أحدث المقالات

أ. نبيل علي صالح(*)

لا شَكَّ بأنّ بناءَ الإنسان، وتأهيلَه التأهيلَ النفسي والفكري والأخلاقي والعملي و «المهاراتي» (منذ بداية نشأته الأسرية، وتفتُّحه وتعلُّمه، وعَيْشه الجماعي ضمن مجتمعٍ قائمٍ على منظومة قِيَمٍ اجتماعية أخلاقية ومبادئ سلوك عملية معينة، واستظلاله بدولةٍ تحكمها قوانين ومؤسَّسات وأنظمة معنى)، أقول: لا شَكَّ بأنّ بناء هذا الإنسان على أسسٍ صحيحة وسليمة وهادفة من القِيَم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية والمعايير السلوكية هو البداية الأولى المطلوبة لانطلاقته الصحيحة على طريق تكامله الروحي والمادّي؛ للسَّيْر به على طريق تفعيل وجوده الحيّ الفعّال والمنتج، واستثمار مواهبه وطاقاته الذاتية بما يضمن له تحقيق التقدُّم والازدهار الفردي والمجتمعي، وضمان سعادته ورفاهيته وسعادته في الدنيا، كمقدّمةٍ لسعادته في الآخرة. فالفرد الأخلاقي والمتوازن والحاصل على حقوقه هو أكثر قدرةً وفاعليةً على العطاء والإنتاج والثبات في أرض المواجهات.

من هنا تبدأ أوّل مرحلةٍ من مراحل تطوُّر الشعوب والحضارات، وسَعْيها لتحقيق ازدهارها وسعادتها الحياتية. وهذه المرحلة الأولى هي مرحلة «البناء التربوي»([1]) للفرد والجماعة البشرية؛ حيث إن الفرد هو جَوْهر الوجود وغاية الحياة ومنطلقها، والجماعة هي الكتلة الاجتماعية ـ البشرية القِيَمية والفكرية والسياسية، التي تشكِّل «القوّة المحرِّكة»؛ لتحقيق رسالة النهوض والبناء الحضاري المنتظر والمنشود.

إذن لقضية التربية أهمِّية حيوية كبرى في إعداد وتهيئة الفرد والمجتمع ككلّ، ولها الأثر الأكبر في تفتُّح مواهبه وتفتُّق إبداعاته وإمكاناته الذاتية، والزجّ بقدراته ومهاراته على طريق تقدُّم الأمم ورفاهية الشعوب وازدهارها وتحقيقها لتكاملها الروحي والمادّي… والأممُ الأكثر قدرةً على إثبات ذاتها، من خلال الفعل والإنتاج والمبادرة والحضور في زمانها، مادّياً ومعنوياً، هي الأممُ التي ركَّزَتْ اهتمامها النوعي على موضوعة «التربية»، تربية أفرادها ومواطنيها، منذ أن كانوا صغاراً، يتلقون ـ مع الحليب ـ أُسُس وشروط ومتطلّبات وجودهم الحيّ الفعّال؛ إعداداً وتربيةً للعقل والجسد، للروح والجسم، وتهذيباً للنفس، وضبطاً معيارياً للسلوك، على ضوء القِيَم والمبادئ وطرائق التربية السليمة، وأساليبها الصحيحة، ومصادرها الأصيلة المنتقاة بعنايةٍ فائقة، بما يفضي أوّلاً إلى بناء الفرد الفاعل والقادر والمنتج، الذي لا يفكِّر سوى بالعقل، ويستهدي بالتجارب الحيّة، ويراكم الخبرات والمهارات؛ وبما يفضي ثانياً إلى بناء مجتمعٍ متطوِّر وسعيد ومزدهر، يرفل أفراده بظلال الخير والمحبّة والتعاون والإنتاجية الحضارية المثمرة.

والتربيةُ في الإسلام تهذيبٌ للنفس والسلوك بناءً على مقتضيات القِيَم المرجعية والمعايير الأخلاقية الإسلامية القائمة على الحقّ والعدل والتوازن النفسي والسلوكي، والتي تعتبر الإنسان سيِّداً في حياته وفعاليته الوجودية، بما يحمِّله مسؤولية السَّعْي للتحصيل العلمي والمعرفي، والتطبُّع بخصال وسجايا الأخلاق الحميدة، وبما يوجِبُ عليه أيضاً أن يتفكَّر ويعلم ويعمل وينتج ويتوازن، عاطفياً ومادّياً؛ ليصبح قادراً على العطاء الذاتي والموضوعي، لنفسه ولغيره من أفراد مجتمعه. هي إذن تربيةٌ تشتمل على الناحيتين الروحية والسلوكية للإنسان، روحيّة هدفها تعميق صلة الإنسان بربِّه وخالقه؛ من حيث إنه مخلوقٌ لخالقٍ واجب الوجود([2])، كاملٍ ومطلق القِيَم، هو المثال الأعلى المرتفع، بتعبير الشهيد الصدر&، ولا بُدَّ دَوْماً من السَّيْر الارتقائي الكَدْحي([3]) نحوه، كمصدرٍ لقِيَم الحقّ، ومنبعٍ لكمال الصفات، من العدل والخير والجمال، من حيث إنّها قِيَمٌ قارّة ووسائل جوهريّة لتحقيق غاياتٍ كبرى (تنموية وروحية وعقلية)، على صعيد الفرد والمجتمع ككلّ… وهي من جانبٍ آخر تربيةٌ سلوكية مهاراتية عملية (مادّية) للجسد والعقل، تنطلق من خلال تنمية المهارات البنيوية الذاتية والقدرات الجوّانية الكامنة؛ لإعداد الإنسان للدخول إلى مجتمعٍ كبير؛ لكي يواكبه، (ويواجهه)، وينخرط ميدانياً في مؤسَّساته السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية وغيرها؛ بهدف أن يصبح فرداً فاعلاً ومنتجاً ومؤثِّراً وقادراً على الحضور المثمر والتأثير الإيجابي.

وتقوم تنمية المهارات في الإسلام على ضرورة معرفة حقيقة النفس، معرفةً حقيقية، لا شكلية. فالنفس البشرية تخرج إلى هذه الحياة وليس لديها رصيدٌ له قيمة تُذْكَر من العلم أو المعرفة، رغم ما فيها من فطرةٍ سليمة كامنةٍ لناحية القابلية والاستعداد لتقبُّل الفعاليات الخارجية، والتأثُّر بها، والتطبُّع بخصائها، سَلْباً أو إيجاباً. ولكنّ الله تعالى هيّأ أمام النفس (والفرد البشري) وسائل التعلُّم والتثقُّف والتربية، يقول القرآن الكريم: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (النحل: 78)، ويقول: ﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ (البلد: 8 ـ 11). وفي هذه الآيات وأمثالها حثٌّ على إثارة المشاعر، وإيقاظ الحواسّ وتحريكها؛ لتحصيل التربية والتعليم([4]).

لقد تمكَّن الإنسان، منذ فجر التاريخ، من معرفة ما للتربية النفسية القِيَمية والسلوكية العملية من أهمّيةٍ قصوى على المستوى العملي الإنتاجي، بل بدا أنها قد تكون أهمّ من التعليم (المدرسي المهني والمهاراتي) ذاته…؛ إذ حتّى تتمكَّن من صناعة فردٍ له مستقبلٌ مضمون، يكون فيه واعياً ومسؤولاً وبانياً، عليك أن تعلِّمه المفاهيم الأولى، وتدرِّسه سُبُل الوَعْي والتواصل، وتكسبه مهاراتٍ ذاتية عملية، ولكنّ هذا التعليم لم ينجح، ولا يمكن له أن ينجح (ويثمر على الصورة الأحسن والأكثر فاعلية)، من دون وجود سلامةٍ عقلية، وصحّةٍ نفسية، ومصالحةٍ ذاتية، وحالة انسجامٍ داخلية وخارجية للفرد نفسه بين التفكير والسلوك. وهذا يعني أنّ أرضية الفرد الروحية وكماله النفسي (التربية الاجتماعية) هو أمرٌ أساس لتلقّي (وتقبّل واستيعاب) هذا الفرد لكلّ المعارف التعليمية والمهارات العملية الاكتسابية، وبالتالي نجاحه العملي في اختزانها، ومن ثمّ استثمارها للبناء والإثمار الفردي والمجتمعي والحضاري…

إذن، هذه التربية تعني صناعةَ «الفرد ـ المواطن»، وبناءَه بناءً قِيَمياً وعقلانياً وعلميّاً هادفاً، والعمل على إعداده وتهيئته كإنسانٍ موهوب لديه من الاستعدادات والقابليات للاندماج الواثق والصحيح في نهر الحياة بكلّ جوانبها: الذاتية، والحياتية، والمجتمعية، والعالمية… وهي عمليّةٌ مستمرّة طوال حياة الفرد، منذ ولادته وسيروة حياته في الأسرة والمجتمع والعمل الميداني.

ونحن في عالمنا العربيّ ـ وحتّى عالمنا الإسلامي الأشمل، الذي لم يعتنِ ساستُه وحكّامه ونخبه وصُنَّاع قراره ـ بمختلف طبقاتهم وأعمالهم ـ كثيراً وعميقاً بالمسألة التربوية الاجتماعية، إلاّ قليلاً؛ بسبب انشغالاتهم الدائمة بتثبيت سلطانهم، وترسيخ مقوّمات بقائهم، واهتمامهم بالجانب السياسي، حيث لم يكترثوا لفشل مجتمعاتهم ودولهم في تحقيق تنميةٍ إنسانية واقتصادية حقيقية متوازنة ـ أقول: نحن في عالمنا العربيّ ما زلنا مُرتَهَنين للعادة والعُرْف، وخاضعين للتقليد، وأسرى لعاداتٍ قديمة رثّة وبالية، حتّى في الموضوع التربوي، تتحكَّم (تلك العادات المألوفة والمتسمِّرة جيلاً بعد آخر) بوَعْي الفرد العربي والمسلم، وسلوكياته وتصرُّفاته، مكرِّسةً أنماطاً خطيرة من التربية النفسية والسلوكية له، بل تزداد خطورتها نتيجة نسبتها زُوراً وبهتاناً إلى الدين ذاته (للإسلام)، مع أنها عاداتٌ غير دينية، ولا تمُتُّ إلى المعايير الدينية (الإسلامية) الرصينة بشيءٍ، ولا صلة تربطها بالقِيَم الإنسانية التي جاء الإسلام العظيم معبِّراً عنها بقوّةٍ، على مستوى النُّظُم الحقوقية ومنظومة الاعتقادات الفكرية، التي تقوم على تربية الروح كمقدّمةٍ لتربية الجسد.

إذن هي أزمةٌ فكرية تعيشها القضيّة أو مسألة التربية في مجتمعاتنا، كجزء من أزمة بلداننا الرئيسة، المتمثِّلة في عجز نخبتها الحاكمة عن تحقيق أوّليات النهوض السياسي والاقتصادي والتنموي، وبناء مجتمعاتٍ قويّة منتجة ومزدهرة، مكتفيةٍ بذاتها، وقادرةٍ على منافسة غيرها، نتيجة فشلها الذاتي في بناء (وبالتالي تربية) الفرد الحُرّ السليم والمعافى، الممتلئ بالمهارات النوعية، وعجزها عن تمكينه ليكون قادراً على العطاء والإنتاج والحضور الفاعل… وهذه الأزمة التربوية ليست جديدةً بطبيعة الحال، فقد سبقَتْ مناقشتها والتطرُّق إليها لدى كثيرٍ من باحثينا ومفكِّرينا الاختصاصيين، الذين أشار معظمهم إلى أنّ هذه الأزمة التي تقبع في ظلِّها التربية العربية تتميَّز بالعمق والشمول، لتأخذ صورة جمودٍ متماسك في المضامين والحيثيات العملية، وركودٍ في المناهج النظرية، وانغلاقٍ في الرؤى المفاهيمية، وتصلُّبٍ في التصوُّرات الفكرية القائمة.

وبالنظر إلى ما تقدَّم، وخاصّة من خلال معاينة الواقع العملي الذي هو آية النجاح النظري، ومعيار التنفيذ الصحيح، يمكن التأكيد بأن فكرنا التربوي، العربيّ والإسلاميّ، ما زال يغرِّد في عالمه الطوباوي الخاصّ، حالماً بواقعٍ اجتماعي عربي وإسلامي جديد، وما تزال التربية العربية تعاني من المشاكل ذاتها التي تعيشها باقي القطاعات الفكرية، من هيمنة أفكار ومواقع الانغلاق والتزمُّت والانقطاع والجمود، كما ذكَرْنا.

وهكذا، فنحن إذا كنا ندعو إلى تقدَّم مجتمعاتنا العربية والإسلامية عموماً، ونَفْضِها لغبار التخلُّف والترهُّل والارتهان والاستلاب والبقاء على الحواشي؛ (من أجل انخراطها الفعلي في عالم الحداثة العلمية والعملية الحضارية الكونية، من موقع الفعل لا الانفعال)، فكيف نفعل ذلك؟ وما السبيل العملي والآليات التطبيقية المفترض السير عليها، وخاصّة أننا نعاين ونعايش أزمةً تربويّة حادّة في السلوك والفعل والتطبيق، وليس في النظرية فحَسْب؟ مع ضرورة التأمُّل والنظر إلى مسألةٍ مهمة، وهي: إنّ تقدُّم تلك المجتمعات مرهونٌ وخاضعٌ بقوّةٍ لتقدُّم وضعها النفسي الذاتي وطبيعة حالتها التربوية (أنظمة ومعاني وأسس تفكير وبنيات وَعْي)، وهذه الأخيرة لا يمكن أن نصل إليها في ظلّ هيمنة روح الطغيان السياسي، واستمرار حالة التَّبَعية والتقليد التاريخي، واستحكام أفكار الماضي الفائت وأجواء الجمود، ورفض النقد والمساءلة للأفكار والسلوكيات وأنظمة القيم الموروثة.

في ظلّ هذا الواقع البائس، المفتقر إلى الحدّ الأدنى من الوَعْي القِيَمي المدروس والعلميّ لأصول العمل التربوي، وانعدام فرص استثمار مبادئ وقِيَم الدين المتسامحة المعروفة، الممكن إعادة فَهْمها ووَعْيها (من الداخل) مجدَّداً؛ للتكيُّف مع الحياة والعصر، لا بُدَّ من الوقوف بقوّةٍ أمام مفاصل الاهتراء الاجتماعي التربوي، وتحليل علله الذاتية، وكشف نقائصه وأمراضه، وتقديم وصفات العلاج الناجع، بما يمكن أن يسهم في تطوير واقع التربية العربية والإسلامية المعاصرة، الغافية على أحلام التجريد القِيَمي الحقوقي النظري.

وهذه التربية المطلوب إعادة ضبط مساراتها هي جزءٌ أساس ورئيس في مشروع نهوض العرب ككلٍّ من كَبْوتهم الحضارية المدنية، التي طالَتْ واستطالَتْ إلى اليوم؛ لأسباب كثيرة، ليس مجال نقاشها متاحاً في هذه القراءة. فالفرد هو البِنْية الأولى في البناء التربوي، والقرآن الكريم يتَّجه إلى الفرد ليرشده ويهديه ويربِّيه وينمِّيه، فيحذِّره عداوة الشيطان: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (يوسف: 5)، ويحذِّره الغرور: ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ (الانفطار: 6 ـ 8)، ويحذِّره الطغيان: ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ (العلق: 6 ـ 8)، ويذكِّره بتحمُّل التَّبِعة: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء: 13 ـ 15).

ونحن عندما نراجع كثيراً من أدبياتنا التربوية المعاصرة، التي تحدَّثت ـ واستفاضَتْ في الحديث ـ عن التربية والأصول الاجتماعية للتربية، نلاحظ غَلَبة السرد النظريّ، بعيداً عن تمثُّل معنى البحث في الجانب العلمي التطبيقي، المتعلِّق بدراسة (وتحديد) الأسباب الاجتماعية والثقافية، وحتّى السياسية (فكلنا نعيش في عمق السياسة، ونتأثَّر بها سلباً وإيجاباً)، لما تعانيه أجيالنا العربيّة والمسلمة المعاصرة من أزمات سياسية داهمة ومقيمة، ومشكلات تربوية اجتماعية مركَّبة ومعقَّدة، تتمثَّل في استنكاف أجيالنا العربية عن الفعل والحضور، وانكفائها عن بناء وتطوير مجتمعاتها، وعدم انخراطها جدِّياً في أيّ مشروعٍ نهضوي وتنموي طوعياً وإرادياً حتّى اليوم…، ومحاولة وصف العلاج المناسب لهذه الأزمة التي باتَتْ مستعصية على العلاج والحلّ الناجع…

هذه اللامبالاة العملية ـ إذا جاز التعبير ـ لأجيالنا التربوية لا تحلّ بالوصف التحليلي فقط، فنحن لا ينقصنا مزيدٌ من الرؤى الأكاديمية والنظريات الفكرية (على أهمّيتها وتراكمها المفيد)، بقدر ما نحن بحاجةٍ ماسّة إلى حلول عملية حقيقية، واقعية وجدّية، تنفَّذ على الأرض، بعيداً عن أحلام التجريد النظري، وتكديس المتون والشروحات لموضوعٍ حيوي وخطير، كالموضوع التربويّ، الذي له مكانةٌ مركزية في حياة المجتمعات البشرية؛ باعتباره الوسيلة الأساسية لنقل قِيَمها وتراثها، ولتكوين نشئها وإعداده إعداداً سليماً؛ ليكون قادراً على التكيُّف والتكييف، والمساهمة في تنمية المجتمع تنميةً شاملة كاملة.

نعم، نحتاج لأفعال وأعمال تطبَّق ضمن استراتيجيات عملٍ وخطط وبرامج مُنْجَزَة، ضمن حدود ومعايير زمنيّة، بلا وعود ولا أمنيات «رغبوية» مستقبلية. فكلُّنا يعلم أن جامعاتنا حُبْلى بأكاديميات وكلِّيات علوم الاجتماع النظرية والآداب الإنسانية…، فماذا تفعل؟ وماذا قدَّمَتْ؟ ما هي حصيلتها العملية على صعيد التأثير الحيّ المنتظر منها؟ ماذا حقَّقَتْ ونفَّذَتْ من خططها وبرامجها على مستوى نهضة المجتمعات والأمة ككلّ؟ وإلى أين وصلَتْ؟ وهل تمّ تطبيق أفكارها المعيارية الاجتماعية؛ لتخرج من حيِّزها الدفتري التدريسي إلى الأفق الاجتماعي العملي الواسع المفتوح؟

كلّها أسئلةٌ تحتاج إلى إجاباتٍ جدّية، وحقيقية. ونحن لا نطرحها إلاّ لأن التربية الصحّية والسليمة هي المعيار الحاسم للتطوُّر الاجتماعي، وهي الميزان الفاصل لبناء الفرد والمجتمع، وتطوُّرهما المستقلبي، على طريق النهوض والتنمية، حتّى يصل هذا الفرد إلى مواقع القدرة على الابتكار والإبداع، وتحقُّق الغاية من وجوده…

وعندما نقول بأنّ التربية هي المعنية والمسؤولة عن بناء الأجيال ونموّ النشء، وتنميته ذهنياً وعقلياً، فيجب أن تتنقل علوم التربية إلى الجانب العملي، وتتحرّك تطبيقياً، وليس نظرياً فقط؛ وذلك من أجل تمثُّل مظاهر هذا النموّ المتوقَّع للفرد، في إتقان مهارات التواصل والتفاعل الخلاّق، وتعلُّم (وتفعيل) طاقات وقدرات الحضور الذاتي، وامتلاك القدرة على التفكير المحلِّل الناقد، وليس الاتِّباعي الاستلابي… كما تتمثَّل في الانخراط المُتْقَن بعلوم العصر، والتمكُّن من فهمها والإحاطة بدقائقها وتفاصيلها وكلّ ما يتّصل بتقنياتها المتطوِّرة، واكتساب مهارات تطبيقها في العمل والإنتاج الحقيقي.

نعم، يجب أن نعترف ونقرّ بوجود أزمةٍ في الفكر التربوي العربي…، أزمة فعلٍ وحضورٍ، وقدرةٍ على إثبات الوجود، والانتقال من الحيِّز النظري إلى الفعل التطبيقي… ويبدو لي أن السبب وراء هذه الأزمة يعود بالدرجة الأساسية إلى كون هذا الفكر جزءاً من مجمل الأدبيات والخطابات الرسمية النخبوية للدولة العربية، وهو عموماً خطابٌ نظريٌّ شعاراتي تمجيدي وَعْظي إنشائي تقديسي، بعيدٌ عن لغة الأرقام والبيانات والاحصائيات الدقيقة، حيث تمكَّنت نخب الدولة «التسلُّطية العربية» من الهيمنة عليه، مثل غيره من مجالات المجتمع ومواقعه المختلفة، وتجييره لمصلحة خطابها ونهجها العام.

إنّ هذه الهيمنة الكلِّية والشاملة تركَتْ أثرها الفعلي على أجيالنا السابقة، وما نراه اليوم من حالة حطامٍ اجتماعي عربيّ عامّ هي المآلات الأخيرة لتلك التربية الشمولية، بنتائجها السوداوية الكارثية على بلداننا، التي باتَتْ تفتقر للمهارات والخبرة والتنظيم والتفكير العلمي المنظَّم…، ولا بُدَّ أنْ تترك أثراً أكبر على طبيعة التربية اللاحقة (والتي هي غالباً تربيةٌ تلقينية تمجيدية وهوياتية انغلاقية)، التي تتلقّاها الأجيال في المدارس اليوم ولاحقاً في المستقبل، ما لم يُتَدَارك الأمر…، بمعنى أن أجيالنا لا تتلقّى تربيتها وتعليمها في فراغ أو بناء من مدارس حديثة ونظيفة ومهيّأة شكلياً للتربية، بل ما تتلقّاه من نُظُم تربوية يجري ضمن مناخات وأجواء مجتمعٍ محكوم بأنظمةٍ سياسية شمولية عدوانية، تتَّخذ من الأيديولوجيات الخَلاَصية (دينية أم وضعية) ـ القائمة على الطاعة والولاء الأعمى ـ مقياساً لكلّ شيءٍ خاصّ وعامّ، وتضخّ في أوصال المجتمع كلّه (ابتداء من المدرسة) ثقافة عصبوية، تمجِّد ذات الحاكم، وتلغي دَوْر المساءلة، وتغيِّب الحسّ النقدي (باعتباره أحد أهمّ مقوّمات التعليم التربوي العلمي)، وليس فيها أيّ فسحةٍ أو مجالٍ للنشاط الفردي الحُرّ، حتّى لو كان تربوياً وعلمياً، إلاّ ضمن أجندة الشمولية السياسية الحاكمة… وتأثُّر المدرسة بهذا النهج الشمولي الضاغط، الذي يفرِّغ الفرد من محتواه القِيَمي النفسي الإبداعي، ويحوِّله إلى مجرّد فردٍ منخورٍ غير قابل للفعل، يأتي لأنها جزءٌ من نظامٍ مجتمعي وسياسي مؤطَّر ومسبق الصنع في كواليس السياسة المغلقة؛ لتتحدَّد وظيفتها وآليات عملها وصيرورتها في سياق وإطار هذا النظام الاجتماعي والسياسي العامّ، الشامل المهيمن على حياة الفرد، منذ ولادته وإلى يوم مماته.

برأيي، هنا تكمن علّة المرض التربوي، وهنا تتأطَّر وتتحدَّد بالذات المشكلة الأساسية للتربية الاجتماعية، ولعلم الاجتماع العربي… وهي مشكلةٌ ذات صلة وثيقة ببحثه عن الأصول الاجتماعية للتربية… فمَنْ يريدُ أن يبحث في اجتماعيات التربية، ويعرض لمعاييرها وضوابطها، ويستعرض تاريخ علم الاجتماع، ويعالج مختلف الاتجاهات الاجتماعية، ويتحدّث عن البيئة المدرسية والضبط الاجتماعي ورأس المال الاجتماعي وغيرها، كان الأَوْلى به أن يستكمل الحديثَ ـ ولو بالإشارات العامّة ـ عن أهمّ مُعيقات التربية الاجتماعية وعقباتها ومشكلاتها وعِلَلها الذاتية البنيوية المؤثِّرة، التي يضجّ بها عالمنا العربي، والتي تتمثَّل في عقيدتي الفكرية ـ وكما قلتُ ـ في الهيمنة والتسلُّط والاستلاب وإلغاء الفرد كذاتٍ قابلةٍ وقائمةٍ من قواميس الوجود السياسي الخاصّ والعامّ، وتكريس قِيَم السكون والخنوع والاسترخاء والتلقين والاجترار الفردي والمجتمعي، وبالتالي العطالة العقلية والإبداعية…؛ وأيضاً دراسةَ أسباب تفشّي قِيَم العصبية والتزمُّت والإقصاء، وظواهر العنف والإرهاب المتنقِّل والتكفير وإلغاء الآخر، التي باتَتْ مرضاً عُضالاً من الصعب معالجته جَذْرياً، دون تشخيصه بشكلٍ صحيح وحقيقي موضوعي، بلا تزييفٍ ولا مكابرةٍ ولا إنكارٍ ولا عواطف، وبعيداً عن التسييس والاستغلال والاستثمار المتكلَّف…

وهنا قد يقول قائلٌ، مدافعاً وسائلاً: وما علاقة بحثٍ اجتماعيّ يتحدّث صاحبُه عن «الأصول الاجتماعية للتربية» بمسائل سياسية وفكرية، كالتسلُّط والاستبداد والتكفير والأصولية وغيرها، حتّى تطالبه بالبحث فيها؟!

في الواقع، هناك بكلّ تأكيدٍ علاقةٌ شديدة الصّلة بينهما؛ فمن جهةٍ هناك التربية وقضاياها ومعاييرها الاجتماعية، مع دَوْر الأسرة والعائلة والمدرسة في تربية أجيالنا وناشئتنا…؛ ولكنْ هناك أيضاً ما أصاب هذه الشخصية العربية من أمراضٍ، وما تتعرَّض له من تشوُّهات قِيَمية تربوية خطيرة؛ نتيجة سوء التربية، وفشل أساليبِها، وعجز القائمين بها والمشرفين عليها، وفشل الاجتماع العربي وحتّى الإسلاميّ في الحدّ من خطورة انتشار (وتفشّي تلك) الأمراض القاتلة، فباتَتْ شخصيتنا العربية عموماً هزيلةً محطَّمة وهَشَّة؛ نتيجة وقوعها المستمرّ تحت تأثير تلك العوامل المَرَضية، على وجه العموم، رغم أن قلّةً من العرب والمسلمين يقومون بها هنا وهناك من عالمنا المعاصر.

نعم يجب أن نقرّ بأن شخصيتنا العربية باتَتْ تتّسم اليوم بالعنف والإقصاء والتكفير والتعصب، كما تقدَّم، وهذا كلّه جاء على خلفية واقع سياسي اجتماعي تربوي متداخل ومعقَّد، وجاء أيضاً كمحصِّلة لواقع الهيمنة والاستبداد والتسلُّط وليالي القمع «السياسي ـ التربوي»، حيث حُكِمَتْ الشعوب العربية والإسلامية بالحديد والنار، تحت شعاراتٍ واهية، مثل: شعار قضية فلسطين، التي رُفعَتْ لتكون منبعاً لشرعيّة بقاءٍ في السلطة…، حيث استحكمَتْ فيها أجواء القَهْر والكَبْت «البطريريكي» «الأكليروسي» (إذا صحّ التعبير) بالمعنى السياسي والاجتماعي، من بداية ولادة وتربية الطفل في الأسرة وسَيْره المدرسي إلى أعلى مراحل الهَرَم الاجتماعي والسياسي… أَوَليسَتْ التربية معنيّةً بهذه النتيجة الماسأوية التي يواجهها الاجتماع العربي والتربية العربية، وهي المفترض أن تدفع المعنيين بعلم الاجتماع العربي إلى بحث واستقصاء أسباب تشوُّه الشخصية العربية، أم أن هذا الموضوع لا علاقة لهم به، وإن دَوْر علماء اجتماعنا العربي ينحصر فقط في التنظير الفكري، والسَّرْد التاريخي، وتكديس الكتب والمراجع و (الكراريس) الجامعية؟!

من هنا ما لم تتفكَّك شرعية بقاء تلك الأنظمة الاستبدادية الشمولية المهيمنة على كلّ مفاصل الحياة، بما فيها التربية؛ من أجل إطلاق هذا الإنسان العربيّ والمسلم من قمقم الكَبْت والإرهاب والاستبداد؛ ليعيش حياةً حُرّة كريمة، ولتتمّ تربيته وفقاً لمعايير الأخلاق والتربية الصحيحة المتوازنة، فلن يتغيَّر أيّ شيءٍ في معادلة التربية، وفي غيرها من المعادلات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والسياسية…؛ فالكلّ متّصلٌ بها، ومرتبطٌ عضوياً باشتغالاتها ومآلاتها.

إن الغاية من التربية تكمن أساساً في بناء إنسانٍ سليمٍ عقلاً وروحاً، قويّ الشخصية، مندمجٍ في بيئته العلمية والاجتماعية، ومنخرطٍ في واقعه ومجتمعه وعصره، منفتحٍ على الآخر، فاعلِ الحضور، قادرٍ على الإنتاج والبناء والعطاء والإبداع والابتكار وخدمة ذاته ومجتمعه… وحتى تتحرَّك التربية (العربية) اليوم على هذا الطريق ـ رغم وعورته وأشواكه، ورغم معاناتنا ومآسينا وأزماتنا الكبرى فيه، ومنها: أزمات التربية، كما ذكَرْنا آنفاً ـ لا بُدَّ أن يُعاد بناء التربية ذاتها؛ لتكون تربيةً متجدِّدةً قادرة على بناء هذا الإنسان، وإنهاء معاناته، والانتقال به ما أمكن إلى عالمٍ عربيّ تسوده قِيَم العدالة والحقّ والمساواة، يحتلّ فيه الفرد رأس الأولويّة والاهتمام.

وأختم بآياتٍ من كتاب الله تعالى، رُبَما تختصر كثيراً من معالم التربية الروحية والعملية، وفيها دعوةٌ واضحة ملحّةٌ لاستخدام الحواسّ، كالسمع والبصر، في النظر والتأمُّل؛ للبناء العلمي والتربوي الروحي والعملي، يقول تعالى:

﴿إنََّ السََّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ (الإسراء: 36).

﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (البقرة: 44).

﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (آل عمران: 65).

﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: 32).

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ (الملك: 10).

﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 282).

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً…﴾ (الأنفال: 29).

فهي آياتٌ تعكس دعوةً للتربية والتكامل التربويّ الروحي والعقلي…، دعوة واقعية، تأخذ بعين الاعتبار مادّة الجسد وروحانيته، لا مثالية روحية فيها، ولا عقلانية مادّية، بل هي تربيةٌ مادّية عقليّة إلهامية روحية واقعية تنهل من الواقع، مثلما تنهل من الروح والعاطفة والوجدان والقِيَم الإسلامية الأصيلة.

الهوامش

(*) باحثٌ وكاتبٌ في الفكر العربيّ والإسلاميّ. من سوريا.

([1]) لكلمة «التربية» في لغتنا العربية دلالةٌ على الزيادة والنموّ والعلوّ. تقول العرب: ربا الشيء أي زاد، والربوة هي المكان المرتفع، وأربَتْ الحنطة: زكت، وتقول: ربيته إذا غدَوْته.

وفي لغتنا كلمةٌ أخرى بمعنى التربية هي كلمة «التربيب»، ومن مادّتها جاءت كلمة «الربيبة»، بمعنى الحاضنة؛ لأنها تتكفَّل بشأن مَنْ تحضنه.

ومن المادة أيضاً «ربّة الدار»، أي التي تتعهَّدها؛ وكلمة «الرّب»، بمعنى القيِّم والمصلح، والعرب تقول: «ربّ شيء» أصلحه، وربّ الأب ولده أي ربّاه. والله تعالى هو الربّ؛ لأنه مصلح شؤون خلقه.

من هنا نلحظ في مادة التربية ـ أو التربيب ـ معنيين أساسيين، هما: الزيادة؛ والإصلاح، أي الإصلاح للموجود، والإضافة إليه. وهذان المعنيان نلحظهما بصفةٍ عامّة عند استعراضنا لتاريخ التربية عند العرب.

([2]) يعني هذا أن بداية التربية (والتعليم) تنطلق من الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه الربّ الخالق، ومنه تأتي بداية قِيَم التربية، بالفطرة، أو الإلهام، أو الوَحْي، وبالاكتساب (من أنبيائه ورسله). وجاء في كتابه تعالى (القرآن الكريم): ﴿عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق: 5)، ﴿…وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ…﴾ (النساء: 113)، ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ (الشمس: 8)، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا…﴾ (البقرة: 31)، ﴿…وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللهُ…﴾ (البقرة: 282).

([3]) في إشارةٍ إلى قوله تعالى: ﴿…يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ﴾ (الانشقاق: 6).

([4]) راجِعْ: «أسس التربية الإسلامية»، مجلّة دعوة الحقّ، العدد 172، موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، الرابط:

http://habous.gov.ma/daouat ـ alhaq/item/4518

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً