أحدث المقالات




نضوج الواقع السياسي: بين ثقافة الوطن وعقيدة الحزب

 
أ. غريبي مراد(*)

الحزب في العالم العربي: هل يمنع الناشط السياسي فيه، من أن يكون مثقفا وطنيا؟

و ما الفارق بين ثقافة الحزب و فلسفة الحزبية؟

هذه إحدى الإشكالات الجوهرية في الأداء السياسي لدى العرب و المسلمين في الزمن المعاصر، هو غلبة ذهنية الحزب على قيمة الوطن في تحريك النقد السياسي و التطلع الإصلاحي، قد يرى بعض السياسيين أن هذه الإشكالية مفتعلة، و لا مبرر لها و لا فائدة من التعبير أو الحديث حولها دون السعي لمناقشتها، لأن ما يستبق لذهن المعني المتغطرس بأي إشكال سلبي في الحياة أو أي سؤال في أفقه الحركي، هو النفي مطلقا، لأن هامش الحق لديه أو فلسفة الحق عنده أصلا غير واضحة المعالم بل لعلها من غرائب الأمور إذا تعلقت بالذات أو الجهة الضاغطة على رؤيته للواقع…

المأزق المؤكد أن السياسي في عالمنا العربي و الإسلامي، لما يتوجه لتحليل الواقع و الأداء و القضايا و المشكلات و الأزمات و التحديات، لا يعتمد نفس الخلفية الثقافية للأدوات الإلكترونية التي تتوفر  ببيته أو السيارة الآخر موديل التي تقله من البيت لمؤسسة السياسة، و إنما يقدم أفكاره و مقترحاته و تعليقاته من خلفية ذهنية عاطفية تبلورت في شخصيته بعيدا عن معايير المنهجية العلمية الحضارية، التي توازن بين الثابت و المتغير، و المطلق و النسبي، حتى أصبح الوطن ضحية المحاذير و التقييدات و التخوفات و الأحقاد المتوارثة بين أطراف اللعبة السياسية(رغم أنني أتحفظ على مصطلح اللعبة لكن الواقع يؤكد ذلك بحبث أصبحت السياسة للعب لا لخفط مصالح الوطن حيثما مصلحة الذات تهضم مصلحة المجتمع و الوطن)…

وفي هذا السياق لا بد من الأخذ بعين الاعتبار بأن مصطلح الديمقراطية في الواقع العربي لا يزال هشا و عائما في مياه العصبيات والحساسيات التي أغرقت الأحزاب في طوفان المصالح الذاتية على حساب الحاجة الملحة لمفهوم الوطن، الذي لن يتحقق إلا بتضافر جهود الجميع لإنجاح العملية القيصرية لمنهج البناء الديمقراطي، و التي  لا بد أن يصاحبها تنفيذٌ لعمليات ومشاريع جزئية، تتعلق بذهنية الحزبية و ضرورة تركيزها ضمن إطار الوطن، حينها يمكننا تفعيل العمل بكافة القطاعات الحيوية المتصلة بعملية التنمية الشاملة بما في ذلك التربية والتعليم ، والصحة ، والقضايا الاجتماعية ، والأسرة و السياسة الخارجية التي يجب أن نوليها جلَّ اهتماماتنا ، بل وأن نمنحها أقصى درجات التطوير اللازمة خصوصا أمام التموجات السياسية الإقليمية و العالمية.

إن الطريق الجاد من أجل تحقيق التنمية السياسية، محله من الإعراب كفاءة  الأحزاب والمؤسسات الأهلية و الحكومية.و في الواقع تشكل الأسس والأطر والمبادئ القانونية التي تحكم مختلف أنشطة السياسيين، عملة ذات وجهين بحسب احترامها و تفعيلها و تطبيقها و تناغمها مع حاجات المجتمع و الوطن، كونها قد تدفع مجتمع ما إلى الأمام أو تعرقل مسيرته.

بصراحة: لا يمكننا الحديث عن أداء سياسي فعال و محترم بعيدا عن القراءة الدقيقة و الصارمة للخطابات و السلوكيات و الصراعات و ثقافات المعارضة و المنافسة و الأبوية السياسية ناهيك عن تفكيك عقدة الثنائية (التحزب-الحزبية) لأن اغلب المنتسبين للأحزاب في عالمنا العربي انتسابهم هذا، مستغرق في الشخصنة المرتبطة بمصالحهم الذاتية دون الحديث عن الأجندات الإقليمية والعالمية التي في الغالب لا تخدم مصلحة الوطن و استغلال الحصانة والمكانة و ما هنالك من امتيازات لأغراض شخصية لا تتصل بمصلحة المجتمع تماما…!

و لا مناص، من أن تاريخ الأحزاب في العالم العربي لم يكن وليد مخاض ديمقراطي، و إنما انتقالات جعلت العمل السياسي ردود أفعال و استجابات لأفعال خارجية مما جعل السمة الغالبة على الأحزاب هي حالات الانشطار و الانشقاقات على طول الزمن السياسي العربي لافتقادها للتنظيم والترشيد في عملها و آفاقها الحركية …

وبالمختصر المفيد، فعالية الواقع السياسي مسؤولية المجتمع و الأحزاب و السلطة التنفيذية، و يبقى الأفق الأوحد في الإصلاح السياسي هو مراجعة العلاقة بين المبادئ و الأفعال لتجاوز الانتهازية و الوصولية المعطلة للتنمية السياسية في أوطاننا العربية لدى كل الفاعلين السياسيين و بخاصة الأحزاب التي من المفروض أن تكون راعي مصالح المجتمع و الوطن بعيدا عن التخلف و الرجعية و العصبية و صوتهم الحضاري الهادف لإيجاد مجتمع مدني رشيد و فعال… 
ولقد أصبح من المتفق عليه الآن، في زمن الحداثة السياسية، أن التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لا يتحقق إلا في ظل واقع سياسي يقوم على العقلانية السياسية لا المزاجية السياسية،وروحه سيادة القانون، وموازنة المصالح الجهوية في إطار مصالح الوطن لا العكس… و الله من وراء القصد.
(
*)كاتب و باحث إسلامي




Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً