أحدث المقالات

بقلم: الشيخ محمد عبّاس دهيني

تمهيدٌ

ترجماتٌ صادقةٌ لنتاج فكريٍّ إسلاميّ،

تضعه بين يدَيْ القارئ العربيّ

دوحةٌ غنّاء من المقالات والدراسات

في الفكر الإسلاميّ المعاصر والمتنوِّع،

في التاريخ، والأدب، والتراث،

والقراءات النقديّة

بأقلامٍ بحثيّة واعدة،

وأهدافٍ رساليّة واضحة،

مع الرعاية التامّة لأصول البحث العلميّ

في المنهج، والمنهجيّة، والتوثيق،

وأن لا تكون منشورةً من قبلُ

إنّها مجلّة (نصوص معاصرة)

الفصليّة الورقيّة والإلكترونيّة

www.nosos.net

mdohayni@hotmail.com

كلمة التحرير: عاشوراء، حاجةٌ معرفيّةٌ وسِمَةُ حياةٍ

الكاتب: محمد عبّاس دهيني

أوّلاً: معارف عاشوراء ووظيفتها في المواجهات الحضاريّة

من شأن الحضارات أن تأتلف أو تختلف في جملةٍ من الأفكار والثقافات والمبادئ. لكنّه ليس ضروريّاً أبداً أن ينتهي الاختلاف بينها إلى قتالٍ دامٍ، أو اشتباكٍ إعلاميّ، أو أيِّ شكلٍ من أشكال المواجهة والتحدِّي.

من وَحْي عاشوراء الحسين(ع) يمكننا أن نستفيد جملةً من المبادئ التي تصلح كبِنْيةٍ معرفيّة وثقافيّة لحماية المجتمعات، على تعدُّدها وتنوُّعها، من الوقوع في فخِّ الاستلاب الفكريّ، أو الانهيار الدينيّ والسياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والأمنيّ.

وبما أنّه لا يَسَعُنا الحديث عن جميع هذه المبادئ أختصر بالحديث عن ثلاثةٍ منها، وهي:

1ـ احترام الآخر: حيث لم يكن(ع) ليتعاطى مع أنصار السُّلْطة الغاشمة آنذاك، الذين تجنَّدوا للدفاع عنها، على أنّهم كفّارٌ خرجوا لقتال ابن بنت نبيِّهم، فلا طَمَعَ لهم بعد ذلك في جنَّةٍ أو رحمةٍ إلهيّة.

2ـ استنفاد الجُهْد في الهداية وإقامة الحُجَّة: ففي كلّ موضعٍ يحطّ به في سفره إلى كربلاء خطبةٌ يعِظ بها الناس، ويحذِّرهم من خِذْلانه، ويدعوهم إلى نُصْرته، ويبيِّن لهم مبادئ وأهداف ثورته، وأنّه هو جامع صفات الخليفة والوليّ، ووارث علم وحكمة النبيّ(ص).

رفض الظُّلْم ومواجهة المُنْكَر: في سعيٍ كامل وتامّ لاستنقاذ الناس من براثن الاستعباد المقنَّع، والمؤامرات المدبَّرة، وصولاً إلى الانهيار الدينيّ والسياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والأمنيّ.

ثانياً: مبادئ عاشورائيّة بين الغياب والتغييب

ولعلّ جملةً ـ قلَّتْ أو كثرَتْ ـ من البحوث المتّصلة بعاشوراء والثورة الحسينيّة المباركة لم تَنَلْ حظَّها الوافر من التحقيق والدراسة، فضلاً عن الإعلام والترويج.

فبعيداً عن السيرة وتفاصيلها، التي استغرقَتْ وقت الكثيرين، وشكَّلت جَدَلاً طويلاً بينهم، ورُبَما يكون جَدَلاً عقيماً في الكثير من مواقعه، أودّ الإشارة إلى بعض العناوين التي غابَتْ أو غُيِّبَتْ عن ساحات البحث والتحقيق:

1ـ علاقة الثورة ببناء المجتمع الحُرّ الكريم: حيث نجح(ع) في بَذْر فكرة المواجهة للحاكم الجائر في عقول المسلمين، بحيث لا يقعون بعد ذلك تحت تأثير فكرة التسليم المطلق للخليفة والحاكم. إذن أرادَتْ الثورة أن يكون المجتمع على شكلٍ محدَّد من العزّة والكرامة، والاحترام والحُرِّيّة، فمتى نزل عن تلك الرُّتْبة فعليه أن يثور، ولو تطلَّب ذلك منه بَذْل الدماء، ومواجهة كافَّة الأخطار.

2ـ علاقة الثورة بالأمن الفرديّ والاجتماعيّ: إذ عندما يفقد المواطن الأمن في بلده يتشتَّت ذهنُه، ويضعف نتاجه الفكريّ والعلميّ والاقتصاديّ و…

3ـ العلاقة بين القائد وأنصاره: حيث يكون عَرْضٌ كامل ودائم لمَجْرَيات الأحداث والوقائع، ثمّ يترك للناس كامل الاختيار في اتِّخاذ الموقف المناسب لهم. فمع حاجته إلى الناصر والمعين يسمح لأتباعه بمفارقته؛ فالقائد الإسلاميّ لا يُجْبِر أحداً على الالتحاق به في معركةٍ قرارُها ليس بيده.

4ـ الاعتزال الإيجابيّ: فحيث تُقْفَل كلُّ أبواب المواجهة المتكافئة، وتضيق المخارجُ إلى النَّصْر، هناك خطوةٌ لا بُدَّ للمؤمن أن يستفيد منها في حركته ضدّ الظلم والطغيان، وهي الاعتزال الإيجابيّ، حيث يفرّ بدينه وفكره ومبادئه إلى جهةٍ آمنة، فلا يبايع، ويشهد الظُّلْم، ويسكت عنه، ولا يَشْهَر السلاح في معركةٍ خاسرة حَتْماً، تَبَعاً لموازين القوى المادّيّة.

ثالثاً: الطرح الفلسفيّ حول عاشوراء

وللفيلسوف الحقّ كلَّه في تقديم قراءةٍ خاصّة به للثورة الحسينيّة المباركة، وذلك عبر أسئلةٍ وإشكاليّاتٍ عديدة، من قبيل: هل يرضى الله لعباده أن يعيشوا في كَنَف الاستعباد والاستضعاف والاستخفاف الذي يريده لهم السلطان الجائر؟ هل حياة الإنسان أهمّ من كرامته، أو العكس هو الصحيح؟ ما هو الهَدَف من هذه الحياة الدنيا؟ ما هي المبادئ الأخلاقيّة التي ينبغي أن يحميها الإنسان مهما غَلَتْ التضحيات؟ هل القتل في سبيل الله، وفي سبيل المُثُل الإنسانيّة والقِيَم الأخلاقيّة، قبيحٌ أو جميل؟

إنّها أسئلةٌ مشروعة تستحقّ إجاباتٍ وافيةً ومُحْكَمة، دقيقةً وعميقة، ويمكن للفلسفة أن تتكفَّل بها.

رابعاً: عاشوراء في قراءةٍ علميّة تاريخيّة وواقعيّة

وتقديم مثل هذه القراءة واجبٌ متعيِّن؛ كي لا تبقى مجرّد معركةٍ في التاريخ، غير قابلةٍ للتكرار، وإنّما هي ملحمةٌ دينية إصلاحيّة وقعَتْ في زمنٍ مضى، غير أنها تمثِّل أيقونةً لكلّ ثورةٍ ضدّ الظلم والطغيان، وأسوةً وقدوةً لكلّ حُرٍّ شريف، يرفض الظلم ويأبى الذلّ والهوان.

وإن الاهتمامَ بالثورة الحسينية يفتقر اليوم ـ بنسبةٍ ما ـ إلى الكتابات العلميّة الرصينة، ذات البُعْد الأكاديميّ التحقيقيّ، أعني الكتابات البحثيّة التحليليّة والتحقيقيّة، التي ترقى بالثورة إلى مستوى العالَميّة، ومخاطبة الوجدان البشريّ أجمع.

خامساً: الثورة الحسينيّة وسِمَةُ التجدُّد والحياة

إنّ ثورة الحسين(ع) حَدَثٌ تاريخيّ، لكنّها ذاتُ أبعادٍ عديدة، تجعل منها حَدَثاً حاضراً في كلِّ عَصْرٍ؛ ليُستفاد منه على كلِّ الصعد، ولكنْ دون الوقوع في شراك الإسقاط أو الاجتزاء.

ملفّ العدد: مقولاتٌ إشكاليّة في الأديان الإبراهيميّة، دراساتٌ مقارنة /2/

المقالة الأولى: الخطيئة الأولى للإنسان بين المسيحيّة والإسلام

الكاتب: د. مجيد ملاّ يوسفي / د. داوود معماري؛ المترجم: وسيم حيدر

1ـ هناك تصريحٌ في كلٍّ من القرآن الكريم والكتاب المقدَّس بخطيئة آدم، المتمثِّلة بانتهاكه للنهي الإلهيّ عن الاقتراب من الشجرة المحظورة والمحرَّمة.

2ـ ذهب شارحو الكتاب المقدَّس إلى اعتبار آدم مذنباً وخاطئاً؛ في حين ذهب المفسِّرون للقرآن إلى القول بإرشادية النهي الإلهيّ في مورد آدم، واعتباره وارداً بداعي الاختبار، وبذلك لا تكون مخالفة آدم منافيةً لعصمته.

3ـ يذهب الكتاب المقدَّس ـ طبقاً لتفسير علماء اللاهوت المسيحي ـ إلى انتقال الخطيئة إلى ذرّية آدم، ويعتبر الخطيئة من ذاتيّات الإنسان؛ بَيْدَ أن القرآن الكريم يرى كلَّ شخصٍ مسؤولاً عن عمله، ويقول بأن الإنسان طاهرٌ بالفطرة، وإن الخطيئة طارئة على الإنسان، وأما الدافع إلى الخطيئة فهو من ذاتيّاته.

4ـ يذهب الكتاب المقدَّس إلى اعتبار الموت وبعض مشقّات وآلام الحياة في الدنيا عقوبةً وتَبِعةً من تَبِعات خطيئة آدم؛ إلاّ أن القرآن الكريم يرى في هبوط آدم وابتلائه بهذه الظواهر أثراً وضعيّاً وطبيعيّاً لخطيئته.

5ـ يرى الكتاب المقدّس أن حوّاء هي التي حثَّتْ آدم على ارتكاب الخطيئة، وأن آدم كان مجرَّد تابعٍ لها في هذه الخطيئة؛ ولكن القرآن الكريم يجمع بينهما في إثبات دَوْرٍ لكلٍّ منهما في جميع المراحل، من الوقوع في خديعة الشيطان، والطرد من الجنّة، والتوبة، والهبوط إلى الأرض.

6ـ يعتبر القرآن الكريم قصّة آدم نموذجاً لجميع البشر في جميع مراحل التاريخ؛ ليتبيَّنوا بذلك عداوة الشيطان لهم؛ ويتجنَّبوا الوقوع في دَنَس الخطيئة؛ ويهتدوا إلى طريق العودة إلى الله والجنّة الموعودة (التوبة)؛ في حين يرى الكتاب المقدَّس أن الإيمان بالسيد المسيح ـ بوصفه مفتدياً لخطيئة آدم والبشرية بنفسه ـ هو الطريق الوحيد لعودة الإنسان إلى مكانته الأولى.

المقالة الثانية: حقوق الحيوان في الرؤية الكونيّة للإسلام والزرادشتيّة

الكاتب: أ. محمد ملائي / د. محمد جواد أصغري؛ المترجم: حسن طاهر

النقطة الأصلية في الاختلاف بين حقوق الحيوان في الإسلام والزرادشتية تكمن في الرؤية الكونية التي تخصّ كلّ دينٍ في ما يتعلَّق بمفاهيم الله وموقع الشرّ والخير، ومدى قدرة كلٍّ منهما على التأثير في نظام الخلق، وتفسير الكرامة الإنسانية بالمقارنة بالمخلوقات الأخرى. يمكن لكلّ مؤمنٍ زرادشتي أو مسلم، من خلال نظرته إلى حقوق الحيوانات من داخل الإطار الدينيّ الذي يصنِّف نفسه فيه، أن يعتبر نفسه أكثر مراعاة وتسامحاً في تعامله مع سائر الكائنات. ولكنْ من وجهة نظر شخصٍ ثالث، من خارج هذين الدِّينَيْن، يريد أن يقارن بين حقوق الكائنات الحيّة في كلٍّ منهما يمكن القول: إن الإسلام بشكلٍ عامّ يمنح حقوقاً أكثر ومكانةً أكبر للحيوانات؛ لأن القاعدة العامّة للإسلام في التعامل مع الكائنات الحيّة هي أنها جميعاً من خلق الله، وما الشرُّ فيها إلاّ نتيجةٌ لتضارب المصالح بين البشر وبقيّة المخلوقات. ولذلك إذا كان يبدو أن بعض الحيوانات لا تفيد الإنسان فلا ينبغي إغفال دَوْرها في نظام الخلق. ولا ينبغي للإنسان أن يقيس خيريّة الحيوانات وشرّها وفقاً لمصلحته الشخصيّة، ويعمل على قتلها بدون سببٍ. كلُّ الكائنات في العالم خيِّرةٌ، ولا يجوز قتل حيوان ممّا يُؤكَل لحمه لأنه مؤذٍ فقط، إلاّ في حال شكَّل وجوده خطراً على الإنسان. لكنّ حقوق الحيوانات في الديانة الزرادشتية، التي هي ثمرة تغلغل قوّة الشرّ والقذارة وتأثيرها في أجسام وأرواح الحيوانات، وكذلك القول بمبدأين أوّليين للخلق، يتعلَّق بمقدار خيريّتها، وهذا الأخير يُقاس بالنفع الذي يمكن أن يعود من كلّ حيوان على الإنسان.

وبالتالي يقسِّم الدين الزرادشتي الحيوانات إلى ثلاث مجموعات: مقدّسة؛ مباحة؛ مكروهة. ولا يوجد انسجامٌ في الحقوق الممنوحة لكلٍّ منها. فلحيوانات المجموعة الأولى من الحقوق والامتيازات ما يقترب من العبادة الطوطمية، في حين أن المجموعة الثالثة تفتقد حتّى إلى حقّ الحياة، الذي يُعتبر الحقّ الأوّل لكلّ كائنٍ حيّ، ويجب قتلها حتّى لو لم تكن تتقصَّد فعلاً إيذاء البشر.

المقالة الثالثة: ارتباط العمل الصالح بالإيمان، عند توما الأكويني وجون هيك والطباطبائي

الكاتب: أ. جواد أكبري مطلق / د. محمد علي شمالي؛ المترجم: فرقد الجزائري

يبدو للوَهْلة الأولى أن تلازم الإيمان والعمل الصالح أمرٌ بديهيّ، لكنّ هذه العلاقة من النوع السهل الممتنع. فضرورة صلاح العمل ليكون سبيلاً للحياة الطيبة تطرح هذا السؤال: هل الصلاح ذاتيٌّ في العمل أم يستمدّ العمل ذلك من أمرٍ آخر؟ إذا كان ذاتيّاً فهل هو ذو قيمةٍ؟ وإذا استمدّ صلاحه من أمرٍ آخر ففي حال غيابه هل للعمل قيمةٌ بحدّ ذاته أو يصبح فاقداً للقيمة؟ وإذا كان العمل قيِّماً بحدّ ذاته فما الذي يجعله قيِّماً؟

والهدف وراء هذه الأسئلة هو:

أوّلاً: بيان الفَرْق بين قيمة العمل وصلاح العمل. فالإجابة بالسلب أو الإيجاب على أيٍّ من هذه الأسئلة يعطي صورةً مغايرة للعلاقة بين الإيمان والعمل الصالح.

ثانياً: يسعى المقال إلى فَرْز الرأي المختار في هذا الموضوع، عبر دراسةٍ تطبيقية لنظرية الإسلام والمسيحيّة، من خلال شرح نظرية العلاّمة الطباطبائي، ومقارنتها بآراء توما الأكويني؛ وجون هيك، من مفكِّري الكاثوليكية والبروتستانتية.

وإن التمعُّن في آراء هؤلاء المفكِّرين يرشدنا إلى ما يلي:

1ـ بناءً على ما ورد في الكتاب المقدَّس للمسيحيّين، وآراء اثنين من عظماء مفكِّريهم، لا محلَّ للعمل الصالح في موضوع الإيمان. فقيمة العمل الصالح تأتي من باب الالتزام بالشؤون الأخلاقية، والشريعة مانعٌ في طريق الإنسان؛ فما من أحدٍ يمكنه تحقيق الكمال في تطبيق أوامر الله. لذلك افتدى الله الناس بعيسى(ع)، ليكفِّر عن الإثم الأوّل، ولا يحتاج الإنسان إلى شريعةٍ.

2ـ صلاح العمل وفساده ليس ذاتيّاً، بل يتبع النيّة. كما أن غير المؤمن يمكن أن يُحْسَب له عملٌ صالح. فللأعمال تأثيرٌ كوني، وبمجرّد عدم الإيمان لا يُمْحَى أثر العمل. وفي النهاية إحباط أعمال غير المؤمنين ومَحْو أثرها لا ينسجم والعدل الإلهي.

كما لا يمكن استنتاج سبب إحباط عمل الكفّار من أقوال العلاّمة الطباطبائي، وإنْ اعتبر في بعض المواضع الكفّار أنفسهم سبباً في إحباط أعمالهم، لكنّه لم يوضِّح هل أن كافّة أعمالهم محبطةٌ أو بعضها؟ وهل عمل جميع الكفّار يُحْبَط أو بعضهم؟ وهل إحباط جميع أعمالهم؛ بسبب الكفر، ينسجم مع العدل الإلهيّ؟ وإنْ أُحْبِطَتْ بعض أعمالهم فهل للبقية أثرٌ في نَيْلهم الحياة الطيّبة؟ وإنْ أُحْبِطَتْ أعمال جميع الكفّار فما هو حكم مَنْ لم يؤمن منهم؛ بسبب جهله وعدم معرفته؟

بالطبع ما صرَّح به العلاّمة الطباطبائي يريد به علماء أهل الكتاب، الذين يؤمنون ببعض ما أمر الله به ويصدُّون عن بعضٍ، مع علمهم بأن كلّ أوامر الله حقٌّ. لكنْ لم نجِدْ أجوبةً شافية لهذه التساؤلات في كتابات العلاّمة.

ويمكن بيان نتيجة هذا البحث في معنى أربع كلمات، أي: الإيمان، العمل الصالح، القيمة، والنيّة، وعلاقتها ببعضها.

أوّلاً: كافّة المفكِّرين على اعتقادٍ بأن الإيمان أمرٌ قلبي، أما تبرير المسيحيّة لإخراج العمل من دائرة الإيمان فغيرُ مقبولٍ؛ وإنْ كان العمل الكامل غيرَ قابلٍ للتحقُّق فلا ينبغي ترك القَدْر المستطاع منه.

ثانياً: يعتقد العلاّمة الطباطبائي بأن العمل الصالح هو المظهر الخارجي للإيمان، كما يجد صلاح العمل ذاتيّاً. فهو يميِّز بين صلاحية العمل وقيمته؛ فالعمل بدون الإيمان يكون صالحاً، لكنْ لا قيمة له. وبعبارةٍ أخرى: يعتبر النسبة بين العمل الصالح وقيمة العمل هي العموم والخصوص المطلق؛ أي كلّ عملٍ قيِّم صالحٌ، لكنْ ليس كلُّ عملٍ صالح قَيِّمٌ.

أما المفكِّران المسيحيّان فرأيهما أقرب ما يكون إلى رأي الشهيد مطهَّري ـ الذي يوافق العلاّمة الطباطبائي في ذاتيّة صلاح العمل؛ ولكنّه يعتقد بأن عمل غير المؤمن قيّمٌ، وتفيد أحاديثه بأن كلّ عملٍ حَسَنٍ بنيّة خدمة الناس هو عملٌ قيّمٌ ـ، لكنّهما لا يُقرّان محلاًّ للعمل الصالح في دائرة الإيمان.

المقالة الرابعة: الديانة الزرادشتيّة بين الشرائعيّة وعدمها

الكاتب: السيد محمد حاجتي شوركي / د. حسين نقوي؛ المترجم: فرقد الجزائري

إن وضع الأحكام والقوانين في الأديان مقدّمة لنيل التكامل والسعادة الأبدية، فكما يقول الموبذ خورشيديان: «الأمر القطعي هو أن لجميع الأديان الجَوْهر ذاته؛ فكلها صدرت عن مبدأ واحد، ومقصد جميعها الوصول إلى الله». ويستوجب تحقيق هذا الهدف أن يرسل الله، خالق الخلق والعالم بمصلحة الإنسان، أحكامه بواسطة الأنبياء إلى الناس، فالشريعة دون الاتصال بالوَحْي الإلهيّ لا يمكنها إيصال الإنسان إلى المقصد المنشود.

الشريعة في الديانة الزرادشتية، قديماً أو حاضراً أو مستقبلاً، تفتقر إلى سَنَدٍ محكمٍ وأساسٍ دينيّ رصين. كما أنها لا ترتبط بمصدرٍ من الوَحْي الإلهيّ والسماويّ. والشريعة تكون أداةً لتكامل الإنسان وتقرُّبه إلى الله إنْ صدرَتْ عن وَحْيٍ إلهيّ، وكانت مصونةً من أيّ خطأ ونقصان. والسبب وراء كلّ هذا التحوُّل والتغيير في أحكام الديانة الزرادشتية وقوانينها وطقوسها إلى اليوم هو أنها من وَضْع البشر، ولم يَأْتِ بها وَحْيٌ أو ينزل بها قَوْلٌ من الله. بعض الأحكام والقوانين كانت عُرْضَةً لتحريف القدماء، فأصبحت مزيجاً من الوَهْم والخرافة الشائعة في الماضي، وطالها اليوم التغيير والتحوُّل، وبتعبير الموبذين الزرادشت: لا زال التغيير والإصلاح جارياً في الأحكام والقوانين. وقد تبيَّن في نصّ المقالة أن أتباع الديانة الزرادشتية لم يعودوا يلتزمون بجزءٍ من الشرائع المذكورة في نصوصهم الدينية المقدَّسة، بل يتهرَّبون منها، ولذلك الديانة الزرادشتية اليوم أقرب إلى اللا شرائعية.

المقالة الخامسة: «العهد» وأقسامه، في الكتاب المقدَّس والقرآن الكريم

الكاتب: د. دل آرا نعمتي پير علي؛ المترجم: د. حسن نصر الله

يشير المعنى الأصليّ لكلمة «عهد» إلى الاحتفاظ الدائم بشيءٍ ما. وعليه استُخدمَتْ هذه الكلمة في القرآن الكريم لتعني الميثاق؛ بما أن العهد هو ميثاقٌ بين طرفين؛ أحدهما: الله؛ والآخر: الإنسان.

وعهد الله مع الإنسان على صورتين: باطنية؛ وقولية.

وعهد الله الباطني أو الذاتي مع الإنسان هو منصب الإمامة، المسبوق بإتمام الكلمات، ووصول الإنسان إلى حقيقة الملكوت، والأعيان الثابتة للموجودات.

لكنّ عهد الله القولي مع الإنسان، المتعدّي لفظاً بحرف الجرّ «إلى»، فيعني تنزيل وإبلاغ الأوامر والأحكام الإلهية، التي ورد ذِكْرُها في بعض الآيات على أنها النهي عن الشِّرْك، والقيام بفروض العبادة الخالصة.

ولا شَكَّ أن إيفاءه حقَّه لا يتمّ إلاّ بالتسليم لما جاء به الأنبياء وتعاليم الكتب السماوية، وخاصّة النبيّ الأكرم(ص) والقرآن الكريم.

وكذلك لعهد الإنسان مع الله صورتان: عهدٌ قوليّ، يشمل جميع بنود العهد مع الله والعباد، بما في ذلك المعاملات والمعاهدات، والعلاقات، والروابط البشرية، والنذور، ومراعاة العدل في القول والعمل، وسوى ذلك؛ والعهد الباطني للإنسان مع الله عبارةٌ عن حالةٍ داخلية تحصل نتيجة الإيمان الراسخ، وإدراك حقيقة العبودية، وتؤدّي إلى الثبات على الإيمان، والاستقامة في العقائد والأعمال، والمجاهدات في طريق الله.

يحاول ـ في مثل هذه الحالة ـ المؤمنون الصادقون، الملتزمون بجميع الواجبات العقائدية والعملية، إقامةَ أفضل ارتباطٍ مع الله والأنبياء والبشر، ومع أنفسهم، ويؤدّون حقَّ هذا الارتباط.

بينما عهد الله ـ في العهد القديم ـ هو دائماً قائمٌ بين طرفين: الله؛ والإنسان.

وبغضّ النظر عن حقيقة أن العهد مع موسى كان عهداً بين الله وبني إسرائيل فقد تمّ التأكيد على عنصر طاعة الإنسان والتزامه بالتكاليف الدينيّة والشرعية. وترافق هذا التأكيد في عهد الإنسان مع الله، وعهد الله مع الإنسان، بموضوع قطع العهد، وهو عبارةٌ عن تقديم الأضاحي وإهداء دمائها في محضر الله.

وقد تمّ التخلّي في العهد الجديد عن مفهوم العهد، من كونه التزام الإنسان بالتكاليف الإلهيّة إلى التحرُّر من نَيْر الناموس، وأصبحَتْ قواعد هذا العهد الجديد وعناصره الأساسية تتجلّى في التزام الإنسان بالإيمان، ومحبّة المسيح، وحقيقة صلبه. والنتيجةُ هي اتّحاد المؤمنين في المسيح.

ويمكن التعبير ـ بشكلٍ عامّ ـ عن أوجه الشبه والاختلاف بين مفهوم العهد في القرآن والعهدين في أوجه الشبه أو الاختلاف في شرح وتحديد طريقة التقرُّب من الله؛ حيث يُعتَبَر الالتزام بالشرع الإلهيّ، ومحوريّة التكليف، العنصر الأساس في عهد الله مع الإنسان وعهد الإنسان مع الله، وذلك في القرآن الكريم والعهد القديم، والذي يتضمَّن الإفاضة والعطاء من قِبَل الله والطاعة من قِبَل الإنسان. ومن هنا، وبغضّ النظر عن الاختلاف بين هذين النصّين المقدَّسين في التفاصيل والمتطلّبات، فإنهما متشابهان في تقوية علاقة الإنسان بالله من خلال الاهتمام بالتكاليف الإلهية المقرّرة، والالتزام بها؛ بينما اعتبر العهد الجديد ـ من خلال تغيُّر مفهوم العهد من التعهُّد بالطاعة والتسليم إلى التعهُّد بالمحبّة والإيمان بالمسيح ـ أن الالتزام بالشريعة الإلهيّة لا يفيد الإنسان في التقرُّب من الله، بل أيضاً يُعَدّ التحرُّر منها عاملاً مساعداً في نَيْل مقام القُرْب والفَيْض الإلهيّ.

المقالة السادسة: قصّة خلق آدم وحوّاء، دراسةٌ مقارِنة بين العهد القديم والقرآن الكريم

الكاتب: د. أمير خواص؛ المترجم: حسن نصر

تُروى قصّة خَلْق آدم وحوّاء على أنها بداية خَلْق الإنسان في الكتاب السماويّ القرآن، وكذلك في العهد القديم. وبالنظر إلى أن الديانتين الإبراهيميّتين: الإسلام؛ واليهودية، متجذِّرتان في الوَحْي الإلهيّ فلا ينبغي أن يكون هناك فَرْقٌ بين رواية هذين الكتابين لقصّة خلق آدم وحوّاء. ولكنْ من خلال دراسة ماحكاه هذان الكتابان من القصّة نرى اختلافاتٍ كثيرة، تظهر على سبيل التحريف في العهد القديم؛ لأن هناك أسباباً مقنعة بأن القرآن الكريم في مأمنٍ من التحريف، لكنّها ليست في العهد القديم. وعلى الرغم من أن اليهود الأرثوذكس يعتقدون أن كتابهم لم يتمّ تحريفه، إلاّ أن هناك أدلّةً كثيرة تشير إلى عكس ذلك، ومن ضمنها القصّة نفسها. وبالطبع هناك الكثير من أوجه الشَّبَه في رواية كلا الكتابين لهذه القصّة.

ويمكن الاستنتاج من قصّة آدم وحواء في العهد القديم أن خَلْقهما كان من قِبَل الله. لكنْ هناك عدّةُ نقاطٍ في هذه القصّة لا تناسب شأن الله تعالى باعتباره الكمال المطلق. وهذا دليلٌ على تصرُّف اليد البشريّة في العهد القديم، ولا يوجد أثرٌ للبراعة الجمالية أو الحقائق أو المعارف السامية في هذه القصّة.

لكنّ القرآن الكريم، بسَرْده لقصّة خلق آدم وحوّاء، لا يسعى فقط إلى سَرْد قصّةٍ وحَدَثٍ، بل يعلِّم من خلالها الكثير من الحقائق والأسرار، ويعبِّر عن كرامة الإنسان الذاتية، وشرفه على جميع الكائنات. ولا يوجد في القرآن أيّ موضوعٍ هابط لا يكون متوافقاً مع مقام الربوبية المنزَّه.

المقالة السابعة: الجنّة، المفهوم المشترك في اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام

الكاتب: د. آزاده عبّاسي؛ المترجم: حسن طاهر

تستمرّ حياة الإنسان بعد الموت بحَسَب تعاليم الأديان الإلهية. ورغم أن الاعتقاد بالمعاد، جَسَديّاً كان أم روحيّاً، من أهمّ أركان تلك الأديان، إلاّ أن ثمّة اختلافاتٍ في طبيعة النظرة لكيفية الحياة الأخروية. وتُعَدّ «الجنّة»، باعتبارها أحد الأجزاء المهمّة في حياة الدار الباقية، إحدى العقائد المشتركة بين الإسلام والمسيحيّة. الجنّة عبارةٌ عن المكان الذي تذهب إليه أرواح المحسنين. وفي الوقت الذي تعطي الأديان الإلهية للجنّة مكانةً عليا، فإنها تتجنَّب بطريقةٍ ما تحديد مكانٍ معين لها. تُقدَّم الجنّة على أنها مكان النعيم الأبديّ. توجد الكثير من الاختلافات في وجهات النظر لدى الأديان الإلهيّة في ما يتعلَّق بموضوع الزواج في الجنّة. كما تعتبر جنّة آدم وحوّاء من القواسم المشتركة بين الأديان الإلهية، ولكنْ ثمّة الكثير من الخلاف حول مكانها. وتهدف هذه الدراسة إلى مناقشة المعتقدات المشتركة بين الإسلام والمسيحيّة في ما يتعلَّق بالجنّة، وبحث الاختلافات بينهما. وعليه سوف يتمّ الرد على الشبهة المُثارة حول أن الجنة الموصوفة في القرآن تطابق ميول وشهوات عصر نزول القرآن.

وكما أن الله في الأديان الإلهيّة هو بداية كلّ شيءٍ، كذلك هو نهاية كلّ شيءٍ. يبدأ خطّ السَّيْر الوجوديّ للإنسان في جميع الديانات التوحيدية بالله، وينتهي به. لا تنتهي حياة الإنسان من وجهة نظر الأديان الإلهية في هذا العالم، وإنما ترسم هذه الأديان صورة الحياة الآخرة لأتباعها، حيث تكون الجنّة هي مسكن الصالحين والأتقياء والمؤمنين الحقيقيين.

مكان الجنّة الحقيقيّ غير معروف على وجه اليقين. والمؤكَّد فقط هو علوّ رتبتها ومكانتها. نعيم الجنة خالدٌ، وأهل الجنّة خالدون في الجنّة إلى الأبد، وهي بالنسبة إليهم مكانٌ للسرور والسعادة الأبدية.

ذَكَرَتْ الأديان الإلهية، من خلال إيراد أسماء مختلفة للجنّة، نِعَمها المادّية والمعنوية. وعلى الرغم من الآراء العديدة والمختلفة حول جزئيّات الجنّة، إلاّ أن هذه الاختلافات لا تضرّ بأصل مسألة الجنّة ونِعَمها الأبدية. والشيء المؤكَّد أن الجنّة جزءٌ لا يتجزّأ من الدار الباقية، ومكانٌ للصالحين.

وما يمكن استخلاصُه بوضوحٍ من هذا المقال هو أن الجنّة ونِعَمها ليست مقصورةً على دين الإسلام. ولم يذكر الله هذه النِّعَم في القرآن الكريم فقط بما يتوافق مع رَغَبات العَرَب. ولهذا فإن القول بأن نِعَم الجنّة كانت تتناسب مع حال الناس وقت نزول القرآن ليس صحيحاً. وبعبارةٍ أخرى: من خلال النقاط التي أُثيرَتْ في هذا المقال يتّضح أن التمتُّع بنعيم الجنّة، وخاصّة النِّعَم المادّية، لا يخصّ الإسلام والقرآن؛ إذ لم يقطع الوَعْد للمسلمين فقط بالفردوس الأعلى، وإنّما هذا هو الحال أيضاً في تعاليم الأديان الإلهيّة الأخرى. وهذه النقطة هي الجواب الرئيس والمهمّ للظّانّ بأن وَصْف القرآن للجنّة كان متوافقاً مع ذَوْق وفَهْم العرب في زمن نزول القرآن! وتُظْهِر هذه الدراسة أن الحياة بعد الدنيا والجنّة قد ذُكرَتْ في جميع الأديان الإلهيّة، وتفاصيلها متشابهةٌ في الأديان المختلفة.

دراسات

الدراسة الأولى: الاستدارة الهرمنيوطيقيّة في اللاهوت الحديث

الكاتب: أ. محمد مجتهد شبستري؛ المترجم: مرقال هاشم

يدور بَحْثي هنا بشكلٍ رئيس حول نوعٍ من الأبحاث الفلسفية الخاصّة بأوروبا المركزية والقارّية. ولبيان بَحْثي أحتاج إلى ذكر عددٍ من المقدّمات على سبيل التوطئة والتمهيد:

المقدّمة الأولى: إننا نعيش في عالمٍ تهاوَتْ فيه الحدود بين اللاهوت والأديان، بحيث ما عاد بالإمكان التمييز بين حدود ما هو من صلب الدين وبين ما هو من خارج الدين في جميع الموارد بشكلٍ واضح، ولم يَعُدْ القَطْع والجَزْم القديم قائماً في عصرنا الحاضر. ومن هنا صار بالإمكان التجسير بين ثيولوجيا وثيولوجيا مغايرة، والقيام بتحليل المفهوم الموجود في الثيولوجيا الأخرى على غرار الأولى.

المقدّمة الثانية: هناك في اللغتين العربية والفارسية مصطلحٌ باسم (الوَحْي). وإن هذا الـ (Offenbarung) في اللاهوت المسيحي يتحدَّث عن ظهور الله للإنسان؛ من أجل التكامل أو التطهير أو نجاة الإنسان. وبحثنا هنا لا يدور حول الوَحْي بمعناه الشائع في اللاهوت الإسلاميّ، بل موضوع بحثنا يدور حول الـ (Offenbarung) بمعناه المفهوم عند المتألِّهين المسيحيّين

المقدّمة الثالثة: إن الأبحاث الثيولوجية في اللاهوت المسيحي الحديث لا تقوم على تصوُّرٍ رمزيّ أو مجازيّ عن العالَم؛ لتكون بصدد البحث عما إذا كان هذا الرمز (الذي يُسمّى عالماً) يستند إلى شيءٍ أم لا؟ وما هو ظاهره وباطنه؟ وما إلى ذلك. إن هذا الكلام لا يتمّ تداوله في اللاهوت المسيحيّ الحديث.

المقدّمة الرابعة: إن الإيمان في اللاهوت المسيحي الحديث لا يعني الاعتقاد بالقضايا المطابقة للواقع، أي إنه لا يتمّ طرح الإيمان بوصفه سلسلة من القضايا المحدّدة المتطابقة مع الواقع، وإنما المطروح هو نوعٌ من التوجُّه أو الاتّجاه المحدَّد. إن هذا اتّجاهٌ هرمنيوطيقي. وعلى هذا الأساس فإن الإيمان في اللاهوت المسيحيّ الحديث ليس اعتقاداً بصورة عن واقعية القضايا التي تقدِّم صورة عن الواقعية. إن اللاهوت المسيحي الحديث هو الكلام المسؤول عن هذا التوجُّه المحدَّد والاتجاه التفسيري الذي يحتوي على قابلية الحوار والبحث العقلانيّ.

المقدّمة الخامسة: إن اللاهوت المسيحي الحديث ـ بخلاف اللاهوت المسيحيّ التقليدي ـ يخلو من الأبحاث التي تعمل على وصف الله وتعريفه. وإنما يتمّ تركيز البحث على أفعال الله؛ حيث يتمّ البحث في اللاهوت المسيحيّ الحديث عن: ماذا فعل الله؟ وماذا يفعل الآن؟ وماذا سيفعل في المستقبل؟

المقدّمة السادسة: إن «اللاهوت» المسيحي يختلف كثيراً عن ذلك المفهوم الذي تبلور في العالم الإسلامي تحت عنوان «الكلام والإلهيّات». إن اللاهوت المسيحي «الثيولوجيا» يعني معرفة الله؛ وأما الكلام الإسلاميّ فلا يعني معرفة الله، وإنما يحتوي على عناصر ومقوِّمات أخرى.

وفي بداية الأمر، حيث تمّ تأسيس العناصر الأصلية المكوِّنة للاهوت المسيحي التقليدي على يد آباء الكنيسة، كان الفَهْم يقوم على أن الـ (Offenbarung) عبارةٌ عن سلسلةٍ من المعلومات تُعطى إلى الإنسان من قِبَل الله.

وفي المرحلة الثانية قالوا: إن الأمر ليس كذلك، ولا سيَّما في بداية ظهور الفلسفات الوجودية، حيث قالوا: إن الـ (Offenbarung) ليس مجموعة من المعلومات التي يقدِّمها الله ويضعها تحت تصرُّف الإنسان، وإنما الـ (Offenbarung) عبارةٌ عن تجلّي وظهور الله للإنسان من طريق ظهور السيد المسيح، بمعنى أن الـ (Offenbarung) هو ذات هذا التجلّي والظهور، ولا يقوم أساسه على القضايا الصادقة، وإنما هو يقوم على حادثةٍ.

إن التحوُّل الثالث الذي طرأ على معنى الـ (Offenbarung) هو أن الانكشاف لا يمكن أن يكون بمعنى انكشاف الله وظهوره في عالم الخارج، وفي حادثةٍ معيّنة. إن هذا الرأي ينطوي على الكثير من المشاكل الفلسفية وغير الفلسفية، بل الأمر على هذه الشاكلة، وهو أن الإنسان يحصل على معرفةٍ أو تجربة عن الله، ويُعبِّر عنها الإنسان بـ (Offenbarung)، وهذا التعبير عبارةٌ عن تفسير. إن المعرفة التي تظهر للإنسان يعمل على تفسيرها بأنها انكشافٌ لله. هذا تفسيرٌ للتجربة التي أدركها الإنسان. وهذا هو الكلام الأخير الذي يتمّ بحثه حول هذا الأمر في اللاهوت المسيحيّ الحديث.

وفي هذه المقالة نسعى إلى بيان طريقة ظهور هذا التحوُّل الثالث إلى حدٍّ ما، في محاولةٍ منا لإيضاح ما نريد قوله. وهذا هو المقصود من الاستدارة الهرمنيوطيقية في اللاهوت الحديث.

الدراسة الثانية: حدوث العالم، قراءةٌ في نظريّتَيْ الداماد والملاّ صدرا

الكاتب: د. الشيخ أحمد عابدي / السيد عبد اللطيف مواق

مسألة قِدَم العالم وحدوثه من المسائل الفلسفية العقائدية التي وقع فيها نزاعٌ طويل بين الفلاسفة والمتكلِّمين، حيث أثبت السيد الداماد الانفكاك العينيّ (الوعائي) بين واجب الوجود وعالم الإمكان في متن الواقع، وهو المعبَّر عنه بالحدوث الدَّهْري (تقدُّم وعاءٍ على وعاءٍ آخر)، وليس الانفكاك فقط في المرتبة العقلية، كما يدَّعيه الفلاسفة، أو انفكاكاً زمانيّاً، كما يدَّعيه المتكلِّمون، بعدّة براهين، معتمداً على مفهومه للدَّهْر، الذي يمثِّل محور نظريّته حول الحدوث الدَّهْري. أما الملاّ صدرا فقد ابتكر نظريّةً تتماشى مع مبناه في الحركة الجوهرية؛ حيث يرى أن حدوث العالم هو حدوثٌ زمانيّ، لكنْ لا كما قال به المتكلِّمون، فالملاّ صدرا لا يرى ـ كما يرى المتكلِّمون ـ أن للحدوث بدايةً، وإنما كلّ حادثٍ قبله حادثٌ، وهكذا إلى ما لا نهاية.

استطاع السيد الداماد أن يؤسِّس نظريّةً برهانيّة، وهي الحدوث الدَّهْري المعتمد على المفهوم الدامادي للدهر. إن نظرية الحدوث الدهريّ لعبَتْ دَوْراً مهمّاً في إزالة المقابلة بين الفلاسفة والفقهاء، وذلك أن نظرية الحدوث الدهري لم يكتَفِ صاحبها بالبَرْهنة عليها، بل استدلّ عليها بأدلّةٍ نقلية مؤيِّدةٍ لما ذهب إليه في نظريته، حيث تبين:

أوّلاً: أن الأدلّة التي أقامها السيد الداماد أدلّةٌ برهانية مُحْكَمة وتامّة.

ثانياً: أنها تزيل كلّ العراقيل أمام تقدُّم المنهج العقلي داخل المجتمع. إن نظرية الحدوث الدَّهْري لم تكتَفِ بحلّ مسألة حدوث العالم، بل تعدَّتْ إلى حلّ معضلاتٍ ظلّتْ مستعصيةً، مثل: مسألة القضاء والقَدَر، ومسألة البداء.

أما ما توصل إليه الملاّ صدرا فقد فاق التصوُّر، وذلك بعبقريته في الجَمْع بين القرآن والبرهان والكَشْف، ليخلص إلى إبداع نظريّته في الحدوث الزماني، التي استدلّ عليها بالثلاثيّة الذهبيّة، والمتناسقة مع مبانيه المتينة والمُحْكَمة، برهاناً ونصّاً وكَشْفاً، فتوافق الفلاسفة والفقهاء والمتكلِّمون على قوّتها ومتانتها.

الدراسة الثالثة: أسلوب الحياة، مقاربةٌ نقديّة مقارِنة بين رؤيتَيْ العلاّمة الطباطبائي والدالاي لاما

الكاتب: د. مجتبى فيضي / د. مسعود آذربيجاني / د. محمد كاوياني أراني؛ المترجم: حسن الخرس

بالرغم من أنّ الأديان في الظاهر تتكلَّم مع أتباعها بلغاتٍ مختلفة، إلاّ أنّه يمكن أن نجد في نصوصها الاعتقاديّة أصولاً وقِيَماً مشتركة (وخصوصاً في جانب القِيَم الأخلاقيّة). لهذا فقد حاولت هذه الدراسة أن تبحث هذه القِيَم المشتركة من ناحية أسلوب الحياة، وتفحص مدى اختلاف الآفاق بين أنظار المفكِّرَيْن: الطباطبائي؛ والدالاي لاما، المنتميَيْن إلى دينين مختلفين: الإسلام؛ والبوذية.

تأخذ الأديانُ غالباً عند ظهورها تعاليمَها وأنظمتَها من مصادرها الأصليّة ومؤسِّسيها، وليس هناك وقتذاك محاكاةٌ لتعاليم ورؤى الخصوم المنافِسة. لكنْ طوال التاريخ، وفي ضوء المقارنة مع سائر الأديان، يُلاحَظ أنّ كثيراً من القِيَم المطروحة لديها تكون مشاهدةً أيضاً في الأديان الأخرى.

وعلى أيّ حالٍ فالبحوث المقارِنة تواجه دائماً إشكاليّات وتقييدات مفروضة على الباحث؛ فمن الممكن أحياناً أن يتصادف في مسير البحث نقل رؤى الخصم بالتضعيف والانحياز أو مع أحكامٍ مسبقة؛ بسبب ضغط الميول الدينية على الباحث. لكنْ مع ذلك حاولَتْ هذه المقالة أن تعطي بشكلٍ منصف نظرةً إجماليّة لنقاط الاشتراك والافتراق، مع مقاربةٍ مقارِنة بين رؤيتَيْ المفكِّرَيْن: الدالاي لاما الرابع عشر؛ والعلاّمة الطباطبائي، في موضوع أسلوب الحياة.

وقد أشار البحث بمجموعه إلى أنّ كلتا الشخصيّتين تمتلكان أسلوباً خاصّاً؛ فمصدر فِكْر وأسلوب حياة العلاّمة الطباطبائي مأخوذٌ من التعاليم الإسلامية الصافية؛ في حين أنّ أسلوب الحياة عند الدالاي لاما يعود في جذوره إلى الدين البوذي. فزبدة رؤية العلاّمة هي في أنّ الحياة المتماسكة يجب أن تؤسَّس على الاعتقاد بالله وعالَم الآخرة وتعاليم الوَحْي، كما يجب في الأساس أن يُبْحَث عن أسلوب الحياة الحقيقية في الحياة الخالدة. إنّ أسلوب الحياة الإسلامية عند العلاّمة محورُه التوحيد؛ أما الدالاي لاما فهو منعزلٌ ومعزولٌ عن هذه المفاهيم الغيبية.

وما تكلَّمنا عنه آنفاً يمكن تلخيصه في بضع نقاط:

أوّلاً: يتحدَّد إطار الأخلاق الوظيفية عند العلاّمة الطباطبائي في العلاقة مع الله والنَّفْس والآخرين، وترتبط إنسانيّة الإنسان (النفس) بمدى تنفيذ وظائفه الملقاة عليه؛ بينما تقتصر الأخلاق الوظيفية عند قائد البوذيين التبت على النفس والآخرين والطبيعة.

ثانياً: تعتبر معرفة النفس من المحاور المهمّة والمشتركة عند كلَيْهما؛ فهي عند العلاّمة الطباطبائي ممرّ للورود إلى العالم الربوبيّ؛ أما عند الدالاي لاما فهي موجبةٌ لتحسين العلاقات مع سائر الناس.

ثالثاً: من المشهود في منهج القائد المعنوي للتبت البوذيّين أمر الاحترام الكبير لكبار السنّ، وبالخصوص الأمّ؛ وأيضاً يُعَدّ هذا الاحترام بدَوْره ـ عند العلاّمة ـ عاملاً لحصول التوفيقات الإلهيّة في الدنيا. كما يُعَدّ أيضاً من وجوه الاشتراك بينهما تأكيد وتقوية السلام والصداقة والمحبّة.

رابعاً: يقع التفكير الإيجابيّ للدالاي لاما مقابلاً للنظرية الواقعيّة للعلاّمة؛ فعند الدالاي لاما يختلف أسلوب حياة الخواصّ عن حياة العوامّ؛ حيث إنّ القادة المعنويين للبوذيّين ليس لهم حقّ الزواج، فيلزم أن يمضوا حياتهم عازبين؛ بينما لا يمكن أن يُرى في فكر العلاّمة وجهٌ لهذا التفكيك، فهو يتضادّ مع الواقعيّة والطبيعة.

خامساً: يمكن اعتبار أسلوب الحياة المتَّسمة بالحبّ في علاقة الأزواج وعدم خيانة الزوجة من وجوه الاشتراك بين الرؤيتين ـ بالطبع مع تصريح الدالاي لاما بعدم جواز المثليّة الجنسيّة في الديانة البوذيّة ـ. لكنْ اليوم؛ بسبب رواج هذه السلوكيّات في عصر الحداثة؛ ولكونها لا تؤدّي للإضرار بالآخرين ـ حَسْب رأيه ـ، فإنه يعتقد بلزوم تقبُّل هذه الظاهرة، وأن ينظر المجتمع إلى المرأة والرجل المثليّين بنظرةٍ علمانيّة، فيحترمهما ويتقبَّلهما!

سادساً وأخيراً: الاهتمام والتوجُّه إلى قضايا المعوزين والمحتاجين مورد توصية كلا المفكِّرَيْن.

وفي المجموع فإنّ رؤية الدالاي لاما لأسلوب الحياة رؤيةٌ دنيويّة عاجلة؛ بينما يدور الأسلوب المقتَرَح للعلاّمة على محوريّة النظرة الأخرويّة والآجلة.

الدراسة الرابعة: الدِّين في رؤية ماركس وشريعتي، نقدٌ ومناقشة

الكاتب: د. محمد فولادي؛ المترجم: حسن علي مطر

كانت هذه المقالة بصدد بيان النظرية الدينية لكارل ماركس وعلي شريعتي. وكان السؤال الأصلي لهذا التحقيق: ما هو تفسير الدكتور شريعتي للدين؟ وما هو مدى تطابق نوع تحليله للدين مع التفسير الدينيّ السائد بين المفكِّرين وعلماء الاجتماع المسلمين منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا؟ وما هو حجم التماهي بين تفسيره للدين مع التفسير الديالكتيكي؟ ولهذه الغاية كانت لنا إطلالةٌ على الخلفيّات الاجتماعية لعصر الدكتور علي شريعتي، والمفكِّرين الذين تأثَّر بهم، واستخرَجْنا بذلك نظريّته الدينية:

إن الأحزاب والتيارات الاجتماعية والسياسية ـ ولا سيَّما الأحزاب اليسارية والجماعات الإسلامية والوطنية والحركة الوطنية للمقاومة ـ، ودخول الدكتور شريعتي في الأبحاث والتحليلات الماركسية والديالكتيكية، كلّها قد صنعَتْ منه شخصاً متأثِّراً بهم في تحليل الكثير من الأبحاث الدينية. ويشهد على ذلك صدور أوّل أثرٍ له في تلك الفترة بعنوان «أبو ذرّ [الغفاري] الاشتراكيّ الموحِّد». يُضاف إلى ذلك أنه قد تأثَّر كذلك ببعض العلماء المعاصرين له ـ وغير المعاصرين أيضاً ـ، ومن بينهم: المولوي جلال الدين الرومي، وصادق هدايت، وشاندل، وإقبال اللاهوري، وفرانز فانون، وميترلينغ، ومهدي بازرگان وغيرهم. ومن هنا يمكن القول: إنه مفكِّرٌ اجتماعي. وإنه ـ للأسباب الآتية، والأدلّة التي تقدَّم نقلها عنه في النصوص السابقة ـ يقدِّم تفسيراً ديالكتيكياً وماركسياً للدين، وبذلك فإنه يبتعد عن التفسير الشائع للدين بين المسلمين؛ وذلك لاعتقاده في تفسير الدين بما يلي:

إن التعاليم والمدرسة الإسلامية عبارةٌ عن نظام… وإن هذا النظام عبارةٌ عن: الرؤية الكَوْنية التي تبلور التوحيد على أساسها، والأنثروبولوجيا القائمة على أساس الديالكتيك، وفلسفة التاريخ القائمة على أساس النزاع الطبقيّ؛ من أجل إقامة العدل وتكامل الإنسان.. إن الشخص إذا لم يكن مستنيراً مسلماً، وكان إنساناً، يجب عليه أن يكون ماركسيّاً أو رأسماليّاً أو فاشيّاً أو كَنَسيّاً، وليس هناك من طريقٍ آخر…. إن الرأسماليّة جائحةٌ يتنافس الإسلام والماركسيّة من أجل القضاء عليها… إن أخلاق الشخص الاشتراكي هي ذات أخلاق الشخص المسلم… إن الإسلام يبيِّن الديالكتيك في حقيقة الإنسان بوضوح؛ إذ الإنسان هو الجمع بين الضدّين (القَذَر «الحمأ المسنون»، والروح)، وهذا النزاع الديالكتيكي هو الذي يساعد الإنسان في صعوده إلى الله… كان الصراع الطبقيّ قائماً في جميع المراحل المختلفة؛ ليمضي قُدُماً إلى حيث نهاية النظام القَهْري القاروني، وإيجاد انقلابٍ حَتْميّ، وبناء مجتمعٍ لا طبقيّ، قائمٍ على العدالة وتحقيق الوعد الإلهيّ لطبقة المستضعفين.

بالالتفات إلى ما تقدَّم يكون الدكتور علي شريعتي قد لجأ في الدين إلى التفسير الماركسيّ. من الطبيعي أن يكون تفسير ماركس للدين هو الدين الكَنَسيّ الذي كان حاكماً في العصور الوسطى، والدين الذي يتقبَّل الظلم، والدين الذي كان قائماً في عصر شريعتي. بَيْدَ أن حقيقة الدين وحضوره في المجتمع بعد انتصار الثورة الإسلامية، وحركات التحرُّر والصحوة الإسلامية على المستوى العالميّ، إنما كان نتيجةً للدين الإسلاميّ الحيويّ والنابض بالحياة، والداعي إلى سعادة الإنسان وتحرُّره. إن هذا الدين يُبشِّر بالعودة إلى هويته الأصيلة، واستعادة الثقة بالذات، وتحقيق الاستقلال والحرّية والنجاة والسعادة وما إلى ذلك، الأمر الذي شكَّل تحدّياً لمجمل هويّة وهيمنة الثقافة والحضارة الغربية الهجينة. ومن هنا فإن تحليل كلٍّ من: ماركس وشريعتي للدين إنما هو ناظرٌ إلى الدين الوهّابي والكَنَسيّ والتكفيري المتحجِّر؛ حيث كان كلاهما في ذلك ناظراً إلى واقعيّة الأديان الموجودة في عصرهما. وهذا يمثِّل خطأ استراتيجيّاً منهما. وقد نشأ هذا الخطأ من غفلتهما عن الدَّوْر الأصليّ للدين في الساحة الاجتماعيّة. وأما الحقيقة الراهنة فهي شيءٌ مختلف تماماً. يُضاف إلى ذلك أن نوع التحليل الماركسيّ ينشأ من البُعْد عن التعاليم القرآنية والدينية الخالصة.

الدراسة الخامسة: التجربة الدينيّة والتفسيرات الطبيعيّة، قراءةٌ نقديّة في رؤية جِفْ جوردن

الكاتب: د. منصور نصيري؛ المترجم: مرقال هاشم

إن من بين المسائل المطروحة في التجربة الدينية ـ وهي المسألة التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بإثبات الاعتقاد بالله ـ علاقة التجربة الدينية، وكشف البيان الطبيعي عليها، والسؤال هو: هل يؤدّي كشف البيان الطبيعي المقنع للتجربة الدينية إلى ردّ قيمة قرينيّة التجربة الدينية؟ وبعبارةٍ أخرى: رفض حجّيتها المعرفية والأبستمولوجية؟

هناك رأيان في هذا الشأن؛ فقد ذهب فلاسفةٌ بارزون ـ من أمثال: سي. دي. براد، وريتشارد سوينبرن، ووليم وينرايت (من الفلاسفة المعاصرين) ـ إلى الدفاع عن الرأي الأوّل (بقاء الحجّية الأبستمولوجية). ويستدلّ هؤلاء الفلاسفة على أنه في حالة عدم إثبات عدم وجود الله فإن كشف البيان الطبيعي للتجربة الدينية لن يحدث خَلَلاً في القيمة القرينيّة له أبداً. إنهم يرَوْن أن البيان الطبيعي إنما يضرّ بقرينيّة التجارب الدينيّة إذا تمّ إثبات عدم وجود الله.

وفي المقابل يذهب أشخاصٌ، من أمثال: جِفْ جوردن، من خلال الدفاع عن الرأي الثاني (عدم الحجّية الأبستمولوجية)، إلى الاعتقاد بأن كشف البيان الطبيعي يؤدّي إلى ردّ القيمة القرينيّة للتجربة الدينية. يذهب جوردن إلى التأكيد على أن التفسيرات الطبيعيّة تعمل على تفسير التجارب الدينية دون حاجةٍ إلى افتراض وجود الله أو الأمور ما وراء الطبيعية بوصفها أموراً مفروغاً عنها. وبطبيعة الحال فإنه يذهب إلى الاعتقاد بأن وجود التفسير الطبيعي لا يؤدّي بنا إلى اعتبار جميع التجارب الدينية وَهْميّة، وإنما الذي يسقط عن الاعتبار هو خصوص التجربة الدينية التي تمّ العثور عليها لذلك التفسير الطبيعي.

وفي هذه المقالة سوف نعمل ـ من خلال التركيز على بَحْث جِفْ جوردن ـ على بيان نزاعه مع أنصار الرأي الأوّل. وفي الختام سوف نقترح رأياً ثالثاً، بعنوان «الفصل بين نوعين من أنواع التجربة الدينية»؛ الأولى: التجارب الدينية التي تحتوي على معايير خاصّة؛ والثانية: التجارب الدينية المفتقرة إلى تلك المعايير، وذلك بالاستناد إلى ثلاثة أصول هامّة.

ومن خلال هذا الفصل والتفكيك يذهب هذا الرأي المقتَرَح إلى التأكيد على أن التجربة الدينية إذا كانت تحظى بشرائط خاصّةٍ فإن اكتشاف التفسير الطبيعي لن يضرَّ بحجّيتها الأبستمولوجية والمعرفية؛ وأما إذا لم تكن تحظى بتلك الشرائط فإنه بكَشْف التفسير الطبيعيّ (حتّى إذا لم يكُنْ هناك دليلٌ على عدم وجود الله) سوف تنتفي الحجّية الأبستمولوجية والمعرفية للتجربة الدينية. والملفت أنه يلوح من كلمات جِفْ جوردن نفسه قبوله بأنه بالإمكان أحياناً القبول بلزوم شروط ومقدّمات خاصّة لتحقُّق التجربة الدينية

وعلى هذا يمكن الادّعاء بأنه ليست إشكالات جوردن غير واردة على هذا الرأي المقتَرَح فحَسْب، بل إن جوردن نفسه يُذْعِن ضمناً بأن إشكاله على هذا الرأي المقترح لن يكون وارداً؛ إذ إنه قد أقرّ بنفسه أن إرادة الله قد تتعلَّق بإظهار نفسه للذين يتمتَّعون بشرائط خاصّة. وكما رأينا فإنه يتمّ التأكيد في الرأي المقتَرَح على أنه بالنظر إلى وجود الشرائط الخاصّة في التجربة الدينية يمكن اعتبارها مشتملةً على قِيَم معرفية وأبستمولوجية، وإن هذه الشرائط توجد في الغالب بشكلٍ واعٍ وبمجهودٍ من صاحب التجربة. ومن هنا يمكن القول: إن الرأي المقتَرَح ينطوي على حصانةٍ من إشكال جوردن.

وفي الختام يجب إعادة التأكيد على هذه النقطة مرّةً أخرى، وهي النقطة التي تعود إلى دائرة القيمة المعرفية للتجربة الدينية، التي تحتوي على الشرائط التي سبق ذِكْرُها. إن الحجّية المعرفية والأبستمولوجية للتجربة الدينية المشتملة على الشرائط والمقدّمات السابقة إنما تقتصر على صاحب التجربة فقط، ولا يمكن اعتبار حجّيتها عامّةً وشاملة لـ (الجميع)

قراءات

القراءة الأولى: كتاب الكشف وماهيّته، نصوصٌ مهمّة عن (القائم) من أطياف شيعيّة مختلفة

الكاتب: د. حسن الأنصاري؛ المترجم: فرقد الجزائري

كتاب الكَشْف، الذي نُشر مرّتين؛ مرّة نشره اشتروتمان؛ وأخرى نشر بجهود مصطفى غالب، نُسب إلى جعفر بن منصور اليمن، الكاتب والداعية الإسماعيليّ المعروف، وصاحب الأثر في القرن الرابع الهجري.

لكنْ منذ نشره كان هناك ترديدٌ في صحّة انتسابه من قِبَل المحقِّقين. وقد ثبت حديثاً أنه من غير الممكن انتسابه إلى جعفر بن منصور.

يتألَّف الكتاب من ستّة فصول (رسائل) متنوّعة في بناها، وأحياناً موضوعاتها، وقد نجد الاختلاف حتّى في الجذور والأُسُس.

وما يهدف إليه هذا المقال هو تبيين أهمّية دراسة بعض فصول هذا الكتاب في معرفة معتقدات بعض أطياف الشيعة قبل ظهور الدولة الفاطمية، وحتّى قبل عهد الإسماعيليين والقرامطة الأوائل.

وفي هذا الصدد يسعى الكاتب إلى مراجعة ماهية فصول هذا الكتاب المختلفة وجذورها؛ إذ تختلف ماهية فصول هذا الكتاب، كما يختلف تاريخ تحريرها.

ومن الواضح دخول تعديلات وملحقات عليها فيما بعد؛ لتنسجم مع معتقدات الفاطميين التي فُرِضَتْ لاحقاً. فبعض هذه المدوَّنات تعود إلى فترةٍ متقدّمة عن زمن الفاطميّين، بل لا تمتّ بصلةٍ مباشرة بالمجموعات الأولى الداعية للإسماعيلية ـ القرمطية في العراق واليمن والشام، فقد يكونون استفادوا منها فيما بعد ليس إلاّ، وبذلك دخلَتْ خطاب الإسماعيلية المتأخِّرة.

يتطلَّب تدقيق النظر في الرسائل الستّة، التي مرّ ذكرُها، إلى مجالٍ أوسع. وما ورد في هذا المقال كان لتبيين الأهمّية البالغة لخمسٍ من رسائل هذا الكتاب في معرفة المعتقدات الشيعيّة والباطنيّة والإسماعيليّة في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري.

ويتّضح من هذه المراجعة أن الدعوة الإسماعيليّة من حيث المعتقدات المذهبية نشأَتْ ونمَتْ في مجتمع الشيعة الإمامية، واستمدَّتْ من سُنَنها، وإنْ كان العبور إلى المعتقدات الإسماعيلية، كما مرَّ الحديثُ عنه، وخاصّةً في موضوع القائم، تطلَّب التحوُّل من خلال اتجاهاتٍ وسيطة، ويمكن استنباطها من نماذج خطابها المذهبي المذكور في طيّات كتاب الكَشْف.

هذه هي يُشار إلى أنّ «مجلّة نصوص معاصرة» يرأس تحريرها الشيخ محمد عبّاس دهيني. وتتكوَّن الهيئة الاستشاريّة فيها من السادة: زكي الميلاد (من السعوديّة)، عبد الجبار الرفاعيّ (من العراق)، كامل الهاشميّ (من البحرين)، محمد حسن الأمين (من لبنان)، محمد خيري قيرباش أوغلو (من تركيا)، محمّد سليم العوّا (من مصر)، محمد علي آذرشب (من إيران). وهي من تنضيد وإخراج مركز (papyrus).

وتوزَّع «مجلّة نصوص معاصرة» في عدّة بلدان، على الشكل التالي:

1ـ لبنان: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الرويس، خلف محفوظ ستورز، بناية رمّال، ص.ب: 5479/14، هاتف: 541211(9611+).

2ـ مملكة البحرين: شركة دار الوسط للنشر والتوزيع، هاتف: 17596969(973+).

3ـ جمهورية مصر العربية: مؤسَّسة الأهرام، القاهرة، شارع الجلاء، هاتف: 7704365(202+).

4ـ الإمارات العربية المتحدة: دار الحكمة، دُبَي، هاتف: 2665394(9714+).

5ـ المغرب: الشركة العربيّة الإفريقيّة للتوزيع والنشر والصحافة (سپريس)، الدار البيضاء، 70 زنقة سجلماسة.

6ـ العراق: أـ دار الكتاب العربي، بغداد، شارع المتنبي، هاتف: 7901419375(964+)؛ ب ـ مكتبة العين، بغداد، شارع المتنبي، هاتف: 7700728816(964+)؛ ج ـ مكتبة القائم، الكاظمية، باب المراد، خلف عمارة النواب. د ـ دار الغدير، النجف، سوق الحويش، هاتف: 7801752581(964+). هـ ـ مؤسسة العطّار الثقافية، النجف، سوق الحويش، هاتف: 7501608589(964+). و ـ دار الكتب للطباعة والنشر، كربلاء، شارع قبلة الإمام الحسين(ع)، الفرع المقابل لمرقد ابن فهد الحلي، هاتف: 7811110341(964+).

7ـ سوريا: مكتبة دار الحسنين، دمشق، السيدة زينب، الشارع العام، هاتف: 932870435(963+).

8ـ إيران: 1ـ مكتبة الهاشمي، قم، كذرخان، هاتف: 7743543(98253+). 2ـ مؤسّسة البلاغ، قم، سوق القدس، الطابق الأوّل. 3ـ دفتر تبليغات «بوستان كتاب»، قم، چهار راه شهدا، هاتف: 7742155(98253+).

9ـ تونس: دار الزهراء للتوزيع والنشر: تونس العاصمة، هاتف: 98343821(216+).

10ـ بريطانيا وأوروپا، دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع:

United Kingdom London NW1 1HJ. Chalton Street 88. Tel: (+4420) 73834037

كما أنّها متوفِّرةٌ على شبكة الإنترنت في الموقعين التاليين:

1ـ مكتبة النيل والفرات: http://www.neelwafurat.com

2ـ المكتبة الإلكترونية العربية على الإنترنت: http://www.arabicebook.com

وتتلقّى المجلّة مراسلات القرّاء الأعزّاء على عنوان البريد: لبنان ــ بيروت ــ ص. ب: 327 / 25.

وعلى عنوان البريد الإلكترونيّ: mdohayni@hotmail.com

وأخيراً، وللاطّلاع على جملة من المقالات الفكريّة والثقافيّة المهمّة، تدعوكم المجلّة لزيارة:

الموقع الخاصّ:

www.nosos.net

تطبيق نصوص معاصرة:

https://play.google.com/store/apps/details?id=com.mehdok.papyrus.nosos

كما يمكنكم متابعة: أخبار المجلتين، وبعض مقالاتهما، وقراءات حولهما، وكتبهما، والنشاطات المتعلّقة بهما، …إلخ، على وسائل التواصل التالية:

الفايسبوك / Facebook:

https://www.facebook.com/profile.php?id=100054992093172

صفحة الفايسبوك / Facebook:

 https://www.facebook.com/مجلة-نصوص-معاصرة-109061414276898/

الواتسأب / Whatsapp:

https://chat.whatsapp.com/IckP3tLZpJMG3q5buT65R0

قناة التيليغرام / Telegram:

https://t.me/nosos_ijtihad

الإنستغرام / Instagram:

https://www.instagram.com/p/CFK1Rf9HRUt/?igshid=1u95dhp0xfn13

تويتر / Twitter:

https://twitter.com/NIjtihad?s=07

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً