أحدث المقالات

المؤلف: أحمد حسين المطلق

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف

الطبعة الأولى، 1441هـ ـ 2020م

عدد الصفحات: 98

نبذة عن الكتاب

يتناول هذا الكتاب حياة أم البنين الكلابية، زوج الإمام علي بن أبي طالب(ع)، مُتَتَبّعاً المصادر التاريخية التي ذَكَرَتْ شيئاً عن حياتها أو من أخبارها، وتَبَيَّنَ لنا أنه لم يصح، أو بعبارةٍ أخرى لم يصلنا من نصوص التاريخ عنها إلا حوالي ثلاثة نصوص أو أربعة، مِمَّا يُمكن أن يُصنَّف كروايات تاريخية، ولأن التاريخ بخل علينا بمعرفة كافية وافية من سيرتها، فقد عوَّض الموروث الشفهي المتأخر ذلك بإيراده لتفاصيل تخص أسرتها وخطبتها، ورؤياها ورؤيا والدها قبل الزواج، ثم تفاصيل تخص دخولها إلى منزل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وعلاقتها بأبناء عليٍ والزهراء، ثم كان لابد لهذا المخيال الشعبي من أن يرسم صورة عن صدى خبر الفاجعة واستشهاد الحسين واستشهاد أبنائها، ليحرك العاطفة الجيَّاشة، ويصنع فيما يظنه تعظيماً ووفاءً لأولئك العظماء.

 وبعد ذلك تعرض المؤلف للصحيح من اسمها واسم والدها، مستعرضاً الأخبار المخترعة والمنسوجة حول أم البنين، بناءً على المنهجية التي اختطها المؤلف لقبول ورفض الخبر التاريخي. وتناول الباحث تاريخ وفاتها عبر التقويم السنوي الديني، ومستقر ضريحها وقبرها وزيارتها، كعنصري الزمان والمكان من عناصر الاحتفاء والاحتفال بأي وليٍ من الأولياء الذين يختزن لهم الموروث الشعبي التقدير والتقديس.

 وأخيراً تعرَّض المؤلف إلى مكانة وحضور أم البنين في الطقس والمعتقد الشيعي الشعبي، وإلى ما اختص به المخيال الشعبي لها، من طقوسه وأجوائه الدينية، ومناسباته الاحتفالية والعزائية، وعلاقته بها من خلال طلب الحوائج وقضاء المهمات، والكرامات وقصص الشفاء العجائبي، وتفريج الكُرَب والهموم وقضاء الحاجات.

نبذة عن مؤلف الكتاب

أحمد حسين المطلق، من مواليد مدينة المبرز بالأحساء، مهتم بقضايا الفكر واللغة والأديان والآثار والعلوم الانسانية عامة، وبعلم التاريخ العام والإسلامي واشتغل بشكل خاص على تحقيق واقعة الطف، وبالتوثيق والكتابة حول تاريخ الأحساء والمنطقة وشخصياتها القديم والحديث. له بحوث منشورة منها: “معالم مدينة المبرز القديمة” في مجلة الواحة في العدد 62، و “لهجات شرق الجزيرة العربية اللهجات الأحسائية نموذجاً” في أربعة أعداد من مجلة الساحل (37 ـ 38 ـ 39 ـ 40)، وهو عبارة عن خلاصة كتابه بذات العنوان، لم ينشر بعد. وقدم محاضرة بعنوان “المنبر الحسيني وعلاقته بالمصادر الأولية والجهود التصحيحية” خلال ندوة ملتقى العقار الثقافي ـ آراء وأصداء في 2018م. ويشتغل حالياً على دراسات في تحقيق مفردات وأحداث في واقعة الطف والتاريخ الإسلامي الشيعي خصوصاً. (من الغلاف الخلفي للكتاب).

مختصر المنهج التحقيقي في التاريخ عند المؤلف

قبل عرض مواضيع الكتاب، أرى تلخيص المقال الذي عرض المنهج التحقيقي للمؤلف في الكتاب المذكور[1]. كما هو واضح في استعراضنا لمنهج الأستاذ المطلق في منهج تحقيق التاريخ، وكما عبر عنه لي في تواصل شخصي معه، أنّه يتبع ما يمكن أن يطلق عليه “أدنى الإيمان” في التحقيق، أو أضعفه؛ فإذا ورد خبر أو رواية أو قصة في حق أم البنين ولو كانت نسبة وقوعها 2% فهو لا يكذبها، بل يقبلها ويعتمدها، لكنّه يرفض الأخبار التي يقول العقلاء أن ما لها أصل. فليس شرطاً ما يقوله المطلق أنه وارد أو معتبر هو فعلاً قد حدث. أمّا ما يقول عنه مكذوب أو لا أصل له أو موضوع فكأنّه يقول 100% ما له أصل أساساً. يقول المطلق:

“إنّ معيار قبول الخبر، ومعيار رفضه لدينا، كما لدى كثيرٍ من المحققين المعروفين وهو منهج تاريخي رصين مُتَّبَع لم نبتدع فيه، ومعيارنا الخاص الذي طبَّقناه ضمن سقف هذا المنهج التاريخي العام، لا يرفض الرواية إلا إذا كان احتمال صدورها قريب من الصفر كما أوضحنا، وأما غير ذلك ففي الأمر سَعَة، وليس من اهتمام دراستنا هذه أن نبحث فيما يمكن الجزم بصدوره من الأخبار والروايات، بل نبحث عما يمكن الجزم باختلاقه ووضعه واصطناعه منها، حسب الأمارات القوية والدلائل الواضحة والقرائن المنهجية” (أحمد المطلق، ص: 85 ـ 86).

كما أن المسئلة عنده ترجع إلى “المصادر المتقدمة”، فبلا شك كلما اقتربت المصادر من زمن الحدث فإن لها قيمة أكبر، خاصة القرون الأولى، خاصة الثالث والرابع والخامس والسادس وتقل القيمة بعد ذلك مع السابع والثامن والتاسع. أمّا مصادر القرن العاشر وما بعده إذا تفردت بخبر لا تذكر مستندها فيه فإنه يرفضها تماماً. والسبب، أن القرن العاشر، كما تم تفصيله في المقال السابق عن منهجه التحقيقي، ثمة أسباب تجعل الكذب في الأخبار التي تكاثرت وانفجرت فيه وبعده حريّ جداً، بمعنى أنّ أسباب وصفها بالكاذبة والموضوعة وجيهة جداً، لذلك وجدنا تضخماً وانفجاراً في أخبار العباس والإمام الحسين، وأم البنين، وهو أمر ملفت، انفجارات كأن الكتّاب والمؤلفين وقعوا على نقوش ونصوص وآثار، في حين أنّ الحقيقة هي “تفجر العقل الشعبي”. هذا “الانفجار الطقسي والأخباري، كما يصفه الأستاذ المطلق، “جعل التركيز يشتد على إشباع الجانب العاطفي في الفعل التديني، والحاجة المُلِحَّة إلى تكييف الروايات لتخدم غَرَض الطقس، وتُوافق المرحلة، غَاضّين الطرف عن مدى تصوير تلك الأخبار والروايات للحقيقة التاريخية والحدث الواقعي كما حَصَلت فعلاً.”

مواضيع الكتاب

أولاً: اسْمُهَا (ص17 ـ 22)

 الثابت أن اسمها هو (أُم البنين)، وأنها كلابية القبيلة، ولم يثبت لدى المؤلف بطريقٍ صحيح قاطع أن اسمها (فاطمة) كما هو مشهور لدى الشيعة عموماً ومشهور أيضاً في كتب خاصة أرَّخت لحياتها أو لحياة ابنها أبي الفضل العباس. فعند رجوعي إلى مصادر كثيرة بدءً من القرن الثالث وحتى القرن الثامن الهجري، وجدت المصادر تُجمع على أن اسمها (أم البنين).

وقد تَبَنَّى العلامة المحقق الرجالي الكبير الشيخ محمد تقي التستري في قاموسه، أن اسمها أُم البنين، ولم يثبت لديه أن فاطمة كان اسماً لها، وقال: ثم تسمية المُصَنّف] لها بفاطمة لم أدرِ إلى أي شيءٍ استند؟ فَلَمْ يذكر الزبيري والطبري والأصبهاني والعمدة والمفيد لها اسماً بل ظاهرهم أن أم البنين اسمها. فيبقى اسم (أم البنين) هو الثابت تاريخياً والمتفق عليه بالإجماع.

ثانيّاً: نّسبُها (ص23 ـ 28)

الثابت تاريخيّاً أنّ أمّ البنين كلابية القبيلة، ولم يختلف فيه أحد، فليس هناك داعٍ للتفصيل فيه، وللمهتم في الأمر الرجوع لما فصّله المؤلف في الصفحات المذكورة.

ثالثاً: مولدها (ص23 ـ 28)

ما قيل في سنة مولد أُم البنين فكله اجتهادات تخمينية، فلم يصلنا شيء عن مصدرٍ معروف، ولكن بالإمكان الترجيح من خلال النظر إلى عمر ابنها البكر العباس أثناء شهادته، حيث كان عمره عليه السلام عند شهادته سنة 61 هجري 34 سنة كما ذكرتْ ذلك المصادر، فيكون العباس قد وُلِد عام 26هـ، وباعتبار أنها لم تتزوج بأحدٍ قبل أمير المؤمنين ـ ولا بعده طبعاً ـ فقد يكون عمرها أثناء إنجاب بكرها العباس حوالي العشرين سنة يزيد أو ينقص قليلاً، فتكون سنة ولادتها المرجحة ما بين عامي 5 ـ 9 هـ، وهو التاريخ الذي اعتمده معظم من كَتَب عن السيدة أم البنين من المعاصرين، وهو مجرد ترجيح لا نملك نصاً فيه، وقد اُشتهر يوم ولادتها في 7 من رجب بين مآتم النساء، من غير مستند إلى أي كتاب, وطالبتهم بمصدره.

رابعاً: زَوَاجُهَا من الإمام علي (ص29 ـ 31)

 أقدم مصدر لدينا ذكر قصة زواج الإمام علي من أُم البنين هو كتاب “سر السلسلة العلوية” لأبي نصر البخاري من القرن الرابع الهجري حيث قال: “قال أمير المؤمنين عليه السلام لعقيل وهو أعلم قريش بالنسب: اطلب لي امرأة ولدتها الشجعان من العرب حتى تلد لي ولداً شجاعاً، فوقع الاختيار على أُم البنين الكلابية وولدت له العباس بن علي عليهما السلام واخوته.” وأضاف الشيخ البيرجندي في كتابه (الكبريت الأحمر في شرائط المنبر)، عند روايته لقصة خطبة أُم البنين أن الامام علي قال “لينصر ولدي الحسين في يوم كربلاء”، بعد عبارة غلاماً فارساً، ولم يذكر الشيخ البيرجندي مصدره للأسف، وهو المعاصر الذي عاش بين عامي 1274 ـ 1352هـ، ومن أوردها بعده أرسلها إرسال المسَّلمات كـ “رواية”، رغم أنها إضافة من البيرجندي وليست رواية منسوبة إلى مصدر، وقد اعتمدها حتى مَنْ يُعَدُّ “مُحققاً مُدققاً مُؤرخاً”، كالشيخ عيسى الإبراهيمي، “ولكنها العاطفة الغالبة والأدلجة المسيطرة في إسقاط مفاهيم معينة على حقائق التاريخ.”[2]

 

خامساً: أخْبَارُهَا (ص34 ـ 55)

يقول الأستاذ المطلق: “والملفت أنه من المصادر التي أضافت الكثير من الأخبار المنحولة إلى ترجمة أُم البنين وابنها العباس هو كتاب (الخصائص العباسية) للشيخ محمد بن ابراهيم الكلباسي، [الذي] أعفى نفسه من ذكر المصادر، وهو الرجل المعاصر الفاضل العَاِلم، فصار ينقل قصصاً كثيرة من هنا ومن هناك من دون مصدر ولا مرجع، حتّى أصبحت قصصاً معروفة محفوظةر ـ من كثرة تكرارها ـ لدى عامة الشيعة، يسمعونها كل عام كثوابت تاريخية، ولكنهم لا يعرفون مصدرها الحقيقي، ويَظِنُّونَها منقولة من أُمهات كتب التاريخ.

 ولتوضيح الصورة بالأمثلة ذكر المؤلف بعضاً من هذه الأخبار المتداولة والمشهورة رغم عدم صحتها، وهي تُطرح سواءً في ليلة السابع من شهر محرم ذكرى مقتل العباس بن علي، أو في الرابع من شهر شعبان في ذكرى مولده.

 ـ رؤية حزام والد أم البنين في منامه وقد كان في سفرٍ له مع جماعة من قومه فرأى ذات ليلة في منامه،

 ـ رُؤيا أُم البنين التي قَصَّتَّها على اُمّها،

 ـ الحديث الطويل الذي دار بين حزام وبين عقيل بن أبي طالب حول أسرة أم البنين،

 ـ التفاصيل الكثيرة لقصة خطبة أم البنين من قِبَل عقيل. “وأضاف الشيخ محمد علي الناصري تحت عنوان (الخطبة والزواج)، كأنه ينقل عن شاهد عيان حضر ذلك العرس بأفراحه وأهازيجه وجلواته وكل تفاصيله، بدون أن يكون لذلك من مصدر!،

 ـ الحديث المختلق الذي دار بين بين زُهَيْر بن القَيْن وبين العباس بن علي في كربلاء حول الراية، “حديث “لا عين له ولا أثر في كتب التاريخ والحديث.”

* ويختتم المطلق هذه الشواهد بقوله: “[هذه] نماذج من الأخبار التي تُرَوى ـ بلا أصل ـ عن حياة أُم البنين قبل زواجها” (ص47).

[أم البنين في بيت علي]

مِمَّا يُطرح على المنبر بعد زواجها بأمير المؤمنين، يسرد المطلق (ص 47) قصة لا تصح أيضاً، ولم تُذكر في مصدر تاريخي: من أن أم البنين عندما جاءت إلى منزل أمير المؤمنين علي، طلبت منه ألا يُسَمّيها فاطمة، بل يُسَمّيها أم البنين، حتى لا يسمع الحسن والحسين وزينب بذلك، وهم أطفال فيتذكروا اُمهم فيحزنوا، وكل كاتب يضيف من عنده زايادت، ذكرها المؤلف، معلقاً: “وكل هذا لا يصح، حيث أن الإمامين الحسن والحسين والعقيلة زينب، كانوا في مثل سنها أو أكبر منها، وقيل أن الإمام الحسين أكبر منها بسنةٍ واحدة، فكيف ترعاه أو تعتني به وهو رجل؟

 ويضيف: “الذي يُرَجّحُه البحث والنظر وتحليل الأمور أن أُولى زوجات أمير المؤمنين علي ـ بعد وفاة السيدة فاطمة الزهراء ـ هي أمامة بنت أبي العاص، ثم خولة بنت جعفر المعروفة بالحنفية، ثم أسماء بنت عُميس أم يحيى، ثم الرابعة أم البنين بنت حزام، وهذا ما يُناسب كون العباس بِكْرُهَا وُلد سنة 26 هـ، لأن عمره يوم الطف عندما اسْتُشْهِد كان 34 سنة، كما نَصَّ على ذلك المؤرخون.”

 يخلص المؤلف أن هذه الأخبار والروايات لا تمنحنا الصورة الحقيقية…، بقدر ما يستهويها التركيز على جوانب الإطراء والمغالاة والتبجيل، من خلال الأخلاق الفاضلة المُبَالَغ فيها، والمناقب والكرامات التي تُضفي على الشخصية طابع القدسية والولاية. إن هذا الخطاب المَنْقَبي لا يُقدم لنا السيرة الواقعية لأُم البنين، ولا يسرد لنا الحقيقة التاريخية، ولا يتوخى الصدق والموضوعية، بل هو يُقدّم لنا سيرة نمطية، ويسرد حقيقة مثالية، ويبني النموذج الكامل المُبرَّأ من الشوائب والأعراض، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تتسع المسافة بين الواقع والخطاب.” (ص54)

أم البنين بَعْدَ وَاقِعَةِ الطَّف: ص56

 يقول المطلق: إذا جئنا إلى أخبار السيدة أُم البنين بعد واقعة الطف، نجدُهَا أيضاً لم تسلم من الأخبار المختلقة والمصطنعة بلا مصادر ولا أُصول. (ص56)

[لقاء بشر بن حذلم؟]: ص56 ـ 63

من الأخبار المشهورة جداً منبريّاً، حكاية لقاءها مع بِشْر ابن حَذْلم عندما أرسله الإمام زين العابدين، لكي ينعى الحسين عند أطراف المدينة. بعد بحث مضني استمر سنيناً يفَاجَئ الأستاذ المطلق أنَّه خبر لا مصدر له ولا ذكر في الكتب المتقدمة، إلا كتب مـتأخرة معاصرة نقلته عن الموروث الشفهي المتداول، أشهرها كتاب (تنقيح المقال) للشيخ عبدالله المامقاني ت 1351هــ وكتاب (مشهد الحسين وبيوتات كربلاء) للخطيب المعاصر مجيد الهر، والذي نقل فيه تفاصيل كثيرة، لا تُعرف في المصادر والكتب حتى المعاصرة.

 وفي تعليقه على نقل الشيخ عيسى الإبراهيمي للقصة بتفاصيل أخرى بدون أن يذكر مصدراً للخبر، يضيف المطلق:

“نلاحظ هنا أن راوي وهمي وأن القصة في الأساس تتعارض رواية بكاء أم البنين وندبها أبنائها في البقيع، ولكنه المنهج المثالي الذي طَلَّق الواقع وصنع رموزاً خيالية بعيدين عن الحقيقة كما حدثت”[3]، خاصةً وأنَّ هناك رواية لبشر نفسه يحكي قصته وتكليف الإمام زين العابدين له ليس فيها ذكر لقائه أُم البنين.

يعلق الأستاذ المطلق: “فالاختلاق هنا عبارة عن زيادة طالت قصة وردت في مصادر مقتل الحسين المعروفة، ثم أضاف إليها المخيال الشعبي تكملة تخص موقف [أم البنين]، وزاد في الابتعاد عن الواقع والحقيقة وطبيعة الانسان، لكي يزيد حسب تصوره من عِظَم المصاب، ويرتفع بقيمة من قيم واقعة الطف حسب تصوره، وهو تصور يضر بالقضية ولا ينفعها، فاستدرار الدمعة إذا كان على حساب الحقيقة التاريخية، لا نُؤَيّدُه ولا يؤيده عاقل، خاصة في عصرنا مع انفجار الثورة المعلوماتية، وانفتاحنا وانفتاح الآخر علينا وعلى تراثنا وصيروة العالم قرية واحدة، فالخطاب اليوم ليس موجهاً إلى الفرد الشيعي فقط بل موجهاً إلى العالم بكافة أطيافه، فعلى أي صورة نحب أن يرانا العالم؟”

[زينب تزور أم البنين؟]: ص63 ـ 65

 قال الشيخ حسين هادي القرشي: عندما عادت زينب من السبي زارت أم البنين في منزلها تُعَزّيها بأبنائها، وكذلك زارتها في أيامها الأخيرة قبل نفيها إلى الشام،.. ومن اللافت للنظر أن المخيال الشعبي نسج لقاءً آخر تصوره حدث بين السيدة أم البنين والعقيلة زينب، وصنع بينهما حواراً وكلاماً على وجه الحقيقة، وليس على وجه لسان الحال، ويسمعه عامة الشيعة يُقرأ في المآتم اليوم.

[أم البنين تزور زينب؟]ص73

 وزاد الشيخ محمد علي الناصري تفاصيل في لقاء أم البنين بالعقيلة زينب بعد عودتها من الطف لا نعلم من أين أخذها؟، ولكن لا شك أنها جاءت من المخيال الشعبي، حيث نسمعها تُقرأ على المنابر مشهورةً معلومة، ولكنها مجهولة المصدر والمستند (65). وكذلك ذَكَر المحقق الشيخ القرشي خبر زيارة السيدة زينب لأم البنين في العيد ,دون أن يذكر لذلك مصدراً إلا اعتماداً على ما يبدو منه على نقل السيد المقرم وثقته به (ص73).

[أم البنين في البقيع؟]ص67 ـ 69

 من جهة أخرى وعندما نسبر المصادر الرصينة والمعتبرة نجد من الأخبار القليلة الواردة في المصادر التاريخية التي ذكرت بعضاً مما يخص حياة السيدة أم البنين نجد ما ذكره أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين حيث قال: وكانت أم البنين أُم هؤلاء الأربعة الأخوة القتلى، تخرج إلى البقيع، فتندب بَنِيهَا أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها، يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي. ذَكَر ذلك علي بن محمد بن حمزة عن النوفلي عن حماد بن عيسى الجهني عن معاوية بن عمار عن جعفر بن محمد.

وقد طَعَنَ السيد المقرم في سند خبر أبي الفرج، وحاكمه برجال السند، فقال: إن رجال إسناده لا يُعبأ بهم، فإن النوفلي وهو يزيد بن المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبدالمطلب بن هاشم، ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب ج11ص347، وحُكي عن أحمد أن عنده مناكير، وعند أبي زرعة ضعيف الحديث، وعامة ما يرويه غير محفوظ، وقال أبو حاتم: منكر الحديث جداً، وقال النسائي: متروك الحديث… ومعاوية بن عمار بن أبي معاوية في تهذيب التهذيب ج10ص214، قال أبوحاتم: لا يُحتج بحديثه، وإن أُريد غير هذا فمجهول اهــ.

أمّا ما قاله محمد طاهر السماوي في كتابه “إبصار العين” ص31 طبعة1: “وأنا أسترق جداً من رثاء أُمه فاطمة أم البنين الذي أنشده أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل، وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم ترثيه وتحمل ولده عبيدالله، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة وفيهم مروان ابن الحكم فيبكون لشجي الندبة… اهـ، فإن الشيخ المقرم يفنده موضحاً: وشرح الكامل المنسوب للأخفش لم أجد أحداً من أرباب التراجم ناصاً عليه، مع فحصي الكثير لتراجم كل من سُمّيَ بالأخفش، وأما الشيخ السماوي فكثيراً ما سألته عن مصدر هذا الشرح، فلم أجد منه إلا السكوت، وقد صارحته بمعتقدي في كَوْنِ الأبيات له، وأراد تمشية الكلام بهذا البيان، فعلى المولى سبحانه أجره..! [4]

[أم البنين تقيم العزاء على الحسين؟]ص73

وذكر السيد جواد شُبَّر عن (رياض الأحزان): وأقامت أم البنين زوجة أمير المؤمنين العزاء على الحسين , واجتمع عندها نساء بني هاشم يندبن الحسين وأهل بيته ,وبكت أم سلمة وقالت:فعلوها ملأ الله قبورهم ناراً”[74]. يعلّق الأستاذ المطلق على هذه الرواية رافضاً لها فيقول: “ورياض الأحزان من الكتب الفارسية المتأخرة المعاصرة من تأليف السيد محمد حسن القزويني، وكُتِبَ عام 1304هـ فلا يُعتمد على ما تفرد به”(ص73).

سادساً: وَفَاتُهَا وقبرها (ص74 ـ 78)

 من المشهور على المستوى الشيعي، ويقرأ رسمياً على المنابر، أن وفاة أم البنين (ص74 ـ 77) كانت في الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة عام 64هـ، ويُقام العزاء عليها في كل عام، وأصل ذلك التقليد راجع الى خبرٍ منحول لا أصل له، هذا الخبر يعود الى كتاب غير معروف تماماً اسمه (كنز المطالب) للسيد محمد باقر القراباغي الهمداني، قيل أنه ألَّفه عام 1221ه، وهو مخطوط حيث ينقل الخبر عن كتاب “الاختيارات”، لا أثر له ولا عين ولا يُعرف مُؤلفه، زعموا أن فيه خبراً عن الأعمش في تاريخ وفاة أم البنين، وقيل بأن هذا التاريخ موجود في هامش كتاب وقائع الشهور والأيام للبيرجندي، والشيخ محمد باقر البيرجندي متأخر بل معاصر، وأول من أظهر هذه الروايات بخصوص وفاتها من مصادرها المعاصرة غير المعتبرة ونَشَرَها بين الشيعة هو الشيخ المعاصر مهدي السويج، وقبله لم يكن لتاريخ وفاتها في 13 جمادى الآخرة عينٌ ولا أثر ولا شهرة، والشيخ السويج نفسه يذكر اعتماده على هذين الكتابين: “الاختيارات” (نقلاً عن “كنز المطالب” للعلامة السيد محمد باقر القراباغي الهمداني) و “وقائع الشهور والأيام”.

أمّا قبرها (ص77 ـ 78)، فمن المشهورات لدى الشيعة اليوم أن لأم البنين قبراً مشهوراً معروفاً في مكانٍ ما من البقيع، يُزار من قِبل الزائرين لتلك البقعة، ولكن لو أبحرنا في كتب التاريخ وكتب الجغرافيا وكتب الرَّحالة ممن زار المدينة المنورة، فلن نجد أحداً ذكر لها قبراً في البقيع مُعَّينا مُشَخَّصَاً معلوماً، وإنما هذا الذي يُزار اليوم هو “بقيع العمَّات”؛ أي عمَّات النبي(ص) صفية وعاتكة.

 فلم تذكر المصادر ولا كتب التاريخ أين دفنت أم البنين؟ و ما ذكره كتاب كنز المطالب ـ دون مستند ـ أنها دُفنت في البقيع بالقرب من فاطمة الزهراء(عا)، ينافي معتقد الشيعة بإخفاء أمر قبر أم الحسنين (عليهم السلام)، وهو المشهور المتواتر ولم يصرح أحد بمكان قبرها على وجه الجزم (ص78).

سابعاً: مَكَانَتُهَا في الطَّقْسِ الشِيعِي والمُعْتَقَد الشَّعِبي (ص78 ـ 84)

 لهذه المرأة الكريمة مكانة شعبية عظيمة في قلوب عامة الشيعة، ينتخي بها أصحاب الحوائج ويُقيمون لها السُفَر والإطعام، وتقام باسمها النخوات (الاستغاثات)، وتُرفع الدعوات والطَلَبات والتوسلات، وتُنذر لها النذور[5].

[سفرة أم البنين] ص79 ـ 84

ويستشهد المؤلف بسُفْرَة أم البنين[6] كمثال على هذه الطقوس، وهي أشهر سُفْرَة مُقَامة إذا ما قورنت بما يقام لغيرها.

وهذه السفرة تُقيمها غالباً نساء الشيعة، ولكن أيضاً يُقيمها الرجال أحياناً بشكلٍ نادر، خاصة خلال الرحلات إلى زيارة النبي(ص) في المدينة المنورة، وزيارة العتبات المقدسة الأخرى.

 ويعلق الأستاذ المطلق على هذا الأمر بقوله: وفي الحقيقة ما نراه في المفهوم الشعبي من اعتقاد وطقسنة تجاه أم البنين شيءٌ مبالغ فيه، وهو يُشير إلى حالة من عدم التوازن في النظر إلى شخصيات معينة من أهل البيت، ويُظهر بروز العنصر الشعبي في التدين الطقسي خلال ارتباطه بالأولياء والصالحين.

ويرى المؤلف من خلال التأمل في المخيال الشيعي الشعبي، أن أم البنين تعتبر صاحبة مقام كبير، قد يعتقد من ينظر إلى تلك الطقوس أنها أعظم مرتبة في ذلك الوعي من السيدة فاطمة الزهراء، وإن كان هذا المخيال الشعبي يُقِر نظرياً بأن السيدة فاطمة الزهراء أعظم مرتبة وأكبر فضلاً [ص 82]، والخطير في هذا الطقس أن خلال اقامة سُفْرَة أم البنين يعتبر العقل الشعبي [الشيعي] أن فاطمة الزهراء هي الباب إلى أم البنين، ويتم القَسَم على أم البنين بالسيدة فاطمة [ص 82، وانظر هامشه رقم 88]. بينما من المفترض أن يكون المقصود بالطلب والحاجة أعظم من بابه الذي يُدخل عليه منه، كحال الإمام علي باب إلى رسول الله(ص)، ورسول الله أعظم.

الخـَاتِمَة (ص84 ـ 87)

يختتم الباحث كتابه بأمله أن يفتح هذا البحث باباً لدراسة دور الموروث والمخيال الشعبي، وحضوره بجانب التدين الرسمي والفقهي، بل في كثيرٍ من الأحيان يَفوقه تأثيراً وحيوية من خلال تفاعل المجتمع معه، وانجذابهم إليه، حتّى يختلط الأمر إلى درجة لا يستطاع عندها التفريق بين الواقع التاريخي والمخيال الشعبي، وهو حالة يجب التنبيه لها، حسب قول الباحث (ص86 ـ 87).

هذا كان عرضاً أشبه بمختصر لكتابٍ قيِّم عن شخصية في التراث الشيعي الإمامي، وسيتبعه قراءة لمضامينه التي عرضناها لما تثيره من إلزامات ولما يترتب عليها من أمور، مع ذكر ما فات المؤلف أو أهمله لسبب عنده يراه موجباً لتركه.

يتبع

________________________

[1] انظر مقالنا بعنوان: “الواقع التاريخي والمخيال الشعبي والمعياريّات الضّابطة”، نصوص معاصرة، على الرابط التالي:

https://nosos.net/الواقع ـ التاريخي ـ والمخيال ـ الشعبي ـ والم

[2] تتطرق الأستاذ المطلق في حديثه عن أم البنين إلى أبنائها الأربعة (العباس، جعفر وعبد الله وعثمان)، وفصل في مولد بكرها العباس (ص33 ـ 31). وللاختصار ارتأينا التركيز على ما أورده عن أمهم فهي موضوع الكتاب الرئيس.

[3] يعلق لمؤلف مستغرباً من الشيخ الإبراهيمي قائلاً: ” يقول بعد ذلك: إن ما يُنقل على بعض المنابر من أن أم البنين كانت ترسم في البقيع أو غيره على الأرض صور قبور أربعة وتندب وتبكي، لم يثبت ولم نجده في أي مصدرٍ مما اطلعنا عليه فلا أستطيع نقل أو إثبات ذلك براءةً للذمة، وقد اطلعنا على مصادر كثيرة فلم نجد لهذا الخبر شيئاً يُذكر فلا أدري من أين جاء به من نقله ـ سواء على المنبر أو غيره ـ فعلى المعنيين بذلك التحقيق والتأمل، نعم وجدته في كتاب واحد فقط وهو (السر الفياض) ولا يكفيني ذلك لنقل القصة” (ص61).

[4] لكن الأستاذ المطلق يعلق على موقف المقرم هذا فيقول: “لا نَفْيِهِ لوجود السيدة أُم البنين في كتابه (مقتل الحسين) يوافق الواقع، ولا إثباته لتلك التفاصيل الكثيرة في حياتها ما بعد واقعة الطف في كتابه (العباس بن علي) يوافق المنهج التحقيقي الصحيح” (ص73).

[5] يذكر المؤلف (ص83) قول أم زهراء الحاج حسن: “لقد أصبحتْ أُم البنين رمزاً من الرموز، التي تُطرق في قضاء الحوائج… وقد سمعتُ الشيخ الكرباسي كراراً ومراراً يحثُّ من أَلَمَّت به ملمة أو عجز عن أمرٍ، أو لديه فاقة أو مشكلة، أن يتوجه إلى السيدة أم البنين، أو ينذر لها شيئاً من العبادات أو الخيرات، وكان الشيخ كثيراً ما قرأ سورة الفاتحة، لتسهيل المهمات، وكثيراً ما توجهنا إليها في حاجاتنا، فَلَبَّى الله بجاهها وما قدَّمته من الأشبال الأربعة في سبيل الله (لبوة العرين وأشبال أم البنين، محمد صادق الكرباسي،إعداد أم زهراء الحاج حسن، ص 9 ـ 12).

[6] السُفْرة، حسب تعريف المؤلف، [هي في اللغة] المائدة أو الغرض الذي يوضع عليه طعام المائدة , [واصطلاحاً] طقس ديني تكون المائدة أحد مقوماته المادية بالأطباق التي تقدم عليها ثم الطقوس أو القراءة التي تجري عندها، وهو من الطقوس الدينية التي نشأت خلال العقود القليلة الماضية، وفيها يُهَيَّأ مكان معين بطريقة محددة لإقامة قراءة [مأتم حسيني] على صاحبة السُفْرَة، ثم الاستغاثة بها وطلب قضاء الحوائج منها، ونظرياً هم يتوسلون بها إلى الله، ولكن أجواء السُفْرَة تكون مُهَيَّأة لمخاطبة صاحبة السُفْرة نفسها مباشرة لقضاء حوائج المحتاجين، والحصول على البركة من الطعام المُعَد على مائدة السُفْرة، ويُصبح الطعام مباركاً بعد انتهاء القراءة والاستغاثة والتوسل بصاحبةِ السُفْرَة، وهذه السُفَر المقدسة دائماً تُقام لشخصيات نسائية من أهل البيت، مثل أم البنين وهي أشهرهم، وسُفْرَتَها أشهر السُفَر، وأكثرها إقامة من قبل الشيعيات مقارنة بغيرها، وقد تُقَام سُفَر قليلة أخرى باسم عبدالله الرضيع أو الخضر. وقد كانت السُفْرَة سابقاً في بداية ظهورها في المجتمعات الشيعية تقام كثيراً باسم الولي الصالح (الخضر) الذي عاصر النبي موسى(ع)، ص79.

Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً