أحدث المقالات

د. محمد رضا آرمان مهر(*)

د. محمد لشكري(**)

ترجمة: مرقال هاشم

1ـ المقدّمة

تُعَدّ دراسة المنظومة الفكرية لمختلف العلماء والمفكّرين في ما يتعلّق بالعدالة واحدة من طرق التعرُّف على العدالة بشكلٍ أفضل؛ إذ يمكن لهذه الفكرة أن تتحقّق من خلال بحث مختلف الأبعاد الفكرية لهم. وقد وقع اختيارنا في هذه المقالة ـ من بين الكثير من المفكّرين ـ على المفكِّر الإسلامي محمد رضا الحكيمي، بوصفه منظِّراً في مجال العدالة الاقتصادية في الإسلام؛ وذلك بهدف البحث حول إمكانية تحقيق العدالة. إن العدالة الاقتصادية ـ من وجهة نظر الأستاذ محمد رضا الحكيمي ـ تمثِّل أصلاً أساسياً في بناء النظام، وعنصراً بارزاً في المنظومة الفكرية الاجتماعية. وإن المجهود الفكري لسماحة الأستاذ الحكيمي يعود إلى الدائرة الاجتماعية والتركيبة الرئيسة للمجتمع، وإن أكثر مؤلَّفاته قد خطّها على أساسٍ من رؤيته بشأن العدالة الاجتماعية. فهو يرى أن أصل العدالة حاكمٌ على جميع المجالات والأبعاد الأخرى، وكأنه يرى استحالة التخلّي عن المفاهيم القِيَميّة ـ من قبيل: العدالة ـ في أيّ دائرةٍ بما في ذلك دائرة العلم.

تستند منهجية الأستاذ الحكيمي على محورية نصوص القرآن والسنّة. إنه يرى أن موضوع العدالة يفوق قدرة العقول البشرية الناقصة والخاطئة، ولذلك فإن العدالة ـ من وجهة نظره ـ أكبر من أن تتناولها هذه العقول، وتطرحها على طاولة البحث والتشريح، كما أنه لا يتفاعل كثيراً مع العقد بين الأفراد من أجل تحصيل الأصول العليا للعدالة. إن الاتجاه الذي يسلكة الأستاذ الحكيمي في إطار تقديمه رؤية اقتصادية منظّمة مثيرٌ للانتباه. تبرز هذه الرؤية في اهتمامه بدَوْر الحكّام والعلماء بشكلٍ ملحوظ. وقد عمد الأستاذ الحكيمي إلى التنظير في حدود العدالة ضمن الأُطُر الفكرية لبعض المفكّرين والعلماء المعاصرين، من أمثال: الشهيد الشيخ مرتضى المطهري، والدكتور علي شريعتي، والسيد الشهيد محمد باقر الصدر. ومن هذه الناحية يمكن القول: إن الأستاذ الحكيمي لم يتعامل مثل الفقهاء الذين تناولوا العدالة على المستوى الفردي. وعلى الرغم من كونه فقيهاً أيضاً، إلاّ أن الأستاذ الحكيمي يتعاطى من العدالة من زاويةٍ فلسفية ـ أخلاقية ـ فقهية، وبرؤيةٍ شاملة بالالتفات إلى التعاليم السماوية، وإبطال الرأسمالية الليبرالية، حيث يقدِّم فلسفةً اجتماعية لا تعطي الأصالة لـ «الوجود»، كما لا تعطي الأصالة لـ «الماهية»، بل يرى ذلك خلعةً لا تناسب إلاّ القامة الباسقة لـ «طريق شمس العدالة». وفي معرض بيان فلسفة عدالته يقدِّم رؤيةً شاملة. تنشأ أهمّية رؤية الأستاذ الحكيمي للعدالة الاقتصادية من رؤيته ما وراء الفقهية لهذا المفهوم. إنه من خلال اتّجاهه الواسع المتمحور حول القرآن والسنّة يمتلك رؤيةً اجتماعية منظّمة تجاه التعاليم الاقتصادية للإسلام؛ إذ إنه، بالإضافة إلى التربية، ينظر إلى السياسة أيضاً، ويرى في هذين الأمرين وجهين لعملةٍ واحدة([1]). يذهب الأستاذ الحكيمي إلى الاعتقاد بأن القرآن، بالإضافة إلى اهتمامه الكامل ببناء الفرد القرآني، يعمل على بناء المجتمع القرآني أيضاً([2]).

يعمد الأستاذ الحكيمي إلى تقديم معيارٍ لعدالته من خلال الأُطُر الدينية وعلاقة الإنسان بالله، مستنداً إلى الآيات والروايات والمنهج الفقهي والاجتهادي الخاصّ الذي يتبنّاه، ولا سيَّما في سلسلته القيِّمة بعنوان «الحياة». لقد عمد سماحته إلى تصوير علاقة المال بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالمال، من خلال صور خمسة، وهي: الغنى التكاثري (الكثرة)، والغنى الوفير، وغنى الكفاف (المشروع)، والفقر (قلّة المال)، والمسكنة (انعدام المال). ومن بين هذه الطبقات الخمسة يركِّز الأستاذ الحكيمي اهتمامه على حالتي الإفراط: (الغنى التكاثري)؛ والتفريط (المسكنة). ومن هنا فإن الشاخصين الرئيسين اللذين يذكرهما لتحقيق العدالة هما:

1ـ القضاء على التكاثر.

2ـ القضاء على الفقر والمسكنة.

وإنه من خلال استهداف العدالة الاقتصادية، بوصفها غايةً اجتماعية سامية، يصل إلى نتيجتين رئيستين، وهما:

1ـ الحرمة الذاتية لكثرة الأموال (الثروة المتكثِّرة).

2ـ عدم مالية المال المتكثِّر.

إن الهدف الغائي للنظام الإسلامي والمعيار الأوحد في الأحكام الاقتصادية للإسلام ـ من وجهة نظر الأستاذ الحكيمي ـ هو العدالة بمعنى التوازن الاقتصادي. وبطبيعة الحال فإن الأصل الأساسي والنهائي المنشود لسماحته هو أصل المساواة. إن رؤيته من بعض الجهات تتميَّز من أكثر الفقهاء. ومن ذلك أنه ـ على سبيل المثال ـ ينفي صفة المالية عن جميع أنواع المال المتكثِّر، ويذهب إلى الاعتقاد باستحالة أن يتمكَّن الفرد من الحصول على مال متكثِّر من الطرق المشروعة والحلال، وإن هذا النوع من الأموال لا يفتقر ـ من وجهة نظره ـ إلى المشروعية فحَسْب، بل لا بُدَّ من أن تبادر الدولة إلى مصادرتها في أقرب فرصةٍ. ولا شَكَّ في أن هذا القول يختلف اختلافاً واضحاً عن رؤية مشهور الفقهاء القائمة على الاكتفاء بأداء الواجبات (دفع الخمس والزكاة وما إليهما)، واجتناب المحرَّمات (الرِّبا والقمار وما إلى ذلك). وقد تمّ التعبير في الفقه الشيعي عن العدالة غالباً بشكلٍ فردي([3]). إن الفقهاء؛ بالالتفات إلى الغاية التي يرصدونها للفقه، لم يبحثوا عن الجهات الحقوقية والمؤسَّسات الاجتماعية إلاّ في ما ندر. هناك في علم الفقه، ضمن بحث صفات المجتهد والقاضي وإمام الجماعة والشهود، وبشكلٍ عام في الأمور الفردية، اهتمامٌ بالعدالة. كما تمّ بحث العدالة في مواضع من الفقه تحت عنوان: «قاعدة العدل والإنصاف». وجاء تعريف العدالة في الرسائل العملية بأنها مَلَكةٌ راسخة تؤدّي إلى ملازمة التقوى في ترك المحرَّمات والقيام بالواجبات([4]). كما أن العدالة من وجهة نظر الشيخ مرتضى الأنصاري ضدّ الفسق، بمعنى أن العادل هو الذي لا يرتكب الكبائر، ولا يصرّ على الصغائر. وقد نقل عن الشيخ الطوسي في المبسوط أن العدالة تعني أن يراعي الفرد التعادل والتساوي في حالاته وأفعاله. ونقل عن ابن حمزة في الوسيلة أن العدالة تحصل بأربعة أشياء، وهي: الورع، والأمانة، والوثوق، والتقوى([5]). يُلاحَظ أن كلام الفقهاء في باب العدالة قلَّما يتناول البُعْد الاجتماعي، ومن هنا فإن العدالة الاقتصادية (التي تندرج ضمن العدالة الاجتماعية) غالباً ما كانت تبحث ضمن الأبعاد الفردية. وبطبيعة الحال فإن القرون الأخيرة قد اقترنت بتحوُّلٍ في تفكير الفقهاء في مجال العدالة الاقتصادية، إلاّ أن بعض الفقهاء المتأخِّرين نظروا إلى العدالة برؤيةٍ أوسع من الرؤية الفقهية([6]). وعلى هذا الأساس فإن الأستاذ الحكيمي ينظر إلى العدالة بوصفها قاعدةً فقهية. وتمايزُه الآخر عن التيار الفقهي الرئيس يكمن في استناده الأكبر إلى الأخبار والتجميع.

رُبَما أمكن لنا تسمية منهجيته في استنباط الأحكام بـ «العدالة بوصفها قاعدة فقهية»، وبالالتفات إلى الغاية التي تنشد المساواة «العدالة بمنزلة المساواة». إن هذه الدراسة ترصد إمكانية التطبيق العملي لمعيار العدالة الاقتصادية من وجهة نظر الأستاذ محمد رضا الحكيمي. ومن ذلك أنه في ما يتعلَّق بوظائف الحكومة الإسلامية مثلاً يستنتج ـ بالالتفات إلى أن المجتمع يقوم على أساس العدل ورفع الظلم، وأن أصل إقامة القسط حاكمٌ على جميع الأصول والقوانين ـ أن الحكومة الإسلامية يمكن لها أن تتدخَّل في عملية التوزيع مباشرةً لمصلحة المحرومين والمستضعفين، وتعمل على تعديل الثروات المتكثِّرة.

2ـ إمكانية تقييم التطبيق العملي لنموذج العدالة

يرى الأستاذ الحكيمي أن المعرفة الصحيحة للدين تستلزم الابتعاد عن الذهنيات والخيال، والإقبال على الواقعية والعينية، كما أن تحقيق المجتمع العادل ـ في رؤيته ـ ليس مجرّد تطلُّع وأمنية ذهنية بعيدة المنال، بل إن القرآن الكريم يأمر بتطبيق العدالة، وليس هناك عاقلٌ يأمر بما لا يمكن تحقيقه، ولا يمكن للشارع أن يكلِّف الإنسان بما لا يطاق؛ وعليه يكون تطبيق العدالة أمراً ممكناً؛ إذ يستحيل على الله تعالى أن يجعل غاية رسالة الأنبياء (المتمثِّلة في تطبيق العدالة) أمراً غير ممكن؛ ومن ناحيةٍ أخرى فإن تطبيق العدالة ليس ممكناً فحَسْب، بل إن العمل في إطار تطبيق العدالة، التي هي مقدّمةٌ للقيام بالواجب، من أهمّ الواجبات العقلية والشرعية([7]). إن كيفية تعاطي الأئمّة المعصومين مع مشاكل الناس كانت تتمّ من خلال تحقيق أهدافهم على أرض الواقع، وليس في صقع الذهن، حتّى كان بعض الأئمّة^ يحمل الطعام بنفسه إلى الفقراء. وفي الحقيقة إن لازم الواقعية هو في الحضور بين الناس، والتعرُّف على مشاكلهم عن كَثَب([8]). إن مصداق المجتمع العادل الخالي من الفقر هو المجتمع الذي بناه الإمام عليّ× في الفترة القصيرة من حكومته في الكوفة، والرفاه النسبيّ الذي حقَّقه لسكّان تلك المدينة([9]). وعليه فإن تحقُّق العدالة ـ من وجهة نظره ـ ليس ممكناً فحَسْب، بل إنه قد تحقَّق بالفعل على مدى التاريخ، في فترةٍ قصيرة، وفي مكانٍ خاصّ.

تطبيق العدالة الاقتصادية غاية رسالة الأنبياء والأئمّة

يرى الأستاذ محمد رضا الحكيمي أن توزيع الأموال يمثِّل روح وجوهر الإسلام في تنظيم المجتمع الإنساني والتقنين العادل([10]). إن أصول دعوة الأنبياء في بداية الدعوة تقوم على ثلاثة أصول، وهي:

1ـ الدعوة إلى عبادة الله، كما في قوله تعالى: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللهَ…﴾ (المائدة: 117)([11]).

2ـ الدعوة إلى الإصلاح الاقتصادي، ومكافحة الطغيان الاقتصادي، بالإضافة إلى مجابهة طواغيت السياسة، وبناء المجتمع على أساس الحياة الاقتصادية السالمة، الذي هو في الحقيقة مواجهة النقطة الأصلية لانطلاقة وانتشار الظلم الاقتصادي، كما في قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ﴾ (الأنعام: 152)([12]).

3ـ قطع الارتباط مع الأثرياء الذين كانوا يسعون لرشوة الأنبياء؛ من أجل ركوب موجة الدين؛ لتحقيق مآربهم. قال تعالى: ﴿لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً﴾ (هود: 29). كيف يمكن مكافحة التضخُّم الاقتصادي والعمل في الوقت نفسه على فسح المجال للمتسبِّبين بالتضخُّم؟([13]).

لقد لجأ الأستاذ الحكيمي؛ لإثبات مدّعاه، إلى تاريخ جهاد القيادات الدينية. رُوي عن النبي الأكرم| أنه قال: «لم نُبعث لجمع المال، ولكنْ بُعثنا لإنفاقه»([14]). إن النبيّ الأكرم، كما بُعث لمحاربة الكفار والمشركين، بُعث أيضاً لمكافحة أرستقراطية قريش، وحياتهم الباذخة وأموالهم المشبوهة أيضاً. أجل، فكما غرق فرعون [الطاغوت السياسي] في اليمّ كذلك خسف الله الأرضَ بقارون [الطاغوت الاقتصادي]([15]).

عندما يريد الإمام عليّ× أن يبيِّن نجاح حكومته الدينيّة يشير إلى ضمان معيشة الناس، وتوفير الرفاه النسبي والحياة الكريمة لجميع أفراد المجتمع في فترة حكمه، من تلبية الحاجة إلى الطعام والسكن لأدنى الطبقات المستضعفة في الكوفة([16]). وقد تحدَّث الإمام عليّ× عن حكم معاوية بن أبي سفيان قائلاً: كان معاوية يقسِّم الأموال بين أفراد حاشيته، ويحرمون أصحاب الأموال الحقيقيين… وكان ينفق الأموال حتى تكون دُولةً بين أصحابه([17]).

وكان الإمام الحسين× في حربه المفتوحة ضدّ الباطل يتعرَّض للقوافل التي تحمل الأموال إلى بلاط الشام، وكان يأخذ الأموال منها ويوزِّع بعضها بين المحرومين؛ ليثبت أن الحكم القائم باطلٌ وغير إسلامي([18]). إن الأستاذ الحكيمي؛ بالالتفات إلى اعتباره المساواة بوصفها ذروة سنام العدالة، صرَّح قائلاً: «أسفاً، إننا نحن المدافعون عن القسط والعدل، والذين نكتوي بنار الحزن على حرمان المستضعفين، لا نستطيع ـ قبل ظهور «دولة العدل القرآني» ـ أن نفعل شيئاً سوى الإبقاء على جَذْوة العدالة مستعرةً، وإذكائها بالحديث والكتابة عنها فقط»([19]).

3ـ العمل على تطبيق نظرية العدالة

يذهب الأستاذ الحكيمي إلى أن تحقيق العدالة يستلزم تضافر جهود جميع المؤسّسات وطبقات المجتمع، بَيْدَ أن دَوْر الحكّام والعلماء أكبر من أدوار الآخرين في هذا الشأن. من أجل تحقيق العدالة يبدأ الإسلام من الأعلى، وينظر إلى الحسنات والسيئات في رأس الهرم أوّلاً، ثمّ ينزل إلى القاعدة، ومن هنا يجب تحقيق العدالة على مستوى العلماء والحكّام قبل كلّ شيء([20]). فلو داهن العلماء الحكّام، ولم يخْشَ العلماء من الله، وانقضّ الأغنياء مثل الذئاب الجائعة، ينهشون عظام المحرومين بأنيابهم، من خلال بسط سيطرتهم على الكيل والميزان، واحتكروا الاستيراد والتصدير، ورفعوا الأسعار كما يحلو لهم، وقاموا باختلاق التضخُّم الكاذب، فإلى مَنْ يلجأ المستضعفون في مثل هذه الحالة؟!([21]). يجب تطبيق العدالة على أفضل صورةٍ، وإلاّ فإنها لن تنطوي على فائدةٍ كبيرة. رُوي عن الإمام الكاظم× أنه قال [ما معناه]: «لا يصحّ تطبيق العدالة إلاّ على أفضل وجوهها»([22]).

بعض تدابير وأحكام الإسلام في التوزيع العادل للأرباح

إن قوانين التوزيع في الإسلام تأتي في إطار إصلاح سوق الثروة المالية، وتعديل سوق الثروة الفيزيقية، وتعزيز سوق الثروة البشرية. وفي إطار تعديل سوق الثروة النقدية (المالية) تدخَّل الإسلام من خلال تحريم الرِّبا وما إلى ذلك؛ وفي إطار تعزيز سوق الثروة البشرية أكَّد الإسلام على توسيع دائرة العلاقات الحقوقية للعمل والأجور العادلة.

وبالإضافة إلى هذه الخطوات الثلاثة عمد الإسلام في المرحلة الرابعة؛ من خلال وضع الأحكام لصالح الفقراء والمحرومين والفقراء، إلى إطلاق يد الدولة في التدخُّل في الاقتصاد ومساعدة الطبقات المتضرِّرة، عبر فرض الضرائب المختلفة على الأثرياء، ودفعها إلى المحرومين والفقراء، بحيث إنه من خلال التدبير الذي يقوم به الإسلام يتحوَّل التنافس بين الأفراد والجماعات الذين يمارسون النشاط والعمل في أسواق الثروة إلى تنافسٍ عادل في كسب الأرباح المشروعة.

ولمكافحة العدالة ألقى الدين الإسلامي بعض المسؤوليات على عاتق عموم أفراد الشعب، وعمل على توجيه بعض الوظائف والمسؤوليات الأخرى لتُلقى في الغالب على عاتق السلطة والدولة الإسلامية.

3ـ 1ـ مسؤولية الشعب

إن الأفراد في المجتمع الإسلامي ـ طبقاً لأصل الإخاء الإسلامي ـ مسؤولون تجاه بعضهم في ما يتعلَّق بتوفير الحاجات الأساسية، ومساعدة بعضهم البعض عند حدوث الكوارث الطبيعية. وإن الله سبحانه وتعالى قد هدَّد الذين يقصِّرون في القيام بأعباء هذه المسؤولية بالفناء والهلاك([23]). وقد ذهب الأستاذ الحكيمي في سياق تحقيق نظريته على أرض الواقع إلى اقتراح تأسيس حزبٍ باسم «حزب المستضعفين»، ويشترط فيه أن لا يكون في صفوفه العليا شخصٌ يمتلك بيتاً؛ كي يدرك ماذا يعني عدم امتلاك شخص لبيت؟! وأن يُسْمَح لهذا الحزب بأن يكون له نشاطٌ سياسي، كأن يرسل ممثِّلاً عنه ليكون عضواً في البرلمان([24]). ومن بين الخطوات في هذا الشأن إصدار مجلّة باسم «المستضعفين»، حيث تُعنى بنشر الواقع المرير لمختلف الطبقات المحرومة، وأن ترصد في الوقت نفسه مظاهر الحياة القارونية الباذخة للرأسماليين في المجتمع، على أن تكون المجلة نفسها ذات أوراق من النوع الرخيص، وغلافها منخفض الثمن([25]).

أـ العلماء والحكّام

يؤكد الأستاذ الحكيمي في تقديمه للنظام العادل على الأخلاق الاقتصادية للحكّام والعلماء، وهما الطبقتان اللتان تمثِّلان ـ طبقاً للرواية المأثورة عن النبيّ الأكرم| ـ مفتاح الصلاح والفساد في الأمّة([26]). لقد عبَّر الأستاذ الحكيمي في كتبه عن العلماء الذين عملوا من أجل تحقيق العدالة بأفضل أشكال التعبير والتمجيد([27]). إنه يرى أن هدف الجهود والتحقيقات والملاحم التي قام بها علماء الشيعة، من أمثال: السيد عبد الحسين شرف الدين، هو بناء «أصول العدالة العامّة»([28]).

إن من بين الأصول التي يتمّ التأكيد عليها في الإسلام هو الابتعاد عن الأغنياء بشكلٍ عامّ، وتشجيع العلماء على عدم مجالستهم بشكلٍ خاصّ؛ لأن مجالسة كلّ جماعة يستتبع التَّبَعية لهم، والاصطباغ بصبغتهم، وإن معاشرة الأغنياء تؤدّي إلى إصابة الآخرين بعدوى فسادهم الأخلاقي، في حين أن الأخلاق المنشودة للإسلام تؤكّد على نفي سيادة المال. وعلى العلماء أن يعتمدوا على سواعد المحرومين في تحقيق الأهداف الدينية؛ وذلك لأن دين الله إنما قام على سواعد المحرومين ودمائهم. وهذه هي الحقيقة التي نزل القرآن في التأكيد عليها؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً﴾ (هود: 29)([29]). ويجب في هذا المسار أن لا ينخدعوا بالنفقات التي يدفعها بعض الأغنياء على شؤون المؤسّسات الدينية؛ وذلك لأن أساس دين العدل لا يقوم على يد الظالمين أبداً([30]). إن بقاء الطاغوت الاقتصادي رهنٌ بجهل جمهور الناس. وعلى المفكِّرين والعلماء مواجهة الظلم والفساد الاقتصادي، وتوجيه الآخرين وهدايتهم في هذا الشأن. لقد نفخ الأستاذ الحكيمي الروح التنفيذية في جسد التعاليم الأخلاقية التطوُّعية والمفتقرة إلى الضمانة الإجرائية في الفقه الإسلامي، وحوَّلها إلى أخلاقٍ اجتماعية ملزمة، ونظر إلى الأخلاق بوصفها غايةً كبرى.

ب ـ سائر الطبقات

بالإضافة إلى دَوْر العلماء (والحكّام على ما سيأتي في القسم الآتي) في مكافحة الفساد الاقتصادي وتحقيق العدالة الاقتصادية، يجب على جميع الناس ـ بمَنْ فيهم المبلِّغون والأساتذة والطلاب والجامعيون والصحفيون والكتّاب والفنّانون ـ أن يضطلعوا بدَوْرهم في هذه الحركة الثورية([31]). إن من بين الموارد التي يمكن للشعب أن يقوم بها في سياق تحقيق العدالة بشكلٍ اختياري هو الوقف والإنفاق الطَّوْعي. إن موارد من قبيل: الكفارات والنذور تقع على عاتق عامّة الناس على نحو الوجوب. ويجب على التجّار في المعاملات الاقتصادية أن يقنعوا بالربح القليل؛ وذلك لأن أخذ الأرباح الكبيرة يندرج تحت عنوان الظلم أو الغبن، وهو حرام([32]). وفي ما يتعلَّق بالإنفاق يذهب الأستاذ الحكيمي إلى القول بأن الإنفاق على نوعين، وهما: إنفاق طَوْعي؛ وإنفاق إلزامي، حيث يعمل الأشخاص من خلال إنفاق المقدار الزائد من أموالهم على تجنُّب العدوان والطغيان في الشؤون المالية([33]).

3ـ 2ـ وظائف السيادة (الدولة)

إن الدين ظاهرةٌ «إلهية ـ اجتماعية»، يجب أن تبيِّن ما تنتظره من الفرد والمجتمع والدولة. وإن النظام الديني يجب أن يكون «عاملاً بالعدل»، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ (النحل: 90). كما يجب على المجتمع الدين أن يكون «قائماً بالقسط»، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد: 25). وإن أفراد هذا المجتمع هم من المتديِّنين والصالحين، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ (البقرة: 25)([34]). إن الوالي الإسلامي من وجهة نظر الإمام الصادق× هو الشخص الذي يقوم بتطبيق العدالة. في الحكومة التي تقوم على أساس الإسلام يكون الواجب الأوّل هو العمل على إقامة القسط بين الناس([35]). إن الإسلام لا يرتضي التكاثر المفرط وشيوع الفقر، وإن الهدف الذي ينشده المذهب الاقتصادي في الإسلام هو إدارة المجتمع على أساسٍ اقتصادي متوازن، ينخفض أو يختفي فيه الاختلاف بين الناس في الاستهلاك ومستوى المعيشة. ولا يكون بينهم اختلافٌ فاحش في الملكية([36]).

إن على الدولة أن تجري إصلاحاتٍ ضمن هيكليّتها على الموارد التالية: تحسين كيفية القوانين والإدارة، ومنع نفوذ الرأسماليين في أجهزة السلطة، واجتثاث الليبرالية الاقتصادية بوصفها مصدر جميع أنواع الفقر، وتجنُّب سقوط رجال الدولة في مستنقع حبّ الأموال، والقدرة على تشخيص الوقائع الاقتصادية الحادثة([37]). عندما يظنّ الناس أن هناك تمييزاً وسرقة للأموال العامّة من قِبَل سكّان المناطق الآمنة يتعيَّن على الحاكم أن يشرح للناس، وأن يعتذر من المجتمع، ويكشف الفساد، لا أن يتستَّر عليه([38]).

الأحكام الثانوية والولائية أداةٌ لتسهيل تطبيق العدالة من قِبَل الدولة

إن العدالة الإلهية تجري في الأمور التكوينية والتشريعية، بحيث تعتبر الشريعة الإلهية أكبر داعيةٍ إلى تطبيق العدالة. وعلى هذا الأساس فإن العدالة تكون واجبةً حكماً، وليست مجرّد فضيلةٍ أخلاقية فقط([39]). ومن ذلك، على سبيل المثال، أن أصل «الكفاف في المعيشة» يُطْرَح في بعض المراتب بوصفه موضوعاً تكليفياً وحكمياً، وليس مجرَّد موضوعٍ أخلاقيّ بَحْت، وعلى هذا الأساس فإنه يحتوي على ضمانةٍ تنفيذية قوية([40]). وعليه يكون هناك مجالٌ واسع لتدخُّل الدولة والسلطة في إقامة العدالة الاقتصادية. وفي بعض الموارد تؤدّي الحاجة إلى تحقيق العدالة الاقتصادية في الإسلام بالأحكام الثانوية والولاية لتتّخذ صبغةً عملية، ولا سيَّما في الحالات التي لا يكون معها بعض الأحكام الأوّلية ـ بسبب العوامل التاريخية أو الوضعية ـ وافياً وكافياً لإقامة العدل والإحسان، واستنباطه وتنظيمه. ومن ذلك، على سبيل المثال، أنه لما كانت أنصبة الزكاة الظاهرية غيرَ كافيةٍ لبناء الاقتصاد الإسلامي، من حيث الوفاء بتغطية جميع مستلزمات حياة الناس، يغدو من الضروري العمل بأحكام الزكاة الباطنية، ومكافحة طواغيت الاقتصاد على مستوى المجتمع([41])، حيث تعمل الحكومة الإسلامية على تحويلها إلى تكاليف ملزمة.

التوزيع بعد الإنتاج (سهم أصحاب عناصر الإنتاج والتوزيع المجدَّد للأرباح)([42])

لقد أَوْلى النظام الاقتصادي في الإسلام أهمّيةً خاصّة لتوزيع مصادر الإنتاج والثروات الطبيعية (بحث الملكية). وإن أبحاث التوزيع قبل الإنتاج ترتبط بأبحاث الملكية وقيودها، حيث تُعَدّ ملكية الدولة ركناً ثالثاً من أركان الملكية الإسلامية، بالإضافة إلى: الملكية العامّة؛ والملكية الخاصّة. إن دَوْر معايير التوزيع والحاجة إلى الدولة غالباً يَرِدُ في مرحلة التوزيع بعد الإنتاج. وإن هذه المعايير يتمّ تعيينها في كلّ نظامٍ على أساس المباني والأُسُس الفكرية لذلك النظام. وإن المعيار والعنصر الرئيس للربح في الإسلام هو العمل، والمعيار التوزيعي الآخر في الإسلام هو الحاجة. وإن هذين المعيارين قد ينفردان أحياناً؛ وقد يجتمعان في بعض الأحيان، ويلعب كلُّ واحدٍ منهما دَوْر المكمِّل للآخر([43]).

توقُّف تطبيق العدالة على العمل الثوري

في الحقيقة يجب على الدولة أن تقوم بعملٍ ثوري في مواجهة الظلم الاقتصادي. والثورة بطبيعتها لا تعرف الإمهال، وتسدِّد ضرباتها دون اعتبارٍ للمناصب والمقامات. وهذه هي الحقيقة التي أشار إليها الإمام عليّ× عندما اندلعت شرارة الثورة الجماهيرية ضدّ الخليفة الثالث؛ إذ في كلّ حركة غير ثورية يجد الطواغيت أن الفرصة متاحةٌ لهم كي يعملوا على توظيف الإمكانات وارتباطات ما قبل الثورة؛ ليستعيدوا قوّتهم، ويحقِّقوا مقاصدهم الرجعية، ويمسكوا بمقاليد الاقتصاد وسائر شؤون المجتمع؛ ليضحكوا على ذقون الجميع من خلال ممارسة الاحتكار، وافتعال التضخُّم، والإسراف، ونشر الفساد. عند اندلاع الثورة تكون الطبقات المحرومة في المركز وصلب الأحداث، بينما يقف الآخرون على الهامش. فحذارِ من أن يحدث العكس بعد الانتصار. أجل، إن «الإصلاح التدريجي» أمرٌ ممكن، أما «الثورة التدريجية» فلا([44]). تشتمل الثورة على خصوصيتين رئيستين، وهما: أوّلاً: استحالة الثورة دون تغيير ماهية الأوضاع؛ كما قام الإمام عليّ× فور استلام الخلافة بشَجْب الأنظمة الاقتصادية في العهود السابقة، وتعهَّد بإعادة العقارات التي تمّ إهداؤها إلى الأشخاص من بيت مال المسلمين من دون وجه حقٍّ([45])؛ وثانياً: ليس هناك مهلةٌ في الثورة الحقيقية.

مراحل تطبيق نظرية العدالة لدى الحكيمي

أصل المقاطعة والدفاع

إن على ولاة المسلمين ورجال الدولة والسلطة أن يبدأوا في عملية الإصلاح من أنفسهم. وعليهم الالتفات إلى الأمور التالية: عدم اكتناز الثروة، وضرورة التساوي في مستوى المعيشة والحياة مع أضعف الناس، وعدم محاباة الأقارب، وعدم قبول الهديّة، عدم امتلاك العقارات والأبنية([46]). تتمثَّل الخطوة الأولى في طريق تحقيق القسط بالقضاء على عقبتين كبيرتين، وهما: التكاثر؛ والفقر. وإن تضادّ التكاثر والفقر مع القسط تضادٌّ متجذِّر. وفي حركة الاصلاح الاجتماعي يجب العمل قبل كلّ شيء على قطع العلاقة والارتباط مع حيتان الاقتصاد، قال تعالى في محكم الكتاب: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ (الفرقان: 57)([47])، والقيام بعد ذلك بالدفاع عن المستضعفين؛ إذ إن كلّ عملٍ لا يقترن بمقاطعة أصحاب الثروات ورؤوس الأموال سيلحق الضَّرَر بالناس على مستوى الدِّين والدنيا. إن أصلَيْ مقاطعة الأغنياء والدفاع عن المحرومين من لوازم الإصلاح الاجتماعي([48]).

يعمد الأستاذ الحكيمي، في إطار بيان نظريّته، إلى ذكر أمثلةٍ من التاريخ الإسلامي في ما يتعلَّق بضرورة أن يعمل قادة المجتمع الإسلامي في سلوكهم على ترجيح مجالسة الفقراء على مجالسة أصحاب الثروات([49]). إن على الحكام المسلمين أن يقطعوا ارتباطهم مع أصحاب الثروات الطائلة، وأن يتَّجهوا إلى معاشرة الفقراء والمساكين، كما كان النبيّ الأكرم| يقول للفقراء من أصحابه: «معكم المحيا، ومعكم الممات»([50])، وكما قال الإمام عليّ×: لا يستطيع نشر دين الله إلاّ أولئك الذين لا يداهنون ولا يواكبون أهل الدنيا، ولا ينساقون مع الأهواء والمطامع([51]). وكذلك في مجال العدالة الاقتصادية ما لم يتمّ القضاء على الباطل (التكاثر والتَّرَف) لن يحلّ الحقّ (العدل والإنصاف) محلّه([52]). إن أبا ذر الغفاري؛ بوصفه شيعياً حقيقياً، كان يجوب الطرق والمعابر فَجْراً، ويقرأ في أندية الشام بضع آياتٍ من القرآن الكريم بشأن أموال الفقراء، ثمّ يتَّجه إلى قصور الظلم، ويرفع عقيرته بالاعتراض عليهم، وشجب أفعال حكّام الجَوْر([53]).

أـ قطع الارتباط مع أصحاب الثروات الطائلة

يرى الأستاذ الحكيمي ضرورة أن يقطع المجتمع ارتباطه وصلته بأصحاب الثروات الطائلة، وأن لا يكون المال متداولاً بين مجموعة من الأثرياء فقط؛ «كي لا يكون دُولةً بين الأغنياء»؛ لأن هذا يؤدّي بالمال إلى أن يكتسب حالةً تخالف القوامة. وفي الأساس يجب أن لا يكون للثروة في المجتمع الإسلامي ذلك النفوذ وتلك الجاذبية والسلطة الخاصّة([54]). في إطار تحقيق العدالة على أرض الواقع يعمل أصحاب الدنيا (أصحاب الثروات المتكثِّرة وغيرهم) على وضع العراقيل أمام تطبيق العدالة، وسوف يتحيَّنون الفرص لشغل المناصب الحسّاسة والرئيسة، ويحوِّلون المسار العادل للدين عن جهته، وفي هذه الحالة حتّى إذا أراد المخلصون القيام بالأعمال الصالحة لن يتمكَّنوا من النجاح؛ لأنهم سوف يسيرون في إطار ترسيخ المعاليل، وينسون العلل([55]).

الأصول الداعية إلى التكاثر

يرى الأستاذ الحكيمي أن هناك أربعة أصول هي التي تدفع الناس نحو التكاثر، وفي الوقت نفسه فإن الإسلام يعمل على مكافحتها.

وهذه الأصول الأربعة هي:

1ـ الأصل النفسي: حبّ المال المتجذِّر والمتأصِّل في عُمْق وجود الإنسان.

2ـ الأصل الاقتصادي: إن طلب المال يدعو الفرد إلى مراكمة الأموال وتكديسها.

3ـ الأصل الاجتماعي: إن المنظومة الثقافية للمجتمع تمثِّل النسيج الأصلي للنظام الاقتصادي للمجتمع والفرد، وتمهِّد الأرضية للحصول على المال المتكثِّر.

4ـ الأصل السياسي: وهو الأصل المتمثِّل بنظرة الجهاز الحاكم للمسائل المادية والسياسة والاقتصادية. وإذا كانت هذه الرؤية متناغمةً مع الاقتصاد الحُرّ وأصحاب الثروات المتكثِّرة فإنها ستفتح الطريق أمامهم على مصراعَيْه([56]).

أساليب مواجهة التكاثر

الأسلوب الأوّل: تقويض قِيَم التكاثر

يعمل الإسلام في مواجهة هذه العناصر والقضاء على النظام التكاثري على استخدام أسلوبٍ تقويضي بنّاء، حيث يقوم بتحطيم قِيَم التكاثر، حتّى أنه يصف أشراف الناس بأنهم أسوأ المسلمين([57]). فالإسلام من جهةٍ يعمل على تقويض القِيَم التكاثرية، ويذهب إلى مواجهتها؛ ومن جهةٍ أخرى يعمل ـ من خلال التأسيس للقِيَم النموذجية المتأصِّلة في فطرة الإنسان، من قبيل: ربط الاستغناء بالتوجُّه إلى الله، والعمل بالقرآن، واليقين، والعلم، والتشجيع على القناعة ـ على التعاطي في هذا الشأن بشكلٍ فعّال. وحيث إنه يرى الإنسان مزيجاً من الروح والجسد، وأنه كائنٌ يُراد له الخلود، وليس الفناء، ويَعُدّ الأحوال الروحية أشرف من الأحوال الجسدية، فإنه يمنح المزيد من الاهتمام لموضوع الغنى والفقر الروحي، قياساً إلى الغنى والفقر المادّي. وقد رُوي عن الإمام الباقر× قوله: «لا فقر كفقر القلب». وعلى هذا الأساس فإن الإسلام يتّجه إلى استئصال التكاثر واجتثاثه من جذوره، لا أن يتمّ العمل على رعايته وتنميته والإبقاء عليه([58]). وفي المقابل يرى الاستغناء في الوَرَع والتقوى، والاعتماد على العقل والعلم والقناعة وترك الأماني والآمال، وليس في المال الكثير، ويدعو إلى عدم التواضع والتزلُّف للأغنياء.

الأسلوب الثاني: استخدام القوّة ومصادرة الأموال

لا يمكن استيفاء حقوق المستضعفين من المستكبرين إلاّ بالقوّة. وبالالتفات إلى الآيات والروايات تتلخَّص مهمّة الدولة برعاية الأمانة. فعلى الدولة أن تستوفي حقوق الضعفاء في المجتمع من الأقوياء، وأن تصادر الأموال غير المشروعة والمغتَصَبة، وأن تجعل الاهتمام بالمستضعفين نصب عينها([59]).

في ما يتعلَّق بالغنى التكاثري يذهب الأستاذ الحكيمي إلى الاعتقاد بأن على الحكومة الإسلامية أن تعمل دون هوادةٍ ولا إبطاء على مصادرة الأموال المتراكمة، وإعادتها إلى مواضعها الأصلية؛ لأن هذا النوع من الأموال لا يمكن جمعه ومراكمته بالطرق المشروعة والمحلَّلة، ولا ينسجم مع تعريف الإسلام للثروة؛ وذلك لأن المال قوام، والتكاثر ماحقٌ ومدمّر، ولا مالية له من وجهة نظر الإسلام، وعلاجُه في إبطاله، وليس مثل ما عليه حال الضرائب في العالم الرأسمالي. وبعبارةٍ أخرى: إن الإسلام لا يؤمن بمالية هذه الأموال، لا أنه يعترف بها رسميّاً، ويفرض عليها ضرائب عالية([60]). إن مصادرة الأموال المتكاثرة حقيقةٌ جسَّدها الإمام في اليوم الثاني من خلافته في المدينة المنوَّرة، وهي طبقاً لكلام الإمام الباقر× حقيقةٌ سيكتب لها التحقُّق في مستقبل التاريخ: «عندما يظهر القائم من آل محمد# فإنه يُبطل جميع ما كان قبله، ويبدأ انتهاج العدل من جديد في تعامله مع الناس»([61]). إن للحاكم الإسلامي وظيفتين، وهما:

1ـ أخذ الأموال الحرام من المستكبرين الاقتصاديين.

2ـ إيصال الأموال إلى المحرومين.

وفي هذا المسار يجب وصول الأموال بشكلٍ مباشر إلى المحرومين أنفسهم أو عوائلهم، وليس عن طريق المؤسّسات والمنظّمات أو بناء العمارات والوحدات الثقافية (وذلك لعدم تناغمها الكامل مع الماهية الثورية للإسلام، ولمخالفتها مع الأهداف والتطلُّعات الإسلامية في بناء الإنسان)، وليس من طريق الأغنياء (لأن الذين لم يذوقوا مرارة الفقر لا يستطيعون تمثيل أصحاب العظام المطحونة من المحرومين بشكلٍ أمين. وقد شبَّه الإمام السجاد× بعض هؤلاء بالذئاب، ولا يمكن للذئب أن يتولّى مهمة رَعْي الأغنام. وعلى حدّ تعبير الإمام الحسن العسكري×: إن هؤلاء هم الذين سرقوا أموال الفقراء. وقد ورد في الأحاديث المعتبرة نسبة «فقر الفقراء، وحرمان المحرومين، وجوع الجائعين، وعُرْي العراة» إلى المجرمين من الأغنياء)([62]). لا يجوز التسامح أبداً مع الثروات القارونية، وحياة الفساد والتَّرَف، والأساليب المعارضة للأهداف القرآنية التي ينتهجها أصحاب رؤوس الأموال والمترفين، ولا سيَّما إذا كان أصحاب الثراء الفاحش قد حصلوا على أموالهم وثرواتهم على حساب المجتمع. تحدِّثنا الآية 78 من سورة القصص أن الناس بعد أن قالوا لقارون: لا تفرح بما حصلت عليه من الأموال، ولا تبطر، ولا تغفل عن الإحسان إلى الناس، قال في الجواب: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾. يظنّ الأغنياء أنهم إنما حصلوا على الأموال الطائلة بسبب مقدرتهم ونبوغهم العلمي، في حين أن قدرتهم الفكرية إنما هي من نِعَم الله تعالى عليهم، وإن الإمكانات التي عملوا على توظيفها واستثمارها في المجتمع والتجارب العلمية إنما هي من ثمار ونتائج جهود المحقِّقين والمتخصِّصين أيضاً([63]).

وفي ما يتعلَّق بالغنى الكثير الذي يأتي في مرتبةٍ أدنى من الثراء الفاحش يذهب سماحة الأستاذ الحكيمي إلى الاعتقاد بضرورة الحضور الفاعل والقويّ للدولة، بحيث إذا حصلت حاجةٌ في المجتمع، ولم يقُمْ الغني ببذل ماله، أمكن للدولة أن تفعِّل الأحكام الولائية في إطار تعديل الوضع وإعادة الأمور إلى نصابها، بل مع وجود الحرمان الواسع يصبح تدخُّل الدولة واجباً وحَتْمياً؛ لأن الملاك الأصلي في الإسلام يكمن في إقامة القسط القرآني الحاكم على جميع القوانين الأخرى، وليس إقامة جدارٍ حديدي حول ظاهرة الرأسمالية الرجعية (حيث ورد في نصّ الأحاديث والروايات أن كثرة المال لا يمكن جمعها بالطرق المشروعة والحلال).

ومن ناحيةٍ أخرى إن بقاء هذه الأموال يؤدّي إلى تحطيم المجتمع الإسلامي؛ وذلك لأن بقاء المجتمع الإسلامي رهنٌ بالمسار الصحيح للمال والإمكانات في المجتمع، وليس في تكديس ثروات المجتمع في يد بعض الأشخاص: «إن من بقاء المسلمين وبقاء الإسلام أن تصير الأموال عند مَنْ يعرف الحقّ ويصنع المعروف…». ومع الغنى الكثير لا يبقى هناك متَّسعٌ لحضور العدل، ومن دون العدل لا يوجد متَّسع لبقاء الدين: «العدل حياة الأحكام». إن الدين يحيا بالعدل، وليس بالسكوت على «المستكبرين الاقتصاديين، والمتملِّقين للجبابرة، والذين يتحمَّلون وجودهم إلى جوار المسجد ونداء الأذان والتكبير»([64]). إذا اتّضحت ضرورة القيام بثورةٍ جَذْرية في المجتمع الإسلامي يجب العمل على تعميم الحكم بمصادرة الأموال المتكثِّرة بحقّ الغنى الفاحش والمتكثِّر أيضاً([65]).

المقادير التقريبية في تعيين الكنز والتكاثر

هناك اختلافٌ في الروايات في تحديد مقدار اكتناز المال. وقد تراوحت المقادير ما بين أربعة عشر ألف درهم، ومئة ألف درهم، وألفَيْ درهم، وعشرة آلاف درهم، وغير ذلك. والسبب في هذا الاختلاف يعود إلى الارتباط الوثيق بين المسائل الاقتصادية والموضوعات الخارجية والموازين الاجتماعية المتغيِّرة بحَسَب الأشخاص والأحوال والأزمنة والمجتمعات وما إلى ذلك. ويجب أخذ هذه الحقائق في تحديد مقدار الاكتناز. بَيْدَ أن هذا الاختلاف لا يُسوِّغ خروج الأشخاص عن الاعتدال في ما يتعلَّق بالأمور المالية([66]). ويجدر بالأستاذ الحكيمي أو غيره من المحقِّقين في هذا الشأن أن يقدِّموا طرقاً لتعيين هذه الحدود بشكلٍ ملموس، كما تمّ بذل الجهود من أجل تحديد خطّ الفقر.

ب ـ مكافحة الفقر والدفاع عن المحرومين

نسب النبيّ الأكرم| ـ في حديثٍ مأثور ـ شيوع الفقر بين الناس إلى كفرهم، واعتبر الدولة الإسلامية هي المقصِّر الرئيس في ذلك([67]). وبشكلٍ عامّ فإن نظرة الإسلام إلى الفقر نظرةٌ جَذْرية تسعى إلى مكافحة أسبابه الفردية والجماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية([68]). وإذا ما استثنينا الأسباب الفردية فإن دَوْر الدولة والسلطة في سائر الأسباب والعلل واضحٌ.

المستويات التقريبية لتحديد خطّ الفقر

إن الفقير هو الذي لا يملك قوت سنته، والمسكين أسوأ حالاً منه([69]). إن الفقر لا يتناسب مع كرامة الإنسان وعزّة نفس المؤمن، ومن وجهة نظر الإسلام يجب تقدير حجم الحاجة والفقر على مدار السنة، وليس بالنسبة إلى اليوم بأكمله.

الجدول رقم 1: أنواع الضرائب الإسلامية

يجب تلبية الحاجة السنوية للفقراء، وعلى حدّ تعبير الإمام عليّ×: لا ينبغي في الإسلام أن ترى معالم العالة والعَوَز على الفقير([71]). لقد تمّ التأكيد على مشاركة الفقراء في أموال الأغنياء في الكثير من الأحاديث. وإن الملاك في تعيين حقّ الفقراء في أموال الأغنياء هو ذلك المقدار من أموالهم الذي يفي ـ على حدّ تعبير الإمام عليّ× ـ بتغطية نفقات معيشتهم([72]). قال الإمام عليّ× في بيان وضع الناس بعد فترة حكمه القصيرة: «ما أصبح بالكوفة أحدٌ إلاّ ناعماً؛ إن أدناهم منزلةً ليأكل البُرّ، ويجلس في الظلّ، ويشرب من ماء الفرات»([73]). يجب أن يبلغ الفقير مستوى يمكنه من الزواج، وحتَى أن يتصدّق، ويذهب إلى الحجّ([74]).

بعض تدابير الإسلام في وظائف الدولة

1ـ السياسات الرقابية

مكافحة الانحصار

ونعني به: تجنُّب استبداد الأغنياء بالأموال([75]).

مكافحة الاحتكار

إن التعميم الموجود في عهد الأشتر في قول الإمام: «واحتكاراً للمنافع» يثبت ويؤكِّد حرمة الاحتكار في الموارد غير المنصوصة([76]).

أهمّية فرض الأسعار والمنع من الغلاء

إن فرض الأسعار من قِبَل الدولة ليس جائزاً فحَسْب، بل تجب مراعاة قدرة الناس على الشراء في وضع الأسعار على السلع من قِبَل الدولة([77]).

الرقابة على التجارة

إن الدين الإسلامي الحنيف يرفض العلاقات التجارية القائمة على الاقتصاد الليبرالي الحُرّ؛ بسبب اشتمالها على المفاسد الكبيرة التي تقوِّض العدالة الاجتماعية. يجب أن تشتمل التجارة على قيود وضوابط، وأن تخرج عن دائرة أرباب التكاثر، وأن تكون البضاعة المستوردة في إطار تلبية الاحتياجات العامّة([78]).

2ـ السياسات الربحية

إن أكثر سياسات الدولة في الإسلام هي سياسات ربحية ومالية، حيث تحصل الدولة على أكثر ثرواتها وأرباحها من الأغنياء (عن طريق الضرائب)، وتنفق أكثر ثرواتها على رفاه المحرومين والمستضعفين.

2ـ 1ـ أرباح الدولة

إن الضرائب التي تحصل عليها الدولة الإسلامية من الأغنياء تنقسم إلى قسمين: ضرائب ثابتة؛ وضرائب متغيِّرة.

أـ الضرائب الثابتة

إن الضرائب المالية الشرعية الثابتة أدناه تؤخذ في الغالب من الأغنياء:

الزكاة الواجبة: لقد عمد الإمام الحسن العسكري× إلى تعريف الزكاة بأنها «مواساة الإخوان». وهذا يثبت أن جوهر الاقتصادي للدين يقوم على إنفاق المال وتدويره بين جميع الناس. في تشريع الزكاة، بالإضافة إلى تزكية المال، يتمّ الاهتمام بتزكية نفس صاحب المال أيضاً، حيث تلتقي الحياة المادّية والمعنوية للإنسان. وإن هذا الحدّ، الذي يمثِّل القوام والحدّ الوَسَط في المال، يؤدّي إلى قوام الحياة المادّية والروحية([79]). «ليس هناك من قلقٍ في الانتصار لتعميم الزكاة على غير الأشياء التسعة»، ولا سيَّما في هذا العصر الذي انتشر فيه الفقر والبطالة من جهةٍ، وشاع التكاثر وتراكمت الأموال والنقود الكثيرة في صناديق المصارف والبنوك من جهةٍ أخرى، فيجب فرض نوعين من الضرائب على هذه الأموال: الخمس؛ والزكاة. وهذا هو الأنسب مع روح وجوهر الإسلام القائم على أساس القسط والعدل([80]).

الخُمْس: لو اعتبر الخُمْس (سهم السادة) من أرباح الدولة الإسلامية (وليس شخص الإمام)؛ من أجل رفع حاجة المجتمع ـ طبقاً لفتوى بعض المجتهدين ـ، عندها يمكن للسادة أن يحصلوا على مستحقّاتهم من نفقات الدولة، وأخذ حقوقهم بكلّ عزّةٍ وكرامة. كما هو الوضع بالنسبة إلى الموظَّفين في الدولة الإسلامية([81]). وحيث يؤخذ الخُمْس من الأرباح العالية فإن ذلك يشير إلى إنفاق الضرائب على الأرباح المتدنِّية.

الخَرَاج: في وضع الضرائب على الخَرَاج تؤخذ قدرة الدافعين للخَرَاج بنظر الاعتبار.

الجِزْية: إن الجِزْية تُؤخَذ من أهل الكتاب فقط (حيث يُعْفَوْن من دفع الخُمْس والزكاة).

ب ـ الضرائب المتغيِّرة

الزكاة الباطنة: سُئل الإمام الصادق× عن الآيات 20 ـ 24 من سورة المعارج، ومنها: قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج: 24 ـ 25)، فقال: «الحقّ المعلوم غير الزكاة، وهو شيءٌ يفرضه الرجل على نفسه في ماله، يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله، فيؤدّي الذي فرض على نفسه، إنْ شاء في كلّ يوم، وإنْ شاء في كلّ جمعة، وإنْ شاء في كلّ شهر…»([82]). وقد رصد الفقهاء المتقدِّمون طرقاً لمكافحة التكاثر، من قبيل: تكرار أخذ الخمس، والتأكيد على دفع الزكاة الباطنة، بحيث إن بعضهم أفتى بوجوبها. وإن بعض الفقهاء، من أمثال: الشيخ الأنصاري، ذهب إلى التصريح بأن وجوب الحقّ المعلوم والزكاة الباطنة أمرٌ يُستفاد من الكثير من الروايات([83]). إن هؤلاء الفقهاء والمحقِّقين يرَوْن وجوب الزكاة الباطنة حتّى زوال واضمحلال الفقر المطلق، إلاّ أن الأستاذ الحكيمي لا يكتفي بهذا المقدار، ويرى ضرورة القضاء حتّى على الفقر النسبي. يرى الأستاذ الحكيمي أن الحقوق المفروضة على المسلمين لا تنحصر بالزكاة الواجبة فقط، وإنما يجب على المسلمين ـ ولا سيَّما الأغنياء منهم ـ أن يدفعوا الزكاة الباطنة، بالإضافة إلى الزكاة المعلومة. وإن الزكاة الباطنة أكثر من الزكاة المعلومة؛ لأن الغاية منها هي القضاء الكامل على التكاثر والفقر. إن دفع الزكاة الباطنة لم يتمّ تحديده بمقدار المال، وإنما بوجود المحرومين والمستضعفين بين الناس؛ كي يعيش الإنسان في مجتمع يحظى بالكرامة والقِيَم([84]). وعلى هذا الأساس إذا لم يتمّ القضاء على الفقر في المجتمع من خلال دفع الضرائب الشرعية يجب على الأغنياء أن يدفعوا من باقي أموالهم مقداراً يفي برفع حاجة المحتاجين. وإن الزكاة المعلومة والمفروضة وحدها لا تكفي. كما كان أبو ذر الغفاري يحدِّث أهل الشام، ويقول: «لا يبيتنَّ عند أحدكم دينارٌ ولا درهم، إلاّ ما يُنفقه في سبيل الله، أو يعدّه لغريمٍ»([85]).

ضرائب «الطَّسْق»: إن هذا النوع من الضرائب يؤيِّد دَوْر الدولة في استيفاء حقوق أفراد المجتمع من الثروات الطبيعية، وذلك بأن يعمد الإمام إلى جمع هذه الضرائب؛ من أجل إقامة التوازن الاجتماعي والمحافظة على الحقوق المشتركة في المصادر الطبيعية، وأخذها من الأشخاص الذين يستثمرونها([86]).

الإنفاق الإلزامي: رُوي عن الإمام الصادق× أنه قال: «إن الله ـ تبارك وتعالى ـ أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوها إلى غير شركائهم». إن لهذا البيان إلى حدٍّ ما صبغة إلزامية. إن الكثرة الغالبة من الأموال المتكدِّسة لدى الموسرين ليست بأموالهم، بل أموال الفقراء وأرزاقهم ـ بنصّ التعاليم والأحاديث ـ، فلأيّ أمرٍ نَدَع المُوسِرين يجمعون تلك الثروات الطائلة المغتَصَبة… ثمّ نلتمس منهم أن يتبرَّعوا ويتفضَّلوا بها على المحرومين. إن الذين يراكمون الأموال، وتقسو قلوبهم نتيجة لذلك، لن يعمدوا إلى إنفاقها على الفقراء طَوْعاً، ومن دون إكراهٍ وإجبار([87]). وعليه إذا لم تَكْفِ الزكاة الواجبة والباطنة وسائر الضرائب لرفع الفقر أمكن للدولة أن تأخذ بعض الأموال الأخرى كضرائب أو إنفاقٍ واجبٍ من الأثرياء.

مقدار الضرائب في معيار العدل لدى الأستاذ الحكيمي

بالالتفات إلى تأكيد الأستاذ الحكيمي على مختلف الضرائب فإن مقارنة معيار العدالة لديه في تعيين المقدار المناسب للضرائب تبدو في محلِّها. لنفترض أن لدى الشخص (H) إمكانية كبيرة لتحصيل الأرباح، وأن الشخص (L) لديه إمكانيّة قليلة لتحصيل الربح، ولنفترض أيضاً أنهما يحصلان على الحدّ الأدنى من المعيشة دون تدخُّل الدولة. إن الشخص (H) لديه أرباحٌ كبيرة؛ بينما الشخص (L) ليس لديه شيءٌ.

النموذج 1: المقدار المناسب للضرائب في معيار العدالة لرولس([88]) والأستاذ الحكيمي

أرباح الشخص (L)

أرباح الشخص (H) بعد استقطاع الضرائب

(النقطة: A) في حالة عدم ردّة الفعل من (H) سوف تكون السياسات على الخطّ (AE)، وفي هذه الحالة ـ طبقاً للنموذج أعلاه ـ فإن الخطّ 45 درجة (OZ) سوف يشير إلى التوزيع المتساوي للأرباح. وإن طريقة الحلّ التي تنشد المساواة سوف تتحقَّق في النقطة (Z).

ولكن حيث إن الشخص (H) سوف يعمل في البداية على توسيع نطاق عمله، ثم يعمل على تقليله، فإن مجموع الخيارات الممكنة سوف تبقى ضمن المنحنى (ABCD). وبالالتفات إلى تأثير التوزيع المجدّد للأرباح، ووضع الضرائب على انتخاب الفرد بين الربح والفراغ، فإنه نتيجة لفرض الضرائب على الشخص (H) سوف ينخفض خالص قيمة أجرة الشخص (H). وفي البداية سيقوم الشخص (H) بزيادة عمله من أجل تغلُّب الأثر الربحي على الأثر البديل، ولكنْ بعد نقطة (C) فإن فرض أيّ نوع من زيادة الضرائب سوف يشجِّع الشخص (H) على المزيد من الفراغ، بحيث إنه من النقطة (C) فما بعد سوف تقلّ الأموال القابلة للنقل من الشخص (H) إلى الشخص (L). ويعمد رولس إلى التعريف بهذه النقطة بوصفها تمثِّل الحدّ الأدنى من الرفاه الاجتماعي؛ لأنها تجعل وضع الشخص (L) زائداً. من الممكن أن تبدأ هذه النقطة قبل بلوغ مقدار الضرائب 50% (النقطة D)، وتساوي الأرباح بالنسبة إلى كلا الشخصين. وفي هذه الحالة فإن كلّ جهدٍ في إطار المساواة في الأرباح يؤدّي إلى الإضرار الربحي بكلا الشخصين. ومن هنا فإن رولس يختار (النقطة C)، حيث يغدو دَخْل الشخص (L) زائداً. ويختار النفعيون النقطة (B) بمقدار ضريبة 15%، إذ سيعمد الشخص (H) بعد هذه النقطة إلى خفض عرض عمله. ويتّجه أصحاب المساواة إلى النقطة (D) (التساوي التامّ)، أو يتوقَّفون عند موضع بين (C) و(D)([89]).

وفي حالة التساوي المثالي للأستاذ الحكيمي، وبالالتفات إلى الدافع الأخروي للمزيد من العمل من قِبَل المؤمنين، يتمّ اختيار النقطة (Z) بضريبة مقدارها 50%، بمعنى عدم التغيير في عرض عمل الشخص (H)، ومن ناحيةٍ أخرى يؤدّي إلى زيادةٍ كبيرة في دَخْل الشخص (L). وفي هذه الحالة حتّى المقدار المرتفع من الضرائب لا يقلِّل من جهود الأغنياء، ويزيد من قدرة الفقراء.

2ـ 2ـ نفقات الدولة

تعتبر الأنفال (المعادن، والمراتع، والأراضي غير المملوكة، وما إلى ذلك) من ممتلكات الدولة الإسلامية والإمام بالعنوان الأوّلي. إن توزيع وإنفاق الضرائب الإسلامية يتمّ في أغلب الأحيان لمصلحة أصحاب المداخيل المتدنّية، ومن ذلك، على سبيل المثال، أن جماعتي الفقراء والمساكين يندرجان ضمن الأصناف الثمانية المستحقة للزكاة (والفقير شرعاً هو الذي لا يمتلك قوت سنةٍ له ولأسرته، والمسكين أسوأ حالاً منه). وإن دفع دَيْن الغارمين وخفض حاجة المحتاجين من المسلمين وغير المسلمين من الفقراء العاجزين من جملة نفقات الدولة الإسلامية في إطار الحيلولة دون انتشار ظاهرة الفقر([90]).

وتأتي الخدمات العامّة في الدولة غالباً لتقديم المساعدة إلى الطبقة المحرومة، «يجب على الحكومة الإسلامية أن توفِّر لجميع الناس… الطعام والسكن والإمكانات الرفاهية بشكلٍ مناسب، إلى المستوى الذي يمكن لأدنى شخصٍ أن يأكل ويشرب ممّا يأكله كبار القوم ويشربون، وأن يكون لهم مسكنٌ، أسوةً بالآخرين»([91]). ويؤكِّد الأستاذ الحكيمي في موضعٍ آخر على توفير الخبز والكتاب لجميع الناس: «لقد كنتُ منذ سنواتٍ طويلة أعتقد بوجوب توفير شيئين في المجتمع بشكلٍ مجاني، وهما: الخبز؛ والكتاب». والمراد من الخبز هو الأنواع المعروفة حالياً في السوق، والمراد من الكتاب ـ بالإضافة إلى المناهج الدراسية ـ بعض الكتب الضرورية في الموضوعات الدينية والسياسية وما إلى ذلك([92]).

ج ـ نقد نظرية الحكيمي من بُعْد الانسجام الخارجي

استناداً إلى رؤية سائر الفقهاء، ومن خلال دراسة مضامين الانتقادات الواردة على إمكانية تطبيق نظرية العدالة الاقتصادية للأستاذ الحكيمي، يمكن القول:

1ـ إن الذي يستند إليه الدين الإسلامي الحنيف هو إقامة المساواة([93])، الذي لا يعني لزوماً مفهوم التساوي([94])، بل قد يكون تعميم التساوي في بعض الموارد نوعاً من الظلم وانعدام العدل. ومن ناحيةٍ أخرى إن هذا الرأي غيرُ حقيقيّ ومقيِّد؛ إذ لا يوجد هناك إمكانية لتحقيق السياسات التوزيعية المتساوية للأرباح في العالم الخارجي أبداً([95]). وفي الحقيقة إن هذا النقد يعود إلى مشكلة التحفيز في نموذج الأستاذ الحكيمي، وإن الناس في الحقيقة هم هؤلاء الأشخاص العاديون، الذين يسعى الكثير منهم إلى زيادة أرباحهم، والكثير منهم مسلمون، ولكنْ هل أنهم قد آمنوا بأجمعهم أيضاً؟ كيف يمكن الجمع بين المثالية والتحقُّق العملي؟ يبدو أن مشكلة التحفيز في نموذج الأستاذ الحكيمي تحتاج إلى عمليةٍ تثقيفية واسعة وطويلة الأمد حول إيمان وعقيدة الناس؛ كي يتمّ الاهتمام من قِبَلهم تلقائياً بالآخرة إلى جانب الدنيا، وأن لا يخفضوا من جهودهم حتّى مع تحقُّق تساوي المداخيل والأرباح، وأن لا يغدو التساوي ثقيلاً عليهم، وأن تبقى روح الإنفاق والإيثار حيّةً بينهم.

2ـ إن نظريات التسوية مغرقةٌ في النتائجية. رُبَما أمكن لانتقال الثروة من الأغنياء إلى المحرومين في النظام الاقتصادي البسيط أن يحلّ المشكلة، وأما في الأنظمة المعقَّدة فإنه، بالإضافة إلى السياسات الانتقالية، يجب التوجُّه إلى الأسباب والعِلَل، ومزج النتائجية بالآراء المبدئية والمآلية (تساوي الفرص وما إلى ذلك). يؤيِّد ذلك فشل التجربة الليبرالية الاقتصادية في إيجاد التضادّ الطبقي الشديد في القرن التاسع عشر للميلاد، وإصلاحه([96]). يمكن الإجابة عن هذا النقد بالقول: إن الأستاذ الحكيمي ـ بالإضافة إلى النتائجية ـ يهتمّ كذلك بمبدأ النشاطات الاقتصادية، حيث يتمّ الاهتمام ببحث حقوق الملكية وقيودها أيضاً؛ ولكنْ يبدو من المناسب في نموذجه بذل المزيد من الاهتمام بمسارات الوصول إلى العدالة الاقتصادية.

3ـ إن نظرية المساواة تؤدّي إلى زيادة تضخُّم الدولة إلى حدٍّ كبير، وهذا لا ينسجم كثيراً مع جدوائية النماذج الاقتصادية، إلاّ إذا قيل في الجواب: إن أهداف العدالة السامية تستحقّ بعضاً من عدم الجدوائيات. أو أن تدخُّل الدولة بالشكل المناسب سوف يؤدّي على المدى الطويل إلى رفع عدم الجدوائيات. ومن الجدير ذكره ـ بطبيعة الحال ـ أن أكثر الفقهاء يذهبون إلى عدم تدخُّل الدولة في فرض الأسعار، إلاّ في موارد الاحتكار أو المخالفات الأخرى.

4ـ إن إمكانية وكيفية توزيع الأموال بين المحرومين وذوي الحاجة في المجتمع من قِبَل الناس أنفسهم، وبشكلٍ مباشر أو من قِبَل الحاكم، دون تدخُّل المؤسّسات المعنيّة، يحتاج إلى المزيد من التأمُّل، وإلى تقديم طرق وآليات عمليّة.

5ـ إن إمكانية وكيفية تحديد الأموال غير المشروعة وتمييزها من الأموال المشروعة، والعمل على مصادرتها، تحتاج إلى طرق وآليات عملية. فكيف يمكن القيام بهذه المهمّة؟ وبعد المصادرة مَنْ الذي يمكن له أن يشتري هذه الأموال، بحيث لا يشمله حكم المالك السابق؟ وإلى أيّ حدٍّ تجب مراعاة الملكية الخاصّة؟ إن هذه الأبحاث تحتاج إلى الكثير من الدراسة والنقاش وبيان السُّبُل العملية. ثم إن الضرائب إنّما تُؤْخَذ من الذين يمتلكون شيئاً، وعليه فإن تأكيد الأستاذ الحكيمي على فرض الضرائب على الأغنياء لا ينسجم مع المطالبة بمصادرة أموالهم. إن أسلوب مصادرة الأموال يحتاج إلى وثائق ومستندات دقيقة؛ كي لا يؤدّي الأمر إلى الفوضى وانعدام الأمن في المجتمع. ورُبَما من الأفضل القيام بذلك من طريق المكافحة المستمرّة للفساد في قطاع الدولة وفي القطاع الخاصّ، وأن تقوم المنظَّمات الرقابية من قِبَل الجماهير والدولة بهذا الأمر على نحوٍ متواصل.

6ـ طبقاً لقاعدة «الناس مسلَّطون على أموالهم» والملكيّة الخاصّة لا يمكن للدولة أن تمنع الناس من التصرُّف في أموالهم، وليس من السهل التمييز بين المال الحلال والمال الحرام. رُبَما أمكن للإمام المعصوم أن يصدر حكماً بالاعتماد على ما يتوفَّر له من العلم بالغَيْب، ولكنْ لا يمكن إعطاء الموظَّفين في سلك الدولة مثل هذه الصلاحيات؛ لأن الفوضى والفساد الذي يترتَّب على ذلك سوف يزيد من ابتعاد المجتمع عن العدالة. ومن ذلك أن تعزيرات الدولة ـ على سبيل المثال ـ لا يمكن لها أن تدين شخصاً دون دليلٍ أو بيّنة، كما لا يمكن للسلطة القضائية أن تدّعي عدم مشروعية الأموال الشخصية دون أن تقدِّم سنداً أو وثيقة في هذا الشأن. من هنا فإن التطبيق والتحقُّق العملي لنظرية الأستاذ الحكيمي تحتاج إلى الكثير من التوقُّف والتأمُّل.

4ـ بحثٌ واستنتاج

إن الأستاذ الحكيمي، بالإضافة إلى زيادة الرفاه المطلق للطبقات المحرومة، يدعو إلى الاهتمام بالتوازن في مستوى الحياة والمعيشة أيضاً، بحيث إنه، بالإضافة إلى مكافحة الفقر المطلق، يدعو إلى القضاء على الفقر النسبي أيضاً. وحتّى في المجتمع المثالي الذي يدعو إليه يسود التساوي في الأرباح والنفقات بين الأفراد، وإن غاية النظام الاقتصادي والأصل النهائي الذي يدعو إليه الأستاذ الحكيمي هو المساواة.

إن الأستاذ الحكيمي لا يرى في تحقيق العدالة هَدَفاً بعيد المنال، بل يعتبره غايةً مقدّسة لجميع الأنبياء والأئمّة، وإن الشعارات الأساسية الثلاثة التي رفعها الأنبياء من أجل تحرير الناس من براثن الطغاة هي:

1ـ دعوة الناس إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، ومحاربة طواغيت السياسة.

2ـ الدعوة إلى إقامة النظام الاقتصادي السليم، والمقترن بطرد طواغيت الاقتصاد.

3ـ قطع العلاقة والارتباط مع أصحاب الأموال والثروات.

ويذهب الأستاذ الحكيمي إلى اعتبار التأكيدات المتزايدة من الشارع وعدم لَغْوية هذه التأكيدات دليلاً على إمكانية تطبيق العدالة على أرض الواقع.

في التفكير الجَمْعي للأستاذ الحكيمي يكون تحقيق العدالة رَهْناً بالإرادة الجماعية، التي لا يمكن لها أن تتحقَّق إلا في ظلّ القضاء على التكاثر، والعمل الثوري على جميع المستويات. وفي هذا السياق تقع بعض المسؤوليات على عاتق الشعب، وبعض المسؤوليات الأخرى على عاتق الدولة. إن تطبيق العدالة يحتاج إلى ثورةٍ من الهَرَم إلى القاعدة، ومن قِبَل الحاكم والعالِم باتّجاه جماهير الناس. وهو يدعو الحكّام والعلماء إلى قطع العلاقة مع أصحاب الأموال المتكاثرة (أصل المقاطعة)، والدفاع عن المحرومين والمستضعفين (أصل الدفاع). وهو في هذا الإطار ينصح بالعمل الثوري في مواجهة التكاثر ومصادرة الأموال. وإن هواجس التوازن ومكافحة الحرمان، وكذلك إمكانية تطوير المطامح وتأجيج الثورات الاجتماعية في هذا الاتجاه إلى تحقيق العدالة الاقتصادية، جديرةٌ بالملاحظة.

إن مساحة نشاط الدولة في رؤية الأستاذ الحكيمي واسعةٌ جدّاً، بحيث يمكن للدولة أن تعمل على توظيف وسائل وأدوات ضريبية أوسع من أجل السيطرة على الحرّيات الاقتصادية. يرى الأستاذ الحكيمي أن المسؤولية الأهمّ الملقاة على عاتق الدولة هي المهمّة التوزيعية، وهي مهمّةٌ خطيرة للغاية، وتنقسم إلى بُعْدين: بُعْد السياسات الرقابية؛ وبُعْد المصادر والمداخيل المالية. ومن المسائل الملفتة للانتباه في رؤية الأستاذ الحكيمي أنه يرى إمكانية فرض الضرائب المالية المتفاوتة من قِبَل الدولة، بالإضافة إلى الضرائب الثابتة، وهي ضرائب من قبيل: الزكاة الباطنة، والإنفاق الواجب الذي يمكن للدولة أن تفرضه على أصحاب الأموال المتكاثرة إلى حدّ القضاء الكامل على الفقر. يرى الأستاذ الحكيمي أن مسؤولية الدولة المباشرة تكمن في توفير المستوى المعيشي المناسب لأفراد المجتمع، حيث تتجاوز حدود هذه المسؤولية مستوى إشباع الحاجات الضرورية؛ إذ يجب أن يكون لدى جميع أفراد المجتمع من الثروات ما يتناسب مع مقتضيات الحياة المعاصرة. والمبنى النظري لذلك يكمن في مشاركة ومساهمة جميع أفراد المجتمع في الثروات الطبيعية([97]). في حالة التساوي المنشود لسماحة الأستاذ الحكيمي، وبالالتفات إلى الدافع والحافز الأخروي للمزيد من العمل لدى المؤمنين مع ارتفاع الضرائب، فإن الثريّ المسلم لا يُحْدِث تغييراً في مجال عمله، ومن ناحيةٍ أخرى فإن ذلك يؤدّي إلى زيادة مصادر دَخْل الفقراء أيضاً.

الهوامش

(*) أستاذٌ مساعِدٌ في جامعة شاهرود.

(**) أستاذٌ مساعِدٌ في جامعة نور.

([1]) انظر: محمد رضا الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 15، 1369هـ.ش. (مصدر فارسي).

([2]) انظر: محمد رضا الحكيمي، جامعه سازي قرآني (بناء المجتمع القرآني): 276، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، ط 2، طهران، 1378هـ.ش. (مصدر فارسي).

([3]) انظر: محمد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوّل)، القواعد والفوائد 1: 221.

([4]) انظر: ياسين عيسى العاملي، الاصطلاحات الفقهية في الرسائل العملية: 139، دار البلاغة، بيروت، 1993م.

([5]) الشيخ مرتضى الأنصاري، رسالة في العدالة (ضمن كتاب المكاسب المحرّمة): 326، تبريز، 1378هـ.ش.

([6]) انظر: مرتضى المطهري، مباني اقتصاد إسلامي (أسس الاقتصاد الإسلامي)، انتشارات حكمت، 1409هـ؛ محمد رضا الحكيمي، الحياة، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، طهران، 1378هـ.ش.

([7]) انظر: محمد رضا الحكيمي، عدالت اقتصادي واجتماعي إسلام (العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام)، مقالة منشورة في كتاب: درآمدي بر أنديشه سياسي إسلام (مدخل إلى التفكير السياسي في الإسلام): 359 ـ 260، مركز مطالعات فرهنگي بين المللي، انتشارات الهدى، طهران، 1378هـ.ش (مصدر فارسي)

([8]) انظر: محمد رضا الحكيمي، شرف الدين: 162 ـ 164، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، طهران، 1360هـ.ش.

([9]) انظر: الحكيمي، عدالت اقتصادي واجتماعي إسلام (العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام)، مقالة منشورة في كتاب: درآمدي بر أنديشه سياسي إسلام (مدخل إلى التفكير السياسي في الإسلام): 358، 1378هـ.ش. (مصدر فارسي).

([10]) انظر: محمد رضا الحكيمي وآخرون، الحياة: 97، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1381هـ.ش.

([11]) وانظر أيضاً: النحل: 36؛ المؤمنون: 32؛ النمل: 45؛ نوح: 3.

([12]) وانظر أيضاً: الأعراف: 85.

([13]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 47 ـ 51.

([14]) الحكيمي، الحياة 3: 76، 1381هـ.ش. نقلاً عن: مشكاة الأنوار: 183.

([15]) انظر: المصدر السابق: 94 ـ 95.

([16]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 59.

([17]) انظر: محمد رضا الحكيمي، إمام در عينيت جامعه (الإمام في تحقُّق المجتمع): 134، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، طهران، 1377هـ.ش. (مصدر فارسي).

([18]) انظر: المصدر السابق: 19 ـ 20.

([19]) محمد رضا الحكيمي، قيام جاودانه (الثورة الخالدة): 177، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، طهران، 1377هـ.ش. (مصدر فارسي).

([20]) انظر: محمد رضا الحكيمي، عقل خودبنياد ديني (العقل الديني المتأصِّل)، صحيفة همشهري، العدد 9: 82، 1380هـ.ش. (مصدر فارسي).

([21]) انظر: محمد رضا الحكيمي، نان وكتاب (الخبز والكتاب): 48، 1384هـ.ش. (مصدر فارسي).

([22]) المصدر السابق: 346.

([23]) انظر: محمد: 38.

([24]) انظر: الحكيمي، قيام جاودانه (الثورة الخالدة): 28.

([25]) انظر: الحكيمي، نان وكتاب (الخبز والكتاب): 50 ـ 51.

([26]) انظر: الحكيمي، الحياة: 478، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1380هـ.ش.

([27]) انظر: محمد رضا الحكيمي، بيدارگران أقاليم قبله (هداة أقاليم القبلة)، مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي حوزه علمية قم، قم، 1362هـ.ش. (مصدر فارسي).

([28]) انظر: الحكيمي، شرف الدين: 234 ـ 234.

([29]) انظر: الحكيمي، الحياة: 132 ـ 147، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1378هـ.ش.

([30]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 68.

([31]) انظر: الحكيمي، المصدر السابق: 68 ـ 72.

([32]) انظر: الحكيمي، الحياة: 562 ـ 566، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1377هـ.ش.

([33]) انظر: الحكيمي، المصدر السابق: 99 ـ 100، 1381هـ.ش.

([34]) وانظر أيضاً الكثير من الآيات الأخرى. انظر: الحكيمي، جامعه سازي قرآني (بناء المجتمع القرآني): 51.

([35]) انظر: الحكيمي، الحياة: 279 ـ 281، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1377هـ.ش.

([36]) انظر: المصدر السابق: 464 ـ 466، 661، 657.

([37]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 44.

([38]) انظر: الحكيمي وآخرون، الحياة: 513، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1380هـ.ش.

([39]) انظر: محمد رضا الحكيمي، عقل سرخ (العقل الدامي): 64، انتشارات دليل ما، قم، 1383هـ.ش. (مصدر فارسي).

([40]) انظر: الحكيمي، الحياة: 368 ـ 369، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1378هـ.ش.

([41]) انظر: المصدر السابق: 650 ـ 651، 1380هـ.ش.

([42]) رُبَما أمكنت الإشارة إلى ثلاثة أنواع من التوزيع، وهي: توزيع الثروة قبل الإنتاج؛ وتوزيع العوامل؛ والتوزيع المجدّد للثروة والأرباح. وفي هذا الاتجاه ينقسم التوزيع بعد الإنتاج إلى قسمين، وهما: توزيع العوامل؛ والتوزيع المجدّد. (انظر: حسين عيوضلو، نظريه إي در تبيين مباني نظري توزيع ثروت ودرآمد در نظام اقتصادي إسلامي (نظرية في بيان المباني النظرية لتوزيع الثروة والأرباح في النظام الاقتصادي الإسلامي)، پژوهشها وسياست هاي اقتصادي، العدد 24: 94 ـ 100، السنة العاشرة، شتاء عام 1381هـ.ش). ويبدو أن أوّل مَنْ تنبَّه إلى مسألة التوزيع قبل الإنتاج وبعده هو الشهيد السيد محمد باقر الصدر. (انظر: السيد الشهيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا: 497، 543، دار التعارف، ط 20، بيروت، 1408هـ).

([43]) انظر: المصدر السابق: 331، 1408هـ.

([44]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 64 ـ 667.

([45]) انظر: الحكيمي، الحياة: 549 ـ 550، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1380هـ.ش.

([46]) انظر: المصدر السابق: 468 ـ 474.

([47]) وانظر أيضاً: ص: 86؛ الشعراء: 109، 127، 145، 164، 180؛ سبأ: 47.

([48]) انظر: الحكيمي، الحياة: 327، 346 ـ 352، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1377هـ.ش.

([49]) انظر: محمد رضا الحكيمي، معاد جسماني در حكمت متعاليه (المعاد الجسماني في الحكمة المتعالية): 34، انتشارات دليل ما، ط 2، قم، 1381هـ.ش. (مصدر فارسي).

([50]) انظر: الحكيمي، الحياة 4: 596، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1378هـ.ش.

([51]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 82.

([52]) انظر: الحكيمي، عدالت اقتصادي واجتماعي إسلام (العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام)، مقالة منشورة في كتاب: درآمدي بر أنديشه سياسي إسلام (مدخل إلى التفكير السياسي في الإسلام): 353.

([53]) انظر: محمد رضا الحكيمي، جهش ها (القفزات): 141، دفتر نشر فرهنگ إسلامي، طهران. (مصدر فارسي).

([54]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 45.

([55]) انظر: الحكيمي، عدالت اقتصادي واجتماعي إسلام (العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام)، مقالة منشورة في كتاب: درآمدي بر أنديشه سياسي إسلام (مدخل إلى التفكير السياسي في الإسلام): 356.

([56]) انظر: الحكيمي، معاد جسماني در حكمت متعاليه (المعاد الجسماني في الحكمة المتعالية): 376 ـ 377.

([57]) انظر: المصدر السابق: 425 ـ 427.

([58]) انظر: المصدر السابق: 465 ـ 480.

([59]) انظر: المصدر السابق: 458 ـ 460، 594.

([60]) انظر: الحكيمي، الحياة 5: 73، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1377هـ.ش.

([61]) انظر: محمد رضا الحكيمي، عقل خودبنياد ديني (العقل الديني المتأصِّل)، صحيفة همشهري، العدد 9: 359، 1380هـ.ش. (مصدر فارسي).

([62]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 36 ـ 39.

([63]) انظر: الحكيمي، الحياة 3: 330 ـ 332، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1381هـ.ش.

([64]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 31 ـ 33.

([65]) انظر: الحكيمي، الحياة 5: 73، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1377هـ.ش.

([66]) انظر: الحكيمي، الحياة 4: 221 ـ 240، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1378هـ.ش.

([67]) انظر: الحكيمي، گزارشي درباره الحياة (تقرير حول كتاب الحياة): 44.

([68]) انظر: الحكيمي، الحياة 4: 436 ـ 452، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1378هـ.ش.

([69]) انظر: المصدر السابق 6: 348 ـ 349، 1380هـ.ش.

([70]) الطَّسْق: ما يوضع من الخراج على الجُربان، أو شبه ضريبة معلومة، وكأنه مُوَلَّد أو مُعرَّب، على ما ورد في القاموس المحيط. وفي لسان العرب: الطَّسْق ما يوضع على الجُربان من الخراج المقرَّر على الأرض، فارسيٌّ معرَّب. وفي التهذيب: الطَّسْق شبه الخراج، له مقدارٌ معلوم، وليس بعربيٍّ خالص. ورُبَما كان منه ما ورد في التلمود بلفظ طاسقا (Tasqa)، وهي من الألفاظ الآرامية، و(Tax) بالإنجليزية. المعرِّب.

([71]) انظر: الحكيمي، الحياة 6: 723، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام.

([72]) انظر: المصدر السابق 4: 554 ـ 555، 1378هـ.ش.

([73]) انظر: المصدر السابق 5: 251، 1377هـ.ش.

([74]) انظر: المصدر السابق 6: 181 ـ 182، 1380هـ.ش.

([75]) انظر: محمد رضا الحكيمي، نظريه إي در تبيين مباني نظري توزيع ثروت ودرآمد در نظام اقتصادي إسلامي (نظرية في بيان المباني النظرية لتوزيع الثروة والأرباح في النظام الاقتصادي الإسلامي): 67 ـ 76، بجوهش ها وسياست هاي اقتصادي، السنة العاشرة، العدد 24، شتاء عام 1381هـ.ش.

([76]) انظر: الحكيمي، الحياة 5: 663، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1377هـ.ش.

([77]) انظر: المصدر السابق: 664.

([78]) انظر: المصدر السابق 5: 599، 1377هـ.ش.

([79]) انظر: المصدر السابق 6: 350، 372 ـ 373، 1380هـ.ش.

([80]) انظر: المصدر السابق: 360.

([81]) انظر: المصدر السابق: 338.

([82]) المصدر السابق 6: 394.

([83]) انظر: المصدر السابق، الفصل الحادي والأربعون: 435 ـ 436.

([84]) انظر: المصدر السابق: 416 ـ 417، 446.

([85]) الحكيمي، الحياة 4: 218، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1378هـ.ش.

([86]) انظر: حسين نمازي، نظام هاي اقتصادي (الأنظمة الاقتصادية): 344، شركت سهامي انتشار، طهران، 1382هـ.ش. (مصدر فارسي).

([87]) الحكيمي، الحياة 6: 156، 119 ـ 121، ترجمه إلى اللغة الفارسية: أحمد آرام، 1380هـ.ش.

([88]) جون رولس (1921 ـ 2002م): فيلسوفٌ أخلاقي، وسياسي أمريكي. من منظِّري ومؤسِّسي الليبرالية الاجتماعية، حيث اهتمّ بالعدالة الاجتماعية. من أعماله: (العدالة كإنصاف)، و(قانون الجماعات البشرية). المعرِّب.

([89]) انظر: ريتشاد ماسغريو وبيغي ماسغريو، ماليه عمومي در تئوري وعمل (المالية العامة في النظرية والعمل) 1: 129 ـ 131، ترجمه إلى اللغة الفارسية: مسعود محمدي ويد الله إبراهيمي فر، نشر سازمان برنامه وبودجه، طهران، 1372هـ.ش.

([90]) انظر: المصدر السابق: 348 ـ 349، 455 ـ 456.

([91]) انظر: المصدر السابق: 258.

([92]) انظر: الحكيمي، نان وكتاب (الخبز والكتاب): 21 ـ 23.

([93]) Equity.

([94]) Equality.

([95]) انظر: فرهاد خرّمي، تحليلي أز نظريه فقرزدائي إسلامي ونظريه هاي فقرزدائي أنگلوساكسون (تحليل لنظرية مكافحة الفقر الإسلامية ونظريات مكافة الفقر الأنجلوسكسونية): 146، مؤتمر دراسة ظاهرة الفقر ومكافحتها، نشر سازمان برنامه وبودجه، ط 2، طهران، 1375هـ.ش. (مصدر فارسي).

([96]) انظر: شارل جيد وشارل ريست، تاريخ عقايد اقتصادي (تاريخ الآراء الاقتصادية) 1: 270، ترجمه إلى اللغة الفارسية: كريم سنجابي، انتشارات جامعة طهران، طهران، 1370هـ.ش.

([97]) للمزيد من التفكير والتأمُّل في هذه الشأن انظر: البقرة: 29.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً