أحدث المقالات

ظل مثلث النقص هذا يلاحق النساء منذ الاساطير الاولى، مرورا بالروايات التوراتية وحتى التراث الاسلامي. فبقيت هذه الاحكام تطبع الصورة العامة حول المرأة وتساهم في تحديد حقوقها، قابلياتها، فرصها، … . فإذا تتبعنا جذور كثير من التقنينات في حق المرأة نجد انّها متأثرة بهذه الاحكام العامة، ومنطلقة منها. فمثلا ما زال يحتج البعض على عدم صلاحية المرأة لتصدي أمر القضاء بنقصان عقلها او بعبارة اخرى (اكثر استعمالاً اليوم) غلبة عاطفتها.

من بين النصوص الكثيرة التي تناقلت هذا المفهوم، اخترنا الصيغة التي وردت في كتاب نهج البلاغة عن الامام علي. لأنه يعتبر احد النصوص المرجعية عند المسلمين. واحدى مزايا هذا النص، انه لم يطلق الاحكام جزافاً بل علل لها وذكر سبب اطلاق هذه الاحكام على المرأة.
أَورد جامع نهج البلاغة السيد المرتضى تحت عنوان الخطبة الثمانين ما نصه:
(( ومن خطبة له (ع) بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء ببيان نقصهن:
مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الْإِيمَانِ نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ نَوَاقِصُ الْعُقُولِ فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ وَأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ وَلَا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ. ))
وفيما يلي ندرس الاحكام التي اصدرها هذا النص عن المرأة على ضوء العلل التي افادها.
 
الحكم الاول: نقصان الايمان
السبب: القعود عن الصلاة والصيام أيّام الحيض
المناقشة: كما يعلم الجميع في الفقه السائد تعتبر البنت منذ اتمام التاسعة (حسب التقويم القمري)، بالغة مكلفة بتنفيذ التكاليف الشرعية، والولد بعد اتمام الخامسة عشر. (بغض النظر عن الآراء الخاصّة في هذا الخصوص او من يبلغ حسب العلامات المذكورة في الفقه قبل هذا السن).
اما التكاليف المذكورة في النص:
1ـ الصيام: تبدأ البنت الصيام منذ بلوغها، وتفطر ايام الحيض ولكن عليها قضاء ما فطرته قبل شهر رمضان القادم. فبالنتيجة هي تصوم في السنة شهر كامل حالها حال اخيها، مع فارقين انها توزع عدة ايام من رمضان على سائر الاشهر وهذا ما يضمن لها حفظ تواصلها مع السماء، ولم تحصل لها قطيعة احدى عشر شهراً، ثم هي تبدأ الصيام قبل اخيها بستة سنوات اي في المجموع تصوم المرأة ستة اشهر اكثر من الرجل ولا تتساوى معه.
2ـ الصلاة: الانثى تقعد عن الصلاة ايام عدتها ولا تقضي ما فاتها.
ولكن لو ضربنا عدد السنوات التي ترى المرأة فيها الحيض ـ وهي عادة بين سن الاثنى عشر والخمسين، اي ثمانية وثلاثين عاما ـ في عدد شهور السنة، ثم ضربناها في عدد ايام الحيض بمعدل متوسطه خمسة ايام سوف يصبح عدد الايام التي تقعد فيها عن الصلاة 2280 يوماً. ولا ننسى انها بدأت الصلاة قبل اخيها بستة اعوام، فإذا طرحنا من مجموع ايام ستة سنوات قمرية (2130يوماً)، الايام التي لم تصلِّ فيها ينتج العدد 1770 يوماً وهو عدد الايام التي صلتها قبل اخيها، ففي المجموع تكون صلّت اقل من الرجل بـ 360 يوماً، ثم اذا اعتبرنا المرأة في المجتمعات البدائية كانت تنجب بمعدل ثمانية أطفال في عمرها، وكما نعلم المرأة تؤدي صلاتها طيلة فترة الحمل، فعن كل حمل يجب ان نظيف لها عدد خمسة واربعين يوماً (بناءً على المعدل الذي افترضناه لكل شهر)، فيصبح المجموع 360 يوماً. بمعنى انها تتساوى في ايام الصلاة طوال حياتها مع الرجل بصورة كاملة، ولكنها صامت اكثر منه بـ 180 يوماً.
لكن بعد كل هذه المحاسبات الرياضية، هل يحق اعتبار كمية الصلاة والصيام والعبادة بصورة عامة، معيار التفاضل والتقرب من الله سبحانه وتعالى؟! ألم يروِ لنا القرآن بأن العبادة لم تنفع الشيطان شيئاً؟ وهو ابى ان يسجد للمخلوق لا للخالق. فقد بين لنا القرآن مراراً أن المعيار هو طاعة الخالق وامتثال امره، لا العبادة. فمن يأمره الباري بالسجود لبشر عليه ذلك ومن يأمره بعدم السجود عليه الامتثال ايضاً. ألم يقل الفقهاء بأن الصيام اذا كان مضراً بحال الصائم، فهو حرام ويؤثم الصائم عليه؟ فالصلاة والصيام في حدّ ذاتهما لم يقربا من الباري تعالى وحسب، بل قد يبعدان عنه اذا لم يكونا محل امره، او لو كانا للرياء مثلاً. وكذلك الحال بالنسبة للمرأة هنا، فهي اذا لم تصل او تصم حسب الفرض هو امتثال لأمر الباري، ولو كانت تصلي تستحق العقاب على صلاتها لا الثواب.
إذن السبب المذكور لا علاقة له بالمدعى لا من قريب ولا من بعيد. بل على العكس تماماَ، يخالف المباني الدينية القطعية.
 
الحكم الثاني: نقصان العقل
السبب: شهادة امرأتين كشهادة رجل واحد
المناقشة: جميعنا نعلم بأن هذه القاعدة ليست عامة، إذ أنّ في الفقه أموراً لا يؤخذ فيها الّا برأي المرأة دون الرجال، وان كانت محدودة جداً، وهي ما تسمى في الفقه (كل ما لا يجوز للرجال النظر اليه). ففي هذه الموارد تنفرد المرأة في حق الشهادة.
ثم ما علاقة الشهادة بالعقل؟ هل الشهادة تبتني على تحليل وتفسير حتى تكون للمقدرة العقلية دخلا فيها؟ ألا يجب ان تكون الشهادة حسّية ومبتنية على الحس؟ فعلى حدّ تعبير الفقهاء لو قال الشاهد: أعلم، او أتيقن، او أعرف لم يعتد بقوله. فالشهادة التي لم تبتن على الحس او ما يقرب منه كالتواتر لا قيمة لها قضائياً.
اذاً الشاهد الذي ذكر على نقصان عقلها اجنبي عن الموضوع، ولا علاقة له بالعقل.
 
الحكم الثالث: نقصان الحظ
السبب: مواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال
المناقشة: ميراث المرأة ليس نصف ميراث الرجل. لأن المرأة اذا تقدمت على الرجل في طبقة الورثة سوف تحرمه من الارث نهائياً. فمثلاً بنت واحدة للميت تستطيع ان تحرم جميع اعمامها من الارث. او حتى لو تساووا في الطبقة لكن كانت المرأة مسلمة والرجل كافر او مرتد، او اذا كانت المرأة حرة والرجل مملوك. والحقيقة ان تفصيلات الارث كثيرة جداً وإن كان في الغالب يأخذ الذكر ضعف ما تأخذ الانثى او على الاقل اكثر منها. لكن الحكم الفقهي ليس بهذا الاطلاق. وعلى الرغم من هذا اعتدنا ان نسمع استدلال المؤيدين للتمييز بين الجنسين في الارث، ان الانثى في الحقيقة تأخذ اكثر من الذكر، اي الانثى تأخذ الى جانب الارث المهر والنفقة. فهي تأخذ نصف الذكر من الارث وتحتفض به لنفسها، بينما ينفق الذكر ما يأخذ عليهما معاً، فهي تأخذ نصف ما اخذه هو وفي النتيجة سوف تكون حصتها ضعف الذكر. بغض النظر عن هذا الاستدلال، لكن إن قبلناه سوف يكون الرجل هو ناقص الحظ والمرأة كاملة الحظ.
لكن بعد كل هذا، هل يحق لنا ان نتسائل ما معنى الحظ في اللغة العربية؟
يعرف الصحاح في اللغة للجوهري الحَظُّ كما يلي: النصيبُ والجَدُّ، وجمع القلّة أَحُظٌّ، والكثير حُظوظٌ وأَحاظٍ على غير قياس، كأنَّه جمع أَحْظٍ. ويقول تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي،الحَظُّ : النَّصِيبُ والجَدُّ كما في الصّحاح . وزاد في النّهايَة : والبَخْتُ أَو خاصٌّ بالنَّصِيبِ من الخَيْرِ والفَضْلِ كما نَقَلَهُ اللَّيْثُ . يُقَالُ : فُلانٌ ذُو حَظٍّ وقِسْمٍ مِنَ الفَضْلِ قال : ولَمْ أَسْمَعْ مِن الحَظِّ فِعْلاً . وقالَ الأَزْهَرِيُّ : للْحَظِّ فِعْلٌ عن العَرَبِ وإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ اللَّيْثُ ولَمْ يَسْمَعْهُ . ج في القِلَّةِ أَحُظٌّ كأَشُدٍّ وأَحاظٍ على غَيْرِ قِيَاسٍ كَأَنَّهُ جَمْعُ أَحْظٍ نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ أَي في الكَثِير.ِ
فإذا كان هذا معنى الحظ فمعياره في الاسلام ليس سقف الممتلكات التي يحصل عليها الشخص عن طريق الارث، ولو كان كذلك لكانت المرأة التي تحصل على مقدار اكثر من الارث مقارنة برجل آخر لا يحصل على ارث او اقل منها، اكثر حظّا. بل يصبح معيار التفاضل بصورة عامّة، سقف  الممتلكات. فكل من هو اغنى هو اوفر حظّاً. بينما النصوص الدينية تنص على خلاف ذلك: ((إِنَّ أَكْرَمَكمُ‏ْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ))، (الحجرات: 13)  لا اغناكم.
 
ثم بعد اصدار هذه الاحكام التي جاءت بمثابة توصيف الواقع، يطلق النص بعض الوصايا. وهي كما يلي:
 
الوصية الاولى: اتّقوا شرار النساء
المناقشة: كلام صحيح، لكن هل الحذر متوقف على شرار النساء دون الرجال. وليس على الانسان اتقاء شرار الرجال؟ فالأمر غير متوقف على شرار النساء.
 
الوصية الثانية: كونوا من خيارهن على حذر
المناقشة: ما علاقة كون المرأة تحيض وتسقط عنها العبادة في تلك الايام، او شهادتها نصف شهادة الرجل، او تأخذ من الارث نصف الذكر، بأن نكون من خيارهنّ على حذر؟! وكأنّ المرأة تحمل من الشرور ما لاينفع معه كونها خيّرة. ام الخير ايضاً يختلف بين الذكر والانثى. فخيرها غير خير اخيها، لذا حتى لو كانت خيّرة ايضاً يجب ان نتوجس منها خيفة.
 
الوصية الثالثة: لا تطيعوهن بالمعروف
المناقشة: من غير الواضح كيف يحق لأحد ان يوصي الناس بعدم الاطاعة في المعروف، ما دام معروفاً، وألا يعتبر هذا الكلام في حدّ  ذاته (نهي عن المعروف، وامر بالمنكر). ولماذا اذا اطعناهنّ بالمعروف سوف يطمعن في المنكر؟ إلّا أن يكنّ مجبولات على خبث السريرة. فأين ((فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتىِ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهْا))، (الروم:30) وما هو دورها؟
 
فبغض النظر عن سند هذه الرواية، من خلال التمعن في متنها تبيّن انّ قائلها ليس لديه ادنى تصوّر عن مسلّمات فكر المسلمين، وكيف يمكن ان تكون له معرفة بفكر المسلمين وهي جاءت بصيغ مختلفة قبل الاسلام وفي الحضارات المختلفة. لا نريد فتح باب الكلام عن الجعل والتحريف ودور المخيال الجماعي للرواة في صناعة الروايات. ولكن ما نريد التأكيد عليه هو كيف يمكن ان ينطق الامام علي (ع) بهذه الكلمات وهو باب العلم كما نصّ عليه الصادق الامين. ولا اتصور يوجد اي مبرر للإستناد بأشباه هذه النصوص بذريعة كونها صادرة عن أئمة المسلمين، بينما هي تخالف الثوابت التي بذلوا الغالي والنفيس لترويجها.
 
 
 
Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً