تطبيقات القواعد العامة عند العلامة فضل الله
الشيخ ظاهر جبار عبيد(*)
(a)
(b) مقدّمة
امتازت المدرسة الفقهية الإمامية في تاريخها الفقهي عن باقي المدارس الفقهية بالاجتهاد والإبداع والتجدُّد، وهذا ما يجعلها متفوقة على باقي المذاهب الفقهية التي توقفت عند المذاهب الأربعة ومشايخها. ولكن هذه المدرسة الاجتهادية قد تصاب في فترات زمانية محدَّدة بالركود والجمود الفقهي والاجتهادي؛ نتيجة بعض العوامل التي تلقي بظلالها على طبيعة حركة الاجتهاد، وتعاطي فقهاء تلك الفترة الزمنية مع معطيات المرحلة العلمية التي يعيشونها.
ويمكن ملاحظة ذلك في استسلام المشايخ والفقهاء ما بعد شيخ الطائفة الطوسي&(460هـ) لفتاوى واستدلالات الشيخ وآرائه العلمية والفقهية، ولم يخرج من هذا الطور إلا العدد القليل منهم، حتى برز على مسرح الاجتهاد الفقهي الإمامي ذلك الطود العلمي الشامخ والفقيه الفذّ والناقد الحرّ، الذي رفض الانصياع للمنهج التقليدي، ثائراً على هذا التصحّر الفقهي، متمرداً على فقهاء زمانه، الذي خضعوا رافعين الرايات البيضاء تجاه الآراء الفقهية للشيخ الطوسي، وذلك هو العلامة الفقيه محمد بن إدريس الحلي&(598هـ)، فقد كانت ذهنيته تتوقد الجرأة والشجاعة الفقهية في تمحيص وتناول الفتاوى؛ لأنه كان يشعر بتوقف الاجتهاد الفقهي وجموده في ذلك الزمان. ولهذا أحدثت آراؤه العلمية نقلة وثورة فقهية عارمة. وقد عرضه هذا الجهد العلمي الرائد لوابل من الطعون اللاذعة من قبل جهّال زمانه، أصحاب العقول المتحجرة، لكن ذلك لم يفتّ في عزيمة الرجل، فأودع آراءه الاجتهادية في كتابه القيِّم (السرائر) ليمثل في تلك الفترة رائداً في تجديد الحياة الفقهية في مدرسة أهل البيت^. ويقول& في تلك الفترة في مقدمة كتابه (السرائر): «إنّي لما رأيت زهد أهل هذا العصر في علم الشريعة المحمدية والأحكام الإسلامية، وتثاقلهم عن طلبها، وعداوتهم لما يجهلون، وتضييعهم لما يعلمون، ورأيت ذا السن من أهل دهرنا؛ لغلبة الغباوة عليه، وملك الجهل لقياده، مضيعاً لما استودعته الأيام، مقصِّراً في البحث عمّا يجب عليه علمه، حتى كأنّه ابن يومه ونتيجة ساعته… ورأيت العلم عنانه في يد الامتهان، وميدانه قد عطل من الرهان، تداركت منه الذمار الباقي، وتلافيت نفساً بلغت التراقي»([1]).
فابن إدريس أول من نفض غبار هذا الجمود عن كاهل الاجتهاد الفقهي، فأثار ضجة علمية تركت أثرها في أسلوب وطبيعة الاجتهاد، وفتح باب الجرأة العلمية نحو عرض الفقه بأسلوب علمي دقيق، دون النظر إلى الذين سبقوا من الفقهاء، وطريقتهم في الاستدلال، مع احترامه للذين سبقوه منهم.
ولعل من أسباب هذا الجمود أن الشيخ الطوسي& كان يتمتع بتقدير علمي كبير في نفوس تلامذته ومريده، وقد قدّم خدمات علمية كبيرة في الفكرة الفقهي الإمامي، وربّى الكثير من العلماء والمجتهدين، فحظيت آراؤه العلمية بالقداسة والنزاهة عن النقد والطعون، الأمر الذي أثَّر في تحريك أدوات الاجتهاد لدى الفقهاء بعد وفاته.
إننا عندما نريد أن نلقي نظرة عامة على تاريخ الفقه الاجتهادي فإنه قد تطور وتشعب في ظل عوامل عديدة، وازدهر من خلالها؛ لأن الفقه يراعى فيه الزمان والمكان في أسلوبه ومعطياته الاجتهادية. وقد لمع في عصرنا الحاضر العديد من الفقهاء، الذين أرسوا دعائم الفقه الاجتهادي المنفتح على الواقع، وعالجوا العديد من الآراء العلمية والفقهية التي تحتاج إلى الجرأة العلمية. ومن ضمن هؤلاء: السيد حسين البروجردي(1380هـ)، والإمام الخميني(1409هـ)، والسيد محسن الحكيم(1390هـ)، والسيد الخوئي(1413هـ)، والسيد محمد رضا الكلبايكاني (1414هـ)، والشهيد محمد باقر الصدر(1400هـ)، والسيد محمد حسين فضل الله(1431هـ).
ولكلّ واحد من هؤلاء العظماء العديد من الآراء الفقهية الجزئية، وهي بحاجة إلى دراسات مستفيضة ليس هنا محلها، فقد نفضوا الغبار عن الكثير من المسائل الفقهية المتدفقة بالأفكار الحيوية المتمركزة على كتاب الله وفقه أهل البيت^.
ولهذا أثيرت قضايا فقهية، منها: طهارة الإنسان، الموسيقى، الغناء، الشطرنج، البنوك الربوية، ولاية الفقيه، الحمل والإجهاض، التشريح وزراعة الأعضاء، تزويج الرشيدة لنفسها وإذن الولي، الجهاد والدفاع، فقه المرأة، وغيرها من المسائل المعقَّدة في حياتنا العاصرة، والتي حركت هذه الأمواج الاجتهادية من جديد؛ لمواكبة التطور الحاصل في الحياة الإنسانية.
والذي يهمنا من هذا البحث هو متابعة وملاحقة الآراء الفقهية لفقيه العصر العلامة السيد محمد حسين فضل الله&، والوقوف على أسلوبه الاجتهادي الذي يستمدّه من القرآن الكريم، والذي تميَّز به عن الكثير من الفقهاء، ليؤصل من خلال هذا الأسلوب والمعطيات رؤية جديدة في أسلوب الاجتهاد ومعطياته. وقد تصدّى السيد العلامة للكثير من الإشكاليات الفقهية، وعلى جميع المستويات، ما عرَّضه إلى المخاطرة على المستوى الشخصي، وأثارت جرأته العلمية غضب المتمسكين بالمنهج التقليدي، المتجمد على النصوص وتقديسها، دون قراءتها بنظرة مستقلة عن المؤثِّرات التقليدية. ولهذا أربكهم، ووضعهم في زاوية ضيقة، في إثاراته الفقهية الرائعة. ولم تكن حركة غضب المتمسكين بالنهج التقليدي شيئاً جديداً في تاريخ التجديد في الفقه الشيعي، فقد سبق العلامة فضل الله الكثير من العلماء المتنورين والمجددين الذين أثاروا حفيظة وغضب المشايخ ذوي العقول المتخشِّبة، في فترات متمادية من مفاصل حركة الفقه الشيعي الاجتهادي. ومن هؤلاء: ابن الجنيد(365هـ) وابن عقيل العماني(329هـ)، اللذان أفتيا بطهارة الكتابي، فاتُّهما بالمروق من الدين والانحراف، مما اضطرهما إلى التخفي عن أنظار الناس. بينما نرى أن أكثر الفقهاء في عصرنا الحاضر يفتون بطهارة أهل الكتاب. وقد اتُّهم ابن الجنيد بأنه يأخذ بالقياس في استدلالاته، فحُرمت المدرسة الإمامية من آثاره الفقهية نتيجة هذه التهمة.
وقد صنف كتابه القيم (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة)، وهو كتاب فقهي قيم يبلغ نحواً من عشرين مجلداً. والتهذيب هذا يُعدُّ من أروع الكتب الفقهية الاستدلالية، حتى أطرى عليه العلامة الحلي(726هـ) في كتابه (خلاصة الرجال).
ونحن هنا نحاول تتبُّع آثار العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، فإن القضايا التي أثارها فقهيّاً كثيرة، ولكننا نريد متابعة آرائه الفقهية حول قضايا المرأة، التي أعطى القرآن عنها تصورات فقهية مشرقة، ولكن الجمود والاضطهاد الفقهي وضعها في غير طبيعتها الإنسانية؛ نتيجة لوجود المخلَّفات الاجتماعية والرواسب الجاهلية، التي أثَّرت في العديد من المسائل الفقهية التي تخصّ مشاكل المرأة وقضاياها. أمّا المسائل التي تتبَّعناها من خلال هذا البحث فهي أربعة قضايا حسّاسة، وهي:
1ـ عدم كراهية التزويج في الأكراد والزنج.
2ـ حق الزوجة في الاستمتاع الجنسي.
3ـ مسألة استحبابية حبس المرأة في بيتها.
4ـ امتناع الزوج من الطلاق.
(c) 1ـ عدم كراهية التزويج من الأكراد والزنج
ذكر الفقهاء في الرسائل العملية جملة من الصفات التي لابد من توفرها في المرأة كقضايا مستحبة، ثم ذكروا كذلك النساء التي يكره التزويج بهنّ، ومن ضمنها كراهية مناكحة الزنج والأكراد والخوز والسند والهند والقند. والمستند الفقهي لهذا الرأي هو مجموعة من الروايات، منها:
ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله× قال: قال أمير المؤمنين×: «إياكم ونكاح الزنج؛ فإنه خلق مشوَّه»([2]).
وروي كذلك عن أحمد بن يوسف، عن علي بن داوود الحداد، عن أبي عبدالله× قال: «لا تناكحوا الزنج والخزر؛ فإن لهم أرحاماً تدلّ على غير الوفاء، قال: والسند والهند والقند ليس فيهم نجيب»([3]).
وكذلك روى أبو الربيع الشامي عن أبي عبد الله×، وفيه: «ولا تنكحوا من الأكراد أحداً؛ فإنهم جنسٌ من الجن كشف عنهم الغطاء»([4]).
هذه هي الأدلة التي ذكرها الفقهاء لإثبات كراهية مناكحة الزنج والأكراد والخزر و… وهذه الأحاديث وإن كان البعض منها ضعيفاً من حيث السند، أو مرسلاً، مع إهمال بعض رواتها، كما ذكر في محله في البحوث الرجالية، فإن العلامة فضل الله ينطلق من القرآن في تحديد ضابطة العناصر المهمة في تقييم الأفراد. ولعل القرآن الكريم يضع العنوان العام لهذه العناصر في قوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾(النور: 32).
فهذه الآية تولد القاعدة، ولا يمكن للنصوص الحديثية أن تُقيد إطلاق هذا النص القرآني، وإن كانت هذه الروايات تامة من ناحية الدلالة، وبالطريقة الهندسية التي يصورها الفقهاء. لذا يقول العلامة فضل في هذا الخصوص: «ومن هنا يمكن لنا أن نتحفظ تجاه كثير من النصوص التي تتحدث عن كراهية الزواج من الزنوج أو الأكراد أو ممَّن يمتهن مهنة الحياكة أو ممن يحتمل أن يكون تاريخ أجدادهم سيّئاً وما إلى ذلك؛ لأننا نجد النص القرآني يركز على عنصر التقوى والصلاح في اختيار الزوج والزوجة، بعيداً عن أية اعتبارات تتعلق بالجنس أو اللون أو العرق أو المهنة..، والذي يعتبر القاعدة في هذا المجال»([5]).
لذا فإن العلامة فضل الله يرى أن الآية الكريمة: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ﴾ هي القاعدة العامة التي لا تقبل التقييد؛ فإن المقيد في الرواية: لا تنكحوا الأكراد و..، وذلك بمعنى أنكحوا الأيامى من كل أحد من الناس ما عدا الأكراد و..، وهو ـ أي هذا التقييد ـ على أساس النظرة العرفية غير تام؛ لأن العرف لا يرى أن هذا التقييد منسجم تمام الانسجام مع روح النص القرآني.
ثم يرى & أنه لا يوجد دليل على كراهية التزويج من الأكراد والزنج والخوز والسند والهند والقند. ثم اعتبر أن بعض الروايات التي استند إليها الفقهاء في ترتيب هذا الحكم الكراهتي ضعيفة سنداً، ولهذا لابدّ من ردّ علمها إلى أهلها([6]).
ثم يضيف نقطة مهمة، وهي أن هذا الحكم الفقهي فيه نوع من التنافي مع أصل التكريم، الذي أسَّسه القرآن في تنظيم العلاقات الاجتماعية. يقول: «إن هذا الحكم يتنافى مع أصل تكريم الإنسان الذي أسسه القرآن… إن القرآن يركز على عنصر الصلاح والتقوى في الزوج والزوجة، ويعتبره الأساس في هذا المجال، بعيداً عن مسألة العرق أو اللون أو اللغة»([7]).
ولم يكتفِ العلامة فضل الله بالنص القرآني في تحديد الملمح العام لهذه المسألة الفقهية، مع أنه يستند في استنباطاته إلى النظرة القرآنية، فإنه& يستفيد من بعض الروايات التي تسند القاعدة القرآنية العامة. وهذا ما ورد في قصة جويبر، التي وردت عن طريق أهل البيت^، فقد كان هذا الرجل قصيراً دميماً، من قباح السودان، وقد زوَّجه الرسول من الذلفاء، وهي المرأة الحسنة التي تنتمي إلى إحدى القبائل ذات الموقع الاجتماعي، فقال له النبي|: «يا جويبر، إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشايرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلهم، أبيضهم وأسودهم، وقرشيهم وعربيهم وعجميهم، من آدم، وإن آدم خلقه الله من طين، وإن أحب الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليك اليوم فضلاً، إلاّ لمن كان اتقى لله منك وأورع…»([8]).
ويعتبر السيد فضل الله، من خلال هذا الحديث الصحيح، أن المراد بالعجم الإنسان غير العربي، وهو الشامل للأكراد والزنج وغيرهم([9]).
كما استظهر السيد فضل الله من حديث آخر، وهو الذي يحث الناس على تزويج بناتهم ممّن جاءهم وفيه صفات الخلق والدين والصلاح، بعيداً عن القومية واللون والعرق، وهو قوله|: «إذا جاءكم مَنْ ترضون خلقه ودينه فزوِّجوه، إنْ لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير»([10]).
والعجيب أن الفقهاء غضّوا النظر عن هذه الروايات، وتشبَّثوا ببعض الروايات الضعيفة في كراهية التزويج من بعض الناس الذين ينتمون إلى بعض القوميات، مع فرض أن هذه القومية ليست من اختيارات الإنسان، بل إن الله تعالى خلقهم في هذه الأجواء. لذا فإن العلامة السيد محمد حسين فضل الله يستعمل المنهج المركب في الاستدلال، من خلال المرجعية القرآنية والمرجعية الروائية الصحيحة، فبالإضافة إلى القرآن يستنبط في رؤيته الفقهية من الحديث الصحيح، ويعرض عن الأحاديث الضعيفة التي استند إليها الفقهاء في استنباطاتهم الاجتهادية. وهي ما تكون عادة مأخوذة من الشهرة.
ثم ينطلق العلامة فضل الله في تعزيز هذه الرؤية الفقهية؛ للانطلاق على أساس قاعدة احترام الإنسان، فيقول: «إن القاعدة احترام الإنسان في خصوصياته الوجودية، ولاسيما في الأشياء التي لا تكون اختيارية له، كالقومية واللون والعرق؛ فلا مجال لعزل الإنسان عن الواقع الإنساني العام في الزواج والتجارة وغيرهما لخصوصية القومية أو اللونية أو العرقية…؛ لأن ذلك هو خلق الله، ولا خيار للإنسان فيه، فكيف يكون أساساً للتفاضل، وإنما يؤخذ الإنسان بعمله، كما يُثاب بعمله، كما هو النص القرآني، الذي جعل خصوصيات الشعوب والقبائل في ما تختلف فيه أساساً للتعارف، لا للتفاضل، فـ ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(الحجرات: 13)»([11]).
ثم يردّ العلامة & على بعض المفاهيم السلبية التي اعتاد الناس على تقييم الأفراد والشعوب من خلالها، فيقول: «ولا معنى للقول: إن الزنج خلق مشوَّه؛ فإن التشويه في طبيعة الصورة من فعل الله، كما أن لكلّ لون جماله، فإن البياض ليس قيمة جمالية وحيدة. وهكذا لا معنى للقول ـ حسب المفاهيم الإسلامية ـ بالنسبة إلى السند أو الخزر: إن لهم أرحاماً تدل على عدم الوفاء؛ لأن مسألة الوفاء وعدمه ليس شيئاً يدخل في تكوين الإنسان، بل هو شيءٌ مكتسب في حياة الأفراد، حسب أوضاعه التربوية، لا في حياة الأمة كلها»([12]).
ثم يسجل العلامة المجدّد ملاحظة أساسية أخرى في هذه الرؤية الفقهية، وهي أن بعض هذه الأحاديث الواردة في كراهية تزويج بعض الفئات الإنسانية التي تتميز بلون معين أو عرق معين أو قومية معينة «مخالفة للمفهوم القرآني، فلابدّ من طرحها؛ فإن ما خالف كتاب الله فهو زخرف»([13]). فإن هذه الروايات لا يمكن لها أن تقيِّد العام القرآني أولاً، وهذه الخصوصية الروائية مخالفة لكتاب الله ثانياً، ولهذا لابد من الإعراض عنها وطرحها؛ لأنها غير تامة من حيث الدلالة والفهم العرفي في الاستظهار الفقهي الاجتهادي. ولهذا أفتى العلامة فضل الله في بعض استفتاءاته بعدم كراهية التزويج من الفئات الإنسانية التي تتميز باللون أو العرق أو القومية المعينة مع التزامها بالإسلام الحق([14]).
والملاحظة الفقهية التي يمكن أن نسجلها للعلامة فضل الله& أنه عندما يتناول بحثاً فقهياً، ويصل إلى نتيجة علمية جديدة، فإنه يفتي على ضوء ما توصل إليه، وإن كان مخالفاً للمشهور لدى الفقهاء، بينما نجد أن الآراء الفقهية لكثير من الفقهاء لا تعكس ما يتوصلون إليه في أبحاثهم الفقهية، وإنما يبقون متمسكين بالقول المشهور، ولا يمتلكون الجرأة العلمية في تجاوز وتخطي هذه الشهرة.
(d)
(e) 2ـ حق الزوجة في الاستمتاع الجنسي
ويأتي هذا العنوان الفقهي في حق وعدم حقّ الزوجة في طلب الاستمتاع الجنسي من زوجها، وهل يكون هذا الحق محصوراً في طلب الزوج أم لا؟ فهذا من العناوين الفقهية الذي يثير ـ ولا يزال ـ سجالاً فقهياً؛ لأن الفقهاء قد حصروا حق المرأة في طلب الاستمتاع الجنسي في كل أربعة أشهر مرّة واحدة، ممّا دفع الكثير من الأزواج الذين يعيشون مشاكل خاصة مع زوجاتهم إلى التشبث بهذا الرأي الفقهي؛ ليضطهدوا زوجاتهم من خلال هذا السيف الشرعي. وقد استند جمهور الفقهاء القائلون بهذا الرأي إلى رواية ضعيفة السند، وهي: إن صفوان بن يحيى سأل الإمام الرضا× عن رجل يكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها، ليس يريد الإضرار بها، أيصيبه في ذلك إثم؟ فقال×: إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك، إلاّ أن يكون بإذنها([15]).
وكذلك روت العامة أن عمر بن الخطاب سأل نساء أهل المدينة، لما أخرج أزواجهن إلى الجهاد، وسمع امرأة تنشد أبياتاً من ضمنها:
فوالله لولا الله لا شيء غيره لزلزل من هذا السرير جوانبه
عن أكثر ما تصبر عنه المرأة من الجماع، فقيل له: أربعة أشهر، فجعل المدة المضروبة للغيبة أربعة أشهر، والمعتبر في الوطء الواجب ما أوجب الغسل، وإن لم ينزل في المحل المعهود([16]).
وذهب البعض من الفقهاء إلى ما هو أقسى من ذلك، حيث يرى أنه يكفي في حالة الجماع في الأربعة أشهر تحقُّق مسمّى الجماع. وإذا قلنا بهذا القول ـ وهو مسمى الملامسة، ملامسة الزوج لزوجته الذي يوجب الغسل ـ يقول العلامة فضل الله&: هل تكون هناك فائدة للزواج بالنسبة للمرأة؟!([17]).
وهناك مَنْ يفهم من الأخبار أن الزوج إذا دخل بزوجته ولو لمرة واحدة، ثم سافر عنها، وغاب مدة طويلة، فليس للزوجة حقّ المطالبة بحقها الجنسي طيلة حياتها، ما دام الزوج يُنفق عليها، حتى ولو كانت في عنفوان شبابها!!
وبهذه الأحكام القاسية نضع المرأة ـ الزوجة ـ في دائرة ضيقة، وفي حرجٍ شديد، وهي في بداية عنفوانها الجنسي، وعطشها في ذلك، بحيث تتحول حياتها إلى سجن تدور حولها المشاكل النفسية والروحية، مما يحوِّل الحياة عندها إلى جحيم لا تطاق، وقد تعرِّض نفسها إلى الانحراف الأخلاقي والجنسي في نهاية المطاف.
مع ملاحظة أن الرجل ـ الزوج ـ يتمتع من الناحية الشرعية، وله الحق أن يتزوج بامرأة ثانية وثالثة ورابعة بالزواج الدائم، أو الزواج المؤقَّت وفق المذهب الإمامي، مما يجعل المشكلة الجنسية عنده أمراً غير معقَّد، بل هي محلولة من الناحية الشرعية والاجتماعية.
لذا نجد أن العلامة السيد فضل الله لا يرضى بهذه الآراء الفقهية المتعسِّفة، والتي تجعل الفقهاء يفكِّرون ويستنبطون أحكامها بالطريقة الرياضية والهندسية التي تصل إلى حدّ السكين في التعامل مع المرأة ومشاكلها الزوجية. ولهذا فهو ينفرد عنهم في التعاطي مع هذه النصوص، وينطلق من خلال كتاب الله لحلّ هذه الإشكاليات الفقهية، وأن القرآن يمتاز فكره الإنساني في طبيعة خطواته على أساس التعامل بالتساوي في الحقوق والواجبات بالنسبة للقضايا الجنسية، وأنهما ـ الرجل والمرأة معاً ـ متساويان من هذه الناحية، إلا في ما يتعلق بالقضايا التي ورد فيها الدليل الخاص في تفوق الرجل على المرأة في بعض الأحكام، كما في أحكام الطلاق والقيمومة. ولذا يقول في هذه الرؤية الفقهية الرائدة: «نرى أن الحق الجنسي للمرأة يقترب من الحق الجنسي للرجل، فكما يجب على المرأة تمكين نفسها عند ميل الزوج كذلك يجب على الرجل أن يمكِّن نفسه أيضاً؛ وذلك انطلاقاً من النص القرآني الذي أسسه الله في هذا الباب، وهو الآية الكريمة: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾(البقرة: 228)، التي يستفاد منها التساوي في الحقوق، إلاّ ما خرج بدليل خاصّ، كالطلاق والقيمومة. وكما أن الزواج شرع من أجل تحصين الرجل فكذلك شرع لتحصين المرأة؛ وإلاّ كيف يحصل الغرض من الزواج، وهو التحصين، بالنسبة للمرأة؟»([18]).
لهذا نجد أن الشارع وضع أحكام العقوبة متساوية بالنسبة للرجل والمرأة معاً إذا وقع منهما الزنا، في حالة الجلد بالنسبة لغير المحصنين، وعقوبة الرجم بالنسبة للمحصنين، فكيف نتصور أن المرأة أو الفتاة المتزوجة حديثاً، والتي غاب عنها زوجها لسنين طويلة، ولا زال يُنفق عليها، محصنة؟! فإن غرض الزواج غير متحقق من الناحية الفعلية بالنسبة للمرأة في هذه الحالة، مما يجعلها عرضه للانحرافات الجنسية. لذا نحتاج إلى رؤية فقهية تتعامل مع هذه القضايا الإنسانية بروح الجدّية والموضوعية، والقفز على هذا التراث الفقهي والاجتماعي الجامد وتحريكه، وهذا ما نلمسه في المعطيات الفقهية والاجتهادية لدى العلامة السيد فضل الله& المستهدية كتاب الله تعالى في التساوي بين الرجل والمرأة في الحق الجنسي، وحق المرأة في المطالبة إذا امتنع وأرادت هي ذلك: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
ولم يكتف بهذه النتيجة التي توصل إليها من الناحية الفقهية الاجتهادية، بل ثبَّتها في رسالته العملية على مستوى الفتوى؛ لتوجيه مقلديه: «لا يقتصر حق الزوجة في الاستمتاع على جماعها مرة خلال كل أربعة أشهر، كما هو المشهور عند الفقهاء، بل يجب على الزوج أن يستجيب لها بالنحو الذي تحتاجه مَنْ هي مثلُها عادة، سواء من حيث الفترة التي تفصل بين مواقعة وأخرى، أو من حيث ما هو مألوف من الكيفية المناسبة من الملاعبة والإقبال عليها ونحو ذلك، حتى لو كانت قادرة على التعفّف والصبر عن الحرام عند حرمانها»([19]).
ولم يكتفِ& في مبناه الفقهي الاجتهادي بمرجعية القرآن فحسب، كما يحاول أن يصوِّره بعض الباحثين، بل يستند في مطالبه العلمية أو نظراته الاجتهادية إلى الروايات والأحاديث الصحيحة، كما أشرنا في بحث المسألة الأولى. وفي هذه المسألة ـ حق المرأة المطالبة في الاستمتاع الجنسي من الزوج ـ كذلك، فقد استدل& بالروايات الواردة عن أهل البيت^ على أن حاجة المرأة إلى الجنس قد تفوق حاجة الرجل إلى ذلك، فبالنسبة للمرأة الحرّة استدل برواية لأبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: «فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين من اللذة، ولكن الله ألقى عليها الحياء»([20]).
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عمّن حدثه، عن إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله×: «إن الله عز وجل جعل للمرأة صبر عشرة رجال، فإذا هاجت كانت لها قوة شهوة عشرة رجال»([21]).
وكذلك هناك روايات تثبت حق الجنس للإماء، وليس فيه ما يؤكد فترة الأربعة أشهر، كما هو المشهور لدى الفقهاء، وهذا ما روي في كتاب «الخصال»، كما جاء في الوسائل، في خبر طويل: «من اتخذ جارية فلم يأتِها في كل أربعين ثم أتت محرَّماً كان وزر ذلك عليه»([22]).
وروى في الكافي عن محمد بن جعفر، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله× قال: «من جمع من النساء ما لا ينكح فزنى منهنّ شيء فالإثم عليه»([23])([24]).
إضافة إلى هذا الكم المتناثر من الروايات، التي يستشفّ منها طبيعة المساواة في الحقوق الجنسية، وحق المرأة في ذلك، ترك لنا التاريخ في حياة الرسول|، وكذلك الخلفاء من بعده، أن هناك الكثير من النساء اللواتي كنّ يشكين من أزواجهن؛ لحرمانهن من الحق الجنسي، وقد عجَّت كتب الحديث والسيرة بهذه الشكاوى، هو ما يدلّ على أن هناك اهتماماً لدى المتشرِّعة بحقّ المرأة الجنسي، كما هو حق الرجل.
(f)
(g) مناقشة العلامة لرواية صفوان
أمّا الرواية التي وردت عن صفوان بن يحيى، الذي سأل الإمام الرضا× ـ والتي وردت في بداية بحث هذه المسألة ـ، والتي استدل بها الفقهاء في اجتهادهم الفقهي، وحصروا الحق الجنسي للمرأة بالمرة الواحدة في كل أربعة أشهر، فإنّ السيد فضل الله أورد عليها إيراداً علمياً مفاده «أنها واقعة خاصة في ظرف خاص، لا يستفاد منها الحكم في الظروف الطبيعية العادية، وبيان ذلك: إن ضم عبارة «ليس يريد الإضرار بها» إلى المدة التي ضربها الراوي، وهي السنة، لا يتناسب مع الظروف الطبيعية التي يعيش فيها الإنسان في بيته، بل يتناسب مع الظروف غير الطبيعية، كالسفر وما إلى ذلك من الأسباب، التي يستطيع الإنسان التخلص منها ولكنَّها تمثل له حاجة معينة، من عمل أو دراسة أو غيرها.
وبعبارة أخرى: مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ظهورها في ما ذكرنا، وليست ناظرة إلى الحالات الاعتيادية الطبيعية»([25]).
ومن خلال هذا البيان الفقهي الاجتهادي الدقيق فإن العلامة & ـ رغم ضعف سند الرواية كما مرّ ـ استدل بها على أنه لا يحق للرجل ـ الزوج ـ الإضرار بزوجته في الحالات العادية التي يعيش معها ظروفاً بيتية عادية، أما في حالة السفر وغيره فقد لا يحق للزوجة المطالبة بالحق الجنسي ـ عدا فترة الأربعة أشهر ـ؛ بحكم ظروفه الخاصة القاهرة. لذا نجد أن بعض الأزواج من الرجال يتشبَّثون بهذه المدة التي ضربها الفقهاء ـ أربعة أشهر ـ، فيمتنعون عن مقاربة زوجاتهم؛ إضراراً بهنّ؛ لمشاكل يعيشونها معهنَّ في حياتهم، مما يجعل هذه المدة التي حددتها الفتوى الفقهية المشهورة سيفاً صارماً على رقبة الزوجة، يسله الزوج متى شاء، ممّا يحول الحياة الزوجية بين الزوج والزوجة إلى بركان من الغضب والعداوة والبغضاء، تؤدي في النهاية إلى الانفصال والطلاق. وهذا ما لا يريده الشارع.
إن رواية صفوان ـ رغم ضعف سندها كبروياً ـ غير تامّة الدلالة صغروياً كقاعدة التزم بها الفقهاء بحصر الحق الجنسي بالنسبة للمرأة بمرة واحدة في كل أربعة أشهر؛ فإن الزوج إذا لم يكن مسافراً مضطراً لهذا السفر، كالعمل أو الدراسة أو غيرها، كما هو حال ذلك السائل الذي سأل الإمام الرضا×، وإنما تواجد عندها في بيتها، كما لو كان زوجاً يعيش الحياة الاعتيادية، فينبغي له أن يستجيب لرغبة زوجته الجنسية في الحالات الاعتيادية، وخصوصاً إذا عاشت المرأة ضغوطاً جنسية ونفسية غير عادية، ولم يكن هناك أي محذور شرعي أو نفسي يعيشه الرجل أو المرأة في تلك الحالة.
إن هذه الرؤية الفقهية الاستدلالية والاجتهادية الدقيقة التي طرحها العلامة فضل الله& تدعونا إلى التأمل والنظر في موروثنا الفقهي، وصبّ الفقه في قوالب اجتهادية معاصرة تنشد الدقة والموضوعية في الأحكام.
(h) 3ـ مسألة استحبابية حبس المرأة في بيتها
وهذه من القضايا الفقهية المثيرة للجدل الفقهي. فقد استدل جمهور الفقهاء على استحبابية وضع المرأة في بيتها. واستندوا في هذا الحكم إلى بعض الروايات الضعيفة والمرسلة، ومنها: الرواية المروية عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله×: إن رجلاً، في زمن الرسول، من الأنصار خرج في بعض حوائجه، فعهد إلى امرأته عهداً أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم، وإن أباها قد مرض حتى مات في ذلك المرض، ولم يأذن لها النبي| في زيارة أبيها في مرضه، أو المشاركة في الصلاة عليه ودفنه، وبعد دفنه بعث إليها رسول الله|: إن الله قد غفر لك ولأبيك؛ بطاعتك لزوجك([26]).
وقريبٌ من هذا الخبر ما روي عن أبي جعفر× أنه قال: جاءت امرأة إلى النبي|، فقالت: ما حقّ الزوج على المرأة؟.. إلى أن قال×: وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع([27]).
إلى غيرها من الروايات التي استند إليها الفقهاء لإصدار حكم استحباب حبس المرأة في بيتها، وعدم خروجها إلاّ بإذن زوجها.
وقد ناقش العلامة فضل الله، بعد أن استعرض هذه الروايات، مناقشة فقهية، معتبراً أنه لا يمكن لها أن تفي بالدليل القطعي الجازم للاستدلال على مراد الفقهاء في ترتيب هذا الحكم الفقهي.
أما من الناحية السندية فإن الرواية الأولى فيها عبد الله بن القاسم الحضرمي، وهي ضعيفة؛ بوجود هذا الراوي، وقد قال النجاشي عنه: «عبد الله بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل، كذّاب، غالٍ، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يُعتدُّ بروايته»([28]).
أما من الناحية الدلالية فقد ذكر العلامة فضل الله «أن الخبر؛ لوضوح اختصاصه بصورة أخذ العهد عليها من قبل زوجها، وذلك من قوله: «فعهد إلى امرأته عهداً»، حيث يحتمل أن للزوج حاجة معينة، كرعاية الأولاد أو حراسة ماله في غيابه أو كون الحاجة التي خرج إليها لا تستلزم وقتاً طويلاً، فربما كان خروجها في الوقت الذي يكون في معرض رجوعه وحاجته الجنسية إليها، بحيث ينافي حقه الجنسي، أو غيرها من الحاجات ممّا لم تتعرض الرواية لتفصيله…، فقد كان النبي يقول لها: إن طاعة الزوج محلّ غفران الله وثوابه، لا استحباب ذلك»([29]).
وأما الرواية الثانية الواردة عن أبي جعفر× فالظاهر أنها صحيحة السند، ولكن «قد يقال: إن هذا الخبر ظاهر في إطلاق الحكم وتشديده… والملاحظة أن النبي|» لم يعلِّق على مسألة أن تمنعه نفسها، مع أن هذا من الأمور الأساسية التي قام الزواج عليها… الأمر الذي يوحي أن حق الزوج في جانب عدم خروجها من المنزل أعظم من حقه في جانب الاستمتاع…»([30]).
(i) القرآن وتركيز الخط العام لهذا التشريع
وبعد الجهد الاجتهادي والعملي الذي بذله العلامة فضل الله في مناقشة الروايات في سندها، ومدى دلالتها في الناحية الفقهية، فإنه يضع مسألة استحبابية حبس المرأة في بيتها على محك المفاهيم القرآنية، فهو يحرك مفاهيم القرآن باتجاه هذا الحكم الفقهي، فهل يمكن له أن يثبت ويصمد أمام المدلول القرآني أو ينهار ويتحطَّم أمامه! يقول&: «إذا تأملنا القرآن نجده يركز على معاشرة الزوجة بالمعروف، فكيف تصدق المعاشرة بالمعروف مع جعل البيت سجناً شرعياً مؤبَّداً، حتى أن كثيراً من الملتزمين ينطلقون في ممارسات متطرِّفة ووحشية في علاقاتهم بزوجاتهم، فقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى منع الزوجة من الوصول إلى عتبة المنزل! وفي بعضها إلى تغليق النوافذ، ممّا يدمِّر نفسية المرأة تدميراً كاملاً؛ لأنها أصبحت تقضي سنوات السجن في بيت جميل، تماماً كـ «ـرودلف هَس» النازي الذي قضى حياته بهذه الطريقة»([31]).
ثم يؤسِّس السيد فضل الله& القاعدة الأساسية المستوحاة من القرآن في تشريع هذه المسألة، فيقول: «عندما نريد أن ندرس المسألة من خلال العناوين القرآنية، التي هي الأساس في كل التشريعات الصادرة في الإسلام، حيث إنها تعطي عنوان التشريع أو الفكرة عن المفهوم الإنساني أو الأخلاقي للتشريع، بعيداً عن مفرداته، ونلاحظ الحديث القرآني عن مسألة العلاقة الزوجية وعلاقة الرجل بالمرأة، نجد قوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾(البقرة: 229)، وقوله: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾(النساء: 19)، وقوله: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾(البقرة: 228)، وقوله: ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا﴾(البقرة: 231)،
وإننا نستشعر من ذلك أن الله أراد للمرأة أن تعيش في كنف الرجل حياة طبيعية، تشعر فيها بإنسانيتها، فالرجل يعاشرها بالمعروف. والمعاشرة بالمعروف ـ حسب مفهومها العام ـ هي أن لا يسيء إلى حياتها الطبيعية كأية حياة تعيشها امرأة أخرى»([32]).
فإن المرأة ـ الزوجة ـ التي تعيش مع الرجل ـ الزوج ـ لابدّ لها أن تشعر بإنسانيتها. وكما أنه لا ينبغي لها أن تسيء إلى إنسانية الرجل كذلك لابدّ للرجل أن يحترم إنسانيتها وإرادتها في الحياة.. فالرجل الذي لا يريد أن يسمح لزوجته أن يرى خيالها أحدٌ خارج المنزل فإنه يؤدّي إلى الإضرار بها، وعدم معاشرتها بالمعروف الذي ورد ذكره في آيات متعددة، كما هو ظاهر النصوص القرآنية، ولهذا يقول تعالى: ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً﴾(البقرة: 231)، وقال تعالى: ﴿وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾(الطلاق: 6).
إن هذه القواعد القرآنية بعموميتها تمثل المباني الفقهية التأصيلية، بعيداً عن النظرة الهندسية التي قامت عليها آراء الفقهاء؛ لأننا عندما ننظر إلى كلام الفقهاء وأسلوبهم الاجتهادي في خصوص مثل هذه القضايا فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها أن المرأة لا يحق لها الخروج منذ أن تدخل في حياتها الزوجية مع زوجها إلى أن تموت، بحيث تتحول حياتها إلى سجن مؤبَّد يمارسه الزوج في حقها!
وعن هذه العمومات القرآنية التي هي أساس وقواعد ينطلق منها العلاّمة فضل الله في تقعيد النظرة الاستنباطية، وأن هذه العناوين لا تقبل التخصيص، يقول: «العنوان الذي طرحه القرآن في قوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾(النساء: 19) هو من قبل العنوان الآبي عن التخصيص، فلا يمكن للشارع أن يقول: عاشروهنّ بالمعروف، ثم يقول: إنّ للزوج الحقّ في أن يضرب زوجته في كل يوم صباحاً وظهراً ومساءً، أو إن له أن يسجنها سجناً مؤبَّداً، أو يعطيها قوتها الذي يحفظ لها حياتها»([33]).
ثم يؤكد العلامة فضل الله على الخطوط العريضة العامة في مرجعية القرآن في استظهاراته الفقهية التجديدية: «ونحن عندما نريد أن نقيِّد هذه المطلقات لا نقيِّدها استحساناً واستبعاداً، ولكننا نفعل ذلك من خلال العنوان الكبير والخط العريض الذي جعله القرآن الكريم للحياة الزوجية في علاقة الرجل بالمرأة، وهذا المعنى يتنافى مع الإطلاق، فيكون من قبيل المقيد اللبّي أو الدليل الحاكم.. هذا مضافاً إلى أن الزوجية اعتبار عقلائي، والزوجية بحسب طبيعتها العقلائية لا تلغي حرية المرأة مئة بالمئة»([34]).
وفي نهاية هذه المسألة المعقّدة، بعد بحثها قرآنياً، يستعرض العلامة فضل الله بعض الروايات المهمة كأساس للتشريع الفقهي للحضور الفاعل للمرأة في الحياة الاجتماعية والسياسية، ردّاً على الآراء الفقهية التي تمنعها من الخروج من بيت الزوجية، فقد كانت نساء المسلمين يخرجن، ويسألن النبي‘ في قضاياهن وحوائجهن الشخصية، وخير دليل على ذلك خبر خروج فاطمة الزهراء وسيدة النساء لتخطب في مجموع المسلمين وتذكرهم بحق ومظلومية الإمام أمير المؤمنين×([35]).
ولذا فقد أفتى السيد فضل الله أن ليس من حق الزوج أن يمنع زوجته الدائمة من الخروج إلاّ بإذنه، إلاّ في صورة رغبته في الاستمتاع الجنسي، وليس له الحق في غير الاستمتاع، في أمورٍ ذكرها قائلاً: «فلا يجب عليها خدمته، ولا غيرها من سائر الأمور المتعلِّقة به أو بأسرته أو داره، كما أنه لا يملك أن يمنعها من الانصراف لشؤونها المتعلقة بنفسها ومالها وأهلها وولدها وعلاقاتها العامة، ما دامت غير منافية لحقه المذكور (حق الاستمتاع الجنسي). نعم، ينبغي لها، ويستحب منها، أن تصفيه ودّها، وتوليه ثقتها، وتشركه في أمورها، وتستأذنه في المهمّ منها؛ وذلك تحقيقاً لمزيد في المودة والتعاون بينهما»([36]).
(j) 4ـ امتناع الزوج من الطلاق
ومن المسائل التي أثير فيها الجدل الفقهي، والتي تتعلق بفقه المرأة، مسألة عدم الطلاق الإجباري في حالة النفقة، بمعنى أنه لا يحكم بإجبار الزوج على طلاق زوجته ما دام ينفق عليها. وقد استدل أصحاب هذا الرأي الفقهي المشهور بنصوص روايات المفقود زوجها، معتبرين أن إرادة الجنس ليس من حق المرأة الطبيعي، كما هو حق الرجل في ذلك، واستدلوا بجملة من هذه الروايات تتفق من ناحية المضمون والدلالة، وإن اختلفت في بعض تعابيرها. واختصاراً للطريق نشير إلى واحدة من هذه الروايات لهذا الاجتهاد الفقهي في خصوص هذه المسألة، ونعرض عن الأخريات؛ للتطابق في مداليلها.
فقد روى الحلبي عن أبي عبدالله×: عن المفقود عنها زوجها؟ قال: «المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الولي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها، فإن لم يجد له أثراً أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها، فما أنفق عليها فهي امرأته، قال: قلت: فإنها تقول: فإني أريد ما تريد النساء، قال: ليس ذاك لها، ولا كرامة، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكيله أمره بأن يطلِّقها، فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً»([37]).
وهناك رواية ثانية عن أبي الصبّاح الكناني عن أبي عبدالله×([38]). ورواية ثالثة عن عمر بن أذنية، عن بريد بن معاوية، عن أبي عبدالله×([39]).
وهذه النصوص هي المستند الفقهي لأصحاب الرأي الفقهي المشهور الذي لا يرى الطلاق الاجباري في موارد النفقة.
أمّا العلامة فضل الله فإنه استدل بعموميات القرآن وألفاظه، بأنها تبين الحكم الكبروي العام لهذه المسألة، بأن الزوج في حياته الزوجية وتعامله مع الزوجة لابدّ أن يسلك طريقين، كما عبّرت الآيات القرآنية: إما أن يمسك زوجته بمعروف، ويقوم بكامل الحقوق الزوجية، كالنفقة، والمضاجعة، والمقاربة، وما إلى ذلك من القضايا التي تمس حق المرأة الزوجة؛ أو يسرِّحها بإحسان، بحيث يفك رباط الحياة الزوجية، ويطلق لها العنان، لتشقّ طريقها في الحياة من خلال الانفصال والطلاق.
والجدير بالذكر أن هذه الرأي الفقهي قد ذهب إليه أستاذ العلامة فضل الله الشيخ حسين الحلي(1394هـ)، بعد أن وضع اللمسات الفقهية العميقة لهذه القواعد القرآنية الكبروية في مناقشاته لأصحاب الرأي الفقهي الشهير. وقد تناول العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله في أبحاثه العلمية الفقهية لطلابه، كما هو مشاهد في تقريرات (كتاب النكاح، المجلد الثاني)، هذا البحث واستدلالات أستاذه الشيخ حسين الحلي، معتبراً أن وجود مثل هذه الآراء الفقهية التي تخالف المشهور تساعد الفقيه على الإفتاء بإرادة وثبات، فيقول: «المسألة موافقة للذوق الفقهي، وعدمها غير موافق للذوق الفقهي، ومن الطبيعي أن الإنسان عندما يجد له في مقام الفتوى تكية يتكئ عليها؛ بوجود الشيخ حسين الحلي والسيد كاظم اليزدي وأمثال هؤلاء، فإنه يمكن أن يقوى قلب الإنسان على الفتوى في مثل هذه الأمور»([40]).
أما القاعدة التي استند إليها العلامة فضل الله في هذا المبنى الفقهي، والتي أسس عليها هذا الرأي، فهي القرآن الكريم، من خلال قاعدة: «لا ضرر، ولا ضرار»، فإن الزوج الذي يمتنع عن طلاق زوجته بحجة أنه ينفق عليها هو أو وليّه أو وكيله لا يكفي أو يفي بحقها، وأنه لا يحق لها المطالبة بحقوقها الأخرى، فهذا يخالف العدالة، ولا يتناسب مع الذوق العقلائي في حياة عقلاء الناس.
ولهذا يضع العلامة السيد فضل الله هذا الأساس من خلال قوله: «وفي البداية لابدّ لنا من أن نستنطق الآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة الضرر..؛ لأننا نعتبر القرآن هو الأساس، والسنة في كثير من حالاتها تنطلق من العناوين القرآنية، وذلك من خلال العناوين التي جاء فيها لفظ الإضرار أو معنى الإضرار»([41]).
أما الآيات التي استعرضها العلامة فضل الله كقواعد أساسية في قاعدة لا ضرر ولا ضرار فهي:
أــ قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ..﴾(البقرة: 231).
ويستكشف السيد فضل الله من خلال محل الشاهد في هذه الآية ﴿وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ..﴾، أن الرجل كان يطلق زوجته فتعتدّ، فيحاول أن يرجع إليها قبل أن تنتهي عدّتها حتى تطول عدتها، أي إنه يرجع إليها لا لرغبة فيها، وإنما ليطول أمر العدة حتى تبقى مطلقة، أو أنه يرجع إليها لا لرغبة فيها، بل لأجل التضييق عليها في المأكل والمشرب وما إلى ذلك، بحيث تبقى تحت سلطته، ويشفي غليله منها، فيكون العدوان في الآية بالشيء الذي ذكره»([42]).
ثم يستكشف السيد فضل الله المبدأ العام لهذا الضرر، ويقول: «والمهم في هذا المجال أننا نفهم من هذه الآية أن مبدأ الضرر مرفوض عند الله سبحانه وتعالى، وأن الله تعالى يعتبر الإمساك ضرراً وعدواناً، وحيث إن العدوان مرفوض إسلامياً فالضرر مرفوض أيضاً»([43]).
ب ـ قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَة وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ﴾(البقرة: 233).
ومحل الشاهد في الآية: ﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ﴾.
ويستظهر العلامة الفقيه من الآية بأنه «..وهكذا بالنسبة للزوجة بأن لا تضرّ زوجها بسبب ولده، بلحاظ أنها تمتنع عنه خوفاً من أن تحمل، أو بلحاظ أشياء أخرى.
ونستوحي في ذلك أن امتناع الرجل عن مواقعة زوجته عند حاجتها إلى ذلك أو امتناع الزوجة عن تلبية رغبة زوجها في حاجته الجنسية يمثل نوعاً من الإضرار بها أو به، خلافاً لما قد يتصوره الفقهاء، من أن ذلك يمثل تفوتياً للنفع، لا إيقاعاً للضرر… فالآية ـ أيضاً ـ كالآية السابقة تدل على أن مبدأ الضرر مرفوض في الإسلام، وأنه ربما يترتب عليه حكم وضعي إلى جانب الحكم التكليفي»([44]).
ج ـ قوله: ﴿وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ﴾(البقرة: 282).
ويستكشف العلامة فضل الله القاعدة العامة لهذا الخطاب القرآني: «إن كل شيء يتعنون بعنوان الضرر فهو محرم، وهذا ليس حكماً مختصّاً بالكاتب أو الشهيد، وإنما هو تطبيق للضرر الذي يتعنون به فعل الكاتب أو فعل الشاهد أو يتعنون به فعل الآخرين تجاه الكاتب أو الشهيد، وبذلك يكون الضرر مرفوضاً إسلامياً بحسب الآية»([45]).
دـ قوله تعالى: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّة مِّنَ اللّهِ﴾(النساء: 12).
«إن هذه الآية أيضاً تدل على أنه ليس للموصي الذي يوصي بماله أن يضرّ بورثته… فهذا أيضاً معناه أن هذا العمل مرفوض شرعاً بلحاظ كونه إضراراً؛ لأن الشارع لا يريد لإنسان أن يضر بالورثة»([46]).
هـ ـ قوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾(الطلاق: 6).
«وأيضاً هذه الآية تدل على أنه لا يجوز للشخص أن يضارّ مطلقته أثناء العدة، بأن يضيّق عليها في المطعم والمشرب وما إلى ذلك، بل لابد له أن يقوم بحقها بالمعروف. والحرمة إنما هي باعتبار انطباق عنوان الضرر عليه، فهو محرم بلحاظ أنه إضرار بالآخر»([47]).
يُستكشف من هذه الآيات القرآنية القاعدة الكبروية في رفض الضرر بعمومه؛ أي إن كثيراً من الأشياء؛ بسبب احتوائها على الضرر، تكون مصداقاً للضرر الإنساني بكل ألوانه وأشكاله، ومن ضمنها بقاء المرأة المعلقة بدون انفصال، حتى وإن كان زوجها ينفق عليها؛ لأن هناك من الحقوق ما يحتَّم على الزوج قضاؤها لزوجته، ومراعاتها بالمعروف، دون الإضرار بها، ولعل مطالبتها بالحق الجنسي وعدم وفاء الزوج بذلك يعتبر مصداقاً من مصاديق الإضرار الإنساني. فحبس المرأة بهذه الطريقة القانونية أو التشريعية أمرٌ يرفضه الشرع رفضاً قاطعاً على ضوء العناوين الأولية القرآنية.
ثم يستعرض العلامة فضل الله في أبحاثه الفقهية جملة من الروايات للاستدلال على قاعدة لا ضرر ولا ضرار. فهو لا يكتفي بالمرجعية القرآنية، وإن كان القرآن يمثل المنطلق في استكشافاته الفقهية، ولكنه يستعين بالأحاديث الصحيحة التي تعضد هذه الاستدلالات الفقهية، فقد تناول ما يقارب «أربعين حديثاً» للدلالة على هذه القاعدة، ودخل في مناقشات فقهية وعلمية مع فقهاء هذا الفنّ. وهذا ما يمكن ملاحظته في بحثه لقاعدة لا ضرر ولا ضرار، في دروس البحوث الفقهية العليا([48]).
وكان من ثمرات بحوثه الاجتهادية فتواه بأنه إذا كان زوج المرأة مفقوداً مجهول الحياة والموت فإن حكمه أنه يحق للزوجة أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي في حالة خوفها من الوقوع في الحرام، ولو مع الإنفاق عليها([49])، أما إذا أنفق عليها ولي الزوج ورعى أمورها، ولم تخشَ على نفسها الوقوع في الحرام، فيلزمها الاكتفاء بذلك، والبقاء على زوجيتها له مهما طال الزمن([50]).
وفي نهاية البحث فإننا نستوحي من خلال الأبحاث العلمية للسيد العلامة محمد حسين فضل الله أن القرآن يمثِّل المرجعية الفقهية لاجتهاده. ولا يعني ذلك أنه يتوقف عند القرآن، وإن كان يمثل العناوين الكبروية العامة، فإنه& يأخذ بالأحاديث والروايات الواردة عن أهل البيت؛ لتعضيد وجهة نظره الاجتهادية، ما دام الحديث لا يخالف كتاب الله. وهذا ما جعله يخالف بعض الآراء الفقهية المشهورة، ويسجل تحفظاته عليها.
الهوامش
(*) باحث في الحوزة العلمية، من العراق.
([1]) مقدمة كتاب السرائر 1: 41.
([2]) الوسائل 14: 55 الباب 31، ح55.
([3]) الوسائل 14: 55، الباب 31، ح2.
([4]) الوسائل 14: 56، الباب 32، ح1.
([5]) كتاب النكاح (تقريرات بحث السيد محمد حسين فضل الله، بقلم: الشيخ جعفر الشاخوري) 1: 11.
([8]) الوسائل 14: 43، الباب 258 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح1.
([10]) الوسائل 14: 50 ـ 52، الباب 28.
([12]) المصدر السابق 1: 25 ـ 26.
([14]) راجع: المسائل الفقهية 2: 424، وهي مجموعة استفتاءاته&.
([15]) الوسائل 20: 140، الباب 71، ح1.
([20]) الوسائل 14: 40، الباب 23، ح10.
([22]) الوسائل، الباب 62 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح4.
([23]) الوسائل 14: 571، الباب 62، ح1.
([24]) انظر: كتاب النكاح 1: 34 ـ 35.
([25]) انظر: المصدر السابق 1: 37.
([26]) انظر: الوسائل 14، باب 19، ح1.
([27]) الوسائل 14، باب 79 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح1.
([28]) انظر: رجال النجاشي: 226.
([30]) انظر تفاصيل هذه المناقشة: كتاب النكاح 1: 40.
([32]) المصدر السابق 1: 42 ـ 43.
([34]) المصدر السابق 1: 44 ـ 45.
([35]) انظر: المصدر السابق 1: 45 ـ 47.
([36]) فقه الشريعة 3: 504 ـ 505.
([37]) الوسائل 15: 39، باب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح4.
([38]) راجع: الوسائل 15: 390، باب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح5.
([39]) راجع: الوسائل 15: 389، باب 23 من أبواب أقسام الطلاق وأحكامه، ح1.
([44]) المصدر السابق 2: 69 ـ 71.