوار ومشكاة الأبرار)، بشأن كيفية دلالة القرآن الكريم على المعاني الباطنية: «اعلَمْ أن ما دلّت عليه الأخبار من المعاني الباطنية والتأويلات الآتية ليست بجملتها ممّا استعمل فيها اللفظ على سبيل الحقيقة، بل أكثرها ومعظمها على طريق التجوُّز، ونهج الاستعارة، وسبيل الكناية، ومن قبيل: المجازات اللغوية والعقلية؛ إذ أبواب التجوُّز في كلام العرب واسعةٌ… فلا استبعاد في أن أراد الله ـ عزَّ وجلَّ ـ بحَسَب الاستعمال الذي يدلّ عليه ظاهر اللفظ معنىً، وبحَسَب التجوُّز الذي تدلّ عليه القرائن، ويجتمع مع الظاهر بنوعٍ من التناسب، معنىً آخر»([62]). إن هذه العبارة منه صريحةٌ في أنه يذهب إلى القول بمحورية المؤلِّف، وأنه في سَعْيه إلى بيان الروايات البطنية وغير البطنية عن الأئمّة المعصومين^ إنما يسعى إلى بيانها بوصفها هي المراد لله عزَّ وجلَّ؛ لأنه قد تحدَّث عن إرادة الله صراحةً، وعرَّف بالمعاني الباطنية كمعانٍ مُرادةٍ لله سبحانه وتعالى.
د ـ التفاسير العلميّة
لقد أكَّد الطنطاوي في الكثير من الموارد على ارتباط القرآن بالله سبحانه وتعالى. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه قد أكَّد في تفسير الآية 26 من سورة البقرة على أن الطبيعة من فعل الله سبحانه وتعالى، والقرآن كلام الله، وكما أن من النبات ما يقتل، ومنه ما يشفي، بإذن الله، فإن القرآن بما هو فعلُ الله، فإن الله يُضلّ به قوماً إذا نقص استعدادهم، وخبثَتْ نفوسهم([63]). يُستفاد من هذا الكلام أن الطنطاوي يعتبر القرآن وسيلةً بيد الله، وأن الله قد بيَّن فيه أموراً تشكِّل مادّةً لضلال بعض الأشخاص، الذين فقدوا القابليّة للهداية، وأصبحوا يفتقرون إلى المادّة الأوّلية للهداية.
هـ ـ التفاسير الكلاميّة
يرى الفخر الرازي القرآن الكريم مرتبطاً بالله، ومبيِّناً لمقاصد الله سبحانه وتعالى. ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنه قد اعتبر الآية 26 من سورة البقرة جواباً من الله عن شبهة تنافي التمثيل بأمثال النحل والذباب والعنكبوت مع اعتبار القرآن معجزةً، وقد أوضح جواب الآية المذكورة عن الشبهة الآنفة بقوله: «فأجاب الله تعالى عنه بأن صِغَر هذه الأشياء لا يقدح في الفصاحة إذا كان ذكرُها مشتملاً على حكمةٍ بالغة»([64]). وبذلك يكون الفخر الرازي قد اعتبر جواب الآية الكريمة عن هذا الإشكال هو جوابُ الله سبحانه وتعالى.
و ـ التفاسير المادّية
السير السيد أحمد خان الهندي من الذين قالوا بأن معاني وألفاظ القرآن الكريم من عند الله سبحانه وتعالى، بل إنه اتَّخذ موقفاً متشدِّداً من أولئك الذين يقولون بأن ألفاظ القرآن هي من عند النبيّ الأكرم|، وقال في الردّ على رأي القائلين بعدم وَحْيانية ألفاظ القرآن: أما ما قاله بعضهم، من أن ما نزل على النبيّ كان مجرَّد معاني ومضامين القرآن، وأن الألفاظ والعبارات من صنع وتأليف النبيّ، بلغةٍ عربية هي لغته، فأنا أخالف ذلك بشدّةٍ([65]). إن اعتبار معاني القرآن من عند الله ـ الذي هو مورد إجماع المفسِّرين والعلماء المتخصِّصين في علوم القرآن ـ يعرِّف بالمؤلِّف بوصفه موطناً للمعنى.
3ـ كون المفسِّر مجرَّد فاهمٍ
إن من بين خصائص محوريّة المؤلِّف القولَ بأن دَوْر المفسِّر في التفسير لا يعدو أن يكون مجرَّد فَهْم مراد الله تعالى، وليس له أيّ دَوْرٍ في صنع المعنى. وقد تمّ التأكيد على هذا الأمر في جميع التفاسير، بمختلف اتجاهاتها.
أـ التفاسير العرفانيّة
لقد تمّ التصريح في الكثير من التفاسير العرفانية بكون المفسِّر مجرَّد فاهمٍ، أو أن لازم كلام الكثير منهم هو الإقرار بهذا الأمر.
وقد ذهب السُّلَمي إلى تعريف أصحاب الحقّ بأنهم أولئك الذين يفهمون خطاب الله سبحانه وتعالى. وقال في خطبة كتابه: «الحمد لله الذي خصَّ أهل الحقائق لخواصّ إفراده، وجعلهم أهل الفَهْم لخطابه، والعالمين بلطائف ودائعه في كتابه المنزل»([66]). وفي بعض التفاسير تمّ اعتبار أهل الذَّوْق والوجدان هم الذين تتجلّى لهم المغيَّبات عند تلاوة القرآن؛ فينكشف لهم ما استعدّوا له من مكنون العلم الإلهيّ([67]).
وقد نقل ابن عجيبة كلاماً تفصيليّاً عن (لطائف المِنَن)، وعلى أساسه تمّ تعريف الصوفيّة بأنهم أشخاصٌ فهموا ما تمّ تفهيمهم إيّاه من قِبَل الله سبحانه وتعالى([68]).
يرى ابن عربي أن اختلاف كلام الله عن كلام غيره يكمن في أن الله سبحانه وتعالى عالمٌ بجميع وجوه المعاني التي تحتملها ألفاظ القرآن، ومن ناحيةٍ أخرى فإن الله سبحانه وتعالى عالمٌ بأن عباده يختلفون في فَهْم كلامه، ومن هنا فإن كلّ مَنْ فهم من الآية واحداً من هذه الوجوه المحتملة كان ذلك الوجه هو مراد الله تعالى في حقِّه. ومن وجهة نظره فإن المفسِّر ما دام لم يخرج عن المعنى الذي يحتمله اللفظ فإنه لا يدخل في دائرة التفسير بالرأي، المُوجِب للكفر. وقال في ذلك صراحةً: «فكلّ مَنْ فهم من الآية وجهاً [من الوجوه التي تحتمله الآية] فذلك الوجه هو المقصود بهذه الآية في حقّ هذا الواجد له». وقال في عبارةٍ أخرى: «فكلام الله إذا نزل بلسان قومٍ، فاختلف أهل ذلك اللسان في الفهم عن الله ما أراده بتلك الكلمة أو الكلمات، مع اختلاف مدلولاتها، فكلّ واحدٍ منهم، وإنْ اختلفوا، قد فهم عن الله ما أراده، فإنه تعالى عالمٌ بجميع الوجوه، وما من وجهٍ إلاّ وهو مقصودٌ لله تعالى بالنسبة إلى هذا الشخص المعيَّن ما لم يخرج من اللسان»([69]). ثمّ قال بعد ذلك: «وكلّ وجهٍ تحتمله كلّ آيةٍ من كلام الله، من فرقانٍ وتوراةٍ وزبورٍ وصحيفةٍ، عند كلّ عارفٍ بذلك اللسان، فإنه مقصودٌ لله تعالى في حقّ ذلك المتأوِّل؛ لعلمه الإحاطي سبحانه بجميع الوجوه، فلا سبيل إلى تخطئة عالمٍ في تأويلٍ يحتمله اللفظ؛ فإن مخطئه في غاية القصور في العلم، ولكنْ لا يلزمه القول به، ولا العمل بذلك التأويل، إلاّ في حقّ ذلك المتأوِّل خاصّةً ومَنْ قلَّده»([70]).
ثمّ عمد بعد ذلك إلى بيان قاعدةٍ بشأن طريقة فَهْم معاني وألفاظ القرآن، وهو: لو أن كلمةً في لسان الشرع لم تكن تحمل معنىً خاصّاً فإنها تُحْمَل على المعنى اللغويّ، ولكنْ لو كان لها معنىً شرعيٌّ خاصّ فإنها تُحْمَل على ذلك المعنى، إلاّ إذا وردَتْ روايةٌ معتبرة عن النبيّ الأكرم| تبيِّن أن المراد من ذلك اللفظ في هذا المورد الخاصّ ليس هو ذلك المعنى الخاصّ. وقال ابن عربي في تعليل هذه القاعدة: «فإن الشارع إذا عيَّن ما أراده اللفظ صار ذلك الوصف بذلك اللفظ أصلاً»([71]).
ب ـ التفاسير الاجتماعيّة
تقوم التفاسير الاجتماعية على أساس أن الغرض النهائي للقرآن الكريم هو هداية الإنسان، وأن رسائل الهداية من قبل الله تعالى قد تجلَّتْ في القرآن الكريم، وأن دَوْر المفسِّر في الحقيقة هو كشف تلك الرسائل، وليس له أيّ دَوْرٍ آخر سوى ذلك. لقد ذهب مؤلِّفو تفسير المنار إلى الاعتقاد بأن الغاية العليا للقرآن الكريم تتمثَّل بهداية الإنسان إلى السعادة في الدنيا والآخرة، فهُمْ يرَوْن أن القرآن، بالإضافة إلى هداية الإنسان في الوصول إلى السعادة في الآخرة، قد اهتمَّ كذلك بالحياة الدنيوية للإنسان، وإن العمل بتعاليم القرآن يمثِّل جوهر السعادة في الحياة في هذه الدنيا. لقد اعتبر مؤلِّفو تفسير المنار، في ضوء هذا الفَهْم، أن الهدف والغاية من التفسير هي معرفة القرآن بوصفه كتابَ هدايةٍ نحو السعادة في الدنيا والآخرة، وقالوا بأن جميع الأبحاث الأخرى في التفسير إنما هي وسيلةٌ للوصول إلى هذه الغاية، أو هي من توابعها([72]). وعلى هذا الأساس، يمكن القول: إن غاية التفسير، من وجهة نظرهم، هي الوصول إلى الهداية الإلهيّة في القرآن الكريم، وإن هذه الغاية لا تنسجم مع إعطاء دَوْرٍ إيجاديّ للمفسِّر، وإنما تضع المفسِّر في موقف الفاهم فقط.
ج ـ التفاسير الأَثَريّة
لقد ورد في بعض التفاسير الأَثَرية والروائية أحاديث تقول في مضمونها: إن حقيقة التفسير هو التحديث عن الله. إن هذا الكلام يُثبت بوضوحٍ أن دَوْر المفسِّر لا يتجاوز فَهْم مراد الله وبيانه. وقد قال ابن كثير، بعد نقل هذه الروايات في مقدّمة تفسيره: إن وجود هذه الطائفة من الروايات كان هو السبب وراء إحجام بعض التابعين عن تفسير القرآن. وقد ارتضى ابن كثير هذه الروايات، ولكنّه لم يفهم منها المنع من تفسير القرآن، وإنما حملها على المنع من الكلام حول القرآن بغير علمٍ.
وإن من نماذج هذه الروايات، التي ورد ذكرُها في تفسير ابن كثير، ما يلي:
ـ عن أبي عبيد…، عن عبد الله بن مسلم بن يسار، عن أبيه قال: إذا حدَّثْتَ عن الله فقِفْ، حتّى تنظر ما قبله، وما بعده([73]).
ـ وعن مُغيرة، عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يتَّقون التفسير، ويهابونه.
ـ وعن عبد الله بن أبي السَّفْر قال: قال الشعبي: والله ما من آيةٍ إلاّ وقد سألْتُ عنها، ولكنّها الرواية عن الله عزَّ وجلَّ.
ـ وعن الشعبي، عن مسروق قال: اتَّقوا التفسير؛ فإنما هو الرواية عن الله([74]).
وقد صحَّح ابن كثير هذه الروايات، وحملها على بُعْد أئمّة السَّلَف عن التفسير من دون علمٍ. وقال في هذا الشأن: «فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمّة السَّلَف محمولةٌ على تحرُّجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به؛ فأما مَنْ تكلَّم بما يعلم من ذلك لغةً وشرعاً فلا حَرَج عليه؛ ولهذا رُوي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلَّموا في ما علموه، وسكتوا عمّا جهلوه»([75]).
4ـ ملاحظة خصائص الله في التفسير
إن من علامات القول بمحوريّة المؤلِّف في التفسير الاهتمامَ بخصائص المؤلِّف في التفسير وفي فَهْم كلامه؛ إذ إن للنصّ ـ في ضوء هذا الاتجاه ـ ارتباطاً وثيقاً بالمؤلِّف، وإن الغرض الرئيس من التفسير هو الوصول إلى مراده، وإن العقلاء يلاحظون خصائص المتكلِّمين والمؤلِّفين؛ من أجل الوصول إلى مقاصدهم. في حين أن محورية النصّ ومحورية المفسِّر لا تقتضيان الالتفات إلى خصائص المؤلِّف في فَهْم كلامه. إن المفسِّرين المسلمين ـ على الرغم من تنوُّع توجُّهاتهم في التفسير ـ قد اهتمّوا بخصائص الله سبحانه وتعالى، ويتجلّى ذلك بوضوحٍ من خلال تفسيرهم للقرآن الكريم، الأمر الذي يثبت قولهم بمحوريّة المؤلِّف في تفسير القرآن:
أـ التفاسير العرفانيّة
لقد أنكر الميبدي كلام المعتزلة حول استقلاليّة العباد في أفعالهم؛ لأن هذا الكلام يفرغ ما في قولنا «إيّاك نستعين» من الحكمة والفائدة([76]). وتمسّك في مورد القرآن الكريم بهذه القاعدة الكلِّية: «إن كلامَ الله الحكيم ـ جلَّ جلالُه ـ منزَّهٌ عن الخلوّ من فائدةٍ جديدة أو حكمةٍ حَسَنة»([77]). وهذا يعني الاهتمام بخصائص وصفات الله عزَّ وجلَّ ـ ومنها: حكمة الحقّ تعالى ـ في تفسير القرآن الكريم.
وقد ذهب عبد الرزّاق الكاشاني إلى تفسير الاستحياء المنسوب إلى الله بالامتناع؛ لأن الاستحياء والخَجَل حالةٌ انفعاليّة يلزم منها حدوث التغيير في ذات الحقّ، والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك. وقال ما نصُّه: «إن الله لا يستَحْيِي؛ [أي] لا يمتنع امتناع المُسْتَحْيِي»([78]).
ب ـ التفاسير الأدبيّة
لقد سعى بعض المفسِّرين إلى بيان وشرح الأبعاد الأدبية للقرآن وتفسيره في ضوء القواعد البلاغية. وإن تفسير الكشّاف، للزمخشري، من المصاديق البارزة لهذا النوع من التفاسير. وبالنظر إلى الاهتمام الخاصّ في هذه التفاسير بالأبعاد الأدبية قد يذهب التصوُّر إلى أن هذه التفاسير تقول بمحوريّة النصّ، وتسعى إلى تفسير القرآن من خلال النظر في عناصره الداخلية، ولا تهتمّ بمراد المؤلِّف. ولكنْ لو رجَعْنا إلى هذه التفاسير فسوف نجد أنها تهتمّ بنيّة المؤلِّف على نحوٍ تامّ. إن من خصائص محوريّة المؤلِّف في تفسير الكشّاف التأكيدَ على ارتباط النصّ بالله تعالى، وأخذ خصائص الله في التفسير بنظر الاعتبار.
لقد عمد الزمخشري، في تفسير عبارة «بسم الله الرحمن الرحيم» ـ بعد اعتبار كلمة «بسم» متعلّقة بمحذوفٍ تقديره «اقرأ» ـ، إلى طرح هذا السؤال القائل: «فكيف قال الله ـ تبارك وتعالى ـ متبرِّكاً باسم الله اقرأ؟»، ثمّ أجاب عن ذلك قائلاً: «هذا مقولٌ على ألسنة العباد… وكذلك الحمد لله ربّ العالمين… وكثيرٌ من القرآن على هذا المنهاج، ومعناه تعليم عباده كيف يتبرَّكون باسمه، وكيف يحمدونه ويمجِّدونه ويعظِّمونه»([79]). إن هذه العبارة تحكي عن الاعتقاد بارتباط القرآن الكريم بالله سبحانه وتعالى، وتعكس القول باعتباره من التعاليم الإلهية.
قال الله تعالى، في الآية 97 من سورة آل عمران، بشأن الكعبة المشرَّفة والبيت الحرام: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾. إن ظاهر هذا التعبير هو الإخبار. بَيْدَ أن الزمخشري قد فسَّره ـ على أساس الروايات وأقوال الفقهاء ـ على نحوين: النحو الأوّل: إن المراد من «فمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً» حكمٌ شرعيّ للآخرين، حتى إذا دخله الجاني لا يمكن التعرُّض له ومعاقبته، كما يحدث في سائر الأمكنة الأخرى، بل يجب الانتظار حتّى يخرج منه. وفي هذه الحالة يتمّ حمل الجملة على الإنشاء، وهو حملٌ على خلاف الظاهر. الاحتمال الثاني: أن يكون المراد هو الأمن من العذاب؛ بمعنى أن الذي يدخل حَرَم الكعبة يكون آمناً من نار جهنَّم([80]). وعلى أساس هذا القول يتمّ حمل الكلام على الإخبار، ولكنْ، بالاستناد إلى الروايات، تمّ حَصْرُها بالأمان من النار؛ في حين أن الآية في الحدّ الأدنى تشتمل على إطلاقٍ من حيث الأمان الدنيوي وأمان أهله من النار. ويبدو أنه في صورة حمل الآية على الإخبار يكون المراد هو الأمان من العذاب، وإذا تمّ حمل الكلام على الإنشاء فإنه على أساس هذه القرينة الخارجية، وهي أنه قد يمكن العثور في الخارج على موارد تقول بأن الكعبة أو الأشخاص الذين كانوا متواجدين في بيت الله قد تمّ التعرُّض لهم، وبهذه القرينة لم يتمّ ذكر الإخبار، وأن يكون المراد هو تحقُّق الأمن في هذه الدنيا. وهذا الأمر يحكي عن ذهاب الزمخشري إلى القول بمحوريّة المؤلِّف، ولو كان من القائلين بمحوريّة النصّ لوجب عليه أن يفسِّر الآية على أساس القواعد الصرفيّة والنحويّة والبلاغيّة، ولكان في الحدّ الأدنى قد ذكر احتمال أن تكون الآية دالّةً على الإخبار، وأن يكون المراد منها هو تحقيق الأمان في هذه الدنيا.
كلام ابن تيميّة حول اتِّفاق المفسِّرين المسلمين على محوريّة المؤلِّف
لقد ذهب ابن تيميّة بشأن تاريخ هذا البحث القائل: «هل يشتمل القرآن على آياتٍ غير مفهومة بالنسبة إلى غير الله؟» إلى الاعتقاد بأنه لم يكن هذا البحث في الأساس مطروحاً بين المتقدِّمين، وقال في ذلك: «إنما وضع هذه المسألة المتأخِّرون من الطوائف؛ بسبب الكلام في آيات الصفات وآيات القدر وغير ذلك، فلقَّبوها: هل يجوز أن يشتمل القرآن على ما لا يُعْلَم معناه»([81]). وقال ابن تيميّة، بعد بيان وتقييم مختلف الآراء في هذا الشأن: «ومن المتأخِّرين مَنْ وضع المسألة بلقبٍ شنيع، فقال: لا يجوز أن يتكلَّم الله بكلامٍ ولا يعني به شيئاً، خلافاً للحَشْوية [الذين قالوا بإمكان أن يتكلَّم الله تعالى بكلامٍ ولا يريد به أيّ معنىً]»([82]).
وقال ابن تيمية، في نقد هذا الكلام: «هذا لم يقُلْه مسلمٌ: إن الله يتكلَّم بما لا معنى له. [وفي الأساس فإن النزاع لم يقع في هذا المعنى]، وإنما النزاع هل يتكلَّم بما لا يُفْهَم معناه؟ وبين نفي المعنى عند المتكلِّم [وأن الله لم يُرِدْ بهذا الكلام أيّ معنى] ونفي الفَهْم عند المخاطب [والقول بأن المخاطب لا يفهم المعنى والمُراد من كلام الله] بَوْنٌ عظيم»([83]).
إن هذا الكلام الأخير من ابن تيميّة يشير بوضوحٍ إلى ذهاب المفسِّرين المسلمين، من وجهة نظره، إلى القول بمحورية المؤلِّف. وإن الشواهد الكثيرة التي ذكَرْناها من مختلف التفاسير، على اختلاف توجُّهاتها، تؤيِّد كلام ابن تيميّة.
تجلِّيات محوريّة المؤلِّف في المقبولات السابقة للمفسِّرين المسلمين
إن المفسِّرين المسلمين ـ بالإضافة إلى تصريحهم في متون كتبهم التفسيرية بمحوريّة المؤلِّف ـ قد قبلوا قبل أيّ خطوةٍ يتَّخذونها في التفسير بأمور تحكي مباشرةً عن قولهم بمحوريّة المؤلِّف في التفسير، أو أنها تستلزم القول بمحورية المؤلِّف.
وفي ما يلي نقدِّم شرحاً بذلك:
الاتِّفاق على القول بأن معاني القرآن من عند الله تعالى
إن من بين الشواهد القاطعة والثابتة على أن المفسِّرين والعلماء الإسلاميين يذهبون في تفسير القرآن الكريم إلى القول بمحورية المؤلِّف هو أن جميع المسلمين يذهبون إلى الاعتقاد بأن معاني القرآن الكريم ومفاهيمه من عند الله سبحانه وتعالى. إن هذا الاعتقاد القائل بأن المعنى هو من عند الله تعالى يعني القول بمحورية المؤلِّف في التفسير؛ لأن إحدى الخصائص الأصلية لمحورية المؤلِّف هي اعتبار المؤلِّف موقعاً وموطناً للمعنى.
لقد ذكر الزركشي بشأن ما نزل على النبيّ الأكرم| ثلاثة آراء، وفي كلٍّ من هذه الآراء الثلاثة تمّ القبول بأن معاني القرآن هي من عند الله سبحانه وتعالى. وإن الذي كان سبباً في تعدّد الأقوال هو تعدُّد الآراء بشأن القول باعتبار ألفاظ القرآن الكريم من عند الله تعالى؛ وعلى أساس أحد هذه الآراء الثلاثة كانت المعاني والألفاظ كلاهما من عند الله سبحانه وتعالى؛ وعلى أساس رأيٍ آخر لا تُعَدّ الألفاظ من عند الله، وإن القائلين بهذا الرأي ينقسمون بدَوْرهم إلى قسمين؛ فقد ذهب بعضهم إلى القول بأن الألفاظ من عند رسول الله|، وقال قسمٌ آخر بأن الألفاظ من عند جبرائيل×([84]). ولكنْ، كما ذكَرْنا سابقاً، لا أحد من المسلمين يقول بأن المعاني ليست من عند الله.
علم الأصول وقول المفسِّرين المسلمين بمحوريّة المؤلِّف
إن من بين العلوم الإسلامية المهمّة التي يتمّ فيها بحث بعض قواعد وأصول فَهْم النصّ، ومنه: القرآن الكريم، هو علم الأصول. لقد نشأ علم الأصول في أحضان علم الفقه. فقد توصَّل الفقهاء، خلال نشاطهم في استنباط الأحكام من مصادرها، إلى ضرورة التأسيس لعلمٍ آليّ يحتوي على القواعد والضوابط العامّة للاستنباط من مصادر الأحكام([85]). وبطبيعة الحال فإن مباحث الألفاظ في هذا العلم لا تختصّ بالروايات الفقهية وآيات الأحكام فقط، بل تنفع في فَهْم كلّ نصٍ وفَهْم جميع تعاليم القرآن، الأعمّ من الفقهية والأخلاقية والاعتقادية وما إلى ذلك. ومن هنا فقد ذهب المختصِّون في علوم القرآن إلى الاعتقاد بحاجة المفسِّر إلى علم أصول الفقه أيضاً([86]).
وبنظرةٍ عابرة إلى علم الأصول يمكن في الحدّ الأدنى اعتبار مبحثين من مباحثه قرينةً على ذهاب المفسِّرين المسلمين إلى القول بمحوريّة المؤلِّف، وهما:
1ـ تقسيم الدلالة إلى: تصوُّرية؛ وتصديقيّة.
2ـ حجِّية الظواهر.
الاهتمام بالمراد الجِدِّي عبر تقسيم المدلول إلى: تصوُّريّ؛ وتصديقيّ
إن من بين الأبحاث المهمّة في علم الأصول، التي تبيِّن ذهاب الأصوليين إلى القول بمحورية المؤلِّف، تقسيم الدلالة إلى: دلالة تصوُّرية؛ ودلالة تصديقية. إن المراد من الدلالة التصوُّرية هي أنه عندما يتمّ سماع جملةٍ، من أيّ شخصٍ أو من أيّ شيءٍ صدرَتْ، فإن السامع العارف بتلك اللغة سوف ينتقل ذهنه بمجرَّد سماع الكلمات المستعملة في تلك الجملة إلى معاني تلك الكلمات، وكذلك المعنى الذي تفيده الهيئة الأفرادية والتركيبية([87]). ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ: عندما يسمع الشخص الناطق باللغة العربية عبارة «وكان عرشه على الماء» فإن ذهنه سوف ينتقل إلى المعنى اللغويّ لـ «كان» و«العرش» و«على» و«الماء»، وكذلك المعنى الذي يفيده تركيب الكلمات من كان واسمها وخبرها، سواء صدرَتْ هذه الجملة من إنسانٍ مدركٍ أو من إنسانٍ غافلٍ أو نائمٍ، أو حتّى لو صدرَتْ من آلةٍ. ويسمّي العلماء في علم الأصول هذه الدلالة بالدلالة التصوُّرية، ويُسمُّون الشيء الذي يفيده الكلام في الدلالة التصوُّرية بالمدلول التصوُّري([88]).
ولو صدرت الجملة من متكلِّمٍ مدركٍ فإن عبارته، بالإضافة إلى الدلالة التصوُّرية، سوف تشتمل على دلالةٍ تصديقيّة. فعندما يسمع شخص كلاماً من المتكلِّم يُدرك أن المتكلِّم قد أراد استعمال تلك الكلمات والهيئة الأفرادية والتركيبية لها في معانيها، وأنه قد أراد بذلك أن ينتقل ذهن السامع عند سماع تلك الجملة إلى معناها اللغوي، وهذا هو الذي يتمّ التعبير عنه بـ «الإرادة الاستعماليّة». كما تسمّى هذه الدلالة التصديقيّة بـ «الدلالة التصديقيّة بالمعنى الأوّل» أيضاً.
وبالإضافة إلى الإرادة الاستعمالية، فإن للمتكلِّم في ما وراء الجملة التي قالها هدفاً وغايةً، هي الغرض الأصلي من كلامه، وهذا يُطْلَق عليه مصطلح المراد الجِدّي، الذي يريد من السامع أن يصل إليه من خلال سماع كلامه. ويتمّ التعبير عن هذه الإرادة في مصطلح علم الأصول بـ «الإرادة الجِدّية»، وتسمّى هذه الدلالة بـ «الدلالة التصديقيّة بالمعنى الثاني».
وتارةً تتطابق الإرادة الجِدّية مع الإرادة الاستعماليّة. ومن ذلك أن المتكلِّم ـ مثلاً ـ يقول جملة: «زيدٌ عالم»؛ لغرض الإخبار عن اتصاف زيدٍ بالعلم. وفي هذه العبارة يفيد تركيب الجملة من المبتدأ والخبر اتصاف زيدٍ بالعلم، والفَرْض أيضاً أن المتكلِّم يقصد من بيان الجملة المذكورة الإخبار عن علم زيد، ولكنّ المراد الجِدّي قد لا يتطابق مع المراد الاستعماليّ أحياناً، وهناك قرائن تثبت أن المراد الجِدّي مخالفٌ للمراد الاستعمالي([89]).
للحصول على المراد الجِدّي للمتكلِّم يجب ملاحظة القرائن الخارجية والداخلية المحفوفة بالكلام. ومن ذلك، على سبيل المثال: لكي نفهم مرادَ الله سبحانه وتعالى من قوله: ﴿أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ (البقرة: 275)، الذي يكون مفاده الاستعمالي هو حِلّية كلّ بيعٍ، وهل هو ذات المفاد الاستعماليّ أم أن المرادَ الجِدّي منه شيءٌ آخر؟ يجب علينا أن نرى سائر آيات القرآن، وكذلك كلمات المعصومين^ أيضاً. فإنْ لم نجِدْ في آيات القرآن، ولا في كلام المعصومين^، قَيْداً لهذا الإطلاق سوف ندرك أن ذات هذا الإطلاق هو المراد الجِدّي لله سبحانه وتعالى؛ ولكنْ لو تمّ النهي في آيةٍ أو روايةٍ عن بيعٍ خاصّ فسوف ندرك أن هذا الإطلاق لم يكُنْ هو المراد الجِدّي لله تعالى.
والذي نحن هنا بصدد إثباته هو أن كلام العلماء في علم الأصول، والذي قَبِل به المفسِّرون للقرآن أيضاً، يشير إلى أن الغاية الأصليّة في فَهْم القرآن الكريم هي الحصول على المراد الجِدّي لله سبحانه وتعالى، وهذا هو معنى محورية المؤلِّف عند المفسِّرين المسلمين في التفسير.
حجِّيّة الظواهر في اكتشاف المقاصد
يذهب الأصوليون إلى الاعتقاد بحجِّية ظواهر الكتاب، ومرادُهم من ذلك اعتبار الظواهر لاكتشاف مراد الله تعالى. وحتّى الأخباريون، الذين ينكرون حجِّية ظواهر الكتاب، يُصرِّحون بأن مراد الله تعالى أبعدُ من أن يكون في متناول فَهْم غير المعصوم. قال صاحب الكفاية في بيان حجِّية ظاهر كلام الشارع، والذي يشمل القرآن أيضاً: «لا شُبْهة في لزوم اتِّباع ظاهر كلام الشارع في تعيين مراده في الجملة»([90]). وقد رأى أن دليل اعتبار ظاهر كلام الشارع يكمن في السيرة العقلائية غير المردوع عنها من قِبَل الشارع المقدَّس، وقال في بيان سبب ذلك: «لاستقرار طريقة العقلاء على اتِّباع الظهورات في تعيين المرادات، مع القطع بعدم الردع عنها؛ لوضوح عدم اختراع طريقةٍ أخرى في مقام الإفادة لمرامه من كلامه، كما هو واضحٌ»([91]).
ليس هناك فرقٌ في حجِّية الظواهر ـ من وجهة نظر الأصوليين ـ بين القرآن الكريم وبين كلام المعصومين^([92]).
إن هذه العبارات تثبت بوضوحٍ أن علماء الأصول يرَوْن أن المراد من فَهْم الكلام هو الوصول إلى ما يقصده المتكلِّم. ومرادهم من حجِّية الظواهر هو اعتبار ظاهر الكلام للحصول على مراد المتكلِّم عند عدم العثور على قرينةٍ على خلاف الظاهر. والأخباريون بدَوْرهم ـ وهم الذين لا يقولون بحجِّية ظواهر القرآن بالنسبة إلى غير المعصومين^ ـ إنما يريدون بذلك أنه لا يمكن الوصول إلى مراد الله سبحانه وتعالى من خلال الاستناد إلى الظاهر. وإن بعض عباراتهم التي استعملوها في هذا الشأن تشير بوضوحٍ إلى أن مرادهم من فَهْم القرآن ـ الذي لا يجيزونه أو لا يرَوْن إمكانه لغير المعصوم^([93]) ـ هو الوصول إلى مراد الله سبحانه وتعالى. قال الإسترآبادي في بيان سرّ اختصاص فهم القرآن بالمعصومين^: «والسرّ فيه أنه لا سبيل إلى فَهْم مراد الله إلا من جهتهم^؛ لأنهم عارفون بناسخه، ومنسوخه، والباقي منه على الإطلاق، والمؤوَّل، وغير ذلك، دون غيرهم، خصَّهم اللهُ والنبيُّ| بذلك»([94]).
مقتضى أدلّة إثبات ضرورة الوَحْي
لقد أثبت المتكلِّمون والفلاسفة الإسلاميون حاجةَ الإنسان إلى الوَحْي، وضرورة إرسال الرُّسُل من عند الله سبحانه وتعالى، بمختلف الطُّرُق. وإن قوام جميع هذه الأدلة يكمن في حاجة البشر إلى الحصول على تعاليم من قِبَل الله تعالى، وعدم كفاية المصادر العامة للمعرفة في الوصول إلى جميع المعارف التي يحتاج إليها الإنسان.
وقد عمد الشيخ الطوسي إلى تعداد فوائد بعث الأنبياء، وإثبات حُسْن ذلك، وأكَّد على ضرورة ذلك بقاعدة اللطف. وقد ذكر في هذا السياق تسع فوائد للبعثة، حيث اعتبر فيها بأجمعها حاجة الإنسان إلى التعاليم الوَحْيانية. ومن تلك الفوائد التي ذكرها للبعثة تعاضدُ العقل مع الوَحْي، ووضعُ العلوم الجديدة تحت تصرُّف البشر([95]).
وقد عمد العلاّمة الحلّي ـ في شرحه لكلام الشيخ الطوسي، وتَبَعاً له في مسألتين ـ إلى بحث حُسْن البعثة ووجوبها، وقال: إن كلمة المسلمين بأجمعهم قد اتَّفقَتْ على ذلك. وقال في شرح تعاضد العقل والشرع بوصفه أحد وجوه حُسْن البعثة: «منها: أن يعتضد العقل بالنقل في ما يدلّ العقل عليه من الأحكام، وأن يستفاد الحكم من البعثة في ما لا يدلّ العقل عليه»([96]).
وقد اختار الشيخ السبحاني من بين الأدلة المتنوِّعة المذكورة في الكتب الكلامية لإثبات ضرورة الوَحْي خمسةَ أدلّةٍ، وعمد إلى شرحها وبيانها، وهي:
1ـ حاجة المجتمع البشري إلى القانون. وقد تمّ في هذا الدليل، بعد بيان نزوع الإنسان إلى الحياة الاجتماعية، وضرورة وجود قانونٍ لتنظيم العلاقات الاجتماعية، تمّ بيان الشرائط الواجب توفُّرها في المشرِّع والمقنِّن ـ والتي لا تنطبق على غير الله سبحانه وتعالى ـ، وتمّ التعريف بالأنبياء كأشخاصٍ تمّ اختيارُهم لحمل القوانين الواجبة والضرورية في تنظيم الحياة الاجتماعية للبشر من طريق الوَحْي.
2ـ حاجة الإنسان إلى المعرفة وعدم كفاية العقل والغريزة لحلّ المشاكل الماثلة أمام الإنسان. وفي هذا الدليل تمّ التأكيد على قصور علم الإنسان في مجال المعارف الإلهيّة، وبذلك يتمّ إثبات حاجة الإنسان إلى الوَحْي.
3ـ ضرورة هداية الفطريّات وتعديل غرائز الإنسان؛ إذ لو لم تتمّ مساعدة الفطريات والغرائز بهداية الوَحْي فإنها سوف تنحرف عن مسارها، وتنجرف نحو المَيْل إلى عبادة الأصنام.
4ـ حاجة الإنسان إلى الكمال الروحي والمعنوي، وعدم إمكان تحقُّق ذلك إلاّ في ظلّ التعاليم الوَحْيانية.
5ـ إثبات ضرورة الوَحْي من طريق قاعدة اللطف الإلهي، بمعنى أن الله يضع تحت تصرُّف الإنسان ما يحتاج إليه من أجل تحقيق الغَرَض من خَلْقه ـ وهو السعادة ـ، وكذلك ما ينفعه في التقرُّب من الله وإطاعته، والبُعْد عن معصيته، وهذا هو الذي تقتضيه الحكمة الإلهيّة([97]).
لقد تحدَّث العلاّمة الطباطبائي عن حاجة الإنسان إلى الهداية التشريعية بالتفصيل، وأثبت أن هذه الهداية يتمّ وضعها تحت تصرُّف الإنسان من طريق الوَحْي، وفي الحقيقة فإن الوَحْي والنبّوة إنما هما لضمان وتلبية حاجة الإنسان إلى العقائد الصحيحة والقوانين الصائبة، التي يتعيَّن على الإنسان أن يؤمن بها، وأن ينظِّم حياته على أساسها؛ ليصل إلى ما يصبو إليه من السعادة([98]).
إن الذي نشاهده في جميع هذه الأدلّة، التي تمَّتْ إقامتها من أجل إثبات ضرورة الوَحْي، هو حاجة الإنسان إلى التعاليم الوَحْيانية، ولازم ذلك هو القبول بأن الله يضع هذه التعاليم تحت تصرُّف البشر من طريق الوَحْي، وعلى هذا الأساس يجب على المفسِّر أن يسعى إلى تحصيلها، وأن يصل بذلك إلى ما أراده الله سبحانه وتعالى.
وفي الختام من الضروريّ التأكيد على هذه النقطة، وهي أنه يمكن الاستناد ـ في بيان وجوب القول بمحورية المؤلِّف في تفسير القرآن الكريم ـ إلى الكثير من الآيات التي تصف القرآن بأنه وسيلةٌ للهداية من قِبَل الله سبحانه وتعالى([99]). وقد سَعَيْنا في هذه المقالة للاستناد إلى صريح وظاهر الكلام الصادر عن ذات المفسِّرين، وكذلك لازم مقبولاتهم أيضاً، وإثبات ذهابهم إلى محورية المؤلِّف من نفس كلامهم.
النتيجة
1ـ هناك في تفسير النصوص ثلاثة اتجاهات، وهي: محورية المؤلِّف، ومحورية النصّ، ومحورية المفسِّر.
ويذهب الأسلوب والمنهج الشائع في تفسير النصوص إلى اتجاه محورية المؤلِّف، ويحصر مهمّة المفسِّر في الوصول إلى مراد المؤلِّف.
ويذهب البنيويون في المجال الأدبي إلى الاعتقاد بأن المعنى يكمن في النصّ، وأن الوصول إلى المعنى رَهْنٌ بمعرفة العناصر الداخلية وبنية النصّ، وعدم الحاجة إلى لحاظ أمرٍ آخر من خارج النصّ.
وأما أصحاب النزعة التفكيكية والفلاسفة الهرمنيوطيقيون فيذهبون إلى إعطاء المفسِّر دَوْراً في إيجاد المعنى، مع فارق أن التفكيكيين يعطون الدَّوْر الكامل للمفسِّر، وأما في الهرمنيوطيقا الفلسفية فيكون أفق النصّ دخيلاً في إيجاد المعنى أيضاً. وتكمن نقطة اشتراك القائلين بمحورية المفسِّر والقائلين بمحورية النصّ في تجاهل نيّة وقصد المؤلِّف.
2ـ إن الشاخص المشترك بين المفسِّرين المسلمين ـ على الرغم من تعدُّد أساليبهم واتّجاهاتهم التفسيرية ـ يكمن في قولهم بمحورية المفسِّر. وإن القول بمحورية المؤلِّف من الرسوخ في أذهان المسلمين بحيث إن أصحاب الاتجاهات المنحرفة منهم في التفسير، والذين لم يكونوا في الحقيقة يسعَوْن للحصول على مراد الله من الآيات، كانوا بدَوْرهم يقولون: إن ما يذكرونه إنما هو مرادُ الله من الآيات، بزعمهم.
3ـ إن الاهتمام بفَهْم مراد الله تعالى يمثِّل إحدى خصائص القول بمحورية المؤلِّف في تفاسير المفسِّرين المسلمين. إن فَهْم مراد الله يمثِّل ـ من وجهة نظرهم ـ هويّة التفسير، وقد صرَّح بعضُهم بذلك في تعريفهم للتفسير.
4ـ لقد عمد بعض المفسِّرين إلى تبويب مفاهيم القرآن الكريم. وإن مضمون الأقسام المذكورة من قِبَلهم يُشير بوضوحٍ إلى أنهم يرَوْن أن مهمّة المفسِّر تقتصر على معرفة وفَهْم مراد الله تعالى من الآيات.
5ـ لقد تجلَّى الاهتمام بفَهْم مراد الله سبحانه وتعالى في التفاسير العرفانية، والتفاسير الاجتماعية، والتفاسير الأَثَرية (الروائية)، والتفاسير المادّية، والتفاسير الكلامية، والتفاسير العلميّة أيضاً.
6ـ يذهب المفسِّرون المسلمون إلى الاعتقاد بوجود الارتباط الوثيق بين القرآن الكريم وبين الله سبحانه وتعالى، ويقولون بأن القرآن الكريم هو مخزنُ الودائع الإلهية، وأنه يشتمل على الوعود الإلهية، وأنه يبيِّن مراد الله تعالى.
7ـ إن من خصائص القول بمحورية المؤلِّف من قِبَل المفسِّرين المسلمين اهتمام هؤلاء المفسِّرين بخصائص الله سبحانه وتعالى في تفسير آيات القرآن الكريم.
8ـ لقد عمد المفسِّرون المسلمون إلى التعريف بالمفسِّر بوصفه فاهماً لمراد الله، ولم يرَوْا له أيّ دَوْرٍ في إيجاد المعنى.
9ـ إن من الشواهد الأخرى على ذهاب المفسِّرين المسلمين والمتخصِّصين في علوم القرآن إلى محورية المفسِّر إجماعَهم على القول بأن معاني القرآن الكريم هي من عند الله سبحانه وتعالى. وبذلك فإن معاني آيات القرآن الكريم ليست من صنع المفسِّر، ولا يمكن الوصول إلى تلك المعاني من خلال الاستناد إلى مجرَّد العناصر الداخلية للنصّ فقط، بل إن النصّ هو مجرّد واسطةٍ للتعبير عن نيّة ومراد المؤلِّف. ومن هنا يجب على المفسِّر أن يبحث حَتْماً عن اكتشاف مراد الله سبحانه وتعالى من الآيات، ولو توفَّرَتْ القرائن التي تثبت عدم تطابق مراد المؤلِّف مع ظاهر الآية يجب رفع اليد عن ظهورها.
10ـ يذهب المفسِّرون المسلمون إلى اعتبار علم أصول الفقه أحد العلوم الضرورية في التفسير. وإن أبحاثاً مختلفة من هذا العلم تشير إلى القبول بمحورية المؤلِّف عند علماء الأصول، ومن بين تلك الأبحاث: بحث تقسيم المدلول إلى: المدلول التصديقي؛ والمدلول التصوُّري، والبحث عن حجِّية الظواهر. وإن الاهتمام بالمدلول التصديقي والتأكيد على تشخيص المراد الجِدّي، وكذلك اعتبار الظواهر للوصول إلى مراد المؤلِّف، يدلّ بوضوحٍ على افتراض محورية المؤلِّف أمراً مفروغاً منه.
11ـ إن مقتضى الأدلّة التي أقامها المتكلِّمون والحكماء المسلمون على إثبات ضرورة الوَحْي هو القول بمحورية المؤلِّف في تفسير القرآن الكريم؛ إذ إن جميع هذه الأدلّة تقوم على حاجة الإنسان إلى المعارف الوَحْيانية.
الهوامش
(*) أستاذٌ مساعدٌ، وعضو الهيئة العلميّة في قسم التفسير وعلوم القرآن في مؤسَّسة الإمام الخمينيّ للتعليم والأبحاث، قم ـ إيران.
([1]) في ما يتعلق بالهرمنيوطيقا التقليدية والآراء التفسيرية للأشخاص المدرجين ضمن الهرمنيوطيقيين التقليديين انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بِنْية وتأويل النصّ): 523، و537، و589، نشر مركز، ط4، 1378هـ.ش؛ پول ريكور، «رسالت هرمنوتيك» (رسالة الهرمنيوطيقا)، المطبوع ضمن كتاب (حلقه انتقادي): 24؛ أحمد واعظي، درآمدي بر هرمنوتيك (مدخل إلى الهرمنيوطيقا): 27، و34، و110، و537، نشر دانش وأنديشه معاصر، ط1، طهران، 1380هـ.ش.
([2]) انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ): 591 ـ 594.
([3]) انظر: رامان سلدن وبيتر ويدسون، راهنماي نظريه أدبي معاصر (مرشد النظرية الأدبية المعاصرة): 135، ترجمه إلى اللغة الفارسية: عباس مخبر، انتشارات طرح نو، ط2، طهران، 1377هـ.ش.
([4]) في ما يتعلَّق بالبنيوية انظر: بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ): 180 فما بعد؛ رامان سلدن وبيتر ويدسون، راهنماي نظريه أدبي معاصر (مرشد النظرية الأدبية المعاصرة): 134 ـ 152.
([5]) في ما يتعلَّق بالتفكيكية انظر: محمد ضميران، جاك دريدا ومتافيزيك حضور (جاك دريدا ومتافيزيقيا الحضور)، انتشارات هرمس، ط1، طهران،1379هـ.ش؛ غراهام آلان، رولان بارت، ترجمه إلى اللغة الفارسية: پيام يزدانجو، نشر مركز، طهران، 1385هـ.ش؛ نصر الله إمامي، ساخت شكني در فرايند تحليل أدبي (التفكيكية في مسار التحليل الأدبي): 11 ـ 12، نشر رسش، الأهواز ـ إيران، 1382هـ.ش؛ بابك أحمدي، ساختار وتأويل متن (بنية وتأويل النصّ): 379 فما بعد؛ رامان سلدن وبيتر ويدسون، راهنماي نظريه أدبي معاصر (مرشد النظرية الأدبية المعاصرة): 182 فما بعد.
([6]) انظر: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 285، دار المعرفة، ط2، بيروت، 1415هـ؛ جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 4: 193، منشورات الشريف الرضي، ط2، قم، 1363هـ.ش.
([7]) انظر: محمد بن سليمان الكافيجي، التيسير في قواعد علم التفسير: 124، دراسة وتحقيق: ناصر بن محمد المطرودي، دار القلم ـ دمشق ودار الرفاعي ـ الرياض ، ط2، 1410هـ.
([8]) انظر: فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين 3: 401، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، ط2، طهران، 1408هـ.
([9]) انظر: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 397، مؤسسة الأعلمي، ط3، بيروت، 1394هـ.
([10]) انظر: السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 4، منشورات جماعة المدرِّسين، ط5، قم، 1417هـ.
([11]) انظر: السيد محمود الآلوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم 1: 4، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415هـ.
([12]) انظر: السيد عبد الحسين الطيّب، أطيب البيان في تفسير القرآن 1: 20، انتشارات إسلام، ط2، طهران، 1378هـ.ش.
([13]) انظر: العلاّمة حسن المصطفوي، تفسير روشن (التفسير الواضح) 1: 11، مركز نشر كتاب، ط1، طهران، 1380هـ.ش. (مصدر فارسي).
([14]) انظر: مصطفى الخميني، تفسير القرآن الكريم 1: 4، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط1، طهران، 1418هـ.
([15]) محمد بن سليمان الكافيجي، التيسير في قواعد علم التفسير: 124.
([16]) السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 4.
([17]) إن المصاديق التي يذكرها الشيخ الطوسي لهذا القسم هي الآيات الخاصة بقيام الساعة ويوم القيامة، التي خصّ الله العلم بوقتها بنفسه. ومنها: قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاّ هُوَ﴾ (الأعراف: 186). بَيْدَ أن الإشكال الذي يَرِدُ عليه في هذا الشأن هو أننا لا نواجه مشكلةً في فهم ما ذكره الله في هذه الآيات، نعم إن ما ذكره الله فيها هو أنكم لا تعلمون بزمان حدوث يوم القيامة، وإن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يعلم بوقت القيامة.
([18]) يبدو أن مراده من «الظاهر» هو المفاد الاستعمالي، وإن مراده من «المعنى» هو المراد الجِدّي، وهذا الأمر يثبت أن الشيخ الطوسي كان ملتفتاً إلى مرحلة فهم المفاد الاستعمالي للكلام ومرحلة كشف المراد الجِدّي في التفسير أيضاً.
([19]) إن المقصود من «المراد» في هذا القسم هو المراد الجِدّي أيضاً.
([20]) أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 1: 79، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1413هـ ـ 2010م.
([21]) انظر: أبو الفتوح الرازي، روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن 1: 3 ـ 4، تحقيق: محمد جعفر ياحقي ومحمد مهدي ناصح، بنياد پژوهش هاي إسلامي آستان قدس رضوي، مشهد، 1408هـ.
([22]) انظر: محمد بن يوسف أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط في التفسير 1: 13، تحقيق: صدقي محمد جميل، دار الفكر، بيروت، 1412هـ ـ 1992م.
([23]) انظر: أحمد بن محمد ابن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد 1: 50، تحقيق: أحمد عبد الله قرشي رسلان، الناشر: د. حسن عباس زكي، القاهرة، 1419هـ. كما نقل ابن عجيبة كلاماً عن شخص اسمه الشيخ زروق، فرَّق بوضوحٍ بين التفسير الصوفي والتفسير الباطني، وعدّ الباطنية خارجين عن شريعة الإسلام. يقول الشيخ زروق: «نظر الصوفي أخصّ من نظر المفسِّر وصاحب فقه الحديث؛ لأن كلاًّ منهما يعتبر الحكم والمعنى ليس إلاّ، وهو يزيد بطلب الإشارة بعد إثبات ما أثبتاه، وإلاّ فهو باطنيّ خارجٌ عن الشريعة، فضلاً عن المتصوِّفة. والله أعلم». (المصدر نفسه).
([24]) انظر: أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط في التفسير 1: 13.
([25]) لقد ذهب الشيخ محمد هادي معرفة، في كتاب (التفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب)، في ذيل عنوان «أهمّ تفاسير الصوفية وأهل العرفان»، إلى اعتبار تفسير التستري، وحقائق التفسير للسلمي، ولطائف الإشارات للقشيري، وكشف الأسرار للميبدي، وتفسير الخواجة عبد الله الأنصاري، وتفسير ابن عربي، وعرائس البيان في حقائق القرآن لروزبهان الشيرازي، من التفاسيرالعرفانية. وقد عمد سماحته في كتابه (تفسير ومفسِّران) ـ مع ما تقدَّم ذكره في كتاب (التفسير والمفسِّرون في ثوبه القشيب) ـ إلى إضافة تفسير المواهب العليّة للكاشفي، وتفسير صدر المتألِّهين، والتأويلات النجمية، إلى قائمة التفاسير العرفانية أيضاً. (انظر: الشيخ محمد هادي معرفة، تفسير ومفسِّران (التفسير والمفسِّرون) 2: 382 فما بعد، مؤسسة فرهنگي التمهيد، ط1، 1379هـ.ش).
([26]) يتَّضح من مدحه وثنائه على الصوفية في مقدّمة تفسيره أن التفسير المذكور تفسيرٌ عرفاني وصوفي.
([27]) انظر: عبد القادر بن الملا حويش آل غازي، بيان المعاني 1: 10، مطبعة الترقّي، ط1، دمشق، 1382هـ.
([28]) انظر: أبو محمد سهل بن عبد الله التستري، تفسير التستري: 19، دار الكتب العلمية، بيروت، 1423هـ.
([29]) المصدر السابق: 29. بَيْدَ أن نفي إرادة النهي عن الأكل من الشجرة المحرَّمة ـ وهو الذي يُفْهَم من ظاهر الآية ـ غير صحيحٍ، وإن النهي عن الاهتمام بغير الله على فرض إرادته يُعَدّ من المعاني الباطنية للآية، والذي يجب تعلُّمه من الراسخين في العلم والمحيطين بجميع معاني القرآن ـ الأعمّ من الظاهر والباطن ـ، وهم الأئمّة المعصومون^. والذي يعنينا في هذا الكلام هو تأكيد التستري على استخراج وبيان مراد الله سبحانه وتعالى من الآية.
([30]) انظر: المصدر السابق: 30.
([31]) انظر: السيد حيدر الآملي، المحيط الأعظم والبحر الخضم 1: 288، تحقيق: السيد محسن الموسوي التبريزي، وزارت الثقافة والإرشاد الإسلامي، ط3، طهران، 1422هـ.
([32]) انظر: محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسِّرون 2: 381، دار الأرقم، بيروت.
([33]) انظر: محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم الشهير بـ (تفسير المنار) 1: 24 ـ 25، دار الفكر، ط2، بيروت.
([34]) انظر: أبو الحسن بن محمد بن طاهر العاملي، مرآة الأنوار ومشكاة الأبرار (مقدّمة تفسير البرهان): 15، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1419هـ.
([35]) انظر: المولى محسن الفيض الكاشاني، تفسير الصافي 1: 75 فما بعد، مكتبة الصدر، ط2، طهران، 1374هـ.
([37]) أبو عبد الله محمد بن عمر الفخر الرازي، مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) 1: 95، دار إحياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1420هـ.
([40]) في ما يتعلَّق بتعريف التفسير العلمي انظر: أمين الخولي، مناهج التجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب: 217، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1995م.
([41]) الطنطاوي، الجواهر في تفسير القرآن الكريم 1: 11، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1425هـ.
([43]) لقد آمن السير السيد أحمد خان الهندي بـ «أصول نظريات العلوم الجديدة، ودرس جميع العلوم الطبيعية وقوانيها، وعمد إلى تأويل كلّ عقيدة أو آية من القرآن إذا لم تنسجم معها. وقد بالغ في ذلك إلى الحدّ الذي اعتبر معه جميع الآيات وكأنّها نازلةٌ بشأن العلوم الطبيعية. وقد عمد إلى تحريف آيات القرآن، وعُدّ ذلك منه خطراً كبيراً على الأصول الإسلامية» (انظر: السيد أبو الحسن الندوي، أرزيابي تمدُّن غرب (نقد الحضارة الغربية): 130، ترجمه واقتبس منه إلى اللغة الفارسية: السيد محمد ثقفي وعلي أكبر مهدي پور). وانظر أيضاً: آ. مراد وحامد إلغار ون. بيرك وعزيز أحمد، نهضت بيدارگري در جهان إسلام (حركة اليقظة في عالم الإسلام): 210 ـ 234، ترجمه إلى اللغة الفارسية: محمد مهدي جعفري. وقد أنكر السيد جمال الدين الأفكار المنحرفة التي صدرت عن السير أحمد خان بشدّةٍ. وقد عمد إلى تأليف الرسالة النيجرية في الردّ على الآراء المادّية للسير السيد أحمد خان. وقد اعتبره السيد جمال الدين شخصاً ملحداً، واعتبر منهجه في التفسير من المصاديق الواضحة لمنهج التفسير بالرأي. (انظر: السيد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، العروة الوثقى: 413 ـ 416، مقالة «الدهريّون في الهند»).
([44]) إن عبارته بشأن هذه الأصول كما يلي: «لا بُدَّ من العلم بأن تفسير الكلام ـ الأعمّ من أن يكون ذلك الكلام هو كلام الله أو كلام الإنسان ـ يجب أن تتَّضح فيه النكات المندرجة فيه في المقام الأول» (السير السيد أحمد خان الهندي، تفسير القرآن وهو الهدى والفرقان: كه، ترجمه إلى اللغة الفارسية: السيد محمد فخر داعي گيلاني، مطبعة آفتاب، طهران، 1332هـ.ش).
([45]) نحن لا نرى هذا النوع من تفسير التأويل صحيحاً بطبيعة الحال، ولسنا بصدد مناقشته هنا، وإنما غايتنا من ذكر كلامه هي إيضاح ذهابه إلى محورية المؤلِّف.
([46]) انظر: السير السيد أحمد خان الهندي، تفسير القرآن وهو الهدى والفرقان 1: كز، كح.
([47]) انظر: عبد الكريم بن هوازن القشيري، لطائف الإشارات 1: 41، تحقيق: إبراهيم بسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط3، مصر.
([48]) انظر: الحاج السلطان محمد الجناباذي، تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة 1: 17 ـ 18، مؤسسة الأعلمي لمطبوعات، ط2، بيروت، 1408هـ ـ 1998م.
([49]) صدر الدين محمد القونوي، إعجاز البيان في تفسير أم القرآن: 130، تقديم وتحقيق وتصحيح: السيد جلال الدين الآشتياني، منشورات مركز التبليغات الإسلامي، ط1، قم، 1381هـ.ش.
([50]) المصدر السابق: 130 ـ 131.
([51]) رشيد الدين أحمد بن أبي سعيد انظر: الميبدي، كشف الأسرار وعدّة الأبرار 1: 19، تحقيق: علي أصغر حكمت، انتشارات أمير كبير، ط5، طهران، 1371هـ.ش.
([52]) محيي الدين ابن عربي، رحمة من الرحمن 1: 8، جمع وتأليف: محمود محمود الغراب، 1410هـ ـ 1989م. لقد طبعت حتى الآن ثلاثة تفاسير، وهي: (إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن)، و(رحمة من الرحمن)، و(تفسير القرآن الكريم)، بوصفها من مؤلَّفات ابن عربي. أما التفسير الأول فهو لابن عربي قطعاً وبقلمه، وقد تمّ العثور في هذا التفسير إلى تفسير الآية 253 من سورة البقرة، وقد طبع في هوامش تفسير (رحمة من الرحمن). وأما كتاب (رحمة من الرحمن) فهو في الأصل عبارة عن تفاسير متفرِّقة، تمّ استخراجها من كتاب (الفتوحات المكِّية)، وهو من إعداد: محمود محمود الغراب. وأما بالنسبة إلى التفسير الثالث فهناك تشكيكٌ جادّ في انتسابه إلى ابن عربي، وهناك احتمالٌ كبير أن يكون من تأليف عبد الرزّاق الكاشاني. (في ما يتعلق بانتساب المؤلفات التفسيرية إلى محيي الدين ابن عربي انظر: محمد هادي معرفة، تفسير ومفسِّران (التفسير والمفسِّرون) 2: 412 فما بعد).
([53]) انظر: محيي الدين ابن عربي، إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن (على هامش رحمة من الرحمن): 9 ـ 10.
([54]) مصطفى الخميني، تفسير القرآن الكريم 1: 6.
([55]) القونوي، إعجاز البيان في تفسير أم القرآن: 9 ـ 10.
([57]) سيد قطب، في ظلال القرآن 1: 15، دار الشروق، ط9، بيروت، 1400هـ.
([59]) السيد هاشم البحراني، البرهان في تفسير القرآن 1: 6، دار إحياء التراث العربي، ط1، طهران، 1429هـ ـ 2008م.
([62]) أبو الحسن الفتوني النباطي العاملي الإصبهاني الغروي، مقدّمة تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأبرار: 8، تصحيح: محمد بن جعفر الموسوي الزرندي، المطبعة العلمية، قم، 1393هـ.
([63]) انظر: الطنطاوي، الجواهر في تفسير القرآن الكريم 1: 54.
([64]) الفخر الرازي، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) 1: 131، تحقيق وتعليق: عماد زكي البارودي، المكتبة التوفيقية، القاهرة.
([65]) انظر: السير السيد أحمد خان الهندي، تفسير القرآن وهو الهدى والفرقان: يج.
([66]) محمد بن الحسين السُلمي، حقائق التفسير 1: 19، تحقيق: سيد عمران، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1421هـ.
([67]) محيي الدين ابن عربي، تفسير القرآن الكريم (المنسوب إلى ابن عربي) 1: 4 ـ 5، تحقيق: مصطفى غالب، انتشارات ناصر خسرو، ط2، طهران، 1978م.
([68]) أحمد بن محمد ابن عجيبة، البحر المديد في تفسير القرآن المجيد 1: 50.
([69]) محيي الدين ابن عربي، رحمة من الرحمن 1: 12.
([72]) قال محمد رشيد رضا بشأن التفسير المنشود له ولأستاذه [محمد عبده]: «التفسير الذي نطلبه هو فَهْم الكتاب من حيث هو دينٌ يرشد الناس إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة، فإن هذا هو المقصد الأعلى منه، وما وراء هذا من المباحث تابعٌ له، أو وسيلةٌ لتحقيقه». (محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم الشهير بـ (تفسير المنار) 1: 17).
([73]) ليتَّضح بعد ذلك أن المراد من التكلُّم عن الله هو تفسير القرآن، وأن مراده من النظر في العبارات والآيات السابقة واللاحقة هو أخذ سياق الكلام بنظر الاعتبار.
([74]) إسماعيل بن عمرو ابن كثير الدمشقي، تفسير القرآن العظيم 1: 14، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1419هـ.
([76]) انظر: رشيد الدين أحمد بن أبي سعيد الميبدي، كشف الأسرار وعدّة الأبرار 1: 17.
([78]) عبد الرزّاق الكاشاني، تفسير القرآن الكريم 1: 23.
([79]) محمود بن عمر الزمخشري، الكشّاف عن حقائق غوامض التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل 1: 4، منشورات أدب حوزه، قم.
([80]) انظر: المصدر السابق 1: 389.
([81]) الشيخ حليم بن تقي الدين ابن تيمية، التفسير الكبير 2: 106، تحقيق وتعليق: الدكتور عبد الرحمن عميرة، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.
([84]) انظر: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن 1: 321، النوع 12 (في كيفيّة إنزاله)، دار المعرفة، ط2، بيروت، 1415هـ. وقد نقل الأقوال الثلاثة عن السمرقندي، ولم يذكر اسم مَنْ قال بالاعتقاد بأن الألفاظ من عند رسول الله، أو من عند جبرائيل. انظر أيضاً: جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 1: 146، النوع 16 (في كيفية إنزاله)، منشورات الشريف الرضي، ط2، قم، 1363هـ.ش.
([85]) في ما يتعلَّق بالجذور التاريخية لعلم الأصول انظر: السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول (الحلقة الأولى): 49 ـ 52؛ السيد محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول: 46 فما بعد، دار التعارف، ط3، بيروت، 1401هـ.
([86]) انظر: الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2: 132؛ السيوطي، الإتقان في علوم القرآن 4: 215؛ أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الإصفهاني، مقدّمة جامع التفاسير: 95، تحقيق: أحمد حسن فرحات، دار الدعوة، ط1، الكويت، 1405هـ؛ محمد بن أحمد ابن جُزي الكلبي الغرناطي، التسهيل لعلوم التنـزيل 1: 6.
([87]) إن المراد من الهيئة الأفرادية هو هيئة آحاد المفردات، من قبيل: كلمة «جاعل»، فهي بالإضافة إلى المادة المؤلّفة من «ج ع ل»، ذات هيئة من اسم الفاعل. والمراد من الهيئة التركيبية بدَوْرها هي الهيئة التي تحصل من تركيب المفردات والكلمات، ومن ذلك ـ على سبيل المثال ـ أن هيئة المبتدأ والخبر الحاصلة من تركيب كلمة «الله» و«حيّ» في جملة «الله حيّ» هيئة تركيبية.
([88]) في ما يتعلَّق بالدلالة التصوُّرية ومنشأ هذه الدلالة انظر: السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول (الحلقة الأولى): 103 ـ 108، مجمع الشهيد الصدر العلمي، ط2، 1408هـ؛ الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الأصول (تقريرات أبحاث درس الميرزا الغروي النائيني) 3: 141، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1406هـ.
([89]) في ما يتعلَّق بالدلالة التصديقية ومنشأ هذه الدلالة انظر: السيد محمد باقر الصدر، دروس في علم الأصول (الحلقة الأولى): 103 ـ 108؛ السيد محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول: 123 ـ 126؛ محمد كاظم الآخوند الخراساني، كفاية الأصول: 16 ـ 17، مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط2، بيروت، 1412هـ ـ 1991م؛ الآغا ضياء العراقي، نهاية الأفكار 1: 523، 583.
([90]) الآخوند الخراساني، كفاية الأصول: 281.
([93]) يبدو من الأخباريين أنهم كانوا بصدد إثبات عدم الاعتبار الشرعيّ لفهم غير المعصوم. بَيْدَ أن مقتضى بعض أدلّتهم عدم إمكان فهم القرآن بالنسبة إلى غير المعصوم. انظر: علي أكبر بابائي وآخرون، روش شناسي تفسير قرآن (معرفة منهج تفسير القرآن): 42، تحت إشراف: محمود رجبي، نشر سمت، ط1، طهران، 1379هـ.ش؛ محمود رجبي، روش تفسر قرآن (منهج تفسير تفسير القرآن): 29، پژوهشگاه حوزه ودانشگاه، ط1، قم، 1383هـ.ش.
([94]) محمد أمين الإسترآبادي، الفوائد المدنية: 128، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1424هـ.
([95]) انظر: الحسن بن يوسف العلاّمة الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تصحيح وتقديم وتعليق: حسن حسن زاده الآملي: 346 ـ 348، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط2، قم.
([97]) انظر: جعفر السبحاني، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل 3: 21 ـ 58، بقلم: حسن محمد مكي العاملي، مؤسّسة الإمام الصادق×، ط6، قم، 1426هـ.
([98]) انظر: السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 10: 260 ـ 262.
([99]) إن بعض هذه الآيات عبارة عن: البقرة: 26؛ المائدة: 16؛ الزمر: 23.