أحدث المقالات

أ. عبير جادري(*)

د. علي رضا محمد رضائي(**)

خلاصةٌ

إن للذكاء العاطفي بكفاءتَيْه دَوْراً وفعالية قصوى في إدارة الأزمات النفسية، وفهم أحوال الجماعة، والتأثير والإقناع. إن هذا ليزداد أهمّية إذا درس في الخطاب القرآني عند الأنبياء؛ باعتبارهم من أكبر قادة البشرية. فالقائد لا بُدَّ أن يكون على وَعْيٍ تام ّبمشاعره والآخرين؛ لتحقيق أمر القيادة. ولا يتحقَّق ذلك إلاّ بتوظيف الذكاء العاطفي بكفاءتَيْه: الشخصية؛ والاجتماعية. فللذكاء العاطفي تأثيرٌ بالغٌ في أسلوب المتكلِّم أو الكاتب اللغوي والتركيبي ببُعْدَيْهما: الدلالي؛ والتعبيري. لذلك أراد البحث أن يبين مدى علاقة الكفاءتين: الشخصية (الوَعْي بالذات وإدارته) والاجتماعية (التعاطف الوجداني والتواصل) بالقيادة، عبر منهجٍ وصفي ـ تحليلي، وخاصّة عند أنبياء بني إسرائيل؛ نظراً لاشتهار هذا القوم بنوعٍ من الجموح والتمرُّد؛ ونظراً لكثرة ورود أحداث أنبيائهم في القرآن.

وقد توصل البحث إلى أن آليات الكفاءة الشخصية (الصبر الأمل والثبات) والاجتماعية (التعاطف الوجداني والتواصل) متداخلتان معاً، فضلاً عن التناغم الأسلوبي الملاحَظ فيهما، في (إيحاءات الحروف)، مروراً بدلالة الياء الموحية بالانكسار والخشوع، ووصولاً إلى الخطاب بـ (يا قوم) و([يا] ابن أمّ)، وكذلك أسلوب الاستفهام، الذي يضفي على الأسلوب التخاطبي نوعاً من الاستعطاف والحدب، بتوظيف آليات القيادة الشخصية والاجتماعية. كما توصَّل البحث إلى أن الآيات القرآنية تكشف الستار عن الكفاءة الشخصية، يعني الوَعْي بالذات، ثمّ إدارة الذات والتعامل مع ردّ الفعل الشعوري تجاه المواقف والأشخاص، والتحكُّم في الانفعالات. إن الوعي الذاتي ليس مقتصراً على إبداء مكامن القوة، بل مكامن الضعف أيضاً؛ حيث يمكن تحويلها إلى فرصةٍ لصنع القوة والقرار، عبر توظيف أسلوب الطلب والإنشاء (الدعاء). هناك التناغم التامّ بين الدلالات الأسلوبية وتقرير الحالة النفسية في توظيف الضمائر والتكرار.

المقدّمة

يُعَدّ الذكاء العاطفي بكفاءتَيْه: الشخصية؛ والاجتماعية، أحد مكوّنات القيادة، وخاصة في الخطاب القرآني؛ حيث يعتبر افتقاره عند مَنْ يقوم بعملية التبليغ والقيادة من أكبر معوِّقاتها؛ لأن العجز عن تقدير المشاعر العاطفية ـ سواء في الذات أو الآخر ـ يؤدّي إلى فقدان القدرة على التواصل مع الآخرين، ومن ثم إحداث التغيير والتأثير على قرارات وأعمال المجموعة. إذن المقصود من الأخير هو مجموعة من المهارات والخصائص الفردية والاجتماعية التي يوظِّفها مَنْ يتّصف بها تعادلاً في السلوك والكلام وتمتّعاً بعملٍ أفضل وأحسن في المجتمع والأسرة. وبالتالي، لا بُدَّ أن يكون له حاصل الذكاء (IQ)؛ وحاصل العاطفة (EQ). فالأوّل IQ)) يعني القدرات العقلية والإدراكية؛ والثاني EQ)) يعني الأحاسيس والعواطف.

بناءً على ذلك، لدينا عقلان، كما يعرفه دانيل جولمان ((Daniel Goldman في كتابه الذكاء العاطفي: «عقل يفكر؛ وعقل يشعر. وهذان العقلان العاطفي والمنطقي يقومان معاً في تناغمٍ دقيق دائماً بتضافر نظامَيْهما المختلفين جدّاً في المعرفة بقيادة حياتنا»([1]). فتوظيف هاتين الكفاءتين بشكلٍ منطقي وعقلي يعني تكوين مهارة القيادة إمّا على صعيد الذات أو الآخر؛ لأنّ الذي يبغي القيادة والترؤُّس لا بُدَّ «أن يكون على وَعْيٍ تام ّبمشاعره وأحاسيسه، وكذلك أحاسيس الآخرين، وأن يوظِّفهما توظيفاً منطقياً وعقلانياً»([2]). ومن ثم استخدام طيفٍ واسعٍ من المشاعر الإيجابية في الذات، وحثِّها على الاستمرار في مواجهة الإحباطات، والتحكُّم في النزوات، وتأجيل الإحساس بإشباع النفس، والقدرة على تنظيم الحالة النفسية، ومنع الأسى أو الألم، وكذلك التعاطف مع الآخرين، أي قيادة الذات أوّلاً، ثمّ قيادة الآخرين. كما عرفها كونتز Kuntz)) وأدونال ((O’Donnell بعملية التأثير. «إنها (القيادة) عملية التأثير التي يقوم بها القائد في مرؤوسيه؛ لإقناعهم وحثّهم على المساهمة الفعّالة بجهودهم للقيام بنشاطٍ متعاون، والتي تحمل في جوهرها مخزون الفرد المعرفي والعقائدي والقِيَم والأخلاق والسلوك»([3]).

وفي الحقيقة إن القيادة هي مجموعةٌ من السلوكيّات التي يمارسها القائد في الجماعة، والتي تمكِّنه من توجيه وإرشاد الآخرين والتأثير في أفكارهم وسلوكهم وتنسيق جهودهم. إذن هي: «قوّة التأثير في الآخرين؛ بغرض تحقيق الأهداف غير المعتادة من تأثيرٍ وامتثال في المنظمة»([4]). وهذا ما يكشفه الجانب النفسي للقيادة، والعلاقة الطردية بالذكاء العاطفي لنجاح عماية القيادة، حيث يزود القائد بمزيدٍ من المرونة والقابلية للتغيُّرات التي تحدث»([5]). فاذا كانت على صعيد الوَعْي بالذات وإدارتها فهي القيادة على صعيد الكفاءة الشخصية، أي «قدرتك على الاحتفاظ بوَعْيك وبمشاعرك وإدارة سلوكك وميولك»([6])؛ وإذا كانت على صعيد الوَعْي بالآخرين وإدارتهم فهي القيادة على صعيد الكفاءة الاجتماعية، حيث تشتمل على تفهُّم وتقمُّص حالة الآخرين (التعاطف الوجداني) وكيفية التواصل.

فيهدف المقال أوّلاً: إلى تبيين مدى علاقة الكفاءتين: الذاتيّة؛ والاجتماعيّة، بالأساليب التعبيرية؛ وثانياً: إلى تبيين الآليات والدلالات الأسلوبية في الكفاءتين: الشخصية؛ والاجتماعية؛ وثالثاً: إلى اختبار هذه النظرية بالآيات القرآنية.

أسئلة البحث

1ـ كيف وظّفت الكفاءتان الشخصية والاجتماعية عند الأنبياء، وخاصّة (أنبياء بني إسرائيل).

2ـ ما مدى علاقة الكفاءتين ببعضهما؟ وما هي آليات القيادة؟

3ـ ما هي الإيحاءات الأسلوبية في توظيف الكفاءتين، ومدى علاقتها بالذكاء العاطفي؟

فرضيّات البحث

1ـ يبدو أن الكفاءة الشخصية (الوَعْي بالذات وإدارتها)، ثمّ تأهيلها للخوض في نطاقٍ أوسع، وهي الكفاءة الاجتماعية، بقسمَيْها (التعاطف؛ والتواصل)، جاء في أتمّ صورةٍ وهيئة عند الأنبياء، مسانداً دعوتهم ودَوْرهم القيادي في المجتمع. وإن توظيف كفاءتهم الشخصية مرتبطٌ أشدّ الارتباط بالكفاءة الاجتماعية.

2ـ يبدو أن الآليات في كلا الكفاءتين متناغمةٌ مع الإيحاء الأسلوبي، وخاصّة في الحروف وأسلوب الخطاب.

خلفيّة البحث

بما أن البحث يحمل عنوان «الذكاء العاطفي في بعض القصص القرآني…» فإن البحوث التي تناولَتْ هذين العنوانين على حِدَة هي:

 1ـ الذكاء العاطفي في القرآن الكريم، ليُسْرى إبراهيم الرفاعي، جامعة ملايا كوالالامبور، 2013م. حيث تحدّثت في الفصل الأوّل عن مفهوم الذكاء العاطفي؛ وفي الفصل الثاني عن الذكاء والعاطفة بين علم النفس المعاصر والقرآن؛ وفي الفصل الثالث تطرّقت إلى مكوّنات الذكاء العاطفي، كالعقل والقلب، ثم إلى آليّات تطوير الوَعْي العاطفي، من نظام الرقابة الذاتية (التوبة والندم)، ثم عملية التعارف في الاجتماع، وقد ربطت ذلك بمفهوم الأخلاق والصحّة النفسية فحَسْب.

 2ـ القيادة في ضوء الآيات القرآنية، لمحمود أحمد الأسطل، 1433هـ، وهي رسالةٌ أُعدَّتْ لنيل درجة الماجستير في التفسير والقرآن في جامعة أصول الدين / غزة، إشراف: رياض قاسم. وتطرَّق الكاتب في الفصل الأوّل إلى القيادة وأهمّيتها وواجباتها وحقوقها في القرآن، ثم في الفصل الثاني إلى أنواع القيادة وسماتها، كالسمات التربوية والأخلاقية، ثم في الفصل الثالث إلى نمادج من القيادات الراشدة والفاسدة، دون التطرُّق إلى الذكاء العاطفي.

وهناك بعض البحوث ربطت الذكاء العاطفي بالقيادة، لكنها ليست في القرآن الكريم، مثل: أثر الذكاء العاطفي في أداء المديرين وأنماط القيادة الإدارية، لمحمد أحمد موصلّي، رسالةٌ أُعدَّتْ لنيل درجة الماجستير من جامعة حلب، إشراف: علي محمد جبلاق، 2013م.

وبناءً على ذلك يتّضح للقارىء جِدَة البحث وحداثته، فضلاً عن عدم العثور على بحثٍ أو مقالةٍ تناولت الجانب الأسلوبي والخطاب وإيحاءات الحروف في كلا الكفاءتين للذكاء العاطفي، وكذلك الجانب الأدبي.

1 ـ مهارات الذكاء العاطفي على صعيد الكفاءة الشخصية

أـ الوَعْي بالذات وإدارتها

 إن هذه المهارة تعني «القدرة على إدراك مشاعر الذات في وقتها، وعلى نحو صحيح، وفهم ميولها عبر المواقف والأحداث وإدراك التحدِّيات»([7]). هي الوَعْي بالحالات النفسية والأولويات والطاقات والأحاسيس.في الحقيقة، إنّ الوعي الذاتي (Self ـ Awareness) هو جوهر الذكاء العاطفي وحجره الأساس، حيث يبنى عليه كيفية الاستجابة الملائمة للأحداث. يؤكد جاردنر (Gardener) على هذه المهارة قائلاً: إنّ «أساس الذكاء في العلاقات بين البشر يشمل القدرة على أنك تميِّز وتستجيب استجابةً ملائمة للحالات النفسية والأمزجة والميول والرغبات الخاصّة»([8])؛ لأنّ مَنْ لا يفهم ذاته كيف يعي ويفهم الآخرين؟ وكيف يؤثِّر فيهم؟ ومن جانبٍ آخر هي تتمثَّل أيضاً في «التمييز للعواطف والوَعْي بمكامن القوّة والضعف في النفس»([9]).

وفي سياق علاقتها بالذكاء العاطفي يمكن القول بأن مَنْ كان له ذكاء عاطفي عالي المستوى يدير الحوادث التي فيها ضغوط نفسية وأعباء روحية أفضل من الآخرين، ويمتلك الردود الملائمة والمناسبة للوقائع المرّة والسلبية. لكنّ هذا ليس كافياً، فلا بُدَّ من ترشيد ذلك الوَعْي وتنظيمه، وهو ما يُسمّى بـ «إدارة الذات»، يعني «القدرة على استخدام الوَعْي عند المشاعر؛ لكي يحتفظ الإنسان بالمرونة، ومن ثم يحصل التوجيه للسلوك في نهجٍ إيجابي»([10]). وعلى ما يبدو فإن هذه المهارة هي نوعٌ من مراقبة النفس، ونوعٌ من القيادة والإدارة، تمنح الإنسان نوعاً من الاتزان والمرونة. وبتعبيرٍ آخر: إن هذه المهارة تحول أيضاً «دون بروز الحالات والمثيرات المخلّة بالمرونة، وتمنح الإنسان قابلية التكيُّف مع الظروف»([11]).

 إن الوَعْي بالذات ليس مقتصراً على إبداء مكامن القوّة فحَسْب، بل هو العلم بمكامن الضعف والنقص أيضاً، أي التعريف بالواقع السلبيّ، ومن ثم إبداء الحلول والخروج منه، كما في هذه الآية ـ عن لسان موسى× ـ: ﴿قالَ‏ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي * يفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْه ُ‏فِي أَمْرِي * كَي نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً﴾ (طه: 25 ـ 34). إن موسى× في سياق وَعْيه بالذات يصف مشكلته، ويحدِّد مكامن الضعف، الذي طالما حدَّتْ من شعور ثقته بالنفس (الصدر واللسان)، باعتبارهما المفتاحين الأساس في إنجاز رسالته. فقد استطاع موسى أن يغيِّر من واقعه السلبي، ويوجِّهه إلى نهجٍ إيجابي آخر، عبر مبادرته بخلق الفرصة لإشراك أخيه في الرسالة. لقد تحوَّل الوَعْي إلى فرصةٍ لصنع القوّة والقرار، عبر أسلوب الطلب والإنشاء (الدعاء)، وعبر تكثيف حرف ياء المتكلِّم وتكرارها في المفردات:  (صَدْرِي، لِي، أَمْرِي، لِساني، قَوْلِي، لِي، أَهْلِي، أَخِي، أَزْرِي، أَمْرِي)، حيث التناغم والانسجام التامّ بين أسلوب الإطناب في تقرير الحالة النفسية وحاجته الملحّة إلى التنفيس. فدلالاتها النفسية كانت توحي «بالضعف والانكسار والرقّة والخشوع وبالانفعال الشديد والمؤثِّر في الباطن»، كما يرى د. إحسان عباس([12])، والدكتور تمام حسان بقوله: «إن هناك علاقةً طبيعية بين صوت الكسرة أو ياء المدّ من جهةٍ وبين الضآلة والاستصغار من جهةٍ أخرى»([13]). يعزِّز قولهما عبد العزيز حمودة وعبد السلام راغب بقولهما: «إن الدلالة الصوتية والتطريز الصوتي ليست بمعزلٍ عن الدلالة الشعورية وخصوصية الموقف النفسي»([14])؛ و«حركات الكلمة ومدودها ليست مجرد إيقاع موسيقي يتردَّد صداه في التعبير دون فائدةٍ معنوية، بل يرتبط الإيقاع بالمعنى المراد والحالة النفسية»([15]). هذا ما أكَّده ابن جنّي من قَبْلُ، وقد أشار إلى العلاقة القائمة بين جرس الحركات ودلالات الألفاظ، ذاهباً إلى أن «العرب تختار صوت الحركة الأقوى للمعنى الأقوى، والصوت الأضعف للمعنى الضعيف»([16]).

 وفي السياق ذاته، نلاحظ توظيف هذه المهارة (الوَعْي الذاتي) في دعاء زكريا×، النبيّ الآخر لبني إسرائيل أيضاً، حيث دعا ربَّه، وعبَّر ـ كما في الآيات التالية ـ عن وَعْيه الذاتي؛ وبما ألمّ به من ضعفٍ جسدي بتكثيف حرف الياء المدّية في (إني، منّي، ورائي، امرأتي، ويرثني): ﴿قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي واشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيباً ولمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ ‏شَقِيّاً﴾؛ والتحدِّيات التي سيواجهها من الموالي في المستقبل: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾؛ ثم عدم إكمال الرسالة بسبب عقم امرأته: ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَّدُنْكَ وَلِيّاً﴾ (مريم: 4 ـ 5).

فيكثر الخطاب من استعمال الياء، و«إنّ الياء تعتبر باتفّاق علماءالصوت ضعف الكسرة»([17]). والإكثار منها في الآية لا يخلو من الإيحاء بمعاني التضرُّع، والإشارة إلى دلالات الضعف والكبر والشيخوخة عند زكريا×؛ «إذ إن هذا المصوّت بضيقه المتفرِّع ولينه يعبِّر عما هو ضعيفٌ ومهذب. وإنّه لرقّته وانكساره أقرب الأصوات الى البكاء»([18]).

فهذه الرقّة والضعف واللينة في الكسرة منسجمة تماماً مع الحالة الجسمية والنفسية لزكريا، وكذلك مع موقف الدعاء الحافل بدلالات الرقّة والصفاء والتهذيب أيضاً؛ لأنّ الدعاء بكاءٌ داخلي وابتهالٌ إلى الله بقلبٍ خاشعٍ.

فضلاً عن تكرار الصوت الواحد (حرف الباء) في كلمة (ربِّ)، فللتكرار أيضاً دلالاتٌ يرى فيه النّقاد «أنّ الأخير (التكرار) يخرج الصوت عن كونه مجرّد جرس مسموع إلى شفرةٍ جمالية، يحرِّك دلالة النصّ، ويكثّف ظلاله، ويشكّل شبكةً غنيّة بالإيحاءات الصوتية»([19]). فـ «صوت الباء المتَّسم بالانفتاح المنافي للانغلاق والانقباض»([20]) دلالته إشارةٌ أيضاً إلى «أنّ العبد في الدعاء تنشرح نفسه، ويفصح عن مكبوتات ما يتطابق تماماً مع ما يمتلك هذا الصوت من سمة الاتّساع إثر انفتاح الفم أثناء خروجه خاصّة عند سمته الانفجارية»([21]). وقد نرى ذلك جليّاً في دعاء زكريا؛ فقد تكرر لفظ الربّ على لسانه مراراً في دعائه الصادق الحزين، الممتلئ أسىً وحسرةً، ولا شَكَّ أنّ هذا التكرار يترافق مع دلالة الراء «الموحية بالاستمرار»([22])، و«الترجيع والتكرار»([23]). فبالتالي يتضاعف تأثيره في الإفصاح عن مشاعر الضعف والاستكانة والخضوع للعبد (زكريا) أمام جبروت الخالق.

ولم يتوقَّف الأمر عند الوَعْي فحَسْب، بل قام زكريا بتنظيمه عبر الطلب للذرِّية؛ تحقيقاً لغايةٍ أسمى، وهي استمرار الدعوة في مَنْ بعده: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾ (مريم: 6)، فجاءته البشارة بقوله تعالى: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يحْيَى لَمْ‏ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً﴾ (مريم: 7).

وكذلك في مريم÷، حيث عبَّرَتْ عن عمق شعورها وإحساسها بطلبها الموت والنسيان من ذاكرة الوجود، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً﴾ (مريم: 23).

ونلاحظ في هذه الآية المباركة سيطرة مشاعر اليأس والموت على مريم بتمنِّيها الموت، تعبيراً عن تجرُّعها واقعاً مُخْزِياً لا يُطاق، فضلاً عن تكثيف حرف التاء في أفعال الآية: (قالَتْ، لَيتَنِي، مِتُّ، كُنْتُ) الموحية بمعاني «الرقّة والضعف والتفاهة وانحباس النفس أثناء خروج صوتها»([24])، فكأن انحباس النفس أثناء خروج صوتها يتماثل مع شعور ووجدان مريم الخانق، وواقعها المحبط، حيث لا تقوى على مواجهة الواقع، وتكون حبيسة الزمان والمكان. ثمّ يأتي تكرار حرف السين في نسياً منسيّاً، «الموحي بالضعف والرقّة، والدالّ على الحركة والسَّيْر والامتداد»([25])، أي الحركة من الداخل، ومن نفسٍ ضعيفة ورقيقة، إلى الخارج، وإلى الامتداد، وإلى الموت والنسيان. فكأنما تريد الانفلات من الزمان والمكان، والانطلاق والسير إلى الامتداد، وإلى اللانهاية، والتواري في طيّ الموت والنسيان. فقد كان تعبيرها بالموت والنسيان دالاًّ على وَعْيها الذاتي العميق والمرير حقّاً. لذلك تدارك أمرَها ربُّها، وقام بتنظيم وإدارة تلك الأحاسيس هو بنفسه، خلافاً للأنبياء السابقين ـ نظراً لأنها لم تكن من الأنبياء ـ؛ رحمةً ورأفةً بها، حيث أمرها بالصوم، وتجنُّب الكلام مع الآخرين؛ لكي تكون في راحةٍ من كلامهم الجارح، بقوله تعالى: ﴿فَقُولِي ‏إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً﴾ (مريم: 26).

 يبدو من هذه الآية أن إحدى الاستراتيجيات التي يوصي بها الله في مثل تلك الأمور الحسّاسة والعصيبة هو الكفّ عن الكلام، وبتعبير القرآن: (الصوم)؛ «لأن الحديث والكلام يؤدّي إلى اجترار أسباب الحزن، وذلك يعمِّق ويقوّي الحزن والاكتئاب. فبقطع الكلام ينصرف الذهن عن الأفكار الاكتائبية التي تقتحم الذهن»([26]). فكفَّتْ مريم عن الكلام، وبذلك قطعت عليهم السبيل لتوريطها في حديثٍ جارح ومحزن.

 وفي الحقيقة إن الكفّ عن الكلام والصوم ما هو إلاّ ضربٌ من الانطباق والتكيُّف الإيجابي مع صعوبات الحياة، الذي يعبِّر عنه القرآن بالصبر، وبتعبيرٍ أدقّ: هو نتاج الوَعْي بالذات، ومن ثمّ إدارة الذات.

ب ـ الصبر نتاج إدارة الذات

 من منظور الذكاء العاطفي فإن الصبر هو سياسة ضبط النفس أمام مجريات الحياة. كما يقدمه (جولمان) بقوله: إن الصبر هو «نوعٌ معين من القدرة على التحكم في النفس»([27]). وفي الحقيقة إنه نتاجٌ حقيقيّ لمراقبة النفس وإدارتها في كبح جموح الميول والرغبات النفسية، وعدم الخروج على الضوابط والأصول. فقد كان الأنبياء     ـ رغم كلّ المحن وصنوف العذاب الذي لاقوه في سبيل الرسالة ـ على أتمّ الوَعْي بالذات وإدارتها؛ حيث لم يبدرْ منهم أيّ سلوكٍ عداوني أو كلامٍ جارح أو استفزازيّ ضدّ مَنْ مارس في حقّهم أسوأ العذاب. فقد ضبطوا أنفسهم ومنعوها من إبراز الحالات المسيئة والاستسلام للمثيرات المخلّة، وخاصّة الكلامية. وقد اتَّصف بهذا جميع الأنبياء على الإطلاق: ﴿ولَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا﴾ (الأنعام: 34).

 إن الذي يمتلك ذكاءً عاطفيّاً عالي المستوى يدير الحوادث التي فيها ضغوط نفسية وأعباء روحية أفضل من الآخرين، ويمتلك الردود الملائمة والمناسبة للوقائع المرّة والسلبية. يقول جاردنر (Gardener) في هذا الصدد: إنّ «أساس الذكاء في العلاقات بين البشر يشمل القدرة على أنك تميِّز وتستجيب استجابةً ملائمة للحالات النفسية والأمزجة والميول والرغبات»([28]). فبناءً على ذلك الصبر هو أنجع الاستجابات.

 وهذا ما حدث لسيِّدنا يعقوب×، حيث صبر على فراق يوسف سنين طويلة، معزِّياً نفسه بقوّة الصبر، قائلاً: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ (يوسف: 18).

 لقد انتهج يعقوب× سياسة التحكُّم بالانفعالات، وكبح جموح العاطفة، الناتجة عن إدارة الذات ومراقبتها. وكما يبدو من الآيات المتقدِّمة فأنّ أول خطوة وإجراء سلوكيّ (إدارة الذات) قام بها إزاء تصرُّفات أبنائه الخاطئة كانت هي الصبر: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾. ومن منظورٍ آخر فإنّ الصبر يعتبر السلوك الناجع والفعّال «للحيلولة دون تداعيات الضغوط النفسية أيضاً»([29]). فمفتاح السعادة العاطفية والاستقرار يكمن في ضبط الانفعالات المزعجة بصورةٍ دائمة؛ لأن «التطرُّف المتزايد والمكثَّف في العواطف لفترةٍ طويلة يؤدّي إلى تقويض الاستقرار»([30]). ونلاحظ أن يعقوب عبَّر عن كَبْت الأحاسيس وضَبْطها بالكامل بالصبر الجميل، تحقيقاً للاتّزان والاستقرار، ما يعني ‹عدم الاستسلام للقلق الشامل أو الموقف الانهزامي أو الاكتئاب في مواجهة التحدِّيات أو النكسات»([31])؛ حيث يعتبر الوسيلة الوقائية الناجحة، وخاصّة عند أصحاب القرار وذوي المسؤوليات الكبرى. وقد دعا الله أنبياءه ـ وخاصّة نبيّنا محمد| ـ إلى توخّي الصبر، بقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ (الأحقاف: 45).

فبعد الصبر اتَّخذ يعقوب الخطوة الإجرائية الثانية، وهي التولّي والإعراض، والمقصود منه هو الإدبار والانصراف: «ولّى الشيء وتولّى بمعنى أدبر، وولّى عنه أعرض عنه ونأى»([32]): ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾، ثمّ السكوت والكَظْم: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ (يوسف: 84).

وبتعبيرٍ آخر: عندما يكبت الانفعال تماماً فإن ذلك يؤدّي إلى العزلة والانطواء، حيث يتحوَّل الصبر في لبوسٍ آخر، وهو الانطواء والانكفاء على الذات. فبعد أن اتَّخذ يعقوب× الصبر في بداية الحَدَث وسيلةً وقائية له غيَّر سلوكه باتّخاذ (التولّي) تجاه حَدَث الفراق. فقد أصرّ على كَبْت النفس وضبطها، حيث جاء وصفه بـ (الكظيم)، والمقصود: «كظم كظماً الشيء وعلى الشيء بمعنى حبسه وسكت»([33])، أي إنّه أعرض عنهم وكتم غضبه عنهم وحبسه، لكن قام بالتنفيس عن ذلك باللجوء إلى الله في محنته، قال تعالى: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 86). وكذلك البكاء: ﴿وَابْيَضَّتْ عَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ (يوسف: 84).

ونلاحظ أن يعقوب وظَّف كلمة بثّ للتنفيس. والبثّ، كما في لسان العرب، «بمعنى: فرّقه ونشره»([34]). إذن ثمّة تناسبٌ بين استخدام هذه المفردة وما ألمّ به من شعثٍ وتبعثرٍ ونشرٍ؛ بسبب التفريق الذي حصل بفقدانه يوسف. إنّه يشكو تبعثره وشعثه إلى الله تعالى، فكأنما أحاسيسه ومشاعره خرجَتْ من أعماق نفسه المتبعثرة المتناثرة تماثل واقعه المتبعثر. وقد تكثَّف هذا الشعور والإيحاء النفسي بحرف الثاء أيضاً: «حيث تدلّ الثاء على معاني البعثرة والتخليط بشيءٍ من الرقّة، بما يحاكي البعثرة في النفس أثناء خروج صوتها»، كما يعتقد إحسان عباس([35]).

 ومن جانبٍ آخر فإنّ الصبر أيضاً يعني رؤية الأمور والأحداث من منظورٍ مختلف، حيث يكتنه فيه بُعْدٌ تفاؤليّ تبشيري. فالصبر هو الرؤية التي لا تنحصر في الأفق الضيِّق المادي، بل تخترق المادّة إلى المعنويات، وتستمدّ القوة الروحية والاطمئنان والأمل؛ للمثابرة والثبات أمام زخم الصعوبات والتحدّيات، من ينبوعٍ إلهيّ، رغم قلّة العدّة والعدد. ومن زاويةٍ أخرى نلاحظ أن الصبر هو «الثبات والمثابرة رغم الصعوبات والمشاقّ»([36])، كما يرى علماء علم النفس. وإنه «عبارةٌ عن تركيبة من الموهبة المعقولة، مع القدرة على الاستمرار في مواجهة الهزيمة؛ للوصول إلى النجاح»([37]).

 إذن الصبر هو التحدّي والثبات بوجه الصعاب بلمسة الأمل، والأمل يعني «عدم الاستسلام للقلق الشامل أو الموقف الانهزامي أو الاكتئاب في مواجهة التحدّيات أو النكسات»([38]). ومن منظور الذكاء العاطفي يعني الأمل «أن يتوقع المرء توقّعاً قويّاً أن الأمور سوف تتحوَّل في الحياة دائماً إلى ما هو سليم على الرغم من وجود النكسات والإحباطات. إنه موقف يحمي الناس من الوقوع في اللامبالاة والإصابة بالاكتئاب في مواجهة مجريات الحياة القاسية»([39]).

وفي قصّة يعقوب يمكن ملاحظة الصبر والتفاؤل والأمل عبر توظيف فعل (عسى) في أحلك الظروف يأساً وقنوطاً، كما في قوله تعالى: ﴿عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِينِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ‏ الْحَكِيمُ﴾ (يوسف: 83). فـ (عسى) تفيد الوقوع والاحتمال، فقد كان يعقوب غير مستسلمٍ للأمر الواقع، متوقّعاً بأنّ الأمور سوف تتحوَّل إلى ما هو أحسن، على الرغم من النكسات والإحباطات.

وأما سلوكه الأخير وتعامله الأخير بعد الصبر والتولي والكظم فهو الصفح والاستغفار، حيث يقول تعالى: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي‏ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (يوسف: 98). إنّه أنهى كلامه بـ ﴿هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، وكأنّه بقوله هذا فتح باب التوبة بوجههم على مصراعَيْه، بطمأنتهم وقبول الاستغفار لهم بعد ندمهم، حيث ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ (يوسف: 97)، ما يؤكِّد نجاح خططه ووصوله إلى مبتغاه بعد طول العناء والصبر.

 وقد لاحَظْنا توظيفها البارز عند نوح×، حيث يتحدَّث عن مثابرته ودعوته المتواصلة، ليلاً ونهاراً، سرّاً وجهراً، رغم كلّ الأسباب المثبطة: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً * … * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً﴾ (نوح: 5 ـ 9).

 نستبين من توظيف أسلوب الإطناب والتفصيل، واستخدام الثنائيات (الليل/ النهار) (الجهار/ العلن) (إني / هم)، والتكرار المكثَّف للأخيرة، ثم توظيف مفعول المطلق (إسراراً) في: ﴿أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً﴾ للتأكيد، وتتابع الأفعال (دعَوْتُ أعلَنْتُ أسرَرْتُ) في إشارةٍ إلى استمرارية الدعوة مع التدرُّج فيها من الجهر والإسرار وذلك بتوظيف حرف (ثم) الدالّ على التراتبية، مدى انسجام وتناغمية الوَعْي وإدارته بالأسلوب. لكنْ رغم كل الثبات والمثابرة والجدال المستميت لم يجِدْ نوح من الآخَر إلاّ استنكاراً وتكذيباً: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ (هود: 32).

 

2ـ القيادة على صعيد الكفاءة الاجتماعية

 إن ما جئنا به من شواهد قرآنية كان خير مثال للوَعْي بالذات وقيادتها، لكن ثمة آيات تنبئ عن كفاءةٍ أخرى، تسمّى بالكفاءة الاجتماعية، والمقصود منها: «القدرة على فهم الحالات المزاجية للآخرين وسلوكياتهم ودوافعهم حتى يتمكّن الإنسان من تحسين جودة علاقاته بالآخرين»([40]). إنهّا حَسْب رأي جاردنر (Gardener) «الذكاء في العلاقات المتبادلة بين الناس والقدرة على فهم الآخرين، وما الذي يحرِّكهم؟ وكيف يمارسون عملهم؟ وكيف يتعاون معهم؟ فالذكاء الخاص بين الناس هو القدرة على تبادل العلاقات فيما بينهم، التي تتحوّل إلى قدرةٍ داخلية. إنها المقدرة على تشكيل نموذجٍ محدّد وحقيقيّ للذات؛ لكي يتمكّن من التأثير بفاعلية في الحياة»([41]).

 يقول جولمان في تعريفه للكفاءة الاجتماعية: «إنّها تعتبر فنّ العلاقات البشرية، وتتطلّب مرونةً عالية في التعامل مع الغير، وقدرة على التأثير والإقناع»([42]). وفي تعبيرٍ أشمل: إنها تعني «القدرة على فهم وإدارة الرجال والأولاد والبنات؛ ليتصرّفوا بحكمةٍ في العلاقات الإنسانية، والقدرة على اجتذاب الآخرين، والتأثير فيهم، وقيادتهم، واكتساب حبِّهم واحترامهم، وفهم دوافع ورغبات الآخرين، والقدرة على العمل معهم والتأثير فيهم»([43]). إنّها كنظيرتها (الكفاءة الشخصية) تتضمّن عدّة مهاراتٍ وأبعاد، منها: التعاطف.

أـ التعاطف الوجداني

 إن التعاطف الوجداني يعني الوَعْي بعواطف الآخرين ورغباتهم. فقد جاء في تعريف التعاطف أو التقمُّص الوجداني Empathy)) أنّه «التعرُّف على عواطف الآخرين، والقدرة على تفهُّم مشاعر الآخرين. إنه مقدرة تتأسَّس على الوَعْي بالانفعالات. إنه مهارةٌ إنسانية جوهريّة بحقٍّ»([44]). وعلى حدّ تعبير العالم النفسي تيشنر (Kitchener): إنّ التعاطف «ينبع من محاكاة معاناة الآخرين جسميّاً باستحضار مشاعر الآخر نفسها إلى داخل المتعاطف نفسه»([45]).

 في الحقيقة إن أساس هذه المهارة يقوم على أساس الوَعْي الذاتي، فبقدر ما نكون قادرين على تقبُّل مشاعرنا ووَعْينا بذواتنا نكون قادرين على قراءة مشاعر الآخرين؛ لأن «عدم التعاطف والفشل في تسجيل مشاعر الطرف الآخر هو أكبر نقطة ضعف في الذكاء العاطفي، بل هو فشل مأساوي في معنى إنسانية الإنسان وكل علاقة الألفة بين البشر؛ لأن جذور الحبّ والرعاية والاهتمام تنبع من التوافق العاطفي ومن القدرة على التعاطف»([46]). يشاطرنا الرأي في ذلك مزلو (Mas Lowe)، في كتابه الدافعية والشخصية، بقوله: «إن الإنسان، بالرغم من تطبُّعه بالغضب والنفور وعدم الصبر، يتمتَّع بقوّة الشعور والتعاطف العميق تجاه بني جنسه، حيث يعتبرهم عضواً من كيانٍ واحد»([47]).

إذن تبين مدى علاقة الكفاءتين: الشخصية؛ والاجتماعية، ببعضهما، حيث يمكن اعتبار العلاقة طرديةً ومباشرةً من جانب، وبين الكفاءة الاجتماعية والقيادة من جانبٍ آخر. إن هذه المهارة من الذكاء العاطفي تعتبر منصّة الانطلاق والحجر الأساس في ممارسة القيادة؛ لأن القيادة في الحقيقة هي القدرة علي التأثير في قلوب الناس، وهذا لا يتحقَّق بدون هذا التعامل القلبي الذي يشعر به القائد تجاه شعبه. وقد كان النبيّ| خير مَنْ جسَّد هذا الشعور والإحساس النبيل، فقد كان تعاطفه مع المؤمنين قويّاً وشديداً، وكان يعزّ عليه معاناتهم، ويحرص عليهم كلّ الحرص، رؤوفاً رحيماً بهم، حيث يمكننا استخلاص ذلك في أرقى مراتبه بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 12)، فقد وردت الأحاسيس والمشاعر للنبيّ| كلّها بصيغة الصفة المشبَّهة: ﴿حَرِيصٌ… رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾، ما ينبئ عن ثبوتها ورسوخها وتأصُّلها في ذات النبيّ الأكرم|، فضلاً عن نسبة الرسول إلى أنفس المؤمنين، وإشعارهم بأنه منهم، وهذا ما يجعل أمر القيادة سلساً، وبالتالي يكون الانقياد للرسول أسهل؛ بفضل توظيف آلية التقمُّص الوجداني.

 وفي سياق الحديث عن وجوب هذه الكفاءة لدى القائد يمكن استشراف ذلك في سورة الضحى أيضاً، حيث يلزم الله نبيَّه بإبداء التعاطف مع اليتيم والسائل، وعدم القَهْر والنَّهْر لهما، ثم تقديمهما على فعلَيْهما، وتكرار الأسلوب الإيقاعي تأكيداً على أهميته: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ﴾. وكذلك نستشف هذا التعاطف مع الأحاسيس والوجدان لدى شعيب×، بعد استماعه قصّة حياة هذا الوافد الجديد، وطمأنته بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.

 إنّ هذا الشعور والتعاطف يأخذ منحىً آخر، فيكون ذا قوّةٍ وفاعلية يدفع باتباع المبادىء الأخلاقية، ومن ثم إنجاز الأفعال الاخلاقية. كما يرى هوفمان (Hoffman) «أنّ جذور مبادىء الأخلاق مغروسة في مشاعر الاندماج العاطفي، أي التقمص الوجداني»([48])، وما يسمى بـ «القيادة الداعمة»([49])، فقد يبلغ هذا التعاطف والاندماج العاطفي قمّته عندما يبادر الإنسان بتفضيل الآخر على نفسه، وإيثاره على ذاته: «إن أكثر الناس إحساساً بالتعاطف مع غيرهم هم أكثر الناس تفضيلاً للمبادىء الأخلاقية»([50]). ويرى تامسون Thomson)) أن «الذكاء يرتبط ارتباطاً موجباً بالضمير وبالقِيَم الأخلاقية»([51]). لقد أثنى الله على هذا الشعور الإنساني الراقي والنبيل عند المسلمين الأوائل (الأنصار)، حيث أبدَوْا تعاطفاً مع المهاجرين، بشعور معاناتهم وإيثارهم على أنفسهم، كما في هذه الآية المباركة: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ‏ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ (الحشر: 9). وفي أرقى درجاتها نراها عند أهل البيت^: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ ‏لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً﴾ (الإنسان: 9 ـ 10)، حيث تجلّت عندهم أرقى المشاعر الغَيْرية، بإيثار المسكين واليتيم والأسير على أنفسهم، على مدى ثلاثة أيام متتالية، كما ورد في التفاسير.

ب ـ التواصل

 قد تحدث (جولمان) عن المعايير وصفات الأذكياء، في كتابه الذكاء العاطفي، بقوله: «يمتلك الأذكياء عاطفيّاً القدرة على التواصل مع الآخرين تواصلاً سلميّاً متوازناً ومنضبطاً. إنّهم يعرفون جيّداً مشاعرهم الخاصة، ويقومون بإدارتها جيّداً، ويتفهّمون ويتعاملون مع مشاعر الآخرين بصورةٍ ممتازة. وهم أكثر من غيرهم إحساساً بالرضا عن أنفسهم، والتميُّز بالكفاءة في حياتهم، وبقدرتهم على السيطرة على بنيتهم العقلية»([52]).

 إن المقصودَ من مهارة التواصل من منظور الذكاء العاطفيّ «مهارةُ الاستماع وإرسال الرسائل المقنعة للآخرين»([53]). إنّها بحقٍّ مهارةٌ تسترعي الانتباه والاهتمام، فلا بُدَّ من احترافها وتوظيفها والتمكُّن منها عند مَنْ يتولّى الهداية والتوجيه والتأثير في كافّة نواحي الحياة، وخاصّة الأنبياء؛ بوصفهم شخصياتٍ مركزية وقيادية في المجتمع.

 إن الاستماع هو بوابة التواصل وإبلاغ الرسالة إلى كافّة الناس، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ ‏مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يخْلُقُوا ذُبَاباً ولَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وإِنْ يسْلُبْهُمُ‏ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ (الحجّ: 73). وقد حثَّ الله على الالتزام بتلك المهارات وتوظيفها عند أول تلقّي الوحي، بقوله تعالى: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ‏ لِمَا يُوحَى﴾ (طه: 13). واعتبره سلوكاً لو طُبِّق والتزم به الإنسان فإنه يحقِّق له النجاح والسعادة في حياته: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ﴾ (الملك: 23).

 فقد عدّ الله وسائط التواصل من (السمع، الأبصار، والفؤاد)، ثمّ السؤال عنها يوم القيامة، وقدّم السمع على الأبصار والأفئدة، ما ينبىء عن أهمّيته وأولويته على باقي الحواس والمدارك، وقد أوكل الله إليها مهامّاً ثقالاً يجب تأديتها من قِبَل الإنسان: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ‏ مَسْؤُولاً﴾ (الإسراء: 36).

 بيَّنّا سابقاً عن العلاقة الطَّرْدية بين الكفاءتين: الشخصية؛ والاجتماعية، ما يمكِّننا الآن من التقاط بعض إشاراتها:

إن يعقوب×، وبعد انتهاج سياسة الصبر والكظم وتوظيف القيادة الشخصية، سلك سلوكاً آخر على صعيد القيادة الاجتماعية، بتوظيف مهارة التواصل (الاستماع للاعتذار): ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ (يوسف: 97)، ومن ثم قبول الطلب للاستغفار بقوله: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ‏إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (يوسف: 98).

إنه لم يغلق باب التواصل بوجههم، حيث أمسك بخيوطها عبر قبول طلبهم، وتذكيرهم بمغفرة الله، الذي طالما يدعوهم إلى التسامح والعفو والاستغفار، كما في خطاب النبيّ| بقوله تعالى: ﴿فَاعْفُ‏ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ (آل عمران: 159).

وفضلاً عن توظيف مهارة الاستماع كمهارة تواصلية بَحْتة عند المتلقّي، هناك ترغيبٌ في استخدام أسلوب الخطاب الدالّ على اللين والعطف عند المرسل (الربّ) الطرف الأول في عملية التواصل أيضاً؛ لأنه «باستخدام المفردات الدالة على اللّين والتودُّد يتمّ التركيز على نقاط التواصل، وتتعمّق قنوات الاتصال»([54])، وبالتالي تتسهَّل عملية القيادة والتبليغ.

كما نلمس في هذه الآية الحَدْب والعطف والحنان في مخاطبة المذنبين: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾. ولا يخفى على المخاطَب مدى قوّة العطف والحَدْب البالغة في مناداتهم، وخاصّة في انتسابهم إلى الله. وعبر خطابهم بـ ﴿يَا عِبَادِيَ﴾ قد نسبهم إلى نفسه، رغم الذنوب التي ارتكبوها؛ لأنه أراد بذلك إتاحة الفرصة لهم بمعاودة الاتصال، عبر الخطاب غير المباشر، من حيث تدارك الشعور بالخجل عندهم، من باب التأدب والتكريم.

«إن الخطاب غير المباشر هو الخطاب الذي يتجنَّب فيه المتكلِّم التوجيه المباشر، قاصداً تحقيق أغراض الخطاب، يقصده به تأدّباً أو تواضعاً أو مدحاً أو ذمّاً أو خوفاً أو جهلاً»([55]). ثمّ يتضاعف هذا التكريم بالجمع بين ياء المتكلِّم (عبادي) وأداة النداء (يا) في ﴿يَا عِبَادِيَ﴾.

 وفي الحقيقة يواكب هذا النوع من الخطاب الحالة النفسية التي تمرّ بالذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والذنوب، حيث يكونون في أمسّ الحاجة للمواساة والاحتضان والترحيب بعد اليأس والقنوط من الرحمة والشعور بالدونية. إنه يُدَعى «خطاب التحنُّن والاستعطاف»([56]). ثمّ بعد ذلك هو الغفور الذي فتح باب القبول والاحتضان لهم: ﴿إِنَّ اللهَ يغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾.

 أكَّد القرآن الكريم بشكلٍ واضح وصريح على توظيف أسلوب الخطاب الدالّ على اللين كأوّل آليّةٍ تواصلية للقيادة، حيث أمر موسى وهارون بالقول اللين في دعوتهما: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً﴾ (طه: 43 ـ 44).

 فبهذه الآيات يتّضح مدى فاعلية الكلام اللين وأثره البالغ في التبليغ والدعوة، ومن ثمّ النفوذ والتأثير. وأشار الله إلى فاعلية اللين في السلوك والعواطف، وبيَّن تأثيره، فبانعدامه يكون الفضّ والفصل، بدلاً من الوصل والتواصل: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159).

 وظِّفَتْ هذه المهارة أيضاً عندما خاطب نوح قومه وناداهم: ﴿يَا قَوْمِ﴾، حيث تكرَّر هذا النداء بشكلٍ متتابع في الآيات. فـ «النداء يشكِّل أبرز مظاهر اللغة الانفعالية، حيث يوفِّر من القيمة الإبلاغية والحدّة التعبيرية ما لا طاقة لغيرها به»([57]). فهو ناداهم بـ (يَا قَوْمِ) احتراماً وتكريماً لهم، فقد اعتبرهم من نفسه، وأشعرهم بالقرب منه، فهو بهذا يبغي التواصل معهم؛ تذكيراً بروابط الدم والأخوة والانتساب والانتماء إلى أصلٍ واحد وأرضٍ واحدة.

 إنّ هذا التشريف والتكريم لم يكن جارياً على لسان نوح× فحَسْب، بل الله سبحانه هو الذي كرَّمهم برابط الأخوة، وقدَّمها على مبدأ الرسالة، كما نلاحظ تقديمها (أخوهم) على نوحٍ، ما يدلّ على الاهتمام البالغ بهم، بقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ (الشعراء: 107). فإضافة المضاف إليه إلى المضاف يكسبه سماتٍ وقِيَماً؛ فإن «الاسم المضاف يكتسب من المضاف إليه سمة التوضيح والتعيين والتخصيص، فضلاً عن قِيَم ثانوية، مثل: التعظيم والتشريف والتحقير والتهويل… وقد يكتسب المضاف إليه من المضاف هذه القِيَم»([58]).

 وقد تكرّر هذا الأسلوب التخاطبي في سورة هود أيضاً: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ (الشعراء: 125).

 وكذلك توظيف أسلوب الاستفهام، الذي يضفي على الأسلوب التخاطبي في الآية نوعاً من الاستعطاف والحَدْب والليونة في الكلام، كما نلاحظه في الآيات التالية: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَينَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً﴾ (هود: 28)، ﴿يَا قَوْمِ مَنْ ينْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ (هود: 30). وكذلك في خطاب موسى بقوله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وتَدْعُونَنِي إِلَى‏ النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللهِ وأُشْرِكَ بِهِ ما لَيسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّار﴾ (غافر: 42 ـ 43).

 فقد كانت دعوة الانبياء في غاية الليونة والهدوء والاستعطاف. إنّهم كانوا حريصين على هدايتهم. وقد تمثّل هذا الحرص والشفقة في إبداء خوفهم على مصيرهم من العذاب الأليم. كما بيَّنها النبيّ نوح بقوله: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ (هود: 25)، وكذلك فعل النبيّ شعيب: ﴿وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ ‏يَوْمٍ مُحِيطٍ﴾ (هود: 84).

 وجديرٌ بالذكر أنّ التفوُّه بهذه الكلمات: ﴿وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيكُمْ﴾ يعطي انطباعاً من التعاطف المشوب باللِّين والإشفاق، وكذلك التأثير والترغيب إلى قبول الدعوة.

إن لتوظيف هذه المهارة في القرآن الكريم تأثيراً كبيراً ومهمّاً على المتلقّي، لذلك وظفّت من قِبَل الجبابرة والطواغيت أيضاً، فكأنهم قد فطنوا إلى فاعلية اللين في الكلام في استقطاب آراء الجمهور، مثلما وظَّفها فرعون بقوله: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِر َفِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ (غافر: 26).

 لم يكن مجال توظيف هذا الأسلوب ـ ما يسمّى بـ «خطاب التحنُّن» ـ مقصوراً في مجال الدعوة والتبيلغ فحَسْب، بل كان له الفاعلية والتأثير في مختلف شؤون الحياة أيضاً، كما في قصة موسى بعد رجوعة من ميقات ربِّه، وبعد أن رأى ارتداد القوم غضب وأخذ برأس أخيه هارون يجرّه ويعاتبه على ذلك، فما كان جواب هارون إلاّ أن خاطبه بـ «ابْنَ أُمَّ»: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنّ‏َ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ﴾ (الأعراف: 150).

 إنّ هارون لم يخاطبه بـ «يا أخي» في تلك الظروف العصيبة، بل خاطبه بـ «ابن أمّ»؛ تذكيراً بروابط أكثر دلالةً على الرأفة والرفق؛ إذ الأم أكثر رأفةً من غيرها، فأراد هارون بتوظيف هذه المهارة امتصاص غضب موسى، واستدرار عطفه. وقد جاء خطاب النداء بحذف حرف النداء؛ تنبيهاً بالقرب الذي يكون بينهما، وخاصّة القرب النفسي والروحي. أما من منظورٍ آخر فإنّ المقام هو مقام تدارك الأمر، وتفويت الفرصة على الشامتين، والاستعجال في تبيين الأمر أيضاً، لذلك جاءت حرف النداء محذوفةً.

وفي الحقيقة إن التعامل مع مَنْ يكون في ذَرْوة الغضب يعتبر أعلى مقياسٍ لقدرة الإنسان وبراعته الفائقة في السيطرة والتحكُّم. وأيضاً تشير البيانات التي انتهَتْ إليها الأبحاث حول ضبط النفس من الغضب وسرعة التأثُّر الانفعالي إلى الاستراتيجيّات الفعالة في هذا الصدد، حيث تكون إحدى الاستراتيجيّات بـ «السعي لصرف نظر الغاضب عن موضوع غضبه، والتعاطف مع مشاعره وأحاسيسه، ثمّ جذبه إلى مركز اهتمامٍ بديل لمجموعة من المشاعر الإيجابيّة»([59]). وقد نرى توظيف تلك المهارة عند هارون، حيث أراد جذب اهتمام موسى إلى مشاعر إيجابية، كالنداء بـ «ابن الأمّ»، ثم التعاطف مع مشاعر موسى: ﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ ‏بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ (طه: 94).

 وكما نلاحظ فإن هارون تعاطف مع مشاعر موسى×، وتجاوب معه، واستخدم فعل خشيتُ بدلاً من خفتُ؛ لأن «الخوف يستعمل للضعف في النفس، أما الخشية فهي خوفٌ يشوبه تعظيم، ومقرونةٌ بمعرفة مَنْ يخشى منه»([60]). وبذلك قد وضع نفسه في موضع الضعف، وتجنّب التصرُّف بالندّية أي المجابهة ومعاملة الندّ بالندّ، ثم أنهى كلامه بالتنبيه بأنني أنا وحدي ـ وليس نحن ـ أشمت من قِبَل الأعداء؛ لكوني أنا الضعيف وأنت الأقوى والعزيز. فيعطي بكلامه هذا رؤية عن الظرف الراهن، وتربّص الأعداء وتحيُّنهم الفرص للنَّيْل منهما؛ لأن سيطرة الغضب على المشاعر تبعد الإنسان كذلك من استشراف المستقبل وما سيسبِّبه الغضب من مشاكل ومواقف محرجة للغاضب بالذات والمغضوبين.

 استطاع هارون بهذا الأسلوب الراقي والمهذَّب احتواء الموقف، وامتصاص غضب موسى، حيث نلاحظ لسان موسى في الآية التالية: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (الأعراف: 51).

 وكما يلاحظ فإن القرآن الكريم يوصي بالغفران كمهارةٍ وطريقة يمكن اتباعها في نَوْبات الغضب، بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإِثْمِ والْفَواحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ‏ يغْفِرُونَ﴾ (الشورى: 37).

فيتّضح أن الغفران والتجاوز استراتيجيّةٌ فعّالة لتفادي تَبِعَات الغضب وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع. لذلك لجأ موسى إلى الدعاء بالغفران كاستراتيجيّةٍ متبعة، وخاصّة من قِبَل الأنبياء والمؤمنين في الظروف الحَرِجة والعصيبة، وتوجّه إلى الله وطلب المغفرة لنفسه أوّلاً، ثم الدخول في رحمة الله معاً؛ لأن الدعاء واللجوء إلى الصلاة هو أفضل الأساليب للتخفيف من الضغوط النفسية، وخاصّة مشاعر الغضب.

النتيجة

تكشف الآيات القرآنية الستار عن الكفاءة الشخصية، يعني الوَعْي بالذات، ثم إدارة الذات، والتعامل مع ردّ الفعل الشعوريّ تجاه المواقف والأشخاص، والتحكُّم في الانفعالات.

ليس الوَعْي الذاتي مقتصراً على إبداء مكامن القوة، بل مكامن الضعف أيضاً، حيث يمكن تحويلها إلى فرصةٍ لصنع القوة والقرار، عبر توظيف أسلوب الطلب والإنشاء (الدعاء).

 وهناك التناغم التامّ بين الدلالات الأسلوبية وتقرير الحالة النفسية في توظيف الضمائر والتكرار.

وتكمن آليات القيادة الشخصية في الصبر والأمل والثبات والمثابرة والسعي الحثيث رغم الصعوبات.

وتوظّف آلية الصبر عند يعقوب إزاء تصرُّفات أبنائه الخاطئة: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾، ثم التولّي والإعراض: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾، ثمّ السكوت والكَظْم: ﴿وَابْيضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾، ثم التنفيس باللجوء إلى الله: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾، مع تناسب بين استخدام مفردة (البثّ) التي تماثل واقعه المتبعثر مع تكثيف هذا الشعور والإيحاء النفسي بحرف الثاء الدالّة على معاني البعثرة والتخليط.

والنبيّ الأكرم| خير مَنْ جسَّد هذا الشعور والإحساس النبيل، وقد كان تعاطفه مع المؤمنين قويّاً وشديداً، حيث قال تعالى: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

 ويرتبط التعاطف الوجداني ارتباطاً موجباً بالضمير وبالقِيَم الأخلاقية والباعث عليها.

 وإن مهارة التواصل هي الحجر الأساس واللبنة الأولى للقيادة الاجتماعية.

وإن هناك علاقةً طرديّةً بين الكفاءتين: الشخصية؛ والاجتماعية، فبعد انتهاج سياسة الصبر والكظم وتوظيف القيادة الشخصية سلك يعقوب سلوكاً آخر على صعيد القيادة الاجتماعية بتوظيف مهارة التواصل (الاستماع للاعتذار): ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ (يوسف: 97)، ومن ثم قبول الطلب للاستغفار بقوله تعالى: ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ‏إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (يوسف: 98).

 وقد أشار توظيف مهارة التواصل في آلية التواصل الكلامي، وكيفية استخدام اللغة والأسلوب التخاطبي الدالّ على اللين والعطف: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً﴾، إلى فاعلية اللين في السلوك والعواطف، وبيَّن تأثيره، فبانعدامه يكون الفضّ والفصل بَدَلاً من الوصل والتواصل: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.

والخطاب غير المباشر هو أسلوبٌ آخر للتأثير المـؤسَّس على مبدأ التكريم والتأدُّب.

والمناداة بـ (يا قَوْمِ) في خطاب أنبياء بني إسرائيل هو احترامٌ وتكريمٌ، وإشعار الآخرين بالقرب والحميمية، وتذكيرٌ بروابط الدم والأخوة والانتساب والانتماء إلى أصلٍ واحد وأرضٍ واحدة.

توظيف مهارة التواصل بتوظيف روابط الدم الأكثر دلالةً على الرأفة والرفق في خطاب هارون بـ ﴿[يَا] ابْنَ أُمَّ﴾؛ لامتصاص غضب موسى واستدرار عطفه، وقد جاء خطاب النداء بحذف الياء (النسبة) تنبيهاً على القرب الذي يكون بينهما، وخاصّة القُرْب النفسي والروحي.

وقد أكَّد الله سبحانه وتعالى عاقبة الصابرين ومآلهم، الباعث على الأمل في المستقبل بقوله: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾. إن الصبر ليس دَيْدَن الأنبياء فحَسْب، بل أوصى الله سبحانه وتعالى المؤمنين بذلك أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 153)، فقد حثَّ الله على التحلّي بالصبر، وفي النهاية أكَّد معيَّته مع الصابرين، ما يعطي شعوراً وانطباعاً بالهدوء النفسيّ والطمأنة وحضور الربّ.

الهوامش

(*) طالبة دكتوراه في قسم اللغة العربيّة وآدابها في جامعة طهران (فرديس الفارابي).

(**) أستاذٌ مساعِدٌ في قسم اللغة العربيّة وآدابها في جامعة طهران (فرديس الفارابي).

([1]) دانييل جولمان، الذكاء العاطفي: 41، ترجمة: ليلي الجبالي، عالم المعرفة، الكويت، 2000م.

([2]) حسن زارعي متين، مديريت رفتار سازماني، (إدارة السلوك في المنظَّمات): 39، نشر آگاه، طهران، ط1، 1388هـ.ش.

([3]) عبدالرحمن عيسوي، دراسات في علم النفس الاجتماعي: 64، دار النهضة العربية، بيروت ـ لبنان، ط2، 2006م.

([4]) دانييل جولمان، الذكاء العاطفي: 63.

([5]) حسين طه عبد العظيم سلامة، الذكاء الوجداني للقيادة التربوية: 47، دار الفكر، عمان، ط1، 2006م.

([6]) المصدر نفسه.

([7]) دانييل جولمان، الذكاء العاطفي: 41.

([8]) المصدر السابق: 63.

([9]) حسن زارعي متين، مديريت رفتار سازماني، (إدارة السلوك في المنظّمات): 39.

([10]) ترافيس برادبيري وجين جريفز، الذكاء العاطفي: 56، مكتبة جرير، ط1، 2013م.

([11]) المصدر السابق: 41.

([12]) إحسان عبّاس، خصائص الحروف العربية: 98، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، 1988م.

([13]) تمام حسان، أصول دراسة إبستمولوجية للفكر اللغوي عند العرب (النحو ـ الفقه ـ البلاغة): 287، عالم الكتب، القاهرة، 2009م.

([14]) صالح ملاّ عزيز، جمالية الإشارة النفسية في الخطاب القرآني: 298، دار الزمان، دمشق، ط1، 2010م.

([15]) عبد السلام أحمد راغب، وظيفة الصورة الفنية في القرآن: 392 ـ 393، حلب، ط1، 2001م.

([16]) المصدر السابق: 296.

([17]) المصدر السابق: 297.

([18]) المصدر نفسه.

([19]) المصدر السابق: 291.

([20]) فخرية غريب قادر، تجليات الدلالة الإيحائية في الخطاب القرآني: 68، عالم الكتب الحديث، إربد ـ لبنان، 2011م.

([21]) إحسان عباس، خصائص الحروف العربية ومعانيها: 99، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق.

([22]) فخرية غريب قادر، تجليات الدلالة الإيحائية في الخطاب القرآني: 24.

([23]) إحسان عباس، خصائص الحروف العربية ومعانيها: 90.

([24]) المصدر السابق: 56.

([25]) دانييل جولمان، الذكاء العاطفي: 109 ـ 110.

([26]) المصدر السابق: 108.

([27]) المصدر السابق: 167.

([28]) المصدر السابق: 63.

([29]) حسن زارعي متين، مديريت رفتار سازماني (إدارة السلوك في المنظّمات): 47.

([30]) دانييل جولمان، الذكاء العاطفي: 88.

([31]) المصدر السابق: 150 ـ 255.

([32]) ابن منظور، لسان العرب، مادة (ولي).

([33]) لويس معلوف، المنجد (مادة كظم)، مطبعة معراج، إيران ـ طهران، ط2، 1365هـ.ش.

([34]) ابن منظور، لسان العرب، مادة (بثّ).

([35]) إحسان عباس، خصائص الحروف العربية: 62.

([36]) ترافيس برادبيري وجين جريفز، الذكاء العاطفي: 41.

([37]) المصدر السابق: 132.

([38]) دانييل جولمان، الذكاء العاطفي: 150 ـ 255.

([39]) ترافيس برادبيري وجين جريفز، الذكاء العاطفي: 132.

([40]) المصدر السابق: 47.

([41]) المصدر نفسه.

([42]) المصدر السابق: 62.

([43]) المصدر السابق: 68.

([44]) يسرى إبراهيم الرفاعي، الذكاء العاطفي في القرآن الكريم: 56، أطروحة لنيل درجة الماجستير في قسم الدراسات الإسلامية، جامعة مالايا، كوالالمبور، 2013م.

([45]) دانييل جولمان، الذكاء العاطفي: 63.

([46]) ترافيس برادبيري وجين جريفز، الذكاء العاطفي: 147.

([47]) سيد إسحاق حسيني كوهساري، نظرة قرآنية إلى الضغوط النفسية: 78، كانون أنديشه جوان، طهران، ط6، 1383هـ.ش.

([48]) دانييل جولمان، الذكاء العاطفي: 156.

([49]) المصدر السابق: 68.

([50]) المصدر السابق: 156.

([51]) المصدر السابق: 64.

([52]) المصدر السابق: 58.

([53]) المصدر السابق: 41.

([54]) سيد قطب، في ظلال القرآن: 1406، دار الشروق، القاهرة، ط12.

([55]) محمود عكاشة، تحليل الخطاب في نظرية أحداث اللغة: 18، دار النشر للجامعات، القاهرة، 2013م.

([56]) شهره شاهسوندي، تعيير المخاطب في القرآن: 147، پژوهشگاه علوم وفرهنگ إسلامي بوستان كتاب، قم، ط1، 1392هـ.ش.

([57]) رومان جاكبسون، قضايا شعرية: 27 ـ 31، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال للنشر، المغرب، ط1، 1988م.

([58]) فضل حسن عباس، البلاغة فنونها وأفنانها علم المعاني: 318 ـ 319، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان ـ الأردن، ط2، 1989م.

([59]) دانييل جولمان، الذكاء العاطفي: 184.

([60]) محمد عبد الله سعادة، من أسرار النظم القرآني: 124، مكتبة مبارك العامة، القاهرة، 2008م.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً