أحدث المقالات

الشيخ عبد المنعم العبد الله(*)

الخلاصة

قضية تجديد الخطاب الديني من المسائل التي شغلَتْ العلماء، قديماً وحديثاً، وقد أصبحت في القرن العشرين مثار اهتمام الرأي العام في العوالم العربي والإسلامي والغربي. والاهتمام بالموضوع لما له علاقة بنهضة الأمة الإسلامية في مختلف المجالات من جهةٍ؛ وتصحيح مسارها تاريخياً ومستقبلياً من جهةٍ أخرى. فالتجديد الديني ليس أمراً تَرَفياً، ولا مرتبة يسعى إليها مَنْ حَلِم بلذّة المخاطبة بمجدِّد زمانه، وإنما هو تكليفٌ كفائي في منتهى الخطورة، يقع على عاتق العلماء والنُّخَب المختصين؛ فالسعي لتحقيقه ضرورةٌ مهما كانت التحدّيات والتضحيات، فإن عظمة هذا التكليف تهون فيه الأموال والأنفس والثمرات، والبشرى من الله للصابرين في البأساء والضرّاء، بأن لهم فوزاً عظيماً، ونصراً عزيزاً، وعلى الله فليتوكَّل المؤمنون.

التجديد لغةً هو المقطوع، ويعني الجديد، سواء شابه حالةً سابقة أم لا. وقد تطرَّق إليه القرآن الكريم، بشكلٍ مباشر وغير مباشر. وهو على معنيين:

1ـ إعادة الشيء إلى ما كان عليه سابقاً، كقوله تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (ق: 15) ، فالمعنى «إنّا كما لم نعْيَ بالخلق الأول لا نعيى بإعادة خلقه من جديد».

2 ـ تبديل ما كان بخيرٍ منه أو مثله، بما يناسب الحال والزمان، يقول تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 106). ولذا أقرّ أئمّتنا^ وعلماؤنا بوقوع النسخ في الشرائع والقرآن، فقد ذكر «الخوئي» إمكان وقوعه ضرورة دخول خصوصيات الزمان في مناطات الأحكام؛ باعتباره منوطاً بمصلحة محدّدة بانتهاء تلك المدة.

 والإشكالية لا تكمن بتبديل الخطاب الإسلامي من جديدٍ، جزئياً أو كلياً فحَسْب، بقدر ما هو مرتبطٌ بمَنْ له صلاحية ذلك التجديد، غير المشرِّع سبحانه. فهل لدينا دليلٌ محرز على وجوب تجديده أو النَّدْب إليه بحجّةٍ قطعية؟ ثمّ ما هي أسسه؟ وهل ما ذكَرَتْه الروايات ـ على اختلاف منطوقها ـ يولّد المعذِّريّة عند المساءلة يوم المحشر؟ فقد روى ابن أبي داوود وغيره عن النبيّ| أنه قال: «إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كلّ مئة عامٍ مَنْ يجدِّد لها دينها». فلو اعتبرنا جَدَلاً أن لهذه الرواية مؤيدات يمكن أن تشكّل بمجموعها معذرةً إلى ربِّنا، فهل الأمّة عملَتْ بهذه الرواية، بحيث يمكن القول بضرسٍ قاطع: إن الإسلام تجدَّد في كلّ مئة سنةٍ حَسْب منطوق النبويّة؟ وهل ما ذكره العلماء من تصنيفٍ لأسماء المجدِّدين عبر القرون يشكِّل براءة الذّمة أم أنه تخرُّصٌ واستحسانٌ؛ لأنه لم يتأسَّس على ضوابط واضحة للتمييز بين المجتهد والمجدِّد، فقد يكون من مصاديق قوله تعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (يونس: 36)؟ بل يمكن القول: إن المجتهدين في الدّين عبر التاريخ لم يكونوا على رأس كلّ مئة سنة، بل كانوا بالمئات في مختلف الأزمنة والأمكنة، ولا مائز بينهم وبين مَن ادُّعي أنه من المجدِّدين إلاّ بعضاً من مناقب علمية وإصلاحاتٍ جزئية، ظلّت في إطارٍ دون الإصلاح البنيوي المطلوب، وهي ما حذَّرت منه الروايات؛ لما سيعتري الأمّة من اتباع منهج حبّ الدنيا، على خطى انحراف أهل الكتاب؛ فقد روى السيوطي أن النبي| قال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ؟». ويؤيِّده ما رُوي عن الإمام الصادق× في تفسير قوله سبحانه: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ﴾ (التوبة: 31)، قال: «والله ما صاموا لهم، ولا صلّوا إليهم، ولكنّهم أحلّوا لهم حراماً فاستحلّوه، وحرّموا عليهم حلالاً فحرَّموه».

والمتأمِّل في تاريخ الأمم والمسلمين، وما يجري اليوم في العالم، حيث تسبح في تناقضاتها المتزايدة طرداً مع تقدّم الزمن، لتشرِّع قتلَ وسبيَ بعضها بعضاً، لهو انحرافٌ بنيوي واضح عن فهم دين الله وتعاليمه القيِّمة. وإنّ تقاعس العلماء عن تصحيح مسارها وانحرافها نحو ذلّها وهوانها يشكِّل آيةَ نذيرٍ من الشارع المقدَّس.

ولعلّ المصداق الأتمّ والمقطوع به لتحقيق التجديد البنيوي المطلوب هو الإمام المنتظر#، الذي أخبرت عن خروجه في آخر الزمان رواياتٌ متواترة، حيث يملأ الأرض قسطاً وعدلاً على وفق دينٍ جديد، كما ورد في المأثور. ويؤيّدها في الجملة ما رواه أحمد بن حنبل، عن النبيّ|: «إن الله يمنّ على أهل دينه في رأس كلّ مائة سنةٍ برجلٍ من أهل بيتي يبيِّن لهم أمر دينهم».

فلا بُدَّ من استنهاض الأمّة الإسلامية من بين عبثية الشرق والغرب من جهةٍ، وجهل الفكر التقليدي الكلاسيكي المَحْض من جهةٍ أخرى، فالتجديد الإسلامي منوطٌ بمؤسّسةٍ تخصُّصية تجدِّده من جميع جوانبه: السياسية والعبادية والاجتماعية والاقتصادية، وفق ضوابط علمية ومنهجية، على أربعة أسس: معرفة مكوّن النصّ، ومعرفة لغة النصّ، ومعرفة مفسّر النصّ، ومعرفة الواقع الموضوعي للنصّ.

مقدّمةٌ

لم يكن مصطلحُ «التجديد» في حقبة السَّلَف مثارَ جدلٍ يؤدّي إلى الانقسامٍ في تفسيره؛ ليتفاقم إلى تيّاراتٍ فكرية كبرى، مما يعني أنه كان يأخذ حيِّزاً فرعياً هامشياً نسبةً إلى قضايا الأمّة الأخرى، فلم يكن قطّ على النحو الذي نشهده اليوم أساساً؛ لتشكل تيارات ومذاهب فكرية جديدة، تعمل بشكلٍ متسارع في تأسيس منهجٍ إسلامي جديد مبنيٍّ على أسسٍ أقرب إلى الفَهْم الذوقي الخاصّ منه إلى منظومة قِيَمه الإلهية، فيكون كمَنْ أراد أن يتَّقي من الرمضاء بالنار.

ولكي نخطو خطوةً إلى الأمام ينبغي تفحُّص طائفةٍ من الأسئلة تُثار في هذا الصدد، ومنها:

هل كل رأيٍ جديد في الإسلام هو تجديدٌ له؟

ما هي الحدود الفاصلة بين الجديد المقبول والجديد المرفوض؟

ما هي علاقة تجديد الخطاب الإسلامي بالتطوُّر الحضاري المعاصر؟

هل مفهوم التجديد والتبديل والتطوير بمعنىً واحد أم بينها فوارق؟

وفي ضوء مواجهة الإسلام للحضارة الغربية المعاصرة، كيف تتمّ الملاءمة بين الفكر الإسلامي المنطلق من الرؤية القرآنية وبين ما يروّج له الغرب وأتباعه من التحلُّل من الثوابت القرآنية والأسس الأخلاقية المقدّسة؟

ولا شَكَّ أن تجديد الخطاب الإسلامي مصطلحٌ نشأ من مرويّات مدرسة العامة، انطلاقاً من قول الرسول|: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كلّ مائة سنةٍ من يجدِّد لها دينها»، وقد عزَّزته عدّة روايات معتمدة عند الفريقين ـ على اختلاف    ألفاظها ـ، تخبر عن وقوع المسلمين في الانحراف، كما انحرف أهل الكتاب، فعن النبي|: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَال: «فَمَنْ؟». وقد علق السيوطي على الحديث بقوله: من غير الكفر»([1]). ويؤيِّد ما ذهب إليه السيوطي ما روي عن الإمام الصادق×، في تفسير قوله سبحانه: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ﴾ (التوبة: 31)، قال: «والله ما صاموا لهم، ولا صلّوا إليهم، ولكنهم أحلّوا لهم حراماً فاستحلّوه، وحرّموا عليهم حلالاً فحرّموه» ([2]). وعليه كان من الضروري للأمّة الإسلامية أن تقف مع ذاتها، مستعينةً بربِّها؛ كي تثمر توفيقاً إلهياً لمراجعة تراثها متفحّصةً ومتدبّرة، فإن سرَّ نهضتها ورضا ربِّها رهينٌ بتقويم اعوجاجها الناشئ عن التقليد الأعمى لما أسَّسه السَّلَف حتّى أصبح ديناً يُدان به، وتشكّل مخالفته خروجاً من الدين أو المذهب، وكلّما طال الزمن ازدادَتْ البدع المُضِلّة، وتفاقم الفهم الخاطئ لمقاصد الشريعة، ما يشكِّل سبباً أساسياً في تخلّفها وانحطاطها، لذا كان من الضروري تأصيل التجديد الإسلامي في البُعْد المفهومي والشرعي، والأركان التي يرتكز عليها، كما يلي:

إطلالةٌ مفهوميّة

التجدُّد صيغة تفعُّل، كالتحبُّب، وهو مصدر تجدّد تجدّداً، وفعله مطاوع، جدده تجديداً فتجدّد تجدّداً، معناه التقطُّع. يقال: جددتُ الشيء فهو مجدود وجديد؛ أي مقطوع، ومن هذا قولهم: ثوب جديد، أي «مقطوع»، وهو في معنى مجدود؛ أي كأنّ ناسجه قطعه الآن. وتجدّد الشيء يعني صار جديداً، وجدده أي صيَّره جديداً. والجديد من الأشياء: ما لم يكن فوقع حديثاً. جَدّ يجِدّ جِدّة: صار جديداً، وهو نقيض الخَلِق، وجدّده‏ وأجَدّه‏ واستجدّه‏: صيّره‏ جديداً فتجدَّد، وأجَدّه‏: تبدّل به‏ جديداً.

والجديد: خلاف القديم. وكذلك سمّي كلّ شيءٍ لم تأتِ عليه الأيام جديداً، فالجديدان والأجدّان هما الليل والنهار؛ لأنهما لا يبليان أبداً([3]).

فالتجديد صيغة تفعيل، وهي هيئة للفعل قُبَيْل الانتهاء، فإذا تمّ الفعل وانتهى أصبح جديداً، وسمّي الثوب بعد قطعه مقطوعاً، أي جديداً، ولذا عبّر عن التجديد: تصيير الشيء جديداً، بمعنى كان شيئاً وأصبح شيئاً آخر مختلفاً عمّا كان. فالجديد خِلافُ الْقَدِيم، وجدَّد فلانٌ الأَمْر وَأجدَّهُ وَاستجدَّهُ إذا أحْدَثهُ ([4]).

والجديد فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُول، أي مجدود، وحان جِدادُه أي قَطْعُه([5]). وبحَسَب رأي «البسطامي»: التجديد في أصل معناه اللغوي يبعث في الذهن تصوّراً تجتمع فيه ثلاثة معان متصلة، يستلزم كلّ واحد منها المعنى الآخر:

أوّلها: إن الشيء قد كان في أول الأمر موجوداً وقائماً، وللناس به عهد.

وثانيها: إن هذا الشيء أتَتْ عليه الأيام، فأصابه البلى، وصار قديماً خلقاً.

وثالثها: إن ذلك الشيء قد أُعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى ويخلق.

أما قولهم: جدّد الوضوء، وجدّد العهد، فهو أظهر في الدلالة على أن التجديد يتضمّن معنى الإعادة، فتجديد الوضوء يعني إعادته، وتجديد العهد هو تكراره تأكيداً([6]).

ويمكن القول: إن مفهوم التجديد على وزن التفعيل، أي التصيير، وهو الأصل. وما ذكروه يرجع إلى بعض صورها. وهو أشمل ممّا خلصوا إليه. فالتجديد يصدق على كلّ هيئةٍ نهائية، سواء كانت متوافقة مع ما كان بالأصل، كصبغ الحذاء على ما كان عليه، أو مختلفٍ عنه، كتطوير منتجٍ ما في كلّ عامٍ وتحديثه على هيئةٍ جديدة، أو بعثه كمثله بعد زواله، ولذا أُطلق على «الليل والنهار»: الجديدان الأجدّان، أي المتجدِّدان، فقد يطلق التجديد أيضاً على ابتكار شيءٍ لا نظير له من قبل، وهو المراد «بالقطع»، بمعنى لا ارتباط له بما قبله، كتجديد أثاث البيت، بمعنى تبديله إلى شيءٍ آخر.

ولقد حظي مفهوم التجديد باهتمام العلماء والباحثين، قديماً وحديثاً، ويمكن تصنيف تعاريفهم إلى اتجاهات ثلاثة:

1ـ الاتجاه التقليديّ

ـ عرّفه «المناوي» بأنه «إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنّة والأمر بمقتضاهما»([7]).

ـ وعرّفه «فندي» بالعودة على الكتاب والسنّة، وتطبيق أصول الدين وفروعه كما أوصى الله ورسوله، ولا يعني ذلك تبديل الشريعة بشريعة أخرى([8]).

ـ وعرّفه «السيوطي»: إن المراد بتجديد الدين تجديد هدايته، وبيان حقيقته وأحقّيته، ونفي ما يعرض لأهله من البِدَع والغلوّ فيه، أو الفتور في إقامته ومراعاة مصالح الخَلْق، وسنن الاجتماع والعمران في شريعته([9]).

ـ وعرّفه «زيادة»: التجديد معناه عملية إحياء، وهي أشبه بمراهنة سايكولوجية أوّلاً، وما يستتبع ذلك من تحوُّلٍ باتجاه التغيير، والعمل حتّى يتحقّق الدين في صورته الأولى زمن الصحابة([10]).

ـ وعرّفه «القرضاوي» بالعودة إلى الأصل، وتجريده ممّا علق به وألصق به([11]).

ـ وعرّفه «محمد حمزة» بأنه السعي إلى إحياء روح الشريعة الحقّة، والعودة بها إلى صفائها الأوّل وتوهجها([12]).

وعرّفه «إبراهيم» بالعودة إلى المتروك من الدِّين، وتذكير الناس بما نسوه، وربطه بما يجدُّ في حياة الناس من أمور، بمنظور الدِّين لها، لا بمنظارها للدِّين([13]).

وعرّفه «البسطامي» بالسعي للتقريب بين واقع المجتمع المسلم في كلّ عصرٍ وبين المجتمع النموذجي الأوّل الذي أنشأه الرسول|، وكما يكون ذلك بإحياء مفاهيم ذلك المجتمع وتصوُّراته للدِّين، وإحياء مناهجه في فهم النصوص، وبيان معانيها، وإحياء مناهجه في التشريع والاجتهاد، وإحياء مناهجه في تدوين العلوم، وتكوين نظم الحياة، واقتباس النافع الصالح من كلّ حضارة، يكون أيضاً بتصحيح الانحرافات النظرية، والفكرية، والعملية، والسلوكية، وتنقية المجتمع من شوائبها»([14]). وخَلُص إلى أن التجديد في الاستعمال اللغوي والقرآني والروائي يدلّ على الإحياء والبعث والإعادة، وأن هذا المعنى يكوِّن في الذهن تصوّراً من ثلاثة عناصر: وجود وكينونة؛ ثمّ بلى ودروس؛ ثمّ إحياء وإعادة([15]).

 ـ وعرّفه «اسعيد مديون» بأنه التجديد اللغوي نفسه، مضافاً إليه ما تقتضيه طبيعة الإضافة إلى الشرع من مدلولٍ خاصّ ومعنىً جديد، فالتجديد هو إحياء وبعث ما اندرس من الدين، وتخليصه من البِدَع والمُحْدَثات، وتنزيله على واقع الحياة ومستجدّاتها، من دون بتر أو تحوير أو إضافة؛ لأن ذلك يؤدّي إلى الخروج عن الإسلام، والافتراء على الله، وأُفتيات على الناس، وتهجُّم على الحقّ بغير علم([16]).

وعرَّفه «شريف»: هو أشبه بتخليص نهر ممّا علق فيه أثناء جريانه، فنريد تخليصه؛ ليكون كمنبعه صالحاً للشرب([17]) .

والملاحَظ في هذه التعريفات اعتبار التجديد للدّين الإسلامي بعودته إلى زمن الصحابة! ولا أدري إنْ كان من عصمةٍ للسَّلَف خوَّلتهم الحفاظ عليه كما كان زمن النبيّ! وقد نُقل عنهم الاختلاف والتنازع في فهم الدّين! فهل التجديد يكون بالعودة إلى تلك الصورة؟! وقد حذَّرنا النبي| مما سيُحدثه أصحابه في الدين بعد وفاته([18])، ونغفل أو نتغافل عن مفتاح الأمان الذي أوصى به عند مرضه الذي توفي فيه، بالتمسك بالثقلين: الكتاب؛ والعترة، وإلا سيكون الضلال، كما ضلّت الأمم السابقة. فكيف نتصوَّر العودة لما اندرس من الدين من دون اتباع منهج أهل البيت؟! أليس ذلك تبديلاً للدِّين بدينٍ آخر غير ما كان عليه النبيّ|؟! ثم إنه لا يثبت دليل محرز يفسّر التجديد بالعودة إلى ما كان زمن النبيّ على الخصوص، وإلاّ لكان الإسلام موقوفاً على زمن معين، لا يصلح لغيره، فكم من أشياء سابقة لا تصلح لزمانٍ لاحق! ورُبَما قيل: لا بُدَّ من التفريق بين المادّي والمعنوي، فالدين أمرٌ يرتبط بالمعنويات! ولا يشكّ أن الدين مجموعة من النظم المادية والمعنوية تتغيَّر مصاديقها بحَسَب الزمن؛ بل هو سنّة الله في خلقه، فالتطوير والتجديد في الدِّين مستمرّ مع وجود الإنسان، بما فيه مصلحة المخلوق وفق معطيات زمانهم، وهو ما يمكن فهمه من نسخ الآيات والشرائع.

وقد حاول «اسعيد مديون» إيجاد الجامع بين التعاريف التي ذكرها العلماء، في محاور ثلاثة:

المحور الأوّل: إحياء ما انطمس واندرس من معالم السُّنَن، ونشرها بين الناس، وحمل الناس على العمل بها.

المحور الثاني: قمع البِدَع والمُحْدَثات، وتعرية أهلها وإعلان الحرب عليهم، وتنقية الإسلام ممّا علق به من جاهليّة، والعودة به إلى ما كان عليه زمن الرسول| وصحابته الكرام.

المحور الثالث: تنزيل الأحكام الشرعية على ما جَدّ من وقائع وأحداث، ومعالجتها معالجةً نابعة من هَدْي الوحي([19]).

2ـ الاتجاه المنفتح

هناك تعريفاتٌ أوسع انفتاحاً، وأكثر حصانةً من النقد والمؤاخذة، ومنها:

1ـ تعريف «الكبيسي» «بأنه فهم النصوص الإسلامية لثوابتها وقواعدها وفق مستجدّات العصر»([20]).

2ـ وعرّفه «محمد لمرابط» بأنه تنقيةُ الدين ممّا علق فيه من البِدَع والمنكرات، والبحث عن الحكم الشرعي للقضايا المستجدّة([21]).

3ـ وعرّفه «الترابي»: التجديد لا يعني فناء القديم بجوهره، بل تدخل مادته في شكلٍ جديد، وهكذا شأن الدين مذ شرعه الله، ما انفكّ يتجدَّد موصولاً أوله بآخره([22]).

ورُبَما يُفْهَم من تعريف «الترابي» أن مسألة التجديد تشمل الثوابت الدينية في حدود إطارها الحركي، كتجديد الصلاة بترك ركوعها وسجودها مع بقاء بنيتها من النِّيّة والقراءة والذِّكر، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا تسعفها الأدلّة المحرزة، لكنّه وضَّح مراده بقوله: «…فلا بُدَّ من طفرةٍ نوعية؛ ليصل إلى بنية نظام الحياة الدينية في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفق قواعد وآليات عقلائية، مستندة إلى الدليل الشرعي»([23]).

4ـ ويرى «أنور أبو طه» أن مسألة التجديد ليست اجتهاداً فقهياً، يبحث عن إجابات المستجدات العصرية، انطلاقاً من النصوص التراثية، وليست إفتاءً فقهياً لحلِّ معضلةٍ فقهيّة هنا أو هناك في ما يمكن أن يقع، وليس هو إجابةً ميسّرة عن سؤالٍ مشكل، ولا مجرّد محاربة البِدَع، أو إحياء ما أمات المسلمون من السُّنَن، ولا هو بالمسعى التوقيفي الانتقائي من جمع القديم النافع والجديد الصالح، ولا يمكن اختصاره إلى إصلاح منهج الفكر الإسلامي بعَرْضها على العلوم الحديثة، أو أسلمة النافع من هذه العلوم، بل هو أكبر من ذلك، يعبِّر عن انتقالٍ نهضوي تاريخي إسلامي شامل([24]). ولم يوضِّح الباحث سعة النهضة الإسلامية الشاملة وحدودها وآلياتها، وبقي في الإطار العام. ولعلّه يرى شمولها للثوابت الدينية أيضاً، فهل المطلوب التجديد بشرط لا أو لا بشرط؟!

5ـ ويرى «العكَّام» أن المنهج التجديدي «انطلاقةٌ ذاتية، غير متأثّرة بمنفعة شخصية، أو هوىً متَّبع، أو فكرةٍ سابقة مسيطرةٍ، في فهم النصّ الإلهي الثابت، وفق أدواتٍ جديدة، لتكون في خدمة النصّ، فتستخدمها الحركة العقلية. والاقتصار على أدوات ماضية يفقد التجديد بعض مصداقيته، فلا بُدَّ أن نستخدم في عالم الاستنباط أدواتٍ جديدة، منها: اللسانيات، والإناسيَّات، والتحرّيات الأثرية، والنمطيّات، والاجتماعيات، والنفسيات. وهذا استمرارٌ، وليس اعتداءً؛ لأن الفكر الإسلامي يدور في فلك القرآن نصّاً أساساً، والسنّة الشريفة تبياناً وتفسيراً لهذا النصّ. فالأصالة قائمة في نصٍّ لا يتغيَّر من حيث كلماته وآياته، بل هو ثابتٌ ثبوت الوجود المطلق الذي يمدّ الموجودات المقيدة([25]). فتجديد الفكر الإسلامي يكون من خلال المنهج المنضبط بقواعد وأصول المنهج الإسلامي، والذي لا يتجاوز هذه القواعد والأصول بأيّ حالٍ من الأحوال. وهذا هو الفارق بين المنهج الإسلامي في تجديد الفكر وبين غيره من المناهج الأخرى، التي لا ترى تمسُّكاً بهذه الضوابط»([26]).

ما ذكره «العكَّام» من حرّية الفكر وتطوير وسائل الاستنباط لا بأس به في الجملة، لكنْ ينبغي أن لا يصل الأمر إلى الاستحسان الشخصي، أو تبديل مقاصد الدِّين وثوابته.

6ـ وعرَّفه «الميلاد» بأنه المنهج المنضبط بقواعد وأصول المنهج الإسلامي، والذي لا يتجاوز هذه القواعد والأصول بأيّ حالٍ من الأحوال. وهذا هو الفارق بين المنهج الإسلامي في تجديد الفكر وبين غيره من المناهج الأخرى، التي لا ترى تمسُّكاً بهذه الضوابط([27]). نعم، ما ذكره مناسبٌ بشرط حجِّية تلك القواعد، على قاعدة: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة: 111).

ولعلّ تجديد الخطاب الإسلامي ينطلق من إعادة النظر في الأصول والفروع؛ لتفنيد مواطن الخلل وإصلاحها. فموضوعه منطقة الفراغ التي هي أوسع مساحةً من الأحكام المتغيرة، وهو تكليفٌ كبير، به تُنال الكرامة عند الله، وشوق الرسول ومحبته([28]).

فالتجديد المطلوب يتّجه إلى إيجاد القواعد والمناهج الجديدة أو الإضافية، التي من شأنها كشف حركيّة الإسلام في الزمان والمكان، باعتبار أنه الرسالة الخاتمة، والدستور الحيّ الذي لا يموت. فما رُوي أن حرام محمدٍ حرامٌ إلى يوم القيامة، وحلال محمد حلالٌ إلى يوم القيامة، يدلّ على اتحاد الغائبين عن زمان التشريع ـ وإنْ كانوا في آخر الزمان ـ مع الحاضرين([29])، أي في الجملة، لا بالجملة. فلا بُدَّ من تقييده بثوابت الأحكام، لا مطلقاً، إلاّ أن نحمل الحديث على أن التبدُّل الكائن في الأسس والأحكام يدخل ضمن المقصود والمراد في البَين؛ فعن أبي جعفر× أنه قال: «القرآن نزل أثلاثاً: ثلث فينا، وفي أحبائنا؛ وثلث في أعدائنا، وعدو مَنْ كان قبلنا؛ وثلث سنّة ومَثَل، ولو أن الآية إذا نزلت في قومٍ ثمّ مات أولئك القوم ماتَتْ الآية لما بقي من القرآن شيءٌ، ولكنَّ القرآن يجري أوّله على آخره»([30])؛ وعن أبي عبد الله× أنه قال: «…للقرآن تأويلٌ يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، فإذا جاء تأويل شيءٍ منه وقع، فمنه ما قد جاء، ومنه ما يجيء». وعلَّق عليه المجلسي بقوله: لعلّ المعنى أن ما نعلمه من بطون القرآن وتأويلاته لا بُدَّ من وقوع كلٍّ منها في وقته، فمن ذلك اجتماع الناس على إمامٍ واحد في زمان القائم، وليس هذا أوانه([31]).

التجديد وفق الرؤية القرآنيّة

لا يخلو القرآن الكريم من توضيح مفهوم التجديد، فكانت سنّة تجديد الشرائع، ابتداءً من النبيّ آدم× وانتهاءً بالنبيّ الخاتم محمد|، حيث ختمت بشريعة الإسلام. وقد عرَّف المسلمون فلسفة الختم بتحقّق الغرض الإلهي من جهتين: قابلية الشريعة الإسلامية لاستيعاب المتغيّرات ومواكبة التطوّر([32])؛ وكون ظرفها في آخر الزمان المنتهي للقيامة الكبرى([33]).

وعلى هذا الأساس، كان حكم فتح باب الاجتهاد عند مدرسة أتباع أهل البيت^ خطوةً إلى الأمام، بخلاف مدرسة العامّة التي أغلقته منذ القرن الثاني الهجري، إلى أن بدأت في عصرنا نداءات الاجتهاد والتجديد كضرورةٍ شرعية؛ فأفتى بعضهم بوجوب التجديد في الخطاب الديني، فضلاً عن الاجتهاد فيه([34])، مستنداً إلى ما رواه ابن أبي داوود وغيره عن النبيّ| أنه قال: «إن الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ مئة عامٍ مَنْ يجدِّد لها دينها»([35]). وعلى هذا كتبت تصانيف متعدّدة في التجديد والمجدِّدين، ولعلّ ذلك ما حدا بالسيوطي لتأليف أرجوزةٍ صغيرة، من واحدٍ وعشرين بيتاً، أسماها «تحفة المهتدين بأخبار المجدِّدين»، وقد ادعى فيها أنه مجدِّد المئة التاسعة([36])، ومنها:

قد صحَّ في الأخْبارِ أن إلَهَنَا *** في أوَّلٍ من كُلِّ قَرْنٍ باعِثُ

مَنْ جَدَّد القويمَ وقد رأَوْا *** عُمَرَ الخليفةَ أوَّلاً يا حارِثُ

والشافعيَّ برأْسِ قَرْنٍ بَعْدَهُ *** ويُقالُ: إنَّ الأشْعَرِيَّ الثَّالِثُ

والأسْترآباديُّ قِيلَ ورَجَّحُوا *** أن السريجيَّ الإمامُ الوارِثُ

والإسفراييني مَعْ سَهْلٍ قَضَى *** في رابِعٍ فقَضَى بكُلٍّ باحِثُ

ورأيْتُ مَنْ عدَّ الإمامَ الباقِلاَ *** نِيَّ المجَدِّدَ، وهْوَ قَولٌ ثالِثُ

والخامسُ الطوسيُّ حُجَّتنا فَكَمْ *** خفِيَتْ بطِيبِ ظُهْورِ ذاكَ خبائِثُ

والفَخْرُ سادِسُهم أو الحَبْرُ الإما *** مُ الرافعيُّ فَذَاكَ غَيْثٌ غائِثُ

والسَّابِعُ الشَّيخُ الإمامُ ابنُ دَقِي *** قِ العِيدِ جَزْماً فَهْوَ لَيْثٌ لائِثُ

والثامنُ البلقينيُّ قد بَعَثَتْ *** عَلَى إعطائه هَذَا المَقامَ بواعِثُ

أو أحمدُ الغزِّيُّ جدِّي فهْو مَنْ *** جادَتْ له عِنْدَ الجِدالِ مباحِثُ

أو حافِظُ العَصْرِ العِرَاقيُّ الذي *** زالَتْ بنُصْرَتِه الحدِيثَ حَوادِثُ

أمّا السيوطيُّ الجَلالُ فمَنْ يقُلْ *** هُو تَاسِعٌ لهمُ فمَا هُو عابِثُ

ولَئِنْ حَلَفْتُ بأنَّه شيخي الإمامُ *** الشيخُ زينُ الدِّينِ مَا أَنَا حانِثُ

وإن أوّل ما يتَّجه البحث هو تجلية أصل معنى «التجديد» وفق الرؤية القرآنية، ومدى تطابقه مع ماهيّة ما وصَلَنا عن الوحي القطعي أو الظنّي، وهل يتوافق مع العُرْف اللغوي أو لا؟

والملاحَظ أن القرآن تطرَّق إلى مفهوم التجديد بذات المادّة أو بما يرادفها من المعاني، كما يلي:

1ـ مفهوم التجديد بالصيغة نفسها

عند النظر في القرآن حول مادّة «التجديد» ومشتقّاتها؛ لاستقراء دلالتها في كافّة مواردها، نلاحظ أنه لم يتطرّق بشكلٍ مباشر إلى مفهوم لفظ «التجديد» بصيغته «التفعيل»، الدّالة على حدوث الفعل والصيرورة، بل استعمل صيغة فعيل «جديد»، كقتيل ـ في ثمانية موارد ـ، الدالّة في أصلها على انتهاء الفعل والصيرورة.

والملاحَظ في تلك الموارد أن الاستعمال القرآنيّ قد ساق كلام المُنْكِرين على استبعاد وقوع البعث؛ عناداً منهم، كما في:

1ـ قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ (السجدة: 10)، أي كافرون منكرون وقوعه، فهم يرفضون مرحلة لقاء الله والحساب والثواب والعقاب؛ بقرينة قولهم: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ([37]).

2ـ قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ (الإسراء: 25)، أي إنكارهم وقوع البعث؛ بسبب تعنتهم وكفرهم بلقائه.

3ـ قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (سبأ: 25)، فإنكارهم وقوع البعث دعاهم إلى السخريّة من النبيّ| أمام الناس. يقول الرازي: «كقول القائل في الاستبعاد: جاء رجلٌ يقول: إن الشمس تطلع من المغرب، إلى غير ذلك من المُحَالات»([38]).

 ولعلّ إنكارهم وقوع البعث متفرِّعٌ على إنكار القدرة عليه، لذا حكموا بأن الإعادة مستحيلةٌ، متناسين خلقهم الأول. فالمولى في هذه الآيات في مقام توبيخهم على شبهة إنكارهم وقوع البعث، مجيباً عنها بأن قدرته كانت، ولا زالت، لا يعجزه شيءٌ، كيف لا، وهو الذي خلقهم أوّل مرة؟!([39]).

4ـ قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ (الإسراء: 49)، فردّ عليهم القرآن: ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾ (الإسراء: 50 ـ 51)، أي حتّى لو كنتم حجارةً أو حديداً لأعادكم كما بدأكم. قال مجاهد: «المعنى: كونوا ما شئتُم فستُعادون»([40]).

5ـ قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (الرعد: 5)، أي تعجّبهم من إعادة الخلق وبعثهم كان بسبب كفرهم على تقدير: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾، بمعنى العلّة لإنكارهم. يقول القرطبي: «فقولهم عجب، يعجب منه الخلق؛ لأن الإعادة في معنى الابتداء»([41]). وقال الطوسي: «فهؤلاء الجهّال توهَّموا أنهم إذا صاروا تراباً لا يمكن أن يصيروا حيواناً. والذي أنشأهم أوّل مرّةٍ قادرٌ أن يعيدهم ثانيةً»([42]).

6ـ قوله تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (ق: 15). العيّ: العجز وعدم القدرة، والخلق الجديد: خلق النشأة الثانية، وهي النشأة الآخرة في مقابل نشأة الدنيا، والاستفهام للإنكار([43]). والمعنى: إنا كما لم نعْيَ بالخلق الأول لا نعْيى بخلقهم على وجه الإعادة([44]). فالاستفهام في الآية إنكاريّ؛ لتشكيكهم بقدرة الله على البعث، مع أنهم يعترفون بأنه هو خالقهم أول مرّة، يقول تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (لقمان: 25).

2ـ مفهوم التجديد بألفاظ مرادفة

وقد عبَّر عنه القرآن بإبدال شيءٍ بشيءٍ آخر، أو إعدام شيء وإيجاد غيره، أو نسخه بإبدال شيء بغيره، أو إحداث شيءٍ لم يكن، كما يلي:

أـ إبدال شيءٍ بشيءٍ آخر

1ـ يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ…﴾ (النساء: 56)، فعن الإمام جعفر الصادق× أنه أجاب عن هذا السؤال بقوله: «إن الجلد هو هو، وهو غيره، وضرب لذلك مثلاً باللَّبِنَة تكسرها، حتّى تصير تراباً، ثمّ تصب عليه ماءً وتجبله حتّى يصير لَبِنَة من جديدٍ، فتكون هي هي في مادّتها، وهي غيرُها في صورتها»([45]).

2ـ ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 101). يقول الطباطبائي: «معنى التبديل رفع الشيء مع وضع غيره مكانه. وتبديل الآية رفعها بآيةٍ أخرى غيرها، وهو نسخها بآية سواها»([46]).

ب ـ إعدام شيءٍ وإيجاد غيره

1ـ يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (إبراهيم: 19)، أي يعدمكم ويخلق مكانكم خلقاً آخرين([47]).

2ـ ويقول سبحانه: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ (إبراهيم: 48). قال ابن عبّاس ومجاهد وأنس بن مالك وابن مسعود: يبدّل الله هذه الأرض بأرضٍ بيضاء كالفضة، لم يعمل عليها خطيئة([48]). ولعلّ تبدُّل الأرض ومَنْ عليها سنّةٌ من سنن الله الدائمة؛ فعن محمد بن مسلم قال: سمعتُ أبا جعفر× يقول: «لقد خلق الله تعالى في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين، إلى أن قال: لعلّكم ترون أنه إذا كان يوم القيامة، وصيّر الله أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة، وصيَّر أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار([49])، أن الله تبارك وتعالى لا يُعْبَد في بلاده، ولا يخلق خلقاً يعبدونه، ويوحِّدونه، ويعظِّمونه؟! بلى، واللهِ، ليخلقنّ خلقاً، من غير فحولةٍ ولا إناثٍ، يعبدونه ويوحِّدونه ويعظِّمونه، ويخلق لهم أرضاً تحملهم، وسماءً تظلّهم، أليس الله يقول: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّماواتُ﴾، وقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾»([50]). ورُبَما يكون زماننا أصبح في نهايات هذه المرحلة من الخلق قبل تجديده من جديدٍ.

3ـ ويقول تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ (فاطر: 16)، أي مَنْ لم يعجز عن خلق الناس أوّل مرّةٍ فكيف يعجز عن إحيائهم ثانيةً([51]). ففي هذه الآية إشارة إلى مراحل ثلاثة: خلق أوّل وحياة أولى؛ ثمّ موتٌ وبِلَى؛ ثمّ بعثٌ وإحياءٌ وإعادةٌ وتجديد خلق آخر جديد، كقوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ…﴾ (النساء: 133).

ج ـ نسخ شيءٍ بإبدال شيءٍ بغيره

1ـ يقول تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة: 106)، فالمعنى: ما نذهب بآيةٍ عن العين أو عن العلم نأتِ بخير منها أو مثلها([52]).

وفي هذه الآيات دلالةٌ ظاهرة على إمكان النسخ والتبديل في آي القرآن، ويؤيِّدها ما ذكر من رواياتٍ متسالم على مضمونها عند جميع المسلمين، منها: عن أبي عبد الله×، في حديثٍ احتجّ على الصوفيّة لمّا احتجّوا عليه بآياتٍ من القرآن دالّة على الإيثار والزهد، قال: ألكم علمٌ بناسخ القرآن ومنسوخه، ومُحْكَمه ومُتشابِهه، الذي في مثله ضلّ مَنْ ضلّ، وهلَك مَنْ هلَك، من هذه الأمّة؟…»([53]). والروايات في ذلك كثيرةٌ فلا نطيل.

د ـ إحداث شيءٍ لم يكن

1ـ يقول تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً﴾ (طه: 113). فالمراد بإحداث الذكر أي يجعل اعتباراً، بأن يذكروا به عقاب الله للأمم([54]). والأرجح، بحَسَب السياق، هو نزول العذاب بهم بعد أن لم ينفع تخويفهم في حصول التقوى منهم.

2ـ ويقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾ (الطلاق: 1)، بأن يغيِّر الزوج رأيه، فيراجعها([55]).

فقضية تجديد الخطاب الإسلامي في أصله أمرٌ مطلوب، سواء بمعنى التطوير أو التحديث أو الإعادة أو التبديل أو التغيير؛ لأنه يقصد منه معنىً واحد، ما لا يتنافى مع روح الشريعة وثوابتها.

لكنّ السؤال: هل لأحدٍ غير الله صلاحية التجديد؟

في الآية: ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ يعود الضمير إليه سبحانه وحده؛ اقتصاراً على التعيين والتحديد في النصّ. ولعلّ دخول المعصوم فيه باعتباره يعلم بمراد الله، فهو من مصاديق الآية.

ويبقى السؤال: كيف يُشرَّع ذلك لغير المعصوم؟

فرُبَما يكون في ذلك تحقيقٌ لحلم المتربِّصين بالإسلام، وفتح الباب ـ على مصراعيه ـ أمام المبتدعين الضّالين المُضِلِّين؟! وفي الحقيقة لا تلازم بين مشروعية تجديد الخطاب الديني لغير المعصوم وبين تعدّي المبتدعين على مقامٍ لا قِبَل لهم فيه، فالمُضِلِّون والدجّالون والمدَّعون ما فتئوا في كلّ زمانٍ يفتون الناس بأهوائهم، وقد فضح المشرِّع المقدَّس كثيراً منهم عبر التاريخ. ثمّ إن للمجدِّد شروطاً وأهليّة لا تتوفَّر إلاّ لمَنْ مَحَّص اللهُ قلبه بالعلم والتقوى.

الأُسُس التجديديّة للخطاب الإسلاميّ المعاصر

يرى سعيد الشيمي أنه لكي يتمّ التجديد في الخطاب الدينيّ لا بُدَّ أن يقوم على أسس معيّنة، وفي مقدّمتها: المعرفة التّامة بمصادر التشريع الأصلية، من الكتاب والسُّنّة والإجماع والقياس، ومصادر التشريع المأخوذة عنها، كالاستحسان، والمصلحة المرسلة، والعُرْف، واستصحاب الأصل، وغير ذلك من أدلّة التشريع. والاهتمام بالقضايا التي تعود بالنفع على الأمّة وإبرازها، كقضية وحدة المسلمين، وقضية نظم الحكم، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتكريس مبادئ الشورى، والعدالة الاجتماعية، ونشر ثقافة التسامح، وقضية المواطنة، وطرق التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم، والإيمان بضرورة البناء والعمل والإنتاج، ونبذ ثقافة التَّبَعية والتواكل والكراهية، وقضية العناية بالمرأة والأسرة والطفل. وتأسيس الثقافة العَصْرية التي تناسب عصرنا وقضاياه ولغته، والتي تربط ماضي الأمّة بمستقبلها، وهذا هو الهَدَف من التجديد، فهو جسرٌ يربط المستقبل بالماضي. التجديد يقع في المقام الأوّل على عاتق رجال الدين، من المفسِّرين والفقهاء وعلماء الحديث، بتقديم علومٍ إسلامية في ثوبٍ جديد يعالج مشاكل الأمّة وقضاياها([56]).

وذهب شيخ الأزهر أحمد الطيّب إلى أن أحكام الدين الإسلامي تنقسم إلى:

1ـ ثوابت لا تتغيَّر ولا تتجدَّد: وهي الأحكام قطعيّة الثبوت والدلالة؛ وسببُ ثباتها في وجه قانون التطوّر الذي هو سُنَّة الله في خلقه هي أنها قابلةٌ للتطبيق في كلّ زمانٍ ومكانٍ، وهذه الأحكام معظمها ممّا يدخل في باب العقائد والعبادات والأخلاق، وقليلٌ منها يتعلَّق بنظام الأسرة ومجالات أخرى ضيِّقة.

2ـ الأحكام القابلة للتبدُّل والتّغيير: وهي الأحكام المختصّة بمجالات الحياة الإنسانية الأخرى، مثل: الأحكام المدنيَّة والدستوريَّة والجنائيَّة والاقتصاديَّة والسياسيَّة والسيرة الاجتماعية والبيع والشراء، وأنظمة الحُكم والعلاقات الدوليَّة والآداب العامَّة، وعادات الناس في المسكن والمأكل والملبس، والتجديدُ فيها كلّها مشروعٌ ما دام يحقِّق مصلحةً معتبرةً في الشَّرع والأخلاق([57]).

ويمكن القول: إنّ ما طرحه الأعلام يشكِّل ثورةً اجتهادية على حالة الجمود الاستنباطي المفروض من قِبَل السَّلَف على الواقع الفقهي عند العامّة إلى اليوم. وأمّا ما نحن بصدده فهو إيجاد أُسُس عامّة وشاملة؛ لتكون انطلاقة تصحيحية لمسار الأمّة في بيان المشروع الإلهيّ التجديدي، الذي سيكمل ختامه الإمام المنتظر×.

ويمكن تحديد معالم بناء مشروع الخطاب التجديدي بأربعة أركان:

1ـ معرفة مكوّن النصّ.

2ـ معرفة لغة النصّ.

3ـ معرفة مفسّر النصّ.

4ـ معرفة الواقع الموضوعي للنصّ([58]).

ثمّ إنها المنطلق المناسب؛ لرفع شبهات الحداثيين، وأصحاب الدعوات الغربية التجديدية المشبوهة:

1ـ معرفة مكوِّن النصّ

 لمؤلِّف النصّ أهمّية كبرى في البُعْد المعرفي لفقه النصّ، من ناحية الشكل والمضمون؛ لما يحمل من الأسرار العلمية والقِيَمية على كافّة المستويات؛ لأن خصائص المتكلِّم تنبئ عن عمق الكلام وأبعاده؛ والعكس صحيح. يقول أمير المؤمنين×: «المرء مخبوءٌ تحت لسانه»([59]). فما يحمله المتكلِّم من ملاكات التخلُّق بالصفات الجلاليّة والجمالية تختلف شدّةً وضعفاً بحَسَب القابلية، فإنْ كانت قداسة المتكلِّم والمؤلِّف ذاتيّةً مطلقةً؛ فلا شَكَّ أن الخطاب يكون في أعلى مراتب الكمال على الإطلاق، ولذا كان النصّ القرآني خالداً ومهيمناً على غيره من جميع الجهات والأبعاد، ناطقاً في كلّ زمانٍ بحلّ المشكلات لجميع الرؤى والأفهام، النفسية منها والمادية. فهو الذي يلبِّي طبيعة الفكر الإنساني ومتطلّباته، واحتياجاته المُلْكيّة والملكوتيّة، كما وضَّحه الصادق× لمّا سُئل عن (القرآن)؟ فقال: «يبيِّن الألسن، ولا تُبيِّنه الألسن»([60]). لا يجاريه متكلِّم ولا ناطق في التعبير عن مراده ومقاصده المتعدّدة، بما يتناسب مع تعدّد الظروف والأحوال. من هنا ندرك أن القرآن؛ بصفته كلام الله، لا يمكن مقايسته بكلام البشر، بل كيف يُقاس المحدود بغير المحدود؟! ومَنْ هو عين النقص بالذي هو عين الكمال؟! لذا أمر الله أن يُتدبَّر كلامه، مستنكراً على مَنْ جعل القرآن عضين، قد ملأ قلبه زيغاً وفهمه عَيّاً. يقول تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾ (النساء: 82)، فإذا فسَّرنا كلام الله وفق ثقافتنا الدنيوية، من دون إشباعها بعمق معرفة الله، وفلسفة آياته ومقاصده، نكون قد ساوينا كلام المخلوق بالخالق، وتلك إذن معرفةٌ ضيزى، تتناغم مع مزاعم مَنْ ينادي «بالتجديد الديني»؛ تحريفاً للكَلِم عن مواضعه، جاعلاً القرآن منتجاً ثقافياً بشرياً لواقعٍ اجتماعي معيَّن، سالباً القداسة الذاتية والقِيَميّة عنه([61]). ويكفي من الأدلة لدَحْض دعواهم تصريحُ الله في القرآن أنه كلام الله الثابت بالنصّ، لا بالمعنى، وبالتالي هو ذات كلام الله بتمامه، دون زيادةٍ أو نقيصة؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ (التوبة: 6)، أي أسمِعْ المستجير بك كلامَ الله بنصّ ألفاظه، لا معانيها، فالنبيُّ الخاتم| قد بلَّغه عن ربِّه كما هو، دون تصرُّفٍ فيه، يقول تعالى: ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ (القيامة: 16 ـ 19).

 ثم إن المعصوم ـ المؤيَّد من الله ـ تأتي قداسته بعد الله، ولا شَكَّ أنه لا يضاهيه غيره من البشر؛ لأنه كان يتَّبع الله في بيان تفاصيل الأحكام الواقعية على منهج القرآن، فقد ينسخ حكمه السابق من دون أن يبيِّن لهم المنسوخ، مع أنه في مقام البيان عن تمام حكم الله، وما ذلك إلاّ لارتباط الحكم بقيوده ومتعلّقاته الزمانية المختلفة؛ ما يدلِّل أن النَّسْخ لم يكن مؤبَّداً في كثيرٍ من الأحكام. وقد ورد في كثيرٍ من الروايات ما يشير إليه؛ فعن منصور بن حازم قال: قلتُ لأبي عبد الله×: «ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب، ثمّ يجيئك غيري فتجيبه فيها بجوابٍ آخر؟ فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان، قال: قلتُ: فأخبرني عن أصحاب رسول الله| صَدَقوا على محمد| أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا، قلتُ: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله|، فيسأله عن المسألة، فيجيبه فيها بالجواب، ثمّ يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضاً([62]). فقوله×: «على الزيادة والنقصان» أي بحَسَب ما في الموضوع من قيودٍ، ومنها: خصوصية الزمان والمكان، وأحوال الناس. ثمّ إن قضية تعدُّد الحكم لموضوعٍ واحد كانت مثار تعجُّب الأجلاّء من الأصحاب، والمفروض كونه لا موضوعيّة له إنْ كانت ترجع إلى مسألة أصل النسخ المؤبَّد المعروف من زمن النبيّ، قرآناً وسنّةً؟! بل الأرجح أن سبب تعجُّبهم قناعتهم بعدم وجود ذلك النَّسْخ في البَيْن، فبيَّن الإمام× لهم معنىً آخر للنسخ، مبنيّاً على أنّ مدار الأحكام الشرعية المصالح والمفاسد ومناسبات الحكم والموضوع، ومعطيات الزمان والأحوال؛ ويؤيِّده ما ورد عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر×، قال: «سألتُه عن مسألةٍ فأجابني، ثمّ جاءه رجلٌ، فسأله عنها، فأجابه بخلاف ما أجابني، ثمّ جاء رجلٌ آخر، فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلتُ: يا بن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبْتَ كلّ واحدٍ منهما بغير ما أجبْتَ به صاحبه؟ فقال: يا زرارة، إن هذا خيرٌ لنا، وأبقى لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمرٍ واحد لصدَّقكم الناس علينا، ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم»([63]). والواقع أنه لا يمكن حمل جميع الموارد على التقيّة؛ لأن كثيراً من الأحكام لا داعي فيها إلى التقيّة؛ لكثرة المذاهب آنذاك، ما يرجّح توافق حكم أهل البيت^ مع بعضهم، فيرتفع المحذور.

وعن سماعة أيضاً، عن أبي عبد الله×، قال: «سألتُه عن رجلٍ اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمرٍ، كلاهما يرويه؛ أحدهما يأمر بأخذه؛ والآخر ينهاه عنه، كيف يصنع؟ فقال: يرجئه حتّى يلقى مَنْ يخبره، فهو في سعةٍ حتّى يلقاه. وفي روايةٍ أخرى: بأيِّهما أخذْتَ من باب التسليم وَسِعَكَ»([64]). وقد علَّق المجلسي على الرواية بقوله: «اعلَمْ أنه يمكن دفع الاختلاف الذي يتراءى بين الخبرين بوجوهٍ، قد أومأنا إلى بعضها: الأوّل: أن يكون الإرجاء في الحكم والفتوى، والتخيير في العمل، كما يومي إليه الخبر الأول. الثاني: أن يكون الإرجاء فيما إذا أمكن الوصول إلى الإمام×، والتخيير فيما إذا لم يمكن، كهذا الزمان. الثالث: أن يكون الإرجاء في المعاملات، والتخيير في العبادات؛ إذ بعض أخبار التخيير ورد في المعاملات. الرابع: أن يخصّ الإرجاء فيه بأن لا يكون مضطرّاً إلى العمل بأحدهما، والتخيير بما إذا لم يكن له بدٌّ من العمل بأحدهما؛ ويؤيِّده ما رواه الطبرسي، في كتاب الاحتجاج، عن سماعة بن مهران قال: سألتُ أبا عبد الله× قلتُ: يَرِدُ علينا حديثان: واحد يأمرنا بالأخذ به؛ والآخر ينهانا عنه؟ قال: لا تعمل بواحدٍ منهما، حتّى تلقى صاحبك، فتسأله، قال: قلتُ: لا بُدَّ من أن يعمل بأحدهما؟ قال: خُذْ بما فيه خلاف العامّة. الخامس: يحمل الإرجاء على الاستحباب، والتخيير على الجواز»([65]). وكيف كان فالرواية تشقّ طريق الانفتاح والتوسعة في الدين. وفي بعض الروايات يظهر منها إقرار الإمام على التمسُّك بالخبر الأخير؛ وذلك لما فيه من مصلحةٍ مناسبة لظرفه الجديد، فعن أبي عبد الله× قال: أرأيتُكَ لو حدَّثتُكَ بحديثٍ العام، ثمّ جئتَني من قابلٍ فحدَّثْتُك بخلافه، بأيِّهما كنتَ تأخذ؟ قال: قلتُ: كنتُ آخذ بالأخير، فقال لي: رحمك الله([66]).

 وبالتدبُّر في جميع الروايات في هذا الباب يظهر أن المشرِّع الحكيم كان دقيقاً في خطابه، مطلقاً ومقيّداً، موسّعاً ومضيقاً، مفصّلاً ومجملاً، ناسخاً ظرفياً ومؤبّداً…. وعليه، فالأرجح أنه لا يقصد بالنسخ في جميع موارده رفع الحكم مؤبّداً، كما عليه الجمهور، وإلاّ لوجب التنبيه عليه عند ذكر الناسخ؛ رفعاً للالتباس؛ ففي رواية أبي بريدة، عن أبيه، أن النبيّ عليه وآله السلام قال: نهيتكم عن ثلاث، وأنا آمركم بهنّ، نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها؛ فإن زيارتها تذكرة؛ ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلاّ في ظرف الأدم (صحن الطعام)، فاشربوا في كلّ وعاءٍ غير أن لا تشربوا مُسْكِراً، ونهيتُكم عن لحوم الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاثٍ، فكُلُوا واستمتعوا»([67]). وفي روايةٍ أخرى علَّلها: «كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها؛ فإنها تذكِّركم الموت»([68]). وسنتوسَّع بالموضوع أكثر حين نتعرض لدَوْر معرفة الواقع الموضوعي وأثره في تغيُّر الحكم الشرعي.

2ـ معرفة لغة النصّ

امتازَتْ اللغة العربية عن جميع اللغات بخصائص كثيرة، في الأبعاد البلاغية والوزن الشعري، والاشتقاقي، وتنوّعها الدلالي للمفاهيم الحسّية والمعنوية. وقد عزّزت لغة القرآن اللغة العربية بطابع الخلود بما باركَتْه يدُ السماء، يقول تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ…﴾ (الأنعام: 92)، كيف لا وهو كلام الكامل المطلق المختصّ بتمام كمال الأسماء الحسنى، يقول تعالى: ﴿اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (طه: 8)؟! ولقد تُوِّجَتْ أيضاً بكلام مَنْ لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وَحْيٌ يوحى، فكانت السُّنّة الشريفة دعامةً أخرى، فحقّ لهذا القرآن المكتوب الخلود؛ لما فيه من واقعيّةٍ لتحمُّل مضامين المعارف الإلهية في كلّ زمان؛ لما يمتاز من حركيّة وسعةٍ شاملة، كيف لا وإن الذي اختارها لوَحْيه هو المتكلِّم الأول جلَّ جلاله بما له من تمام الكمال كما بيَّنّا؟! ففي علل الشرائع: عن الصادق، عن أبيه’ قال: ما أنزل الله تبارك وتعالى كتاباً ولا وَحْياً إلاّ بالعربية، فكان يقع في مسامع الأنبياء^ بألسنة قومهم، وكان يقع في مسامع نبيِّنا| بالعربيّة، فإذا كلَّم به قومه كلَّمهم بالعربية، فيقع في مسامعهم بلسانهم، وكان أحدٌ لا يخاطب رسول الله|بأيّ لسانٍ خاطبه إلاّ وقع في مسامعه بالعربية، كل ذلك يترجم جبرئيل× له عنه؛ تشريفاً من الله له|([69]). ولقد كان للعجم فضيلة الإيمان بالقرآن أن آمنوا به ونصروه، وما ذلك إلاّ لما تحمله هذه اللغة من عوامل جَذْب في الجِرْس والمعنى، بالإضافة إلى ما للعجم من حضارةٍ عريقة سابقة تؤهِّلهم لاتِّباع القرآن كمنهجٍ يلبّي طموحاتهم بالتخلُّص من تسلُّط طغاة حكّامهم ومفسديهم، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء: 198 ـ 199)، يقول الصادق×: لو نزَّلنا القرآن على العجم ما آمنَتْ به العرب، وقد نزل على العرب فآمنَتْ به العجم، فهذه فضيلةُ العجم»([70]).

وإن خصائص لغة القرآن كثيرةٌ، ننوِّه إلى خصوصية اصطلاحين مهمَّين لهما مدخلية في بنية التجديد المنشود:

1ـ الوجود اللفظي: أي «الكلام الشفهي»، فهو ولادةٌ أولى للمتكلِّم، ومصداقه في التشريع الإسلاميّ زمن رسول الله| عندما كان يشافه الناس به عن الله. وهو من الأهمِّية بمكانٍ؛ لما فيه من القرائن الحالية والمقامية والظرفية؛ ولذا كان هذا الوجود أعلى درجةً في كشف مراد المتكلِّم؛ لأنه يرفع احتمالاتٍ كثيرةً تتبادر من الوجود الكَتْبي، إلاّ أنه يتعذِّر علينا الوصول إليه، إلاّ المتواتر منه لفظاً ومعنىً، كالقرآن الكريم، وهو مع ذلك أقلّ درجةً من السماع المباشر؛ لما للقرائن الحالية من كشفٍ لا يمكن سدّ فراغه.

2ـ الوجود الكتبي: أي المكتوب من دون معرفة كيفية قراءته، حيث يعتبر ولادةً ثانية للمتكلِّم، يعبِّر فيه عن مراده، ومن ثم يتحوّل عند تلفّظنا به إلى ولادةٍ ثالثة، تبعث في فكرنا دلالةً كاشفة عن المقصود بتوسّط الإرادة الاستعماليّة الجِدّية بقسمَيْها: الحقيقيّة؛ والمجازيّة، ومنه يعلم مصاديق ما ينطبق على تلك الدلالة. يقول التهاوني: «المعنى لغةً: المقصود…، فالكلام الذي وصف بالبلاغة هو الكلام الذي يدلّ بلفظه على معناه اللغوي أو العُرْفي أو الشرعي، ثمّ تجد لذلك المعنى دلالةً ثانية التي يريد المتكلِّم إثباته أو نفيه…»([71])، أي إن التمييز بين المعاني الأوّلية والثانوية يكون من خلال القرائن اللفظية والحالية. وعليه يكون المعنى والمفهوم لغةً مترادفين في أصل معناهما، وقد يقصد منهما غير المعنى اللغويّ في الدلالة الاستعمالية([72])، أي إن المعنى والمفهوم غير متطابقين في الاستعمالي الجدّي واللغوي التصوُّري، فمعرفة المعنى المقصود للنصّ القرآني وفق المفهوم اللغوي لا ينتج مراداً حقيقيّاً للشارع، ولمعرفة المقصود لا بُدَّ من جمع القرائن الدالّة على مراد الشارع وفق الدلالة الثانية، وقد لا تفي بالغَرَض.

من هنا نفهم أن عرض جميع الروايات على القرآن وفق الدلالة الأولى والثانية غير ممكنةٍ؛ لأنها تبلغ أضعاف القرآن! فالقرآن ـ بالبداهة ـ لم يتعرَّض لتفاصيل ما ذكرَتْه الروايات، فالعرضُ المتاح والمطلوب عرضٌ على مقاصد القرآن العامة. يقول الصدر: «المراد من طرح ما خالف القرآن من الروايات المعروضة عليه طرح ما خالف الروح العامّة للقرآن الكريم، فالدليل الظنّي إذا لم يكن منسجماً مع طبيعة تشريعات القرآن ومزاج أحكامه العامّ لم يكن حجّةً، وليس المراد المخالفة والموافقة المضمونية الحَدِّية مع آياته، فلو وردت روايةٌ بأن قوماً ما من البشر أصلهم من الجِنّ تعتبر مخالفةً للقرآن في وحدتهم جنساً([73]).

 ولقد فسَّر «الحيدري» تلك الروح التي تتبادر بما بعد المعنى المقصود من الدلالة الثانية»، وصرَّح بأن لها تفسيرات متعدّدة منطقية وفلسفية وكلامية و…([74]).

وقد اهتمّ كثيرٌ من العلماء المتأخِّرين بهذه النظرية، كصدر المتألِّهين، والعلاّمة الطباطبائي، والفيض الكاشاني…

وقد فسَّرها الإمام الخميني من جهةٍ عرفانية، فقال «إنّ الألفاظ وُضعت لأرواح المعاني وحقائقها. وهل تدبَّرْتَ في ذلك؟ ولعمري، إنّ التدبُّر فيه من مصاديق قوله×: «تفكُّر ساعةٍ خيرٌ من عبادة ستين سنة»([75])، فإنّه مفتاح مفاتيح المعرفة وأصل أصول فهم الأسرار القرآنيّة» ([76]). وقد أشكل الإمام الخميني على مَنْ ذهب إلى أن وضع اللفظ كان بإزاء المعنى المطلق المجرّد عن القيد المادي؛ لأن الألفاظ بإزاء المعاني كانت بحَسَب العُرْف، لا من قِبَل الشارع جلَّ جلاله، ولكنْ مع ذلك أقرّ بالنتيجة، فقال ما مفاده: «إن الواضع لم يُلاحظ حال الوضع المعنى المجرد والحقيقة المطلقة عن القيود المادية، لكنْ مع ذلك وُضِع اللفظ لهذا المعنى المجرّد»([77]). وكأنّه يقصد أن العُرْف يستنبط المفهوم العامّ عند الاستعمال، فكان الوضع الأوّل الذي بإزاء القيد المادّي هو من باب المصداق الأوّلي. وقد مثَّل له الإمام الخميني، في كتابه «تقريرات فلسفية»، فقال: «إن لفظ النور لاحَظ الواضع فيه الأنوار الحسيّة، وافرض بأنه لم يكن يدرك وجود أنوار غير حسّية فإذن لاحَظ المعنى المادّي أثناء الوضع. لكنّ الوضع وقع على المعنى المجرَّد عن القيد المادي، فالوضع هنا وقع على الجهة النورية في هذا النور الحسّي، لا على الخليط من النور والظلمة؛ إذ لو قيل للواضع: إن هذه الأنوار الحسية ليست نوراً صِرْفاً، بل هي نورٌ مختلطٌ بالظلمة، فهل وضَعْتَ لفظ النور بإزاء تلك الجهة النورية أم بإزاء الجهة النورية والظلمانية؟ سيجيب بالضرورة أنه بإزاء جهة النورية، وأما جهة الظلمة فليس لها دخلٌ في الموضوع له، فتكون كلمة النور موضوعةً لما فيه جهة «الظاهرية بالذات والمُظْهِرية للغير»، وهي تطلق حقيقة على النور المادّي، حيث لا يُلاحَظ في هذا الإطلاق تلك القيود المادّية، وتُطلَق حقيقةً على الأنوار الملكوتية التي تكون مُظْهِريتها أكثر كمّاً وكَيْفاً على الأنوار الجبروتيّة، وعلى الذات المقدَّسة، فهي صرف النور، خالصة من جميع جهات الظلم، بل تُطْلَق على كلّ مصداقٍ لها، ولو لم يكن خاطراً في ذهن الواضع وعقله، فهنا لا نلجأ إلى العُرْف، فحتّى لو لم يستطع العُرْف الكشف عن مصداقٍ حقيقي لهذا المعنى، أو نفى كونه مصداقاً، واستدللنا على كونه مصداقاً، حينئذٍ يكون إطلاق اللفظ عليه حقيقة([78]).

وبحَسَب هذه النظرية يمكن إدراك هذه النقلة النوعيّة في فهم النصّ الديني من حالة الجمود إلى حالة الحَرَكيّة الحيّة، وتكوُّن قراءات عصريّة متجدّدة مبنيّة على تعدّد المصاديق. ومن هنا يمكن فهم عمق كلام الإمام عليّ×: «إن القرآن حمّالٌ ذو وجوه»، حيث أكَّد أنّ للقرآن خصيصة تعدّد الأوجه كضرورةٍ إيجابية مقصودة للشارع المقدّس، فلسفتها إدخال عدّة معانٍ مصداقيّة في الروايات، والسؤال عن سبب طلب الإمام عليّ× من ابن عبّاس أن لا يحاجج الخوارج بالقرآن، وأن يكتفي بالسُّنَّة([79])، قيل: لأن في القرآن غوامض ودقايق([80])، وقيل: يَحتمِل التصريف على التأويلات، والحَمْل على الوجوه المختلفات([81])، وقيل: «يُستفاد منه عدم جواز الاحتجاج بالقرآن في غير النصوص، والمُحْكَمات التي لا تحتمل إلاّ وجهاً واحداً»([82]).

والأرجح أنّ نهي الإمام× كان بداعي تقليل الجدال في بعض مواضيع القرآن، دون الجميع؛ لما يحتمل القرآن من وجوهٍ محتَمَلة يتمسَّك بها المخالف([83])؛ بينما نجد تفصيل السُّنَّة قد يمنع ذلك بشكلٍ عامّ، أو يمكن حَمْله على خصوص ذلك المورد، وإلاّ فكم من موارد نُقلت إلينا يحتجُّ المعصوم فيها بالقرآن، دون السُّنّة([84])؟! ثم إنّ طبيعة اللغة العربية متنوّعة الدلالة؛ بعضها يدلّ على معنىً واحدٍ لا يحتمل غيره، وهو اللفظ المختصّ؛ وبعضها له دلالةٌ متنوّعة تنفتح على عدّة احتمالاتٍ، وهو ما يسمى بالمشترك اللفظي، وهو الغالب في اللغة، فعن داوود بن فرقد قال: «سمعتُ أبا عبد الله× يقول: أنتم أفقه الناس إذا عرفتُم معاني كلامنا، إن الكلمة لتنصرف على وجوهٍ؛ فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء، ولا يكذب. وقد علَّق صاحب الوسائل بقوله: بهذا يرتفع الاختلاف عن أكثر الأحاديث؛ لاختلاف الموضع أو الحالات أو العموم والخصوص([85]).

ولذلك كان من الضروريّ استجماع القرائن؛ لبيان المراد في كلّ زمان. ثم إن الأوجه الأخرى لا تسقط عن الحجِّية والاعتبار؛ فلعلّها في نظر الشارع ترتبط حجِّيتها بقيود أخرى في محلّها، فهي أشبه بالروايات الضعيفة تثبت حجِّيتها إذا ما انطبقَتْ على الوقائع والأحداث مثلاً، فقد ورد عن النبيّ| أنه قال: «القرآن ذلولٌ ذو وجوه، فاحملوه على أحسن الوجوه»([86])، أي الوجوه الظاهرة. وقد يكون للبطون وجهٌ وجيه؛ لما للقران من عمقٍ وأبعادٍ لها مدخليّة في فهم الواقع والحقيقة، فعن رسول الله| يقول: ليس من القرآن آية إلاّ ولها ظهرٌ وبطنٌ([87])؛ وعن جابر بن يزيد الجعفي قال: سألتُ أبا جعفر× عن شيءٍ من التفسير؟ فأجابني، ثمّ سألتُه عنه ثانيةً، فأجابني بجوابٍ آخر، فقلتُ: جُعلتُ فداك، كنتَ أجَبْتَني في هذه المسألة بجوابٍ غير هذا قبل اليوم، فقال: يا جابر، إن للقرآن بطناً، وللبطن بطناً، وله ظهرٌ، وللظهر ظهرٌ. يا جابر، ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية يكون أوّلها في شيءٍ، وآخرها في شيءٍ، وهو كلامٌ متَّصل منصرفٌ على وجوهٍ»([88]). بل إن الإمام يبين أن الدنيا لها ظهر وبطن، ينبغي أن نفهم حقيقتها الإغوائية، فهي تتزيَّن في كلّ زمانٍ بشكلٍ متجدِّد، فلا بُدَّ من مواجهتها بمعرفة باطنها، يقول تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ (الروم: 7)، يعني ما يرونه حاضراً([89]). وبسبب هذه الروايات المستفيضة في البطون والأوجه المتعدّدة ذهب الطباطبائي إلى «أن للقرآن مراتب من المعاني المرادة بحَسَب مراتب أهله ومقاماتهم»([90]). وأكَّد «الحيدري» على أن تعدُّد الظهور والبطون للقرآن أمرٌ نسبي بحَسَب المراتب الزمانية؛ لما للقرآن من قعر عميق لا يمكن بلوغ منتهاه؛ لكونه من تجلّي الله الكامل([91]). من هنا ندرك أهمِّية معرفة أسرار لغة القرآن والروايات في سعة شمولها المعرفي؛ لتغطي مساحة اختلاف الأزمان إلى قيام الساعة.

3ـ معرفة مفسِّر النصّ

أسّست قاعدة نظرية المعرفة الكلاسيكية، من زمن أرسطو إلى زمان ديكارت الفرنسي عام 1649م، ومن ثمّ برزت قاعدة المعرفة الحداثوية إلى مطلع القرن التاسع عشر، ثمّ برزت نظرية المعرفة المعاصرة مطلع القرن العشرين، التي تقول بالانفتاح الدلالي للنصّ، وأن القرآن الكريم لا يمكن لقارئٍ واحدٍ استقصاء الاحتمالات الكامنة فيه([92]). وتوضيح ذلك بفَهْم بُعْدَيْن اثنين:

1ـ محدودية المتلقِّي والمفسِّر: لمّا كان المتلقّي متعدّداً، لا واحداً، كان لا بُدَّ أن ننظر في خصائصه الثقافية والبيئية واللغوية واستيعابه، وظروفه، فكلُّها عوامل مؤثِّرة في فهم النصّ بشكلٍ عامّ؛ لما لها من مدخليّة في تعدّد الفهم وتنوّعه. وعليه، يمكن جعل التنوُّع المطروح للتفسير مصاديق لمفاهيم القرآن إذا كان وفق الضوابط العلميّة، ولا تتعارض مع مقاصد القرآن وروحه.

2ـ الاستيعاب الخالد: بمعنى أن للقرآن بُعْداً استراتيجياً في بناء منظومته الفكرية، بما يجعله حيّاً لا يموت مهما طال الزمان؛ فعن أبي عبد الله×: «إن القرآن حيٌّ لم يمُتْ، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أوّلنا»([93]). فالمراد من جريان القرآن على الآخرين باعتبار أحكامه متجدِّدةً وفق تغيّر الزمان وتجدّد موضوعاته المختلفة، فلا يكفي فهم معنى النصّ لدى القارئ بما هو مختبئ وراء الألفاظ حَسْب الفهم التقليدي، بل لا بُدَّ أن ننظر إلى المعنى الذي ينشأ من تفاعل القارئ والنصّ، بوصفه أثراً يمكن ممارسته، وليس موضوعاً يمكن تحديده (أي إيجاد علاقة حوار بين المفسِّر والنصّ)»([94]). وهو قريبٌ من نظرية الشهيد الصدر في رؤيته لآليّة التفسير الموضوعي في استنطاق القرآن، من خلال الجلوس معه بعد عرض ما توصَّل إليه الفكر البشريّ في أيّ موضوعٍ مطروحٍ خارجاً. وهكذا كان «مطهَّري» في دراساته القرآنية يستطلع رأي الناس في أيّ موضوعٍ متدبِّراً ومحلِّلاً، ثمّ يأتي إلى القرآن؛ ليستخرج منه نظريَّته وفق الدليل في رفع الشُّبُهات المثارة حوله ليقدِّمه للناس([95]).

وهكذا ازدادَتْ خلال العقود الثلاثة الأخيرة وتيرة الدعوة إلى تجديدٍ شاملٍ في علم الكلام الإسلاميّ ـ التراثي ـ، تجديداً لا يقتصر على إضافة موضوعاتٍ حديثة، بل يمتدّ إلى نقد أُسُس العلم القديم ومناهجه، كخطوةٍ أولى نحو تأسيس علمٍ جديدٍ للإلهيات الإسلامية، يستفيد من المناهج الحديثة في العلوم الاجتماعية، ويتناول قضايا جديدةً باتَتْ تهمّ الإنسان في الوقت الحاضر، ولم يسبق تناولها من قبل، مثل: المجتمع والإنسان الفرد، والحرّية، والأخلاق، وحقوق الإنسان، والتجربة الدينية للإنسان([96]).

من هنا ندرك أهمّية علم الكلام الجديد كمفردةٍ من مفردات التجديد الديني، التي تعتمد على عناصر أساسية قائمة على معرفة فهم المتلقّي؛ لتأسيس منهج جديد يرتكز على مبانٍ علميّة عصريّة تحلّ المشكلات والتساؤلات المطروحة.

4ـ معرفة الواقع الموضوعيّ للنصّ

من الأُسُس التي سار عليها مشهور العلماء من الفريقين هو التعبُّد بفهم النصّ حَسْب فهم السَّلَف؛ لما يرونه من حَتْمية وجود ما وصلهم من قرائن ومعرفة بالحكم لقربهم من زمن النصّ. ولذا ذهب «الألباني» إلى أنّ من أهمّ دعائم السَّلَفية، التي تميِّزها عن غيرها، وجوب أن يفهم القرآن والسنّة على منهج السَّلَف الصالح من الصحابة والتابعين، أي ما كان في القرون الثلاثة»([97]). ونجد الذهبي أيضاً يردّ على بشر بن غياث المريسي في قضية حرصه على إثبات صفات الله وأسمائه بمنهج الرأي الذي عليه أبو حنيفة، فيقول: « وكان الأجدر به أن لا يتفوَّه بها، وينهج منهج السَّلَف في الاقتصار على إثبات ما ورد في كتاب الله والسنّة الصحيحة في باب الصفات»([98]).

وهكذا نجد «الصدر» يصل إلى نفس النتيجة، مع اختلاف المصداق، فيقول: «إن خبر الثقة إذا زُوحم بأمارةٍ أقوى من وثاقة الراوي فيسقط عنه الحجِّية، كإعراض المشهور عن خبرٍ صحيح إذا كانت الشهرةُ قريبةً من فترة النصوص»([99]).

وقد سار العلماء على هذا المنهج إلى وقتنا، وطبَّقوه في مختلف أبواب الفقه، ومنها: ما في باب الصلاة، عن أبي عبد الله×، قال: «قلتُ له: أيضع الرجل يده على ذراعه؟ قال: لا بأس»([100]). والحقيقةُ أن هذا الإعراض لا يفيد إلاّ ظنّاً لا دليل على حجِّيته. وموافقته للعامّة، أو موافقته لعمل المجوس، كما في بعض الروايات، ليس كافياً في إسقاطه([101])؛ لأنّ أصل الموضوع تبدَّل، وأصبح من عمل المسلمين وطريقتهم، ومع تغيُّر واقعه الموضوعي كيف لا يتغيَّر حكمه؟! وهو لا يختلف عن تغيُّر حكم الشطرنج من الحرمة إلى الإباحة بحَسَب ما ذهب إليه الخميني([102]). ولعلّ اعتبار الواقع الموضوعي للنصّ في فهم القِيَم الإسلامية ضرورةٌ؛ لما فيه من سدِّ الفراغ الحاصل من قصور ما وصلنا من الأدلّة على استيفاء جميع أحكام الموضوعات المستجدّة، بل يمكن القول بتعذُّرها، ولذا كان دأب القرآن ـ عموماً ـ صياغة خطابٍ عامٍّ يتضمن أحكاماً كلِّية قابلةً لاستيعاب المصاديق المتجدّدة. فقد يكون التشريع منوطاً بقومٍ ما أو ببقعةٍ جغرافية محدَّدة، كما كان تكليف الأنبياء السابقين([103])؛ وأخرى يكون التشريع عالمياً للجنّ والإنس، ممتداً عبر القرون إلى قيام الساعة([104])، فلا شَكَّ أن لكلّ مرحلة زمنية ظرفها الموضوعي. ولعلّ لذلك مدخليّةً في ابتكار ما سمّاه الفقهاء بالحكم الأوّلي والحكم الثانوي، فما يصحّ في ظرفٍ وبيئةٍ ما لا يصحّّ في ظرفٍ آخر، والعكس صحيحٌ. فللضروراتٌ ظرفٌ يباح فيه المحظورات، فهو بمثابة مسكِّنٍ للألم لمَنْ يعاني خَلَلاً وظيفياً في أعضائه، ومثل هذا العلاج منوطٌ بفترةٍ محدّدة مؤقَّتة، كما لو كان الإنسان في سَفَرٍ وضاقَتْ به السُّبُل فيأكل ما لا يُؤْكَل، ويَشرب ما لا يُشْرَب، وهذا الظرف والحكم لا يستمرّ مدّة حياته الطبيعية! وإلاّ هلك من حيث يرجو النجاة. من هنا نعرف أن الشارع المقدَّس قد جعل أحكاماً أخرى تتناسب مع ظروف الزمن المتجدّد، وهذا ما يمكن فهمه من الأدلّة المتعدِّدة المبيِّنة أحكاماً متعدّدة لموضوع واحد، كآيات النسخ مثلاً، فنسخ حكمٍ في زمانٍ لا يعني بالضرورة انتهاء العمل به إلى الأبد، كما عليه أكثر العلماء؛ فإن للنسخ معانيَ متعدّدة، حَسْب رأي جمهور السلف: «بأنه ما يطرأ على ظاهر النصّ من تخصيص عمومه أو تقييد مطلقه، أو بيان مجمله، أو تدرّج حكمه، أو تخفيفه، أو إلغائه، ونحو ذلك»([105]). من هنا ندرك ما ذهب إليه «الصفّار» من أن الحقيقة التي استدعَتْ نسخ الشرائع، بل ونسخ كثيرٍ من أحكام القرآن وآياته، هي تأثير خصوصيات الزمان ومناطات الأحكام([106]). وهو ذاته ما ذهب إليه «أبو القاسم الخوئي»، حيث فسَّر النسخ بمعنى كون الحكم المجعول مقيّداً بزمان خاصّ معلوم عند الله، مجهول عند الناس، ويكون ارتفاعه بعد انتهاء ذلك الزمان؛ لانتهاء أَمَده الذي قُيِّد به، وحلول غايته الواقعية التي أُنيط بها…؛ بداهة أنّ دخول خصوصيات الزمان في مناطات الأحكام ممّا لا يشك فيه عاقل([107]). وكذا نوَّه إليه «السُّبحاني»، عند تعريف النسخ، فقال: « بأنه ارتفاعُ الحكم المجعول المقيّد بزمانٍ معلومٍ عند الله، ومجهولٍ عند الناس، ويكون ارتفاعه بعد انتهاء ذلك الزمان؛ لأجل انتهاء أَمَده الذي قيّد به، وحلول غايته الواقعية التي أُنيط بها، ومن المعلوم أن للزمان دخالةً في مناطات الأحكام، فيمكن أن يكون الفعل مشتملاً على مصلحةٍ في سنين، ثمّ يخلو عن تلك المصلحة بعد انتهائها، وعندئذٍ رُبَما تقتضي المصلحة بيان الحكم من دون بيان حدِّه، مع أن المراد به هو المحدود بالحدِّ الزماني»([108]). ولعلّ مقتضى محدودية الحكم بالحدِّ الزماني للحكم لا يعني انتهاءه مطلقاً، بل لا يمنع عودته مع عودة زمانه وقيوده، وهو ما يمكن فهمه من فلسفة النسخ بكلّ أقسامه. يقول الطباطبائي: «إن الناسخ ينافي المنسوخ بحَسَب صورته، وإنما يرتفع التناقض بينهما من جهة اشتمال كلَيْهما على المصلحة المشتركة، فإذا توفي نبيٌّ، وبُعث نبيٌّ آخر، وهما آيتان من آيات الله تعالى، أحدهما ناسخٌ للآخر، كان ذلك جَرَياناً على ما يقتضيه ناموس الطبيعة من الحياة والموت والرزق والأجل، وما يقتضيه اختلاف مصالح العباد بحَسَب اختلاف الأعصار، وتكامل الأفراد من الإنسان. وإذا نُسخ حكمٌ دينيّ بحكمٍ دينيّ كان الجميع مشتملاً على مصلحة الدين، وكلٌّ من الحُكْمَين أطبق على مصلحة الوقت، أصلح لحال المؤمنين، كحكم العفو في أوّل الدعوة، وليس للمسلمين بعدُ عُدّةٌ، وحكم الجهاد بعد ذلك، حينما قوي الإسلام وأعدّ فيهم ما استطاعوا من قوّةٍ، وركز الرُّعب في قلوب الكفّار والمشركين. والآيات المنسوخة مع ذلك لا تخلو من إيماء وتلويح إلى النسخ، كما في قوله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾ (البقرة: 109)، المنسوخ بآية القتال؛ وقوله تعالى: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ (النساء: 14)، المنسوخ بآية الجلد فقوله: «حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ» وقوله: «أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً» لا يخلوان من إشعارٍ بأن الحكم مؤقَّت مؤجَّل، سيلحقه نسخٌ»([109]). وبالتدبُّر في ما ذكره الطباطبائي، من وجود إشعارٍ في بعض الآيات أن الحكم سيلحقه النَّسْخ في المستقبل، يمكن استكشاف احتمالٍ مفاده: إن تعدُّد الحكم منوطٌ بظروفه الموضوعية، فكما اقتضَتْ حكمة الله أن يكون الحكم الأوّل لزمانٍ محدّد؛ لوجود قيوده ومتعلَّقاته، كذلك كان الحكم الثاني، فيكون الأصل في فلسفة تعدُّد الأحكام توافقها مع مصلحة العباد؛ فملاك الأحكام وفق المصلحة والمفسدة المنوطة بالظروف الزمانية وتغيُّرها، فلا وجه للتمسُّك بالدليل الناسخ وشبهه من دون دليلٍ يفيد القطع بانتفاء الحكم السابق مطلقاً، وأيضاً في حال القطع بتغيُّر الزمان وقيود الحكم والموضوع يتغيَّر الحكم قطعاً، ويمكن القول بأن حكم الشارع بنسخ حكمٍ ما كان بسبب فقدان المصلحة منه بانتهاء قيد ظرف زمانها المناسب، ولازمه أن عودة الحكم لا شَكَّ فيه عند عودة ظرفه؛ فإن ملاكه في عالم الجَعْل معلوم الثبوت، ووجوبه على المكلَّف مرهونٌ بتحقق قيوده في عالم المجعول. ويمكن استنباط ذلك ممّا ورد عن مجاهد قال: «كان قد جُعل على أصحاب محمد يوم بدر على كلّ رجلٍ منهم قتال عشرة من الكفار، فضجّوا من ذلك، فجعل على كلّ رجلٍ قتال رجلين، فنزل التخفيف من الله عزَّ وجلَّ، فقال: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ (الأنفال: 66)»([110])، ويؤيّده ما ورد في تفسير القمّي قال: «كان الحكم في أول النبوّة في أصحاب رسول الله| أن الرجل الواحد وجب عليه أن يقاتل عشرة من الكفار، فإنْ هرب منهم فهو الفارّ من الزحف، والمائة يقاتلون ألفاً، ثمّ علم الله أن فيهم ضعفاً، لا يقدرون على ذلك، فأنزل الله: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ (الأنفال: 66)، ففرض الله عليهم أن يقاتل رجلٌ من المؤمنين رجلين من الكفّار، فإنْ فرّ منهما فهو الفارّ من الزحف، فإنْ كانوا ثلاثة من الكفّار وواحد من المسلمين، ففرّ المسلم منهم فليس هو الفارّ من الزحف»([111]). ولا شَكَّ أن الحكم الجديد نَسَخ الوجوب، ولم ينسخ أصل المحبوبية، التي هي ملاك الحكم لفعله، فقتل أكثر من رجلين مرغوبٌ للشارع، وأمرٌ لا رَيْبَ فيه.

ولا شَكَّ في رجحان الاستنباط عند العلماء لغير المعصوم، لمَنْ لديه معرفةٌ وخبرة وورعٌ في دينه، تؤهِّله لاستنباط الأحكام التي فيها مصلحة الإسلام والمسلمين، وهو أمرٌ راجح؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ (النساء: 83). يقول محمد جواد مغنيّة: «والمعنى: كان الأولى بالذين أذاعوا ما سمعوه من أخبار الحرب أن يمسكوا عن الخوض في ما بلغهم، ويعرضوه على الرسول والأكفاء من أصحابه، فهم وحدهم الذين يعرفون أخبار الحرب ومكائدها، ويستخرجون الأشياء من مصادرها، ويردّونها إلى أصولها، فقوله تعالى: ﴿…الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ…﴾ يعني أن الأكفاء يعرفون حقيقة الخبر المذاع، والقصد منه؛ لأنهم هم الذين يستخرجون الخفايا والحقائق من منبعها الأوّل، ويفعلون ما توجبه الحكمة والمصلحة»([112]).

ولقد أرشد القرآن الكريم المؤمنين إلى ضرورة الـتأسّي بمنهج النبيّ إبراهيم ومن معه، مع أنّ تشريعاتهم تمَّتْ وانتهَتْ، ونسخَتْ أحكامها، ما يدلِّل على أن دينهم واحدٌ، لا اختلاف فيه، والاقتداء بمنهجهم لا ينافي الإسلام([113]). ويمكن الاستفادة من جميع التشريعات المنسوخة وغير المنسوخة ـ على فرض ثبوتها ـ وفق مناسبات الحكم والموضوع. يقول حيدر حبّ الله: «إن جواد مغنيّة ومحمد باقر الصدر يتّفقان أنه لا يمكن فهم النصّ إلى المعنى النهائيّ له بكلّ حدوده حتّى لو أحصى الدلالات اللفظيّة، من وضعيّةٍ وسياقيّةٍ، واستوعب المعطى اللغوي للنصّ؛ لأنه لا بُدَّ من الأخذ بعين الاعتبار الفهم الاجتماعيّ للنصّ، زائداً عن الفهم اللغويّ المعجميّ والسياقيّ اللفظيّ؛ لأن الصدر يعتبر أنّ الحياة الاجتماعيّة تكوِّن خبرةً مشتركة وذهنيّةً موحّدة، تشكّل أساساً لمرتكزاتٍ عامّة وذوقٍ مشترك في مجالات عديدة، بما فيها المجال التشريعي والتقنيني، والمرتكزات العامّة والذوق المشترك في المجال التشريعي والتقنيني هو ما يطلق عليه الفقهاء في الفقه اسم مناسبات الحكم والموضوع»([114]).

فالتجديد المطلوب يتّجه إلى إيجاد القواعد والمناهج الجديدة أو الإضافية، التي من شأنها أن تكشف حركيّة الإسلام في الزمان والمكان، باعتبار أنه الرسالة الخاتمة، والدستور الحيّ الذي لا يموت؛ فما رُوي أن حرام محمدٍ حرامٌ إلى يوم القيامة، وحلال محمدٍ حلالٌ إلى يوم القيامة، وما قيل: «إنها دالّة على اتحاد الغائبين عن زمان التشريع ـ وإنْ كانوا في آخر الزمان ـ مع الحاضرين»([115])، فهو في الجملة، وليس بالجملة، فلا بُدَّ من تقييده بثوابت الأحكام وعدم التمسُّك بإطلاقه؛ إلاّ أن نقول بدخول التبدُّل الكائن في الأحكام ضمن المقصود والمراد، وبتعبير آخر: الأحكام الجديدة مصاديق لأمر النبيّ ونهيه على مرّ الزمان؛ فقد حكم الباقر× في إخراج لحم الأضاحي بحكمين مختلفين؛ فعن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله×، قال: سألتُه عن إخراج لحوم الأضاحي من مِنَى؟ فقال: كنا نقول: لا يُخْرِج شيئاً لحاجة الناس إليه، فأما اليوم فقد كُشف الناس، فلا بأس بإخراجه([116]). ولقد بدّل الإمام الصادق× ما حكم به النبيّ كاشفاً أن مدار فلسفة الأحكام ومعرفة ملاكاتها بنظر الشارع إنما تنسجم مع المصلحة العامّة للناس؛ فعن جميل بن درّاج قال: سألتُ أبا عبد الله× عن حبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام بمِنَى؟ فقال: لا بأس بذلك اليوم؛ إن رسول الله|إنما نهى عن ذلك أوّلاً لأن الناس كانوا يومئذٍ مجهودين، فأما اليوم فلا بأس»([117])؛ وكذا ما رُوي أن علياً× كان يقول: «لا تقسروا أولادكم على تربيتكم (أو أخلاقكم)؛ فإنهم خُلِقوا لزمانٍ غير زمانكم»([118])، فلكلّ زمانٍ أدواته وطرقه في التربية ينبغي أن تؤخذ بالحسبان.

ولعلّ من ضمن الأدلّة على كون «التجديد الإسلامي» بنيوياً، لا شكلياً، هو ما رواه أحمد بن حنبل، عن النبي|: «إن الله يمنّ على أهل دينه في رأس كلّ مائة سنةٍ برجلٍ من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم»([119])، فلو اعتمدنا حجِّيتها في الجملة يكون مصداقها الأتمّ والمقطوع به هو الإمام المنتظر#، الذي أخبرت عن خروجه في آخر الزمان رواياتٌ متواترة، وأنه «يأتِ بدِينٍ جديد»([120]).

ونخلص إلى أن مفهوم التجديد، حَسْب الرؤية القرآنيّة يتَّسم بضرورتين:

1ـ ضرورة الإصلاح وفق منهج الحجّة والبيِّنة الشرعية. ولا يتأتّى ذلك وفق المنهج التقليدي الداعي للعودة إلى فهم الدين وفق رؤية فهم السَّلَف فحَسْب، فإن ما ورد من شمولية القرآن والسنّة لما يفي بحاجة الناس في كلّ زمانٍ خيرُ دليلٍ على حركية الدين وانفتاحه على متطلّبات الواقع، من دون التخلّي عن ثوابته وقِيَمه العليا. ولذا كان الإصلاح الفكري مطلباً إلهياً، نادى به جميع الأنبياء، يقول تعالى، حاكياً عن نبيّ الله شعيب: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88). وأما السُّنّة ففيها ما يكفل التجديد؛ لما فيها من كمالٍ يستشرف تغيّر الأحوال واستنطاق المصاديق؛ فقد ورد في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله× قال: قال أمير المؤمنين×: «الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتّى بيَّنْتُ للأمة جميع ما تحتاج إليه»؛ وفي خبر حمّاد، عن أبي عبد الله×، قال: سمعتُه يقول: «ما من شيءٍ إلاّ وفيه كتابٌ أو سُنّةٌ». وفي خبر المعلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله×: «ما من أمرٍ يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصلٌ في كتاب الله ـ عزَّ وجلَّ ـ، ولكنْ لا تبلغه عقول الرجال»([121]).

2ـ ضرورة أنّ التقاعس عن التكليف يؤذن بالعذاب الحَتْمي. يقول تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ (الروم: 41). فلا بُدَّ من تخليص الإسلام والمسلمين من بين عَبَثية الشرق والغرب، وأنانيّة التحزُّب الأعمى، فكلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون! فالتجديدُ المطلوب بإبدال شيءٍ بما كان سابقاً، مماثلاً له أو مختلفاً عنه، أو إحداث شيءٍ جديد؛ بدليل محرز، وفق أسسٍ ومبانٍ مستنبطةٍ من ثوابت الإسلام وضروراته، المقطوع بها في القرآن والسنّة، وهو منوطٌ بمؤسّسة تخصُّصية تجدِّده من جميع جوانبه السياسية والعبادية والاجتماعية والاقتصادية، وفق ضوابط علمية ومنهجية، على أساس معرفة مكوّن النصّ، ومعرفة لغة النصّ، ومعرفة مفسِّر النصّ، ومعرفة الواقع الموضوعي للنصّ.

الهوامش

(*) باحثٌ إسلاميّ، وأستاذ الدراسات العليا في جامعة المصطفى| العالميّة في دمشق. من سوريا.

([1]) عبد الرحمن السيوطي، الديباج على صحيح مسلم بن الحجّاج، ط1، سنة 1416هـ ـ 1996م، دار ابن عفان للنشر والتوزيع.

([2]) النعمان المغربي، دعائم الإسلام 1: 2، 1383 ـ 1963م، دار المعارف، القاهرة.

([3]) راجع: إسماعيل بن حماد الجوهري(393هـ)، الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) 1: 451، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، القاهرة، مطابع دار الكتاب العربي، 1376 ـ 1377هـ؛ وكذا: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا(365هـ)، معجم مقاييس اللغة 1: 409، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، دار إحياء الكتب العربية، 1366هـ؛ وغيرهم.

([4]) راجع، محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي، لسان العرب 2: 202؛ ومحمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح: 95.

([5]) أحمد بن محمد بن علي الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: 80:

http://www.al ـ islam.com

([6]) د. محمد سعيد خير بسطامي، مفهوم تجديد الدين: 10، ط1، 1433هـ ـ 2012م، مركز التأصيل للدراسات والبحوث، جدّة.

([7]) انظر: محمد عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير في شرج جامع الصغير 2: 281؛ وكذا: محمد شمس الحقّ العظيم آبادي، عون المعبود في شرح سنن ابن أبي داوود، ومعه حاشية بن القيم الآبادي 11: 263.

([8]) مقال د. احتراس شاكر فندي: ضوابط التجديد في التفسير المعاصر، مجلّة جامعة الأنبار الإسلامية، العدد 34: 56.

([9]) مقال اسعيد مديون: التجديد بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي (ولم أجِدْه عند السيوطي):

https://www.maghress.com/attajdid/1

([10]) أنور أبو طه وآخرون، خطاب التجديد الإسلامي الأزمنة والأسئلة: 18، ط1، 2004م، دار الفكر، دمشق.

([11]) مقابلة مع يوسف القرضاوي في اليوتيوب، بعنوان: مفهوم التجديد الإسلامي.

([12]) محمد حمزة، إسلام المجددين، الإسلام واحداً ومتعدداً: 6، بيروت، سلسلة بحوث بإشراف   د. عبد المجيد الشرفي.

([13]) راجِعْ: ما ذكره عبد الفتاح محجوب، محمد إبراهيم، حسن الترابي، فساد نظرية تطوير الدين: 53، ط1، بيت الحكمة، القاهرة، 1995م.

([14]) د. محمد سعيد خير بسطامي، مفهوم تجديد الدين: 273.

([15]) المصدر السابق: 17.

([16]) اسعيد مديون، مقالةٌ بعنوان: إشكالية التجديد بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي: 1 ـ 3:

https://www.maghress.com/attajdid

([17]) راجع: محمد إبراهيم شريف، اتجاهات التجديد في تفسير القرآن: 148، دار التراث، القاهرة، ط1، 1982م.

([18]) منها: عن ابن عباس قال: «قام فينا رسول اللهﷺ خطيباً بموعظةٍ فقال: يا أيها الناس، إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة… ألا وأنه سيُجاء برجالٍ من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول، كما قال العبد الصالح: وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كلّ شيء شهيد، إنْ تعذبهم فإنهم عبادك، وإنْ تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، قال: فيُقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم». ورد في البخاري وغيره، راجع: مسلم بن الحجّاج، صحيح مسلم 8: 157، دار الفكر، بيروت.

([19]) مقال بعنوان: إشكالية التجديد بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي، بقلم: اسعيد مديون:

https://www.maghress.com/attajdid1

([20]) د. محمد عباس الكبيسي، مقابلة في اليوتيوب بعنوان: مفهوم التجديد الإسلامي.

([21]) محمد لمرابط، درسٌ على اليوتيوب بعنوان: ملخص درس الاجتهاد والتجديد الثانية بكالوريا.

([22]) د. حسن الترابي، قضايا التجديد نحو منهج أصولي: 158، ط1، 1421هـ، ط1، دار الهادي.

([23]) المصدر السابق: 160 ـ 164.

([24]) أنور أبو طه وآخرون، خطاب التجديد الإسلامي الأزمنة والأسئلة: 109.

([25]) محمود عكّام، صحيفة البيان، قضايا معاصرة ـ منهج التجديد، 2021م:

https://www.albayan.ae/

([26]) المصدر نفسه.

([27]) زكي الميلاد، صحيفة البيان، قضايا معاصرة ـ منهج التجديد، 2021م:

https://www.albayan.ae

([28]) فعن أَنَس بْنِ مالِكٍ قَال: قَال رسُولُ اللهِ|: ودِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي، قَال: فَقَال أَصْحَابُ النَّبِيِّ|: أَوَلَيْس نَحْن إِخْوَانَكَ ؟ قَال: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِين آمَنُوا بِي وَلَم يَرَوْنِي. راجع: مسند الإمام أحمد بن حنبل، الحديث رقم (12579 ـ 12607).

([29]) محمد علي الأنصاري، الموسوعة الفقهية الميسرة، ج3، ط1، الناشر، مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1420هـ.

([30]) أبو القاسم الخوئي، كتاب الطهارة 2: 20، ط2، مؤسسة آل البيت^ للطباعة والنشر، قم.

([31]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 23: 79، ط2، دار الوفاء، بيروت، 1983م.

([32]) حسن موسى الصفّار، الثابت والمتغيِّر في الأحكام الشرعية: 28، ط1، 2017م.

([33]) فقد رُوي عن النبي|: «بعثت والساعة كهاتين» (وأشار| بالسبابة والوسطى). الشريف المرتضى، الناصريات: 191، تحقيق: مركز البحوث والدراسات العلمية، 1417هـ ـ 1997م، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية.

([34]) سعيد الشيمي، أسس التجديد في الخطاب الديني، 2022م:

arabi.com

([35]) سنن أبي داوود، كتاب الملاحم 4: 109. ورواه أيضاً: الطبراني، كتاب المعجم الأوسط؛ الحاكم، كتاب المستدرك؛ البيهقي، كتاب المعرفة، كلّهم، عن أبي هريرة.

([36]) عبد الرحمن السيوطي، تنوير الحوالك، تحقيق وتصحيح: محمد عبد العزيز الخالدي، ط1، 1418هـ ـ 1997م، منشورات محمد علي بيضون ـ دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان.

([37]) ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في كتاب الله المنـزل 13: 114، المكتبة الشاملة.

([38]) محمد بن عمر الرازي، مفاتيح الغيب 25: 194، دار إحياء التراث العربي.

([39]) ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ (يس: 79).

([40]) محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 11: 220، انتشارات ناصر خسرو، طهران.

([41]) المصدر السابق 10: 284.

([42]) محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 6: 309، دار إحياء التراث العربي.

([43]) محمد حسين الطباطبائي، تفسير الميزان 18: 345، المكتبة الشاملة.

([44]) محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 9: 351، المكتبة الشاملة.

([45]) عبد علي جمعة الحويزي، نور الثقلين 2: 353، تحقيق تصحيح وتعليق: هاشم الرسولي المحلاتي، ط1، 1412هـ ـ 1370هـ.ش، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

([46]) محمد بن عمر الرازي، مفاتيح الغيب 20: 227.

([47]) محسن الفيض الكاشاني، تفسير الصافي 5: 154، المكتبة الشاملة.

([48]) محمد بن الحسن الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 6: 309، دار إحياء التراث العربي.

([49]) والرواية صريحةٌ في المعاد الجسماني، لا الروحاني.

([50]) عبد علي جمعة الحويزي، نور الثقلين 5: 108، انتشارات إسماعيليان، 1415هـ. راجع: الخصال للصدوق أيضاً.

([51]) محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 17: 8، انتشارات ناصر خسرو، طهران.

([52]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 1: 250، طبعة جماعة المدرّسين.

([53]) محمد بن الحسن الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 18: 136، ط1، ستارة قم، 1415هـ.

([54]) الفضل بن حسن الطبرسي، تفسير جوامع الجامع 2: 438، انتشارات دانشگاه تهران ومديريت حوزه علمية قم.

([55]) المصدر السابق 4: 309.

([56]) سعيد الشيمي، أسس التجديد في الخطاب الديني، 2022م:

arabi.com

([57]) مؤتمر التجديد بعنوان: تجديد الخطاب القرآني مطلب قرآني:

https://www.youm.com/story/2020/1/30

([58]) كمال الحيدري، درس البحث الخارج في فقه المرأة، رقم 197، على اليوتيوب.

([59]) محمد بن عليّ بن بابويه القمي، الأمالي: 532، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، ط1، مؤسسة البعثة، قم، 1417هـ.

([60]) محسن الفيض الكاشاني، التفسير الصافي 5: 49.

([61]) راجع: نصر حامد أبو زيد، مفهوم النصّ دراسة في علوم القرآن: 24 و27، ط5، بيروت، المركز الثقافي العربي ـ دار البيضاء، 2000م. ومثله: محمد شحرور، وغيره.

([62]) محمد بن يعقوب الكليني، الكافي 1: 65، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ط5، 1363هـ.ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

([63]) المصدر نفسه.

([64]) المصدر السابق 1: 66.

([65]) المصدر السابق 1: 67.

([66]) المصدر نفسه.

([67]) محمد بن الحسن الطوسي، المبسوط 8: 60، تحقيق وتصحيح وتعليق: محمد الباقر البهبودي، 1351هـ.ش، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفري.

([68]) الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي، تذكرة الفقهاء 2: 128، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت^ لإحياء التراث، ط1، صفر 1414هـ، قم.

([69]) محمد بن علي بن بابويه القمي، علل الشرائع: 126، تقديم وتحقيق: محمد صادق بحر العلوم، 1385هـ ـ 1966م، منشورات المكتبة الحيدرية.

([70]) عبد علي جمعة الحويزي، تفسير نور الثقلين 4: 65، تحقيق تصحيح وتعليق: هاشم الرسولي المحلاتي، ط1، 1412هـ ـ 1370هـ.ش، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

([71]) محمد علي التهاوني، اكتشاف اصطلحات الفنون 2: 1600.

([72]) كمال الحيدري، درس البحث الخارج في فقه المرأة، رقم 197، على اليوتيوب.

([73]) محمد باقر الصدر، تقريرات محمود الهاشمي، مباحث الأصول 7: 333.

([74]) كمال الحيدري، درس البحث الخارج في فقه المرأة، رقم 197، على اليوتيوب.

([75]) انظر: حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل 11: 183، ط2، مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، لبنان، 1408هـ ـ 1988م.

([76]) روح الله الخميني، مصباح الهداية 5: 24، المكتبة الشاملة، حيث يعتقد روح الله الخميني أن من ثمرات ذلك التدبُّر كشف حقيقة الإنباء والتعليم في النشآت والعوالم، فإن التعاليم والإنباءات في عالم الروحانيّات وعالَم الأسماء والصفات غير ما هو مشاهدٌ عندنا، أصحاب السجون والقيود وجهنم الطبيعة، وأهل الحجاب عن أسرار الوجود.

([77]) روح الله الخميني، تقريرات فلسفه 2: 346 (باللغة الفارسية).

([78]) المصدر السابق 2: 347 ـ 348.

([79]) قال× لابن عباس، عندما أرسله لمحاججة الخوارج: «لا تخاصمهم بالقرآن؛ فإن القرآن حمّالٌ ذو وجوهٍ، تقول ويقولون، ولكنْ حاجَّهم بالسُّنَة». محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 2: 245، ط2، دار الوفاء، بيروت، 1983م.

([80]) محمد بن علي بن باويه القمي، الإمامة والتبصرة: 6، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي×، قم، ط1، 1404هـ ـ 1363هـ.ش.

([81]) الشريف الرضي، المجازات النبوية: 251، تحقيق: طه الزيني، مكتبة بصيرتي، قم.

([82]) علي النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار 8: 200، تحقيق وتصحيح: حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين في قم.

([83]) لأن طبيعة شبهة الخوارج كانت في موضوعٍ خاص، حيث تمسَّكوا بظاهر القرآن فيه، ولا ينفع معهم الاستدلال به، فأرشده الإمام إلى أن يذكِّرهم بما قاله النبيّ| الذي بين مقاصد القرآن ومصاديقه.

([84]) منها: عن أبي الحسن الرضا× قال: إن الله عزَّ وجلَّ أمر بثلاثةٍ مقرونة بها ثلاثة أخرى، أمر بالصلاة والزكاة، فمَنْ صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه صلاة، وأمر بالشكر له وللوالدين، فمَنْ لم يشكر والدَيْه لم يشكر الله عزَّ وجلَّ، وأمر باتقاء الله وصلة الرحم، فمَنْ لم يصِلْ رحمه لم يتَّقِ الله عزَّ وجلَّ. حسين الطباطبائي البروجردي، معجم أحاديث الشيعة 8: 4، مطبعة مهر، قم، 1397هـ.

([85]) محمد بن الحسن الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 27: 117، ط1، ستارة قم، 1415هـ.

([86]) محمد بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان 1: 40، ط1، 1415هـ ـ 1995م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

([87]) رواها كثيرٌ من العلماء، منهم، حسن الميرجهاني الطباطبائي، مصباح البلاغة في مشكاة الصياغة 3: 330، 1388هـ.

([88]) محمد محسن القاساني، الأصول الأصيلة: 24، 25 محرّم الحرام 1390هـ، سازمان چاپ دانشگاه، إيران.

([89]) علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمّي 2: 153، مطبعة النجف.

([90]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن 3: 73، طبعة جماعة المدرّسين.

([91]) كمال الحيدري، درس البحث الخارج في فقه المرأة، رقم 197، على اليوتيوب.

([92]) سعيد النكر، نظرية النصّ: 332.

([93]) أبو القاسم الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 22، المكتبة الشاملة.

([94]) روبرت هولب، نظرية المتلقّي: 16، ترجمة: عزّ الدين إسماعيل، المكتبة الأكاديمية.

([95]) محمد علي أيازي، التفسير الموضوعيّ عند السيد الصدر: قراءةٌ تحليلية مقارنة، ترجمة: كاظم خلف العزاوي، موقع نصوص معاصرة:

nosos.net

([96]) أ. حامد فتحي، علم الكلام الجديد: المفاهيم والمنهج والموضوع

nohoudh.center.com

([97]) محمد ناصر الدين الألباني، الفتاوى المنهجية: 40.

([98]) محمد بن أحمد الذهبي، سير أعلام النبلاء 13: 320، تحقيق: علي أبو زيد، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، ط9، 1413هـ ـ 1993م، مؤسسة الرسالة، بيروت ـ لبنان.

([99]) محمد باقر الصدر، تقريرات محمود الهاشمي، بحوث في علم الأصول 4: 426.

([100]) محمد صادق الروحاني، فقه الصادق 5: 133، ط3، 1412هـ، مؤسسة دار الكتاب، قم.

([101]) فعن أبي جعفر×: قال: «لا تكفِّر إنما يصنع ذلك المجوس». محمد بن الحسن الطوسي، الخلاف 1: 323، تحقيق: جماعة من المحقّقين، جمادي الآخرة 1407هـ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في قم.

([102]) علي الحسيني الخامنائي، أجوبة الاستفتاءات 2: 16، ط1، 1420هـ ـ 1999م ، الدار الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ـ لبنان.

([103]) منها قوله تعالى: ﴿…وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ (فاطر: 24) وقوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ (هود: 25) وقوله: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الحجر: 80).

([104]) وقول تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا﴾ (الأنعام: 130) الرسل من الجنّ: هم الذين كانوا يستمعون للأنبياء؛ لينذروا قومهم، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ (الأحقاف: 29)، وقوله: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً﴾ (الجنّ: 1 ـ 2).

([105]) إنكار وقوع النسخ في القرآن وهو مقال للرد على شبهة الإنكار على، موقع بيان الإسلام:

bayanelislam.net

([106]) حسن موسى الصفار، الثابت والمتغيّر في الأحكام الشرعية: 29، ط1، 2017م.

([107]) أبو القاسم الخوئي، البيان في تفسير القرآن: 183، ط4، دار الزهراء للطباعة والنشر، بيروت، المكتبة الشاملة.

([108]) جعفر السبحاني، الإلهيات: 574، ط1، 1409هـ ـ 1989م، بيروت، الدار الإسلامية للطباعة.

([109]) محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن ‏1: : 253، طبعة جماعة المدرّسين.

([110]) عبد الرحمن بن الجوزي، نواسخ القرآن: 169، دار الكتب العلمية.

([111]) علي بن إبراهيم القمّي، تفسير القمّي ‏1: 280، دار الكتاب، قم.

([112]) محمد جواد مغنية، تفسير الكاشف ‏2: : 392، دار الكتب الإسلامية، طهران.

([113]) يقول تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ…﴾ (الممتحنة: 4)، وقال أيضاً: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (الممتحنة: 6).

([114]) مقالة لحيدر حبّ الله، العلاّمة محمّد جواد مغنيّة بين الفهم الاجتماعي للنصّ والتفكير المقاصدي، موقع شجون عربية (مجلة العرب من المحيط إلى الخليج):

arabiyaa.com

([115]) علي الأنصاري، الموسوعة الفقهية الميسرة، ج3، ط1، مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1420هـ.

([116]) الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي، منتهى المطالب 2: 76، الطبعة الحجرية.

([117]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 19: 227، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، ط2، 1365هـ.

([118]) ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة 20: 267، مؤسّسة إسماعيليان، قم.

([119]) محمد شمس الحقّ العظيم آبادي، عون المعبود مع شرح ابن قيّم الجوزية 11: 261، ط2، 1415هـ، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان. وذكره عبد الوهّاب بن علي السبكي، طبقات الشافعية الكبرى 1: 199، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، دار إحياء الكتب العربية. وذكره أحمد بن عبد الله الأصبهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1405م.

([120]) أبو القاسم الخوئي (تقرير محمد البهسودي)، مصباح الأصول 2: 271، ط5، مكتبة الداوري، قم، 1411هـ.

([121]) حسين علي المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 2: 62، ط2، شوال 1409هـ، المركز العالمي للدراسات الإسلامية.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً