أحدث المقالات

السيد حكمت السيد صاحب البخاتي([1])

 لم يتطرّق أبو الحسن محمد بن موسى النوبختي(310هـ)([2]) في كتابه “فرق الشيعة” إلى أمر الغلاة من الشيعة الإمامية الاثني عشرية في عصر الغيبة وكذلك لم نجد لهم ذكرا في كتاب الفرق والمقالات لأبي عبد الله سعد بن خلف الأشعري القمي(299هـ) أو (301هـ)([3])، رغم أنهما ذكرا الغلاة من فرق الشيعة الأخرى، وذلك يؤشر انتماء أولئك الغلاة من الصوفيين إلى مذهب الإمامية ـ الاثني عشرية، أو أنهم لم يتمكنوا من تأسيس فرق خاصة بهم في سني وضع هذين الكتابين اللذين يبدو أن وضعهما كان في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وهي الفترة التي ظهر فيها هؤلاء الغلاة المتصوفة، إلا ما ذكره النوبختي والأشعري القمي عن محمد بن نصير النميري([4]) لكنهما نسبا غلوه وتاريخه وظهور فرقته إلى عصر الإمام علي بن محمد الهادي(254هـ)([5])، وهو يؤشر ظهور الغلو في فئة من الإمامية التي بدت متأثِّرة بالتصوف ومفاهيمه وأفكاره في هذا العصر أي قبل عصر الغيبة الصغرى التي بدأت تاريخياً سنة 260هـ وهي السنة التي توفي فيه الإمام الحسن بن علي العسكري حادي عشر الأئمة عند الشيعة الإمامية وانتهت سنة 329هـ بوفاة السفير الرابع محمد بن علي السمري، وعلى طريقة النوبختي والأشعري القمي لم يبدي د. كامل مصطفى الشيبي أي اهتمام بالغلاة الصوفية من الإمامية في عصر الغيبة الصغرى سوى ما ذكره عن محمد بن نصير النميري وفرقته النصيرية([6]) وشهد عصر الغيبة الصغرى الذي استمر تسع وستين عاما ظهور فئة من الغلاة الشيعة الصوفيين الذين أعادوا بدعة من تقدمهم من الغلاة ودمجوا بين مفاهيم الإمامة ومفاهيم وأفكار التصوف([7]).

وتكشف مصادر إمامية وأخرى غيرها عن انتشار أفكار الغلو والحلول والتناسخ في بغداد والبصرة بين فئات من العامة من المسلمين، وبعض الخاصة من هذه الطائفة في هذا العصر في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وقد عبرت عنهم المصادر الإمامية بـ “الضعفة” وهم ضعفاء الرأي فقد جاء في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي(460هـ) عن أحد الرواة قوله (وكل هؤلاء المدّعين إنما يكون كذبهم أولا على الإمام وأنهم وكلائه فيدعون الضعفة إلى موالاتهم ثم يترقى بهم الأمر إلى قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه)([8]) وقول الشلمغاني ونظرائه لدى الطوسي الذين ينسبهم جميعاً إلى قول الحلاجية هو دعوى حلول وتناسخ أرواح الأئمة بأشخاص أوليائهم، ثم يقول ان الله قد اتحد وحل به كما يقول النصارى في المسيح، وهنا يعدو إلى قول الحلاج وفق ما يقول الطوسي([9])، وهناك ثلاثة أسماء غالية أوردتها المصادر الإمامية وتشتمل عقائدها الدينية على مقالات الصوفية في الحلول والاتحاد وهم:

أوّلاً: الغالي الشريعي([10])

 لعل أول من تنسب إليه المصادر الإمامية ضمنا والسنية علنا القول بالحلول والتناسخ هو الشريعي الذي لم تتأكد كلا المصادر من لقبه واسمه وشخصه، فقيل: الشريعي وقيل: اسمه الحسن وكنيته أبو محمد ونسب إليه الطوسي الصحبة لأبي الحسن علي بن محمد الهادي(254هـ) ثم لابنه أبي محمد الحسن بن علي العسكري(260هـ)([11])، وقيل اسمه ولقبه محمد بن موسى الشريقي([12]) وأنه كان من تلامذة علي بن حسكة([13])، لكن الكشي يذكره قبل ذلك باسم أخر هو الحسن بن محمد المعروف بابن بابا([14])، وسياق رواية الكشي تكشف أنه المقصود باللعن في رواية نصر بن الصباح فيذكر الحسن بن محمد المعروف بابن بابا بأنه أحد الثلاثة المشمولين باللعن عن علي بن محمد العسكري([15])، ويقصد به أبي الحسن علي بن محمد الهادي فقد كان يعرف أحيانا بالعسكري ويقال في مرويات الإمامية العسكريين ويعنون بهما علي بن محمد الهادي وابنه الحسن بن علي العسكري، ويذكر في رواية العبيدي براءة العسكري ـ دون أن يذكر أي من العسكريين لكن المعني بهما هو الإمام الأب ـ من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي وتذكر رسالة الإمام العسكري أن ابن بابا يزعم أنه نبي قد بعثه الإمام العسكري وأنه الباب إليه([16]).

وما جاء في هذه الروايات حول الحسن بن محمد بن بابا القمي وحول محمد بن موسى الشريقي، هي الأمور التي أنكرها علماء الإمامية وفقهائهم على هذا الشريعي كما في غيبة الطوسي، ولم يذكره الكشي(385هـ) بلقب الشريعي بل ذكره بلقب ابن بابا والقمي، لكن المصادر المتأخرة عن الكشي ذكرته بلقب الشريعي وأما أبي منصور الطبرسي(548هـ) صاحب الاحتجاج فقد روى عن الإمامية بقوله: (روى أصحابنا أن أبا محمد الحسن الشريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد(ع) ـ الهادي ـ وهو أول من ادعى مقاما لم يجعل الله فيه من قبل صاحب الزمان(ع) وكذب على الله وحججه(ع) ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد تم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد، وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن(ع)، فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الالحاد والغلو والتناسخ، وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد(ع)، ويقول بالإباحة للمحارم)([17]). ولم يفصح الطبرسي عما نسبه إليهم مما لا يليق بهم ولعله قد نسب التفويض إليهم في أمر الخلق والرزق والحساب بل ونسبوا إليهم الألوهية والنبوة، وهو مذهب المفوضة من الغلاة الإمامية الذين لم تحظى مقولتهم بالقبول عند المحدثين القميين من الإمامية وكذلك عند الفقهاء والمتكلمين البغداديين من الإمامية([18]) ورغم أن المحدثين والفقهاء الإماميين يبرئون الأئمة من هذا التفويض وهذا القول الغالي إلا أنهم لا ينسبون الكفر للغلاة من أهل التفويض في أول الأمر لكن الشريعي هذا قد ظهر منه ما يوجب كفره وإلحاده وفق الطبرسي، ولعله هو القول بالحلول والاتحاد الإلهي ـ الصوفي بالأئمة وهو ما كانوا(ع) يستعظمونه ويبرؤن منه دائماً وهنا يبدو مرة أخرى اسم الشريعي هو الحسن وكنيته أبا محمد لكن لقبه السريعي،

وقد بنى السيد أبو القاسم الخوئي على تشابه الأسماء وتقاربها في روايات الرجاليين بأنه واحد، وأن اختلاف اسمه بين الشريقي والسريعي والشريعي هو سببه اختلاف النسخ واعتماداً على صريح الكشي والشيخ الطوسي في رجاله فإن اسمه محمد بن موسى([19]). لكن يبقى تعدد أشخاصهم قائماً وقوياً اعتماداً على رجال الكشي([20]).

وقد ذكره أبو الحسن الأشعري(329 أو 330هـ) باسم الشريعي ومفصلاً جزئياً في عقيدته فقد زعم (أن الله حل في خمسة أشخاص في النبي وعلي وفي الحسن وفي الحسين وفي فاطمة فهؤلاء آلهة)([21])، وزعم أصحابه أن هؤلاء الأشخاص الخمسة التي حل فيها الإله كذلك حلت فيها أضداد خمسة وهم أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص، واختلفوا في هذه الأضداد بالذم والمدح، وحكى عن الشريعي أن الله حلّ فيه([22])، ولم تذكر ذلك عنه مصادر الإمامية سوى زعمه أن العسكري ـ علي بن محمد الهادي المستشف من رواية الكشي ـ قد بعثه نبياً وأنه باباً إليه، وأنه يأكل الناس باسمه أي اسم الإمام الهادي وأنه وشريكه الفهري فتّانين مؤذين([23])، ولم يفصل الشيخ الطوسي عقيدة هذا الشريعي الغالي في كتابه الغيبة، لكن هبة الله بن أحمد الكاتب وكما عرفته المصادر ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري(304هـ) أو (305هـ) روى أن الكرخيين من الإمامية مخمسة، وأن ذلك فيهم مشهور لا يشك أحد فيه من الشيعة([24])، ولعل هؤلاء المخمسة هم أتباع الشريعي الغالي ولعل القول بالغلو لديهم لم يصل بهم إلى الحلول والاتحاد، فقد ذكر ياقوت الحموي(622هـ) عن جماعة من الشيعة تقلدوا مناصب إدارية رفيعة في الدولة العباسية منهم القاسم بن محمد الكرخي وأخوه أحمد وابناه جعفر ومحمد، وقد تقلدوا الدنيا وفق الحموي لكثرة الأعمال التي شغلوها في هذه الدولة وكانوا يسمون بالكرخيين لأن أصلهم من الرستاق الأعلى بالبصرة وتعرف بالكرخ وأسماها الحموي بكرخ البصرة، وذكر عنهم أنهم لم يكن فيهم عيبٌ إلا الغلو بعد أن أثنى عليهم وذكر أنهم كانوا مخمسة يعتقدون ان علياً وفاطمة والحسن والحسين ومحمداً خمسة أشباح أنوار قديمة لم تزل ولا تزال ويصف الحموي تلك المقالة بأنها مشهورة مستفاضة عنهم([25]).

ولعلهم هم المعنيين بالمخمسة الكرخيين في قول الراوي الإمامي هبة الله الكاتب المتقدم ذكره، وأن عقيدة الشريعي المخمسة تبقى مرددة بين الغلو الذي يخرج بالأئمة عن الحد البشري وحلول الله تعالى فيهم، وهو ما روته المصادر السنية وضمناً المصادر الإمامية وبين مجرد القول بنورانية الأشباح الخمسة من أهل البيت(ع) والذي لم تنص المصادر الإمامية على نسبته إلى الشريعي، وكانت الإمامية تنسب هؤلاء المخمسة إلى الغلو.

ولم يكن الشريعي يستطيع أن يدعي الحلول الإلهي ـ الصوفي في شخصه مع حضور الإمامـ الولي للشيعة فنسب هذا الحلول الإلهي ـ الصوفي إلى الأئمة، ليعلن عن نفسه مبعوثا نبويا عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي، لاسيما مع الملاحظة التي أبداها بحذر علماء وفقهاء الإمامية للمخالطة التي وقعت للعامة أو للضعفة من الشيعة الإمامية من جانب الحلاجية الصوفية، والتي يبدو أن الشريعي من أفرادها أو أدعيائها استنباطا عن المصادر الإمامية، ولعل ادعائه بالحلولية الصوفية فيه جاءت في عصر غيبة الإمام ـ الولي الثاني عشر عند الشيعة الإمامية، والذي يبدو أن الشريعي عاصر تلك الحقبة التاريخية المهمة من عصور الإمامية وصنفه الشيخ الطوسي ضمن المدعين للبابية المذمومين في أول عصر الغيبة وخروج توقيع الإمام بلعنه والبراءة منه([26])، ويعني به الإمام الغائب الذي توصف رسائله وكتبه في الأدبيات الإمامية بالتوقيعات،

ولم تحدد المصادر تاريخ وفاته لكنه واستنباطاً عنها قد عاش في القرن الثالث الهجري، وعاصر حياة الإمامين العسكريين وزمنا من عصر الغيبة في عهد سفارة السفير الأول أبي محمد عثمان بن سعيد العمري(280هـ)، ولم نسمع له أثراً بعد ذلك في عصر الغيبة إلا ما يروى أنه ادعى مقام البابية([27]) أو الوكالة عن الإمام محمد بن الحسن المهدي الغائب([28])، ثم انقطعت أثاره واخباره ولم تعد المصادر الإمامية أو السنية تتحدث عنه، إلا ما ذكر في المصادر السنية عن احد أتباعه وهو محمد بن نصير النميري الغالي الثاني في قائمة رؤساء الغلاة من وجهة نظر المصادر الإمامية.

ثانياً: محمد بن نصير النميري

 ظهرت لدينا في هذا العصر وفي الربع الأخير من القرن الثالث الهجري شخصية غالية متنبئة ـ صوفية أخرى هو محمد بن نصير النميري(270هـ) ولكنها أكثر إشكالية وجدلاً من الشريعي المتقدم، وكان تأثيره واضحاً في المجتمع الشيعي الإمامي وقد نسبت إليه المصادر السنية والإمامية الغلو والقول بالحلول، بعد أن ادعى مقام الوكيل ـ السفير الثاني أبي جعفر محمد بن عثمان العمري الخلاّني. ومعاصرته للسفير الثاني تمكننا من تحديد تاريخه وتاريخ دعوته، فقد تسلم أبو جعفر محمد بن عثمان السفارة والوكالة عن أبيه السفير والوكيل الأول في سنة وفاته، وهي سنة 265هـ، وتوفي في سنة 304 أو 305هـ، وقد أعلن النميري في هذه الفترة دعوته وأنه صاحب إمام الزمان الإمام الغائب وأنه النائب له والباب إليه وظهر منه الإلحاد والجهل([29])، فهو أول من ادعى البابية في عصر الغيبة والثاني بعد الشريعي الذي ادعاها في عصر الحضور وفي حياة الإمامين العسكريين.

وقد حكت المصادر السنية عنه أنه من أتباع الشريعي وأنه ادعى أن الله تعالى حل في شخصه([30]).

واختلف القول في المصادر الإمامية في محمد بن نصير النميري في ارتداده دينياً أو مجرد غلّوه، فقد روى النوبختي والأشعري أنه صاحب فرقة شذّت بالقول في نبوته وأنه نبي رسول من الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي العسكري الأول، وأنه كان يقول بالتناسخ ويغلو في أمر الإمام أبي الحسن فيقول فيه بالربوبية، ونسبت إليه تلك المصادر الإمامية دون السنية القول بالإباحة للمحرمات الأخلاقية ونسبت إليه أفعالاً يعف القلم عن ذكرها، ونسب الأشعري القمي تقوية أسبابه وتعضيده إلى رئيس أسرة آل الفرات وهو محمد بن محمد بن الحسن بن فرات([31])، لكن النوبختي يذكر محمد بن موسى بن الحسن بن فرات هو من يقوي أسباب هذا الغالي المتنبئ النميري([32]).

وتشير المصادر السنية والإمامية إلى تأسيس فرقة دينية غالية ـ صوفية تؤمن برئاسته وزعامته الدينية، وأطلق عليها أبو الحسن الأشعري اسم الفرقة النميرية ناسباً القول إليها (أن الباري كان حالاًّ في النميري)([33])، وأما المصادر الإمامية وهي أقدم من أبي الحسن الأشعري فإنها أشارت إلى فرقته دون ذكر اسمها، وذكرت أنها افترقت بعد موته إلى ثلاث فرق وسميت بالفرق النميرية بعد موته وادعى رؤساء هذه الفرق أخيراً النبوة عن أبي محمد الحسن بن علي([34])، وفي المصادر الإمامية فان دعاوى الحلول والاتحاد في الفرقة أو الفرق النميرية إنما هو في الأئمة ولا سيما الإماميين العسكريين، وليس في شخص النميري وأما هو ورؤساء فرقته من بعده فإنما هم أنبياء مبعوثين وفق هذه المصادر، والله تعالى العالم بحقيقة المقال فان اضطراب المصادر وارتباك النقل فيها يضع رواياتها موضع التساؤل بل الريب والشك،

فقد بدا الاضطراب واضحاً في المصادر الإمامية في تحديد عصر النميري وعصر فرقته، فقد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد(219 أو 220هـ) لكنه اكتفى بذكره (محمد بن نصير، غالي)([35])، ولا يمكن التعويل على عبارته تلك لترددها بين النميري وغيره أو لسهو النساخ وخطئهم ثم عدّه في كتابه “الغيبة” من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد الهادي العسكري الأول ثم عدّه من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي العسكري الثاني، بناء على اختلاف عمن روى عنهم في ترجمته وعصره ولعله أدرك صحبتهما وهو حال مألوف في أصحاب أئمة مذهب الإمامية ـ الاثنا عشرية، لكن صدور الكتاب من الإمام ابي الحسن الهادي العسكري الأول في البراءة منه كيف يسوغ له صحبة ابنه ابي محمد الإمام العسكري الثاني، وأما محمد بن عبد العزيز المعروف بالكشي(385هـ) فانه لم يذكر في كتابه المعروف برجال الكشي صحبته لأحد الإماميين العسكريين، وكتابه يعدّ من أقدم كتاب الرجال عند الإمامية وقد اكتفي فيه بذكر اللعن والبراءة منه الصادرة عن أبي الحسن علي بن محمد الهادي العسكري الأول، وذكر ادعاءه النبوة والرسولية عنه ومقالته فيه بالتناسخ والغلو والربوبية فيه([36]) وكذلك لم ينص على صحبته للإماميين العسكريين كل من الأشعري القمي والنوبختي وهما مصدرا المعلومات والأخبار عنه. وما أخبرا به عن إباحة الفاحشة وانتهاك المحرمات في عقيدته وقد بدت تلك الأفعال في أواخر حياته كما يستشف من أخبار الأشعري القمي عنه،

وأما فرقته أو فرقه الثلاث النميرية فإنها لم تعد تذكرها المصادر الإمامية والسنية بأسمائها النميرية، وإنما أشارت لها بالنصيرية وأول من أشار إلى العلاقة بين محمد بن نصير النميري وفرقة النصيرية الغالية هو ابن شهر آشوب(588هـ)، وقد نسب إليه الحلول والاتحاد في عقيدته في شخص الإمام علي بن أبي طالب وعلى طريقة السبئية، فهو قد أحيا العقيدة السبئية في هذا العصر وفق ابن شهر آشوب ونسب إلى فرقته النصيرية الإباحية وترك العبادات والشرعيات واستحلال المنهيات والمحرمات([37]) ويبدو قول بن شهر آشوب متحاملاً ومتجنياً على هؤلاء النصيرية.

 لكن أبو الفتح الشهرستاني(548هـ) لم يذكر تلك الأشياء عن مذهب النصيرية في كتابه الملل والنحل، وهو أقدم تاريخياً من مصدر بن شهرآشوب بل جاء في عقيدتهم كما ذكرها الشهرستاني نزوعا وتوجهاً صوفياً يستند إلى أفكار التصوف في التجلي الإلهي في الأشخاص الروحانيين، وعدّهم الشهرستاني من جملة غلاة الشيعة فهم لا ينكرون إطلاق اسم الإلهية على الأئمة من أهل البيت بل يفسرها لهم أصحاب مقالاتهم بأنها ظهور الروحاني بالجسد الجسماني، كظهور جبرائيل ببعض الأشخاص والتصور بصورة إعرابي والتمثل بصورة البشر وأن الحق ظهر بصور الأئمة ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم، وفي أشخاصهم جزءا إلهيا وأن الأئمة كانوا أظلة على يمين العرش وصورهم تنبئ عن تلك الظلال وهي مشرقة بنور الرب تعالى إشراقاً لا ينفصل عنه([38])، ولعل ما ذكره الشهرستاني عن العقيدة النصيرية تتطابق مضمونا وما ذكرته المصادر الإمامية والسنية عن عقيدة محمد بن نصير النميري فالمضمون هو الغلو، والإفراط في هذا الغلو عند النميري هو الذي يقوده وأتباعه إلى تبني مقولات التصوف في الحلول والاتحاد والتداخل بين البشري والإلهي، وبمضمون يؤدي إلى إلغاء الحد البشري في أشخاص الأئمة من أهل البيت وهو ما كان يتسبب بالأذى النفسي لهم، وقد عبروا عن ذلك الأذى في عدة مواضع([39]).

ولعل أقرب المصادر الشيعية الإمامية إلى عقائده هو كتاب “الهداية الكبرى” لمؤلّفه أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي(334هـ)، وتاريخ وفاته قريب جداً من عصر الغيبة الصغرى وهو ما يكفل إدراكه عمن روى عن محمد بن نصير النميري وقد روى عنهم في كتابه هذا ولم يروي عنه سماعاً.

وقد روى أحاديثا عنه تدل على غلّوه في الإمام ابي الحسن علي بن محمد الهادي العسكري الأول، لكنه غلّو بحدود الكرامة والمعجزة الخارقة الخاصة بالأولياء الصوفيين وهي الفكرة التي ارساها التصوف وأسس لها في هذا العصر،

ويبدو من رواية الخصيبي أن النميري كان له جماعة من المؤمنين به والمؤيدين له من الشيعة الإمامية، وبعضهم من نخب الدولة العباسية ومنهم احمد بن محمد بن الفرات الكاتب وان له مجلسا كان يقصده أصحابه وهم من صنفه من الغلاة من الشيعة الإمامية والمؤمنين بمعاجز الأئمة الخارقة للعادة، وغالبا ما تظهر تلك الكرامات والمعجزات الخارقة في ما يرويه الخصيبي عن هذا النميري، مما يدعنا نعتقد بإسرافه الصوفي في هذا الجانب وهو الذي أثار عليه علماء وفقهاء الإمامية لا سيما وأن هؤلاء العلماء والفقهاء كانوا شديدي الحساسية تجاه الغلاة من الإمامية، وكانوا يعبرون عنهم بعبارات اللعن ويقولون ملعون غال ومن الطيّارة ـ خفة الرأي وعدم التثبت ـ ويقولون فيه ارتفاع ـ أي ارتفاع بالأئمة عن حدهم البشري ـ والضعف في الحديث([40])، وقد عدّه الخصيبي من اصحاب الإماميين العسكريين الأول والثاني وعدّه وكيلا وسفيرا خاصا عن الإمام محمد بن الحسن المهدي الغائب، فقد ذكر أن كتبه ودلائله وتوقيعاته(ع) تخرج على يد أبي شعيب محمد بن نصير بن بكر النميري البصري، لكن الخصيبي يزعم أن تلك الكتب والتوقيعات خرجت بعد وفاة النميري على يد جدّة الإمام محمد بن الحسن المهدي أم أبي محمد الحسن العسكري الثاني، وعلى يد عثمان بن سعيد أو ابنه محمد بن عثمان([41])، وهو أبي جعفر محمد بن عثمان العمري الأسدي السفير الثاني في قائمة السفراء عن الإمام المهدي لدى الشيعة الإمامية، والذي كان محمد بن نصير النميري ينازعه مقام السفارة والوكالة عن الإمام المهدي([42])، وهكذا يبدو أن الغلو في عقيدة النميري ومنازعته لرؤساء الإمامية كانت سببا في طرده واللعن الصادر بحقه من قبل علماء وفقهاء الإمامية، ومن ثم نسبته إلى الكفر والإلحاد بالقول بالحلول والاتحاد الصوفي من قبل المؤرخين في فرق الشيعة النوبختي والأشعري القمي.

ونجد أصول التصوف ـ الغالي لدى النميري وجذوره في الفرقة أو الحركة الغالية الخطابية([43])، التي أسست للغلو في أئمة أهل البيت وبشكل تنظيمي على مستويات العقيدة والتنظيمات الجماعية، ويكشف الخصيبي في رواياته عن أبواب الأئمة تلك العلاقة بين النميري وأبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع الأسدي الكوفي([44])، فقد وضعهما الخصيبي أو العقيدة النصيرية على قائمة الأبواب الأحد عشر للأئمة المعصومين؛ إذ يحتل أبو الخطاب الباب السابع وهو الباب إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق ويحتل محمد بن نصير النميري الباب الحادي عشر وهو الباب إلى الإمام المهدي الغائب، كذلك يكشف عن موقع أبو الخطاب ومنزلته الدينية في تلك الفرقة التي خالفت إجماع الإمامية على لعنه والبراءة منه([45]). وقد أشارت بعض المصادر الإمامية إلى معاودة الفرقة الخطابية للظهور مرة أخرى في عصر الغيبة الصغرى فقد روى بن بابويه عن (إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فوردت في التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان(ع):…وأمّا أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب الأجدع فملعون، وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم، فإنّي منهم ببرِيء، وآبائي(ع) منهم برَاء)([46])، ونستشفّ من المصادر الإمامية أن السبئية والخطابية وعقائد الغلو والحلول والاتحاد فيهما عادت وأحييت من جديد على يد محمد لن نصير النميري وقد حاول إدماجها في مذهب الإمامية في عصر الغيبة الصغرى.

وقد أثارت تلك الأفكار جدلاً واسعاً في أوساط الإمامية وأثارت استياء الفقهاء والمتكلمين والمحدثين من الإمامية، وقد انتهت إلى الحكم بكفر هذه المقالات وتكفير أصحابها يقول الشيخ الصدوق (اعتقادنا في الغلاة والمفوضة أنهم كفّار بالله جل اسمه وأنهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلة وأنهم ما صغر الله جل جلاله تصغيرهم بشيء كما قال الله (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران 79 ـ 80)([47]). واستدلال الصدوق بهذه الآيات إنما يشير إلى مفاهيم التصوف في الحلول والاتحاد واندماجها بعقائد الغلاة والمفوضة.

وبذلك كان فقهاء ومحدثي ووكلاء أو نواب الإمام من الإمامية يشملون الصوفية والغلاة بنصوص اللعن الوارد عن الأئمة(ع) في روايات أولئك الفقهاء والسفراء، وقد جاء في توصيف أحمد بن هلال الكرخي(267هـ) وهو من رواة الإمامية بالصوفي المتصنع وأنه مشهور بالغلو ويعبر عن هذا الغلو فقهاء الإمامية بفساد العقيدة([48]).

ولم يكن النميري يثير السلطة السياسية في الدولة العباسية رغم أن من مؤيديه وأتباعه رجال نافذون في إدارة الدولة العباسية، لا سيما من آل الفرات([49]) الأسرة الإمامية المثيرة للجدل في انتماءها لأفكار الغلو أو التصوف الغالي، وقد تركته السلطة العباسية دون مطاردته أو مطالبته بالكف عن أفكاره ونشرها ولعل المؤيدين له من آل الفرات هم من كفلوا حمايته وتعاهدوا رعايته وضمنوا سلامته، وقد يكون ذلك عن إيمان بعقيدته الغالية كما تذهب إلى ذلك مصادر الإمامية أو لعل ولع أسرة بنو الفرات بالعطاء وإكرام الناس والنخب من العلماء والأدباء([50]) هو سبب عناية واهتمام هذه الأسرة ذات الشأن في الدولة بهذا النميري، ولعل فراغ عقيدته من اي مشروع سياسي هو ما صرف نظر السلطة العباسية عنه، لكن هذه السلطة واجهت وقاومت وقضت على زعامة صوفية غالية اخرى انطلقت في سياقاتها التاريخية والاجتماعية والدينية من ذات المبادئ والمفاهيم الصوفية الغالية وكان شخصها ورأسها أبي العزاقر محمد بن علي الشلمغاني أشهر شخوص التصوف الغالي.

ثالثاً: محمد بن علي الشلمغاني

هو محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني والملقب أحياناً بالعزاقري(323هـ)، ونسب في لقبه الشلمغاني إلى محل ولادته في قرية شلمغان وهي من نواحي واسط وقد نسب إليها جماعة من الكتّاب، ومنهم أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر كما نص على ذلك الحموي([51]) وذكر عنه في معجم الأدباء أنه كان كاتباً في بغداد وكان المحسّن بن الفرات ـ وهو إبن الوزير أبو الحسن علي بن الفرات ـ له عناية خاصة به فاستخلفه في بغداد لجماعة من العمّال بنواحي السلطان([52])، فامتهن العمل في إدارة الدولة تحت نظر بنو الفرات ورعايتهم، ولم تذكر المصادر التاريخية ـ الأدبية والرجالية أشياء عن أسرته وأما ما ذكرته المصادر من قول الشاعر الهمداني:

فليت الأرض كانت ما درايا *** وكل الناس آل الشلمغاني

فإنها أبيات من الشعر قيلت في مدح أحمد بن عبدالعزيز الشلمغاني([53])، ولم تكن تلك الأبيات في ابي جعفر محمد بن علي الشلمغاني ولم يذكر القاضي التنوخي(384هـ) أنها قيلت في أبي جعفر الشلمغاني([54]) وبذلك تضعف الرواية التي تزعم أن أبي جعفر الشلمغاني كان ينتمي إلى أسرة غنية وموسرة([55]) وتنسب له أهمية اجتماعية قبل وصوله إلى بغداد.

لقد بدأت حياة الشلمغاني السياسية والدينية تتبلور وتنضج في عاصمة الخلافة الإسلامية، وبدأت تتأسس له مكانة اجتماعية ودينية أخذت تتقدم باتجاه الزعامة الروحية بعد أن توطدت وتمكنت له أسباب الاتصال بالمراكز الروحية العالية والسياسية النافذة في بغداد، وهو ما يستشف من المصادر الإمامية التي دونت سيرة الشلمغاني الدينية والتي تكللت بالضلالة في هذه المصادر، لكن المصادر التاريخية ـ الأدبية قد اعتنت بسيرته السياسية والاجتماعية مثل معجم الأدباء لياقوت الحموي ونشوار المحاضر للقاضي التنوخي، إضافة إلى المصادر التاريخية السنية، وقد آثرنا هنا البحث عنه في المصادر الإمامية مراعاة لأصل الفكرة في البحث.

الشلمغاني في المصادر الإمامية

تشير المصادر الإمامية إلى أهمية المكانة الدينية والمنزلة الاجتماعية التي حظي بها محمد بن الشلمغاني في أول أمره، فقد روى أبي غالب الزراري(368هـ) عن لقائه الأول بابي جعفر محمد بن علي الشلمغاني (قال: دخلت إليه مع رجل من إخواننا فرأينا عنده جماعة من أصحابنا، فسلمنا عليه وجلسنا، فقال لصاحبي: من هذا الفتى معك؟ فقال له: رجل من آل زرارة بن أعين، فأقبل علي فقال: من أي زرارة أنت؟ فقلت: أنا من ولد بكير بن أعين أخي زرارة. فقال: أهل بيت جليل عظيم القدر في هذا الأمر، ثم قال له صاحبي: أريد الكتابة في شيء من الدعاء. فقال: نعم، وأنا أضمرت في نفسي الدعاء من أمر قد أهمني لم أبده له وهو حال والدة أبي العباس ابني، وكانت كثيرة الخلاف والغضب علي، وكانت مني بمنزلة، فقلت: وأنا أسأل حاجة، وهي الدعاء لي بالفرج من أمر قد أهمني، قال: فأخذ درجا بين يديه كان أثبت فيه حاجة الرجل، فكتب. والزراري سأل الدعاء في أمر قد أهمه، ثم طواه فقمنا وانصرفنا، فلما كان بعد أيام عدنا إليه فحين جلسنا إليه أخرج الدرج، وفيه مسائل كثيرة، قد أجيب في تضاعيفها، فأقبل على صاحبي وقرأ عليه جواب ما سأل، وأقبل علي وهو يقرأ: وأما الزراري وحال الزوج والزوجة، فأصلح الله ذات بينهما، فورد علي أمر عظيم لأنه سر لم يعلمه إلا الله تعالى وغيري، فلما أن عدنا إلى الكوفة فدخلت داري وكانت أم أبي العباس مغاضبة لي في منزل أهلها فجاءت إلي فاسترضتني واعتذرت ووافقتني، ولم تخالفني حتى فرق الموت بيننا)([56])، وهذا الزراري ينتمي إلى أهم بيوت الشيعة وهم آل زرارة ويحظى هو وبيته باهتمام واحترام بالغ بين الشيعة الإمامية في عصره، ويكشف حديثه عن خصوصية بالغة للشلمغاني توحي باتصاله المباشر بالإمام الغائب، أو تؤكد منزلته المهمة لدى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي(326هـ) السفير الثالث للإمام الغائب عند الشيعة الإمامية، ونجد تأكيد تلك المنزلة في ما روته المصادر السنية عن زيارة الحسين بن روح النوبختي في يوم تنصيبه سفيرا ونائبا عن الإمام الغائب إلى الشلمغاني في داره واستقباله وجوه الناس والأعيان للتهنئة في بيت هذا الرجل المثير للجدل، فقد روى المؤرخ الذهبي في ترجمة (الحسين بن روح بن بحر أبو القاسم القيني أو القسي… نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري عنه، وجعله من أول من يدخل عليه حين جعل الشيعة طبقات، وقد خرج على يديه تواقيع كثيرة، فلما مات أبو جعفر صارت النيابة إلى أبي القاسم، وجلس في الدار ببغداد، وجلس حوله الشيعة، وخرج ذكاء الخادم ومعه عكازه ومدرج وحقة، وقال: إن مولانا قال: إذا دفنني أبو القاسم وجلس، فسلم هذا إليه، وإذا في الحق خواتيم الأئمة. ثم قام في آخر اليوم ومعه طائفة. فدخل دار أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني، وكثرت غاشيته، حتى كان الأمراء يركبون إليه والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان)([57]). وقد خلط ماسنيون بين الخليفة عن الإمام الغائب والخليفة العباسي اعتمادا على رواية ورد فيها لقب أو اسم الخليفة ودخوله دار أبي جعفر العمري. ويزعم ماسنيون أن الحسين بن روح نال اعترافاً رسمياً من الخلفية بمساعدة الوزير ابن الفرات([58]) وذكر عن ذكاء الخادم هذا أنه مؤنس الرومي على هامش الصفحة([59])، وهو وَهْمٌ.

الشلمغاني والحضور في بغداد

 كانت سفارة أو نيابة أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي بدأت في سنة 304هـ أو 305هـ على اختلاف الرواية، وهي السنة التي توفي فيها السفير الثاني أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ـ الخلاّني، وتكشف الرواية الإمامية التي تحدثت عن تنصيب النوبختي سفيراً ووكيلاً عن حضور الشلمغاني في بغداد قبل وصول الوزير حامد بن العباس، الذي وصل إلى بغداد لشغل منصب الوزير قادما من واسط في سنة 306هـ)، ولعل المراد بالشلمغاني في رواية القاضي التنوخي وفي رواية ياقوت الحموي الذي اجتذبه الوزير حامد معه إلى بغداد([60])، هو أحمد بن عبد العزيز الشلمغاني الذي كان يحظى بالمال والشهرة في واسط وليس أبا جعفر محمد بن علي الشلمغاني، وقد وقع الأستاذ الغانمي في هذا الاشتباه اعتماداً على ما أورده شارح ومحقق نشوار المحاضرة، وكان ماسنيون قبل ذلك قد وقع أيضاً في هذا الاشتباه فقد ذكر عن محمد بن علي الشلمغاني أنه جاء إلى بغداد من واسط مع الوزير السني ـ وفق قوله ـ حامد وأصبح رجله الثقة([61]).

 وقد بدأت المصادر الإمامية تتحدث عنه في ظل سفارة الحسين بن روح وبدأ من هذه السنة مما يدع تاريخه قبل ذلك مجهولاً في تفاصيله، وعلى مدى عشرين عاماً لاحقة انشغلت به المصادر الإمامية والسنية إلى حين وفاته قتلاً سنة 223هـ.

لكننا قد نستوحي أهميته وقبل ذلك التاريخ من خلال المؤلفات والكتب التي وضعها في فترة استقامته كما يطيب للمصادر الإمامية وصف أيامه وتاريخه قبل انحرافه عن مسارات الإمامية، فقد وضع ما يربو على ستة عشر كتاباً ذكرها النجاشي([62]). وتكشف كتبه عن المناحي العقلية والكلامية في الفكر الإسلامي الذي كان الشلمغاني يعد عالما كبيرا وفقهيا مهما في علومه وفنونه، ويبدو من بعض أسماء كتبه التي ضاعت جميعاً باستثناء كتاب “التكليف” أنه كان متكلماً إمامياً بارعاً ولاسيما أنه نشأ وسط المتكلمين الإماميين من النوبختيين في بغداد، فقد جاء عنوان كتاب له باسم “ماهية العصمة”، ويبدو أنه في الأدلة العقلية ولعل النقلية أيضاً في بيان تلك العقيدة الإمامية التي انشغل بالتدليل على صحتها متكلمو الإمامية في جميع عصورهم، وكذلك له كتاب باسم “الزاهر بالحجج العقلية” واسمه يكشف عن الأدلة والحجج الكلامية التي يسوقها في هذا الكتاب، وله “كتاب الإيضاح” و”كتاب المعارف” و”كتاب البرهان والتوحيد” و”كتاب البداء والمشيئة” وهي كلها في علوم الكلام وأدلة العقل في تلك الأصول العقائدية ـ الإمامية وكما يبدو من عنوان كل منها، وله أيضاً كتباً في تلك العقائد ـ الإمامية ولعلها تستند إلى الأدلة النقلية ومنها “كتاب الأوصياء” و”كتاب المباهلة” و”كتاب الإمامة الكبير” و”كتاب الإمامة الصغير”، وقد اشتغل بعلم التفسير ويدلّ عليه كتابه “نظم القرآن”، وله كتاب بعنوان “فضل الصمت على النطق” ويبدو من عنوانه أنه في علم الأخلاق الإسلامي، وله كتب أخرى في مجالات من العلم والمعرفة لا نكاد أن نحدد طبيعة موضوعاتها ومنها “كتاب الأنوار” و”كتاب التسليم” وهناك “رسالة إلى ابن همام” لم تكشف المصادر عن مضمونها علماً أنها وجهت إلى شخصية إمامية مهمة في عصره، وفي تصنيفه فقيهاً إمامياً كبيراً يدل عليه كتابين في فقه الإمامية أحدهما بعنوان “كتاب فضائل أو فضل العمرتين” و”كتاب التكليف”([63])، الذي يعدّ من أهم كتبه في الوسط الشيعي ـ الإمامي، وقد اعتنت به الإمامية في عصره عناية بالغة، وكانت الطائفة تعمل به وترويه وتنسب تأليفه إلى أيام استقامته كما تقول المصادر الإمامية وقد رواه عن الشلمغاني علي بن موسى بن بابويه القمي شيخ القميين(329هـ)، ورواه عنه ولده أبو جعفر محمد بن علي الصدوق(381هـ)([64])، وذكره الشيخ الطوسي في كتابه الفهرست قال: (وله من الكتب في حال استقامته كتاب التكليف أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر ابن بابويه ـ الصدوق ـ عن أبيه ـ ابن بابويه القمي ـ عنه ـ عن الشلمغاني ـ)([65])، وقد ذكر أن له كتب وروايات وانه كان مستقيم الطريقة ثم تغير وظهرت منه مقالات منكرة، لكن الشيخ الطوسي قال في كتاب الرجال في من لم يروِ عن الأئمّة: (محمد بن علي الشلمغاني: يعرف بابن أبي العزاقر غال)([66])، وقد روى أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان المفيد(314هـ) كتاب التكليف عن شيخه الصدوق([67]).

ويبدو من وثاقة هذا الكتاب وعظيم عناية الإمامية به في عصر الغيبة أن الحسين بن روح النوبختي (قال: اطلبوه إلي لأنظر فيه فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره فقال: ما فيه شيء إلا وقد روي عن الأئمة إلا موضعين أو ثلاثة فانه كذب عليهم في روايتها لعنه الله)([68])، وقد طلبه في أيام انحرافه عن الإمامية وليس في أيام استقامته كما تدل على ذلك عبارة “لعنه الله” وهو يشير إلى تمسك الإمامية في عصر الغيبة بهذا الكتاب الفقهي للشلمغاني حتى بعد طرده ونبذه من قبل رؤساء وفقهاء الإمامية، وقد ظل الاهتمام الإمامي به حتى بعد قتله كما يظهر من رواية الشيخ الصدوق له وإخبار جماعة من فقهاء الإمامية به إلى الشيخ الطوسي كما ذكر هو ذلك، ثم فُقد الكتاب وظل طوال عصور الإمامية في الغيبة الكبرى مفقودا حتى ظهر في أيام الشيخ محمد تقي المجلسي(1070هـ)، وكان المروج له هو الشيخ المجلسي ثم ولده الشيخ محمد باقر المجلسي(1111هـ) الذي رواه في كتابه بحار الأنوار عادّاً له من تأليف الإمام علي بن موسى الرضا(203هـ)، وتسالم كثير من فقهاء الإمامية بعد الشيخ المجلسي على نسبته إلى الإمام الرضا وهو ما لم تثبت نسبته إليه لدى المتأخرين من فقهاء الإمامية([69])، وأول من نسب كتاب فقه الرضا إلى كتاب التكليف هو العلامة الكبير والخبير بفنون التأليف عند الإمامية السيد حسن الصدر في كتابه فصل القضاء وكان يستند إلى اتحاد الرواية بينه وبين الرواية عن كتاب التكليف في كتاب غوالي اللآلئ([70])، لمؤلفه شمس الدين محمد ابن أبي جمهور الأحسائي(901هـ)، ورغم محاولة بعض الإمامية في عصر الغيبة الصغرى التشكيك في أهمية كتاب التكليف ودور الشلمغاني في كتابته، إلا أنهم حافظوا على العمل به فقد روى عن أبي جعفر محمد بن أحمد بن الزكوزكي وقد ذُكر عنده كتاب التكليف وكان عندهم أنه لا يكون إلا مع غال فيقول بن الزكوزكي (وأيش كان لابن أبي العزاقر في كتاب التكليف إنما كان يصلح الباب ويدخله إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح فيعرضه عليه فيحككه فاذا صح الباب خرج فنقله وأمرنا بنسخه) لكن حين سئل بن الزكزوكي أن يكتب من خطه هذا الكتاب قال: قد خرج عن يدي فاضطر السائل أن يأخذه عن غيره([71]).

وبلغت من أهمية كتب الشلمغاني في الأوساط الإمامية في عصر الغيبة الصغرى أنهم شكوا إلى الحسين بن روح النوبختي امتلاء بيوتهم بكتب الشلمغاني فماذا يصنعون بالعمل بها بعد انحرافه وكان جوابه: (أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء فقال صلوات الله عليه: خذو بما رووا وذروا ما رأوا)([72]).

وتكشف تلك الرواية عن حجم مكانته الدينية والاجتماعية في أوساط الإمامية وعدم جهالة تاريخه قبل انحرافه، ولعل في تصنيف الشيخ الطوسي له في من لم يروِ عنهم ـ أي عن الأئمة ـ في رجاله إشارة إلى صحبته للإمام المعصوم، وكذلك ما قاله النجاشي: (أنه كان متقدماً في أصحابنا)([73]) يشير إلى صحبته للإمام العسكري التي توجب تقدمه في أصحاب الإمامية من الفقهاء والمحدثين، لكنه في كتابه “الأوصياء” يروي عن حمزة بن نصر عن أبيه عن الإمام أبي محمد العسكري، ويروي عن الثقة ـ لم يذكر اسمه ـ عن إبراهيم بن إدريس عن الإمام أبي محمد العسكري([74])، ورواية الشيخ الطوسي عن كتاب الأوصياء للشلمغاني تؤكد وصول الكتاب إليه وتداوله في عصر الطوسي بين الشيعة الإمامية.

ثم إن اختيار السفير الثالث النوبختي له ليكون نائبا عنه كما تؤكد رواية أبي غالب الزراري ذلك بقوله (كنا نلقى أبا القاسم الحسين بن روح ـ رضي الله عنه ـ قبل أن يقضى الأمر إليه صرنا نلقى أبا جعفر الشلمغاني)([75])، ولعلها إشارة إلى استتار الحسين بن روح النوبختي وفق المصادر الإمامية([76]) أو حبسه([77]) وفق المصادر السنية بعد تنصيبه سفيراً ووكيلاً عن الإمام الغائب على أثر طلب الوزير حامد بن العباس له ونيابة الشلمغاني عنه في تلك الفترة، فقد كان استيزار حامد بن العباس سنة 306هـ في خلاقة المقتدر العباسي ووكالة أو سفارة الحسين بن روح سنة 304هـ أو 305هـ وطلبه للحسين بن روح بعد سنة من سفارته ووكالته وحتى انقضاء وزارة حامد بن العباس التي استمرت إلى سنة 311هـ فيكون استتاره أو حبسه لمدة خمس سنوات([78])، وهي مدة ليست بالقصيرة في نيابة الشلمغاني عن النوبختي وذكر عنه الزراري انه كان الواسطة بين كبار الإمامية وبين الحسين بن روح النوبختي في استتاره أو حبسه([79])، ولعل إشارة المصادر إليه بابن أبي العزاقر وبعضها تترجم له بالقول: (محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر)([80]) تعكس المكانة المهمة لأبيه أو جده أبي العزاقر التي سكتت المصادر عن ترجمته أو تعريفه ويؤيد ذلك أن المصادر تطلق على أتباعه اسم العزاقرة.

 وتحدثت عن منزلته بين الإمامية أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان السفير الثالث فقالت: (كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيها عند بني بسطام وذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله تعالى عنه وأرضاه كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاهاً)([81])، ولكن يبدو من مرويات الإمامية ومصادر أخرى أن منزلته ووجاهته الاجتماعية كانت قبل سفارة ووكالة الحسين بن روح النوبختي.

وكانت أم كلثوم وفق المصادر الإمامية هي السبب المباشر في التغيير الذي طرأ على وجهة نظر السفير النوبختي تجاه محمد بن علي الشلمغاني، وكانت هذه المرأة ذات قدر وجلالة ومكانة عليا في أوساط الإمامية لأنها من أسرة نالت رضا ومباركة الإمامين العسكريين وشغل جدها أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري ـ الأسدي(267هـ) منصب الوكيل المالي وأحيانا الإداري للإماميين العسكريين علي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري، وكان هذين الإماميين يوصون شيعتهم بمراجعة الوكيل العمري في حالة تعذر الوصول إلى الإمام ويصفونه بالثقة الأمين وكانت الشيعة الإمامية تقول فيه الثقة المرضي، وقد أوصى الإمام العسكري أن يكون أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري هو خليفة الإمام الغائب المهدي وأن يكون الأمر إليه، فشغل منصب السفير والوكيل الأول للإمام المهدي في بدأ الغيبة الصغرى([82])، وأما أبوها أبي جعفر محمد بن عثمان العمري(304 أو 305هـ) فقد أدرك الإمام العسكري الأول وكان يشارك أبيه منصب الوكالة عنه وبوصية من الإمام أبي محمد الحسن بن علي الهادي العسكري الأول وعن أبي محمد الحسن بن علي العسكري الثاني أنه نصح بعض شيعته حين سألوه عمن يأخذوا قوله وممن يقبلون فأخبرهم بمراجعة العمري الأب وابنه فانهما الثقتان المأمونان([83])، وقد أجمعت الإمامية على احترام وتعظيم تلك الأسرة قبل الغيبة وبعدها، وهو ما أكسب أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان تلك الوثاقة في الحديث والرواية عنها، فقد حدثت أبا القاسم الحسين بن روح النوبختي عن العقيدة الغالية التي تسربت إلى أسرة بني بسطام وبواسطة محمد بن علي الشلمغاني، فقد زعمت سيدة في هذه الأسرة وهي أم أبي جعفر بن بسطام أمام السيدة أم كلثوم أن روح رسول الله انتقلت إلى أبيها أبي جعفر محمد بن عثمان وأن روح أمير المؤمنين انتقلت إلى بدن الحسين بن روح النوبختي وأن روح مولاتنا فاطمة الزهراء انتقلت إلى السيدة أم كلثوم، وأن أم جعفر بن بسطام كانت قد أخذ عليها وعلى أسرتها العهود أن لا يكشفوا هذا السرّ([84])، واستناداً إلى هذه الرواية الإمامية فإن الشلمغاني كان يفسر اللعنة والبراءة منه الصادرة بحقه عن السفير الثالث بأنه قد أذاع السر وكشف عن المحظور من الأمر([85])، والسر وعدم إذاعته هو من المفاهيم الصوفية الشائعة في السلوكيات والأفكار الصوفية بل إن الشلمغاني عمد إلى استخدام مفهوم آخر سائد في تداوله لدى لصوفية وهو الباطن فقال حين أخبروه باللعن والطرد: (إن لهذا القول باطناً عظيماً وهو أن اللعنة الإبعاد، فمعنى قوله: لعنه الله أي باعده الله من العذاب والنار) ثم اعتمد أسلوباً فكرياً صوفياً آخر هو التأويل فقال: (والآن قد عرفت منزلتي)([86]).

ومنذ هذه اللحظة تم الإعلان عن غلو بني بسطام ونهي الحسين بروح عن لقاءهم ومجالستهم، وأوضح وفق رواية أم كلثوم أن قول الشلمغاني هذا في بني بسطام إنما يمهد للقول بالحلول والاتحاد وأن الله قد حل به واتحد ثم يعدو بعد ذلك إلى قول الحلاج وهو ما استوجب لعته والبراءة منه وممن تابعه وشايعه([87])، وهي تؤكد ذلك النزوع الصوفي ـ الغالي لدى الشلمغاني.

وقد تسببت تلك البراءة وذلك اللعن بحبسه وقتله وفق الروايات الإمامية([88])، التي لم تذكر تواريخ الحبس والقتل للشلمغاني، لكنها حددت تاريخ بيان البراءة واللعن في سنة 312هـ فقد أنفذه الحسين بن روح في هذه السنة وفي شهر ذي الحجة من محبسه في دار المقتدر العباسي إلى أبي علي بن همام أحد وكلاء بن روح النوبختي([89])، وعلى أثر هذا البيان والذي يطلق عليه الإمامية “التوقيع” الصادر من ناحية الإمام المهدي على يد السفير الثالث النوبختي طلب الشلمغاني وفق الرواية الإمامية في مجلس حافل بحضور رؤساء الإمامية أن يباهل الحسين بن روح النوبختي وأن يأخذ بيده فان لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه فان جميع ما قال في الشلمغاني من اللعن والبراءة هو حقّ، فسمع بذلك الخليفة الراضي العباسي(329هـ) وكان حاضراً في دار ابن مقلة الوزير الشيعي ـ الإمامي فأمر بالقبض عليه وقتله فقتل فاستراحت الشيعة منه وفق الرواية الإمامية([90])، ولكن هذا البيان لم يكن السبب المباشر في عقوبة وقتل الشلمغاني فقد صدر بيان البراءة واللعن وتداولته الإمامية قبل أحد عشر عاما من قتل الشلمغاني في سنة 323هـ.

وقد دُونت الروايات الإمامية في أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني ولُخصت في كتاب الغيبة للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي(460هـ)، وكان يخبر فيها سلسلة من الرواة الإماميين تنتهي إلى رواة من الإمامية في عصر الغيبة الصغرى عاصروا أحداث الشلمغاني، وكان لبعضهم دورٌ من قريب أو بعيد في شأنه ووقائعه، واما المصدر الثاني الذي ترجم للشلمغاني دون ذكر الوقائع والأحداث فهو كتاب “رجال النجاشي” للشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي(450هـ)، وقد اعتمدت المصادر الإمامية اللاحقة لا سيما الرجالية على هذين الكتابين في سرد ترجمة ووقائع أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني.

وقد حاول أحد هذين المصدرين الإماميين التخفيف من وقع انحرافات الشلمغاني التي وصفت بالضالة والمقالات المنكرة بأنها ليست بدوافع العقيدة، وإنما بدافع الحسد الذي أصاب نفسه تجاه ولي نعمته ووليه الديني السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي، فقال الشيخ النجاشي (حمله الحسد لأبي القاسم الحسين ين روح النوبختي على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديّة)([91]).

وينقل الشيخ الطوسي عن كتاب الغيبة للشلمغاني أنه كتب (وأما ما بيني وبين الرجل المذكور زاد الله في توفيقه فلا مدخل لي في ذلك إلا لمن أدخلته فيه لأن الجناية عليّ فاني وليها)([92])، ويقول في فصل آخر من هذا الكتاب وفيه يعرض توبته (وهذا الرجل منصوب لأمر من الأمور لا يسع العصابة العدول عنه وحكم الإسلام مع ذلك جار عليه كجريه على غيره من المؤمنين)([93])، وفيه يبطل القول الذي نقلته عنه أسرة بني بسطام من أن روح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) قد حلت فيه بل الحسين بروح النوبختي يجري عليه حكم الإسلام مثل غيره من المؤمنين، ومع ذلك فان الشيعة ـ الإمامية لم تلتفت إلى اعتذاره وتوبته وأقامت على لعنه والبراءة منه وهو ما جاء في حديث أبي محمد هارون بن موسى([94])، لكن أبي علي محمد بن همام وكيل الحسين بن روح وثقته أنكر أن يكون الشلمغاني باباً إلى الحسين ين روح أو طريقا إليه أو يكون قد نصبه لهذا الأمر وإنما كان فقط فقيها من فقهاء الإمامية وفق قوله وعلل انحرافه بالتخليط أي بالجنون فقال (لكنه خلط وظهر منه ما ظهر)([95])، وبن همام هذا هو من كلفه الحسين بن روح النوبختي من محبسه بترويج كتاب اللعن البراءة بحق الشلمغاني بين الشيعة ـ الإمامية([96]) وكان الشلمغاني قد كتب إليه رسالة في أيام استقامته ذكرها النجاشي([97])، وقد نقل هو وأبي محمد هارون بن موسى الكثير من أخبار ووقائع الشلمغاني. ورغم ذلك النبذ والطرد له في أوساط الإمامية إلا ان بعض المصادر الإمامية تنقل عن لقاءاته ودروسه التي كان يلقيها على أفراد من الرواة والمحدثين الإماميين([98]).

وقد نقلت بعض أحاديثه ورواياته بعض كتب الإمامية في القرن الرابع الهجري ولا سيَّما كتاب “دلائل الإمامة” للمؤلف الإمامي محمد بن جرير بن رستم الطبري(411هـ) وتضمنت خمسة أحاديث تدور في مدارات الكرامات والمعجزات([99])، وكان قد روى عنه قبل ذلك الحسين بن حمدان الخصيبي(358هـ) حديثاً عن علي بن عبد الغفار عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري في توكيد بابية محمد بن نصير النميري للإمام العسكري([100]) ([101])، وهو ما يشير إلى الصلة الفكرية الاعتقادية بين الشلمغاني ومحمد بن نصير النميري وانخراطهم في حركة غلو شيعية واحدة هي الفرقة الخطابية في عصر الغيبة الصغرى.

لكن المصادر الإمامية توقفت بعد ذلك عن الحديث والرواية عنه على أثر التضعيف له في الكتب الرجالية([102]).

وقد عالجت المصادر الإمامية ووفق المحددات الدينية والمذهبية أفكار ووقائع محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، ولم تكن تعني بالمحددات السياسية والاجتماعية التي انخرط فيها الشلمغاني، وكان له الدور المؤثر والفاعل في الأحداث والوقائع التي عصفت بالدولة العباسية في ظل خلافة المقتدر والراضي العباسيين، وهو ما تكفلت بالإفصاح عنه المصادر التاريخية الأدبية والسياسية. وأما المحددات الدينية والمذهبية فإنها هي التي اثارت الجدل أو الاتهام في عقيدة الشلمغاني الغالية ـ الصوفية.

الشلمغاني والغالية ـ الصوفية

أقدم إشارة وردت في عقيدة الشلمغاني الغالية ـ الصوفية جاءت في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، فقد روى عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داوود أن محمد بن علي الشلمغاني كان يقول بحمل الضد للضد، وأنه لا يتهيأ إظهار فضيلة الولي إلا بطعن الضد فيه، فالولي لا تعرف فضيلته إلا بضد له يشغل وظيفة وجودية ومقدرة له في سياق تقدير إلهي سابق يرتبط (بالسبع عوالم أو السبع أوادم ـ كذا) وكل ضد ينزل مع ضده([103])، مما يدع هذا الضد لائقاً بوظيفته وممتدحاً بها فهو يعمل على إظهار فضيلة الولي وفي ذلك السياق يفسر ماسنيون الخلاف أو التضاد بين الشلمغاني والسفير النوبختي ومن وجهة نظر الشلمغاني بأنه الضد المكلف بإرادة الله بالدلالة على الولي الذي هو النوبختي هنا([104])، وقال بعض العزاقرة أن الضد ينصب الضد وأن عليَّ بن أبي طالب نصب أبا بكر وقال بعضهم بل هو قديم أزلي، ورغم الركاكة والغموض في عبارة الطوسي في العلاقة بين القائم ـ المهدي وإبليس لكن يبدو أنه وضع إبليس في مقام الضد للقائم المهدي وفي هذا تعظيم لإبليس وفق عقيدة الشلمغاني في تعظيم ومدح الضد وهو ما يتفق التعظيم والمدح لإبليس في ادبيات التصوف باعتباره سيد الموحدين، ونجد فيها جذور أو آثار فكرة وحدة الوجود الصوفية، والتي تبدو جلية في عقيدة الشلمغاني التي ينفل عنها الطوسي رواية أبو علي بن همام عن الشلمغاني قوله (الحق واحد وإنما تختلف قمصه) وهو قول أصحاب الحلول كما يقول بن همام([105])، ولكنه جذر فكرة وحدة الوجود.

وقد استعاد الشلمغاني في فكرة حمل الضد للضد عقيدة الشريعي الغالي ـ الصوفي القائلة بحمل الأضداد، فالخمسة من أهل البيت حملوا في وجودهم الأضداد الخمسة وهم أضدادهم التاريخيين والسياسيين، مما يؤكد امتداد حركة الغلاةـ الصوفية من الشيعة ضمن سياق مؤسساتي وبعد جماعاتي يستند إلى تنظيم إيديولوجي وأخيراً سياسي، نجد تمثُّلاته وتجلياته في أخطر حركتين صوفيتين هما الحلاجية والعزاقرة وهو ما كان يدعو إلى اتهامهم بالصلات مع الإسماعيليين والقرامطة، ويشير ماسنيون إلى محاولة الشلمغاني في إحياء الجماعة الإمامية وفق نظام هرمي من الأتباع والسالكين في مسارّة إلهام إلهي وفقا لمذهب المخمسة([106])، ويؤكّد ذلك الامتداد في الخطاب الأيديولوجي والتنظيمي في الحركة الخطابية أو المخمسة الغالية هو ما جاء في كتاب اللعن والطرد أو التوقيع الصادر عن الإمام المهدي الغائب وبرواية الحسين بن روح النوبختي قوله (أننا في التوقي والمحاذرة ـ من الشلمغاني ـ على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم)([107])، وهو نص يؤشر الخط التنظيمي والأيديولوجي في هذه الحركة الدينية ـ الغالية ـ الصوفية.

وفي اصل الضد للضد في عقيدة الشريعي والشلمغاني ولعلها أيضا في عقيدة المخمسة نجد العلاقة الصوفية بين اللاهوت والناسوت والتضاد الحاصل بينهما في محاولة اللاهوت نزع الناسوت والخلاص من قمعه وحبسه، يقول الحلاج الصوفي (فإنّ قيامي بحقك ناسوتيّة، وقيامك بحقي لاهوتيّة. وكما أنّ ناسوتيّتي مستهلكة في لاهوتيّتك غير ممازجة إياها فلاهوتيتك مستولية على ناسوتياتي غير مماسّة لها. وبحق قِدَمك على حدثي، وحق حدثي تحت ملابس قدمك)([108])، ويقول: (يا هو أنا وأنا هو لا فرق بين إنيتي وهويتك إلا الحدث والقدم)([109])، وكان ذلك التضاد هو ما يؤرق الحلاج ويدعوه إلى الخلاص من الناسوتية إلى انفراد اللاهوتية فزعم الحلول والاتحاد، وهو يؤشر انتماء الحلاج إلى تلك الجماعة الغالية من الشيعة الإمامية لا سيما مع سيرته في أوساط الشيعة الإمامية.

لكن الباحث الكبير في التصوف الإسلامي ماسنيون يؤشر العداء والصدام الفكري والسياسي بين الحلاج كبير الحلاجية والشلمغاني كبير العزاقرة وهو يفسر طاسين الأزل للحلاج ردّاً على نظريات الشلمغاني في ازدواجية التضاد للوجود البشري([110])، وينسب ذلك الجدل بين الحلاج والشلمغاني إلى سنة 306هـ وكان الشلمغاني فيها إمامياً خالصاً ومتقدماً في أصحابه من الإمامية كما نصت على ذلك المصادر الإمامية ولم تكن تصدر عنه أفكار الغلو والتصوف في هذه السنة وما قبلها أو حتى إلى ما بعدها إلى حين، وينص ماسنيون على دور الشلمغاني في دفع الوزير حامد بن العباس إلى القضاء على الحلاج باعتباره مشعوذاً وفق إملاء الشلمغاني على الوزير الذي نشكك وبقوة في علاقته المزعومة بأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني، ويصف ماسنيون الشلمغاني بالشيعي الغنوصي والغريب الأطوار والباطني الفظ([111])، وكأن ماسنيون يثأر لصديقه الروحي الحلاج من الشلمغاني وقبل ذلك ينقل عنه إعلانه لقرار بن روح النوبختي في إعدام الحلاج وفق عبارة ماسنيون حين كان الشلمغاني مساعداً للسفير الثالث النوبختي([112])، وهي رواية لم توردها المصادر الإمامية التي تؤكد دائما ويشكل ضمني على التصالح والتوافق بين الحلاج والشلمغاني، وكان رؤساء الإمامية من الفقهاء والوكلاء يرون في الشلمغاني أنه على خطى وأفكار الحلاج الصوفي ـ الغالي وكانوا يطلقون على فرقتهم أو حركتهم اسم “الحلاجية” وهي أقدم تسمية في تصنيف أتباع الحلاج وهي تسمية الإمامية لهم في عصر الغيبة الصغرى فقد وردت في رواية الراوي الإمامي هارون([113]) وهو أبو محمد هارون بن موسى(385هـ)([114])، وذكر صاحب الاحتجاج خروج اللعن والبراءة في التوقيع الصادر عن الإمام المهدي الغائب وقد شمل الحلاج في قائمة الملعونين من الغلاة الشيعة المتقدم ذكرهم([115])، لكنه لم يورد اسم الحلاج في بيان اللعن والبراءة هذا.

وقد روى ابن النديم(380هـ) في كتاب الفهرست محاججة أبي سهل النوبختي(311هـ)([116]) مع الشلمغاني حين دعاه إلى عقيدته الصوفية ـ الغالية وادعائه بذل المعجز واظهار العجيب كما يقول ابن النديم، فطلب منه معجزة إنبات الشعر في رأسه من أجل تصديقه وكان به هازئا وساخرا([117])، وهي ذات المحاججة التي تكلم بها أبو سهل مع الحلاج الصوفي([118])، حين عرض دعوته الصوفية ـ الغالية عليه وهي لا تختلف بشيء عن دعوة الشلمغاني وفق المصادر الإمامية، وإذا كانت وفاة أبي سهل النوبختي سنة 311هـ وصلب الحلاج سنة 309هـ فإن دعوة الشلمغاني تقارب تاريخ دعوة الحلاج، ولعل الوزير حامد بن العباس الذي أصدر أمر قتل وصلب الحلاج كان في طلبه للشلمغاني يصدر عن قناعة بأن الشلمغاني هو أحد أنصار الحلاج أو أحد رؤساء الحلاجية من الصوفية ـ الغالية، وكان سبباً في استتار الشلمغاني حتى زوال حامد بن العباس عن الوزارة سنة 311هـ، وهو يؤكد أيضاً استتاره مباشرة في أعقاب قتل وصلب الحلاج وأن الطلب كان قد لحقه في تلك الأيام لكنه لم يدرك وفق رسالة كتبت عن الراضي العباسي(329هـ) يذكر فيها قتل العزاقري ـ الشلمغاني([119]).

وتجدر الإشارة إلى تصنيف الإمامية للحسين بن منصور الحلاج وابن أبي العزاقر محمد بن علي الشلمغاني في قائمة الوكلاء المذمومين الذين ادّعوا البابية([120])، وهو يكشف عن التطابق في المنحى الديني الشيعي بين الحلاج والشلمغاني من وجهة نظر الإمامية، وكانت حلقة الوصل التاريخية بين الحلاج والشلمغاني هو ارتباط الراوي الإمامي أبو الفرج القنائي بكلا هذين الصوفيين ـ الغاليين، فقد ذكر المؤرخ السني ابن كثير أن محمد بن علي الكاتب القنّائي هو من أتباع الحلاج واعتقل بتهمة الاتصال به وإتّباعه وعبادته([121]) ولعله في جملة من أشارت رسالة الراضي العباسي باعتقال جماعة كانوا من أتباع الحلاج([122])، ومن عبارة النجاشي نستشف اتصال أبو الفرج محمد بن علي الكاتب القنّائي([123]) بأبي جعفر الشلمغاني عن طريق أحد طلاب ومريدي الشلمغاني وهو أبو المفضّل محمد بن عبدالله بن المطّلب وكان قد تبعه إلى الموصل في استتاره الثاني في وزارة أبي القاسم الخاقاني والتقى به في قرية معلثايا وقرأ عليه بعض كتبه([124])، مع احتمال المطابقة بين كلا القنّائين أو عدم صحتها.

ويبدو أن محنة العداء كان قد ابتلي بها الشلمغاني ولم تكن لتقتصر على ماسنيون فقد عاداه السنة والشيعة ولم نعثر على مؤيد أو مادح له في المصادر التي ذكرته، وقد نسبت إليه مذاهب ومقالات لم نكن لنتأكد منها ومن صحة نسبتها إليه لأنها جاءت في المصادر القادحة فيه والذامة له، ولم يحسم الجدل فيه السيد أبو القاسم الخوئي فقد ذكر في كتابه الرجالي ما نصّ عليه الشيخ الطوسي والنجاشي ولكنه لم يصحح رواية ترخيص الحسين بن روح النوبختي العمل بكتبه لمجهولية الرواي عبد الله الكوفي خادم السفير النوبختي([125]). وأهم المصادر التي فصلت في عقيدته وحكاية مذهبه هو المؤرخ ابن الأثير(630هـ) ونسب إليه القول بأن (الله تعالى يحل في كل شيء على قدر ما يحتمل وأنه خلق الضد ليدل على المضدود) وينسب إليه حلول اللاهوت في الناسوت وحلوله في الضد للناسوت وهو إبليس، وقد ظهر اللاهوت في خمسة ناسوت وفي خمسة أبالسة تضادها، وكلما غاب ناسوت منها وضده إبليسه أو تفرقا ظهر ناسوت آخر وإبليسه واجتمعا، وبدأت بآدم وإبليسه ثم في إدريس وإبليسه ثم في نوح وإبليسه ثم في هود وإبليسه ثم في صالح وإبليسه ثم في إبراهيم وإبليسه ثم في هارون وإبليسه ثم في سليمان وإبليسه ثم في عيسى وإبليسه ثم في تلامذة عيسى وأبالستهم ثم في علي بن ابي طالب وإبليسه([126])، وأبالسة هؤلاء الأنبياء والأوصياء هم طغاة عصورهم مثل: عاقر ناقة صالح مع صالح ونمرود مع إبراهيم وفرعون مع هارون. ولم يذكر ابن الأثير أسماء باقي الأبالسة المفترضين لدى الشلمغاني واستبدل اسم موسى بهارون وقد ذكر أحد عشر ناسوتاً ـ نبيّاً ووصيّاً وهو خلاف الناسوت الخمسة المفترضين مما يدلّ على عدم وثاقة النقل واضطراب النصوص في مذهب الشلمغاني،

وقد تحول مفهوم الأضداد إلى مصطلح متداول في الفرق الغالية من الإمامية فقد كان الخصيبي يصف المعارضين والمخالفين للنميري رئيسه المذهبي بالأضداد قال: (أشاع قوم من الأضداد المقصرة بأن أبا شعيب ادعى المعنوية) ووصفهم بالأضداد الحسّاد([127])، ويعني بالأضداد الإمامية من لم يقل منهم بالغلو في الأئمة تأليهاً أو تفويضاً، وهم الأكثر، وأما المعنوية فإنه يقصد بها ربوبية الأئمة.

ويظل مفهوم الضد الذي أسس له الشلمغاني بشكل ديني ومضمون وجودي تعبير عن التناقضات الحادة في الوجود والتاريخ والنفس، وقريباً أيضاً من مفهوم اجتماع النقيضين الماركسي والمردود في الفكر الفلسفي الإسلامي.

وقد أورث هذا المبدأ الضدي في عقيدة الشلمغاني الغالية ـ الصوفية تضادّاً دينياً ومذهبياً وسياسياً تجاهه، فقتل وعلى طريقة قتل الصوفية ولكن وحيداً ومطروداً ومنبوذاً وكأن نهايته تترجم فلسفته ومبدأه في الضدية فقد كان الكل ضده.

الهوامش

([1]) كاتبٌ وباحثٌ في الحداثة والتراث (hakamat62@gmail.com).

([2]) هناك اختلاف في تاريخ وفاته أو جهل في تاريخ وفاته.

([3]) على اختلاف بين المؤرِّخين لوفاته.

([4]) تاريخ وفاته مجهول.

([5]) أبو الحسن محمد بن موسى النوبختي: فرق الشيعة: 102 ـ 103، تعليق: محمد صادق بحر العلوم، المطبعة الحيدرية، النجف، 1388هـ ـ 1969م.

سعد بن عبد الله بن خلف الأشعري القمي: المقالات والفرق: 100 ـ 101، تحقيق: د. محمد جواد مشكور، مطلعة حيدري ـ طهران، 1341هـ.

([6]) د. كامل مصطفى الشيبي: الصلة بين التصوف والتشيع: 145، دار المعارف، مصر، ط2.

([7]) راجع: شيخ الطائفة الإمامية الشيخ الطوسي: اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي: 513 ـ 523، تحقيق: العلامة حسن المصطفوي، مركز نشر آثار العلامة المصطفوي، الطبعة السادسة، السنة 1429هـ ـ 2008م؛ الشيخ الطوسي: الغيبة: 244 ـ 256، مكتبة بصيرتي، قم، ط2، 1408هـ.

([8]) الغيبة: 244.

([9]) المصدر السابق: 248 ـ 249.

([10]) الاختلاف في اسمه وكنيته ولقبه يتطلب منّا في البحث ذكر لقبه الشائع في المصادر.

([11]) الغيبة: 244.

([12]) اختيار معرفة الرجال: 517.

([13]) وهو أشهر الغلاة في الشيعة الإمامية، قال الكشي: علي بن الحسكة الحوارقمي… وابن بابا ومحمد بن موسى الشريقي كانا من تلامذة علي بن حسكة… وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه: أن من الكذّابين المشهورين علي بن حسكة. (معرفة اختيار الرجال: 517).

([14]) المصدر السابق: 516.

([15]) المصدر نفسه.

([16]) المصدر نفسه.

([17]) أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: الاحتجاج 2: 289، تحقيق: محمد باقر الخرسان، دار النعمان، النجف، 1386هـ ـ 1966م.

([18]) الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان: تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد: 109 و112، قدم له: السيد هبة الدين الشهرستاني، دار المحجة البيضاء، ط1، 1437هـ ـ 2016م.

([19]) مرجع المسلمين زعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي: معجم رجال الحديث 17: 320 ـ 321 (رقم الرجل 11859في الكتاب)، مطبعة الآداب، النجف، ط1.

([20]) اختيار معرفة الرجال: 516 ـ 517.

([21]) أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري: مقالات الإسلاميين 1: 82 ـ 83، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط2، هـ ـ 1985م.

([22]) المصدر السابق 1: 84.

([23]) اختيار معرفة الرجال: 516.

([24]) الغيبة: 256.

([25]) الشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي: معجم البلدان 16: 447، دار صادر ودار بيروت، بيروت. 1375هـ ـ 1956م.

([26]) الغيبة: 244.

([27]) وإذا توحدت شخصيته مع ابن بابا القمي فانه يكون قد ادعى البابية للمرة الثانية فقد كانت الأولى في رواية الكشي في عصر الإمام الحسن العسكري أو لعله الإمام الهادي لأنه أيضاً يلقب بالعسكري والثانية في عصر الغيبة للإمام المهدي الغائب وهي رواية الطوسي.

([28]) الاحتجاج 2: 289.

([29]) الغيبة: 244.

([30]) عبد القاهر بن طاهر البغدادي: الفرق بين الفرق: 239، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، 1393هـ 1973م.

([31]) هكذا في نسخة الكتاب، ولعل المراد به هو أحمد بن محمد بن موسى الذي كان ضمن أسماء ثلاثة في وصية النميري بأحدهم. الفرق والمقالات: 101.

([32]) فرق الشيعة: 102 ـ 103؛ والفرق والمقالات: 100 ـ 101.

([33]) مقالات الإسلاميين: 84.

([34]) فرق الشيعة: 103؛ والفرق والمقالات: 101.

([35]) أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي: رجال الطوسي: 402، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1415هـ.

([36]) اختيار معرفة الرجال: 516.

([37]) الإمام الحافظ مشير الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب 1: 228، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1379هـ ـ 1956م.

([38]) أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أحمد الشهرستاني، الملل والنحل 1: 188، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1395هـ ـ 1975م.

([39]) اختيار معرفة الرجال: 516 و519.

([40]) راجع معرفة اختيار الرجال للكشي؛ وخلاصة الأقوال للحلي؛ ورجال النجاشي، فيما ذكروا ونقلوا من أقوال الإمامية وأقوالهم في الغلاة ورواة الحديث منهم.

([41]) أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي: الهداية الكبرى: 338 ـ 367، مؤسسة البلاغ، بيروت، ط4، 1411هـ ـ 1991م. ولكن في نسخة منشورات الأعلمي، تحقيق: الشيخ مصطفى صبحي الخضر الحمصي، وردت العبارة أو الرواية غير تامّة ولم تشر إلى خروج التوقيعات على يد محمد بن نصير النميري. راجع الهداية الكبرى، نسخة منشورات الأعلمي: 434 ـ

([42]) الغيبة: 244.

([43]) عن غلوّ أبي الخطاب وادعاءات النبوة والحلول والاتحاد راجع: فرق الشيعة: 57؛ والمقالات والفرق: 83.

([44]) قُتل في زمن أبي جعفر المنصور العباسي على يد عيسى بن موسى، ولم يحدد تاريخ قتله.

([45]) أبو عبد الله الحسين الخصيبي: الهداية الكبرى: 580 ـ 573، منشورات الأعلمي للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، تحقيق: الشيخ مصطفى صبحي الخضر الحمصي، ط1، السنة 1422هـ ـ 2011م. ولم تشِرْ إليه الهداية الكبرى نسخة مؤسسة البلاغ.

([46]) الشيخ الأقدم أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي: كمال الدين وتمام النعمة: 336، الفجر، لبنان ـ بيروت، ط1، 1430هـ ـ 2009م.

([47]) الشيخ الصدوق: الاعتقادات: 98، تحقيق: عصام عبد السيد، مؤسسة الامام الصادق، ط1، 1413هـ.

([48]) معجم رجال الحديث 2: 433 ـ 434.

([49]) بنو الفرات صنفتهم المصادر الإمامية بأنهم كلهم شيعة باتفاق المؤرخين. راجع: السيد محسن الامين العاملي، أعيان الشيعة 5: 214، دار التعارف ـ بيروت. وتحدث القاضي التنوخي عن تعصب الوزير أبو الحسن بن الفرات لآل بسطام ولآل نوبخت وهم من بيوت الشيعة وذكر تعصبه للنذهب. راجع: القاضي التنوخي: نشوار المحاضرة 8: 91، دار صادر، لكنهم لم يصنفوا من بيوت الشيعة في الفوائد الرجالية للسيد مهدي بحر العلوم وفي أعيان الشيعة للأمين العاملي، وربما يعود ذلك إلى غلوهم، وقد استلموا مناصب الوزارة والادارة في الدولة العباسية من 275هـ إلى 327هـ وقال عنهم الصولي: (وبنو الفرات من أجل الناس فضلاً وكرماً ونبلاً ووفاءً ومروءة، وكان الوزير أبو الحسن علي بن الفرات من أجل الناس وأعظمهم كرماً وجوداً، وكانت أيامه مواسم الناس ـ في الاشارة إلى خيره وحسن إدارته للدولة ـ وقد تولى الوزارة ثلاث دفعات للمقادر العباسي). راجع: ابن الطقطقا: الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية: 265، دار صادر.

([50]) راجع: عز الدين ابن الأثير الجزري: اللباب في تهذيب الأنساب 2: 414، مكتبة المثنى.

([51]) معجم البلدان 12: 359.

([52]) ياقوت الحموي، معجم الأدباء 1: 235، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

([53]) معجم البلدان 12: 359.

([54]) القاضي أبي علي المحسن بن علي التوخي: نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة 7: 108. ولكن شارحه زعم (في الحاشية) أنها في أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني.

([55]) سعيد الغانمي: أبو جعفر الشلمغاني المتنبئ القتيل، مجلة عيون. العدد 19: 45 ـ 55، السنة العاشرة، ربيع 2011م.

([56]) المحدث الشيخ علي النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار 6: 40، تحقيق: الشيخ حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر الإسلامي، 1419هـ.

([57]) الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام 24: 190، تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، ط1، 1413هـ ـ 1992م،. وقد ورد اسم النوبختي فيه القيني والقسي وهو خطأ. وقد أشار الذهبي في روايته تلك عن من روى عنه وهو تاريخ يحيى بن أبي علي الغساني. وعلق عليه بأن خطه سقيم ومعلق. المصدر نفسه.

([58]) لويس ماسنيون، آلام الحلاج: 284، ترجمة: الحسين مصطفى الحلاج، قدمس (سوريا) والأهلية (الأردن)، ط1، 2004م.

([59]) المصدر السابق: 622.

([60]) نشوار المحاضرة 3: 184.

([61]) آلام الحلاج: 285.

([62]) الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن علي بن أح بن العباس النجاشي الأسدي، رجال النجاشي: 378، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، مؤسّسة النشر الإسلامي، ط9، 1429هـ.

([63]) المصدر السابق: 378 ـ 379.

([64]) مهدي خداميان الآراني (جمع وتحقيق): فهارس الشيعة 2: 1228، مؤسسة تراث الشيعة، قم.

([65]) الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي: الفهرست: 224، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، ط1، ١٤١7هــ.

([66]) رجال الطوسي: 224.

([67])الفقه المنسوب للإمام الرضا(ع): 46 (المقدّمة)، المؤتمر العالمي للإمام الرضا(ع)، تحقيق: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، قم المشرفة، ط1، 1406هـ.

([68]) الغيبة: 252.

([69]) الفقه المنسوب للإمام الرضا(ع): 14 وما بعدها، المؤتمر العالمي للإمام الرضا(ع)، تحقيق: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، قم المشرفة، ط1، 1406هـ.

([70]) الفقه المنسوب للإمام الرضا(ع): 50.

([71]) الغيبة: 239.

([72]) المصدر السابق: 239 ـ 240.

([73]) رجال النجاشي: 378.

([74]) الغيبة: 148.

([75]) المصدر السابق: 197.

([76]) المصدر السابق: 183.

([77]) بتهمة المكاتبة مع القرامطة ليحاصروا بغداد وأن الأموال تجبى إليه وقضى خمسة أعوام في السجن بأمر من الوزير حامد بن العباس وأطلق سراحه بعد إعادة المقتدر العباسي إلى الخلافة (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام 24: 190). ولعل حبسه بسبب مطالبة الوزير له بالأموال التي كانت تجبى له من الشيعة وهي الحقوق المالية للإمام المعصوم وفق العقيدة الشيعية ـ الإمامية ومطالبة هذا الوزر بالمال من النوبختي هي ضمن السياسة المتبعة لدى وزراء الدولة في هذا العصر بمصادرة أموال الوزراء والأعيان وفرض الرسوم المجحفة على أصحاب الأموال والثروات حنى من الخلفاء المخلوعين وأفراد أسرهم.

([78]) تاريخ الإسلام 24: 190.

([79]) الغيبة: 185.

([80]) المصدر السابق: 225؛ رجال النجاشي: 378.

([81]) الغيبة: 248.

([82]) المصدر السابق: 214 ـ 217.

([83]) المصدر السابق: 218ـ 219.

([84]) المصدر السابق: 249.

([85]) المصدر السابق: 248.

([86]) المصدر السابق: 248 ـ 249.

([87]) المصدر السابق: 249 ـ 250.

([88]) المصدر السابق: 250.

([89]) المصدر السابق: 252.

([90]) المصدر السابق: 25.

([91]) رجال النجاشي: 378.

([92]) الغيبة: 241.

([93]) المصدر السابق: 241.

([94]) المصدر السابق: 241.

([95]) المصدر السابق: 251.

([96]) المصدر السابق: 252.

([97]) رجال النجاشي: 378.

([98]) المصدر السابق: 379.

([99]) الشيخ أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري: دلائل الإمامة، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1413هـ.

([100]) الهداية الكبرى: 584.

([101]) وله عدّة روايات تتبعها الشيخ حسين الساعدي فوجد منها أكثر من ست روايات في دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري الإمامي (411هـ)؛ وعشر روايات في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي وقد مر بعض منها علينا؛ وله رواية في غوالي اللآلئ لمؤلفه ابن أبي جمهور الإحسائي(910هـ)؛ وفرحة الغري لمؤلفه السيد بن طاووس(693هـ)؛ ونقل محمد بن الحسن الحر العاملي(1104هـ) جملة من رواياته تلك في وسائل الشيعة؛ ومحمد باقر المجلسي(1111هـ) في بحار الأنوار. الشيخ حسين الساعدي: الضعفاء من رجال الحديث 3: 229، ، مؤسّسة دار الحديث، قم، ط1، 1426هـ.

([102]) الشيخ حسين الساعدي: الضعفاء من رجال الحديث 3: 226، وفيه: (عدّه العلّامة الحلّي في القسم الثاني من الخلاصة المختص بالضعفاء، وابن داوود الحلّي في الجزء الثاني من رجاله المختص بالمجروحين والمجهولين والجزائري في القسم الرابع من رجاله المختص برواة الضعاف، ومحمّد طه نجف في القسم الثالث من رجاله المختص بالضعفاء. وضعّفه المجلسي في رجاله).

([103]) الغيبة: 250.

([104]) آلام الحلاج: 287.

([105]) الغيبة: 251.

([106]) آلام الحلاج: 285.

([107]) الاحتجاج 1: 290؛ والغيبة: 254.

([108]) كتاب أخبار الحلاج أو مناجاة الحلاج: 12، تحقيق: لويس ماسنيون وبول كراوس، دار التكوين، دمشق، 2006م.

([109]) أخبار الحلاج: 25.

([110]) آلام الحلاج: 411.

([111]) آلام الحلاج: 71.

([112]) آلام الحلاج: 236.

([113]) الغيبة: 244.

([114]) من رجال عصر الغيبة الصغرى ويروي عن أبي علي بن الجنيد عن أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني ويروي كذلك عن أبي علي محمد بن همام عن الحسين بن روح النوبختي في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (الغيبة: 244 و252).

([115]) الاحتجاج 2: 290.

([116]) أبو سهل إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت (237هـ ـ 311هـ) قال فيه النجاشي: (إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، كان شيخ المتكلمين من أصحابنا، وغيرهم، له جلالة في الدنيا والدين يجري مجرى الوزراء، في جلالة الكتاب). رجال النجاشي: 31. وذكر له النجاشي 22 كتاباً؛ بعضها في الإمامة؛ وأكثرها في جدل العقائد مع المتكلمين من المذاهب الأخرى.

([117]) أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب بن إسحاق الوراق ابن النديم: الفهرست: 225، تحقيق: رضا تجدّد، طهران، 1391هـ ـ 1971م.

([118]) الفهرست: 241؛ والغيبة: 247.

([119]) معجم الأدباء 1: 240.

([120]) الغيبة: 246 و248.

([121]) ابن الأثير: البداية والنهاية 11: 3041، مراجعة وضبط: سهيل زكار، دار صادر، ط1، 1426هـ ـ 2005م.

([122]) معجم الأدباء 2: 240.

([123]) محمد بن علي بن يعقوب أبو الفرج القنّائي الكاتب الثقة وكان ورّاقاً وله كتب وقد أجاز النجاشي برواية كتبه. رجال النجاشي: 398.

([124]) رجال النجاشي: 379.

([125]) معجم رجال الحديث 17: 57.

([126]) عز الدين أبو الحسن علي بن أبي كرم محمد بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير: الكامل في التاريخ 6: 403، تحقيق: الشيخ خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1428هـ ـ 2007م.

([127]) الهداية الكبرى، نسخة الأعلمي: 585.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً