أحدث المقالات




وداعا  أبا علي… وستبقى فضل الله

بقلم:أ/ غريبي مراد(*)

الحمدُ للّه منزّل الحِكَم على قلوب الكلم، وصلى الله على مُمدِّ الهمم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعد: كم هو جميل ومهم الحديث عن الإنسان، وكم هو أجمل وأهم حديث الإنسان العالم عن الإنسان، وإن شئت فقل: الحديث عن "الإنسان الكبير"، العالم المجاهد كما دأبنا على تسمّيته آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله(رض)…لا أدري ماذا أكتب أو أقول على إنسان كرس حياته كلها لأجل حياة هذه الأمة ونباهة إنسانها، حياة الفكر والعقل والوعي،حياة الموقف الرسالي والوقفة المسؤولة والحركة المنظمة الهادفة، لا تسأل الناس هل يعرفوه، من المسلمين وغيرهم بعالمينا العربي والإسلامي والمعمورة ككل، إنه الإنسان المسلم الذي أطل بإنسانيته الإسلامية على الأرض كلها وكان يعانق السماء بالابتهال والدعاء كما أشار في العديد من أشعاره الفريدة والمفعمة بعبق السماء وانفتاح الروح على الله، يكفي أن تتمعن في اسمه الذي انطلق من رحاب النبي الأكرم (ص) وارتبط بالإمام الشهيد الحسين (ع) فتجلى في دنيا الناس فضل من الله، نهل من علمه وأخلاقه من نهل وزهد من زهد…العلامة السيد محمد حسين فضل الله  رضوان الله عليه، الحديث عنه تعب مستتعب لأن هذا الرجل العالم لم تكن معرفتي به بسيطة أو مرتبة ولكن كانت عابرة في مرحلة حساسة من حياتي، حيث ارتبطت منذ نعومة أظفاري بشخصية الإمام علي (ع)، وحبي العظيم للإمام علي (ع) عرفني بالعديد من العلماء العظام ممن عشقوا عليا ونهج علي ممن افتقدتهم منذ سنوات قليلة وكان من بينهم  الفقيد العلامة السيد محمد حسين فضل الله رضوان الله عليه…

كانت البداية بكتابه "الحوار في القرآن" الذي طبع بالجزائر في الثمانينات، في رحاب هذا الكتاب اكتشفت شخصية مؤلفه التي بهرتني بخطاب إسلامي مميز وتدبر رائع لآي القرآن، هذا العالم العامل المنفتح على الله وعياله، نقش بكتابه هذا في وجداني شعار: الحقيقة بنت الحوار، فكانت البداية بالحوار وبقي الحوار يعقلن الثورة على الذات والتخلف واستمر المشوار نعانق كتب السيد فضل الله رضوان الله عليه،و نزوره لنسأله اليوم بدمعة حارة : هل نعمل أم نتوقف بعدك ؟ صحيح انك تركت لنا الجواب في كتابك قضايانا على ضوء الإسلام(المهمة الرسالية ص10)لكن رحيلك صدم الأمة كلها، كما صدمها إخوانك من قبل برحيلهم وكما صدم النبي (ص) المسلمين برحيله وكما صدم أئمة الهدى (ع) شيعتهم، هكذا العلماء عندما يرحلوا عن دنيا الناس يتركوا شرخا عظيما لا يملؤه إلا من جاءه  فضلا من الله وخيرا كثيرا…

ماذا بعد رحيل العلامة؟ إنها المهمة الرسالية التي رسم معالمها بحسب اجتهاداته ورؤيته للواقع والتاريخ والمستقبل، والتي تؤكد  على حقيقتين لابد من التزامهما كما عرّفها السيد رضوان الله عليه: النفاذ إلى العمق وصنع الحاضر…

ماذا عسانا نقول: إنا المسلمين عليك لمحزونون وما نعبر إلا كما علمنا ربنا عزوجل ونبينا(ص): ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ وداعا أيها الحنون …وداعا أيها الزكي النقي…وداعا أيها الصابر الطاهر…وداعا وداعا حبيبي  العالم المجاهد ولا جعله الله آخر العهد منا إليك يا من علمتنا أن الإسلام منهج حياة الإنسان السوي وتشريع دولة الانسان المسؤول…وداعا   وستبقى الأجيال تذكرك أيها العالم الرباني وإنسان رسالي، لأن:"العلماء باقون ما بقي الدهر،أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة" رحلت وتركت جيلا من القاهرين للاستكبار الصهيوني والأمريكي وأوصيت كل المسلمين بتحقيق الوحدة قبل أن تتهاوى الأسوار، لن ننس  قولتك:" علينا أن نجرب ونحن ندعو، ونجرب ونحن نعمل  ونجرب ونحن نفكر ونجرب ونحن نضع الخطط وننفذ المشاريع…و نجرب حتى لا يبقى هناك مجال للتجربة…حتى يكون العمر كله تجربة في سبيل الله وفي سبيل دينه وشريعته..". نم هنيئا سيد الفكر الاسلامي المعاصر وإمام المقاومة الإسلامية العادلة ومعلم الانفتاح على الله بالزهد والعمل … أسأل الله تعالى لك رفيع الدرجات وعالي المقام في جنات الخلد بجوار جدّك رسول الله (ص) وآبائك الأطهار (ع).وداعا أبا علي…وستبقى فضل الله…و الله من وراء القصد.

الحقيقة بنت الحوار

الهوامش:

(*) كاتب وباحث إسلامي – الجزائر






Facebook
Twitter
Telegram
Print
Email

اترك تعليقاً