أحدث المقالات

د. السيد نادر محمد زاده(*)

ترجمة: وسيم حيدر

مقدّمةٌ

موضوع هذا المقال عبارةٌ عن مقارنة بين مفهوم الشهود في عرفان المذهب الأُرثوذُكسي في المسيحية، والطريقة الكبروية [نسبة إلى مؤسِّسها الشيخ نجم الدين الكبرى([1])] في الإسلام؛ حيث يلتقيان في الكثير من المبادئ والتفاصيل. فقد كان للمذهب الأُرثوذُكسي المشرقي ـ بحكم حاضنته الشرقية، والأوضاع الجغرافية والتاريخية والسياسية ـ ارتباطٌ وثيق بالشرق، والعالم الإسلاميّ بشكلٍ خاصّ. يُعَدّ بحث إمكان رؤية الله تعالى ـ على الرغم من تنزُّهه الذاتي ـ من المسائل الأساسية في الأديان الإبراهيمية. طبقاً لرؤية المذهب الأُرثوذُكسي والطريقة الكبروية إنما يمكن مشاهدة صفات الله وقواه بعين القلب فقط، ولا يكون ذلك إلاّ بعد إزالة الغشاوة والصدأ عنه، وأما ذات الله سبحانه وتعالى فتبقى متعذِّرةً على الوصف والرؤية. وعلى الرغم من ذلك؛ فقد وصف عرفاء الأُرثوذُكس شهود الله أنه شهودُ تثليثٍ، ولا سيَّما شهود المسيح؛ وأما عرفاء الطريقة الكبروية؛ فحيث إن الله منزَّهٌ عن الرؤية في الإسلام مطلقاً؛ فلا نجدهم يتحدَّثون عن شهود ذات الله أبداً، وإنما يصفون شهودهم بأنه شهودٌ لصفات الله ومظاهره. كما تحدَّث بعض العرفاء، من كلا الطريقتين، في شهودهما لله عن نموذج النور الأسود، وتحدَّث بعضٌ آخر منهم عن نموذج النور الأبيض. وسوف نعمل في البداية على بيان رؤية المذهب الأُرثوذُكسي في هذا الشأن، لنردف بعد ذلك ببيان الطريقة الكبروية، ثمّ نعمل في نهاية المطاف على دراسة أوجه الشَّبَه والاختلاف بين هاتين النظرتين في ما يتعلَّق برؤية الله وشهوده.

الشهود الإلهي في العرفان الأُرثوذُكسي

1ـ الله المشهود وغير المشهود، مفارقةٌ وحلول

عندما نقرأ الكتاب المقدَّس نواجه نوعين من النصوص المتناقضة حول شهود الله، وهما: النصوص التي تنكر أيّ نوعٍ من أنواع شهود الله، والتي تتحدَّث عن الإله غير المرئي، والذي لا يمكن التعرُّف على حقيقته وكُنْهه، ومن ذلك النصّ القائل: «أما وجهي فلا تقدر أن تراه؛ لأن الذي يراني لا يعيش»([2]).

وهناك نصوصٌ أخرى تحثّ الإنسان على البحث عن وجه الله، وتبشِّر بشهود الله كما هو، من قبيل: النصّ القائل: «ويكلم الربّ موسى وجهاً إلى وجه، كما يكلِّم الإنسان صاحبه»([3]). والنصّ القائل: «…لأننا سنراه كما هو»([4]).

ومن هنا، فإنه طبقاً لنصوص الكتاب المقدَّس يكون الله مشهوداً وغير مشهود. ومع ذلك فقد تمّ حلّ مفارقة الإله المشهود / اللامشهود في المسيحية الأُرثوذُكسية بطرقٍ مختلفة على النحو التالي:

أـ التمايز بين الذات والقوى الإلهيّة القديمة([5]): يتمّ التمييز في اللاهوت التنزيهي الأُرثوذُكسي بين الذات وبين القوى الإلهية؛ فإن ذات الله غير قابلةٍ للوصول، ولا يمكن أن تُدرَك أو توصف، ولن يتمكّن الإنسان من التعرُّف عليه، لا في الدنيا ولا في الآخرة. وحتّى الملائكة المقرّبون لا يملكون معرفة عنه. وفي المقابل فإن الله يتجلّى لنا ويُظهر نفسه من خلال قواه. وعلى هذا الأساس فإن العارف وإنْ كان لا يرى الله، ولكنّه يشاهد قواه؛ حيث يُسجِّل الله حضوره من خلالها. ومن هنا فإن النصوص المقدَّسة التي تتحدَّث عن استحالة مشاهدة الله إنما تشير إلى ذات الله، والنصوص التي تتحدَّث عن مشاهدة الله ولقائه بالإنسان وجهاً إلى وجهٍ إنما تشير إلى مشاهدة القوى الإلهية، دون ذات الإله.

ب ـ شهود الله في المسيح: إن الله في ذاته غير مشهود، ولكنّه تجلى بنفسه على شكل إنسانٍ، وتجسَّد على شكل بشرٍ. وقد تحدَّث إيرنايوس([6]) (120 ـ 202م) عن الابن بوصفه الطبيعة المشهودة للأب غير المشهود. وصرَّح أثاناسيوس([7]) بأن المسيح قبل تجسُّده لم يكن مشهوداً، ولكنه أصبح مشهوداً بواسطة اتحاده بالإنسان([8]). وحتى المتألِّهون ـ من أمثال: نيكولاس كاوسيلاس([9]) ـ قد استعملوا مصطلح «التمسيح»([10])، بدلاً من «التألُّه»([11]). إن المشاهدات المنقولة عن الآباء كانت في العادة مشاهدة المسيح وروح القُدُس، وحتّى الأب الروحاني في بعض الأحيان. وفي ما يلي ننقل مشاهدة سيمون المتألِّه الجديد([12]) (949 ـ 1022م) للمسيح: «حتّى في الليل، وحتّى في وسط الظلمات، رأيتُ المسيح بفَزَعٍ، عندما كان يشقّ لي السماوات، حيث تواضع وظهر لي بشخصه، مع الأب وروح القُدُس، الأنوار المقدّسة الثلاثة، واحدٌ في ثلاثة، وثلاثةٌ في نورٍ واحد… شبيه بالنار تماماً. وسكن في منتصف فؤادي حقيقة…»([13]).

ج ـ شهود الله في المعاد: طبقاً للطريقة الثالثة لا يمكن مشاهدة الله في الحياة الراهنة، بَيْدَ أن الصالحين سوف يتمكَّنون من مشاهدته في ملكوت السماوات: «ما نراه اليوم هو صورةٌ باهتة في مرآةٍ، وأما في ذلك اليوم فسنرى وجهاً لوجهٍ. واليوم أعرف بعض المعرفة، وأما في ذلك اليوم فستكون معرفتي كاملة؛ كمعرفة الله لي»([14]). وفي الحقيقة فإن مشاهدة الله ستكون بمثابة الثواب والمكافأة في الحياة المقبلة([15]).

وعلى الرغم من أن الكثير من الآباء المشرقيّين يؤكِّدون على الشهود الإلهي في هذه الحياة الراهنة، ويتحدَّثون عن مشاهداتهم الخاصّة، إلاّ أنهم يرَوْن أن الشهود الكامل والتامّ سوف يتحقَّق في الحياة الأخروية([16]). ومن بين هؤلاء: سيمون المتألِّه الجديد؛ إذ يقول: «إن شهود الله هنا أشدّ حلكةً، وسوف يكون هنالك أشدّ وضوحاً وصفاءً». وفي الوقت نفسه يؤكِّد أن شهود الله في الحياة الراهنة إنما يكون من نصيب المحسنين والصالحين([17]).

د ـ شهود الله في الروح المطهَّرة: إن من بين الطرق الأخرى لمشاهدة الله هي الروح المتطهِّرة، والذي يؤدّي إلى تألُّه الروح. إن الله حاضرٌ في «أعماق قلب» كلّ إنسان. وقد أجمع الآباء المشرقيون على الاعتقاد بأن الإنسان بمقدوره مشاهدة الله في داخله وبعين القلب، إذا تطهَّر من الأدناس، وعمل على تجلية القلب من الصدأ. وعلى الرغم من أن الشبه والصورة الإلهية قد طالها التشوُّه بفعل الخطيئة الأولى، ولكنها لم تنعدم تماماً. ويمكن للإنسان، من خلال تطهيره لنفسه، أن يحصل على الشبه الإلهي، وأن يشاهد الله([18]).

2ـ نماذج من وَحْي التجارب العرفانيّة

لقد ذكر العرفاء من الأُرثوذُكس نموذجين لتوصيف وتصوير مشاهدة الله. والنموذج الأوّل: هو نموذج النور؛ والنموذج الآخر: هو نموذج الظلام. وكلا النموذجين مقتبسٌ من التجارب العرفانية الموجودة في الكتاب المقدَّس. ومن بين كبار المؤلِّفين العرفانيين نجد كلمنت الإسكندراني([19]) (220 ـ 314م)، وغريغوري النيسائي([20]) (331 ـ 394م)، وديونيسيوس الأريوباغي([21])، يتحدَّثون عن نموذج الظلام. وفي المقابل نرى الآباء، من أمثال: إيرنايوس، وأوريغون([22]) (185 ـ 254م)، وغريغوري نازيانزوس([23]) (329 ـ 391م)، وأوغريوس([24]) (المولود سنة 345م)، ومكاريوس المجهول([25])، وسيمون المتألِّه الجديد، وغريغوري بالاماس([26])، يكثرون من استعمال نموذج النور([27]).

وفي ما يلي نوضِّح هذين النموذجين:

أـ التمثيل بنموذج النور: إن نمذجة الله في الكتاب المقدَّس والنصوص العرفانية بوصفه نوراً أكثر من نمذجته بوصفه ظلاماً. والذين يمثِّلون بنموذج النور يتأسّون لذلك بمشاهدة النبيّ موسى× في سِفر الخروج: «فرأوا إله بني إسرائيل وتحت قدمَيْه شبه رصيف من الياقوت الأزرق، نقيّ كالسماء ذاتها»([28])، وشهود حزقيال للدواليب([29])، والأهمّ من ذلك كله تحوُّل المسيح النوراني في جبل تابور([30]).

إن العهد الجديد من الكتاب المقدَّس زاخرٌ بعبارات حول النور، والإشراق الإلهيّ، والإله الذي يُسمَّى بالنور([31]). وعلى الرغم من اشتمال كلمات الآباء على تعاليم حول نورانية الله والملائكة([32])، بَيْدَ أن سيمون كان هو أوّل مَنْ استبدل لاهوت النور القديم بلاهوت الظلام. إن تعلُّقه الخاص بنموذج النور عن الله يعود إلى تجربته الخاصّة بشهود النور، وقال في ذلك: «إن الله نورٌ لا متناهٍ لا يدرك. إن الأب والابن وروح القدس أنوار. إن هؤلاء الثلاثة نورٌ واحد بسيط سرمدي قديم، يحظى بالكرامة والقداسة والعظمة، وجميع هؤلاء الثلاثة يتساوون في ذلك. ثمّ إن كلّ ما يصدر عن الله هو نور. الحياة نور، والخلود نور، ومصدر الحياة نور، وماء الحياة نور، والحبّ والصلح، والحقيقة في ملكوت السماء، وذات ملكوت السماء نور…؛ إذ يكمن في الأب والابن وروح القدس نورٌ واحد…»([33]).

وهناك تعبيراتٌ أخرى عن الله غير النور والنار، من قبيل: الشمس، والقمر، والسراج، والشمع، والشعاع، وسحاب النور، والصدف، وما إلى ذلك في تعاليم سيمون والآباء الآخرين، وكلّها تعبِّر عن شيءٍ واحد([34]). والمسألة الهامّة في البين هي أن النور والنار المشهودين للعرفاء لا يمثِّلان ذات الله، وإنما هما يُعبِّران عن القوى الإلهية. ومن هنا فإن شهود العرفاء بدَوْره هو شهود القوى الإلهيّة، وأما الذات الإلهية فهي تبقى غير قابلةٍ للشهود. فهو نورٌ لا متناهٍ، متعذّرٌ على الوصف، بسيط، لا يحتويه زمان ولا مكان، مستحيلٌ على الفهم والكلام البشري، ولا صورة له ولا كمّ ولا كيف، ويعمل على إظهار نفسه في التاريخ، ويملأ الوجود كلّه وما يملكه الإنسان (من الحواس والعقل والجسم) بالنور. وعلى الرغم من ذلك كلِّه إذا لم تتحوَّل عين الإنسان لن يكون بمقدورها مشاهدته؛ إذ لا يستطيع الجسم أن يشاهده؛ ولذلك تعرَّض بولس إلى العمى بسبب عدم إيمانه بمجرّد ظهور النور الإلهي، وبعكسه مريم المجدلية حيث كانت قادرة على رؤية النور والملائكة والتحاور معهم([35]).

ب ـ التمثيل بنموذج الظلام: إن الذين يعملون على نمذجة الظلام يستمدّون نموذجهم من العروج الروحاني لتجربة النبيّ موسى× في جبل سيناء عند لقاء الله في «الظلام الدامس»: «فوقف الشعب على بُعْدٍ، وتقدَّم موسى إلى الضباب الذي كان فيه الله»([36]).

يعمد العرفاء إلى تقسيم صعود موسى نحو الظلام إلى ثلاثة أقسام، وهي أقسام تشير إلى ثلاث طرق من الصعود العرفاني، وهي: التصفية والتطهير؛ والإشراق؛ والكمال والاتحاد. وإن النبي موسى ـ من وجهة نظر ديونيسيوس الأريوباغي ـ قد نظر إلى العرش الإلهي بعد التطهير، ثمّ دخل في الاتحاد مع الله في «سُحُب الجهل»([37])([38]). والجهل هنا لا يعني الغفلة وعدم المعرفة بالعلوم الرسمية، بل إن إدراك الجهل هو في حدّ ذاته يعني العلم الإلهي المطلق.

يذهب ديونيسيوس إلى الاعتقاد بأن الله في الظلام؛ لأنه في حقيقته يكمن وراء جميع المفاهيم البشرية؛ إذ يقول: «للوصول إلى سُحُب الجهل يجب التخلّي عن الإحساس والعقل وجميع الأمور المحسوسة والعقلانية وكلّ شيء في عالم الوجود والعدم؛ كي تتمكَّن من الصعود بالجهل نحو الاتحاد مع الله؛ إذ لا يمكنك الوصول إلى الظلام الإلهيّ إلاّ بالإنكار المطلق والدائم لذاتك. ولم يكن من الاعتباط أن يؤمر النبي موسى بتصفية نفسه، والانفصال بعد ذلك عن أولئك الذين لم يقوموا بتصفية أنفسهم؛ ليتمكَّن بعد التصفية من سماع مختلف الأصوات، ورؤية الكثير من الأنوار الساطعة بمختلف الأشعّة. وبعد ذلك انفصل موسى عن التشتُّت، وبلغ أوج العروج الإلهيّ، ومع ذلك فإنه لم يحصل على حضور ذات الله، ولم يرَ الله [إذ إن الله لا يُرى]، وإنما رأى العرش فقط؛ حيث كان يسكن هناك»([39]).

والمسألة الهامّة بشأن إله الظلام هي أن عدم معلومية الله لا تعني اللاأدرية([40]). والنقطة الأصلية في كتاب «ترايدس»، لغريغوري بالاماس، هي أن ظلام السحاب الذي يحيط به الله ليس ظلاماً مفرغاً؛ فإن ذلك السحاب على الرغم من دفع جميع المدركات والحواس أو الذهن، ولكنه يضع الإنسان في حضور المطلق، الذي يتجلّى للأذهان النورانية والأبدان المطهَّرة([41]). وعلى الرغم من ذلك فإن الله حتّى مع تجلِّيه وظهوره للذهن والقلب النوراني يبقى متعالياً في ذاته، وعلى حدّ تعبير ديونيسيوس: إن الله يبقى خفيّاً حتّى بعد الوحي، ويبقى مستوراً حتّى في التجلّي أيضاً([42]).

الشهود والرؤية في الطريقة الكبرويّة

1ـ شهود الله، بين الإمكان والامتناع

إن المشاهدة تعني الرؤية والمعاينة والحضور عند شخصٍ. لم تتَّفق كلمة العرفاء والمتكلِّمين حول رؤية الله في الدنيا والآخرة. وقد ذهب بعض المتكلِّمين من الأشاعرة وبعض الصوفية إلى القول باستحالة رؤية الله في الدنيا بالعين الباصرة؛ استناداً إلى قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (العنكبوت: 5)، وذهبوا في الوقت نفسه إلى إمكان رؤية الله في الآخرة؛ استناد إلى قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (القيامة: 22 ـ 23)؛ واستندوا أيضاً إلى روايةٍ مأثورة عن النبيّ الأكرم| أنه قال: «إنكم سترَوْن ربَّكم كما ترون القمر ليلة البدر»([43]).

وبناءً على ما ورد في كتاب التعرُّف وشرحه، كان هناك أشخاصٌ، مثل: ابن عبّاس، وأسماء، وأنس بن مالك، يقولون بأن النبيّ الأكرم قد تشرَّف بلقاء الله في الدنيا ليلة المعراج([44]).

وأما المتكلِّمون من المعتزلة والشيعة وأكثر العرفاء فإنهم يمنعون رؤية الله بالعين الجارحة في الدنيا والآخرة؛ وقد استندوا في ذلك إلى آياتٍ من القرآن الكريم، ولا سيَّما قوله تعالى: ﴿لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ (الأنعام: 103)؛ إذ إن الرؤية بالعين الجارحة لا تتحقَّق إلاّ إذا كان للمرئي شكلاً أو صورةً، وعليه فإن رؤية الله بالعين الجارحة والحدقة لا يمكن أن يُكْتَب لها التحقُّق أبداً([45]).

وأما العرفاء الذين يعتقدون بإمكان رؤية الله بعين القلب فإنهم يجيزون رؤية الله في الدنيا والآخرة. إنهم يعتبرون عين القلب أو عين السرّ أداةً لشهود نور الحقّ، وهو لقاءٌ منزَّه عن الكيفية والتخيُّلات، ومن هنا فإن المؤمنين لا يرَوْن الله في الآخرة فحَسْب، وإنما يرونه حتّى في الدنيا وقبل الدخول إلى الجنة. والنقطة التي تميِّز أهل الحقيقة تكمن في شهود الله بالقلب. وإن ما رُوي عن الإمام عليّ×: «ما كنت أعبد ربّاً لم أره»([46])، وما رُوي عن النبيّ الأكرم|: «خَفِ الله كأنّك تراه، وإنْ كنت لا تراه فإنه يراك»([47]) إنما يُشير إلى هذا النوع من شهود القلب([48]). إن العارف يرى الله بعين الحقّ، التي هي في القلب. إن إدراك الحقّ بغير عينه غير ممكن. يقول داوود القيصري، وهو من عرفاء القرن الثامن الهجريّ: «كلّ مَنْ يرى الحقّ من نفسه في نفسه فهو ليس بعارفٍ»([49]). وهو يرى حتّى ذلك الذي يتوقّع رؤية الحقّ في يوم القيامة جاهلاً، بَيْدَ أن الذي يتوقَّع رؤية الله بعين ربِّه لا يكون من الجاهلين([50]).

يستند العرفاء في الشهود إلى قصّة النبيّ موسى× في القرآن؛ إذ سأل الله أن يظهر له شخصه؛ حتّى يراه، فقال له الله: إنك لن تراني، ولكنْ انظر إلى الجبل، فإن استقرّ في مكانه فسوف تراني، فلما تجلّى الله للجبل تهاوى الجبل، وهوى النبي موسى صعقاً، ولما أفاق قال: ﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف: 143).

وقد ذهب الهجويري(465هـ) إلى القول بأن سؤال النبيّ موسى× هو الذي حال بينه وبين رؤية الله سبحانه وتعالى([51]). ويرى العرفاء أن الذي حال دون رؤية النبي موسى× لربّه هو ثمالة الكينونة والأنانية فيه؛ إذ يقول: «أرني أنظر إليك»، وهذه الأنانية هي من أكبر الحُجُب التي تحول دون الرؤية، والتي عبَّر الله عنها بقوله: «لن تراني»([52])، وإن الجبل المشار إليه في هذه الآية هو جبل كينونة موسى×، وكان موسى يراه، ولما تجلّى الله إلى جبل كينونته انهار، ولذلك صعق موسى؛ لأن التجلّي الذاتي جعل كلّ ما سوى الله يفنى ويزول ويصبح دكّاً. وكما يقول الشبستري في مضمون بيتٍ من الشعر له: «لو وصل التجلّي إلى جبل الكينونة فإنه سيغدو هشّاً مثل تراب السابلة»([53]).

وقال شمس الدين محمد اللاهيجي (840 ـ 912هـ)، مفسِّر كتاب (گلشن راز): «لقد سأل النبيّ موسى مشاهدة ذات الأحدية، الأمر الذي أدّى إلى انهيار كينونته، وعلى هذا الأساس فإن رؤية ذات الحقّ تعالى مستحيلةٌ على الجميع، وإن الحكمَ في قوله تعالى: «لن تراني» مطلقٌ، وأما في تنزُّل الذات إلى مراتب الأسماء والصفات تغدو مشاهدة الله أمراً ممكناً، وقد تجلّى الله لموسى على شكل شجرةٍ في «الوادي الأيمن». ثم استنتج من ذلك قائلاً: «يتضح أن الذين قالوا باستحالة رؤية الله قد أصابوا من جهةٍ؛ بمعنى أنه من المحال رؤيته من جهة الذات؛ والذين قالوا بإمكان رؤيته قد أصابوا من جهةٍ أخرى أيضاً؛ بمعنى إمكانية رؤيته من جهة الأسماء والصفات»([54]).

وعلى هذا الأساس يذهب ابن عربي (560 ـ 638هـ) وتلاميذه ـ في مفهوم وحدة الوجود ـ إلى القول بأن مقام أحدية الحقّ تعالى غير قابلٍ للتجلّي، ولا يمكن إدراكه، ولا يمكن توصيفه. إنهم يقولون بتنزيه ذات الحقّ مطلقاً، بحيث لا يمكن لأيّ مخلوقٍ أن يدرك مرتبة ذات الحقّ تعالى، وإنما يمكن له شهود الذات من جهة ظهورات وتجلِّيات أسماء الله وصفاته([55]).

وكذلك في مفهوم الوحدة الشهودية يكون المراد من الوحدة أن السالك يصل إلى مرتبةٍ لا يرى فيها سوى الله، ولا يسمع إلاّ به، ولا يأخذ إلاّ منه. وفي هذه الحالة تضمحلّ التكثُّرات الماثلة أمامه، وتغدو مجرَّد أوهام؛ وحيث لا يريد سوى الله فلن يرى سواه. إن العارف عاشقٌ ومحبٌّ لله، وإن هذه الطاقة الموجودة في العشق والحبّ هي التي تمنح إمكانية التركيز لدى العاشق على المعشوق، ولا يرى سوى المعشوق حيثما حَلَّ وارتحل، ولا يطيق له فراقاً، ومن هنا فإنه لا يرى سوى المعشوق. يرى القائلون بوحدة الشهود أن هذه الرؤية والعدسة الخاصّة لا تعني أن التكثُّر وَهْميّ ومتصوَّر حقيقة، وإنما هي مجرَّد وحدة يراها العالم، أو يسعى إلى رؤيتها([56]).

وأما الشيخ نجم الدين الكبرى (مؤسِّس الطريقة الكبروية) فيذهب إلى القول بأن جميع الكائنات إنما هي آياتٌ إلهية، ويوجد لها بأجمعها نموذجٌ في قلب الإنسان، وإن العارف في سلوكه لا ينال شهود الذات الإلهية، وإنما يقتصر شهوده على الآيات والصفات الإلهية اللامتناهية. إنه يتحدَّث عن المنازل والمحاضر (اللامتناهية) للصفات الإلهية، ويقول: إن السالك في سلوكه وعروجه يجتازها واحدةً بعد أخرى، وعند دخوله في كلّ منزلٍ يلفظ اسم ذلك المنزل من تلقائه، وتجري على لسانه الأسماء والصفات الإلهية، ويغدو عالماً بصفاته، ويكتسب صفات ذلك المنزل والمحضر (ويتخلَّق بالأخلاق الإلهية)، ويُسبِّح بالتسبيح الخاصّ بذلك المنزل([57]). ويقول أيضاً: «إن للقلب نصيباً من كلّ صفةٍ من صفات وذات الله، وهو يزداد دائماً، ويختلف أصحاب القلوب في ذلك، وكلّ صفة على محاضر، وللقلب نصيبٌ من كلّ صفةٍ من الصفات، وهي تتجلّى في القلب بمقدار نصيب القلب منها»([58]). ومن هنا فإن الشيخ نجم الدين الكبرى، على الرغم من قوله بالتشبيه، فإنه من القائلين بالتنزيه المطلق لله. ومن هنا فإنه في «فوائح الجمال»، الذي هو عبارةٌ عن تقريرٍ لمكاشفاته ومشاهداته الروحية، لا يتحدَّث عن شهود الله أبداً، وإنما هو في الأعمّ الأغلب تقريرٌ عن مشاهدات أرضية وسماوية للنجوم والشمس وما إلى ذلك، حيث يمثِّل كلّ واحدٍ من هذه الأمور محاضر وتجلِّيات للصفات الإلهية، ولكلّ واحدٍ منها معانيه ومفاهيمه الخاصة([59]).

وقد تحدَّث الشيخ عن شهود القرآن على شكل سماء، كما تحدَّث عن شهود النبيّ|، وعن الإمام عليّ× وسائر الأولياء. وأشار مرّةً واحدة فقط إلى سماع كلام الله، ولكنّه مع ذلك لا يتحدَّث هناك عن رؤية الله، وإنما يتكلَّم الله بمقدار سعة وطاقة السالك؛ إذ ليس لدى السالك طاقةٌ بكلام الله المجرَّد([60]). ومن هنا فإن الشيخ نجم الدين الكبرى يرى أن شهود الله عبارةٌ عن مشاهدة الآيات الإلهية، التي هي من النِّعَم الإلهية، وتشمل الظاهر والباطن([61]). وهو يرى أن الحقَّ محجوبٌ في عالم الظاهر والباطن([62]).

إن من النقاط الهامّة في رؤية الشيخ نجم الدين الكبرى أن هذه الآيات والصفات الإلهيّة تمثِّل حجابَ الله، وتحول دون السلوك، إلاّ أنها مع ذلك تمثِّل طريقاً لسلوك السالك إلى الله سبحانه وتعالى. وأما كون هذه الأمور تحول دون وصول السالك أو تساعده على الوصول فهو أمرٌ يعود إلى طريقة رؤيته. إن التوقُّف على الآيات الإلهية في السلوك سوف يكون حجاباً، ومع ذلك لو أدرك السالك أن الحُجُب تظهر آيات من الله، وأن ليس هناك من أملٍ في الوصول إلى الله إلاّ من طريق هذه الحُجُب والصفات، عندها سوف يجتاز هذه الحُجُب واحدةً بعد أخرى في طريق الشريعة والطريقة تحت إشراف الوليّ والشيخ تباعاً، ويحصل على حظوظٍ كبيرة من المعارف، وعلى حدّ تعبير الشيخ نجم الدين الكبرى: من التناسب مع كلّ محضرٍ إلهيّ، وتنفتح عليه في كلّ مقامٍ عينٌ باطنية([63]).

2ـ النموذج والمثال

أـ التمثيل بنموذج النور: غالباً ما يتمّ تشبيه الله سبحانه وتعالى في الدين الإسلامي بالنور، كما هو الحال في سائر الأديان الأخرى، مثل: اليهودية، والمسيحية، والزرادشتية، كما في قوله تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (النور: 35). وقد عمد الشيخ نجم الدين الكبرى ـ أسوةً بسائر العرفاء الآخرين ـ إلى تشبيه الله بالنور؛ استناداً إلى القرآن الكريم. بل إنه يذهب حتّى إلى اعتبار السماوات والأرض والأنبياء والأولياء والمؤمنين نوراً واحداً، وأن هذه الأمور بأجمعها من نور الله سبحانه وتعالى([64]). وفي مقام التشبيه تصطبغ جميع الأنوار باللون المشهود لسالك الأنوار الإلهيّة، بَيْدَ أن هناك أنواراً تظهر في المراتب الدنيا بألوانٍ مختلفة، من خلال إرسال أشعتها عبر المنافذ ومختلف أنواع الزجاج، وفي مقام التنزيه لا يكون أيّ واحدٍ من هذه الألوان هو نور الشمس أو الشمس ذاتها؛ لأن النور ممتزجٌ بالظلام، حيث يتجلّى على شكل أنوارٍ ملوّنة، وإلاّ فإن ذات نور الله غير مصطبغٍ بلونٍ([65]). وكلما كانت مرآة القلب أشدّ صفاءً أضحى موضعاً لتجلّي نور الشمس، وليس ذات الشمس، وإن هذا النور ليس هو عين نور الصفات أو نور الذات([66]). وفي مختلف المراتب الروحية يتوقَّف شهود الألوان المتنوِّعة للنور على مقدار الصفاء الداخلي، ومن خلال امتزاج النور بظلمات الوجود تتجلّى مختلف الألوان. ويرى نجم الدين الكبرى وعلاء الدولة السمناني أن اللون الأخضر هو غاية الألوان، وأكثرها صفاءً، بل ويذهب السمناني إلى تعريفه بأنه النور المطلق، حيث يكون صفةً خاصّة للحقّ، وشاهده منزَّه من جميع أنواع الحلول والاتحاد، ومع ذلك كلِّه لا يخلو هذا اللون بدَوْره من الشوائب والظلمات([67]). يقول الشيخ نجم الدين الكبرى: «ولون الخضرة آخر لونٍ يبقى، ومن هذا اللون تسطع السواطع، وتلمع البروق اللوامع، والخضرة تصفو وتكدر؛ فالصفاء من غلَبات نور الحقّ؛ والكَدَر من غلَبات ظلمات الوجود»([68]).

وعلى الرغم من أن جميع الألوان في مقام التشبيه تجلِّياتٌ إلهيّة، ويمكن الارتقاء منها إلى المراتب الأعلى، بَيْدَ أن كلّ واحدٍ منها يُعَدّ في مقام التنزيه من الحُجُب الإلهيّة، وإن التوقُّف عندها يحول دون السلوك، ويؤدّي إلى الضلال، كما يمكن للفرد أن يدّعي الألوهيّة والحلول والاتحاد.

يقول الشيخ نجم الدين الكبرى: إن على ذروة كلّ وجودٍ من المراتب السبعة بئراً؛ حيث يتعيَّن على السالك أن يجتاز جميع هذه الآبار السبعة في أنواع الوجود([69]).

وقد تحدَّث علاء الدولة السمناني بدَوْره عن اللطائف الوجودية السبعة بوصفها حُجُباً غيبيةً، حيث إن كلّ واحدٍ منها ـ بما في ذلك الحجاب الغيبيّ لغيب الغيب ـ (لطيفة حقيقية) ذات لون أخضر، يصل إلى عشرة آلاف، وهي في المجموع سبعون ألف حجاب، هي حُجُب الحقّ وموانع السلوك، ويتعيَّن على السالك أن يعمل على إزالتها ورفعها أثناء سلوكه، وبعد رفع هذه الحُجُب يتّصل بحضرة الحقّ بعد سطوع نور الجَذْبة عليه([70]).

ب ـ التمثيل بالنور الأسود: شاع تشبيهُ ذات الله بالنور الأسود بين تلاميذ الشيخ نجم الدين الكبرى، ولا سيَّما الشيخ نجم الدين الرازي(654هـ)، ثمّ ظهر هذا التشبيه بشكلٍ صريح في كتاب «گلشن راز»، وفي شرحه «مفاتيح الإعجاز».

وقد اشتملَتْ كلمات هؤلاء العرفاء على نوعين من السواد، وهما: «السواد الداني؛ والسواد العالي». إن السواد الداني، الذي يكون مشهوداً للسالك في بداية السلوك بوصفه من أوائل الألوان، يمثِّل ظلّ الشيطان والنفس وسواد الحلكة الوجودية للسالك. إن أوّل لونٍ يشاهده السالك هو الظُّلْمة والسواد، ولكنّه بعد الارتقاء يعمل على مشاهدة الهيكل النوراني أو الشيخ الداخلي، حيث تكون صورته في بداية الأمر على شكل ظلامٍ، ثم بعد المزيد من صقل الروح وتصفيتها تغدو الصورة مشرقةً ونورانية بالكامل.

وقد تحدَّث العرفاء عن نورٍ أسود آخر، يحدث في المراتب العليا من ارتقاء السالك. وذلك السواد يؤدّي إلى الإبصار، ولكنّه بنفسه لا يُرى. إنه نورٌ كما أنه ظلامٌ، وإن الأنوار الأخرى تتجلَّى في ظلّ هذا النور([71]).

وقد تكلَّم علاء الدولة السمناني عن هذا النور أيضاً. وقد نظر في الوادي السادس من المراتب الوجودية السبعة ضمن لطيفةٍ خفيّة إلى اللون الأسود بوصفه لون تجلّي الحقّ قبل اللون الأخضر. إنه اللون الأسود الذي يكون في غاية الصفاء والعظمة والهيبة. إن السالك عند رؤيته لهذا الحجاب الأسود تأخذه الرعدة ويفنى. وقد تمّ وضع ماء الحياة الخالدة في هذا السواد([72]).

إن النور الأسود، على الرغم من كونه يمثِّل مرحلةً حاسمة في السلوك، ولكنّه ليس الخطوة الأخيرة في عملية الارتقاء. كما يذهب علاء الدولة السمناني إلى اعتبار هذه المرحلة مرحلة الاضطراب الخطير أيضاً، حيث يحتاج الصوفي في هذه المرتبة من الفناء إلى شيخٍ مجرّب؛ كيما يعينه في تجاوز حُجُب هذه المرحلة، ويوصله إلى مرتبةٍ حيث يكمن مركز ألوهية وجوده، ولطيفة حقّية تتطابق مع وجوده المحمّدي([73]). وأما نجم الدين الرازي فيرى أن السالك عبر اجتيازه من النفس الأمّارة واللوّامة، والوصول بعد ذلك إلى النفس المطمئنة، واجتياز مختلف الأودية التي يتمّ إظهارها من خلال مشاهدة مختلف الأنوار الملوَّنة، يصل إلى الوادي السابع، الذي هو وادي النور الأسود. وهو، على الرغم من أهمِّية اللون الأخضر، يرى أن النور الأسود يفوقه في الأفضلية. وهو يرى أن شهودَ الأنوار ذات الألوان الأزرق والأحمر والأصفر والأبيض والأخضر، على التوالي، أثناء السلوك رَهْنٌ بمقدار صفاء القلب من شوائب النفس([74]). ويرى أن شهود الأنوار الملوَّنة في المراتب المختلفة من السلوك إشارةٌ إلى شهود صفات جمال الله (صفات اللطف)، وأن شهود اللون الأسود إشارةٌ إلى شهود الصفات الجلالية لله (صفات الغضب). وإن شهود اللون الأسود يرتبط بمرحلة فناء الفناء وفناء فناء الفناء؛ حيث لا يمكن وصفه([75]).

وقد ذهب الشيخ محمود الشبستري (687 ـ 720هـ) صراحةً إلى اعتبار السواد هو لون نور الذات الإلهيّة، وهو اللون الذي يكون مشهوداً للسالك أثناء التجلّي الذاتي لله، وهذا السواد يمثِّل عودةً إلى العدمية الذاتية؛ إذ هو مثل ماء الحياة الخالدة، ويؤدّي إلى الحياة السرمدية، ويُعَدّ هذا الشهود للظلام من كمال القرب؛ لأن غاية القرب تستوجب عدم الرؤية والإدراك([76]).

الدراسة المقارنة بين أوجه التشابه والاختلاف

أـ أوجه التشابه

لقد كان المذهب الأُرثوذُكسي المشرقي ـ بحكم حاضنته الشرقية ـ أكثر اشتمالاً على المضامين الباطنية من سائر المذاهب المسيحيّة الأخرى، وكان له            ـ بحكم الأوضاع الجغرافية والسياسية ـ ارتباطٌ أوثق بالشرق، والعالم الإسلاميّ بشكلٍ خاصّ. كما أن الطريقة الكبروية بدَوْرها من أكبر الطُّرُق العرفانية في الإسلام، ونجد هناك الكثير من نقاط الاشتراك بينها وبين العرفان الأُرثوذُكسي.

في ما يتعلَّق بشهود الله هناك رؤيتان مختلفتان في الكتاب المقدَّس والقرآن الكريم؛ فهناك آياتٌ تنكر أيّ نوعٍ من أنواع شهود الله، وتتحدَّث عن إلهٍ غير مشهود ولا تدركه الأبصار؛ وهناك في الوقت نفسه آياتٌ أخرى تحثّ المؤمنين وتدعوهم إلى البحث عن الله، وتعدهم بشهود الله في الدنيا والآخرة. وقد سعى العرفاء في كلتا الطريقتين إلى بيان هذه الآيات المتعارضة بَدْواً، وذلك من خلال التمييز بين ذات الله وقواه (في العرفان الأُرثوذُكسي)، وبين ذات الله وصفاته (في الطريقة الكبروية). وبذلك تذهب كلتا الطريقتين إلى اعتبار الله ـ مع حضوره وظهوره بجميع قواه وصفاته ـ من حيث الذات غير مرئيٍّ وخارج نطاق تصوُّر وإدراك المخلوقين. إن صفات الله، رغم أنها ليست هي ذات الله، ولكنّها لا تنفصل عن الذات. إن الله على الرغم من قواه وصفاته وكثرتها، إلاّ أنه يبقى على بساطته، ويكون في جميع صفاته وقواه مطلقاً وبسيطاً واحداً لا يقبل التجزئة والتقسيم، وإن هذه القوى والصفات تحافظ على وحدة الله وتعدُّده. وإن وصول السالك يكمن ـ في الحقيقة ـ في الحصول على قوى وصفات الله، وليس على ذات الله تعالى. وعلى هذا الأساس يكون الله غير مشهودٍ في ذاته، ولكنّه يكون مشهوداً في قواه وصفاته. وفي رؤية العرفاء على كلا الطريقتين تعتبر القوى والصفات الإلهية حجاباً يحول دون شهود الله، ولكنّها في الوقت نفسه تمثِّل طُرُقاً يمكن للسالك اجتيازها للحصول على مشاهدة الله سبحانه وتعالى.

إن وجه الشَّبَه الآخر بين كلتا الطريقتين العرفانيتين يكمن في أن شهود الله يكون بالفَيْض (في العرفان الأُرثوذُكسي) وبالعناية (في العرفان الكبروي). ومع ذلك فإن الإرادة والاختيار يمثِّلان شرطاً أساسياً وضرورياً في الحصول على الفَيْض والعناية؛ ومن هنا فإنه على الرغم من الجَذْبة الإلهية، يجب على السالك أن يسعى إلى تحصيل هذه الجَذْبة والعناية الإلهية، وأن يعمل على تطهير موضع الحصول على العناية الإلهية ـ أي القلب ـ بواسطة الذكر والأعمال العبادية. وعلى هذا الأساس فإن حلول الفَيْض والعناية الإلهية وإنْ لم تكن بسبب استحقاق وكفاءة الشخص، بَيْدَ أن القلوب الصافية والمستعدّة للتجلّي الإلهي، وعلى حدّ تعبير العرفاء الإسلاميين: «إن التجلي الإلهيّ يحدث فجأةً، ولكنْ هذا لا يحدث إلاّ بالنسبة إلى القلوب المستعدّة».

يمكن للشخص أن يرى الله بعد إزالة الغشاوة عن عينَيْ بصيرته، ولا يحتجب الله إلاّ عن أولئك الذين لم يعملوا على إجلاء الصدأ الوجودي عن أنفسهم، ولم يزيحوا الطلاء من أبصار قلوبهم، ولم يولدوا من جديد. بعد إزالة الصدأ الوجودي تدرك الروح وضوح ذاتها، وتصل إلى الإشراق الخارجي والداخلي، ويشرق عليها الجمال الإلهي، وتصل إلى شهود الروح الإلهي المعتالي. وعليه لا ضرورة إلى البحث عن الله في الأرض والسماء؛ لأن القلب على صورةٍ إلهية، وإذا تمّ جلاؤه سوف يدرك الإنسان وجود الله في ذاته ونفسه. ومن هنا فإن عين القلب ما لم تَغْدُ جميلةً بنفسها لن يكون بمقدورها مشاهدة الجمال المطلق. وحتّى في الطريقة الكبروية يُقال: إن العين التي تصل إلى شهود الله هي بدَوْرها عين الحقّ الموجودة في القلب؛ فحيث يكون الله طاهراً ومنزَّهاً لا يمكن إدراكه بغير عينه.

ونقطة الشَّبَه الأخرى أن العرفاء في كلتا الطريقتين قد استفادوا من نموذج الظلام أو السواد والنور في الشهود. وفي كلمات العرفاء حول نموذج الظلام هناك حديث عن نوعين من السواد (السواد الداني؛ والسواد العالي). والسواد الداني الذي يتجلّى في بداية السلوك، وهو من أوائل الألوان المشهودة للسالك، هو سواد الشيطان والنفس وظلمات وجود السالك؛ والسواد الآخر هو السواد الذي يحدث في المراتب العليا من ارتقاء السالك وعروجه، وهو السواد الذي يؤدِّي إلى الإبصار، وهو نورٌ وظُلْمة، وإن الأنوار الأخرى إنما تتجلّى في ظلّ هذا النور. وفي نموذج الظلام أو النور الأسود يكون الله في الظلام وفي ما وراء الفهم والمفهوم البشري. إن العارف يعيش تجربة الحضور الإلهيّ غير القابل للإدراك في الظلام والسواد. ولهذا السبب يتمّ التعبير عن الله بالعماء والظلام أيضاً. إن الظلام والسواد في هذه النمذجة ليس بالمعنى السلبيّ، بل بمعنى ما وراء النور وزيادة النور، وهو يختلف عن الظلام الأدنى الذي يمثِّل نموذج الجهل المطلق، ومن هنا يأتي التعبير الأدقّ للعرفاء بالعماء المثالي أو النور الأسود. وعليه فإن السواد في الحقيقة لا يعني هنا رؤية اللون الأسود بمعناه الداني، وإنما بمعنى عدم المشاهدة والرؤية الناجمة عن شدّة الاقتراب والتحديق في مركز وأصل النور المتمثِّل في الله سبحانه وتعالى. إن شهود الله هو رؤية اللا مرئي؛ لأن ما يرى، منزَّهٌ عن جميع المعارف والشوائب، وينفصل بنوعٍ من الظلام. إن الله يكمن في سُحُب الظلام في مقامٍ غير مشهودٍ ومحاطٍ بالظلام. وعليه فإن هذا الظلام ليس ظلاماً فارغاً ومجوَّفاً، وإن ذهاب العارف إليه يكون مقروناً بحضوره.

إن المسألة الهامّة في هذه النمذجة أنه على الرغم من التنزيه المطلق لله الذي يؤمن به العرفاء في كلتا الطريقتين، فإن تشبيه الله بالظلام أو النور الأسود لا يعني عدم إمكانية التعرُّف عليه أبداً؛ لأن الله حاضرٌ في هذا الظلام والنور الأسود، وعلى الرغم من زوال جميع المدركات والحواس والذهن يقيم الإنسان في الحضور المطلق لله سبحانه وتعالى.

يكثر تشبيه الله بالنور في الأديان، ولا سيَّما في الأديان السامية. وكذلك في العرفان الأُرثوذُكسي والطريقة الكبروية تمَّتْ الاستفادة من نموذج النور، وقد أفاد أكثر العرفاء تجربتهم وشهودهم عن الله بالنور، بَيْدَ أن هذا النور المشهود للعرفاء ليس هو ذات الله المنزَّه عن أيّ نوعٍ من أنواع الإدراك، بل هو قوى الله أو صفاته التي يصل كلّ شخصٍ في حياته الراهنة إلى شهودها بمقدار استعداده ونقاء قلبه. كما أن العرفاء في كلتا الطريقين لا يقتصرون على الله في حديثهم عنه بوصفه نوراً، وإنما يعتبرون الأرض والسماء والملائكة والإنسان والأحكام الإلهيّة والكتاب المقدَّس نوراً أيضاً.

يذهب العرفاء في كلتا الطريقتين إلى الاعتقاد بأنه، مضافاً إلى وصول العارف في نهاية السلوك إلى شهود نور الله، يكون عقل السالك وروحه في داخله نوراً، كما هو الله؛ لأنهم وذات الإنسان قد خلقوا على صورة الله، التي هي نورٌ. إن هذا النور ينجذب إلى أصله (نور الله)، إن هذين النورين من جنسٍ واحد، وإن العارف أثناء الشهود يشاهد نوره الداخلي، ويُشاهد نور الله أيضاً، وإن هذين النورين يلتقيان في نهاية المطاف، ويمتزجان ببعضهما. وأثناء شهود النور الإلهي يحيط ذلك النور بكلّ وجود الإنسان، ويتحوَّل الإنسان بنفسه إلى نورٍ؛ إذ لو لم تتبدَّل عين الإنسان لن تستطيع رؤية النور.

ب ـ أوجه الاختلاف

يذهب أكثر الآباء في المسيحية الأُرثوذُكسية إلى اعتبار شهود الله شهوداً للمسيح. صحيحٌ أن العرفاء المسيحيين يقولون: إن الله في حدّ ذاته غير مشهودٍ، بَيْدَ أنهم يعتقدون أن الله قد تجلّى على شكل ابنه الإنساني (عيسى المسيح). إن السيد المسيح يمثِّل الطبيعة المشهودة للأب غير المشهود. إن السالك بعد اجتياز الطريق، وبعد سلوك ثلاثين درجةً أو مرحلةً عرفانية (كلّ درجة أو مرحلة تمثِّل سنةً واحدة من حياة السيد المسيح قبل التعميد)، وبعد الوصول إلى الدرجة الأخيرة من المعراج، يشاهد المسيح، ويحصل من يده على ملكوت السماء. ومن هنا فإن المراد من الشهود في العرفان الأُرثوذُكسي هو شهود نور التثليث، الذي هو نورٌ واحد، وإن كلّ مؤمنٍ مسيحيّ يحصل على روح القُدُس والاتحاد مع المسيح في التعميد والعشاء الربّاني. إن المسيح يظهر لهم مع الأب وروح القُدُس. وأما تعبير العرفاء في الطريقة الكبروية عن شهود السالك فهو شهودُ محاضر ومنازل الصفات الإلهيّة التي يجتازها السالك في سلوكه وعروجه واحدةً بعد أخرى. أما عرفاء الطريقة الكبروية فلم يتحدَّثوا عن شهود الله أبداً، وإنما اقتصروا في تقريراتهم على مشاهدات ومكاشفات صفات الله في الشمس والنجوم والقرآن وما إلى ذلك.

لقد تحدَّث الشيخ نجم الدين الكبرى وتلاميذه في الغالب عن قرائن الأفلاك والكائنات في وجود الإنسان، حيث يصل إلى شهودها بما يتناسب وصقله لقلبه وتصفيته. إنهم، بالإضافة إلى تقريرهم عن مشاهدات القرائن الأرضية، من البحار والنيران والصحارى والقصور، والقرائن السماوية، من قبيل: الشمس والقمر والنجوم والأبراج ومنازل القمر، قد تحدَّثوا كذلك عن مشاهداتهم ولقائهم بالملائكة والأنبياء والأولياء وأرواح الماضين وشيخ الغيب والأحداث الماضية والمقبلة والآخرة أيضاً. ومع ذلك فإن العرفاء في الطريقة الكبروية؛ من أجل الحفاظ على التنزيه المطلق لله والتوحيد الحقيقي، لم يصفوا هذه المظاهر بالألوهيّة.

إن النقطة الهامّة التي يجب ذكرها في هذا الشأن هي أن الغاية والهدف الأسمى للعرفان في المسيحية الشرقية في السلوك يكمن في شهود المسيح والخلاص؛ وأما في العرفان الإسلامي فالهدف الأصلي من ذات شهود الله هو المعرفة أيضاً. إن الغاية من الجهاد المعنوي في الطريقة الكبروية هي الوصول إلى النور الإلهيّ في أعماق القلب، الذي يمثِّل الينبوع المباشر لمعدن وخزانة العلم والحكمة الإلهيّة. إن القلب هو اللوح المحفوظ، وإن جميع التقديرات الإلهيّة مكتوبةٌ فيه منذ الأزل وإلى الأبد.

من خلال تحليل النقطتين الآنفتين تعود جذور هذا الاختلاف الجوهري إلى شخص المسيح، بوصفه مركز الثِّقْل في المسيحية؛ ومن هنا فإن العرفاء المسيحيين يعتبرون شهودهم شهوداً للمسيح؛ وأما الدين الإسلامي، وبالالتفات إلى تمحوره حول الله، فإن أهمية كلّ أمرٍ مقدَّس تعود إلى قربه من الساحة القُدْسية لله سبحانه وتعالى. وبعبارةٍ أخرى: حيث يتمّ التأكيد في الإسلام على توحيد الله المطلق، وذات الله لا يمكن الوصول إليها، من هنا فإن كلّ شهودٍ إنما يمكنه ـ من باب التشبيه ـ أن يكون تجلِّياً لصفات الله، وليس ذات الله، دون أن يكون أيّ شيءٍ من هذه التجلِّيات ـ من باب التنزيه ـ هو الله؛ إذ يقول تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ (الشورى: 11). ويجب عدم الغفلة عن هذه المسألة، وهي أنه حيث يُنْظَر في المسيحية إلى السيد المسيح بوصفه إلهاً يتجسَّد في التاريخ يكون شهود المسيح في محور التفكير العرفاني.

ونقطة الاختلاف الأخرى في كلتا الطريقتين هي أنه، على الرغم من أن الكثير من آباء الكنيسة الشرقية يؤكِّدون على الشهود الإلهيّ والتألُّه بالنسبة إلى الصالحين في هذه الحياة، وقد بيَّنوا مشاهداتهم على هذا الأساس، إلاّ أنهم يقولون بأن الشهود الكامل سوف يتحقّق في الحياة الأخروية، ويعتبرون شهود الله في هذه الدنيا مشوباً بالتشويش والغبش، وأما في الآخرة فسوف تكون صورة الله صافيةً وفي غاية الوضوح. ولكنْ على الرغم من أن بعض المتكلِّمين المسلمين قد قصروا شهود الله على الحياة الأخروية، إلاّ أن العرفاء المسلمين ـ ولا سيَّما عرفاء الطريقة   الكبروية ـ لا يوكلون شهود الله إلى الآخرة والجنة. إن العرفاء يقصرون شهود الله على القلب فقط، وهذا الأمر بدَوْره يتوقَّف على طهارة القلب والبصيرة، ويمكن للعرفاء مشاهدة الله في هذا العالم بما يتناسب وشفافية وصفاء قلوبهم. وعلى هذا الأساس فإن رؤية العرفاء في المذهب الأُرثوذُكسي برزخٌ بين رؤية المتكلِّمين المسلمين الذين ينكرون شهود الله في هذا العالم وعرفاء المسلمين الذين يوافقون على شهود الله في كلا العالمين. إن جميع آباء الكنيسة يؤيِّدون شهود الله في كلا العالمين، ولكنَّهم أحالوا الشهود الكامل والتامّ لله إلى العالم الآخر.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعدٌ في قسم علوم القرآن والحديث ـ جامعة آزاد الإسلاميّة، زنجان ـ إيران.

([1]) هو أحمد بن عمر بن محمد الخوارزمي الخيوَقي، المعروف بـ (نجم الدين الكبرى)، وقيل في تلقيبه بـ (الكبرى)، على ما أورده ابن العماد الحنبلي: إنه قد سبق في صغره أقرانه إلى فهم المشكلات والغوامض؛ فلقَّبوه بـ (الطامّة الكُبْرى)، ثمّ كثر استعماله، فحذفوا الطامّة، وأبقوا (الكُبْرى). إلاّ أن الذهبي يذكر تعليلاً آخر، فيقول: سمعت أبا العلاء الفرضي يقول: (إنما هو نجم الكبراء)، ثم خفِّف وغُيِّر، فقيل: (نجم الدين الكبرى). (المعرِّب)، نقلاً عن مقدّمة يوسف زيدان على كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال، نقلاً عن كتاب شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي؛ وتاريخ الإسلام، للذهبي.

([2]) الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سفر الخروج، الإصحاح 33، الفقرة 21. وانظر أيضاً: العهد الجديد، تيموثاوس الأول، الإصحاح 6، الفقرة 16؛ إنجيل يوحنا، الإصحاح 1، الفقرة 18.

([3]) الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سفر الخروج، الإصحاح 33، الفقرة 11. وانظر أيضاً: سفر التثنية، الإصحاح 34، الفقرة 10؛ سفر أيّوب، الإصحاح 19، الفقرة 26 ـ 27.

([4]) الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، يوحنّا الأولى، الإصحاح 3، الفقرة 2. وانظر أيضاً: كورنثوس الأولى: الإصحاح 13، الفقرة 12.

([5]) uncreated energies.

([6]) irenaeus.

([7]) Athanasius.

([8]) See: Alfeyev, Hilarion, St. Symeon, the New Theoloian and Orthodox Tradition, Oxford, New York, 2000. p. 217.

([9]) Nicolas Kavasilas.

([10]) Christification.

([11]) See: Nellas, Panayiotis, Deification in Christ, Norman Russell (trans. from the Greek), St. Vladimir’s Seminary press, Crestwood, New York, 1997. p. 121.

([12]) سيمون المتألِّه الجديد (Symeon the New Theologian): من أبرز آباء الكنيسة المشرقية، وهو العارف المشتهر بعارف النار والنور.

([13]) See: Alfeyev, Hilarion, St. Symeon, the New Theoloian and Orthodox Tradition, Oxford, New York, 2000. p. 222.

([14]) الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، كورنثوس الأولى، الإصحاح 13، الفقرة 12.

([15]) See: Alfeyev, Hilarion, St. Symeon, the New Theoloian and Orthodox Tradition, Oxford, New York, 2000. p. 217.

([16]) Lossky, Vladimir, the Mystical Theology of the Eastern Church, James Clarke and Co. LTD, Cambridge and London, 1973. p. 196.

([17]) See: Alfeyev, Hilarion, St. Symeon, the New Theoloian and Orthodox Tradition, Oxford, New York, 2000. p. 224.

([18]) Smith, Margaret, the Way of the Mystics (The Early Christian Mystic and the Rise of Sufies, Sheldon press, London, 1976. P. 60.

([19]) Alexandrian Clement.

([20]) (Gregory of Nyssa): من كبار آباء الكنيسة المشرقية، وهو شقيق بازيل الكبير.

([21]) (Dionysius the Areopagite): من كبار المتألِّهين في بداية القرن السادس الميلادي، وقد ترك تأثيراً كبيراً على العرفان المسيحي بشقَّيْه المشرقي والمغربي.

([22]) Origen.

([23]) Gregory Nazianzus.

([24]) (Evagrius Ponticus): المعروف بمعلِّم الذكر؛ إذ كان يؤكد على الذكر الذهني كثيراً.

([25]) (Pseudo Macarius): المعلوم المجهول السوري، الذي ترك تأثيراً كبيراً على العرفان المسيحي المشرقي والمغربي.

([26]) (Gregory Palamas): متألِّه أُرثوذُكسي كبير من القرن الرابع عشر الميلادي، وهو من أكبر المدافعين عن الطريقة العرفانية الهسوخية.

([27]) Kallistos, Ware. 2005. “Ways of Prayer and Contemplation: Estern”, Christian Spirituality, Bernard McGinn and John Mendorff (ed.), Routledge. P. 410; Sheldake, Philip. A Brief History of Spirituality, Black Well, 2007. P. 30.

([28]) الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سفر الخروج، الإصحاح 24، الفقرة 10.

([29]) انظر: المصدر السابق، سفر حزقيال، الإصحاح الأول.

([30]) الكتاب المقدَّس، العهد الجديد، إنجيل متّى، الإصحاح 17، الفقرة 2.

([31]) انظر: المصدر السابق، أفسس، الإصحاح 5، الفقرة 8؛ والإصحاح 5، الفقرة 14.

([32]) See: Alfeyev, Hilarion, St. Symeon, the New Theoloian and Orthodox Tradition, Oxford, New York, 2000. p. 170.

([33]) المصدر السابق: 170 ـ 172.

([34]) انظر: المصدر السابق: 238.

([35]) See: Ibid; Ware, Kalistos, “Eastem Christianity”, in Enc. Of Religion, Mircea Eliade (ed.), Mcmillan Pub. Co., New York, 1987. Vol. 4 / 149; p. 221 – 223, 233.

([36]) الكتاب المقدَّس، العهد القديم، سفر الخروج، الإصحاح 20، الفقرة 21.

([37]) clouds of unknowing.

([38]) See: Roem, Paul, “The Uplifting Spirituality of Pseudo – Dionysius”, in Christian Spirituality, Bernard McGinn and John Mendorff (ed.), Routledge, 2005. p. 143.

([39]) Dionysius the Areopgite, Mystical Theology and Celestial Hierachies, John of the Cross (trans from the Greek), the Shrine of Wisdom, England, 1965. p. 9, 10 – 11.

([40]) agnosticism.

([41]) See: Pelikan, Yaroslav, in preface of The Triads, Paulist press, Mahwah – New Jersey, 1983. p. 14; Lossky, Vladimir, the Mystical Theology of the Eastern Church, James Clarke and Co. LTD, Cambridge and London, 1973. p. 43.

([42]) Mclntosh, Mark A., Mystical Theology, Black Well, Massachusetts. 2000. p. 52.

([43]) محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 91: 251.

([44]) انظر: أبو بكر محمد الكلابادي، التعرُّف لمذهب أهل التصوُّف (مع شرحه): 57 ـ 58؛ إسماعيل بن محمد مستملي البخاري، شرح التعرّف 1: 401 ـ 403، إعداد: محمد روشن، نشر أساطير، 1365هـ.ش؛ أبو الحسن بن عثمان الهجويري، كشف المحجوب: 319، إعداد: فالنتين تشوكوفسكي وعلي أصغر عبد اللهي، نشر دنياي كتاب، طهران؛ بقلي الشيرازي، مشرب الأرواح: 142، إعداد: نظيف محرم خواجة، مطبعة كلية الآداب، إسطنبول، 1973م.

([45]) انظر: عزيز بن محمد النسفي، الإنسان الكامل: 294، إعداد: ماريژان موله، نشر طهوري، طهران، 1388هـ.ش؛ بهاء الدين محمد بن محمد البلخي، المعارف: 232، إعداد: نجيب مايل هروي، نشر مولى، طهران، 1377هـ.ش؛ منصور بن أردشير العبادي المروزي، التصفية في أحوال المتصوّفة (صوفي نامه): 175، إعداد: غلام حسين يوسفي، انتشارات بنياد فرهنگ إيران، 1347هـ.ش.

([46]) محمد بن يعقوب الكليني، أصول الكافي 1: 98.

([47]) محمد بن الحسن الحرّ العاملي، وسائل الشيعة 11: 173.

([48]) أبو نصر السرّاج الطوسي، اللمع في التصوّف: 380 و428، إعداد: رنولدنيكلسون، نشر ليدن، بريل، 1914م؛ روزبهان بقلي الشيرازي، عبهر العاشقين: 129 ـ 130، إعداد: نور بخش، انتشارات يلدا قلم، 1380هـ.ش؛ روزبهان بقلي الشيرازي، مشرب الأرواح: 142، إعداد: نظيف محرم خواجة، 1973م؛ المير سيد علي الهمداني، رسالة ذكرية: 20، إعداد: فريدون تقي زاده، مؤسّسه مطالعات وتحقيقات فرهنگي، طهران، 1370هـ.ش؛ السيد محمد البخاري، منهاج الطالبين ومسالك الصادقين: 230، إعداد: نجيب مايل الهروي، نشر مولى، طهران، 1364هـ.ش؛ بهاء الدين محمد البلخي، المعارف: 233؛ الميرزا جواد الملكي التبريزي، رسالة لقاء الله: 48 ـ 49، إعداد: السيد أحمد الفهري، نهضت زنان مسلمان، طهران، 1360هـ.ش.

([49]) داوود بن محمود القيصري، شرح فصوص الحكم 2: 608 ـ 609، إعداد: محمد حسن الساعدي، منشورات أنوار الهدى للطباعة والنشر، 1416هـ؛ ابن عربي، فصوص الحكم: 113، إعداد: أبو العلاء العفيفي، انتشارات الزهراء، طهران، 1370هـ.ش.

([50]) انظر: داود بن محمود القيصري، شرح فصوص الحكم 2: 41 ـ 42؛ ابن عربي، فصوص الحكم: 113.

([51]) انظر: أبو الحسن بن عثمان الهجويري، كشف المحجوب: 321، إعداد: فالنتين تشوكوفسكي وعلي أصغر عبد اللهي.

([52]) انظر: مجد الدين البغدادي، تحفة البررة في المسائل العشرة: 236، إعداد: حسين حيدر خاني، ترجمه إلى اللغة الفارسية: الشيخ محمد باقر ساعدي خراساني، انتشارات مروي، طهران، 1368هـ.ش؛ روزبهان بقلي الشيرازي، شرح الشطحيات: 68، إعداد: هنري كوربان، انتشارات طهوري، 1360هـ.ش.

([53]) أصل البيت في اللغة الفارسية: (تجلي گر رسد بر كوه هستي… شود چون خاك ره هستي ز بستي). (انظر: محمود الشبستري، گلشن راز: 91، إعداد: صمد موحّد، انتشارات طهوري، طهران، 1386هـ.ش).

([54]) شمس الدين محمد اللاهيجي، مفاتيح الإعجاز في شرح گلشن راز: 134 ـ 135، إعداد: محمد رضا برزگر وعفت كرباسي، نشر زوّار، طهران، 1378هـ.ش.

([55]) انظر: ابن عربي، فصوص الحكم: 121؛ ابن عربي، أسرار الخلوة: 5 ـ 6، إعداد: نجيب مايل هروي، نشر مولى، طهران، 1385هـ.ش؛ صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي، تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي: 18 ـ 19، إعداد: نجف قلي حبيبي، نشر بخشايش، طهران، 1381هـ.ش؛ النسفي، الإنسان الكامل: 293 ـ 294، 295؛ شمس الدين محمد اللاهيجي، مفاتيح الإعجاز في شرح گلشن راز: 135، إعداد: محمد رضا برزگر وعفت كرباسي؛ داود بن محمود القيصري، شرح فصوص الحكم 2: 43، إعداد: محمد حسن ساعدي. وانظر أيضاً:

Chttick, W. C., Imaginal World, State University of New York press. 1994. p. 79.

([56]) انظر: عبد الرحمن بن أحمد الجامي، نفحات الأنس: 483 ـ 492، إعداد: محمود عابدي، سخن، طهران، 1386هـ.ش؛ عبد الحسين زرين كوب، دنباله جستجو در تصوّف إيران (بحث جذور التصوُّف في إيران): 214، نشر أمير كبير، طهران، 1376هـ.ش.

([57]) انظر: نجم الدين الكبرى، فوائح الجمال وفواتح الجلال: 29، إعداد: فريتز ماير، وفيسبادن، مطبعة فرانتز شتاينر، 1957م.

([58]) المصدر السابق.

([59]) انظر: المصدر السابق: 73 ـ 76.

([60]) انظر: المصدر السابق: 67.

([61]) انظر: المصدر السابق: 93.

([62]) انظر: المصدر السابق: 90 ـ 91.

([63]) انظر: نجم الدين الرازي، مرصاد العباد: 310 ـ 311، إعداد: محمد أمين رياحي، نشر علمي وفرهنگي، طهران، 1386هـ.ش؛ عزيز بن محمد النسفي، كشف الحقائق: 103 ـ 104، إعداد: أحمد مهدوي دامغاني، انتشارات علمي وفرهنگي، طهران، 1386هـ.ش؛ عبد القادر موسى الجيلاني، سرّ الأسرار ومظهر الأنوار: 33، إعداد: أحمد فريد مزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1426هـ، وانظر أيضاً:

Ridgeon, Lloyd V. J., Aziz Nasafi, Curzon press, 1998. p. 157 – 158; Corbin, Henry, the Man of light in Iranian Sufism, Nzncy Pearson (trans.), Boulder and London, Shambhala, 1978. p. 109 – 110.

([64]) انظر: نجم الدين الكبرى، فوائح الجمال وفواتح الجلال: 32.

([65]) انظر: داود بن محمود القيصري، شرح فصوص الحكم 1: 474 ـ 475، إعداد: محمد حسن ساعدي؛ عبد الرحمن بن أحمد الجامي، نقد النصوص في شرح نقش الفصوص: 71، إعداد: وليم تشيتيك، مؤسسه بژوهشي حكمت وفلسفه إيران، 1361هـ.ش؛ محمد الغزالي، مشكاة الأنوار (في جواهر القلوب): 101 ـ 102، إعداد: جميل إبراهيم، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت.

([66]) انظر: مجد الدين البغدادي، تحفة البررة في المسائل العشرة: 119، إعداد: حسين حيدر خاني، ترجمه إلى اللغة الفارسية: الشيخ محمد باقر ساعدي خراساني.

([67]) انظر: علاء الدولة السمناني، الرسالة النورية (في المصنّفات الفارسية لعلاء الدولة السمناني): 308، إعداد: مايل الهروي، انتشارات علمي وفرهنگي، طهران، 1383هـ.ش

([68]) نجم الدين الكبرى، فوائح الجمال وفواتح الجلال: 132، دراسة وتحقيق: د. يوسف زيدان، دار سعاد الصباح، ط1، الكويت، 1993 م.

([69]) انظر: المصدر السابق: 134.

([70]) انظر، علاء الدولة السمناني، الرسالة النورية: 310 ـ 311.

([71]) See: Corbin, Henry, the Man of light in Iranian Sufism, Nzncy Pearson (trans), Boulder and London, Shambhala, 1978. p. 99 – 103.

([72]) انظر، علاء الدولة السمناني، الرسالة النورية: 303 ـ 304، و311.

([73]) See: Corbin, Henry, the Man of light in Iranian Sufism, Nzncy Pearson (trans), Boulder and London, Shambhala, 1978. p. 126 – 127.

([74]) انظر: المصدر السابق: 307.

([75]) انظر: المصدر السابق: 307 ـ 308. وانظر أيضاً: مجذوب علي شاه الهمداني، مراحل السالكين: 129 ـ 131، إعداد: جواد نور بخش، انتشارات خانقاه نعمت اللهي، 1351هـ.ش.

([76]) انظر: شمس الدين محمد اللاهيجي، مفاتيح الإعجاز في شرح گلشن راز: 83 ـ 85، إعداد: محمد رضا برزگر وعفت كرباسي؛ محمود الشبستري، گلشن راز: 88، إعداد: صمد موحّد.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً