التربية وتحديات العولمة
أ. رشيد أبو ثور
مدخل:
قال فريديركو ميور في نهاية عامه الثاني عشر والأخير على رأس اليونيسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) ، وهو يتحدث عن الحروب الرهيبة التي جعلت من السنة الأخيرة للقرن 20 سنة دموية بشكل خاص: "تعتبر هذه الحروب وما جرته معها من فظائع فشلا بالنسبة لليونسكو وللإنسانية جمعاء. وتمثل كذلك فشلا بالنسبة لمشروع الحضارة الذي جسده جيلنا. إنها لخيبة أمل رهيبة بالنسبة لكل الذين يتطلعون ليس فقط إلى مزيد من السلم، بل إلى تهذيب أكثر للحياة، ومزيد من التناغم بين مواطني كوكبنا."[1]
والمشهد العالمي اليوم لا يثير الإحباط وخيبة الأمل فحسب، بل يثير الذعر لما يمثله من عودة للبشرية إلى همجية لم يزدها التقدم المادي والتكنولوجي الهائل، إلا قدرة أكبر على الفتك بالإنسان وإهدار كرامته، بشكل لم تعرفه أظلم العهود الغابرة.
وأزمة عالمنا المعاصر، أزمة إنسان قبل أن تكون أزمة نظم أو مناهج أو قوانين، بل و حتى موارد.
وتحدث الكاتب خوان كويطيسولو عن أسباب هذه الأزمة بقوله: "لقد أقصينا حقيقة الموت ومفهوم التعالي من أفقنا ومن حديثنا اليومي، لقد سلبنا الإنسانية جمعاء رمزيتها وأخرجناها من عالمها الغيبي الطبيعي. لقد أفضيا باسم تقدم وأوطوبيا بشريين خالصين، إلى مستعمرة الاعتقال التي أنبأنا بها كافكا Kafka، وإلى نظام عالمي غير مقبول، يقصي من امتيازاته المادية، طبقات اجتماعية كاملة ودولا وقارات بكاملها دون أن يمنحهم بالمقابل إلا الدمار. لقد عدنا إلى العالم الطبيعي للظلم والأنانية والقسوة وانتصار القوة (…)
لا توجد أصولية دينية إسلامية، أو هندسية، أو يهودية، أو مسيحية، أكثر سحقا وتدميراً من تحالف "حرية إجراء التجارب العلمية" والمركب التقني الصناعي والقوة المالية. إنها أصولية قادرة على أن تجرب بكل برودة أسلحتها القاتلة على عينات إنسانية، ولا يتعلق الأمر فقط بما حصل في مجزرة الخليج، ولكن كذلك، كما اٌكتشفنا ذلك اليوم بذهول، على المواطنين الأمريكيين الأكثر فقرا والأكثر هلعاً، خلال التجارب النووية والكيمائية في الأربعينات والخمسينات والستينات."[2]
وعندما نقول بأن أزمة عالمنا أزمة إنسان، فإنها أزمة تربية بالأساس؛ غير أن الجديد في واقعنا المعاصر، هو أن آثام الانحراف التربوي لم تعد تطال شعباً بعينه أو فئة محددة من الناس كما كان من قبل ، بل أضحت بسبب العولمة، تهدد البشرية برمتها.
ما العولمة ؟
لعل أكبر وأخطر تحول عرفه القرن العشرون، هو الانتقال مما أسماه الأستاذ "تفلر" Toffler بالموجة الحضارة الثانية، التي كان مصدر القوة والنفوذ فيها هو رأس المال والإنتاج الصناعي، إلى الموجة الحضارية الثالثة التي تمثل فيها المعرفة (إعلام، إعلاميات، معلومات، تكنولوجيا متطورة) المصدر الأساسي للقوة والهيمنة([3]). هذه الثورة المعلوماتية والتكنولوجية الهائلة هي التي أسست لظاهرة العولمة، التي يعرفها الباحث ريكاردو باتريلا بأنها مجموعة من العوامل التي تجعل عدداً كبيراً من السلع والخدمات([4]) تصمم وتتطور وتنتج وتتوزع وتستهلك وتصلح وتقيم على مستوى عالمي دون أن يكون للدول التي تدور هذه العمليات في فضائها قيمة في حد ذاتها ([5]). فهي بالأساس عولمة السوق التي حولت كل حاجيات الإنسان المادية والمعنوية إلى سلع تباع وتشترى على مستوى عالمي.
وستتخذ العولمة بعدها الاقتصادي المتوحش، ابتداء من 1980 مع مجيء رونالد ريغان إلى الحكم في الولايات المتحدة ومارغريت تاتشر في بريطانيا، وبداية الاندفاعة اللبرالية المتوحشة. وهكذا ستجتاح العالم منذ ذلك التاريخ موجة تدفع في اتجاه التحرير المطلق لاقتصاد الدول، حتى تتمكن الدول الدائنة من استرجاع ديونها واكتساح أسواق جديدة. وتقوم هذه الليبرالية الجامحة على المبادئ العشرة الآتية:
1- ضرورة القيام في كل بلد مدين بإصلاحات ضريبية وفق معياريين: تخفيض الأعباء الضريبية على الدخل الأعلى لتشجيع الأغنياء على الاستثمارات المنتجة، وتوسيع قاعدة دافعي الضرائب لتنمية حجم الضرائب.
2- التحرير السريع والشامل ما أمكن للأسواق المالية.
3- ضمان المعاملة بالمثل لكل من الرأسمال المحلي والأجنبي، لمضاعفة حجم هذا الأخير.
4- التفكيك قدر الإمكان للقطاع العام؛ إدخال المؤسسات التابعة للدولة أو الشبه العامة، في ملكية القطاع الخاص.
5- تحرير اقتصاد البلاد من القيود لضمان حرية المنافسة بين القوى الاقتصادية القائمة.
6- الحماية القوية للملكية الخاصة.
7- وضع برنامج لتحرير المبادلات من خلال تخفيض التعريفات الجمركية بوتيرة 10 % في السنة.
8- تنمية الاقتصاد من خلال التصدير بإعطاء الأولوية للقطاعات الاقتصادية القادرة على ذلك.
9- الحد من العجز في الميزانية.
10- الحث على الشفافية بإلغاء كل مساعدات الدول للخواص، ودعمها للمواد الاستهلاكية الأساسية. وبالنسبة لمصاريف الدولة يجب أن تعطى الأولوية لتقوية البنية التحتية.
وتبقى دائما الدول الكبرى وشركاتها العابرة للقارات هي المستفيد الوحيد من هذه العولمة، والحريصة بالتالي على دعمها بالسعي إلى تحطيم كل الحواجز التي قد تقف في وجه الشركات العابرة للقارات.[6]
وتتميز العولمة المعاصرة، كما يصفها سيرج لاتوش، بثلاث خصائص أساسية:
– الحضور القوي للشركات العابرة للقارات.
– طغيان البعد المالي على البعد الاقتصادي.
– خضوع الدولة والإرادة السياسية لإرادة السوق ورأس المال.
1- يكفي النظر إلى هذه المقارنات لإدراك هيمنة الحضور القوي للشركات العابرة للقارات:
– يتجاوز رقم أعمال جنرال موتورز General Motors الذي يقدر بـ 132 مليار دولار، الإنتاج الوطني الخام PNB لإندونيسيا التي تعد من أكبر القوى الآسيوية الصاعدة، وكذلك الأمر بالنسبة للدانمرك.
– ويقدر رقم أعمال "إكسون" Exxon بـ 115,7 مليار دولار، وهو يتجاوز الإنتاج الوطني الخام للنرويج أو إفريقيا الجنوبية.
– أما رقم أعمال "فورد" Ford (100,3 مليار دولار) فيتعدى إنتاج تركيا.
– ويتجاوز رقم أعمال "رويال دوتش" Royal Dutch (96,8 دولار) إنتاج بولندا.
– ويتعدى رقم أعمال "تويوتا" Toyota (81,3 مليار) إنتاج البرتغال.
– أما رقم أعمال "إ ب م" IBM (64,5 مليار) فيتجاوز إنتاج فنزويلا وماليزيا.
– ويتجاوز رقم أعمال "أونيليفير" Unilever (43,7 مليار) إنتاج الباكستان.
– أما رقم أعمال "نستله" Nestlé (38,4) فيتجاوز ميزانية سويسرا، كما تتجاوز المبالغ التي تخصصها فقط للدعاية، ميزانية المنظمة العالمية للصحة([7]).
– أما رقم أعمال "سوني" Sony (34,4) فيتجاوز إنتاج مصر أو نيجيريا."[8]
2- وبخصوص طغيان البعد المالي على البعد الاقتصادي، يقول هنري بورجينا ([9]): " إن الـ 880 مليار دولار التي كانت سنة 1993 تتداول يوميا في عمليات الصرف تساوي 60 مرة قيمة الاقتصاد العالمي"
3- وبخصوص خضوع الدولة لسلطة رأس المال يقول بطرس غالي:" لقد أدت العولمة حقا إلى بروز سلطة جديدة تعلو فوق سلطة الدولة[10]. ويقول إينياسيو رامونيه Ignacio Ramonet: "لقد أنشأت العولمة المالية دولتها الخاصة، وهي دولة فوق الأوطان، تملك آلاتها وشبكات تأثيرها ووسائل خاصة للفعل. ويتعلق الأمر بالمجموعة المكونة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OCDE) والمنظمة العالمية للتجارة (…) التي تحولت منذ سنة 1995 إلى مؤسسة تتمتع بسلطات تتجاوز سلطة الدول ولا تخضع لأية مراقبة ديموقراطية نيابية؛ وبمقدورها، في حالة الاحتكام لها، أن تقضي بأن التشريعات الوطنية المتعلقة بقانون الشغل أو حفظ البيئة أو الصحة العمومية، منافية لحرية التجارة، لتطالب، بالتالي، بإلغائها."[11]
غير أن الذي يجب التأكيد عليه هو أن الدولة إذا كانت قد غابت باعتبارها مؤسسة تحمي الحقوق وتحافظ على التوازنات، فإنها لم تغب باعتبارها حارسة للنظام، بمعنى أن دورها انحصر في إجبار المواطنين على القبول بهيمنة رأس المال، وإغارته على كل المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة عبر عشرات السنين من النضال والتضحية.
أما كريستيان دو بري فيقول عن سقوط الديمقراطية في الغرب: " لقد قبل رؤساء الدول والحكومات، في فرنسا وغيرها، وصاية السوق عليهم، كما قبلوا أن يكونوا مسؤولين أمامه، وفي وسع السوق أن يعاقبهم، وفي أي وقت شاء."([12])
ويقول الأستاذ بيدرو مارتينس مونتافيث Pedro Martinez Montavez : "إن الديمقراطية على النمط الغربي ليست بالنموذج الأمثل؛ لأنها مسؤولة عن الحيف الاجتماعي الاقتصادي ، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وبين الأقوياء والضعفاء، كما أنها مسؤولة عن تعويض الأخلاق بعدمها، وقوة العقل بعقل القوة."[13]
ما هو موقع التربية في منطق العولمة؟
تتمثل التربية في تعهد الفرد وإخضاعه لعمليات تعليمية وتوجيهية وتدريبية عملية وإيحائية، لتلقينه ثقافة معينة، ومهارات خاصة، يتحدد من خلالها سلوكه، ومواقفه وتفاعله وتعامله مع الإنسان والبيئة والأحداث.
وإذا كانت عملية التربية تتم في الماضي على رقعة جغرافية محددة وتستهدف شعباً معيناً، يدرك الأهداف التي يعمل من أجلها؛ فإن عالم اليوم يعرف عملية تربية وترويض واسعة النطاق، تستهدف البشرية بأكملها، معتمدة وسائل غاية في التطوير والتنوع، تستهدف بالأساس لا شعور الإنسان ابتغاء إخضاعه لمصالح جهات لا يعرفها ولا تتحدث إليه مباشرة، رغم أنها أضحت تمسك حقيقة بزمام السلطة الدولية: ألا وهي رأس المال العالمي.
يقول ريكاردو باتريلا Riccardo petrella " إن التربية تقتضي في منطق العولمة تعاملاً نفعياً صرفاً مع موضوع التربية لتسخيرها لمصلحة تكوين " المورد البشري" الذي يعتبر مجرد سلعة اقتصادية التي يجب أن تتوفر في كل مكان. إنه مجرد "مورد" يتم تنظيمه وخفض قيمته، وإعادة تأهيله، والتخلي عنه عند الاقتضاء حسب فائدته للمقاولة. فالوظيفة الأساسية التي أسندت للتربية هي تكوين الموارد البشرية لفائدة المقاولات."([14])
ويدرك أباطرة العولمة أن السير في هذا الاتجاه، يقتضي إخضاع كل فئات المجتمع لعملية تربوية وترويض تستهدف إفقادهم كل خصوصية ثقافية تحول دون تحويلهم إلى مجرد أرقام في مصانع الإنتاج، وبطون في أسواق الاستهلاك. ولا يمكن الوصول بالشعوب إلى هذه الحال إلا إذا تم سلخها عن هويتها وثقافتها الأصيلة، وهذا ما عبر عنه أحد خبراء التنمية بشكل صريح وهو يتحدث عن دول الجنوب، قائلا:" لا تنسجم التنمية الاقتصادية للبلاد غير النامية مع تمسك مواطني هذه البلاد بالعادات والممارسات التقليدية. وتعتبر القطيعة مع هذه العادات والتقاليد، شرطاً أولياً للتقدم الاقتصادي. يجب إحداث تغيير جذري في كل المؤسسات والسلوكيات الاجتماعية والثقافية والدينية، ليتسنى بالتالي تغيير الوضع النفسي لدى الناس وأسلوب حياتهم." ([15])
ولقد أثبتت التجارب أن ضرب البنية الثقافية للشعوب يقضي على أية إمكانية للنهوض. يقول فيليب أنجلارد([16])، "للثقافة، بصفتها عامل تماسك وانسجام دور أساسي في التنمية (..) وليست الصعوبات التنموية التي تجدها بعض الدول، بغريبة عن الصدمة الثقافية التي تلقتها (…) وتعتبر القارة الإفريقية التي تقدر ساكنتها بـ 600 مليون نسمة، أكثر من تعرض للتدمير الثقافي، ما يفسر أن إنتاجها لا يساوي إلا 1.2 % من الإنتاج العالمي، وهو أقل من ثلثي إنتاج فرنسا".([17])
لهذا يرى الأستاذ روجيه جارودي([18]) أن كل الأزمات التي عرفتها القرون السالفة، وتعيشها البشرية اليوم بحدة أكبر، ليست إلا صورا متنوعة للصراع الدائر بين معسكر "تأليه السوق" Le monothéisme du marché من جهة، ومعسكر الشعوب التي ظلت متمسكة بمنظومة قيم دينية وخلقية تنطلق من معنى متسام للحياة، والتي ترفض الاستعباد وتمانع في أن تستغل ثرواتها، من جهة ثانية."[19]
وبقدر ما تكون للشعوب خلفية حضارية وثقافية متجذرة، بقدر ما تبتعد عن منطق "تأليه السوق"، والعكس صحيح؛ ولذا كانت ولا تزال الولايات المتحدة التي لا يوجد في رصيدها الحضاري إلا العنف، هي المتزعم الأساسي للمعسكر الأول والساعية اليوم إلى بسط هيمنتها على العالم. في 8 مارس 1992، نشرت النيويورك تايمز الرؤية الدفاعية للولايات المتحدة التي تهدف إلى :" منع أية قوة معادية من الوصول إلى المناطق التي تحتوي على مصادر قد تمكن هذه الدول من تبوء مكانة القوى العظمى" و" ثني الدول المصنعة عن كل محاولة تهدف إلى تحدي زعامتنا للعالم، وقلب الوضع السياسي والاقتصادي القائم" و"الحيلولة دون بروز أي منافس شامل في المستقبل."
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنه مع وصول ريغان إلى الرئاسة في الولايات المتحدة، برز عامل حاسم في موضوع التربية، وبالغ الخطورة على المسلمين بصفة خاصة وعلى السلم العالمي بصفة أعم، متمثلا في العقيدة المسيحية الصهيونية، والتي اتخذت مدى أوضح مع بوش الصغير. تقوم هذه العقيدة المنبثقة عن المذهب البروتستانتي على قراءة حرفية للتوراة، خلصت من خلالها إلى أن قيام دولة الكيان الصهيوني واندلاع حرب "هرمجدون" المدمرة بين الحق والباطل في سهل "مجيدو" بفلسطين، مقدمة ضرورية لعودة المسيح. ومما لا شك فيه أن التقاء هذه العقيدة الضالة مع نزوع للهيمنة على العالم لن ينتج عنه إلا خليطاً جهنمياً سيدخل العالم في مرحلة من الويلات التي لا يعلم مآلها إلا الله.
ومن المعلوم أن المركب الصهيوني العلماني الرأسمالي، لن يتردد في استعمال القوة وبإفراط لتحقيق مآربه؛ غير أنه يدرك أن الوسيلة الأنجع لإدامة السيطرة على العالم، تتمثل في إخضاع الشعوب لعملية تربية وترويض تجهز على جهازها المناعي الذي تستمده من قيمها الثقافية، والحافز للمقاومة، لتدفعهم إلى الاستسلام الطوعي.
يقول د.المسيري بهذا الخصوص: "يعتبر النظام العالمي الجديد، محاولة لفرض النموذج العلماني على العالم. فهو نظام يستبعد كل الاعتبارات الخلقية والخصوصيات القومية التي تعوق عملية تحويل العالم إلى مصنع وإلى سوق؛ ونحن نذهب إلى أن النظام العالمي الجديد إن هو إلا تدويل للمنظومة المعرفية والأخلاقية العلمانية، ومحاولة لأن تتغلغل هذه المنظومة وتتبدى في كل أشكال الحياة ومستوياتها، في كافة أرجاء العالم، ابتداءً من البنية التحتية التي يعاد صياغتها لتصبح جزءاً من النظام الآلي الطبيعي، وانتهاء بالفرد الذي يأكل الهامبورجر، ويرقص الديسكو ويحب طرزان ورامبو؛ ومن ثم يمكنه أن يتكيف مع النظام ويصبح جزءا لا يتجزأ من الآلة العالمية الطبيعية."[20]
وفي تعريفه للعلمانية يقول د.عبد الوهاب المسيري:"غالباً ما تعرف العلمانية بأنها فصل الدين عن الدولة، في حين أنها أشمل من ذلك وأعم. إنها رؤية معرفية مادية صرفة، تستبعد الخالق وكل المعاني الغيبية والدينية والمثالية والخلقية من عملية المعرفة، ومن كل عمليات التعاطي مع الواقع وصياغة المنظومة السلوكية. إنها ترى أن العالم مكوَّن من مادة واحدة تشكل كلا من الإنسان والحيوان والطبيعة، وهي مادة عامة ليس لها أسرار ولا قداسة، إلا أنها أكثر تعقيداً لدى الإنسان. فليس الإنسان من منظورها إلا نتاج البيئة والعوامل الوراثية والقوى التاريخية والصراعات الطبقية والحتميات المختلفة التي اكتشفتها العلوم الإنسانية. فهو بالنسبة لعلم الاقتصاد مجرد طاقة إنتاجية تستخدم وحاجات عضوية واستهلاكية تشبع. وهو بالنسبة إلى علم النفس، عبارة عن جهاز عصبي وغدد وخلايا وغرائز ودوافع بيولوجية تفرز سلوكا معين (…) فليست للإنسان في منظور العلمانية قداسة خاصة. أما القيم الخلقية، فهي مادية عامة، ويمكن قياسها من منطلق اللذة والمنفعة، فكل ما منح لذة بالمعنى الحسي وبالمقياس الفردي، نافع وحسن."
ولقد أدت علمنة الفلسفة إلى ظهور الفلسفات العقلانية التي تتوخى الوصول إلى الحقيقة الفلسفية المادية من خلال العقل والتجربة، مقصية بذلك الإيمان بالغيب وأية مركزية خاصة للإنسان.
وتمت علمنة الأخلاق بسيادة النفعية والإيمان بأن البقاء للأقوى، وأن المحدد الوحيد للسلوك هو حب الذات.
وتتميز العلمانية على المستوى العملي باستقلال مؤسسات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بعضها عن بعضها الآخر، ما يؤدي إلى تزايد التخصص الوظيفي لتتحرك كل منهما حسب قوانينها الداخلية، دون اعتبار لأية مرجعية خارجية.
فالمؤسسة الاقتصادية تكتسب شرعيتها بتحقيقها للنجاح الاقتصادي دون اعتبار لطبيعة ما تنتجه ولا لما قد يترتب عنه من ضرر وأذى. ولقد عبر عن ذلك بشكل صريح هلموت كول بقوله "لا دخل للأخلاق في الأعمال التجارية." ولقد أنتج هذا المنطق ما وصفه ألبيرت جاكار "بالداروينية الاقتصادية" التي تقول: "يجب على المجتمع البشري أن يتطور وحتى يستمر في الحياة، يجب عليه أن يقضي بدون شفقة على الذين يقللون من قدرة التكييف الجماعية، ويجب محاربة كل من يقف في وجه القضاء عليهم، مثل القوانين التي تعمل على مساعدة الفقراء. إن الرأفة ضد قوانين الطبيعة."[21] ولا يمكن لهذه الداروينية الاقتصادية أن تنتج إلا الفظاعات الغريبة؛ حيث تقدر المديونية الشاملة للولايات المتحدة في سنة 2002 بـ000 29 مليار دولار[22] (منها 400 3 مليار دولار ديون خارجية)، في حين لا تتجاوز مجمل مديونية 187 دولة نامية بما فيها روسيا والصين، 500 2 مليار دولار[23]
وأضحى الفقراء يمولون رفاهية الأغنياء. فقد في تقرير للبنك الدولي أن الدول النامية قد سددت للمؤسسات المالية الغربية المانحة للقروض، بين 1980 و2001 ما يقدر بـ500 4 مليار دولار، دون أن تنخفض مديونيتها، بل تضاعفت 4 مرات خلال هذه المدة لترتفع من 600 مليار دولار إلى 500 2 مليار دولار[24].
تدفع دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)، سنويا 80 مليار دولار من الرشاوى للحصول على امتيازات وعقود، في حين أن هذا المبلغ كاف للقضاء على الفقر[25] الذي يشمل اليوم قرابة المليارين من البشر، الذين يموت منهم يوميا 40.000 فرد، منهم 34.000 دون سن الخامسة.
أما المؤسسة السياسية فتستمد شرعيتها من تحقيق مصلحة الدولة أو الحزب أو المرشح، وقد تستباح من أجل ذلك كل الحرمات والموبقات. وهكذا لا يتردد رئيس دولة في شن عدوان عسكري على دولة أخرى إذا كان ذلك سيساهم في الرفع من شعبيته الانتخابية.
ولقد أدت علمنة الأسرة إلى تفكيكها إلى وحدات مستقلة، لكل فرد فيها حريته وحقوقه الخاصة، لتتحول بذلك العلاقة الأسرية إلى علاقة صراع تفكك الأسرة وتعرض الأطفال والنساء إلى ألوان من العنف والاغتصاب. وفي هذه السياق تندرج وثيقة مؤتمر السكان بالقاهرة التي تطالب بتعددية أشكال الأسرة المتمثلة بزواج الجنس ا لواحد ، والمعاشرة من دون زواج .
وكان أخطر مجال تمت علمنته هو "العلاقات الجنسية" التي تحولت إلى نشاط جسدي مستقل عن أية قيمة خلقية أو دينية أو أهداف إنسانية أخرى، لتنفصل الممارسة الجنسية عن الزواج والإنجاب وعن أي إحساس بالذنب والخطيئة، وحتى عن الحب والمودة، لتنحصر في مجرد عملية جسدية لتحصيل اللذة والمنفعة القابلة للاستثمار التجاري. وهكذا تمت إباحة الزنا إذا تم بموافقة الطرفين، والقبول بالمعاشرة من دون زواج، وبرز 590 حالة تأجير الرحم، وانحسر الإنجاب.
وهذه بعض الأمثلة تبين إلى أي حضيض انحدر الاستهتار بإنسانية الإنسان في زمن العولمة وتسليع العالم: في سنة 1998 أعلنت منظمة غير حكومية أن الولايات المتحدة تعتبر أهم سوق لنشر أشرطة فيديو للممارسة الجنسية مع القاصرين، وأدت تحقيقات عن اختطاف قاصرين إلى اكتشاف أشرطة تحمل اسم chsnuff mvies تظهر أطفالا يتم اغتصابهم وتعذيبهم وقتلهم أمام الكاميرا، وتباع هذه الأشرطة بأسعار مرتفعة جداً.
وأوردت صحيفة لوموند ديبلوماتيك في عدد نوفمبر 2001 ملفا عن البغاء في العالم ورد فيه أنه يتم كل سنة شراء وبيع حوالي 4 مليون امرأة و شابة في العالم. من بينهن 7000 من نيبال Népal يجبرن على العمل في دور البغاء في ديلهي ؛ وأن السياحة الجنسية تدر سنويا على تايلاند مليار دولار .
وتتخصص 330 شركة روسية في البغاء وترسل سنويا إلى الخارج ( ومنه ألمانيا حيث يوجد في برلين وحدها 7000 عاهرة) 000 50 امرأة. ويعتبر نوفي ساد Novi-Sade بصربيا Serbie أكبر سوق للرقيق الأبيض، حيث يبيع تجار رومانيون في المزاد العلني نساء من أوكرانيا ومولدافيا ورومانيا وبلغاريا وروسيا. يقدر ثمن هؤلاء النساء التي يتم عرضهن عاريات بـ1000 مارك (511,3 أورو).
ولقد تمت في النهاية علمنة حتى المجال الديني ليتحول في أحسن الأحوال إلى قضية شخصية، لا علاقة لها بالمجالات الاجتماعية أو الفكرية. وقد يتحول الخالق سبحانه وتعالى،عندما يزيغ الشطط الفكري، إلى الطبيعة نفسها، ليتم بالتالي إقصاء القلب والوحي معا. ولا حاجة للتذكير بما أصاب الطبيعة على يد أباطرة العولمة من إتلاف يهدد أصل الوجو د البشري في هذا الكون.
وسائل العلمنة
هذه هي المعاني التربوية التي يعتزم أباطرة العولمة تعميمها على العالم، والتي تنذر بأخطار رهيبة. يقول د. برهان غليون: "هناك خطر اكتساح ثقافي نتيجة العولمة أو ترتبط به؛ والاكتساح الثقافي معناه إلغاء الخصوصيات، الذي يعني بالدرجة الأولى عولمة النخب التي هي مسؤولة في كل البلدان عن إدارة الثروات المحلية، سواء كانت ثروات ثقافية أم مالية أم إدارية. وإذا نجحت العولمة في إدماج نخب بلدان العالم الثالث ثقافيا في الثقافة المهيمنة، فستفقد الشعوب أية قدرة على إيجاد آليات التعديل، فالخصوصية ستبقى كنوع من الفلكلور، بمعنى أن الشعب سيبقى يتحدث لغته الأصيلة لكنها ستكون مفصولة كليا عن لغة السيادة ولغة السلطة والناس المتصلين بالعالم."[26]
ولعلمنة الإنسان بهذا الشكل تعتمد وسائل تربوية وتوجيهية متعددة ومتنوعة؛ بحيث تستوعب كل الأعمار وكل الفئات الاجتماعية بميولاتها المختلفة.
ويعتبر التعليم من المجالات التي تتم فيها علمنة الإنسان بشكل مباشر، وخاصة في البلاد التي تعتمد التعليم "اللائيكي"؛ والتعليم التخصصي البحث الذي يقصي بشكل طبيعي المقاصد والقيم المرتبطة بالنظرة الشمولية؛ وأوضح مثال على ذلك، الطبيب الذي يوصي في بلد إسلامي باستعمال العازل الطبي للوقاية من السيدا.
وأخطر عمليات العلمنة، هي التي تتم بطرق غير مباشرة؛ لأنها تراهن على جانب اللاوعي في الإنسان؛ بحيث يصير كل سلوك يصدر عنه يصب بشكل تلقائي في المسار العلماني من دون أن يعي ذلك. وتعتمد لهذه الغاية بشكل أساسي مختلف وسائل الاتصال، من إذاعة وتلفزيون وسينما ومجلة وقصة وأغنية ومسرحية وواجهة المحلات التجارية والإعلانات الإشهارية وغيرها؛ ويبقى أخطر هذه الوسائل هو التلفزيون؛ لأنه يدخل كل البيوت ويتعامل مع كل الأعمار والأذواق، باستيعابه كل الوسائل الأخرى وإضافة غيرها، مثل عرض الأزياء الذي لا يتقيد بأي خلق، والحوارات والندوات التي تبرز بشكل عملي ومن خلال شهادات واعترافات مباشرة وحية، علمنة الإنسان في حياته وسلوكه ومواقفه. وللتلفزيون قدرة فائقة على تكرار نفس المعنى بأشكال متنوعة، ما يعطيها الطابع الاعتيادي ويجعلها تنطبع بكل سهولة في الوجدان والسلوك.
وتُمارس اليوم على البلاد الإسلامية ضغوطٌ قوية لمراجعة مناهج التعليم لديها في اتجاه مزيد من العلمنة وتهميش الثقافة والقيم الإسلامية؛ ولقد بلغت الضغوط إلى حد مطالبة بعض الدول بإغلاق المعاهد القرآنية العتيقة بذريعة أنها تنتج الإرهاب. وقد يتخذ الضغط لفتح الأبواب أمام الاختراق الثقافي العلماني مسالك ابتزازية ماكرة، كما أورد ذلك آلان جريش Alain Gresh كاتباً: "يتخوف البعض على سبيل المثال من أن يكون التحاق المملكة العربية السعودية بالمنظمة العالمية للتجارة مقدمة "للاجتياح الثقافي" فخلال المفاوضات مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص، أثيرت قضايا متعلقة بالحريات الدينية وحقوق المرأة وحتى السينما. فلقد طالبت واشنطن العربية السعودية التي لا توجد بها دور للسينما، أن تسمح بفتحها.[27]"
غير أنه لابد من الإشارة هنا إلى أن العلمنة منافية للفطرة البشرية؛ لذا نجد الكثير من أبناء الغرب من غلبت فطرته فاستقام سلوكه وفكره، وكانت لهم مواقف إنسانية مشرفة، بل منهم من أسلم وجهه لله تعالى والتحق بموكب الإيمان، فسعد وأسعد. ومن لم يوفق لذلك فسيظل بين غارق في مستنقع الشهوات والمخدرات، وساقط في شرك الطوائف الدينية الخرافية المنحرفة.
كيف الحل؟
قال الدكتور برهان غليون في ختام محاضرته حول النظام العالمي الجديد[28] : "لا يجب أن تخيفنا الانتصارات الحالية والمستقبلية للنظام العالمي الجديد، لأنه قابل للانكسار؛ لا يجب أن نيأس، إنما على العكس، يجب علينا، بصفتنا مسلمين أن نحمي بل ونعزز هويتنا الإسلامية، ونعمل على بعث كتلتنا الثقافية من المغرب إلى إندونيسيا؛ ثم وحتى يكون هذا ممكنا، وفي مصلحة الشعوب الأخرى وباعتبار الأمة الإسلامية أمة الخير، ماذا يجب أن نفعل؟
يجب بداهة أن نعيد تعريف الخير وفقا لمعطيات العالم الحالي، ونسهم مع كل إنسان محب للخير في بلورة بديل للنظام العالمي الجديد."
وهذا يستدعي العمل على ثلاثة محاور:
1- الانخراط في عملية تربوية على مستوى العالم الإسلامي تستهدف كل شرائح المجتمع، ومعتمدة مختلف القنوات التربوية، من مدرسة ومعهد وإذاعة وتلفزيون وخطبة ومحاضرة وغيرها، لترسيخ معاني الإيمان في القلوب والسلوك.
ومن المعلوم أن التربية لا تقتصر على إعداد الفرد بمعزل عن محيطه؛ لأن للمحيط الاجتماعي والمعماري والفني والاقتصادي والسياسي دوراً أساسياً في تشكيل ثقافته. ويتطلب إعداد المحيط العمل على إعادة إنتاج مختلف مرافق الحياة التي طالها التغريب والعلمنة على أسس من الأصالة والثقافة الذاتية؛ ويعني التمسك بالأصالة القدرة على مواجهة مختلف التحديات بشكل ينسجم مع ثوابت الإسلام ومقاصد الشرع، دون إغفال ما راكمته التجربة البشرية من إنجازات.
2- من المعلوم أن معركة القيم ضد تأليه السوق لا يمكن أن تربح في عصر العولمة التي أضحت فيه معظم المشاكل ذات طابع كوني، إلا إذا تمت على مستوى إنساني واسع. وهذا مطلب إسلامي أصيل: يقول الإمام الطاهر بن عاشور رحمه الله " إذا نحن استقرينا، مواد الشريعة الإسلامية، الدالة على مقاصدها من التشريع، استبان لنا من كليات دلالتها ومن جزئياتها المستقرة، أن المقصد العام من التشريع هو حفظ نظام العالم واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان. ويشمل صلاحه، صلاح عقله وصلاح عمله وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه."[29] ومن المعلوم أن الإسلام جعل من أهدافه دعم معسكر الإيمان في عموميته: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾.
وهذا يستدعي التواصل مع كل من يقف في وجه العولمة، فيما أضحى يسمى بالمجتمع المدني العالمي الذي يضم تحالفا لعدة حركات من القارات الخمس[30]، في مواجهة واضحة مع حركة العولمة والليبرالية الجامحة والأمركة المتغطرسة. فلقد شارك في المظاهرات التي نُظِّمت احتجاجاً على قمة الثمانية الكبار بمدينة جنوى الإيطالية، في يوليو 2001، 000 200 شخص، يمثلون 800 حركة شعبية ونقابية ومنظمات غير حكومية، أتت من 82 دولة.
ومن 31 يناير إلى 5 فبراير 2002، انعقد في بورتو أليجري Porto Alegreبالبرازيل الملتقى الاجتماعي العالمي الثاني، وشارك فيه 000 60 مشارك أتوا من القارات الخمس، وخاصة من أوروبا وأمريكا اللاتينية، ويمثلون أكثر من 000 2 حركة شعبية ونقابية ومنظمات غير حكومية، أتت من 88 دولة.
ولقد كان لها دور فاعل في تنظيم المظاهرات التي اجتاحت، يومي 15 و16 فبراير 2003، مختلف مدن العالم احتجاجا على الحرب التي تعتزم الولايات المتحدة شنها على العراق.
3- أما المحور الثالث فيتمثل في ضرورة التأثير الثقافي في الغرب. إن الإسلام يعترف بالاختلاف ويدعو المسلمين إلى التعارف والتفاعل مع على الناس كافة:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
وأختم بهذا القول لـ"ليسزيك كولاكوفسكيLeszek Kolakovski "إن عدم الاعتراف بالمقدس، يعني عدم الاعتراف بالخطيئة والنقيصة والشر، وبالتالي عدم الاعتراف بحدودنا (..) فالاعتقاد الديني هو وحده الكفيل بوضع حدود للطموحات البشرية وبالمحافظة على المستقبل."[31]
وهذا يفسح المجال لكي يقوم الإسلام بدور تاريخي ويجعل من العولمة فرصة لإقامة الشهادة على الناس.
نقلاً عن موقع معهد الرسول الأكرم(ص) – مجلة الحياة الطيبة – العدد الخامس عشر
الهوامش:
[1] لوموند ديبلوماتيك 11/99
Manière de voir n°32 p.75 -2
[3]Guerre et contre guerre – Survivre à l’aube du 21ème siècle.
[4] تشمل الخدمات ما يربو عن 160 فرعا ـ سوزان جورج ، لوموند ديبلوماتيك ، 07 –1999 ، ص 8 ـ، منها خدمات الأسفار والسياحة والفنادق والمطاعم والخدمات المالية والبنكية والتأمين والاتصالات والبريد، والخدمات السمعية – البصرية، وخدمات تجارة الجملة والتفصيل، وخدمات الهندسة والبناء والتعمير والأشغال العمومية، والصيانة والهندسة المدنية والخدمات العقارية، والقرض من أجل السكنى والكراء، وخدمات البيئة والماء الحار والنفايات وتطهير المدن، والماء والكهرباء، وخدمات التسلية والترويح عن النفس ثقافيا ورياضيا، وخدمات المكتبات والأرشيف والطبع والنشر والإعلانات والنقل بجميع أنواعه، وخدمات التعليم في جميع مراحله، وخدمات الصحة الإنسانية والحيوانية.
[5]يحي اليحياوي، العولمة ومجتمع الإعلام، منشورات الزمن الكتاب، ص 23.
[6] 37646 هذا ما صرح به بشكل واضح أل غور نائب الرئيس كلينتون بمجمع دايفوس في يناير 1999؛ حيث قال :"سنقاوم كل دعوة ضيقة الأفق للحمائية والانعزالية التي تسعى إلى إقامة جدار يحول بيننا وبين الازدهار !" ولهذه الغاية أسست وتعمل المنظمة العالمية للتجارة.
[7] La letter du comité francais pour l"unicef, Paris, Fevrier.
[8] L’homme mondial., Editions arléa,1996
[9] أستاذ بجامعة بوردو ومسؤول عن مجموعة البحث "الاقتصاد والمالية الدوليان" في CNRS.
[10] في حوار له مع جريدة Le Figaro الفرنسية، ليوم 28/1/ 95
[11] Le monde diplomatique ,décembre 1997
[12] Le monde diplomatique du 6/95
13 El Reto del islam,Editiones Temas de hoy, junio 1997, Madrid. [عرض عبد الواحد أكمير، مجلة فكر ونقد، عدد 5 .]
[14] لوموند ديبلوماتيك أكتوبر 2000
[15] أورد هذا الكلام سيرج لاتوش في كتابه "تغريب العالم" ص 72
[16] g1036 L’homme mondial., Editions arléa,1996 ص 124
[17] Futuribles n° 41
[18] في كتابه "الولايات المتحدة طليعة الانحطا ط".
[19] Etats-Unis avant garde de la décadence, editions vent du large, Paris 1997, P: 4
[20] مجلة "منبر الشرق"
[21] عن كتاب Albert Jaquard ,"J’accuse le libéralisme triomphant
[22] منها 300 7 مليار دولار دين عام، و 700 7 ديون مستحقة على العائلات، و000 14 ديون مستحقة على المؤسسات.
[23] L"Atalas du Monde diplomatique, Janvier 2003,Insupportable fardeau de la dette,
[24] دفعت الدول المدينة إلى المؤسسات المالية الدائنة ما بين 1983 و2001 ، 368 مليار دولار أكثر مما اقترضته.
[25] لوموند ديبلوماتيك 12-2002 ص 17
[26] من حوار مع جريدة " الراية" المغربية، عدد 297 ـ 22 /4/98
[27] في صحيفة لوموند ديبلوماتيك، عدد أبريل 2000
[28] كان ذلك في الندوة التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، سنة 1991، بباريس.
[29] مجلة الرشاد، العدد الثالث، خريف 1996، يصدرها المركز الأمريكي لدراسات الثقافة والحضارة.
[30] تعمل هذه المنظمات من خلال 6 جبهات:
المنظمات العمالية النقابية.
حركات الفلاحين، ومن ضمنها حركة "من لا أرض لهم" المنطلقة من البرازيل والتي تضم عبر العالم أكثر من 100 مليون عضو من صغار الفلاحين.
جبهة النساء التي تناضل عبر العالم من أجل حقوق المرأة.
جبهة الشعوب المحلية المتمسكة بهويتها الأصيلة وبالأشكال الاجتماعية التقليدية التي كانت قائمة قبل الرأسمالية. وهم يمارسون مقاومة ثقافية في وجه الزحف الرأسمالي المدمر والمنمط، بإحياء العادات والممارسات والأشكال التقليدية، وخاصة في أمريكا اللاتينية، حيث يسعون إلى العودة إلى التقاليد الهندية العريقة.
جبهة الحركات الجمعوية والأحزاب البيئية.
جبهة المنظمات غير الحكومية التي تعمل على واجهات متعددة.
ومن بينها حركة أتاك ATTAC التي أنشئت ستة 1997 بمبادرة من لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، وبعض المثقفين والنقابيين الفرانكفونيين، وتضم أتاك 220 لجنة محلية بفرنسا، بالإضافة إلى 40 فرع عالمي منتسب لأتاك العالمية، وعلى رأسها أتاك ألمانيا وأتاك سويسرا.
في سنة 2002 كان لأناك 000 30 عضو بالإضافة إلى 462 نقابة و291 جمعية. ويعرض موقع إنترنت لأتاك تقارير وتحليلات وكتب ومواضيع ومعلومات مختلفة. ويتم يوميا نسخ 000 40 ألف وثيقة من هذا الموقع، من 130 دولة. ويعمل مع أتاك بشكل طوعي 600 مترجم يتقنون 15 لغة.
بعد أتاك تأتي منظمة بريطانية "جوبلي 2000 Jubilé"" وهي منظمة مسيحية تناضل من أجل الإلغاء الكلي لديون العالم الثالث الخارجية. وفي أقل من 3 سنوات من تأسيسها حصل طلبها هذا على 17 مليون توقيع. وتعتبر خصما بارعا ولدودا للبنوك والمؤسسات المالية العالمية.
ومؤسسة Third World Network أنشئت سنة 1996 وتضم المئات من التنظيمات المحلية والجهوية والوطنية للنضال كذلك من أجل إلغاء ديون العالم الثالث.
وهناك منتدى الفقراء الذي أنشئ في تايلاند سنة 1995 من فلاحين وفقراء ، ويضم أكثر من 000 500 عضوا.
وهناك منظمات تناضل من أجل حقوق الطفل ومنظمة "العمل ضد الجوع" وغيرها في أوروبا.
في الولايات المتحدة تضم مؤسسة Fifty Years is Enough أكثر من 250 جمعية مناهضة للعولمة. وفي كوريا الجنوبية هناك منظمات تعمل في صفوف نقابات شرق آسيا.
ففي كل قارة يعمل عدد من المتخصصين والخبراء الثائرين على الوضع الحالي الظالم، يعمل هؤلاء على بناء عالم جديد، يعمه العدل والإنصاف.
[31] من حوار أوردته صحيفة Nathan Gardels ليوم 26/3/94.