أحدث المقالات

أ. زينب أميري(*)

د. عبد الرسول كشفي(**)

ترجمة: سرمد علي

الخلاصة

تُعتَبَر مسألة العلم الإلهيّ المسبق واختيار الإنسان إحدى المسائل الأساسية في فلسفة الدين، التي شغلت أذهان المتكلِّمين والفلاسفة لفترةٍ طويلة. ووفقاً لهذه المسألة، ونظراً لأن العلم الإلهيّ المطلق يستلزم عدم خطئه، لذلك إذا كان الله يعلم في زمان T1 أن الفاعل S سيقوم بالفعل A في زمان T3 فعندئذٍ S في زمان T3 لا يمكنه فعل أيّ شيءٍ سوى A. ومن ثمّ فإن العلم الإلهيّ المسبق يتعارض بشكلٍ واضح مع اختيار الإنسان. يحاول هذا المقال مقارنة آراء ليندا زاجزبسكي (فيلسوفة دينٍ معاصرة) بآراء الأستاذ الشيخ مرتضى مطهَّري. وفي هذا الصدد قام أوّلاً بدراسة الإجابات الثلاثة الكلاسيكية لهذه المسألة (البوثيوسية؛ والآكامية؛ والمولينائية) من وجهة نظر زاجزبسكي. ويظهر أنه مع قبول بعض أفكار هذه الآراء والجمع بينها، تقدِّم زاجزبسكي ثلاثة حلول مبتكرة. ثمّ تتناول المقالة وجهة نظر الأستاذ مطهَّري في بابي الجَبْر والاختيار والقضاء والقَدَر. وفي النهاية تبيِّن أوجه الشبه والاختلاف بين آراء كلا المفكِّرَيْن. والنتيجةُ التي توصَّلَتْ إليها الدراسة هي أن كلا المفكِّرَيْن يقبلان توافق العلم الإلهيّ المسبق مع اختيار الإنسان، لكنّ «الآكامية التوماوية» والحلَّيْن الآخرَيْن لزاجزبسكي، على الرغم من نقاطهما الإيجابية والمقبولة، غير قادرين على إظهار هذا التوافق، في حين أن حلّ الأستاذ مطهَّري دقيقٌ في إثبات هذا التوافق.

1ـ مقدّمةٌ

طبقاً لنظرية التقديرية اللاهوتية الكلامية([1])، إذا كان هناك كائنٌ معصوم من الخطأ([2])، بحيث يعلم جميع الأحداث والواقع التي سوف تقع في المستقبل، ومن بينها: أفعال الإنسان، فإن هذا العلم الأزلي غير القابل للخطأ سوف يجعل من تلك الأعمال أمراً ضروريّاً، ونتيجة لذلك لن تكون هذه الأعمال إراديّةً. إن صياغة برهان التقديرية اللاهوتية الكلامية كما يلي([3]):

تخيَّلوا ثلاثة مقاطع زمنية على النحو الآتي: T3>T2>T1

1ـ لنفترض أن الله في الفترة الزمنية T1 يعلم بشكلٍ لا يقبل الخطأ أنني سوف أقوم بالفعل C في الفترة الزمنية T3. (المقدّمة).

2ـ إن قضية أن الله في الفترة الزمنية T1 يعلم بشكل لا يقبل الخطأ أنني سوف أقوم بالفعل C في الفترة الزمنية T3، ذات ضرورة عارضية([4]) في الفترة الزمنية T2 (بناء على أصل ضرورة الأمور الآنفة).

3ـ إذا كانت القضية P في الفترة الزمنية T2 ضرورة عارضية، وكانت P تستلزم Q، سوف تكون Q في الفترة الزمنية T2 ذات ضرورة عارضية (أصل انتقال الضرورة)([5]).

4ـ إن الله في الفترة الزمنية T1 يعلم أني في الفترة الزمنية T3 سوف أقوم بالفعل C، وهذا يستلزم أني سوف أقوم بالفعل C في الفترة الزمنية T3 (بناء على تعريف العصمة من الخطأ).

5ـ وعلى هذا الأساس فإن قضية أني في الفترة الزمنية T3 سوف أقوم بالفعل C سوف يكون لها في الفترة الزمنية T2 ضرورة عارضية (بناءً على القضيتين 2 و4).

6ـ إذا كانت قضية أنني في الفترة الزمنية T3 سوف أقوم بالفعل C ذات ضرورة عارضية في الفترة الزمنية T2 ففي الفترة الزمنية T2 سوف يكون صادقاً أنه في الفترة الزمنية T3 لن أكون قادراً على القيام بشيءٍ آخر غير الفعل C (المقدّمة).

7ـ إذا كنت في الوقت الذي أقوم فيه بفعل شيءٍ لا أستطيع القيام بفعلٍ آخر فإني لن أقوم بذلك العمل عن إرادةٍ واختيار (أصل البدائل الممكنة)([6]).

8ـ وعلى هذا الأساس فإني في الفترة الزمنية T3 سوف لن أقوم بالفعل C عن إرادةٍ واختيار (بناءً على القضيتين 5 و7)([7]).

هناك في الأبحاث الخاصة بالتقديرية اللاهوتية فرضيتان هامّتان، وهما:

1ـ إن علم الله بالمستقبل لا يقبل الخطأ.

2ـ إن الإنسان مختارٌ.

بَيْدَ أن ظاهر الاستدلال على التقديرية اللاهوتية الكلامية يشير إلى عدم التناغم بين القضيتين 1 و2. إن تلك الطائفة من الفلاسفة الذين يتصوَّرون أن هناك أسلوباً للحفاظ على هاتين القضيتين (1 و2) يُطلَق عليهم تسمية التناغميين. وعلى هؤلاء التناغميين([8]) إما أن يحدِّدوا وجود مقدّمةٍ خاطئة في استدلال التقديرية الكلامية، أو أن يثبتوا أن نتيجة هذا البرهان لا تتبع افتراضاته ومقدّماته.

وأما اللاانسجاميّون فإنهم يقولون بعدم انسجام العلم الأزليّ غير القابل للخطأ مع اختيار الإنسان، ومن بين العلم الأزلي غير القابل للخطأ واختيار الإنسان ينكرون أحدهما من خلال الاستدلال والبرهنة([9]).

نسعى في هذه المقالة إلى تقديم دراسةٍ مقارنة بين آراء مفكِّرَيْن من التناغميين، وهما: ليندا زاجزبسكي؛ والأستاذ مرتضى مطهَّري. وسوف نعمل أوّلاً على نقد ودراسة الاتجاهات التقليدية الثلاثة (الاتجاه البوثيوسي([10])؛ والاتجاه الأوكامي([11])، والنزعة المولينية([12])) عن هذه المسألة، من وجهة نظر زاجزبسكي، وبعد ذلك نعمل من خلال قبول بعض أفكار هذه الآراء الثلاثة والتلفيق بينها إلى تقديم ثلاثة حلول مبتَكَرة من قِبَل زاجزبسكي؛ لننتقل بعد ذلك إلى بحث ومناقشة رأي الأستاذ مرتضى مطهَّري في قسمين، وهما: الجَبْر والاختيار، والقضاء والقَدَر. وفي الختام نتعرَّض إلى بيان نقاط التشابه والاختلاف بين طرق الحلّ الثلاثة لزاجزبسكي وآراء الأستاذ مرتضى مطهَّري.

 

2ـ رأي ليندا زاجزبسكي([13])

تسعى ليندا زاجزبسكي ـ بوصفها مفكِّرةً تناغميّة ـ ضمن نقدها للإجابات والاتجاهات التقليدية الثلاثة حول هذه المسألة ـ ونعني بهذه الاتجاهات: الاتجاه البوثيوسي([14])؛ والاتجاه الأوكامي([15])؛ والنزعة المولينية([16]) ـ، والقبول ببعض أفكار وطروحات هذه الاتجاهات الثلاثة، والتلفيق فيما بينها، إلى تقديم ثلاثة حلول بديعة ومبتكرة لهذه المسألة.

أـ طريقة حلّ بوثيوس([17])، ونقدها

لقد ذهب بوثيوس ـ في ضوء التعريف الذي قدَّمه للأبدية ـ إلى الاعتقاد بأن الله ليس حالاًّ في الزمان، ومن هنا فإن علمه ليس من سنخ القضايا الزمنية. فهو يرى أن الأمس واليوم أو التاريخ المعيّن، بل وجميع الأحداث والوقائع الزمنية، موجودةٌ في علم الله بشكلٍ أزليّ ومتزامن. وبطبيعة الحال فإن التعبير بـ «المتزامن» استعارةٌ زمنية تحكي عن الإدراك الكامل والتامّ لجميع الأحداث والوقائع في دائرة الزمان. وعلى هذا الأساس فإن الله إنما ينظر إلى الأمور من زاوية الأبدية، وإن علمه هذا لا يكون هو السبب في حدوث شيءٍ، كما أن العلامة تشير إلى الشيء الذي تدلّ عليه، دون أن تعمل على إيجاده بهذه الطريقة.

إن أكثر الاعتراضات التي أُثيرت على طريقة حلّ عدم زمنية الله تُحيل أصل المشكلة إلى أبديّة الحكمة الإلهيّة([18])؛ إذ على الرغم من أن أبديّة العلم الإلهي تردّ معضلة العلم السابق القائم على الضرورة المتقدّمة، إلاّ أن وجودها يؤدّي إلى معضلةٍ مشابهة على أساس الضرورة الأبديّة، تطلق عليها ليندا زاجزبسكي مصطلح لغز العلم الأزلي([19]).

ترى زاجزبسكي أن هذا الجواب لا يحلّ مشكلة التقديرية الكلامية؛ والدليل على ذلك أن الاستدلال الموازي من الناحية البنيوية لاستدلال النزعة التقديرية يمكن تشكيله للعلم من دون زمانٍ، حيث إن المسألة الأساسية فيه هي ضرورة الدائرة اللازمانية. إن اكتشاف الضرورة في دائرة الأبديّة أصعب من اكتشافها في دائرة الزمان المنصرم؛ لأن ضرورة الماضي قد تسلَّلَتْ بعمقٍ في إدراكنا المتعارف للزمان، في حين لا وجود لمثل هذا الشيء في مجال الأبديّة([20]).

ب ـ طريقة حلّ مولينا، ونقدها

إن نظرية العلم الوسيط([21])، التي تنكر أصل انتقال الضرورة، كانت في القرن السادس عشر الميلادي مورد بحثٍ عارم، حيث استرعَتْ ـ في ضوء تقرير لويس دي مولينا([22]) ـ الكثير من الاهتمام في أدبياتها المعاصرة. إن طريقة الحلّ المولينية ـ خلافاً لسائر الحلول التناغمية التي يذهب التصوُّر إلى القول بأن الغاية منها هي مجرّد إظهار تناغمية العلم السابق وغير القابل للخطأ والاختيار ـ تقدِّم تقريراً عن كيفية علم الله للمستقبل المحتَمَل مقروناً بنظريّةٍ قويّة عن المشيئة الإلهية. إن العلم الوسيط إنما سُمِّي وسيطاً لحلوله من الناحية المفهومية بين العلم الطبيعي([23]) لله عن الحقائق الضرورية وعلمه المطلق([24]) عن إرادته الخلاّقة ومشيئته. إن متعلّق العلم الوسيط هي القضايا الشرطية الاستقبالية([25]). إن هذه الشرطيات يمكن أن تكون بشأن كلّ شيء يرتبط على نحو الإمكان بالمستقبل، بَيْدَ أن جزءاً هامّاً منها يرتبط بالنشاط الذي يقوم به كلّ مخلوقٍ مختار في مختلف الحالات: «لو أن الشخص S كان في ظلّ شرائط وحالات C فإن S سوف يقوم بفعل X باختياره وإرادته».

يُطلق روبرت آدمز([26]) على هذه الشرطيات مصطلح الشرطيات المخالفة لواقع([27]) الاختيار([28]).

يدّعي الاتجاه الموليني أن الله إنما يعلم أعمال الإنسان الاختيارية بواسطة هذه الشرطيات الاستقبالية المرتبطة بالاختيار، بمعنى أن صدق هذه الشرطيات مقدَّمٌ على مشيئة وإرادة الله، وفي الحقيقة فإن الله لا يجعل هذه الشرطيات صادقةً، بل إن هذه الشرطيات إنما تصبح صادقةً بواسطة الأفعال الاختيارية للمجودات المختارة. ولذلك فإن الله حيث يعلم ما سوف تتعلَّق به إرادته، والشرائط التي سوف تتحقَّق في عالم الواقع، سوف يكون له علمٌ مقدّم بكلّ واحدٍ من الشرائط الاختيارية، ومن ناحيةٍ أخرى فإن كلّ فعلٍ اختياري يمكن لمخلوقٍ مختار أن يقوم به في عالم ممكن يتمّ بيانه بشرط الاختيار، وإن الله بواسطة علمه بهذه الشرطيات الاختيارية يكون له علم بتوالي هذه الشرطيات أيضاً، وبالتالي فإن الله من خلال تركيب العلم الوسيط بما يعقد العزم على خلقه يعلم جميع تاريخ العالم.

وردَتْ في الأدبيات المعاصرة بعض الاعتراضات على العلم الوسيط، وهناك في المقابل إجاباتٌ عن هذه الاعتراضات قدَّمها المدافعون عن هذا العلم. وقد عرض وليم هاسكر([29]) مجموعةً من الاعتراضات والإجابات على وليم كريغ([30]) الذي يُدافع عن العلم الوسط.

تذهب السيدة ليندا زاجزبسكي إلى الاعتقاد بأنه حتّى لو افترضنا أن نظرية العلم الوسيط ليست جديرةً بالدفاع فإن هذا لا يستلزم بطلان أيّ واحدةٍ من مقدمات الاستدلال الرئيس([31]). إن فيلينت([32])، بالإضافة إلى الدفاع عن العلم الوسيط، يعمل على ردّ بعض مراحل الاستدلال على النزعة التقديرية الإلهية، ويُثبت أنه حتّى لو كانت نظرية العلم الوسيط نظريّةً قوية من العلم الإلهي والمشيئة فهي ليست لازمةً ولا ضروريّةً لاجتناب التقديرية الإلهية في حدّ ذاتها([33]).

ج ـ طريقة حلّ وليم الأوكامي، ونقدها

يعود هذا الحلّ إلى فيلسوف القرن الثالث عشر الميلادي وليم الأوكامي([34])، والذي تمّ إحياؤه في المصادر المعاصرة على يد ميريلين آدمز([35])([36]).

لقد تمّ بيان أنواع مختلفة من الأوكامية، بَيْدَ أن زاجزبسكي إنما ترى الحلّ أوكامياً إذا:

أـ أخذ الضرورة العارضية بجدِّية، واعتبرها في بادئ الأمر في الحدّ الأدنى شبيهةً بالضرورة السابقة.

ب ـ أن يفترض أن الله موجودٌ في الزمان.

ج ـ أن ينكر أن لمعتقدات الله ضرورةً عارضية.

إن الأفكار العامة الكامنة وراء هذا الحلّ هي أنه حتّى إذا كان لله (بشكلٍ وآخر) معتقداتٌ في الماضي، وحتّى إذا كان للماضي (بشكلٍ وآخر) ضرورةٌ عارضية، إلاّ أن معتقدات الله تتهرَّب من الضرورة العارضية. ولكي يتمّ إثبات أن الضرورة الماضية لا يتناسب إطلاقها على معتقدات الله هناك أسلوبان مختلفان:

1ـ التمييز بين ما مضى واقعاً وتماماً (الماضي الصلب)([37]) وما لديه مجرّد ارتباط ظاهريّ أو إلى حدٍّ ما بالماضي (الماضي المَرِن)([38]).

لكي يكون هذا الاتجاه طريقة حلّ سلبية([39]) ناجحة يجب أن تميّز بين الحقائق المرنة والصلبة، من خلال تحليل الزمان وماهية الحقائق. لو أثبت هذا الحلّ أن المعتقدات الإلهية الماضية هي حقائق مرنة في الحدّ الأدنى يَرِدُ هذا الاحتمال، وهو أن المعتقدات الماضية لله لا تحدّ قدرتنا للقيام بأيّ خطوةٍ أو نشاط، بمعنى أن قدرتنا لا تحدّ بواسطة الضرورة العارضية. بَيْدَ أن ليندا زاجزبسكي لا ترى نجاح أيّ حلّ مطروح في هذا الشأن.

2ـ أن نعمل على تعريف الضرورة العارضية على أساس قدرة الإنسان (على القيام بعملٍ آخر)، وأن نجعل هذا التعريف بديلاً للتمايز بين الماضي المرن والصلب. وهذا هو الاتجاه الذي استفاد منه ألفين بلانتينغا([40]). وباختصارٍ فإن الضرورة العارضية في T هي ذات أني لا أستطيع القيام في T بغير ذلك الفعل. ولتقديم هذا الحلّ بشكلٍ ناجح يجب أن نختار مجموعةً من الحقائق المتمايزة من الضرورات المنطقية والعلية التي لا أستطيع في موردها القيام بفعلٍ آخر غير ذلك الفعل. إن على هذا الحلّ أن يثبت في الحدّ الأدنى وجود هذا الاحتمال، وهو أن المعتقدات الماضية لله لا تندرج ضمن هذه المجموعة من الحقائق. وترى ليندا زاجزبسكي عدم تقديم طريقة حلّ تحقّق هذا الأمر.

إن كلا هذين الاتجاهين يركّز على تقديم تعريفٍ دقيق للضرورة العارضية، ولكنْ لإيضاح هذه المسألة، وهي أن معتقدات الله ليست عارضيّةً بالضرورة، يجب الخَوْض في تحليل مفهوم معتقدات الله، بَدَلاً من تحليل مفهوم الضرورة العارضية.

من خلال دراستنا لطريقة حلّ وليم الأوكامي، وكذلك النماذج المتداولة للأوكامية، نصل إلى نتيجةٍ مفادها أنه في رؤية ليندا زاجزبسكي لا يُعَدّ أيّ واحدٍ منها ناجعاً. وبَدَلاً من ذلك تقدِّم زاجزبسكي وصفاً تومائياً([41]) في مورد كيفية علم ومعرفة الله، يُعَدّ مؤثراً في حلّ المسألة، وقد استلهمَتْه من وليم الأوكامي([42]).

تستلهم ليندا زاجزبسكي من توصيف توما الأكويني([43]) بشأن العلم الإلهي الزمني، وكذلك من رأي وليم الأوكامي حول ضرورة الماضي والزمني بشأن المعتقدات الإلهية، وتقدِّم طريقة الحلّ «الأوكامية التومائية»([44]). طبقاً لهذا التوصيف لا يكون علم الله شاملاً للقضايا المتمايزة من بعضها، بل إن علمه إدراك مَحْض ومطلق للجوهر الإلهي الذي لا يتغيَّر بتصرُّم الزمن، وهو من الناحية الكمّية وحدة معرفية ليست زمنية بالذات، ولذلك حتّى لو تعلَّق علم الله بالأمور الزمنية لا يكون زمنياً بالذات، وعلى هذا الأساس لا يمكن القول: إن لمعتقدات الله ضرورةً عارضية.

لقد تمَّت الإشارة في برهان النزعة التقديرية إلى أصل البدائل الممكنة([45]). وطبقاً لهذا الأصل لو لم يتمكَّن S من القيام بفعل A لن يكون مختاراً في القيام بهذا العمل، وبعبارةٍ أخرى: إن S إنما يكون مختاراً إذا أمكنه اختيار أمرٍ واحد من بين أمرين أو أكثر، أو بعبارةٍ أخرى: أن يكون قادراً على القيام بعملٍ آخر. وقد عمد هاري فرانكفورت([46]) في بعض تجاربه الفكرية إلى التشكيك في أصل البدائل الممكنة بشأن امتلاك المسؤولية الأخلاقية، دون الاختيار([47]).

تشير ليندا زاجزبسكي في طريقة حلّها الثانية إلى هذه النقطة، وهي أن الإشكال الذي يمكن إيراده على طريقة عمل فرانكفورت هو أنه يبدو وكأنّه يأخذ الجَبْرية العلية فرضيّةً بديهية. إذا كانت الجبرية العلية هي الحاكمة على العالم فإن عملي في الواقع لا ينشأ من داخلي؛ لأن فعلي إذا أُريد أن يكون صادراً عنّي في واقع الأمر يجب أن يكون مستقلاًّ بشكلٍ قاطع عن جميع الشرائط التي تستوجب أن لا أستطيع القيام في ذلك المورد بعملٍ آخر. بَيْدَ أن الإشكال يكمن في أن هذه الأمثلة لا تثبت وجود نوع من التوقُّف والتَّبَعية بين أفعال الإنسان والعلم السابق. وهنا تثبت ليندا زاجزبسكي، من خلال تقديم حلٍّ، أن الجبرية العلية لا تؤدّي إلى حدوث مشكلةٍ؛ إذ هناك اختلافٌ جادّ بين أمثلة فرانكفورت ومورد العلم السابق.

في أمثلة فرانكفورت هناك مَنْ يكون على استعدادٍ للوقوف أمام إرادتي، ويوشك على النجاح في القيام بهذا الأمر في العوالم الممكنة. وأما في مورد العلم السابق فلا يتحقَّق مثل هذا الشيء؛ إذ في كلّ عالم ممكن اتخذ القرار فيه بالقيام بأمرٍ يكون الله على علمٍ بعملي، إلاّ أنه لا يحول دون إرادتي. إن هذه الخصيصة تثبت أن العلم السابق المصون من الخطأ لا يقضي على الاختيار. ونتيجة لذلك حتّى لو أن العلم الإلهي السابق قد أوجد الشرائط، بحيث تكون جميع أفعالي الماضية والآتية ذات ضرورةٍ عارضة، وكانت بحيث لا يمكن القيام بها على نحوٍ آخر، لن تكون هذه الحقيقة مزيلةً لاختياري([48])([49]). إن الاختيار بمعنى قويّ جدّاً، بحيث إنه رغم وجود أيّ شرط خالق للضرورة (الأعمّ من العلية أو غير العلية) لا يتناغم مع إلغاء ذلك الشرط عن تلك الوضعية التي تؤثِّر على اختياري.

لذلك فإن سبب إزالة الجبرية العلية للاختيار لا يعني أن الشرائط تكون بحيث لا يمكن القيام بعملٍ غير ذلك، بل تكون الشرائط بحيث تكون اختياراتي ـ على أساس الشرائط المخالفة للواقع ـ تابعةً لعلم الله السابق، على ذات أسلوب تبعية الوقائع من زاوية الشرائط المخالفة للواقع لعللها.

ومن هنا فإن ذات الجبرية العارضية لا تفرض تحدِّياً أبداً على اختيار الإنسان. والمرفوض ليس هو مجرّد أن المستقبل لا يتناغم مع الماضي، بل إن هناك بين الأفعال الإنسانية والشرائط السابقة نوعاً من التوقُّف والتبعية([50]).

في طريقة الحلّ الثالثة التي تقدِّمها ليندا زاجزبسكي هناك أسلوبٌ آخر، حيث يمكن على أساسه إصلاح نموذج فرانكفورت، بحيث يكون العلم الإلهي واختياري مستقلَّين عن بعضهما. إن العنصر الأصلي لنموذج فرانكفورت هو أن العامل في العوالم الممكنة القريبة يُمْنَع من العمل الاختياري، في حين أنه في العلم السابق الذي لا يُخطئ لا يتدخَّل علم الله حتّى بشكلٍ غير مباشر. ليس هناك عالمٌ ممكن يمنع فيه العلم السابق العامل من الفعل الاختياريّ. وبطبيعة الحال إذا كانت التقديرية الكلامية صائبةً لن يقوم أيّ شخصٍ بالأفعال الاختيارية، بَيْدَ أن النقطة التي تشير إليها ليندا زاجزبسكي هي أنه لا يكون في سيناريوهات العلم السابق في سائر العوالم الممكنة أيّ تدخُّلٍ. لا تختلف العلاقة بين العلم السابق والأعمال البشرية في عالمٍ ما والعوالم الأخرى أبداً، وإن علم الله واختيار الإنسان مستقلاّن عن بعضهما.

د ـ طريقة الحلّ المبتكرة لزاجزبسكي

إن ليندا زاجزبسكي لا تكتفي بهذه الحلول الثلاثة ـ التي تمّ تقديمها على أساس ردٍّ واحد من فروض برهان النزعة التقديرية ـ، بل تقدِّم نموذجاً ممكناً للعلم السابق، تمّ طرحه على أساس البُعْد الرابع([51]). إن الله أو أيّ كائنٍ يمتلك الرؤية بالبُعْد الرابع يستطيع أن يعلم ما نعلمه أو نفعله، وبعبارةٍ أخرى: إن الله في هذا النموذج يعلم المستقبل من خلال مشاهدته. يوجد في هذا النموذج نظمٌ زمني مطلق واحد يشتمل على الأحداث والوقائع، والنموذج يُشير بوضوحٍ كيف يمكن لكائنٍ أن يعلم من خلال الوَعْي الكامل بالتوالي الزمني بجميع وجودنا الزمني في لحظةٍ واحدة من أفقه الزمني([52]). إن ليندا زاجزبسكي تصل في هذا النموذج من النظم الزماني المطلق إلى هذه النتيجة، وهي أن للماضي ضرورةً يفتقر لها المستقبل، وأن فهم وتصوُّر الإنسان لهذا التوالي الزمني ناقصٌ. إن هذا السؤال القائل: هل هذا النموذج متناسبٌ مع طريقة علم الله أم لا؟ لا ينطوي على أهمّيةٍ؛ لأن غايته من تقديم هذا النموذج ليس سوى نقطة بداية إلى إيجاد نموذجٍ مختلف تماماً لهذه المسألة. إن النقطة الإيجابية لنموذج ليندا زاجزبسكي تكمن في إثباتها في الحدّ الأدنى أسلوباً واحداً ممكناً لشرح كيفية علم الله بالمستقبل الممكن.

إن الرأي النهائي لزاجزبسكي هو أن المسألة الراهنة هي بالتالي حالةٌ خاصّة عن مشكلةٍ أعمّ، ليس لها أيّ صلةٍ بالعلم السابق أو الاختيار، بل هي ناشئةٌ من منطق الزمان والعلية. إن ادّعاء كيفية عدم التقارن الزماني وعدم التقارن العلي يجب إخضاعها للبحث والدراسة بجزئيّاتٍ أكبر، وكذلك أصول الانتقال المختلفة التي تؤدّي إلى التناقض مع القضايا الميتافيزيقية، ويكون من تَبِعاتها وتداعياتها أن القضية بشأن الماضي تستلزم قضيّةً بشأن المستقبل.

 

3ـ رأي مرتضى مطهَّري

إن بحث «الجَبْر والاختيار» ـ بناءً على رأي الأستاذ مرتضى مطهَّري ـ يتضمّن بحث القضاء والقَدَر أيضاً؛ بمعنى أنه من جهة ارتباطه بالإنسان يكون من بحث «الجَبْر والاختيار»، ومن جهة ارتباطه بالله يكون من بحث «القضاء والقَدَر»([53]). وعلى هذا الأساس سوف نبيِّن آراء سماحته في هذين القسمين. إن الأستاذ مطهَّري في ضوء قبوله رأي الميرداماد وصدر المتألِّهين في مجال اختيار الإنسان([54]) يبحث مسألة الاختيار مع مسألة «ضرورة ووجوب نظام الوجود»، ويقدِّم في هذا الشأن طريقتين للحلّ:

الحلّ الأول: الاهتمام بمفهوم ومتعلَّق العلم الإلهيّ

تقوم طريقة الحلّ الأولى على أساس العلم الإلهيّ السابق، الذي يكون فيه الاهتمام بمفهوم العلم الإلهيّ والاهتمام بمتعلّق العلم الإلهيّ لازماً.

أـ الاهتمام بمفهوم العلم: إن العلم الإلهي علمٌ حضوري([55])، يكون فيه العلم والمعلوم شيئاً واحداً، وليسا أمرين منفصلين عن بعضهما، ليتمّ فيهما افتراض انطباق وعدم انطباق العلم مع المعلوم، وعندها لكي يكون العلم الإلهي السابق صادقاً يكون الإنسان مجبراً على القيام بأفعاله ونشاطاته. في العلم الحضوري يكون الوجود الخارجي المعلوم (الوجود الذي تترتَّب عليه الآثار المطلوبة) حاضراً عند العالم، وهذا يعني أن الإنسان بجميع آثاره الواقعية وأفعاله الاختياريّة حاضرٌ عند الله.

ب ـ الاهتمام بمتعلّق العلم الإلهي: إن العلم الإلهي لا يتعلَّق بشكلٍ مباشر ومستقلٍّ بوقوع الأحداث، ومن بينها: أعمال الإنسان، بل إن العلم الإلهي الأزلي يتعلّق بالنظام الأتمّ؛ بمعنى العلم بصدور المعلولات من علّتها وفاعلها الخاصّ([56]).

الحلّ الثاني: تأثير العلم الإلهيّ طوليّاً، لا عَرْضيّاً

إن أصل العلِّية العامة حاكمٌ على جميع أحداث العالم، وهناك ارتباطٌ وثيق بين ماضي وحاضر ومستقبل كلّ كائنٍ وعلله المتقدِّمة؛ ومن ناحيةٍ أخرى فإن العلم بالعلة التامّة يستوجب العلم بالمعلول، وعلى أساس الضرورة العلية والمعلولية تكون لأحداث هذا العالم «ضرورةٌ زمنية»([57]).

وبالتالي فإن الله العالم المطلق له علمٌ كاملٌ بأوضاع أحداث العالم وعلله التامّة. ومن هنا يمكن له التنبُّؤ بشكلٍ قاطع بهذه الوقائع، ويعلم بها بالعلم الأزلي السابق. ونتيجةً لذلك، حيث يكون للعلم والإرادة الإلهية تأثيرٌ على العالم من خلال العلل والأسباب الخاصّة لكلّ حادثةٍ فقط وفقط، فإن «الضرورة العلية والمعلولية» لا تتنافى مع «اختيار» الإنسان، بل تؤيِّد اختيار الإنسان، وإن نفي ذلك يستلزم نفي الاختيار([58]).

وفي مجال القضاء والقَدَر يعمد الأستاذ مطهَّري إلى عرض أصل نظرية الحكماء المسلمين ببيانه الخاصّ. فهو يرى أنه لا توجد أيّ ملازمةٍ بين القضاء والقَدَر (أي العلم السابق والمشيئة الإلهية) وكون الإنسان مجبراً؛ لأن القضاء والقَدَر المنبعثان من العلم والإرادة والعناية الإلهيّة يؤثِّران في طول العلل الطبيعية، وليس في عَرْضها.

الحلّ النهائي: مختار الإنسان هو متعلَّق العلم الإلهيّ

ورد في الاستدلال الرئيس على النزعة التقديرية الكلامية ما مفاده: «إن الله في T1 يعلم بأن S سوف يقوم بفعل X في T3». إن الخطأ الذي حصل هنا هو تجاهل وصف الاختيار، في حين أنه من وجهة نظر القضاء والقَدَر الإلهي يكون تأثير العلم والإرادة الإلهيّة في طول إرادة واختيار الإنسان. وبعبارةٍ أخرى: إن البنية المنطقية للقضاء والقَدَر جملة شرطية تقول: «إذا حدث كذا سوف يحدث كذا»؛ إذ هناك الكثير من الأسئلة والاستفهامات التي يمكن إثارتها بشأن المادّة الطبيعية. ومن هنا فإن الأستاذ مطهَّري يرى وجود قضية شرطية في القضاء والقَدَر الإلهي تقول: إذا كانت P تستلزم Q (P→Q): «لو مرض الشخص ولم يتناول العلاج فسوف يموت» فبناءً عليه في نظر الأستاذ مطهَّري: «لو مرض الشخص وتناول الدواء فسوف ينجو»، أي (P1→Q1) بموجب القضاء والقَدَر، وإذا «لم يتناول الدواء، وبقي مريضاً، عندها سيموت»، أي (P2→Q2) بموجب والقضاء والقَدَر أيضاً، وإذا «تناول علاجاً ضارّاً فسوف يزداد سوءاً»، أي (P3→Q3) بحكم والقضاء والقدر أيضاً.

وعلى أيّ حالٍ فإنه مهما فعل سيكون ما يفعله نوعاً من القضاء والقَدَر، ولا يمكنه الخروج من دائرة القضاء والقَدَر، ولو ابتُلي شخصٌ بنوعٍ من المرض فسوف تكون هناك علةٌ خاصة حَتْماً هي التي سبَّبت له المرض، وهذا المصير ناشئٌ من تلك العلة، ولذلك فإن علم الله الذي هو علمٌ بالنظام الأتمّ والعلم بالعلل سوف يكون شاملاً لتلك الحادثة أيضاً، ويكون عالماً بها. فإذا تناول المريض العلاج فإن هذا العلاج سوف يشكِّل علةً أخرى إذا تناولها المريض سوف تزول علة المرض؛ بمعنى أن مصير المريض سوف يتغيَّر، إن الله عالمٌ بهذه العلة، وعليه يكون عالماً بتلك الحادثة. وإذا كانت صادقةً، بأيّ نسبةٍ من النسب، وكانت هناك في البين عللٌ مختلفة، فحيث يكون الله عالماً بالعلل سوف يكون عالماً بجميعها، وسوف تكون كلُّها بموجب القضاء والقَدَر الإلهي، ولا يمكنها الخروج عن دائرة القضاء والقَدَر.

يذهب الأستاذ مطهَّري إلى الاعتقاد بأن أفعال الإنسان «تخضع لقانون الحركة، وتقف على الدوام في مفترق طريقين أو أكثر، فهناك أنواع غير حتمية من القضاء والقَدَر؛ بمعنى أنه لا يعيِّن مصيرها نوعٌ واحد من القضاء والقَدَر؛ لأن مصير المعلول في يد العلة»([59]). وعلى هذا الأساس فإنه في كلّ حادثة كلّما كانت هناك أسباب وعلل مختلفة متصوَّرة أمكن بنفس النسبة أخذ أنواع متعدّدة من القضاء والقَدَر. ومن هذه الناحية «إذا ابتُلي شخص بنوعٍ من أنواع المرض تكون هناك حَتْماً علّةٌ خاصة هي التي تسبَّبَتْ بإصابته بالمرض، وإن هذا المصير الخاصّ قد نشأ من تلك العلة. فإذا تناول المريض العلاج كان الدواء علّةً أخرى تقترن بمصيرٍ آخر. وبواسطة تناول الدواء سوف تزول علّة المرض؛ بمعنى أن مصير المريض سوف يتغيَّر. ولو راجع المريض طبيبين، واختلف الطبيبان في وصف الدواء له؛ بحيث كانت إحدى الوصفتين نافعةً وشافية، والأخرى خاطئةً ومميتة، يجب القول: هناك مصيران مختلفان ينتظران هذا المريض، وحيث يمكن للمريض أن يختار العمل بهذه الوصفة أو تلك إذن لا يكون أيّ واحدٍ من هذين المصيرين حتميّاً من وجهة نظر المريض، بمعنى أنه سوف يختار في نهاية المطاف أحدهما، وإن اختياره رَهْنٌ بسلسلةٍ من العلل الواضحة والخفية، بَيْدَ أن هذه الجهة لا تستوجب سلب هذا الإمكان؛ بمعنى أنه في الوقت الذي يتمّ اختيار أحدهما بالخصوص تكون إمكانية أن لا يتمّ اختياره قائمةً، وبحَسَب المصطلح يكون الإمكان الاستعدادي لانتخاب الوصفة الأخرى قائماً ومحفوظاً»([60]). إذن هناك مصائر متنوِّعة يمكن أن تحلّ محلّ بعضها، وإن حلولها محلّ بعضها يكون بدَوْره بحكم القضاء والقَدَر أيضاً.

وعلى هذا الأساس، لو أن شخصاً قد مرض وتناول الدواء وتماثل للشفاء [P1→Q1] كان ذلك بموجب القضاء والقَدَر، وإنْ ابتعد عن بيئة المرض وبقي بمنجىً من الداء [P2→Q2] كان ذلك بموجب القضاء والقدر أيضاً. وبالتالي فإنه مهما فعل سوف يكون هناك نوعٌ من القضاء والقَدَر، ولن يمكنه الخروج من دائرة القضاء والقَدَر([61]).

وعلى هذا الأساس، يمكن القول: إن متعلّق العلم الإلهي ليس هو أن الشخص S سوف يقوم بالعمل P1 في T3، بل إن متعلق العلم الإلهي هو أن الشخص S سوف يقوم بعملٍ على نحوٍ اختياري في T3، وعليه فإن الموجود في العلم الإلهي هو أنه إذا كان P1→Q1 فعلى أيِّهما وقع اختيار الشخص سوف يكون العلم الإلهي متعلّقاً به، وعلى أيهما وقع اختيار الشخص لن ينقلب العلم الإلهي جَهْلاً؛ لأن الله عالم بجميع هذه الخيارات. وبعبارةٍ أخرى: إن متعلق العلم الإلهي ليس هو «أن الله في T1 يعلم أن S سوف يقوم بالعمل X في T3»، بل إن متعلق العلم الإلهي هو «أن الله في T1 يعلم أن S لو اختار العمل P1 عندها سيقع Q1، ولو اختار العمل P2 عندها سيقع Q2، و…». وبمقدار ما يكون هناك إمكانٌ للاختيار سوف يتعلّق به العلم الإلهي، وإن اختيار كلّ واحدٍ من الخيارات سوف يكون بحكم القضاء والقَدَر الإلهي.

4ـ مقارباتٌ ومقارنات

تذهب زاجزبسكي في نظريّتها «الأوكامية التومائية» إلى الاعتقاد بأن علم الله علمٌ مطلق، وأنه علمٌ وإدراك بلا واسطة عن الجوهر الإلهي، ويندرج فيه كلّ ما يمكن علمه، ولن يطرأ عليه تغيُّر مع تصرُّم الزمن. إن العلم الإلهي لا يتعلّق بالقضايا مباشرةً، بل إن الله يعرف الأشياء وخصائصها، ويعلم بها بواسطة جوهر وجوده. ولكي ندرس مبحث العلم الإلهي بشكلٍ دقيق سوف نلاحظه في عدّة أقسام؛ لكي نتعرّض له بشكلٍ أكثر تفصيلاً.

أـ فعليّة العلم الإلهيّ

يرى الأستاذ مطهَّري أن العلم الإلهي علمٌ فعلي. ويبدو ـ من خلال انتقاد زاجزبسكي للأوكاميين ـ أن بالإمكان التعبير عن موقفها بوصفه نوعاً من فعلية العلم الإلهي من وجهة نظرها، تقول زاجزبسكي: إن الأوكاميين يعتبرون علوم الله شبيهةً بعلوم البشر، وإن الاختلاف الرئيس الذي يرونه هو تعميم الاعتقاد أو علم الله بجميع الأزمنة والأمكنة، بَيْدَ أن زاجزبسكي ترى أن الله في النموذج الأوكامي يحصل على معرفته من الرؤية الحاصلة من الأشياء المخلوقة، وقد تمّ تعريف الله بوصفه متقبلاً منفعلاً للمعرفة في مورد العالم، في حين أن معرفة الله المالك للمشيئة يجب أن تكون وثيقةَ الصلة بالمعرفة الإرادية، بوصفه خالقاً وحافظاً للعالم. إن الله ليس واجداً وقارئاً منفعلاً لكتاب العالم، بل هو مؤلِّف هذا الكتاب، ومؤثِّرٌ فيه.

ب ـ العلم الإلهيّ الأزليّ والسابق([62])

تؤكِّد ليندا زاجزبسكي على أنها لا تتَّخذ موقفاً في ما يتعلّق بزمانية الله، إلا أنها في الوقت نفسه تدافع عن عدم زمنية الله، وتقدّم في هذا الإطار تفسيراً زمنياً لأزلية الله، متمثلاً بالاتجاه الأوكامي التومائي. وفي هذا الرأي لا يكون العلم الإلهي المطلق بالمعنى الدقيق للكلمة هو العلم السابق والقبلي، وإن علم الله لا يقع في الزمان الماضي؛ لأنه يقع في ما وراء الإطار الزمني. ولذلك فإن متعلق علم الله يمكن أن يشمل الأبعاد الزمنية، بَيْدَ أن علم الله فاقدٌ لجميع أنواع الأطر الزمنية.

يرى الأستاذ مطهَّري أن الاعتقاد بالعلم الإلهي الأزلي من لوازم معرفة الله، ويقول: «وهل يمكن لشخصٍ أن يكون مؤمناً بالله ويكون في الوقت نفسه منكراً لعلم الله القديم والأزلي بالنسبة إلى الأشياء»([63]). يقول سماحته: إن الشبهة الأشهر في مسألة الجَبْر، والتي ترتبط ببحث العلم الإلهي، يمكن تقريرها على النحو التالي: «إن الله منذ الأزل عالمٌ بما يقع وما لا يقع، وليست هناك حادثةٌ يمكن أن تغيب عن العلم الإلهي الأزلي. ومن ناحيةٍ أخرى فإن العلم الإلهي غير قابل للتغيير، ولا هو قابل للخلاف؛ بمعنى أنه ليس من الممكن أن يتغيّر ويتَّخذ صورةً أخرى؛ لأن التغيير يتنافى مع تمامية وكمال ذات واجب الوجود، وليس من الممكن لما يعلمه منذ الأزل أن يكون مخالفاً ومغايراً لما يقع؛ إذ يلزم من ذلك أن لا يكون علمه علماً، وإنما يكون جهلاً. وهذا بدَوْره يتنافى مع تمامية وكمال الوجود المطلق»([64]). وعلى هذا الأساس لو كان الأمر في الأزل وفي العلم الإلهي بحيث إن الشخص S في الحالة C يقوم بالعمل A وجب القيام بذلك العمل جَبْراً وقَهْراً، ولا يمكن حتّى لهذا الشخص، بل ولا أيّ قوّةٍ أخرى، أن تعمل على تغيير ذلك.

يجب القول في الجواب عن هذه الشبهة: إن هذه الشبهة إنما نشأَتْ من أننا قد فتحنا حساباً مستقلاًّ لكلٍّ من بحث العلم الإلهي الأزلي ومسألة نظام الأسباب والمسبَّبات في هذا العالم، وافترَضْنا هاتين المسألتين منفصلتين عن بعضهما؛ بمعنى أننا قد افترضنا أن العلم الإلهي في الأزل قد تعلّق بشكلٍ اعتباطي وجزافي بوقوع الحوادث والكائنات. عندها لكي يقع هذا العلم متطابقاً مع الواقع، ولا يقع خلافه، يجب العمل على ضبط وقائع وأحداث العالم والسيطرة عليها؛ لكي تتطابق مع التصوُّر والخطّة السابقة. وعلى هذا الأساس يجب سلب الاختيار والحرّية والقدرة والإرادة من الإنسان أيضاً؛ لتصبح أعماله تحت السيطرة بالكامل، ولا يتحوّل علم الله إلى جهلٍ. إن مثل هذا التصوُّر بشأن العلم الإلهي يمثِّل غاية الجهل والغفلة.

إن العلم الإلهي الأزلي ليس منفصلاً عن نظام الأسباب والمسبّبات في العالم، وإن العلم الإلهي علمٌ بالنظام العلّي والمعلولي؛ بمعنى أن لله تعالى علماً ومعرفةً تامّة بصدور المعلولات والأحداث وأفعال البشر من عللها الخاصة.

وعليه فإن العلم الأزلي الذي تعلّق بأفعال الإنسان قد تعلّق بجميع خصائصه وصفاته الخاصة، بمعنى أنه يعلم منذ الأزل أن الإنسان المتّصف بهذه الخصائص والصفات، من القدرة والاختيار، سوف يقوم بهذا العمل في هذا اليوم وفي هذه الساعة المعيّنة، ويعلم مَنْ الذي يطيع بموجب حرّيته واختياره ومَنْ الذي يعصي. إن الذي يقتضيه العلم الإلهي هو أن الذي يطيع إنما يطيع بإرادته واختياره، وإن الذي يعصي إنما يعصي بإرادته وقدرته. وإن تلك الواقعة الحَسَنة أو السيِّئة التي تعرض للإنسان تكون بدَوْرها على طبق النظام العلّي والمعلولي الذي يحكم عالم الطبيعة، والتي تكون لقدرة وإرادة واختيار الإنسان دَخْلٌ بها، وإن الله عالمٌ بجميعها بتمام خصائصها وصفاتها بشكلٍ كامل. وهذا هو معنى عبارة بعضهم، حيث قال: «إن الإنسان مختارٌ بالإجبار»؛ بمعنى أنه لا يستطيع أن لا يكون مختاراً. وعليه فإن العلم الأزلي لله ليس له أيّ دَخْلٍ بسلب الحرّية والاختيار عن الإنسان([65]). وعلى هذا الأساس فإن نتيجة العلم الأزلي بأفعال وأعمال الكائنات ذات الإرادة والاختيار ليست جَبْراً، بل هي النقطة المقابلة بالنسبة إلى الجَبْر.

يرى الأستاذ مطهَّري أن العلم بالعلة التامة علمٌ بالمعلول، وحيث إن لله عالمٌ مطلق، ولديه اطلاعٌ كامل على الأوضاع والعلل التامة لجميع أمور العالم، يمكنه التعرُّف على جميع الوقائع والحوادث على نحو القطع واليقين، وأن يكون له علمٌ سابق بها.

كما يمكن العثور على هذا البيان للعلم السابق في رأي ليندا زاجزبسكي أيضاً؛ حيث تقول في الأوكامية التومائية: إن فهم الإنسان للتوالي الزمني ناقصٌ، وليس لديه إدراكٌ صحيح عنه، أما الله الذي له من الناحية الكمّية حالة معرفية واحدة فإن بمقدوره من خلال العلم التامّ بالتوالي الزمني وجريان الأحداث أن يعلم بجميع وجودنا الزمني في لحظةٍ واحدة من أفقه الزمني الواحد.

ج ـ العلم الإلهيّ بالممكنات الاستقبالية

تؤخذ الضرورة العارضية والضرورة الماضية بمنزلة عنصر وعامل هام في مسألة العلم السابق. تشير ليندا زاجزبسكي إلى جذر الاعتقاد بالضرورة العارضية في الاستدلال المعروف لأرسطو في القسم التاسع من كتاب (العبارة)([66]) في الحرب البحرية([67])، حيث تمَّتْ الاستفادة بشكلٍ ضمني من الاعتقاد بالضرورة العارضية.

يذهب أرسطو في هذا الاستدلال إلى إنكار الممكنات الاستقبالية. كان من بين الفرضيات الأصلية لأدلة عدم التناغم أن الله إنما هو عالمٌ مطلق؛ لأنه عالم بجميع القضايا، وحيث إن القضايا الاستقبالية المرتبطة بأفعال الناس في المستقبل يمكن أن تكون ضروريةً في الماضي سوف تكون متعلّقةً لعلم الله. فإنْ تمّ إنكار صدق هذه القضايا سوف ينتفي تعلُّق علم الله بها، ولن تكون هناك أرضيّةٌ لجريان دليل عدم التناغم.

ويمكن أن يكون من بين البراهين على إنكار صدق القضايا الاستقبالية الممكنة في الزمن الحاضر ما يلي: من الضروري لصدق قضية في الزمن الحاضر أن يتوفَّر عددٌ من الشرائط في الزمن الحاضر، وهي شرائط لا يتحقّق صدق القضية المذكورة من دون تحقُّقها. فإذا لم تكن الشرائط المذكورة متحقّقة في مورد القضايا الممكنة الاستقبالية في الزمن الحاضر لا يمكن الحديث عن صدقها، وإنْ تحقَّقت بالفعل كانت القضايا مورد البحث صادقة، ولا يمكن اعتبارها بعد ذلك ممكنةً، بل تصبح قضايا ضروريةً؛ إذ مع افتراض تحقُّق الشرائط اللازمة لصدقها سوف تكون صادقةً ضرورةً.

وعلى هذه الشاكلة لو احتفظَتْ القضايا الاستقبالية بخصوصيتها الإمكانية سوف يصبح صدقها بلا معنى، وإنْ كانت صادقةً لن تعود من القضايا الممكنة. وعلى هذا الأساس فإن قضايا من قبيل: S ـ التي تدلّ على القيام بعملٍ في المستقبل، ويمكن تسميتها بـ «القضايا الممكنة الاستقبالية المطلقة»([68]) ـ لا يمكن اعتبارها صادقةً في اللحظة الراهنة.

وقدّمت مجموعة أخرى من الفلاسفة استدلالاً مشابهاً بشأن بعض القضايا، على النحو التالي: لو تحقّقت الحالة C، عندها سيقوم S بفعل X بحرّيةٍ. يمكن تسمية هذه القضايا بـ «القضايا الممكنة الاستقبالية المشروطة»([69]). وقد كان روبرت آدمز من الذين اختاروا هذا الرأي. إذا كانت القضايا الاستقبالية الممكنة ـ سواء أكانت مطلقةً أم مشروطة ـ غير صادقةٍ فسوف تصبح أدلّةُ عدم التناغم من طريق ردّ واحدة من فرضيّاتها (بمعنى هذا الفرض القائل بأن الله عالم مطلق بالقضايا الممكنة الاستقبالية، عالمٌ بهذه القضايا قبل حلول زمانها) غيرَ معتبرةٍ.

ولمناقشة وبحث صدق أو عدم صدق الممكنات الاستقبالية ننتقل إلى رأي الأستاذ مطهَّري. إنه يرى جذر الإمكان الاستقبالي في كلمات شيخ الإشراق؛ حيث استفاد منها المناطقة، وكذلك الفلاسفة لاحقاً. يقول الأستاذ مطهَّري: إذا تحدّثنا حول الحاضر والماضي فسوف يتمّ افتراض أنواع الإمكان، والنقطة المقابلة لها أنواع من الوجوب أو الامتناع. وبشأن الحادثة التي تحقّقت، سواء في الزمن الحاضر أو في الزمن الماضي، نقول: إن هذه الحادثة واجبةٌ بالغير؛ لأن علتها كانت موجودةً. كما يتمّ بشأنها اعتبار الضرورة الوصفية أو الوقتية والضرورة بشرط المحمول أيضاً، ولكنْ ما الذي يمكن قوله بشأن الحادثة التي لم توجد حتّى هذه اللحظة، ولم تتحقَّق لا في الماضي ولا في الزمن الحاضر؟

إن الذي له تعلّقٌ بالمستقبل ليس له وجوبٌ غيري، ولا امتناعٌ غيري؛ إذ في هذه الحالة يجب الآن إما أن يكون موجوداً بالضرورة أو ممتنعاً بالضرورة، في حين أنه؛ حيث يتعلّق بالمستقبل، يكون باقياً على إمكانه. وإذا وجدت علّته في المستقبل سوف يكتسب ضرورة الوجود، وإنْ انعدمت علله سوف يكتسب ضرورة العدم. وعلى هذا الأساس فإن ضرورة الوجود أو ضرورة العدم سوف تتحقَّق في المستقبل، وأما الآن فإن ذلك الشيء يبقى على إمكانه الخالص([70]). ثمّ استطرد الأستاذ مطهَّري قائلاً: «يقول الحكماء الإسلاميون ليس هناك أيّ فرقٍ بين المستقبل والزمان الحاضر والماضي؛ بمعنى أن ذات الضرورات الحاكمة على الزمان الحاضر وعلى الزمان الماضي حاكمةٌ بنفسها على الأمر الاستقبالي (ولكنْ في ظرفه). إن «عدم علمنا» أمرٌ مرتبط بنا، لا أنه؛ حيث يتعلّق بالمستقبل في حاقّ الواقع ونفس الأمر، تكون له حالةٌ خاصة اسمها الإمكان الاستقبالي، حيث إن الذي يكون في الزمان الحاضر والذي يكون في الزمان الماضي لن يكون له ذلك الإمكان الاستقبالي، ولن يُعتبر فيه، ولكنّه يُعتبر في مورد أمر المستقبل، فليس الأمر كذلك. إن اختلاف المستقبل عن الزمن الحاضر والماضي يكمن في مجرّد أننا لا نعلمه، ومن هذه الناحية يكون الماضي في «عدم العلم» أحياناً مثل المستقبل أيضاً (لأننا في بعض الأحيان لا نعلم الأمور المرتبطة بالماضي أيضاً)، ويصبح الزمان الحاضر مثل المستقبل (من حيث عدم علم الإنسان)؛ ولذلك فقد قرأنا في السابق، في باب إعادة المعدوم لمناسبةٍ ما، أن أحد المعاني «الإمكانية» هو الاحتمال، وهو الذي يُطلق عليه اصطلاحاً «الإمكان الاحتمالي».

قالوا هناك: إن الإمكان الاحتمالي يرتبط بالإنسان، وليس مرتبطاً بالأشياء وماهيتها، أي إنها حالة الإنسان، وليست حالة الأشياء. عندما أقول: إن الشيء الفلاني ممكنٌ أعني بذلك أنه محتملٌ من وجهة نظري؛ بمعنى أني لستُ على يقينٍ بوجوده، ولستُ على يقينٍ بعدمه. أنا لا أعلم أن ذلك الأمر يصبح موجوداً أو يصبح معدوماً. هذا لا يعني أنه موجود أو غير موجود في حاقّ واقع الوجوب، أو له امتناعُ الوجود أم لا، بل إني لا أعلم. وإن الإمكان الاستقبالي يعود في نهاية الأمر إلى نوعٍ من الاحتمال»([71]).

إن حادثة في المستقبل، من قبيل: مجيء زيد إلى هذا المكان في الغد وفي الساعة كذا، في ذاتها وطبيعتها أمرٌ ممكن، بمعنى أنها ليست أمراً مستحيلاً وجوده، كما أنها ليست بالأمر المستحيل عدمه. وأما إذا أخذنا هذه الحادثة بالنظر إلى العلل التي تنفي مجيء زيد (كأنْ يكون الآن راقداً في المستشفى في البرازيل) فمن الواضح أنه يجب أن نقول بأن زيداً لن يأتي غداً بالضرورة. ولو أخذنا مجيء زيد بالنظر إلى علل وجوده، وأخذنا مجيئه مع جميع المقتضيات التي توجب المجيء، عندها سيأتي زيدٌ غداً بالضرورة. «وعلى هذا الأساس فإن المستقبل بدَوْره مثل الماضي تماماً، بمعنى أن ذات الاعتبارات التي تعتبر بالنسبة إلى الماضي تعتبر بالنسبة إلى المستقبل أيضاً؛ وعليه لو أخذنا المستقبل بالنظر إلى جميع علله التي يمتلكها في حاقّ وجوده فإن ذات الضرورات والامتناعات القابلة للاعتبار في أمور الماضي هي موردٌ للاعتبار في أمور المستقبل أيضاً. وعلى هذا الأساس ليس هناك أيّ فرقٍ بين المستقبل والماضي، وإن ذات الضرورة التي كانت حاكمةً على الماضي تكون حاكمةً على المستقبل أيضاً»([72]).

يذهب الأستاذ مطهَّري إلى الاعتقاد بأن هناك مَنْ ذهب في مسألة الاختيار والحرّية إلى القول بالإمكان الاستقبالي، وتصوَّر أن لازم الاختيار ولازم حرّية الإنسان أن لا يكون هناك أيّ ارتباطٍ ضروري بين الماضي والمستقبل، وعلى حدّ تعبير جان پول سارتر وأضرابه: في الأساس «أنا» الذي أنتخب المستقبل؛ بمعنى أن المستقبل ليس له أيّ تعيُّنٍ في ماضيه أصلاً، وليس له أيّ ارتباطٍ بالماضي، كما لو أن جميع العالم ينعدم مرةً واحدة بشكلٍ اعتباطي، ثمّ يوجد عالمٌ دفعة واحدة اعتباطاً. فلو أراد مثل هذا الشيء أن يكون موجوداً لن يكون له أيّ ارتباطٍ بالماضي، وسوف يكون العلم بالمستقبل محالاً، بمعنى أن العلم بمثل هذا الغيب سوف يكون محالاً بالنسبة إلى كلّ موجودٍ. وهذه مجرَّد تخيُّلاتٍ وأوهام مَحْضة. إن الإمكان الاستقبالي مرتبطٌ بلغة المناطقة والقضايا التي يعمل الإنسان على تشكيلها، ويفرّق بين حالة الاستقبال والمستقبل وبين الماضي، وأما الفلسفة فليست كذلك([73]). وعلى هذا الأساس فإن أحداث المستقبل لها جذورٌ في الماضي، وإن الشرائط العلّية الموجودة في الماضي توفِّر الأرضية للأحداث اللاحقة.

د ـ تفسير الضرورة الحاكمة على أفعال الإنسان

لقد تمّ تعريف الاختيار بصِيَغ مختلفة. وعلى أساس تعريفٍ شائع نسبياً بين الفلاسفة الغربيين قيل: إن الاختيار عبارةٌ عن القدرة على اختيار واحدٍ من بين بديلين أو عددٍ من البدائل. ففي كلّ مورد يكون الشخص قادراً على القيام بفعل غير ذلك الذي يقوم به في الواقع كان هذا يعني أنه مختارٌ بالمعنى المذكور. وبعبارةٍ أخرى: إن الشخص A إنما يكون مختاراً في القيام بالعمل X إذا أمكنه الامتناع عن القيام به من خلال اختيار عدم فعله.

تذهب ليندا زاجزبسكي في طريقة حلِّها الأولى إلى إنكار أصل البدائل الممكنة، وتثبت أنه حتّى إذا كانت جميع أعمالي الماضي والقادمة ذات ضرورة عارضية، وكانت بحيث لا يمكن القيام بها بطريقةٍ أخرى، لا تكون مزيلةً لاختياري.

وأما في مقام النقد فيمكن القول: حيث إن زاجزبسكي تأخذ هذه النتيجة على أساس أن علم الله واختياري مستقلاّن عن بعضهما فإنها لا تبدو طريقةَ حلٍّ مناسبة؛ إذ إن إرادة الإنسان تقع في طول الإرادة الإلهية، ولا يمكن أخذهما بشكلٍ مستقلّ عن بعضهما. توضيح ذلك: حيث إنه لا يكون هناك بين الموجودين أيّ ارتباط علّي ومعلولي (إضفاء الوجود وأخذ الوجود) يقال: إن هذين الموجودين يقعان في عرض بعضهما؛ إذ ليس أحدهما علةً وموجداً للآخر، وأما الموجودان اللذان يكون أحدهما معلولاً والآخر علّةً له فإنهما يقعان في طول بعضهما؛ بمعنى أن الرتبة الوجودية للعلة متقدّمة على الرتبة الوجودية للمعلول، وما لم تكن العلة موجودةً لن يكون المعلول موجوداً؛ وحيث إن الله سبحانه وتعالى هو علة العلل لا يكون هناك أيّ شيءٍ في عرضه. وعلى هذا الأساس عندما يقال: إن إرادة الإنسان تقع في طول إرادة الله يكون المراد أن إرادة الإنسان معلولةٌ لإرادة الله؛ بمعنى أن الله قد أراد أن يكون الإنسان مريداً، ولو أنه لم يُرِدْ ذلك لما كان للإنسان إرادةٌ. وعليه فإن كلّ ما يريده الإنسان في الوقت الذي يكون من إرادته يكون من إرادة الله أيضاً، كما أن كلّ عملٍ تقوم به اليد يُعَدّ عملاً للروح أيضاً؛ لأن الروح إذا لم تُرِدْ لا يمكن لليد أن تتحرَّك. والآن كيف يمكن حلّ مشكلة الضرورة الحاكمة على أفعال الإنسان، بحيث تكون إرادتي واختياري في طول الإرادة الإلهية، ولا تحدث في الوقت نفسه مشكلةٌ لاختياري؟

يرى الأستاذ مطهَّري أن العلاقة بين الفعل والفاعل من نوع العلاقة والارتباط الضروري، بَيْدَ أن ضرورة الفعل غير الجَبْر. إن الفعل الذي يوجد في الخارج لو تحقّقت جميع أجزاء علّته فإنه سوف يقع، ويكون ضرورياً. إن من بين مقدّمات الفعل الاختياري صفة اختيارية الفاعل؛ حيث إنْ شاء فعل وإنْ لم يشأ لم يفعل، وإن كل عملٍ بالنسبة إلى كلّ واحدٍ من أجزاء علته ـ بما في ذلك اختيار الفاعل ـ ممكنٌ، وتعطى له نسبة الإمكان، بَيْدَ أنه بالنسبة إلى جميع العلة ومجموع أجزاء علّته التامّة سوف يكون ضرورياً وحَتْمي الوقوع.

وعلى هذا الأساس فإن الأستاذ مطهَّري يقول: إن ما نقوله من أن علاقة الفعل بالفاعل ضرورية، وإن الفاعل موجبٌ لفعله، بمعنى أن الإنسان فاعلٌ موجِبٌ لأفعاله، لا أنه فاعلٌ موجَب([74]). وعلى هذا الأساس فإن حرّية الإنسان بالمفهوم الذي أشَرْنا إليه لا تتنافى مع قانون العلّية، وإن أفعال الإنسان في عين الاختيار والحرّية والإرادة ذات ضرورةٍ بالاختيار، وهذا غير أن تكون هناك ضرورةٌ عمياء تحكم الإنسان وإرادته([75]).

وكما سبق أن أشَرْنا فإن زاجزبسكي تذهب إلى الاعتقاد بأن فرانكفورت قد افترض في أمثلته الجَبْر العلي، وأثبت من خلال إنكار أصل البدائل الممكنة أن الإنسان يمكنه أن يكون فاقداً للبدائل الممكنة، ويكون في الوقت نفسه مختاراً ومسؤولاً عن أعماله. بَيْدَ أن زاجزبسكي كانت ترى أن إشكال طريقة فرانكفورت يكمن في افتراضه للجَبْر العلّي، وعمدَتْ من خلال إصلاح نموذج فرانكفورت إلى تقديم طريقة حلٍّ أخرى. وأما هنا، وفي ضوء ما تقدَّم ذكره، يمكن لنا ـ خلافاً لما قالته ليندا زاجزبسكي، ومن دون إنكار أصل البدائل الممكنة ـ أن نثبت أن الضرورة العلّية أو الجَبْر العلي والمعلولي يتناغم مع اختيار الإنسان. وعلى هذا الأساس فإن الإنسان مختارٌ مَحْض، ولا يمكن لأيّ عاملٍ أو قوّةٍ أن تكون مؤثِّرة أو حاكمة على سلوكه وأعماله، وإن الإنسان على الرغم من جميع العوامل والشرائط، ومع الحفاظ على الحاكمية والقدرة والإرادة الإلهية، قادرٌ على القيام بالأفعال التي لو أراد لأمكنه عدم فعلها، وتصرَّف بشكلٍ آخر. وعليه فإن الإنسان مسؤولٌ عن أفعاله الإرادية، وإن الجَبْر المطلق ليس حاكماً على أفعاله.

هـ ـ بحث ماهية الزمان لحلّ مسألة العلم السابق

تصل ليندا زاجزبسكي في الأحجية الجديدة التي تذكرها في العلم السابق إلى هذه النتيجة، وهي أن مسألة العلم السابق والاختيار لا ربط لها بالعلم السابق أو الاختيار، بل تنشأ من ملاحظة ماهية الزمان. إن هذه الملاحظة تؤدّي بقضية ضرورية ومرتبطة بالماضي إلى أن تستلزم قضية ممكنة ومرتبطة بالمستقبل. إنها في نهاية المطاف ترى أن المشكلة الأعمّ ترتبط بمنطق الزمان والعلية.

يقول الأستاذ مطهَّري في تعريف الزمان: إن الزمان عبارةٌ عن مقدار الحركة الذاتية للشيء، وإن الظرف الزمني لشيءٍ ما عبارةٌ عن مطابقة تلك الحركة لحركة أخرى، حيث تمّ جعلها بحَسَب التعاقد مقياساً([76]). وكما أثبَتْنا في بحث الإمكان الاستقبالي فإن المستقبل من وجهة نظر الأستاذ مطهَّري هو مثل الماضي تماماً. وإن ذات الاعتبارات التي تتمّ بشأن الماضي تتمّ بشأن المستقبل أيضاً، وإن ذات الضرورة التي تحكم الماضي تحكم المستقبل أيضاً. ولذلك لو كان المستقبل والماضي كلاهما ضروريّاً سوف يتمّ حلّ اللغز الجديد للعلم السابق، بل يرتفع حتّى رأي عدم التقارن الزمني أيضاً، ويبقى العلم السابق والاختيار الذي بحثنا بشأنه في موضعه، وأثبتنا عدم وجود منافاةٍ بينهما.

في الختام إن النقطة الهامّة الجديرة بالذكر في هذه المسألة هي أن علينا أن لا نقارن علم الله بأنفسنا؛ لأن الله موجودٌ غير زمني، فهو فوق الزمان والمكان، ولا معنى للحاضر والماضي والمستقبل بالنسبة له. إن الموجودات المادّية وإنْ كانت في أفق الزمان، وليس لديها علمٌ بماضيها ومستقبلها والآخرين بشكلٍ مباشر، وإن الأحداث تقع لها بشكلٍ تدريجي، إلاّ أن الحركة والزمان لا معنى لهما في مورد الله الذي يفوق الزمان والمكان، وإن جميع الوجود واضحٌ وجليّ بالنسبة له. إن علم الله بحوادث الماضي والمستقبل من قبيل: علمنا بالأحداث الراهنة والماثلة أمامنا. إنه يرى جميع الوجود وسلسلة الأحداث في موضعٍ واحد ومرّةٍ واحدة، وبعبارةٍ أخرى: لا معنى للعلم قبل التحقُّق وحين التحقُّق وبعد التحقُّق بالنسبة له. وبالتالي كما أن علمنا بأن الشخص الفلاني يقوم بعمل حَسَنٍ في حضورنا لا يكون ذلك سبباً في إجبار ذلك الشخص فإن علم الله بهذا العمل لا يكون سبباً في إجبار هذا الشخص.

«بعبارةٍ أخرى: إن للأفعال الإلهية المتعلِّقة بالأمور الزمانية والمكانية حيثيتين، وهما: أوّلاً: حيثية الانتساب إلى المخلوقات، ومن هذه الناحية تتصف بالقيود الزمانية والمكانية؛ وثانياً: حيثية الانتساب إلى الله تعالى، ومن هذه الناحية تنسلخ عن الزمان والمكان؛ وهذه نقطة جديرةٌ بالكثير من الدقّة، وتمثِّل مفتاحاً لحلّ الكثير من المشاكل»([77]).

رُبَما كانت هذه النقطة الأخيرة التي ذكَرْناها هي الأقرب إلى الرؤية الأوكامية التومائية، حيث تسعى فيها زاجزبسكي إلى تقديم وصفٍ زمني عن الله غير الزمني، غاية ما هنالك أنها تعمل على تعقيد المسألة من خلال إضافة ضرورة الماضي وإمكان المستقبل إلى رؤيتها، وتوجد مانعاً جديداً في هذه المسألة.

و ـ تناغم الاختيار مع الجَبْر العِلِّي

يقول اللاتناغميين بعدم التناغم بين العلم الإلهي واختيار الإنسان، ومن بين هذين الأمرين يعملون على إثبات أحدهما وإنكار الآخر. يقول الأستاذ مطهَّري في الردّ على غير التناغميين: «إن القرآن الكريم لا يرى أيّ تنافٍ بين القضايا الإلهية العامة وحرّية واختيار الإنسان. وقد ثبت في محلِّه من الناحية البرهانية والفلسفية أنه لا يوجد تنافٍ بين هذين الأمرَيْن. بَيْدَ أن فلاسفة القرن العشرين قد توهَّموا أنهم سيغدون أحراراً بمجرّد عدم إيمانهم بالله، وذلك بمعنى أنه سيكون بمقدورهم قطع ارتباط إرادتهم بالماضي والحاضر، أي يقطعونها مع التاريخ والبيئة، وأن يتمكَّنوا بهذه الإرادة المستأصلة من التاريخ والبيئة من اختيار وبناء المستقبل، في حين أن مسألة الجبر والاختيار لا صلة لها بقبول الله أو إنكاره. فمع الإيمان بالله يمكن القول بدَوْرٍ فعّال وحرٍّ لإرادة الإنسان، كما يمكن مع إنكار الله الإشكال على فرضية حرّية الإنسان طبقاً لقانون العلية العامّة أيضاً؛ بمعنى أن جذور الجَبْر أو توهُّم الجَبْر هو الاعتقاد بالنظام القطعي للعلة والمعلول، الذي يقرّ به اللاهوتي كما يقرّ به المادّي أيضاً. إذا لم يكن هناك تنافٍ بين النظام القطعي للعلة والمعلول وحرّية واختيار الإنسان (كما هو الحال في الواقع) فإن الاعتقاد بالله لا يؤدّي بنا إلى إنكار الحرّية.

هناك مَنْ رأى أن إثبات وجود الله رَهْنٌ بالخَدْش في قانون العلية والإشكال على أصل الضرورة العلية والمعلولية، أي إنه رهْنٌ بذلك الشيء الذي يمثِّل الأساس الأكبر لإثبات وجود الله، وليس هو الأكثر أساسية في إثبات وجود الله فحَسْب، بل هو الأساس لقبول كلّ نظريّةٍ علمية وفلسفية»([78]).

يُدرج الأستاذ مطهَّري مجموع الطرق التي سلكها البشر في مسألة الجَبْر والاختيار ضمن صنفين رئيسين: الأوّل: صنف الذين يعترفون بالضرورة العلية والمعلولية، ويقولون بعدم اختيار الإنسان؛ والآخر: صنف الذين يذهبون بشكلٍ وآخر إلى إنكار الضرورة العلية والمعلولية في مورد أفعال الإنسان، ويقولون بالاختيار. وفي الواقع فإن الاعتقاد المشترك بينهم يكمن في قولهم بنوعٍ من الملازمة بين قانون الضرورة العلية والمعلولية وإجبار الإنسان من جهةٍ وبين عدم الضرورة العلية والمعلولية واختيار وحرّية الإنسان من جهةٍ أخرى، غاية ما هنالك أن هناك مجموعةً تقبل بالضرورة العلية والمعلولية وتنفي الاختيار، وتذهب مجموعةٌ أخرى إلى القول بالاختيار، وتنفي الضرورة العلية والمعلولية في أفعال الإنسان.

إن رأي الأستاذ مطهَّري يمثِّل النقطة المقابلة للنظرية المشتركة بين هاتين المجموعتين؛ بمعنى أنه لا يرى أيّ ملازمةٍ وعدم تناغمٍ بين قانون الضرورة العلية والمعلولية وإجبار الإنسان، ويدّعي أن الضرورة العلية والمعلولية في مورد الإنسان ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار العلل والمقدّمات الخاصّة لأفعال وحركات الإنسان ـ تؤيِّد اختيار وحرّية الإنسان، وإن إنكار الضرورة العلية والمعلولية بالنسبة إلى أفعال الإنسان تستوجب محدوديّة وسلب الاختيار والحرّية من الإنسان.

ويمكن إيضاح هذا الأمر ضمن قسمين:

أـ إن نفي الضرورة العلية والمعلولية لا تلازم الحرّية والاختيار، بل تنافيهما. لنفترض أننا لا نرى أن أفعال الإنسان أو مبادئ أفعال الإنسان (كالإرادة مثلاً) ذات ضرورة علية ومعلولية، بمعنى أن لا نقول لهذه الأمور بعلّةٍ تامّة، بحيث تكون النسبة بين تلك العلة التامّة وهذه الأمور هي «الضرورة»، فسوف نضطر إلى تفسير ظهور هذه الأمور وعدم ظهورها بمبدأ «الصدفة»، وفي مثل هذه الحالة يمكن للإنسان أن يتوقَّع من نفسه في كلّ لحظةٍ وتحت أيّ ظرفٍ من الظروف صدورَ أيّ حركةٍ أو عملٍ، ولا يمكنه أن يكون مطمئناً في كلّ آنٍ وتحت أيّ شرائط من صدور أيّ عملٍ من نفسه؛ إذ لو كان البناء أن لا نقول لأفعال الإنسان بعلل تامّة، بحيث تكون نسبة تلك الأفعال إلى تلك العلل هي «الضرورة»، وإن وجود وعدم تلك الأفعال مجرّد تابعٍ لوجود وعدم تلك العلل التامّة، وجب علينا ترك زمام ذلك الفعل في يد الصدفة، واعتقدنا أن ذات الإنسان لا يمكنه أن يقوم بأيّ تدخُّلٍ في ذلك الفعل. لا شَكَّ في أن هذا الافتراض يلازم المحدودية وسلب القدرة والاختيار والحرّية من الإنسان، بل لا معنى للحرّية مع هذا الافتراض أساساً، بل في هذا الافتراض لا يمكن في الأساس اعتبار هذا الفعل من فعل الإنسان، ولا أيّ فاعلٍ آخر.

ب ـ إن الضرورة العلية والمعلولية لأفعال الإنسان لا تتنافى مع الاختيار، بل تؤيِّده وتؤكِّده. إن ضرورة أفعال وحركات الإنسان في نظام الوجود لا تنافي اختيار الإنسان وحرّيته؛ لأن كلّ معلولٍ يكتسب ضرورة إنما يكتسب ضرورته بواسطة علّته التامّة، وإن أفعال الإنسان بدَوْرها تكتسب ضرورتها بواسطة ظهور العلل التامّة لها. إن العلة التامّة لفعل الإنسان مركّبةٌ من مجموعةٍ من الغرائز والميول والعواطف والسوابق الذهنية وقوّة العقل والمقارنة والموازنة بين الأمور وتقدير العواقب والقدرة على العزم والإرادة، بمعنى أن كلّ فعلٍ يصدر عن الإنسان يجب أن يشتمل على أمرٍ مطلوب للإنسان، بمعنى أنه يجب أن يتطابق (في الحدّ الأدنى) مع واحدٍ من رغبات الإنسان وغرائزه. ومن هنا فإن القيام بكلّ فعلٍ يتصوَّره الإنسان إذا لم يكن مشتملاً على أيّ أمرٍ منشود، ولا يلبّي أيّ واحدٍ من غرائز ورغبات الإنسان، ولم تصادق النفس على فائدته في مصطلح الحكماء، لما أمكن لقوى الإنسان الفاعلة أن تنجذب نحو ذلك الفعل. وعليه فإن كلّ فعلٍ من أفعال الإنسان إذا تحقَّق فإنه سوف يتحقَّق طبقاً للضرورة، وإذا ترك فإنه يترك طبقاً للضرورة، إلاّ أن العلة التي أعطت الضرورة لتحقُّق ذلك الفعل أو تركه هي إرادة واختيار وانتخاب الإنسان نفسه، وليس شيئاً آخر، ومعنى هذه الضرورة هنا هو أن أفعال الإنسان تكتسب الضرورة بالاختيار، وأن هذه الضرورة لا تتنافى مع اختيار الإنسان، بل تؤيِّده وتؤكِّده([79]).

في ضوء التحليل الذي قدَّمناه هنا عن الأستاذ مطهَّري فإنه يرى أن الاختيار يتناغم مع الجَبْر العلّي (الضرورة العلية والمعلولية).

ز ـ وقفةٌ في آراء زاجزبسكي

تذهب ليندا زاجزبسكي إلى الاعتقاد بأن لله بهذا المعنى علماً سابقاً، حيث لديه معتقداتٌ صادقة وموجهة بالمستقبل. إن الانتقاد الذي يَرِدُ على كلام السيدة ليندا زاجزبسكي هو أن إطلاق تعريف المعرفة ثلاثيّ الأجزاء (الاعتقاد الصادق الموجّه) على علم الله غيرُ صحيحٍ؛ لأن العلم الإلهيّ، في عين تفصيليّته واشتماله على الجزئيات، بسيطٌ وإجمالي أيضاً، وكذلك على أساس أهمّ النظريات، وأكثرها قابليةً للدفاع في باب الصدق، والتي تعرِّف الصدق بأنه «مطابقة الاعتقاد مع الواقع»، لا يمكن نسبة هذا التعبير إلى علم الله؛ لأن علمه حضوريٌّ، وهو عين الواقعية، لا أنه متطابقٌ مع الواقعية.

وكذلك فإن المحذور الجديد الذي تتحدَّث عنه السيدة ليندا زاجزبسكي قابلٌ للردّ والنقد في إطار الفلسفة الإسلاميّة بالكامل؛ لأن الإمكان الذي تنسبه السيدة زاجزبسكي إلى المستقبل تمّ التعبير عنه في الفلسفة الإسلامية تحت عنوان الإمكان الاستقبالي. إن الإمكان الاستقبالي بالطريقة التي ذكرها أرسطو، وشرحها الفارابي وابن سينا، تلازم عدم التعيُّن الواقعي لصدق القضايا الاستقبالية، وبالتالي فإنه لا يتناغم مع النظام العلّي والمعلولي للحوادث، وكذلك تعلّق العلم الإلهيّ بأحداث المستقبل. بَيْدَ أن الرأي الصحيح في مجال الإمكان الاستقبالي هو رأي الخواجة نصير الدين الطوسي؛ حيث ينفي صراحة عدم تعيُّن الصدق الواقعي للقضايا الاستقبالية، كما ينفي الإمكان الاستقبالي أيضاً، ويرى كلا الأمرَيْن مرتبطاً بمحدودياتنا العلمية. كما يذهب صدر المتألِّهين والملاّ هادي السبزواري والعلاّمة الطباطبائي إلى اعتبار الإمكان الاستقبالي أمراً إثباتيّاً ومرتبطاً بعدم علمنا بالعلل والأسباب والوقائع، وإلاّ فإن الضرورة هي الحاكمة على الروابط في الواقع ونفس الأمر.

وعلى الرغم من أن بعض آراء ليندا زاجزبسكي جديرةٌ بالردّ والنقد، إلاّ أن النقطة الجديرة بالاهتمام في آرائها تكمن في تقديمها طرق حلٍّ مختلفة ومبتكرة، تختلف عن سائر المفكِّرين في هذا الشأن.

5ـ النتيجة

إن طريقة الحلّ «الأوكامية التومائية» لزاجزبسكي ترى أن علم الله علم مطلق، حيث إنه علمٌ مباشر وبلا واسطة من الجوهر الإلهي الذي أدرج فيه كلّ ما هو معلومٌ، ولا يعتريه التغيير مع تصرُّم الزمن. إن الله يتعرَّف على الأشياء وخصائصها بواسطة جوهره الوجودي، ويحصل له علمٌ بها. إن الله ليس متقبِّلاً منفعلاً للمعرفة، ولا يحصل على علمه من الأشياء التي خلقها بيده. إن طريقة الحلّ هذه قريبةٌ من رأي الأستاذ مطهَّري في مجال القول بإطلاق وحضور وفعلية العلم الإلهيّ، ولكنْ لا يمكن بيان مدَّعى التماهي والتشابه في هذه العقائد.

كما أن طريقة الحلّ «الأوكامية التومائية»، التي هي وصفٌ زماني لعلم الله، ويكون فيها علمُ الله في حدّ ذاته فوق الزمان، شبيهةٌ برأي «العلم السابق» في رأي الأستاذ مطهَّري؛ لأن الأفعال الإلهية المتعلّقة بالأمور الزمانية والمكانية تشتمل على حيثيتين:

1ـ حيثية الانتساب إلى المخلوقات: تتصف بالقيود الزمانية والمكانية.

2ـ حيثية الانتساب إلى الله: منسلخة عن الزمان والمكان.

على الرغم من أن التوصيف التومائي يبدو تفسيراً جيِّداً ومناسباً، إلاّ أنه ينطوي على بعض المشاكل؛ لأن زاجزبسكي ترى أن العلم الإلهي والانتخاب الاختياري مستقلاّن عن بعضهما، ومن خلال إنكار أصل البدائل الممكنة تثبت أنه حتى لو كانت جميع أعمالنا مشتملةً على ضرورة عارضية تبقى اختياريّةً. وبطبيعة الحال فإن قولها: إن أعمالنا على الرغم من ضروريّتها اختياريّةٌ شبيهٌ بكلام الأستاذ مطهَّري، حيث يقول: «إن الإنسان مختارٌ بالإكراه». بَيْدَ أن إشكال رأي زاجزبسكي يكمن في أنها تحصل على هذه النتيجة من افتراض استقلال علم الله والاختيار عن بعضهما، وتتحدَّث في هذا الشأن عن الجَبْر العلّي، إلاّ أنها لا تتَّخذ موقفاً واضحاً، ولكنْ عندما نذهب إلى رأي الأستاذ مطهَّري نرى أنه بالإمكان أن نعتبر تناغم الضرورة العلية أو الجَبْر العلي والمعلولي مع اختيار الإنسان دون إنكار أصل البدائل الممكنة؛ لأن هذه الضرورة العلِّية الحاكمة على أفعال الإنسان ضرورةٌ بالاختيار، وإن الإنسان على الرغم من جميع العوامل والشرائط قادرٌ على القيام بالأفعال التي لو أراد لأمكنه أن لا يفعلها، وأن يسلك بطريقةٍ أخرى. ولذلك فإن الإنسان مسؤولٌ عن أعماله الإرادية ولا يكون الجَبْر المطلق حاكماً عليه. وجواب الأستاذ مطهَّري لـ (اللاتناغميين) هو أنه لا يوجد في البين ملازمةٌ أصلاً، وليس هناك عدم تنافٍ بين الضرورة العلّية والاختيار فحَسْب، بل إن الضرورة العلّية تؤيِّد وتؤكِّد الاختيار أيضاً.

تبحث ليندا زاجزبسكي عن جَذْر الضرورة العارضية في الإمكان الاستقبالي، بَيْدَ أنها لا تستطيع تقديم توصيفٍ مناسب له، أما الأستاذ مطهَّري فقد استدلّ في بحث الإمكان الاستقبالي على أن الإمكان الاستقبالي ينشأ من جهلنا بأمور المستقبل؛ ولذلك فإن المستقبل بدَوْره هو مثل الماضي تماماً، بمعنى أن ذات الاعتبارات التي تعتبر بالنسبة إلى الماضي تعتبر بالنسبة إلى المستقبل أيضاً. وعلى هذا الأساس ليس هناك أيّ فرقٍ بين المستقبل والماضي. وإن ذات الضرورة الحاكمة على الماضي تكون حاكمةً على المستقبل أيضاً. وعلى أساس هذا البيان الذي يذكره الأستاذ مطهَّري يرتفع اللغز الجديد للعلم السابق المطروح من قِبَل زاجزبسكي، والقائم على الاعتقاد بعدم التقارن الزماني؛ لأن الماضي في هذه الأحجية يعتبر ضرورياً، ويعتبر المستقبل ممكناً ومحتملاً، وهذا الأمر يؤدّي إلى ظهور مشكلةٍ جديدة؛ وأما في ما يقوله الأستاذ المطهري بشأن الماضي والمستقبل فإن المسألة تكون واضحةً، ويكون الإشكال مرتفعاً.

أما النقطة الأخيرة فهي أنه على أساس الاعتقاد بالقضاء والقَدَر الإلهي لا يكون متعلّق العلم الإلهي هو «أن الله في T1 يعلم أن S سوف يقوم بالعمل A في T3»، بل إن متعلق العلم الإلهي هو «أن الله في T1 يعلم أن S لو اختار العمل P1 فعندها سيقع Q1، ولو أنه اختار العمل P2 عندها سيقع Q2، و…».

وبمقدار ما يكون هناك إمكانٌ للاختيار سوف يتعلّق به العلم الإلهي، وإن اختيار كلّ واحدٍ من الخيارات سوف يكون بحكم القضاء والقَدَر الإلهي أيضاً.

الهوامش

(*) طالبةٌ في مرحلة الدكتوراه في كلِّية الإلهيّات (قسم فلسفة الدين) في جامعة طهران.

(**) أستاذٌ مساعدٌ في قسم الفلسفة في كلِّية الإلهيّات ـ جامعة طهران.

([1]) Theological fatalism.

([2]) Infalible.

([3]) إن لهذا البرهان تقارير متعدّدة. أما التقرير المذكور أعلاه فقد نقلناه عن السيدة ليندا زاجزبسكي من المصدر التالي:

Zagzebski, Linda, (2010), “Foreknowledge and Human Freedom”, in Charles Talia Ferro, Paul Draper, and Philip L. Quinn, A Companion to Philosophy of Religion, Second Edition, Blackwell Publishing Ltd. P. 474.

([4]) Accidental necessity (Per accidence).

([5]) Transfer of necessity.

([6]) Principle of alternate possibilities.

([7]) Zagzebski, Linda, (2010), “Foreknowledge and Human Freedom”, in Charles Talia Ferro, Paul Draper, and Philip L. Quinn, A Companion to Philosophy of Religion, Second Edition, Blackwell Publishing Ltd. P. 474.

([8]) Compatibilist.

([9]) Zagzebski, Linda, (2008), “Foreknowledge and Free Will”, Stanford Encyclopedia of Philosophy. P. 1.

([10]) نسبة إلى الفيلسوف بوثيوس، واسمه الكامل: أنيسيوس مانليوس سيفرنيوس بوثيوس       (480 ـ 524م): فيلسوفٌ وسياسي روماني، اشتهر بعجلة الحظّ وعزاء الفلسفة، التي أصبحت واحدةً من الأعمال الفلسفية الأكثر شعبية وتأثيراً في العصور الوسطى. (المعرِّب).

([11]) نسبة إلى الفيلسوف وليم الأوكامي (1288 ـ 1348م): راهبٌ ومدرسيّ إنجليزي، من أوكام. يعتبر مع توما الأكويني من عظماء المفكِّرين في العصور الوسطى. وكان له تأثيرٌ فكري وسياسي على مجمل الأحداث في القرن الرابع عشر الميلادي. له فكرةٌ فلسفية تسمّى (شفرة أوكام)، توضِّح أن أبسط السبل لحلّ مشكلةٍ ما هو الحلّ الصحيح لها. (المعرِّب).

([12]) نسبة إلى الفيلسوف لويس دي مولينا (1535 ـ 1600م): أستاذٌ جامعي وفيلسوفٌ وقانوني واقتصادي إسباني. (المعرِّب).

([13]) ليندا ترينكوس زاجزبسكي (1946 ـ ؟؟؟م): فيلسوفةٌ أمريكية. حازت على شهادة البكالوريوس من جامعة ستانفورد، وعلى شهادة الماجستير من جامعة كاليفورنيا / بيركلي، وعلى شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا / لوس آنجلس، أستاذةُ الأبحاث في جورج لين كروس. ورئيسة كلية كينج فيشر لفلسفة الدين والأخلاق في جامعة أوكلاهوما. تكتب في مجالات نظرية المعرفة، وفلسفة الدين، ونظرية الفضيلة، والأبحاث الخاصة بالاختيار. شغلت منصب رئيسة القسم المركزي للجمعية الفلسفية الأمريكية. (المعرِّب).

([14]) للوقوف على المزيد في هذا الشأن انظر إلى كتاب بوثيوس: تسلاي فلاسفه (تسلية الفلاسفة)، ترجمه إلى اللغة الفارسية: سايه ميثمي، نگاه معاصر، طهران، 1385هـ.ش.

([15]) للوقوف على المزيد بشأن براهين آكام حول التناغم بين علم الله الأزلي واختيار الإنسان يمكنك الرجوع إلى المصدر التالي:

Ockham, William, (1969), Predestination, God’s Foreknowledge and Future Contingents, Trans. by Marilyn Mc Cord AdaMs and Norman Kertzmann Indianapolis: Hackett.

([16]) للوقوف على المزيد في هذا الشأن راجِعْ المصدر التالي:

Molina, Luis de, (1953), Liberi Arbitrii cum Gratiae Donis, Divina Praescientia, Providentia, Praedestinatione et Reprobatione Concordia, ed. By J. Rabeneck, Ona and Madrid.

([17]) See: Boethius, p. 480, 524 ـ 525.

([18]) هناك من المعارضين مَنْ يرى عدم تناغم أبدية الحكمة الإلهية مع بعض الصفات الإلهية، من أمثال:

Luis de Molina, p. 121 ـ 129.

Natural knowledge, p. 221.

Robert Merrihew Adams (1937).

([19]) Timeless Knowledge Dilemma.

([20]) See: Zagzebski, Linda, (1991), The Dilemma of Freedom and Foreknowledge, New York: Oxford University Press. P. 60 ـ 64.

([21]) Middle knowledge (scientia media).

([22]) Luis de Molina.

([23]) Natural knowledge.

([24]) Free knowledge.

([25]) Future conditionals.

([26]) Robert Merrihew Adams (1937).

([27]) الشرط المخالف للواقع: يُطلق في المنطق على شرطيات من قبيل: «لو سقط زيد من الطابق العاشر فإنه لن يبقى على قيد الحياة». إن هذه الشرطيات بشأن الأمور غير الواقعة، ومن هنا فإن مقدّم كلّ واحدٍ منها جملةٌ كاذبة. إن دراسة وبحث هذا النوع من الشرطيات يقع على عاتق فلسفة اللغة ومفهومية اللغة الطبيعية. انظر: ضياء موحد، درآمدي به منطق جديد (مدخل إلى المنطق الجديد): 104، شركت انتشارات علمي وفرهنگي، طهران، 1386هـ.ش. (مصدر فارسي).

إن الشرط المخالف للواقع في النص الراهن هو أن الحادثة C علة للحادثة E، بمعنى أنه لو لم تقع الحادثة C لما وقعت الحادثة E. إن الشرط المخالف للواقع الذي يقع في العالم W مدّعى بشأن أحداث العالم الممكنة الأخرى، وهي على الرغم من اختلافها عن W، إلاّ أنها تشبهه من جهاتٍ مختلفة. ولكن حيث إن الذي يرتبط بمدعياتنا العلية اليومية شرطيات مخالفة للواقع نصدرها في عالمنا ـ أي العالم بالفعل ـ يجب ملاحظتها على أساس شبهها التفصيلي بعالمنا؛ ابتداءً من العوالم التي لها أقلّ شَبَه بعالمنا الفعلي إلى العوالم التي تحتوي على أكبر شَبَه بعالمنا. وفي هذه الحالة نستطيع بيان صدق الشرط المخالف للواقع على النحو التالي: (لو كان الأمر P لكان الأمر Q).

إن الرؤية المحورية لمدخل المخالف للواقع هو أن C كلما استوجبت الحادثة E وجب علينا فهمها بشكلٍ مخالف للواقع: (لو لم يحدث C لما حدث E).

([28]) Counterfactual conditionalof freedom.

([29]) William Hasker (1902 – 1984).

([30]) William Craig (1918).

([31]) See: Zagzebski, Linda, (2008), “Foreknowledge and Free Will”, Stanford Encyclopedia of Philosophy. P. 7 ـ 8.

([32]) Thomas Patrick Flint.

([33]) See: Flint, Thomas, (1998), Divine Providence: The Molinist Account, Ithaca: Cornell University Press.

([34]) William of Ockham (1288 – 1348).

([35]) Marylin Adams (1943).

([36]) Zagzebski, Linda, (2008), “Foreknowledge and Free Will”, Stanford Encyclopedia of Philosophy. P. 6.

([37]) Hard Past.

([38]) Soft Past.

([39]) تذهب السيدة ليندا زاجزبسكي إلى تسمية طرق الحلّ التي تثبت بطلان مقدّمات الاستدلال التقديري طرق حلٍّ سلبية، وفي المقابل لا طريقة حلّ إيجابية إلاّ إذا مثَّلت نموذجاً ممكناً لتناغم العلم الإلهي السابق مع اختيار الإنسان.

([40]) ألفين بلانتينغا (1932 ـ ؟؟؟م): فيلسوفٌ تحليلي أمريكي. معروفٌ على نطاقٍ واسع؛ لعمله في فلسفة الدين، ونظرية المعرفة، والميتافيزيقا واللاهوت الدفاعي. وصفته مجلة (تايم) بأنه (فيلسوف الله الأرثودوكسي البروتستانتي القيادي لأمريكا). له العديد من المؤلَّفات، ومن بينها: (الله والعقول الأخرى)، و(طبيعة الضرورة)، و(الإيمان المسيحي المبرر). (المعرِّب).

([41]) Thomistic Description.

([42]) See: Zagzebski, Linda, (1991), The Dilemma of Freedom and Foreknowledge, New York: Oxford University Press. P. 66 ـ 67.

([43]) Saint Thomas Aquinas (1225 – 1274).

([44]) See: Zagzebski, Linda, (1991), The Dilemma of Freedom and Foreknowledge, New York: Oxford University Press. P. 85 ـ 91.

([45]) Principle of Alternate Possibilities.

([46]) Harry Frankfurt.

([47]) See: Frankfurt, Harry, “Alternate Possibilities and responsibility”, Jornal of Philosophy, V.66, No.23. p. 839 ـ 849.

([48]) See: Zagzebski, Linda, (2004), “Omnisicence Time, and Freedom”, The Blackwell Guide to the Philosophy of Religion, edited by William E. Mann. Oxford and n. Y.: Blackwell. P. 3 ـ 25.

([49]) للمزيد من الاطلاع في هذا الشأن يمكن الرجوع إلى المصدر التالي:

Fischer, John Martin, (1989),”Responsibility and Control”, Jornal of Philosophy, ed. by John Martin Fischer, Ithaca, N. Y.: cornell University press. P. 143 ـ 152.

([50]) See: Zagzebski, Linda, (2010), “Foreknowledge and Human Freedom”, in Charles Talia Ferro, Paul Draper, and Philip L. Quinn, A Companion to Philosophy of Religion, Second Edition, Blackwell Publishing Ltd. P. 477 ـ 479; Zagzebski, Linda, (1991), The Dilemma of Freedom and Foreknowledge, New York: Oxford University Press. P. 159 ـ 161.

([51]) يمكن القول باختصارٍ: لو كان لدينا عالم ذو بُعْدين من مربعٍ ودائرة و…، ودخلت كرةٌ ثلاثية الأبعاد عالمها، يكون تصوُّر الأبعاد الثنائية عن الكرة الدائرة التي تنمو في الزمان بالتدريج ثمّ تصغر، بَيْدَ أن الحقيقة هي أن هذه الكرة متحرّكةٌ في الفضاء. والحال لو أننا كنّا في الواقع كائناتٍ رباعية الأبعاد، بحيث تقتصر استعداداتنا المكتسبة على ثلاثة أبعاد، سوف يصبح وضعنا مشابهاً لكرةٍ تحصل على ذاتها والأشياء المحيطة بها في بُعْدين فضائيين. إن الموجود الذي يمتلك القدرة على إدراك البُعْد الرابع يأخذ بالاعتبار كلّ ما يبدو لنا تغييراً في الزمان بوصفه حركةً نسبية تجاه البُعْد الرابع. إن الموجود ذا البُعْد الرابع يفهم هذه الحركة بوصفها وقوعاً في الزمان، ولكنّه لا يزال على الاعتقاد القائل بأن ما نفهمه تغييراً في أنفسنا في كافّة أنحاء الزمان يعتبر من ناحيةٍ أخرى خصيصةً أساسية لنا في الزمان. إن بعض هذه الخصائص يمكن أن يتمّ اختيارها من قِبَلنا، بَيْدَ أننا لا نستطيع أن ندرك نموذج خلق هذه الخصائص بالأسلوب الذي يمكن لفردٍ من خلاله أن يرى البُعْد الرابع.

([52]) See: Zagzebski, Linda, (1991), The Dilemma of Freedom and Foreknowledge, New York: Oxford University Press. P. 173 ـ 180.

([53]) انظر: مرتضى مطهَّري، مجموعه آثار (الأعمال الكاملة) 3: 60، انتشارات صدرا، طهران. (مصدر فارسي).

([54]) انظر: الميرداماد، قبسات: 472، إعداد: مهدي محقق، انتشارات دانشگاه طهران، طهران، 1367هـ.ش. (مصدر فارسي)؛ محمد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازي، الأسفار الأربعة 6: 385، انتشارات مصطفوي، قم.

([55]) انظر: مرتضى مطهَّري، مجموعه آثار (الأعمال الكاملة) 1: 436.

([56]) انظر: المصدر السابق: 434.

([57]) انظر: المصدر السابق 6: 690.

([58]) انظر: المصدر السابق 1: 385؛ 6: 691.

([59]) انظر: المصدر السابق 1: 392.

([60]) انظر: المصدر السابق 1: 392 ـ 393.

([61]) انظر: المصدر السابق 1: 393.

([62]) عندما يُقال: العلم السابق يمكن لهذه العبارة أن تكون في الحدّ الأدنى مستعملةً في واحدٍ من هذين المعنيين: 1ـ بمعنى التقدُّم الذاتي؛ 2ـ بمعنى التقدُّم الزماني. والتقدم الذاتي هو التقدُّم المنشود بشأن العلة بالنسبة إلى المعلول، والتقدُّم الزماني هو أن يكون كائنٌ ما في محور الزمان قبل كائنٍ آخر. وقد ذهب بعض الفلاسفة والمتكلِّمين في بيان العلم الإلهي السابق إلى اختيار النوع الأوّل، وذهب بعضهم إلى اختيار النوع الثاني. ولقراءة المزيد في هذا الشأن يمكن الرجوع إلى المصدر التالي:

Wacame Donald, (1989), “Divine Ominisience and Human Freedom”, Bulletin of Evangelical Philosophical Society, 21. P. 46 ـ 49.

([63]) مرتضى مطهَّري، مجموعه آثار (الأعمال الكاملة) 1: 360.

([64]) المصدر السابق 1: 433.

([65]) انظر: المصدر السابق 1: 432 ـ 436.

([66]) See: Aristotle, (1984), Complete Works of Aristotle: The Rivised Oxford Translation, Edited by Jonathan Barnes, Vol.1, Princeton University Press.

وانظر أيضاً: أرسطو، العبارة في منطق أرسطو: 109 ـ 113، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، دار القلم، بيروت، 1980م.

([67]) (Battle Argument): يمثِّل أرسطو في بحث القضايا الممكنة الاستقبالية بالحرب البحرية، التي إما ستقع غداً أو لن تقع، فإنْ (وقعت حربٌ بحرية في الغد)، وكان ذلك صادقاً من الآن، إذن من المقطوع به الآن أن غداً ستقع حربٌ بحرية، وإنْ (لم تقع حربٌ بحرية في الغد)، وكان ذلك صادقاً من الآن، سوف يثبت من الآن أنه لن تقع حربٌ بحرية في الغد. ولذلك لن تكون هناك ممكناتٌ استقبالية على كلّ حال. انظر المصدر التالي:

The Cambridge Dictionary of Philosophy, (1995), CEN, Edition by Robert Audi. P. 46.

([68]) Absolute future contingents.

([69]) Conditional Future Contingents.

([70]) مرتضى مطهَّري، ، مجموعه آثار (الأعمال الكاملة) 10: 144 ـ 146.

([71]) المصدر السابق 10: 147.

([72]) المصدر السابق 10: 149.

([73]) انظر: المصدر السابق.

([74]) انظر: المصدر السابق 10: 208.

([75]) انظر: المصدر السابق 2: 385 ـ 386.

([76]) انظر: المصدر السابق 6: 1053.

([77]) محمد تقي مصباح اليزدي، آموزش فلسفه (دروس في الفلسفة) 2: 372، طباعة ونشر: منظمة الإعلام الإسلامي، 1368هـ.ش. (مصدر فارسي).

([78]) مرتضى مطهَّري، مجموعه آثار (الأعمال الكاملة) 1: 527 ـ 528.

([79]) انظر: المصدر السابق 6: 610 ـ 615.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً