د. حسين خنيفر(*)
مقدّمة ــــــــ
لا شكّ في أنّ جميع أفراد البشر يَميلون إلى الخير والصّلاح، وكلّ منهم يَرغب في لَعِب دَور مؤثّر وبنّاء في النظام المذكور، وكلّ يتمنّى أن تكون لـه وُجهة واتّجاه خاصّ به. وقد بدأ الاهتمام بالمُجتمع الأخلاقيّ والفكر الأخلاقيّ والرّؤى الأخلاقيّة، بدأ قبل الميلاد بعدّة قرون، وتُعتبر عمليّة تقييم (الأبعاد الأخلاقيّة) الخاصّة بالكوادر البشريّة جزءاً حسّاساً ومُهمّاً من المسائل والشؤون الإداريّة. لذلك فإنّ الحصول على المعلومات الخاصّة بأداء الكوادر البشريّة سواء أكانت جيدة أم سيئة، ونسبة ذلك إلى نظام أخلاقيّ مُعيّن، يُمكنه أن يُؤثّر في إحساسهم بالرّضا.
إنّ الأخلاق والمسؤوليّة الاجتماعيّة واللتيْن يُمكن تعريفهما بـ(المشروع واللامشروع) القيميّ ـ الفلسفيّ، ومعيار اختبار الصحّة والخطأ في سلوك الشخص والآخرين والمُجتمع، هما من البحوث التي اهتمّ بها العُلماء بشكل عامّ، وعُلماء الإدارة بشكل خاصّ في العالم في العقديْن الماضييْن، وإن كان الموضوع المذكور هو موضوع قديم يرقى إلى ما قبل ميلاد المسيح×. وقد تمّت كتابة العديد من المقالات وتأليف الكثير من الكُتُب بهذا الشأن، وناقشها أصحاب الرّأي والنّظر في عدّة مؤتمرات.
وفي الحقيقة، كان موضوع النظام الأخلاقيّ للحياة الاجتماعيّة والمهنيّة والعمليّة منذ آلاف السنين، موضوع بَحث في الكُتب المقدّسة والأمثال والنصوص الأدبيّة القديمة، بل ويُمكننا القول بأنّه وُجِدَ مع وجود الإنسان على الأرض، أي منذ أن قامَ الشيطان الرّجيم بإغواء آدم وحوّاء ‘ على أكل الثمرة المُحرّمة.
وتعدّ السعادة في الحياة الماديّة والمعنويّة للإنسان والأخلاق وامتلاك أفراد البشر لنظام أخلاقيّ يتضمّن الفضائل الأخلاقيّة،تعدّ ركناً رئيساً من أركان الإدارة القيميّة كذلك، وقد بيّنَ القرآن الكريم العديد من الشواهد والأمثال عن المحاسن والمساوئ وتأثير كلّ من تلك الأمثلة في إخفاق أو نجاح أيّة أمّة من الأمم السابقة، والتي سنُشير إليها خلال سطور هذه المقالة، ولا شكّ في أنّ أجملها وأشملها وأعظمها هي ما قاله النبيّ’ والذي أصبحَ أساس النظام الأخلاقيّ للمجتمع إلى جانب العناصر الأخرى (الحكومة والناس والعمل والإبداع والعلاقات الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة)، بل إنّ أساس بعثته وإرساله إلى الناس كافّة قائم على النظام الأخلاقيّ، حيث قال’: «إنّما بُعِثتُ لأُتمَم مَكارِم الاَخلاقِ».
وقد اهتمّ الدين الإسلامي الحنيف الذي أشارَ إليه آية الله الشيرازي بقوله: إنّه أسّسَ إدارة الأخلاق وأقامَ النظام الأخلاقيّ؛ اهتمّ بهذا الموضوع المهمّ خاصّة فيما يخصّ العلاقة المنطقيّة بين النظام الأخلاقيّ وتوسيع وتطوير المصادر البشريّة. ويُسلّم العلامة الشيرازي في بحوثه الفقهيّة الاختصاصيّة كأُصول الفقه، أنّه إذا كان الفقه يتألّف من عشرة أقسام، فإنّ قسماً واحداً منه يتعلّق بالمسائل الشرعيّة، بينما تتعلّق الأقسام التسعة الأُخرى بالإدارة التي تشكّل أخلاق المسؤولين والبيئة الاجتماعيّة الجزء الأكبر منها، والتي لها تأثير كبير على الأفراد.
ومن أهمّ الخصال والمميزات المطلوبة في الدين الإسلاميّ الحنيف للمُدراء اللائقين من أجل خَلق منظمة نشيطة، هو نَشر الأخلاق في الكوادر البشريّة مُستندة في ذلك إلى روح التوكّل على الله سبحانه، والثقة، وإيصال الكوادر الإنسانيّة الفعّالة.
وكذلك فإنّ أحد الأركان الأساسيّة للسعادة في الدين الإسلاميّ المُبين، سواء في الحياة الماديّة أم المعنويّة، الأخلاق والفضائل الأخلاقيّة؛ لأنّ الأخلاق السامية ـ وفي ضوء المحاسن الأخلاقيّة ـ تؤدي إلى تقوية العلاقات الاجتماعيّة.
أزمة النظام الأخلاقي في الكادر البشري الغربي ـــــــ
هذا من جهة، أمّا من الجهة الأُخرى، فقد تمّ البَحث والتقميش في موضوع النظام الأخلاقيّ في إدارة الكوادر البشريّة بشكل جيّد في عقد الثمانينيّات في الغرب، لكنّ الفضائح التي وقعت في أسواق البورصة الأميركيّة وعمليّات الاختلاس والغشّ التي شاعت في المُجتمع، أدّت كلّها إلى تسمية عَقد الثمانيّنيات بـ«عَقد الجَشع Greed period». وبسبب الابتعاد عن النظام الأخلاقيّ وسوء استخدام الأخلاق واستغلاله، فقد تعرّض العديد من الأنظمة إلى الهجوم والانتقاد، وادّعى المُنتقدون أنّ شيوع حالة الجشع والوصوليّة والإسراف وانتهاك المبادئ الأخلاقيّة في الحياة العصريّة، كلّها تعود إلى أساليب إدارة الكوادر البشريّة التي تَفتقر للنظام الأخلاقيّ المَكتوب والمسؤول في عمليّة التسويق وعَرض الخدمات والمنتوجات. وقبل عَقد الثمانيّنيات كذلك، قامَ أحد الباحثين ويُدعى (هارت Bum Hart) في أوائل عَقد السّبعينيّات، ومن خلال كتابه الكلاسيكيّ، قامَ بنَقد صريح وبنّاء حول إدارة الكوادر البشريّة الغربيّة، ودعا إلى إعادة بَحث ودراسة عمليّات إدارة الكوادر البشريّة وإيجاد أساليب جديدة في النظام الأخلاقيّ، فواجهَ عندئذ ثمان مشاكل أساسيّة تتعلّق بالأنظمة والصناعات والخدمات في الغرب، وهي:
* الرّشاوى والهدايا.
* التمييز في الأسعار والتسعير غير المُنصِف.
* الدّعايات الكاذبة.
* النشاطات التنافسيّة المُجحفة.
* مُخادعة المشتري.
* تواطؤ واشتراك المتنافسين في وَضع الأسعار.
* غياب عامل الصّدق وإجبار الكوادر البشريّة على عَقد وإبرام العقود الكاذبة.
* غياب العدالة والإنصاف في تشغيل المُستخدَمين.
وقد يبدو للوهلة الأولى أنّ هذه المشاكل هي مشاكل تتعلّق بعَقد الستينيّات، إلاّ أنّ الباحثين بعد ذلك أثبتوا أنّ غياب النظام الأخلاقيّ في ما يتعلّق بالكوادر الإنسانيّة والتنظيميّة قد تسبّب في ازدياد وتفاقم تلك المشاكل، على الرّغم من أنّنا دخلنا الألفية الثالثة مع الأخذ بعين الاعتبار تأكيد المبادئ والتعاليم الأخلاقيّة في مُختلف المذاهب والأديان دائماً على أهميّة وضرورة سيادة النظام الأخلاقيّ وصِدقيّة الأعمال، وأنّ أعمال الفَرد هي في الواقع إحدى الخيارات المُتعدّدة التي تواجهه. إنّ تقييم أيّ من تلك الخيارات، بمَعنى اختبار النقاط الإيجابيّة والسلبيّة من وُجهة نَظر الفَرد أو أصحابه، يُبيّن أنّ تلك الخيارات تُشكّل نواة المشاكل في إطار القرار الأخلاقيّ. وتأخذ الأبعاد المحوريّة لمسألة النظام الأخلاقيّ بعين الاعتبار، كذلك الأبعادَ الأُخرى، مثل السلامة في العمل ونوع الحياة العمليّة ونمط استخدام وتسويق الطاقة العمليّة (الكوادر البشريّة) وخاصّة النساء، وهي مسألة طالما تمّ الاهتمام بها.
ما معنى الدور الأخلاقي في بناء الكادر البشري؟ ـــــــ
إنّ للنظام الأخلاقي علاقة وثيقة بالجوّ الأخلاقيّ السائد في المُجتمع وتنظيمه، حيث يتشكّل من خلال الاهتمام بهذيْن العامليْن، وفي تعريف ذلك يُمكن القول: إنّ النظام الأخلاقيّ والجوّ الأخلاقيّ والقيميّ في أيّ نظام يُشير إلى مجموعة من القيَم والأساليب والعقائد والإجراءات السائدة على الإجراءات والخيارات والقرارات في النظام المذكور، بحيث يُوجِد بيئة تُسمّى ببيئة الطمأنينة وتفادي الشكّ.
من هنا، فإنّ «ثقافة النظام» لها علاقة وثيقة ومباشرة بالقيَم والأخلاقيّات. إنّ الثقافة والقيَم والأخلاقيّات الخاصّة بالنظام المذكور هي قويّة وثابتة، بحيث يبقى الأفراد المُهمّين على حالهم حتى مع تجديد الهيكليّة والتغيير، ولا يتعرّضون لتأثير نتائج التغييرات بشكل كبير أو واسع. وبعبارة أُخرى، فإنّ البيئة الأخلاقيّة أو جوّ النظام سيكون بمثابة أساس وأرضيّة لقرارات النظام في إطار ذلك.
وبصورة عامّة، يبدو أنّه بالإمكان تقسيم أهمّ القيَم الأخلاقيّة للنظام إلى أربعة أقسام، هي:
1ـ الصِّدق: ويُقصَد به الشفافيّة، لكن ليس بمَعنى الإفشاء ونَشر جميع التفاصيل.
2ـ الإخلاص والأمانة: ويُقصَد بذلك الوفاء، لكنّ ذلك قد تُقابله أحياناً نقاط أُخرى (مثل الإخلاص في مُقابل القانون أو المشتري أو المُجتمع، وإن كان يتعارض في الظاهر في بعض الأحيان مع الوفاء للنظام).
3ـ الاحترام والاهتمام: ومعناه التأثّر إزاء الاختلاف والتنوّع، لكن مع الالتزام بالمعايير المذكورة.
4ـ الإنصاف والعدالة: ويُقصَد به التعامل والتصرّف بشكل عادل ومتساوٍ مع الجميع، لكن مع بعض الاختلاف (كالتشجيع والترغيب) فيما يتعلّق بالأشخاص الذين يمتلكون أداءً جيّداً.
أمّا المُتوقَّع من إدارة الكوادر البشريّة فهو أن تكون محوراً لأخلاقيّات النظام، وأن تضمن إشاعة وتعميم القيَم والمعايير الأخلاقيّة في النظام المذكور، مع الاعتماد على أنظمة الكوادر البشريّة التي تنسجم والأساليب التعليمية الضروريّة. ويُتوقَّع كذلك من مُدراء الأنظمة والمؤسسات أن تكون لهم الشجاعة الأخلاقيّة الكافية في الالتزام بالأخلاقيّات ومراعاتها (من قِبلهم ومن قِبل موظّفيهم والعاملين لديهم) على جميع المستويات وفي جميع الجوانب.
وتُمثّل الشجاعة الأخلاقيّة نقطة محوريّة، بحيث يتقبّل المُدراء المخاطر برغبتهم واستعدادهم الذهنيّ اللازم لقبولها، وذلك في إطار المبادئ (القيَم) لكي لا تُصبح الأخلاقيات هي الضحيّة. ويتطلّب القيام بهذا الدّور ثقافة خاصّة ومتأصّلة، هذا وتهدف هذه المقالة إلى بيان النظام الأخلاقيّ والاتّجاه نحو المصادر الإنسانيّة من منظاره.
خلفيّة البَحث عن الموضوع ـــــــ
ظهرَ موضوع النظام الأخلاقيّ والأخلاق التنظيميّة وتأثيرات ذلك على بقيّة الأنظمة الأُخرى، وخاصّة الجزء الحيويّ منها، ونَقصد (الكوادر البشريّة) التي يُقال: إنّه لا بدّ من الاهتمام بها لتطويرها باسم دورة الحياة التنظيميّة في الوقت الحاضر وفي نهاية القرن العشرين وبداية الألفيّة الثالثة؛ ظهر هذا الموضوع في الإدارة التجاريّة والصناعيّة والدراسات التنظيميّة، والتي أشرنا سابقاً إلى أنّ مَصدرها كان الأخلاق، وفلسفة الأخلاق واللذين يعدّان جزءاً من عالم الفلسفة. لكنّ أكثر المصادر الموثوقة في هذا المَجال هي ما يتعلّق منها ببحوث (سقراط).
دراسة حالة ـ نموذج للفكر الأخلاقيّ عند سقراط ــــــــ
يُمثّل النموذج أدناه أوضاعاً وحالات مرّ بها سقراط (شيخ الشيوخ وأبو الفلسفة الأخلاقيّة)، وفقاً لِما ذُكِرَ في كتاب محادثات لأفلاطون بعنوان (كرايتون)، حيث أشارَ سقراط في البدء إلى بعض النقاط الخاصّة بالمَوقف اللازم اتّخاذه، والمُتعلّق بأحد قراراته الخطيرة الخاصّة بهروبه من السّجن.
أوّلاً: لا يَجب أن يكون اتّخاذ القرار على أساس العواطف والأحاسيس، بل لا بدّ من بَحث المسألة والاستعانة بأفضل الاستدلالات. ولا بدّ لنا كذلك من أخذ جميع البيانات بعين الاعتبار دون زيادة أو نُقصان، وتركيز أذهاننا على هذا الموضوع، فمسائل من هذه الشاكلة يُمكن البتّ فيها بواسطة العَقل، ولا بدّ من انتهاجه لهذا الغَرض.
ثانياً: لا يُمكننا الإجابة عن مثل هذه الأسئلة من خلال الاعتماد على ما يُفكّر به عامّة الناس، إذ يُمكن للناس أن يخطئوا؛ لذلك لا بدّ لنا من أن نَسعى للحصول على جواب يُمكننا اعتباره جواباً صحيحاً. لهذا يَجب علينا أن نُفكّر بشكل مُستقلّ، وبالتالي عدم ارتكاب كلّ ما يُمكن اعتباره خطأً من الناحية الأخلاقيّة. إنّ السؤال الوحيد الذي يَجب علينا الإجابة عنه هو: هل إنّ ما يُقتَرَحُ علينا هو صواب أم خطأ؟ وليس التفكير بما سيَحصل لنا أو ما سيَعتقده الناس إزاءنا، أو بما نَشعر أو نُحسّ به إزاء ما حدث.
وفي النهاية، وبعد بيانه لهذا الموضوع، يُحاول (سقراط) من خلال الاستمرار في البَحث المذكور وعَرض استدلال ذي ثلاثة أوجه، يُحاول أن يُثبت أنّه لا يَجب عليه انتهاك القوانين من خلال هروبه. وأمّا أوجه الاستدلال المذكور فهي:
الوَجه الأوّل: لا يَجب علينا أبداً إيذاء أيّ شَخص، ففرار (سقراط) يَعني الإضرار بالحكومة؛ لأنّه بذلك انتهكَ قوانينها وتجاهلها ولم يُبالِ بها.
الوَجه الثاني: إذا أمكنَ للشخص العيش في بَلد ما مع قدرته على الهروب منه، فإنّه بذلك يُوافق على طاعة قوانين ذلك البَلد والالتزام بها ولو بشكل ضمنيّ، لذلك فإنّ فراره يَعني تَجاهله لتلك الموافقة، وهو عمل لا يَجدر بأحد القيام به.
الوَجه الثالث: إنّ مكانة المُجتمع أو الحكومة ومنزلتهما هي كمكانة ومنزلة الوالديْن والمُعلّم، إذاً لا بدّ من طاعة الوالديْن والمُعلّمين([1]).
وفي كلّ واحد من تلك الاستدلالات يَصل سقراط إلى قاعدة أو مبدأ أخلاقيّ، وبعد التأمّل، يَعترف هو وصديقه (كرايتون) بتلك المبادئ أو القواعد؛ والتي منها:
1ـ لا يَجب علينا إيذاء أحد.
2ـ لا بدّ لنا من الوفاء بوعودنا.
3ـ تَجب طاعة الوالديْن والمسؤولين واحترامهم.
وفي كلّ فقرة من تلك الفقرات يَستخدم قضيّة أُخرى، تتضمّن بيان حقيقة ما، ثمّ يقوم باستخدام تلك القاعدة أو المبدأ في القضيّة المطلوبة، وكالتالي:
أ ) إذا هربتُ (من السجن) فإنّني سأُلحق الأذى بالحكومة.
ب ) إذا هربتُ فإنّني سأنقض عهداً (قطعته على نفسي).
ت ) إذا هربتُ فلن أكون مُطيعاً لوالديّ وأُستاذي.
عندئذ يَصل (سقراط) إلى استنتاج يتعلّق بما يَجب عليه فعله في حالته تلك.
هذا نموذج بارز للاستدلال في الموضوعات الأخلاقيّة تمّ تصويره بشكل رائع هنا.
وللكوادر البشريّة والمُدراء علاقة بموضوع الأخلاق والأخلاق التنظيميّة والمسؤوليّات المُتعلّقة بها من نواحٍ عدّة، إذ إنّ القرارات المُتداولة التي يتّخذها المُدراء، مثل تقسيم العمل والتنظيم وتعليم وتدريب الكوادر البشريّة واستخدام التقنيّة والتحكّم بالميزانيّة والتشجيع والترغيب، والتنبيه والإخطار، وما شابه ذلك، كلّها تؤثّر سلباً أو إيجاباً على آراء وشخصيّة وسلوك الكوادر البشريّة الحاليّة والآتية. فالأهداف والسياسة الطويلة الأمد للمنظمات، مثل توفير الأُسس والأرضيّة المناسبة والمتكافئة للاستفادة من الفُرَص المختلفة الخاصّة بالأعمال والحِرَف والإبداع، وإيجاد روح التأمّل والفِكر والبَحث في الأفراد، كلّها لها علاقة وثيقة بعمليّة إصلاح وتنظيم المجتمع، ولهذا السبب فإنّ القرارات والبرامج ـ وفي لحظة انعقادها ـ تتطلّب الأخذ بعين الاعتبار الكثير من الملاحظات، بحيث إذا لم تلتزم الكوادر البشريّة والمُدراء بالأُصول والمبادئ الأخلاقيّة التنظيميّة فإنّ ذلك سيؤدي إلى وقوع كارثة إنسانيّة ذات أبعاد فرديّة واجتماعيّة.
ولذلك، أصبحَ مُصطلح الأخلاق الذي يمتلك خلفيّة حضارية ودينيّة، أصبح اليوم أحد المكوّنات الاستراتيجيّة للسلوك، بحيث يُطلَق على تلك المجموعة من المبادئ أو العمليّات الاستدلاليّة الخاصّة بالكَشف عمّا يُقرأ بشكل صحيح أو غير صحيح، أو عن نسبة الشيء إلى شيء آخر، سواء أكان أفضل أم أسوأ منه ([2]).
ويعتقد ريتشارد دفت (Richard Daft) أنّ الأخلاق عبارة عن قاعدة مبادئ أخلاقيّة وقيميّة تتحكّم في السلوك الشخصيّ أو الفرديّ بعناوين صحيحة أو خاطئة. أو بعبارة أخرى، هي نظام أخلاقيّ لإدارة الكوادر الإنسانيّة الخاصّة بمبادئ وقواعد القيَم التي تقود قرارات وسلوك المُدراء وما إذا كانت صحيحة أو خاطئة. وفي الواقع فإنّ الأخلاق تقع ضمن إطار إدارة تتناول المشروع واللامشروع في اتّخاذ القرار أو العَمل، فتشجّع المُدراء على اتّخاذ القرارات أو العمل العقلائيّ والخير والحَسن والجيّد، وتحول بينهم وبين اتّخاذ القرارات أو السلوك غير المنطقي أو الشرّ أو القبيح أو السيّئ.
والأخلاق في النظام ـ وكما أشرنا ـ تنبع من علم الأخلاق والفلسفة، وعلم الأخلاق هو عبارة عن البَحث والتقصّي في السلوك البشريّ بالشكل المطلوب([3]).
الأخلاق وفلسفة الأخلاق ـــــــ
تُعد الأخلاق فَرعاً من الفلسفة وجزءاً منها، وهي تشمل فلسفة الأخلاق أو الفِكر الفلسفيّ الخاصّ بالأخلاق، والمسائل الأخلاقيّة، والأحكام الأخلاقيّة.
وتَبرز فلسفة الأخلاق عندما نجتاز من مرحلة أوليّة إلى مرحلة أُخرى، حيث تصبح القيَم في تلك المرحلة قيماً داخليّة، ويُنظر إليها عَبر المفاهيم الدقيقة والشاملة، والوصول إلى حقيقة مَفادها أنّها جميعاً عبارة عن عوامل أخلاقيّة مُستقلّة ([4]).
ومن هذه المرحلة ـ كما يدّعي بعض أصحاب الرّأي المتأخّرين ـ فإنّ أهمّ سلوك يتعلّق بالتوسّع الثقافيّ، وخاصّة توسّع ثقافة النظام والإبداع، ويتطلّب ذلك نوعاً من ثقافة التعلّم المستمرّ والذي يُقصَد به التحديث المُستمرّ، للمهارات والعلوم، خاصّة في المجالات المختلفة للنظام الأخلاقيّ ([5]).
ومهما يَكن من أمر، فإنّه بإمكاننا الإشارة إلى ثلاثة أنواع من الفِكر، حيث ترتبط جميعها مع الأخلاق بشكل أو بآخر، وهي:
1ـ الفِكر النوعيّ الدالّ على نوع البَحث العمليّ والوصفيّ والتأريخيّ، كالنشاطات التي يقوم بها عُلماء الأنثروبولوجيا والمؤرّخون وعُلماء النّفس والاجتماع. ويكون الهدف في هذا المحور الفكريّ هو وصف أو بيان الظاهرة الأخلاقيّة أو الوصول إلى النظريّة الخاصّة بالطبيعة والفطرة الإنسانيّة، والتي تشتمل على المسائل الأخلاقيّة.
2ـ الفِكر العمليّ وهو أن يكون القلب مُتطبّعاً على شاكلة الفِكر، من النوع الموجود في محادثات (سقراط)، أو عندما يُسأل أيّ شَخص: ما هو الأفضل أو الصحيح أو الواجب؟ فإنّه يقوم باتّباعه. ويُمكن لهذا أن يتّخذ شكل حُكمٍ طبيعيّ، مثل القول: إنّ عدم قيامي بمحاولة للهروب من السّجن يُمثّل معرفة صالحة وجيّدة، وإنّ إيذاء الآخرين هو أمر خاطئ؛ ثمّ الدلائل القائمة على هذا الحُكم أو الاستعداد لبيان الدليل. وكذلك يُمكن أن يكون ذلك بشكل محادثة مع نَفسه أو مع شَخص آخر، أو أن تكون المحادثة حول شيء ما يكون أُسلوباً خاصّاً أو مبدأ عامّاً، أو جيّداً أو سيّئاً.
3ـ الفِكر التحليليّ: ومعناه نوع من الفكر النّقديّ أو ما وراء الأخلاق، وهو نَفس النوع من الفِكر الذي لا يشمل البحوث والنظريّات العمليّة أو التأريخيّة، أو البَحث أو الدّفاع عن أيّة كلمة نمطيّة أو قيميّة. ولا تَتعلّق هذه الأخلاق بالإجابة عن الأسئلة الخاصّة أو العامّة حول كلّ ما هو جيّد أو صحيح أو إلزاميّ، بل عن الأسئلة المنطقيّة والخاصّة بعلم المعرفة أو علم المعاني، فهي تسعى للإجابة عن تلك الأسئلة؛ أسئلة مثل معنى التغييرات الصحيحة أو الجيّدة أو استخداماتها، وتعيين نسبتها للإخلاق. مثل: كيف يُمكن إثبات أو تبرير الأحكام الأخلاقيّة والقيميّة؟ أم هل يُمكن تبريرها أصلاً؟ وما هو جوهر الأخلاق؟ وما هو الاختلاف بين ما هو أخلاقيّ وغير أخلاقيّ؟ أمّا الأسئلة التي لها أهميّة كبيرة في الإدارة، فهي كالتالي:
* ما هو مَعنى (الحرّ) أو (المسؤول)؟
* ما مَعنى (الطبيعيّ) و(غير الطبيعيّ)؟
* ما هو مفهوم الصحيح والخطأ؟
ويَنسب الفلاسفة المتأخرون الأخلاقَ أو الفلسفة الأخلاقيّة إلى النوع الثالث من الفِكر، بينما ينسبون جميع المسائل المتعلّقة بعلم النّفس والسلوك والعلوم التطبيقيّة والمعاملات الإنسانيّة (في الأنظمة والمُجتمع) وكذلك جميع الأسئلة الطبيعيّة الخاصّة بكلّ ما هو جيّد أو صحيح، ينسبونها إلى الخارج، إلاّ أنّ البعض الآخر منهم مثل (فرانكنا)([6]) يَعتبر أنّ فلسفة الأخلاق تشمل الأخلاق العالية كما تمّ وصفها.
جَوهر الأخلاق وبنية القضية الأخلاقية ـــــــ
بالنظر إلى الوصف الذي تعلّمناه عن الفلسفة الأخلاقيّة،و الذي أُشيرَ إليه على أنّه يتناول الأخلاق ومسائلها وأحكامها، أو المسائل والأحكام الأخلاقيّة، هناك نقطة مهمّة كذلك، وهي أنّ التعابير مثل (أخلاقي ethical) غالباً ما تكون مرادفة لـ(الصحيح) أو (الجيّد) ونقيضة لـ(اللاأخلاقيّ unethical). ولكن لا يَجب أن ننسى أنّه عند الدّخول إلى المجالات التنظيميّة وموضوع الكوادر البشريّة فإنّ بحوثاً من مثل المسائل الأخلاقيّة والأحكام الأخلاقيّة والأنظمة الأخلاقيّة والأدلّة الأخلاقيّة والتجارب الأخلاقيّة، والأهمّ من ذلك كلّه البحوث المُرتبطة بموضوع الوجدان (الضّمير) المهنيّ والعمليّ، هي جميعاً تتناول موضوع الوجدان الأخلاقيّ أو النظرة الأخلاقيّة.
وغالباً ما لا تَعني كلمة (ethical) أو (الأخلاق) في بحوث الضمير الأخلاقيّ والمسؤوليّة المهنيّة، غالباً ما لا تَعني المَعنى البَحت لـ(الأخلاق الصحيحة) أو (الأخلاق الجيّدة)، بل بمَعنى (المُتعلّق بالأخلاق) ويُقابلها (غير الأخلاقيّ) أو (non ethical)([7]).
وهذه نقطة مهمّة،و هي أن يتمّ استخدام مُصطلح (الأخلاق) أحياناً في مُقابل (نقيض الأخلاق)، عندما نقول بأنّ الفَرد هو عصارة الأخلاق في النظام، أو أنّ الفرد هو عصارة المحبّة، أو أحياناً عندما نتحدّث عن الأبعاد الأخلاقيّة لعمل ما. لكنّنا أحياناً أخرى كذلك، نستخدم كلمة (أخلاق) للحديث عن الفنّ أو العلم أو القانون، وأحياناً في موضوع الدّين، لذلك فعند طرح السؤال: ما هي الأخلاق؟ وبماذا تختلف عن القانون؟ وما هي علاقتها بالدّين؟ نَقصد أنّنا إذا أردنا فإنّه بالإمكان التحدّث عن أحد (مؤسسات الحياة الأخلاقيّة) العمليّة أو المهنيّة أو الاجتماعيّة، بحيث قد يكون المحور الأساس لهذا الموضوع هو: ما هو الأساس الأخلاقيّ للنظام في توسيع الكوادر البشريّة؟
وتُمثّل الأخلاق بالمَعنى الذي أشرنا إليه، مسألة اجتماعيّة وليست مجرّد اكتشاف، أو هداية الفرد أو إرشاده. فالأخلاق مثل اللغة أو البَلد أو الدّين، موجودة قبل وجوده، وللفرد دَور في ذلك من بعيد أو قريب، وستبقى كذلك حتى بعد رحيله. إضافة إلى ذلك فإنّ اتّصاف الأخلاق بالاجتماعيّة أو التنظيميّة لا يَقتصر على هذا المعنى لتكون نظاماً خاصّاً يتحكّم بالعلاقات بين البشر، بل يُمكن لمثل هذا النظام أن يكون من عَمل الفَرد بشكل كامل، كما أنّ بعض الأفراد التنظيميّين والمصادر البشريّة في الأنظمة، يَعدّون أنفسهم مُقيّدين بسلسلة من المبادئ والقواعد الأخلاقيّة وما أكثر ما يُؤثّر هؤلاء بمَن حولهم ([8]) .
إنّ الأخلاق ـ كما يقول أصحاب الرّأي والنّظر في علم الأخلاق ـ مسألة اجتماعيّة إلى حَدّ كبير، لكنّها اجتماعيّة كذلك بالأساس، من حيث مَصدر الضمانات التنفيذيّة والنشاطات. وعلى كلّ فعندما يواجهها المَرء فإنّ الأخلاق تعدّ وسيلة عامّة بيَد المُجتمع من أجل إرشاد الأفراد والجماعات الصغيرة عَبر عمليّة داخليّة. وأحياناً وبسبب مثل هذه العمليّة وهي «تركّز المبادئ الأخلاقيّة في المجتمع»، تُوصَف الأخلاق بأنّها وسيلة عامّة للمجتمع، وكأنّ الفرد أو الفريق التنظيميّ يُمثّل أُسرة واحدة أو طبقة اجتماعيّة واحدة لا يُمكنها أن تتمتّع بالأخلاق أو التعاليم الأخلاقيّة التي تتعارض مع الأخلاق والتعاليم الأخلاقيّة للمجتمع ككلّ. وعلى الرّغم من أنّ بعض الجماعات الصغيرة ـ وحتى الأفراد ـ يُمكنهم امتلاك أسلوب مُستقلّ لسلوكهم، أو حتى إيجاد ذلك، فهذه المسألة تعدّ أمراً مشهوداً في تكوين الجماعات غير الرّسميّة في النظام، يُمكنها على الأقلّ الإشارة إلى بعض هذه الأنظمة القيميّة (الفردية ـ الجماعيّة ـ الفرقيّة) بالأخلاقيّات أو الأنظمة الأخلاقيّة، والتي تشكّل النظرة الأخلاقيّة. وحتى في هذه الحالة، يُمكن التأكيد على هذا الأمر، وهو أنّ الفرد الذي يمتلك مثل هذا النظام الأخلاقيّ الشخصيّ والمُحدّد لا بدّ لـه من التفكير بهذه المسألة، وهي أنّ الآخرين، بل كلّ المجتمع كذلك، لا بدّ لنظامه الأخلاقيّ من قبول أهمّ المبادئ الأساسيّة أو الأهداف. أمّا البَحث الآخر فهو، إذا عددنا الأخلاق نظاماً اجتماعياً للتنظيم، فإنّها من ناحية ستكون شبيهة بالقانون، ومن الناحية الأُخرى ستكون مثل اتفاقيّة الآداب الاجتماعيّة والتنظيميّة.
أمّا النقطة الأُخرى، فهي أنّ تنمية نوع من التنظيم الأخلاقيّ في المجتمعات الغربيّة والشرقيّة هي في الأساس الأخلاق التي برزت في الغرب، والتي تتّسم بصفة فرديّة أو بروتستانتيّة. ولكن في الشرق فإنّ اتّجاهات المسائل الأخلاقيّة ـ وحتى تنظيم الأخلاق للمصادر البشريّة ـ تتّصف بالجماعيّة أو الكليكيتوستيّة.
الأخلاق في النظام ـــــــ
أشارَ سقراط والفلاسفة المتأخّرون كذلك إلى أنّ الأخلاق غالباً ما تشيع في عمليّة استخدام العقل نوعاً من الاستقلاليّة من جانب الفرد لكي يُفكّر بشكل عميق حول المبادئ أو الأهداف التي يُريد اتّخاذ القرار بشأنها. وهذا هو الضمير الفردي أو المحكمة الداخليّة للفرد أو المؤسسة.
النظام الأخلاقيّ والتنمية البشريّة ـــــــ
من أهمّ أساليب النظام الأخلاقيّ أداء الإنسان وكيفيّة ذلك الأداء؛ لكي يَصل إلى الكمال المهنيّ والسلوكي، ويُحقّق كلّ ما هو خيرٌ وجيّد. وهذا العلم لـه قواعده وتعاليمه، مثل المنطق وعلم الجمال، ولهذا السبب تُعتبر الأخلاق من العلوم التعليميّة وليست العلوم الوصفيّة. والعلوم التعليميّة مثل المنطق والأخلاق وعلم الجمال كلّها أحكام قيميّة، وهي أحكام تُعالج مواجهة المفهوم المُعاكس، على سبيل المثال، فعلم المنطق يتناول مواجهة الحقيقة والخطأ، وعلم الجمال يَبحث الجمال مُقابل القُبح. وعلى هذا فعلم الأخلاق يَبحث المواجهة بين الخير والشرّ.
وفي النظام الأخلاقي؛ فإنّ المسؤولية الاجتماعيّة والالتزام ومسؤوليّة الإدارة تكون في مُقابل المُجتمع وأفراده عند اتّخاذ القرار والتصرّفات الإداريّة، على سبيل المثال، وكما صرّح كلّ من (دوبرين) و(آيرلند)، لا بدّ للمُدراء من اتّباع مسؤوليّاتهم في اتّخاذ قراراتهم إزاء بعض المسائل، كتلوّث البيئة والتمييز والفقر والبطالة والتضخّم، ولا يَجب عليهم أخذ مصالحهم الشخصيّة أو مصالح النظام بعين الاعتبار وحسب. فالنظام، باعتباره مؤسسة أدنى في مُقابل المجتمع، مسؤول عن التأثيرات التي تخلّفها الأساليب والنشاطات التنظيميّة على المجتمع والأفراد.
وبالنظر إلى هذا المنهج، فالمدراء في أيّ نظام أخلاقيّ لا بدّ لهم من أن يَسعوا إلى المساهمة في توفير الرفاهية والأمن والراحة والاحتياجات الخاصّة بأفراد المجتمع وفقاً للأساس الأخلاقيّ، إضافة إلى وجوب أن يَضمنوا مصالح وحقوق نظامهم. ومن ناحية أُخرى يُمكن لقرارات مدير الكوادر البشرية وتصرّفاته الإداريّة في أيّ نظام أخلاقيّ، والتي تعدّ نوعاً من المَيل عن المحور الأخلاقيّ، يُمكن أن توقِع الخسائر والأضرار بالمجتمع.
ضرورة وجود النظام الأخلاقيّ لإدارة الكوادر البشريّة ـــــــ
أحد الواجبات الكبيرة والمهمّة للأنظمة الأخلاقيّة رعاية معيار مكانة وحقوق الإنسان، والتصرّف الصحيح مع المُراجعين والموظفين والزملاء والأفراد الآخرين في أيّ عمل جماعيّ. وتَعني العلاقات الأخلاقيّة في النظام الأخلاقيّ توسيع مبادئ الثقة والشخصيّة والشفافيّة. ولا تَعني العلاقات الأخلاقيّة التملّق أو المُداهنة؛ لأنّ تلك التصرّفات تتعارض مع الأخلاق التنظيميّة، بل وتُعدّ من ضمن الأخلاق السيّئة ـ في أيّ نظام أخلاقيّ آخر ـ فالعلاقات الأخلاقيّة الصحيحة تتمثل في تجنّب الأفراد لأيّ نوع من التوتر من خلال بيان التصرّفات اللائقة وإرضاء المُراجعين إلى أقصى حَدّ ممكن ([9]) .
و يعتقد (روبرت ستارت) أنّ العبء والمسؤوليّة الثقيلتيْن لأيّ مُدير فعّال في أيّ نظام أخلاقيّ تتمثّل في إيجاد بيئة تضمّ النشاطات والفعاليات الخاصّة بالكوادر البشريّة بشكل أخلاقيّ، وعلى هذا، فمتى اعتقد المدير بامتلاك البيئة المهنيّة والتنظيميّة والنظام والإجراءات المؤسسيّة كالبرمجة الدراسيّة والبرامج التنظيميّة واليوميّة والتقييمات وسياسات التطوّر وما شابه ذلك، للقيَم الخاصّة، عندئذ يُمكن اعتبار المعايير الأخلاقية معايير مطلوبة ومناسبة، وأنّه قامَ بواجبه على أكمل وَجه.
وبعبارة أخرى، إنّ إيجاد الأنظمة التي تجعل من الإنسان محوراً ومقياساً لكلّ الأشياء في الأصل معناه السير نحو الهدف الأخلاقيّ الكبير وارتفاع مستوى المسؤوليّة الاجتماعيّة للكوادر الإنسانيّة الموجودة فيها. وفي كتابه (الأخلاق في الإدارة) وضمن إشارته إلى ما قالته (بيتر دراكر) يقول (مايك باتري Mike Bottery): إنّ نتائج أغلب النظريّات التنظيميّة المتعلّقة بالأنظمة الاقتصاديّة والتجاريّة لا تَعني أنّه لا بدّ لها من أن تشمل كذلك الأنظمة الأخلاقيّة، إضافة إلى أنّ كلّ منظمة تختلف عن المنظمة الأخرى. وكذلك الأنظمة الأخلاقيّة فهي تختلف كثيراً عن الأنظمة الأخرى([10]). إنّ ما يَقصده (باتري) في الأساس هو الاهتمام بالقيَم والتحسّس من مسألة الأخلاق والمسؤوليّة الاجتماعيّة داخل الأنظمة، وإنّ إحدى مسؤوليّات الأنظمة هي الاهتمام بالمصادر البشريّة التي تعدّ الأخلاق والمسؤوليّة الاجتماعيّة إحدى أهمّ جوانبها المهمّة والأساسيّة.
النظام الأخلاقيّ من منظار النظام القيميّ ـــــــ
إنّ دراسة النظام الأخلاقيّ عَبر التركيز على المصادر البشريّة يُمثّل منظاراً مهمّاً في البحوث المعرفيّة والدينيّة، لذلك فإنّ أحد أركان السعادة في الحياة الماديّة والمعنويّة للإنسان هي الأخلاق والفضائل الأخلاقيّة؛ لأنّ العلاقات الاجتماعيّة تتعزّز في ضوء المحاسن الأخلاقيّة والخُلُق الحميد، ويتعاظم السلوك الوديّ القائم على أساس سلسلة من العقائد الأخلاقيّة، وتزداد تفاعلاتها لتُضفي قوّة ونشاطاً على هيكل الحياة، وتساعد الحياة الفرديّة والجماعيّة على السّير نحو السموّ والكمال.
إنّ تأثير المحاسن الأخلاقيّة في حياة الأُمم والشعوب وفي الأنظمة الموجودة في أيّ مُجتمع هي بمستوى بحيث لا نُبالغ إذا ما عددناها أساس وجوهر الحياة الإنسانيّة والثقافيّة في المجتمع.
وتؤكّد لنا دراسة تأريخ هذا الموضوع أنّ أحد أهمّ عوامل والنجاح أو التعاسة والفشل في المجتمعات الإنسانيّة هو «النظام الأخلاقيّ» للمجتمع، والنظام الأخلاقيّ الصحيح فيه بشكل منشور أخلاقيّ. فالأُمّة التي تتحرّك في إطار محاسن الأخلاق فإنّها لا رَيب ستصل إلى قمّة السعادة والنجاح، أمّا المُجتمع الذي يُضحّي بالفضائل الأخلاقيّة من أجل الرذائل الشيطانيّة فإنّ مصيره سيكون الانحطاط والاندحار.
ويُشير القرآن الكريم، هذا الكتاب السماويّ، إلى العديد من النماذج عند بيانه المحاسن والمساوئ، وتأثير كلّ واحد من تلك النماذج على ازدهار أو اندحار الأمم السالفة، وما القصص التي تحدّث عنها حول قوم لوط وهود وصالح وموسى وسليمان وعيسى^ وغيرها، سوى جزء من الأحداث التأريخيّة للبشر، والتي يُمكن اليوم الاستفادة منها في إيجاد وتعديل وتصحيح عملية النظام الأخلاقيّ. وتبرز عن نتائج هذه النظرة سبعة عناصر تنظيميّة تتعلّق بموضوع المسؤوليّة (Commitment) والتي تمّت كذلك الإشارة إليها في بعض البحوث التحقيقيّة الغربيّة. وقد بيّنت البحوث المُنجزة من قِبل (بارسل) أنّ العوامل الأخلاقيّة التنظيميّة التي تؤثّر على مسؤوليّة الأفراد هي:
1ـ الرّضا عن البيئة المهنيّة.
2ـ الرّضا عن الفُرَص العمليّة.
3ـ الرّضا عن التقييم.
4ـ التصور الأمثل بشأن المُدراء الخلوقين.
5ـ فَهم الصراعات الموجودة في العمل.
6ـ المرونة.
7ـ التوازن في الحياة العمليّة([11]).
ولا بدّ من عدّ الأنبياء العظام (أولي العَزم) المؤسسين للنهضة الأخلاقيّة ونظام الأخلاق الاجتماعيّ؛ لأنّهم هم الذين بيّنوا القواعد والمبادئ الأخلاقية الخاصّة بتربية الإنسان وتطويره عَبر التأريخ؛ لكي يتمّ تخليص المجتمع من الملوّثات الخارجيّة والاجتماعيّة، من خلال تطهير الأفكار وتنقية القلوب، والأخذ بيَد الإنسان إلى بيئة المحاسن العطرة والأخلاق الحميدة والكمالات الشامخة. وقد قال النبيّ الأعظم’ إنّ أساس بعثته إنّما هو لإتمام مكارم الخُلُق الحميدة بقوله: «إَنّما بُعِثتُ لأُتَمِّم مَكارم الأَخلاق».
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّه من الضروريّ تحمّل المشاقّ والصعوبات عند تطبيق جزء من المبادئ الأخلاقيّة، وذلك لوجود نوع من التعارض بينها وبين الأهواء النفسيّة والميول الحيوانيّة والإنسانيّة، ولا يُمكن التغاضي عن هذه الحقيقة التي تقول: إنّه وفي ظلّ صعوبة ضبط النّفس والجهاد معها، يُمكن الوصول إلى كنز الفلاح والتوفيق {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}([12]).
وعند الاستناد إلى المصادر القيميّة للوصول إلى المحاسن في ظلّ محاسن النظام الأخلاقيّ، يُشار إلى تأثير الأخلاق الحسنة في تطوّر إدارة المصادر البشريّة والوصول إلى السعادة، على النّحو التالي.
1ـ الأخلاق الحسنة هي أساس السعادة، قَال رَسُول الله’: «مِنْ سَعادَة الرَجّل حُسْنُ الخُلق».
2ـ الأخلاق الحسنة هي أساس تعزيز العلاقات الاجتماعيّة وفقاً للمحبّة: قَال النَّبي’: «حُسْن الخَُلق يُثْبِتُ الموَدة»([13]).
3ـ الأخلاق الحسنة هي سَبب العُمران والإعمار: قال الصَّادق×: «اَلْبِر وَحُسْنُ الخُلق يُعَمِّران الدِّيار، ويَزيدان فِيَ الأعمار»([14]).
4ـ الأخلاق الحسنة هي علامة البلوغ وكمال العقل، قَال الصَّادق×: «أكْمَل النَّاس عَقلاً اَحْسَنَهم خُلقاً».
5ـ الأخلاق الحسنة هي أساس العزّة والرّفعة، قَال عَلي×: «رُبّ عَزِيز أذلّه خُلُقهُ، وَرُبَّ ذَليِل أعَزَّه خُلُقَهُ»([15]).
6ـ الأخلاق الحسنة تُعمّر حياة الإنسان الماديّة، قال الصادق×: «حُسْنُ الخُلْق يَزيِد فِي الرِزق»([16]).
7ـ الأخلاق الحسنة تُثقل كفّة الأعمال الحسنة يوم القيامة، قال رسول الله’: «ما مِنْ شيء أَثْقَل فِي المِيزان مِنْ حُسْنَ الخلق»([17]).
الإدارة والنظام الأخلاقيّ ـــــــ
تتطلّب الإدارة التي هي فنّ تنظيم وتوجيه المؤسسات والأنظمة، تتطلّب الكثير من الدقّة لإدارة الإمكانات الماديّة للإنسان، لأنّ دَور النظام الأخلاقيّ وأخلاق الإدارة إنّما يكون في تقوية النشاطات والتشجيع على الفعاليات، وكذلك إيجاد الانسجام بين العناصر والتسريع في الأعمال والوصول إلى نتيجة، وكلّ ذلك هو أمر لا يُمكن إنكاره.
فالمدير الذي لا يتحلّى بأخلاق الإدارة لن يكون قادراً على تحمّل المسؤوليّة، فالنظام الأخلاقيّ بمثابة المُستشار العالِم والمُساعد المُطّلِع للمدير الذي يُمكنه حلّ جميع المشاكل. ومن خلال اعتمادها على الأساليب الممزوجة مع الأخلاق الحسنة، يُمكن للإدارة حلّ الكثير من المُعضلات ورَفع مُعدّل النشاط، وإضفاء جوّ من المحبّة على أفراد المجموعة. وليس غريباً أن يقول النبيّ’: «يا بَني عَبدالمُطلب، إنَّكُم لَم تَسْعُوا النَّاسَ بِأموالِكُم، فَالقُوهُمْ بِطَلاقَةِ الوَجهِ وحُسْنِ البُشر»([18]).
أمّا القرآن الكريم فيعتبر أنّ أحد العوامل التي أدّت إلى توفيق النبيّ’ في الإدارة هي الأخلاق الحسنة، فيقول صراحة: {فَبِما رَحْمةً مِنَ الله لِنْتَ لهم ولَو كُنْت فظاً غليظَ القلب لانفضوا مِنْ حَوْلِكَ}([19]).
وما أكثر المُدراء الذين لم يُوفّقوا في الوصول إلى أهدافهم، وواجهوا الاندحار والفشل على رغم امتلاكهم لبعض الخصائص، كالبتّ في المواضيع والاختصاص والقوّة والمعلومات الجيّدة اللازمة، لكنّهم لم يُفلحوا لعدم رعايتهم للمسائل الأخلاقيّة في مجال الإدارة([20]).
أداء المُدير في النظام الأخلاقيّ ـــــــ
من حيث النظرة القيميّة، فإنّ النظام الأخلاقيّ والإدارة عنصران فعّالان ما لَم يَكن بينهما وبين الأحكام الإلهيّة أيّ تعارض، ولا يُمكن للمدير في هذا النظام أبداً استخدام أساليب غير مُنسجمة مع القوانين والأحكام في تطبيق الإدارة، إذ لا بدّ للمدير في النظام الإسلاميّ من معرفة القوانين والأحكام الإلهيّة معرفة كاملة، وتنظيم جميع أوامره وقراراته وفقاً للقوانين والحدود الإسلاميّة. وفي غير هذه الحالة، لا تجب طاعة أوامره أو تنفيذها. كما يقول النبيّ’:«لا طاعة لمَخلوق في معصية الخالق»، لذلك فإنّ أوامر المدير هذه ستكون نافذة وقابلة للتطبيق متى كانت منسجمة ومتطابقة مع الأوامر الإلهيّة وطاعة الخالق. وإذا تصفّحنا التأريخ فإننا، نلاحظ أنّ الثورات والانتفاضات التي قامَ بها المسلمون ضدّ الحكّام والمُتسلّطين إنّما حدثت عندما خرج أُولئك عن مَنهج العدالة والحقّ، وقاموا بارتكاب المظالم وممارسة التعسّف. وعند مُطالعة سيَر الأنبياء^ كذلك تتّضح حقيقة مَفادها أنّ أحد الأسباب التي أُرسلَ لأجلها أُولئك الأنبياء هي إلغاء إدارة الطغاة وحُكمهم (الأنظمة غير الأخلاقيّة) وتوطيد أُسس الإدارة والولاية الإلهيّة في الأنظمة الأخلاقيّة. وقد وصفَ الإمام علي× في إحدى خُطبه أحد أسباب بعثة الأنبياء قائلاً: «إنّ الله بعثَ محمّداً’ ليُنقذهم من طاعة بني جنسهم إلى طاعة الله سبحانه وعبادته، ومن طاعة أوامرهم إلى طاعة أوامره، ومن ولايتهم إلى ولايته»([21]).
وهذه المسألة هي مسألة مهمّة جداً في الإسلام، فلو أمرَ الإمام أو قائد الشعب إلى ما يُخالف حكم الله وأوامره، فإنّ طاعته ليست بواجبة، بل ستُوجب طاعته معصية الله، ولا بدّ لأيّ مَندوب أو مسؤول مُعيّنٍ من قِبل الوليّ أو القائد أن تكون أوامره منسجمة مع النظام الأخلاقيّ الدينيّ ولا تتعارض مع الأوامر الإلهيّة.
عندما أرسلَ الإمام علي^ مالكاً الأشتر والياً على مصر، خاطبَ أهل مصر بقوله:«وأمّا أنتم يا أهل مصر فاسمعوا لمَن ولاّه عليّ عليكم، وأطيعوه ما كان ذلك مُوافقاً للحقّ».
ولهذا، ومن وُجهة نَظر الإسلام فإنّ اتّباع القائد أو الرئيس أو المدير أو المسؤول أو غيره لا تَعني التبعية المُطلقة، بل المُقيّدة بانسجامها مع «الحقّ»، ومتى خرجت عن حدّها عندئذ سيُلغى لزوم الطاعة كذلك([22]). وقال النبيّ الأكرم’ في حديث شريف: «إنّ اتّباع وطاعة الأمر في الأعمال الخيّرة، فمن أمر بالمعصية فلا تتّبعوه». فالمُدراء الذين يخرجون عن حدود الله ويأمرون وينهون بما يُخالف أوامره، يُعرّضون بذلك أركان إدارتهم للهَدم وأنفسهم للانحدار والهلاك؛ لأنّ قوانين الله تنطبق مع الفطرة الإنسانيّة، وما مصير ما يُخالف تلك الفطرة إلاّ الفشل والاندحار. فإذا أطاعَ العاملون الأوامر غير الإلهيّة بسبب الخوف أو الجهل يَجب عليهم أن يعرفوا أنّ عملهم هذا سيُغضب الله الخالق ويرضي المخلوق الفاني، وأنّ لهم عاقبة السوء.
فالعامل الذي يُحاول خدمة رئيسه وجَلب اهتمامه بالكَذب والحيلة والخداع، ويُري الحقّ باطلاً، لا بدّ لـه من أن يعلم بأنّه يُضحّي بنَفسه من أجل الوصول إلى مصالحه الشخصيّة وسموّ منزلته، ويَهوي بها إلى قاع الحضيض، ويكون شريكاً في الجريمة.
لذلك لا يحقّ للمدير في النظام الأخلاقيّ الدينيّ إصدار حكم أو أمر يُخالف القوانين والأحكام الدينيّة والأخلاقيّة، ولا يحق للمرؤوسين طاعة أو تنفيذ مثل تلك الأوامر، وكلّهم مسؤولون أمام الخالق القادر. يقول النبيّ’: «كُلّكُم راع وكُلّكُم مَسوُولٌ عن رَعيِتَه»([23]).
النموذج الخماسيّ المحور للنظام الأخلاقيّ ـــــــ
تتّجه نشاطات النظام في الوقت الحاضر وبشكل متسارع من محور الآلة والإنتاج المتزايد إلى البرامج والمصادر البشريّة والبحوث الأخلاقيّة التنظيميّة وإيجاد نظام أخلاقيّ وبحوث إنسانيّة معرفيّة، وتُطرَح نماذج مُختلفة حول ذلك. ويُمثّل النموذج أدناه أحد تلك النماذج المطروحة في موضوع النظام الأخلاقيّ.
تُعرَّف العناصر المذكورة في النموذج أعلاه بالشكل التالي:
1ـ السلوك الاضطراريّ: لا يوجد للكثير من التصرّفات في أيّ نظام أخلاقيّ مبادئ مهنيّة خاصّة بها، وتتكوّن القيَم الأخلاقيّة للنظام وفقاً للحالات الاضطراريّة، ومن خلال نظرة قيميّة للإنسان وجوهره.
2ـ الغائيّة: تكون الأهداف والغايات في هذا الأُسلوب معيار العمل للنظام الأخلاقيّ، فإذا لم تكن نتائج العمل مساعدة على الصّدق والحقيقة، ولكن قد تنتج عنها فوائد جمّة خلال فترة قصيرة، حينئذٍ لا بدّ من التضحية بالفترة القصيرة من أجل الفترة الطويلة.
3ـ العموميّة: في هذا الأُسلوب تكون المنافع العامّة للنظام الأخلاقيّ هي الأصل، لذلك فإنّ التوقّعات الفرديّة والرّضا الجزئيّ يَقعان في المرحلة القادمة، بشرط أن تكون صحيحة وحقيقيّة (ولا يَجب بالطّبع الخلط بينها وبين حقوق الفرد).
4ـ البَحث عن الحقيقة: صحيح أنّ الإنسان يَسعى في النظام للوصول إلى الشهرة والأجور المرتفعة والمكانة الأسمى والمنزلة الأعلى، لكنّ رعاية الحقّ والإنصاف تُمثّل أحد المحاور الأساسيّة للنظام الأخلاقيّ، لكي لا يَضيع الحقّ من صاحبه.
5ـ المرونة: وهي نَفسها قاعدة الانسجام والتكيّف مع الظروف الأفضل وقدرة الاستمرار والسيّر نحو الأهداف السامية.
النموذج الخاصّ بالجوانب الثلاثيّة للأخلاق ــــــــ
تُبيّن البحوث في الوقت الحاضر أهميّة الأخلاق والمسؤوليّة الاجتماعيّة في إدارة الكوادر البشريّة من خلال شكل يُوضّح الجوانب الثلاثة للأخلاق، وهي جوانب مؤثّرة في النظام الأخلاقيّ الفعّال([24]).
1ـ قاعدة العدالة المحوريّة: يشمل هذا المبدأ بَحث ودراسة مقدار مشاركة الأفراد في (عمليّة) الفعاليّات داخل النظام ودَورهم في اتّخاذ القرار. أمّا الوصول المتكافئ أو العادل إلى المصادر، فهو موضوع آخر مهمّ في هذا القسم من النظام الأخلاقيّ. وقد لا يؤدّي تحديد المَنهج ووضع السياسة إلى ضمان العدالة ورعاية حقوق الأفراد. ويُمكن أحياناً تعيين السياسات والمناهج بشكل جيّد مع عدم تطبيقها بشكل صحيح من ناحية تخصيص المصادر، بحيث تؤثّر سلباً على المرحلتيْن السابقتيْن.
2ـ قاعدة تبنّي أو قبول النّقد: يُمكن أن يتسبّب تعدّد الأنظمة المختلفة في مُجتمع في إيجاد طبقات اجتماعيّة خاصّة، وانحصار القدرة بين أفراد مُعيّنين أو سلسلة من الأفراد، وحتى نوع الثقافة أو السلوك الاجتماعيّ في المجتمع، ويُمكن بَحث كلّ ذلك من الناحية الأخلاقيّة. إذا أصبحت الأنظمة في قسم المصادر البشريّة السبب في إيجاد طبقات اجتماعية خاصّة وحدوث اختلافات بين أفراد المجتمع الواحد، فإنّ ذلك يَعني العدول عن النظام الأخلاقيّ واتّباع عمل غير أخلاقيّ، لذلك فإنّ هذا سيؤدّي إلى زوال المسؤوليّة الاجتماعية. ويُدار النظام والمصادر البشريّة للنظام في أيّ مُجتمع من قِبل بعض الأفراد أو الجماعات، والموضوع الأخلاقيّ المهمّ الآخر المطروح هنا، هو أنّه لا بدّ من أن تكون إدارة النظام بيَد الأفراد الصالحين والمُختصّين والخبراء، الذين يتقبّلون النّقد ويبحثون عن النماذج؛ لأنّ المدراء الذين يهتمون فقط بالمصالح الفرديّة والذين لهم علاقات غير منطقيّة أو الذين جرّبوا الفقر في مرحلة ما من حياتهم، غالباً ما يروّجون ويُشيعون الأساليب الإداريّة النّفعيّة، مّما يؤدّي إلى إيجاد ما يُعرَف بثقافة الصّمت وسلطة التبعيّة، دون أيّ منطق إنسانيّ مُبدع أو فعّال أو مُتجدّد، وهذه المسألة تَعني الابتعاد عن النظام الأخلاقيّ.
3ـ قاعدة المُراقبة والتأمّل: تتعامل هذه القاعدة مع أُمور مثل علاقات الفرد مع نفسه أو الآخرين أو النظام أو المجتمع، وكذلك مع شؤونٍ، مثل المنزلة والمكانة أو القيَم الإنسانيّة. فالمُدراء في النظام هم أفراد يتعاملون مع الآخرين ويرغبون في الوصول إلى أهداف النظام وقيادة الأفراد إلى الكمال المطلوب وتوفير الاحتياجات الإنسانيّة السامية. ومن أجل تحقيق مثل هذه الأهداف فإنّ هناك ضرورة وحاجة إلى تعليم العلاقات الفعالة والسامية. ويجب الظهور في مجال المراقبة الذكيّة حتى تُصبح نموذجاً مناسباً للأفراد. وللوصول إلى هذا المفهوم لا بدّ من إصلاح الثقافة التنظيميّة والتخلّق بصفات القائد المتميّز وتطبيق العدالة والابتعاد عن التمييز، والإنصاف والصراحة في الوقت والمكان المناسبيْن، والتسامح وإيجاد العلاقات الإنسانيّة على أساس الثقة والصّدق المهنيّيْن.
استنتاج ـــــــ
إنّ الافتقار إلى نظام أخلاقيّ منظّم وعدم تعليم وتوجيه الكوادر البشريّة يُمثّل نواة المشاكل وأساس المُعضلات في مجال اتّخاذ القرار، أمّا العلاقات والبرمجة والتنسيق وتنظيم الميزانيّة والسيطرة التنظيميّة فهي إحدى العوامل الرئيسة لهذه المسألة، وهي افتقار الكوادر البشريّة إلى نظام أخلاقيّ مكتوب. وبعبارة أوضح، إنّ الأفراد يختلفون حول الخيار الأفضل، وتَنبع المشاكل الأخلاقيّة وفقدان النظام الأخلاقيّ التي تواجهها المصادر البشريّة، تنبع من الاختلاف في وجهات نظر الأفراد. ويحاول كلّ فرد من أفراد النظام بيان مجموعة توقّعاته حول الأدوار المختلفة، منها الوظيفيّة والإداريّة والنقابيّة والرئاسيّة في التعاملات السلوكيّة والاقتصاديّة والعلاقات، وما يَجب أن تكون عليه العلاقات والمُعاملات وكيفيّة تطبيقها.
وهنا تبرز الاختلافات الأخلاقيّة في هذه الظروف والحالات؛ هذا من ناحية، أما من الناحية الأُخرى فإنّ نظرة الإنسان تَعني كيفيّة رؤيتنا للعالم من حولنا، وهي مهمّة للغاية من أجل معرفة الاختلافات الأخلاقيّة. فكلّ منّا نحن البشر، يتصرّف في إطار قيمه المتأصلّة في الثقافة والدّين والإيديولوجيا والسياسة والنظام الفكريّ والأصول التربويّة الخاصّة به، وكذلك النظام الفكريّ والأُصول التربويّة الخاصّة. لذلك فإنّ قيَم أيّ فرد تختلف عن قيَم الأفراد الآخرين الذين تربطه بهم علاقات ما. وفي الأنظمة التي تمتلك منشوراً أخلاقيّاً مُحدّداً يلتزم به الأفراد، فإنّ الصّدق المهنيّ وتحمّل المسؤولية والاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة تُمثّل المكوّنات الأساسيّة والأصلية لذلك المنشور، بحيث يَعتاد الأفراد ـ وبمرور الوقت ـ على التمسّك بها على الرّغم من وجود الاختلافات الروحيّة والنفسيّة. وهذا هو نفسه الأُسلوب الذي تؤكّده الأديان، وخاصّة الدين الإسلاميّ بشكل كبير، وهو الشيء الذي أحسّ كلّ من القرن العشرين المنصرم وبداية الألفيّة الثالثة بحاجتهما إليه، وتؤكّد البحوث الحصريّة كلّها هذه الحقيقة أيضاً.
الهوامش
(*) أستاذ مساعد في جامعة طهران، متخصّص في علم الإدارة.
([1]) فرانكنا، وليام كي، فلسفة الأخلاق: 21، ترجمة: هادي صادقي، طهران، منشورات (طه) 1383.
([2]) ميركمالي، محمد، الأخلاق والمسؤولية الإجتماعية في الإدارة التربوية: 202، مجلة فصلية، طهران كلية علم النفس والعلوم التربوية في جامعة طهران، 1382.
([6]) فرانكنا، وليام كي، فلسفة الأخلاق: 26.
([8]) قرجيان، نادر قلي، معايير السلوك التنظيمي: 2، طهران، مكتب التحسين والنوعية والإرشاد الخاص بالمعايير، 1383.
([11]) Armstrang, 2003, p.237.
([13]) المجلسي, محمد باقر، بحار الأنوار: 148، طهران، منشورات مؤسسة وفا، 1403هـ.
([14]) الحرّ العاملي, محمد بن حسن، وسائل الشيعة 8: 504.
([15]) الحر العاملي، محمد بن حسن، وسائل الشيعة 8: 504؛ القمي، عباس، سفينة البحار: 402، طهران مؤسسة منشورات فراهاني، 1420هـ.
([16]) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار 71: 396.
([17]) الحر العاملي: محمد بن الحسن، وسائل الشيعة 8: 506.
([20]) التقوى الدمغاني، السيد رضا، نظرة إلى الإدارة الإسلامية: 186.
([21]) ناصري، أحمد، الإدارة في عصر الظهور: 14، قم، مؤسسة (أنديشة تبليغ).