أحدث المقالات




السيد فضل الله الذي فقدناه

 د.معصومة المبارك

فضل الله هو بالفعل والقول فضل من الله تعالى على الاسلام والمسلمين. وفقده هو بلا شك خسارة للاسلام والمسلمين. العلامة الجليل السيد محمد حسين فضل الله ترك بصمة راسخة واضحة ادركها محبوه واخافت معاديه حتى بعد وفاته. بصمة عنوانها الوسطية الحقة والتسامح الراقي بلا افراط ولا تفريط وباعتدال مقنع يرسله صوت هادئ وتعابير وجه تدلك على مافي العقل من حكمة وما في القلب من اطمئنان.

منذ ان بدأت اقرأ في مجال الفكر الاسلامي سواء الفكر السياسي او الفكر العقائدي واجهد نفسي في المقارنة الموضوعية منذ تلك السنوات الزاخرة بالبحث والتنقيب والتحليل وانا ارصد الاختلاف الواضح بين السيد محمد حسين فضل الله وسائر المتخصصين والمفكرين والعلماء الاسلاميين على اختلاف مواقعهم الفكرية وانتماءاتهم المذهبية وولاء اتهم السياسية. فقد شق عالمنا الجليل (السيد محمد حسين فضل الله) لنفسه طريقا فكريا مختلفا. فهو متحرر من اي عقد تاريخية ومتحرر من اي انتماء مقيد لفكره، فقد كان حرا في حركته الفكرية، حرا في انتمائه المذهبي، حرا في ارتباطه السياسي. نعم هو شيعي المذهب حتى النخاع الا انه لم يكن نسخة فكرية مكررة عن اي من العلماء الذين نعرفهم وقرأنا لهم، فقد كان اصيلا فكريا يستمد قوة حجته في التحليل من عقيدة راسخة قائمة على العلم والتبحر في اصول العقيدة قوي الحجة مقنع في طرحه اديب في انتقاء كلماته وعباراته، مستقل وبقناعة عن الانتماءات السياسية المتضاربة التي تعصف بالمنطقة ككل وبلبنان تحديدا بالرغم من الاتهامات التي ساقها معارضوه وأعداؤه من انه مسير من ايران مرجعية وفكرا سياسيا.

ونقل المفكر كريم مروة في هذا الخصوص عن السيد محمد حسين فضل الله، رحمه الله عليه، انه مفكر مستقل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وانه قال له: «نحن مفكران مختلفان، انت ماركسي مستقل عن مرجعية الاتحاد السوفيتي وانا اسلامي مستقل عن المرجعية في ايران لكن اختلافنا لا يمنع الحوار».

العلامة السيد حسين فضل الله لمن حرص على متابعة حواراته في البرامج التلفزيونية او لمن حرص على قراءة كتبه الدينية وحتى الادبية يتبين له بما لا يدعو للشك انه انسان مؤيد في عصر تعددت فيه الولاءات وتطاحنت فيه المصالح وتجاذبت فيه الاحزاب السياسية والدينية ظل ثابتا على مبادئة واستقلاليته، صريحا في افكاره العقائدية كما هو صريح في اطروحاته السياسية قالها وفي كل الظروف ان العدو الصهيوني كيان قائم على اغتصاب حقوق الغير وسيظل كذلك ولا يجوز الاطمئنان له، لذا فانه رفض وبكل وضوح خطابات المهادنة والملاينة التي اخذ البعض تصريحا او تلميحا في التسويق لها، لذا فانه قد وضع على قائمة الارهاب لدى الادارة الاميركية والصهيونية لانه صريح فهو ارهابي، لانه واضح فهو ارهابي، لانه ثابت على مبادئه فهو ارهابي، ولانه مقنع في طرحه فهو بالتأكيد ارهابي، وحتى بعد وفاته فهو مخيف لمن رفضه في حياته وها هي ادارة الـCNN تدفع احدى مذيعاتها من اصول لبنانية للاستقالة لانها قالت انها تحترم السيد فضل الله ونتيجة للضغط عليها ورغبة منها في استمرار عملها بالمحطة كمسؤولة عن ملف الشرق الاوسط قدمت اوكتافيا نصر اعتذارا تنصلت فيه من احترامها للسيد فضل الله وتراجعت فيه عن رأيها الايجاب فيه.

اما ما يتعلق باثارة الفتن الدينية والطائفية فقد كان رأي السيد محمد حسين فضل الله واضحا وصارما وحازما فيها فقد اعلن انها حرام حرام حرام، ولم يحاول ان يستفيد من هذا الطرف او ذاك من مثيري الفتن في لبنان او غيره من المجتمعات الاسلامية فهو يتمثل قول الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، حيث قال: «الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها» ولم يبحث عن اية مصلحة في اثارتها.

السيد فضل الله هو بالفعل فضل من الله على الاسلام والمسلمين في فكره التنويري المتجدد وفي دعمه للمقاومة في وسطيته وفي اعتداله ولمن اراد ان يستفيد فهو مدرسة فكرية قائمة بذاتها فكره مسطّر في كتبه وفي مقابلاته الصحافية والتلفزيونية وارائه في العديد من القضايا الدينية والدنيوية والسياسية والادبية هي معين لا ينضب لمن يريد ان ينهل منه، فالسيد فضل الله، رحمة الله عليه، هو منهج فكري ومدرسة اخلاقية لن ينتهي اثرها بانتقاله للرفيق الاعلى.. واعداؤه ادركوا ذلك فاستمر عداؤهم له وخشيتهم من افكاره حتى بعد وفاته.. اليس جديرا بمن هم ليسوا اعداء له ان يفتحوا نوافذ عقولهم على المخزون الفكري الذي تركه السيد محمد حسين فضل الله خلفه؟

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً