د. صادق حقيقت(*)
ترجمة: صالح البدراوي
رأت الطبعة الأولى من كتاب (نظريات الحكومة في فقه الشيعة) النورَ على يد الدكتور محسن كَدِيوَر سنة 1376هـ.ش([1]). ويتطرَّق المؤلف في بداية المقدّمة إلى مواضيع معيَّنة، من قبيل: مراحل تطور الفقه السياسي للشيعة، وتقسيمها إلى نظريات بالواسطة؛ وأخرى بلا واسطة؛ ومن ثم يقسِّم جميع تلك النظريات إلى تسعة مجموعات، وهي: الحكومة المشروعة، الولاية التعيينيّة العامّة للفقهاء، الولاية التعيينيّة العامّة لشورى مراجع التقليد، الولاية التعيينيّة المطلقة للفقهاء، الحكومة الدستورية، خلافة الناس تحت إشراف المرجعية، الولاية المنتخبة المقيَّدة للفقيه، الحكومة الإسلامية المنتخبة، وأخيراً الوكالة المشاعة للمالكين.
والصفة الأبرز لهذا الكتاب أنّه قسَّم، ولأوّل مرّة، نظريّات الفقه السياسي للشيعة بشكلٍ جامع وشامل. يضاف إلى ذلك أنّه سهّل عملية الفهم الدقيق للنظريات، بإعطائه الأدلّة الكاملة والرصينة لكلّ نظرية، والتمييز بين أركانها ومبانيها وتقريراتها المختلفة. ما تقدَّم يبيِّن وبشكلٍ جليّ وواضح أنه لا توجد قراءة واحدة فقط في الفقه السياسي الشيعي؛ وأنه لا بدّ من الحديث دائماً عن وجود عدّة قراءات مختلفة، بل ومتعارضة في بعض الأحيان. وقد لاقى هذا الكتاب الترحيب منذ البداية، وأصبح مرجعاً للكثير من الدراسات في ميدان الفقه الشيعي؛ لما يتمتَّع به من الدقة والإتقان والمصادر الكثيرة.
ومن حيث المضمون يمكن أن تساهم النقاط التالية في ضبط الكتاب، والارتقاء بمستواه العلمي، وإضفاء الرصانة عليه:
1ـ لو سلّمنا بأن نطلق على النظريات المذكورة مصطلح «النظرية» (من باب التسامح)، فهي نظريات (الحكم)، أو مباني وأسس «الشرعيّة»، وليس نظريات «الحكومة».
وبناءً على هذا الافتراض المؤكَّد، من أن مراد الكاتب من الحكومة ليس السلطة التنفيذية، يمكن أن نذهب إلى القول: إن المراد بالحكومة إمّا المعنى الحديث ـ وتشمل الأرض والمجتمع والسيادة والحكومة ـ؛ أو المعنى غير الحديث لها. ولكنْ من حيث الأساس فإنّ نظريات الفقهاء ليست بمعنى نظرية الحكومة.
ويمكن أن نذكر سببين لهذا الموضوع: ففي المقام الأوّل؛ وبالرجوع إلى هذه النظريّات، يمكن أن نستنتج أن المراجع العظام، أمثال: الشيخ الأراكي والسيد الكلبايكاني وأمثالهم، لم يتبنّوا نظرية الدولة (حتّى بالمعنى غير الحديث لذلك). بل الأدقّ من ذلك أن الفقهاء الشيعة لم يكن بمقدورهم طرح نظرية الدولة أساساً؛ ذلك أنهم لم يوافقوا على ضرورة تشكيل الدولة على أساس الشريعة على مرّ التاريخ، وبناء على ذلك لم يكن بمقدورهم مناقشة فقه الدولة، والتنظير لمواضيع من قبيل: تقسيم السلطات؛ بسبب (تصلُّب السنّة). وعلى العكس من ذلك فإنّ أهل السنّة والجماعة، الذين كانوا على احتكاك بهذه المسألة منذ البداية، اخترعوا فقه الدولة، ومواضيع من قبيل: المصلحة. وليس غريباً أن نجد موضوع المصلحة متداولاً بين أهل السنّة منذ عدة قرون، في حين لم يتمّ تناوله سوى في العقود الثلاثة الأخيرة من عمر الجمهورية الإسلاميّة، وبشكلٍ ضعيف.
2ـ منهج هذا الكتاب في ص7، يُفسّر على أنّه «منهج التحليل النقدي»؛ في حين أنه ليس بالتحليلي الدقيق، ولا النقدي. ومستوى هذا المصنف هو الوصف والتبويب، وليس التحليل، وأكثر منه النقد. ولعلّه كان من الأفضل القول منهج تحليل الكلام([2]).
3ـ هذه النظريات متداولة في مجال الفكر السياسي للشيعة، وليس فقط في الفقه السياسي للشيعة. فالفكر السياسي؛ طبقاً لتعريفه، يشمل الفلسفة السياسية والفقه السياسي.
نظرية خلافة الناس للشهيد الصدر، وبالأخصّ نظرية الوكالة للدكتور مهدي الحائري اليزدي، وبالرغم من استنادهما إلى الأسس الفقهية، لا يمكن اعتبارهما نظريّة فقهية. فهاتان النظريتان لم يتمّ تقديمهما على أساس المنهج الفقهي.
نظرية الوكالة تستند إلى قاعدتين فقهيّتين، ولكنّها لا تستعين بالمنهج الفقهي، وبناء على ذلك تعتبر نظرية في مجال الفلسفة السياسية للشيعة.
ويسعى الفقه أساساً للكشف عن مراد الشارع المقدَّس في خصوص الأحكام الخمسة. وبما أن كتاب الحكمة والحكومة يطرح موضوع «عدم إمكان الجعل في الأمور التشريعية»([3]) فإنه يعتبر جعل الولاية لأيّ شخص كان من قبل الله تبارك وتعالى أمراً محالاً، ليس على أساس المنهج الفقهي، بل على أساس الاستدلال العقلي.
كما أنّ المقارنة التي قام بها الحائري بين نظريّته ونظرية العقد الاجتماعي لجان جاك روسو دليلٌ على أنّ نظريته يجب أن تعدّ في زمرة النظريات المتعلِّقة بدائرة الفلسفة السياسية. أضِفْ إلى ذلك أن الدكتور الحائري يشير بنفسه إلى أنّ نظريته أقرب إلى الفلسفة السياسية، ونظرية الإمام الخميني& أقرب إلى الفقه السياسي([4]).
4ـ لو تم تغيير عنوان الكتاب إلى «الفكر السياسي الشيعي» لأمكن إضافة نظريات أخرى له، مثل: «نظرية الحكومة الدينية الديموقراطية»، للدكتور عبد الكريم سروش، ونظرية العلاّمة الطباطبائي على وجه الخصوص.
5ـ يمكن أن نضيف إلى النظريات المتقدِّمة نظرية (الحسبة الحكوميّة) أيضاً. وطبقاً لهذه النظرية فإن «التدابير» الحكومية، ولربما إقامة الحكومة الإسلامية، تعدّ واجبة من باب الحسبة. ورغم عدم وجود دليل على شمول ولاية الفقهاء فإنّ التدابير والإجراءات الحكومية، أو إقامة الحكومة، تصبح واجبة من باب الحِسْبة([5]). ويمكن أن نذكر الشيخ جواد التبريزي([6]) على أنه من أصحاب هذه النظرية، فهو يرى أن الحِسْبة تشمل إدارة البلاد والدفاع أيضاً.
6ـ يذكر الدكتور كَدِيوَر نظريّة الشيخ عبد الكريم الحائري ونظريّة الشيخ محمد علي الأراكي، القائلين بنظرية الحِسْبة، في عداد نظرية السلطة المشروعة. وفي نفس الوقت ربما يمكننا إعطاء مفهوم جماهيري لسلطة الشعب من هذه النظريّة أيضاً. ولو لم يكن الفقهاء جديرين بإدارة شؤون المجتمع بالقدر المتيقَّن يمكن عندها إحالة الأمر الى الناس أنفسهم. ولعلّه من هذه النقطة يمكن القول: وفقاً لهذا التفسير يبدو أنّ النظرية المتقدّمة أكثر شبهاً بالنظريات الإلهية ـ الجماهيرية. كما يبدو أنّ نظرية الآخوند الخراساني، التي تطرّق إليها الدكتور كَدِيوَر نفسه بعد تأليف هذا الكتاب، ذات أهمّية بالغة من هذا الجانب أيضاً، فهي لا تقول بأيّ نوعٍ من الولاية للفقهاء في المجال السياسي والاجتماعي، ويمكن اعتبارها نظريّة من نظريات سلطة الشعب.
7ـ تمّ طرح النظريّة الأولى (السلطة المشروعة أو الولاية التنصيبية للفقهاء في الأمور الحِسْبية وسلطة المسلم ذي الشوكة) بشكلٍ يوحي وكأنّ أصحاب هذه النظرية يقولون في الحقيقة: إنّ الله تعالى فصل بين الدين والدولة، ومنح الأمر الأوّل للفقهاء، والثاني للملوك. في حين من المفروض أن يصار إلى فصل الفكر السياسي للفقهاء عن مقتضيات الفعل السياسي لهم. وتجدر الإشارة إلى أن المؤلِّف ملتفت إلى هذه المسألة، ولكن على أيّ حال يتحدّث عنها بعنوان «نظرية»: «يمكن اعتبار هذا الفصل [بين دائرتي الأمور الشرعية والعرفية] ممّا تقتضيه ظروف العصر. وتفسير فعل الفقهاء من باب «ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه»، و«الميسور لا يسقط بالمعسور». إلاّ أنّ الشواهد القادمة تبيِّن أن الفقهاء سخَّروا شوكة السلاطين لخدمة المذهب من جهة، وأن السلاطين؛ باعترافهم وإقرارهم بقدرة الفقهاء في الأمور الشرعية، حظوا بدعمهم المهمّ… التصريحات والأقوال التي ستأتي في السطور القادمة تخبر عن نوعٍ من التفسير الفقهي للواقع الخارجي»([7]).
«التفسير الفقهي للواقع الخارجي» والبدل الاضطراري هو غير الفكر السياسي بحدّ ذاته. فلو أن أحد العلماء مكَّن حكومة السلاطين والملوك عملياً، أو أعطاها الصفة الشرعية ولو من الناحية الفكرية، من باب عدم القدرة والأحكام الثانوية، فلا يعني ذلك الاعتقاد الأساسي بتلك المسألة. ومن الممكن أن يعتبر هذا الصنف من الفقهاء حكومةَ الملوك غير مشروعة أساساً.
ولمزيد من التوضيح في هذا الباب سنمرّ الآن بشكلٍ سريع على الفكر السياسي للسيد جعفر الكشفي(1191 ـ 1267). فهو يبدأ دراسته من المخلوق الأوّل وفلسفة التاريخ. ويقسِّم التاريخ إلى مرحلتين، هما: مرحلة النبوّة (من هبوط آدم وحتّى ظهور الإمام الحجّة#)؛ ومرحلة الولاية (مرحلة ظهوره). ففي عصر النبوّة ينبثق المنهج الظاهري للعقل، وفي عصر الولاية المنهج الباطني للعقل. وفي عصر سيادة الحكمة (عصر الغيبة) إمّا أن يصبح المجتهد سلطاناً؛ وإمّا أن يتعلم السلطان الاجتهاد. ورئاسة الحكمة، والتي تعدّ نوعاً من الحكومة الأصولية، لم تتحقَّق في عصر غيبة الإمام المعصوم#؛ لأن الفقهاء؛ ولأسباب متعدّدة، ابتعدوا عن السياسة والمجتمع. ويرى الكشفي أن ميزان شرعية الدولة الدينية في عصر الغيبة يتوقَّف على أمرين، هما: مقدار الارتباط بالروح المحمّدية (أو العقل الفعّال)؛ وإشاعة الخيرات وإزالة الشرور. وفي هذه الحالة فالحكومة هي من باب الضرورة، وليس النيابة. وبناءً على ذلك، ورغم كون شرعيّة حكومة القاجاريين([8]) مدعاة للتساؤل، فإنّه يمكن القول بفصل ولاية الفقهاء بالتنصيب في الأمور الشرعية عن حكومة السلطان ذي الشوكة في الأمور العرفية. ولهذا السبب يذهب إلى القول بالفصل بين الحكومة الحقّة الأولية والثانوية. ويمكن أن نستنتج من هذه الدراسة أن النقاش النظري والفكري بشأن الحكومة الإسلامية ينبغي أن يفصل عن موضوعة التنفيذ والاضطرار.
8ـ يصحّ ما يشبه الانتقاد المتقدِّم كذلك بشأن نظريّة الحكومة الدستورية؛ اذ يرى النائيني أن شرعية الحكومة الدستورية تنطلق من أنّ الظلم في الحكومة الاستبداديّة يرد في ثلاثة موارد: حقّ الله تعالى؛ وحقّ الإمام المعصوم؛ وحقّ الناس؛ وفي الحكومة الدستورية يرد في موردٍ واحد فقط، وهو (حقّ الإمام المعصوم). ومن هنا فإنّ شرعية الحكومة الدستورية تأتي من باب دفع الأفسد بالفاسد، وليست لها مشروعية ذاتية. تجدر الإشارة إلى أن النائيني أعطى لهذا الموضوع شكلاً نظرياً. النظرية الأصلية للنائيني، وكما تستشفّ من كتاب تنبيه الأمّة وتنزيه الملّة([9])، هي الحِسْبة الموسَّعة. وعلى أساس الحِسْبة الموسَّعة فإنّ الأمور التي لا يرضى الشارع المقدَّس بتركها، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، لا تقتصر على مسائل الصغار واليتامى فقط، بل تتعدّاها لتشمل الأمور الاجتماعية والسياسية أيضاً. وعندما يصار إلى إجراء المقارنة بين نظريّتي الحكومة المشروعة والمشروطة (الدستورية)([10]) فمن المحتمل أن يتوهَّم أنّ هاتين النظريتين هما من جنسٍ واحد، فتمَّت مقارنتهما مع بعضهما، في حين أنّ المشروطة أو «الدستورية» هي قيدٌ للحكومة، وليس للولاية.
9ـ ذكرت في هذا الكتاب ثلاث نظريّات للشهيد الصدر: الحكومة المنتخبة على أساس مبدأ الشورى (في الأسس الإسلامية)؛ والولاية التنصيبية العامّة للفقهاء (في منهاج الصالحين والفتاوى الواضحة)؛ وخلافة الناس بإشراف المرجعية (في الإسلام يقود الحياة، ولمحة فقهية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية، وخلافة الإنسان وشهادة الأنبياء).
وحسب اعتقاد الشيخ كَدِيوَر فالنظرية الأخيرة هي خليطٌ من النظريتين السابقتين، وهي بمثابة رأيه النهائي. وبناءً على أساس النظرية الأخيرة فقد جعل الله تعالى الإنسان خليفة له في الأرض؛ وأوكل إليه تولّي الأمور السياسية وإدارة شؤون المجتمع. واختار شهداءه (الأنبياء والأئمّة وعلماء الدين)؛ لغرض الحفاظ على الخلافة الإلهية للإنسان. وبناء على ذلك فالأمة تمارس خلافتها على أساس قاعدتين: الأولى: قاعدة الشورى (المختصّة بالأمور غير المنصوص عليها)؛ والثانية: ولاية المؤمنين والمؤمنات على بعضهم البعض بشكلٍ متساوٍ. وتمارس الأمّة حقَّها الإلهي في الخلافة من خلال الطرق التالية: انتخاب رئيس السلطة التنفيذية؛ وانتخاب أعضاء السلطة التشريعية.
وعلى أساس هذه النظرية تصبح عملية سنّ القوانين المطلوبة في منطقة الفراغ هي من مسؤولية السلطة التشريعيّة. الجمهورية الإسلامية هي خلافة الناس تحت إشراف المرجعيّة، ومقيَّدة بالقانون؛ ذلك أن الشرع له السيطرة على رئيس الدولة والناس على حدٍّ سواء. المرجعية الصالحة عبارةٌ عن مؤسَّسة، وليست مجرَّد شخص. والسلطة القضائيّة تقوم بدورها بإشراف مؤسَّسة المرجعيّة، وهي المؤسَّسة الوحيدة الواقعة خارج خلافة الناس. وهذا الأمر يضمن الأرضيّة المناسبة لفصل السلطات، وسلامة السلطة السياسيّة وإسلاميّتها.
الظاهر من عبارات الكتاب أنّ الشهيد الصدر طرح ثلاث نظريات مختلفة؛ والنظرية الثالثة عبارةٌ عن تركيب أو مزيج من النظريّتين الأوليين. والمهمّ في المقام أنّه يجب السعي قدر الإمكان لحمل الأقوال المختلفة لأحد العلماء على بعضها البعض؛ لكي لا ننسب إليه النظريات المتباينة، بل المتضادّة. وبما أنّ الأصل هو أن لا يتعرَّض فكر المفكِّر للتناقض، بل وحتّى التطوير، وجب الجمع بين عباراته قدر الإمكان.
وعلى سبيل المثال: قد يمكن أن يصار إلى الجمع بين نظرية الولاية التنصيبية العامة للفقهاء ونظرية خلافة الناس بإشراف المرجعية. النظرية الفقهيّة للسيد الشهيد محمد باقر الصدر في كتاب الفتاوى الواضحة هي نفس نظريّة التنصيب؛ ولكن بما أنه يهتم بدور الناس أيضاً نراه يطرح النظرية الثانية. والدليل على الجمع المذكور أنه يقول: إنّ الأمّة تمارس حقها في الخلافة على أساس قاعدتي الشورى وولاية المؤمنين والمؤمنات لبعضهم البعض، وهذا الأمر تحقَّق في الجمهورية الإسلامية في إيران (كتجسيد لنظرية التنصيب للإمام الخميني).
وطبقاً للتحليل الذي طرحه السيد كَدِيوَر لو يتمّ طرح النظرية الثالثة أيضاً في نظريّة خلافة الإنسان وشهادة المرجعية (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء)، وينظر إليها على أنها شرحٌ لدستور الجمهورية الإسلامية (لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية)([11])، فيجب أن يكون مفادهما أمراً واحداً؛ في حين أنّ الإشراف (الشهادة) في الجمهورية الإسلامية في إيران لم تكن لـ (المرجعية).
وعلى هذا المنوال ربما أمكن القول: إنّه يمكن الجمع بين رأي الصدر في الأسس الإسلامية ونظرية خلافة الانسان وشهادة المرجعية. وباعتقاد الدكتور كَدِيوَر أنّه تمّ طرح نظرية الحكومة الإسلامية المنتخبة في هذا الكتاب؛ في حين يمكن القول: إن عنصر الشورى وتطبيق الأحكام الشرعية يشيران إلى خلافة الإنسان وشهادة المرجعية بالترتيب.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس المراد بالتحليل المتقدِّم أنه لا يجب أن يلاحظ أيّ تغيير أو تطوّر في نظرية الشهيد الصدر، بل إثبات لمسألة أنّه لا يوجد أيّ دليل على أن تكون هذه الآراء متباينة بالضرورة.
10ـ قيَّم الشيخ محمد هادي معرفت ـ وخلافاً للرأي المشهور ـ رأيَ الشيخ الأنصاري والسيد الخوئي في ولاية الفقيه بشكلٍ إيجابي([12]). وبالنظر إلى الآراء المتباينة في الكتب المختلفة للشيخ، وبالنظر إلى محورية فكره بين الفقهاء الشيعة، كان من الأفضل للدكتور كَدِيوَر أن يعرض تحليلاً عن ذلك.
كان من الواجب تناول آراء الشيخ الأنصاري حول ولاية الفقيه في كتبه الفقهية بشكلٍ مستقل؛ ليتسنّى دراسة إمكانية مقارنتها، واحتمال التغيير فيها أيضاً. ففي كتاب المكاسب، بعد أن يطرح الولاية العامّة للمعصومين^، يقسِّم ولاية الفقهاء إلى ثلاثة أقسام، هي: الإفتاء؛ والقضاء؛ والولاية العامّة، ونراه يضيِّق البحث في القسم الثالث حقّاً. وفي هذه المقالة أيضاً لم يتمّ التطرُّق للقسمين الأوّل والثاني.
وبناءً على رأي الشيخ يبدو أنّ إثبات ولاية الفقيه على غرار الإمام المعصوم# يعدّ أمراً ممتنعاً، ودونه خرط القتاد (أي إنّه يشبه سحب اليد على أشواك ساق الورد بعكس اتّجاهها). ولكنْ توجد بعض الأمور في هذا الصدد يجب أن تُحقَّق بأيّ شكلٍ من الأشكال ـ ولو على يد غير الفقهاء ـ، والتي يعبّر عنها بالأمور الحِسْبية.
ويشير الشيخ إلى روايات الباب، كالتوقيع الشريف([13])، والمقبولة؛ لأنّ الفقهاء هم القدر المتيقَّن من القادرين على التصدّي لهذه الأمور: «فقد ظهر ممّا ذكرنا أن ما دلَّت عليه هذه الأدلة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي تكون مشروعيّة إيجادها في الخارج مفروغاً عنه، بحيث لو فرض عدم وجود الفقيه كان على الناس القيام به كفاية»([14]).
وجمع عليّ أبو الحسني بين كلام الشيخ في المكاسب وكتاب الخمس والزكاة بهذا النحو «ينفي الشيخ في موضوع المكاسب نوعاً خاصّاً ومستوى معيَّناً من الولاية عن شخص الفقيه، كان النبيّ والأئمة المعصومون يمتلكونها، وفقاً للاعتقاد الشيعي… وأمّا التصرفات التي يقوم بها حكّام المجتمع بصفتهم يمتلكون زمام الأمور، والمتصدّين لقيادة الناس؛ بهدف الحفاظ على مصالحهم الاجتماعية والسياسية، والتي بدونها يتوقَّف الحراك الاجتماعي والسياسي تماماً، فهي جائزةٌ ومشروعةٌ للفقيه أيضاً»([15]).
ويرى الشيخ محمد هادي معرفت هو الآخر أنّ الرجوع إلى الفقهاء وفقاً للتوقيع لا يقتصر على السؤال عن الأمور الشرعيّة فقط؛ وإنّما يشمل العزم واتّخاذ الإجراءات في المسائل السياسية والاجتماعية، وإقامة النظام، ومطلق الأمور المتعلِّقة بالشؤون العامّة([16]).
وبحسب رأيه لو استعرنا القضية الصغرى من الشيخ (إقامة النظام من الواجبات المطلقة)([17])، واستخرجنا القضية الكبرى للموضوع من المسائل المذكورة، سيتمّ إثبات مسألة «الولاية العامّة للفقيه» بشكلٍ واضح. والإشكالية الأساسية الموجودة في الاستنتاج المتقدِّم هو قول الشيخ بأنّ ولاية الفقهاء تقتصر على الأمور الحِسْبية. وإنّ ما يرمي إليه من قوله (إقامة النظام) لا يعني شيئاً سوى الأحكام التنظيمية التي يتوقَّف عليها المجتمع الإسلامي بنحوٍ ما، بحيث إنْ لم يقُمْ بها الفقيه فإنّها تجب على غيره.
وطبقاً لما جاء في التعريف فالأحكام التنظيمية تعتبر نوعاً من الأمور الحِسْبية، والمراد بـ «إقامة النظام» هي هذه الأمور، وليس إقامة النظام والحكومة الإسلامية. فأين القيام بالأمور الحسبية والأحكام التنظيمية ـ من باب القدر المتيقَّن فحَسْب ـ من إثبات الولاية العامة للفقهاء؟!
ولا يرى الشيخ الأنصاري في كتاب القضاء أنّ سريان حكم الفقيه يقتصر على القضاء والفصل، بل يتعدّاه ليشمل الأمور العامّة (ومنه يظهر كون الفقيه مرجعاً في الأمور العامّة)؛ إذ استُعملت كلمة «حاكم» بدلاً من «الحكم» المتعلِّقة بالقضاء: «إنّ تعليل الإمام× وجوب الرضا بحكومته في الخصومات بجعله حاكماً على الإطلاق، وحجّة كذلك، يدلّ على أن حكمه في الخصومات والوقائع من فروع حكومته المطلقة، وحجّيته العامّة، فلا يختصّ بصورة التخاصم»([18]).
ويذكر الأستاذ معرفت دليلاً من نهج البلاغة يدلّ على أن لفظة «الحاكم» تستخدم في الأمور السياسية والاجتماعية أيضاً؛ ولا تختصّ بالأمور القضائية والخصومة فقط.
وكلّ الكلام هنا ينعقد حول معنى «ولاية الفقيه»، ويرتبط به. ويمكن استخدام هذا المصطلح في ثلاثة معانٍ:
1ـ طبقاً للمصطلح الذي استخدمه الإمام الخميني& في السنوات الأخيرة من عمره فإنّ المقصود بـ «ولاية الفقيه» هو ممارسة الولاية على أساس «المصلحة»، والذي لا يفسَّر فقط في زمرة الأحكام الثانوية المعهودة، بل يعتبر من ضمن الأحكام الأوّلية، ومقدَّم على بقية الأحكام الأوّلية.
ولا شكّ في أنّ هذا المعنى لم يكن مراد الشيخ الأنصاري. ولعله لم يسبق أن تمّ استخدام هذه الصيغ التعبيرية قبل الإمام الخميني.
2ـ إطلاق الولاية على جميع الأمور العامّة والأحكام السياسية والاجتماعية، وعلى النحو الذي استنتجه الأستاذ معرفت.
والداعي لهذا الاحتمال هو عدول الشيخ عن قوله في المكاسب. كما أن أمثال الأستاذ معرفت لا يقولون بذلك أيضاً. أضِفْ إلى ذلك أنه لا ينسجم مع شواهد عبارات الشيخ في كلا كتابَيْه.
3ـ إنّ الغرض من الإطلاق شموله لجميع الأبواب في الدائرة الحِسْبية والأمور التنظيمية، وعدم الاقتصار على باب القضاء أو أيّ باب آخر.
وهذا الاحتمال يجمع بين أقوال الشيخ في أماكن مختلفة، وينسجم مع شواهد عباراته.
وباعتقاد الشيخ الأنصاري لو اختار أحد السلاطين نائباً له سيمنحه الصلاحيات في جميع الأمور المتعلِّقة بذلك. ولكن على أيّ حال هذا الإطلاق نسبيّ، ويتحدَّد في دائرة معيَّنة.
كما أنّ الأستاذ معرفت لا يرى تبايناً أساسيّاً بين مفاد كتاب المكاسب وكتاب القضاء للشيخ، ويرى أنّ الشيخ صوَّت في كلا الكتابين للولاية العامّة للفقهاء.
ونحن نرى أنّ ولايته في الكتابين محدودةٌ في الأمور الحِسْبية. «الإطلاق» من جملة الأمور الإضافية، ويجب أن نرى عند المقارنة بأيّ شيء تؤخَذ بنظر الاعتبار. ففي كلام الشيخ المتقدِّم المقصود من «الإطلاق» هو عدم الاختصاص بحالة الخصومة والفصل، ولكنها لا تذهب إلى أبعد من الأمور الحِسْبية والأمور التنظيمية.
والملفت هنا أنّ الشيخ معرفت يخلص في نهاية كلامه إلى أنّ «الشيخ قال في كتابي المكاسب والقضاء ما قاله الفقهاء منذ اليوم الأوّل عن ولاية الفقيه، وهو أنّ الأمور المرتبطة بإقامة النظام، والتي لا يمكن تعطيلها، من مسؤولية الفقهاء جامعي الشرائط القيام بها على نحو الواجب الكفائي».
وهذه النتيجة التي يخلص إليها تنسجم مع الاحتمال الثالث، ولا تنسجم مع الاحتمالين الأوّل والثاني ـ وفرضيّة مقالته ـ.
والفقهاء الذين جاؤوا قبل الشيخ كانوا يرَوْن اقتصار الولاية على الأمور الحِسْبية. وسار الشيخ على نفس الطريقة.
ولكنْ تجدر الإشارة إلى أنّه يُراد بالأمور الحِسْبية ـ بتعريفٍ واحد ـ دائرتان: دائرة ضيِّقة (أمور الصغار واليتامى وما شاكل ذلك)؛ ودائرة واسعة (وهي الأمور السياسية والاجتماعية التي لا يرضى الشارع بتركها). وعلى أيّ حال حتّى الدائرة الثانية تشمل نسبة قليلة من ساحة الولاية العامة للفقهاء، وبطريق أَوْلى من الولاية المطلقة.
ومن هنا يتّضح لنا مقصود الشيخ في كتاب الخمس والزكاة أيضاً: «وربما أمكن القول بوجوب الدفع للمجتهد؛ نظراً لعموم نيابته، وكونه حجّة الإمام على الرعية، وأميناً عليه، وخليفة له، كما استفيد ذلك كلّه من الأخبار»([19]). «ولو طلبها الفقيه فمقتضى أدلة النيابة العامّة وجوب الدفع؛ لأنّ منعه ردٌّ عليه، والرادّ عليه رادٌّ على الله تعالى»([20]). ومع ذلك فإنّ عموم نيابة الفقيه في عصر الغيبة تنحصر في حدود الأمور الحِسْبية.
ويصحّ هذا الكلام بحقّ صاحب الجواهر المشهور بالدفاع عن ولاية الفقيه([21]). فرغم أنه يقبل بعمومية ولاية الفقيه، ويعتقد بأنّ مَنْ ينكر ذلك كأنّه لم يذُقْ طعم الفقه، إلا أنّه لا يقصد تأسيس وإقامة الحكومة الإسلامية؛ لأنّه يستثني الجهاد، والأمور التي تحتاج إلى الحاكم العادل، مثل: جهاد الدعوة المحتاج إلى السلطان والجيوش والأمراء، ويقول: «وإلاّ لظهرت دولة الحقّ، كما قال الإمام الصادق×: لو أنّ لي أنصاراً عدد هذه الشويهات (أي أربعين شخصاً) لخرجتُ»([22]).
11ـ ويرى الأستاذ مهدي هادوي هو الآخر أن السيد الخوئي يقول بولاية الفقيه كالإمام الخميني، ولكنّ الفرق كان في أدلّتهما فقط([23]).
وفي خصوص التشابه الكامل لنظرية السيد الخوئي مع نظريّة الإمام الخميني يشير إلى أنّ السيد الخوئي أفتى بتعيين حكّامٍ للشرع في انتفاضة عام 1991م؛ وصرَّح قائلاً: إنّه مارس الولاية لإحلال الأمن والنظام. والمراد من «الولاية المطلقة للفقيه» هو ذات الإطلاق الوارد في علم الأصول([24]).
النقطة الأولى هي أنّ الإطلاق هنا لا علاقة له بالإطلاق في علم الأصول بتوفّر مقدّمات الحكمة؛ لأنّه في علم الأصول تتمّ دراسة الأمر التالي، وهو أنّ المخاطَب إذا أمر بشيءٍ، وتوفَّرت مقدّمات الحكمة، يجب الأخذ بإطلاق قوله. على سبيل المثال: لو أمر المتكلِّم بأداء إحدى الصلوات، فبتوفُّر مقدّمات الحكمة يمكن الإتيان بمطلق الصلاة ـ دون الاعتناء بقيود خاصّة ـ، في حين أنّ الغرض في ولاية الفقيه من قيد «الإطلاق» لا يعني أنّ الشارع أمر بذلك، ونأخذ بإطلاقه بتوفُّر مقدّمات الحكمة.
الهدف من الولاية المطلقة للفقيه ـ باعتبار أنّه قولٌ غير مسبوق، وخاصّ بالإمام الخميني ـ هو ممارسة الولاية بمعيار «المصلحة»، باعتبار أنّه أحد الأحكام الأوّلية التي لها الأولوية على غيرها من الأحكام الأوّلية. وفي المقابل الولاية المقيَّدة، لأمثال السيد الكلبايكاني، هي تقييد الولاية بالأحكام الأوّلية والثانوية، بحيث إنّ الحاكم طبقاً لذلك يستطيع العبور من دائرة الأحكام الأوّلية في حالة وجود عناوين ثانوية فقط، ـ وبحدود «الضرورات تقدّر بقدرها» فحَسْب ـ.
يقول الإمام الخميني&: «ما يقال من أنني قلتُ: إنّ الحكومة مخوَّلةٌ في إطار الأحكام الإلهية مخالفٌ تماماً لأقوالي؛ لأنّه لو كان هناك مثل هذا التحديد فإنّ الدولة ستكون مكتوفة الأيدي. فبإمكان الحكومة أن تلغي المعاهدات والعقود الشرعية التي عقدَتْها مع الناس من جانبٍ واحد في حال مخالفة ذلك العقد لمصالح البلاد والإسلام؛ وبإمكانها أن تقف ضدّ أيّ أمر مخالف للدين الإسلامي، سواءٌ كان عبادياً أو غير عبادي، طالما كان بهذه الصفة»([25]).
والنقطة الثانية في هذا الخصوص هي أن نستنبط رأي السيد الخوئي من خلال كتبه المتعدِّدة، ونكشف عن مدى ارتباطها بعمله السياسي. فهو يحدِّد شأن الفقيه بالأمور الحِسْبية: «أمّا الولاية على الأمور الحِسْبية… فهي ثابتةٌ للفقيه الجامع الشرائط؛ إذ إنّ فصل الخصومات بيد الفقيه»([26]). فالظاهر أنه يرى تدخُّل الفقيه في هذا الشأن يأتي من باب التصرُّف، وليس من باب الولاية: «إنّما الثابت أنّ له التصرُّف في الأمور التي لا بدّ من تحقُّقها في الخارج»([27]).
ويرى بعض الفقهاء ـ كالسيد الخوئي ـ أن الفقهاء لا يمتلكون الولاية الشرعية حتّى في الأمور الحِسْبية، ويرَوْن أنّه مجازٌ بالتصرُّف بعنوان القدر المتيقَّن فقط([28]).
أمّا أن يكون السيد الخوئي قد تدخَّل أحياناً في الأمور السياسية، أو يرى أنّ الفقيه له حقّ التصرُّف في الغنائم الحربيّة([29])، فذلك يتّضح من خلال التفسير، ووجه الجمع الحاصل بين الأقوال المختلفة للشيخ الأنصاري.
وطبقاً لرأي السيد الخوئي فإنّ الفقيه هو الشخص المؤهَّل؛ بالقدر المتيقَّن، القادر على التصرُّف في الأمور الحِسْبية؛ ويمكن أن تشمل الأمور الحِسْبية بعضاً من الشؤون السياسيّة والاجتماعيّة أيضاً.
وعلى أيّ حال تجدر الإشارة إلى أنّ الذي يقول بأن الولاية أو تصرُّف الفقيه يقتصر على الأمور الحِسْبية فإنّما يتحدَّد بهذا المقدار، ويبتعد عن نظريّة مثل نظرية الولاية المطلقة للفقيه. هذا الاستنتاج لا يتنافى مع استدلاله بعموم المصلحة وإطلاق الدليل؛ إذ إنّ الولاية في كلّ الأحوال تتحدَّد بالأمور الحسبيّة والأحكام التنظيميّة. وطبقاً لرأيه فالفقيه يستطيع تنفيذ الأحكام التنظيمية الإسلامية لسببين: أوّلاً: تطبيق الأحكام التنظيمية في إطار المصلحة العامة، وللمحافظة على الانضباط، والحد من الفساد والظلم المشرعَن. وبناءً على ذلك ليس في وسعه أن يكون معنيّاً بفترةٍ معينة. ثانياً: أسباب الأحكام التنظيمية لها إطلاق زماني واجتماعي. ولا شكّ في أنّ أفراد المجتمع ليسوا من المخاطَبين بهذا التكليف بأجمعهم؛ لأنّه سيحصل الخَلَل في النظام العامّ في تلك الحالة. أضِفْ إلى ذلك أنّ هناك بعض الروايات، كالتوقيع الشريف، تأمر الناس بالرجوع إلى الفقهاء([30]).
وعليه يمكن أن نستنتج خلاف ما يذهب إليه الشيخ معرفت، وقوله: إنّ الإطلاق في نظرية الإمام الخميني والشيخ الأنصاري والسيد الخوئي([31]) متشابهٌ، والقول: إنّ حفظ النظام (الأحكام التنظيمية) بالرغم من أنّه من الواجبات المطلقة (حفظ النظام من الواجبات المطلقة التي لا تقييد لها)، إلاّ أنّ هذا الإطلاق يتحدَّد بالأحكام الحِسْبية والتنظيميّة، ويختلف اختلافاً أساسيّاً مع الولاية المطلقة (التي عبّر عنها الإمام الخميني).
على العكس من استنباط الشيخ معرفت، القائل: إنّ السيد الخوئي هو كالإمام الخميني يرى أنّ دليل الإمامة ينطبق بعينه على ولاية الفقهاء([32]) (فدليل الإمامة بعينه دليلٌ على لزوم الحكومة بعد غيبة وليّ الأمر#([33]))، يجب أن نقول: إنّ الإمام الخميني يقول بسريان جميع شؤون الإمام المعصوم إلى الفقيه بناءً على أساس دليل التنزيل؛ في حين أنّ السيد الخوئي يقول بجواز تصرُّف الفقهاء في الأمور الحِسْبية والأمور التنظيمية في حدود القدر المتيقَّن فقط.
والملفت أنّ الأستاذ معرفت يستنتج بنفسه ما يلي: «من هنا ففي الواجبات العسكرية وتنفيذ الأحكام الانضباطية؛ وبسبب عدم تعيين مسؤول محدَّد، يجب على الفقيه الجامع للشرائط التصدّي لتحمُّل المسؤولية ـ بعنوان القدر المتيقَّن، وبنحو الواجب الكفائي ـ؛ وهذا لا يستوجب حقّاً معيَّناً… وإنّ دائرة ولاية الفقيه برأي الفقهاء ليست بسعة الولاية الكبرى للأئمّة المعصومين»([34]). وبعبارة أخرى: تصرُّف الولي الفقيه في الأمور الحِسْبية لا يعدّ منصباً له عند السيد الخوئي؛ بل هو مجرَّد حكم تكليفي ـ ومن باب القدر المتيقَّن، والواجب الكفائي ـ، ودائرته لا تتساوى مع دائرة ولاية الأئمة المعصومين. ويشير السيد كَدِيوَر بوضوح إلى أنّ نظريّات جواز تصرُّف الفقيه هي البديل لنظريّة ولاية الفقيه، ولا ينبغي الخلط بينها وبين النظريات الولائيّة([35]).
12ـ يرى الدكتور كَدِيوَر أنّ الفقه السياسي تراجع بعد أن بلغت أفكار النائيني ذروتها إبان الثورة الدستورية، إلاّ أنّ الأمر المهم أنه «عند انتهاء مرحلة الركود والتراجع يمكن الإشارة إلى آراء السيد البروجردي فقط. فهو لا يقول بكفاية الأدلة النقلية الواردة لإثبات الولاية التنصيبية العامّة للفقهاء، ويقول بثبوت المسألة من خلال إقامة الدليل العقلي. وأكَّد، ولأوّل مرّة، على امتزاج الدين والسياسة، معتبراً المسائل السياسية وتدبير الشؤون الاجتماعية للمجتمع الإسلامي من واجبات الفقهاء»([36]). ويرى الشيخ محسن كَدِيوَر أن السيد البروجردي يقول بالولاية العامّة للفقهاء([37]).
ولدراسة هذا القول لا بدّ من القيام بنقل أبحاثه من كتاب البدر الزاهر بالتحديد، ومن ثم تحليلها.
فقد جاء في الكتاب المذكور تذييلان، تحت عنوان: «تذنيبان»، بشأن إجازة الفقهاء بإقامة صلاة الجمعة؛ حيث يشير التذنيب الأوّل بشكلٍ إجمالي إلى حدود ولاية الفقيه؛ والتذنيب الثاني جاء في خصوص شروط صلاة الجمعة. وينقل في البداية رأي الشيخ في خصوص تلازم موضوع جعل الحكومة مع إقامة صلاة الجمعة. ويرى أنّه إذا اعتقد المرء أنّ على الفقهاء إقامة الحكومة فعليهم التصدّي عند ذلك لجميع واجبات الحكّام المسلمين قطعاً، وتعدّ إقامة صلاة الجمعة أحد واجبات الحكّام المسلمين، كما كان هذا الموضوع شائعاً في عهد النبيّ الأكرم| والخلفاء الراشدين. وعليه ليس من واجب الفقهاء إقامة صلاة الجمعة في الوقت الحالي، وهناك إشكاليات قوية في الأخبار الدالّة على الترخيص([38])؛ لأنّ البعض يقولون: إنّ إقامة صلاة الجمعة من واجبات الفقيه، مستندين في ذلك إلى أدلّة ولاية الفقيه، ويتناول السيد البروجردي في هذا الصدد موضوع ولاية الفقيه، ويشير في البداية إلى مقدّمات عقلية بقوله:
المقدّمة الأولى: لا شكّ في أنّ هناك جملة من الأمور في المجتمع ليست من واجبات أفراد المجتمع، ولا علاقة لهم بها، بل هي من الأمور الاجتماعية العامّة التي تتوقّف عليها مسألة المحافظة على النظام الاجتماعي، من قبيل: القضاء، والولاية على الغائب والعاجز، وموارد صرف أموال اللقطة والمجهولة المالك، والمحافظة على النظام الداخلي، وأمن الحدود، وأمر الجهاد والدفاع عند هجوم الأعداء، وغير ذلك من الأمور التي تتعلَّق بسياسة المجتمع، وليس لها شخص خاصّ يتصدى لها؛ بل هي من واجبات وليّ المجتمع، والشخص الذي بيده أزمّة الأمور المهمّة للمجتمع، ويجب عليه التصدي لمسؤولية الرئاسة والخلافة.
المقدّمة الثانية: مَنْ يتناول القوانين الإسلامية بالبحث والتحقيق لن يبقى لديه أدنى شكّ في أنّ الإسلام هو دينٌ سياسي ـ اجتماعي، ولا تنحصر أحكامه في العبادات فقط؛ لتأمين السعادة الأخروية للأفراد، بل إن أكثر الأحكام الإسلامية جاءت من أجل إدارة المجتمع، وتنظيم الأمور الاجتماعية، وتأمين السعادة في هذه الدنيا، أو أنها ترتبط بالسعادة في كلا الدارين، مثل: أحكام الحدود، والقصاص، والديات، والأحكام القضائية والشرعية لإنهاء الخصومات، أو الأحكام المتعلقة بضرائب الدولة الإسلامية. ومن هنا يتّفق الخاصّ والعام على ضرورة وجود السياسي المقتدِر والقائد المدبِّر لأمور المسلمين في المجتمع الإسلامي، بل هو من ضروريات الإسلام، رغم أن هناك اختلافاً في وجهات النظر بشأن الشروط الواجب توفّرها في القائد، وخصائصه، وهل أنه يعيَّن من قبل النبيّ أو بالانتخاب؟
المقدّمة الثالثة: لا يخفى أنّ إدارة شؤون المجتمع وتطبيق الأبعاد الاجتماعية في الدين الإسلامي لا تنفصل عن المسائل المعنوية الروحية، والقضايا المرتبطة بتبليغ وإرشاد المسلمين، بل إن السياسة كانت متداخلة مع الديانة منذ الصدر الأوّل. فالنبيّ الأكرم| كان يتابع أمور المسلمين، ويديرها شخصياً، ويقضي في الخصومات، ويختار الحكّام والولاة للمدن المختلفة، ويطالبهم بالخراج. وكانت المساجد تبنى في السابق إلى جانب دار الإمارة، والحكّام ومبلِّغو الدين إلى جوار بعضهم البعض. وهذا النمط من امتزاج الأبعاد الروحانية والمسائل السياسية هي من خصائص ومميِّزات الدين الإسلامي.
وخلاصة القول: إنه لدينا مجموعة من المتطلَّبات الاجتماعية التي تعدّ من واجبات قائد المجتمع، هذا أوّلاً.
وثانياً: إنّ الدين الإسلامي المقدَّس لم يكن ليتهاون في توضيح هذه الأمور، بل اهتمّ بها غاية الاهتمام. ومن هنا فقد فوّض الحاكم الإسلامي صلاحية تشريع وتنفيذ الكثير من القوانين والأحكام.
وثالثاً: لم يكن الحاكم الإسلامي في صدر الإسلام شخصاً آخر غير شخص النبيّ الأكرم|، وخلفائه من بعده.
المقدّمة الرابعة: نحن نعتقد أنّ النبيّ الأكرم| لم يترك أمر الخلافة من بعده، بل عيَّن الإمام عليّاً× لهذا الأمر. وانتقلت الخلافة والإمامة بعد ذلك إلى أبناء الإمام عليّ^. والمعروف أن حقوقهم غصبت. وعليه نجزم بأنّ المرجع في متابعة وإدارة الأمور الاجتماعية المهمّة التي ذكرناها هم الأئمّةُ الاثنا عشر، ولو كانوا يملكون السلطة لتنفيذها لكانت تعدّ من واجباتهم الخاصّة([39]).
ويقول بعد ذكر المقدّمات: كان الأئمّة المعصومون يعلمون أن أغلب الشيعة في زمن الحضور، وجميعهم في زمن الغيبة، لا يمكنهم الالتقاء بهم. ونظراً لتفرُّق الشيعة في المدن المختلفة، وعدم بسط يد الأئمة^، فمن المؤكَّد أن الأئمة عيَّنوا أفراداً، مثل: زرارة ومحمد بن مسلم وأمثالهم؛ للتصدي لهذه الأمور.
ويضيف قائلاً: مع معرفة الأئمّة أن الالتقاء بهم أمر غير ممكن فهل يصحّ أن يمنعوا الشيعة من الرجوع إلى الطاغوت وقضاة الجور ولا يعيِّنوا أحداً للرجوع إليه في بعض الأمور المهمّة، من قبيل: فصل الخصومات، وأموال الغائب والعاجز، والدفاع عن بيضة الإسلام؟!
ولذا نحن على يقينٍ قاطع أنّ أصحاب الأئمّة سألوهم عن الذين يمكن أن يكونوا مراجع للشيعة في هذه الأمور، وأن الأئمة أجابوهم، وعيّنوا لهم أفراداً ليرجعوا إليهم عند الحاجة، وعند تعذُّر الالتقاء بالأئمّة. وغاية الأمر أن هذه الروايات والإجابات حُذفت من الكتب الروائية، ولم يصلنا منها سوى رواية ابن خديجة وعمر بن حنظلة([40]).
وبعد أن يستعرض المواضيع السابقة يستنتج قاطعاً أنّ الأئمة المعصومين^ لم يتركوا هذه الأمور الهامّة، التي لا يرضى الشارع بتركها، وخاصّة أنّهم على دراية باحتياجات الشيعة في عصر الغيبة، ولذلك تمّ تنصيب الفقيه لهذه الأمور.
ومن خلال القياس الاستثنائي يتوصَّل إلى تنصيب الفقيه: تدور القضية بين أمرين: إما أن الأئمة لم ينصِّبوا شخصاً معيناً؛ أو نصَّبوا الفقيه. والأولى باطلة، فتكون الثانية صحيحة.
وحسب اعتقاده يمكن أن نفهم من خلال هذه المقدّمات أنّ كلمة «حاكماً» في مقبولة عمر بن حنظلة، في عبارة «قد جعلتُه عليكم حاكماً» إنّما هي في جميع الأمور الاجتماعية، ولا يمكن اعتبار ذلك واجبَ شخصٍ محدَّد، كما أنّ الشارع المقدَّس لا يرضى بإهمال ذلك، ولو كان في زمن الغيبة. وتجدر الإشارة إلى أنّ التصدي لهذه الأمور لا يختصّ بالقاضي أيضاً، وإنْ كان عمل القضاء والفصل في الخصومات اقترن عُرْفاً وعلى الدوام بالتصدّي لسائر الأمور التي هي محلّ ابتلاء المجتمع بها([41]).
ويقول في تتمّة الموضوع الأساسي ـ يعني إقامة الجمعة ـ: يبقى أن نقول: هل أن إقامة الجمعة من تلك الأمور العامّة التي هي محل ابتلاء المجتمع بها، والتي لا يرضى الشارع بتركها، أم لا؟
هنا يتكوّن جانب آخر من استدلاله، والذي بقي خافياً عن أنظار الكثير من الباحثين والمحقِّقين. ويقول لدى إجابته عن واجب الفقيه في إقامة الجمعة: إن واجب الإمام على قسمين: القسم الأوّل هو الواجبات التي تتعلَّق بالإمام مبسوط اليد، مثل: الحفاظ على الأمن الداخلي، وسدّ الثغور في البلاد، والأمر بالجهاد والدفاع، وما شابه ذلك؛ والقسم الثاني هو الواجبات التي لا ينبغي للإمام أن يتركها، ولو كان غير مبسوط اليد؛ لأنّه يستطيع القيام بها بتفويض غيره من الأفراد، مثل: التصرُّف بأموال اليتامى والمجانين، والفصل بين الناس، والتصرُّف بأموال المفقودين.
ويقول في تتمة كلامه: والظاهر أنّ إقامة الجمعة من القسم الأوّل. لذا لا ينبغي للفقيه إقامة الجمعة؛ لأنّ القدر المتيقَّن من أدلة ولاية الفقيه تختصّ بالقسم الثاني، أي الأمور التي لا يرضى الشارع بتركها، ولا يعدّ بسط اليد شرطاً فيها([42]).
النقطة المهمة هنا أنّ المقدمة الأولى للاستدلال تبيِّن أن الأمور الاجتماعية العامة أوسع من النتيجة النهائية. فهو يذكر في المقدّمة الأولى أن الأمور الاجتماعية العامة، وهي التي ليس لها شخص خاصّ لكي يتصدّى لها، هي الولاية على الغائب والعاجز، وتحديد وجه صرف أموال مجهول المالك، والمحافظة على النظام الداخلي، وأمن الحدود، وأمر الجهاد والدفاع. وعليه فإنّ مهمّة الفقيه تتمثَّل بالتصدي لهذه الأمور العامّة والمهمة، والتي تضم المهامّ السياسية والحكومية أيضاً، سواءٌ فهم من ذلك الحِسْبة الموسعة([43]) أو الولاية العامّة للفقهاء.
ولكنْ طبقاً لما جاء في البحث الأخير نجد أن دائرة الأمور الحِسْبية مضيّقة للغاية. والحفاظ على النظام الداخلي، وأمن الحدود، وأمر الجهاد والدفاع، تخرج من دائرة الأمور الحِسْبية، وتبقى بعض الأمور، من قبيل: التصدّي لأموال الغائب والعاجز وفصل الخصومات فقط.
ويرى الدكتور كَدِيوَر، وهو الذي اكتفى بالمقدّمات العقلية فقط، أنّه يؤمن بالولاية التنصيبية العامّة.
وبالإضافة إلى أنّ عبارات السيد البروجردي أكثر شبهاً بالحِسْبة الموسَّعة منها بالولاية التنصيبيّة العامّة، إلاّ أنّه لا بدّ أن نقوم بإزالة التناقض بين هاتين الفقرتين من عبارته بنحوٍ ما؛ إذ إنّ المقدّمة الأولى تُدخل أموراً معينة، كالجهاد مثلاً، في دائرة ولاية الفقهاء، وتخرج القسم الأخير من هذه الأمور من هذه الدائرة.
ومن أجل إزالة هذا التناقض من الممكن أن نتصوَّر أنه في المبحث الأوّل في صدد الاستدلال العقلي على ولاية الفقيه (الأمور التي هي محلّ ابتلاء المجتمع بها، ولا يقبل الشارع تركها)، ولكنْ عندما يثار المبحث النقلي يرى أنّ المستفاد من الروايات هو التضييق (الأمور التي يبتلي بها المجتمع، ولا يقبل الشارع تركها، ولا تستلزم بسط اليد). وبناء على ذلك فقد كان في القسم الأول في صدد إثبات ولاية الفقيه من زاوية الأدلة العقلية؛ وفي المبحث الثاني كان في مقام تحديد دلالة الأدلة النقلية، فاكتفى بالقدر المتيقَّن منها.
ويبدو أن كتاب البدر الزاهر، الذي ألَّفه الشيخ منتظري في مرحلة تبلور الاسلام السياسي، يحمل نفس هذا الاستنتاج.
ولكنْ يمكن تناول هذا الموضوع من زاوية أخرى أيضاً؛ وذلك أن كلّ ما تناوله يثبت أمراً واحداً. ولذا يجب النظر الى الدراسة السابقة ككلٍّ واحد؛ وتحليلها كمجموعة واحدة. فهو ليس في صدد إعطاء أدلة عقلية مجتزأة، بل يسعى إلى إثبات مقدار دلالة الروايات على دائرة تطبيق الولاية بالاستفادة من المقدّمات العقلية. والواقع أنّها تمثِّل مقدّمات فهم الروايات، وليس مقدّمات الدليل العقلي المستقلّ. وكأنّ منهجه في دروس البحث الخارج ضمّ المقدمات الخارجية والعقلية لفهم الروايات. ومن هذه الزاوية، ومن خلال المقدّمات العقلية، يمكن التكهُّن أن الإمام لم يترك المسائل محلّ الابتلاء، وأعطى النيابة للفقيه؛ لتنظيم تلك الدوائر.
ولكنْ يبقى أن نعرف كَمْ من هذه المسائل التي ورد ذكرها في المقدّمات يمكن أن نعتبرها من واجبات الفقهاء من باب تطبيق الولاية؟
وهنا تثار مسألة القدر المتيقَّن؛ التي يعتقد جازماً أنّه يمكن جعل الأمور التي هي محلّ ابتلاء ضمن دائرة تطبيق الولاية، والمسائل التعبُّدية ـ كصلاة الجمعة ـ خارجة عن هذه الدائرة. والنتيجة أنّه على أساس الاحتمال الأخير لم يكن في صدد إعطاء دليل عقلي مستقلّ، بل ذكر جملة من المقدّمات لفهم الأدلة النقلية والشرعية.
وعليه تصبح النتيجة كالتالي: لا ولاية للفقيه سوى في الأمور الاجتماعية، التي لا يوافق الشارع المقدَّس على تركها، ولا تستلزم بسط اليد.
والاحتمال الأخير يتناسب بشكلٍ أكبر مع ما استنتجه اشتهاردي من الفكر السياسي للسيد البروجردي.
وعلى هذا الأساس فإنّ الخوض في السياسة، حتّى للأنبياء والأئمة^، يبقى في حدود الضرورة. وبتعبير آخر: لا يعتبر من واجباتهم الأساسية. وأبعد من ذلك إن المعصومين^ كانوا يتدخَّلون في السياسة عند المصلحة، والواقع أن الولاية السياسية لم تكن من شؤونهم الذاتيّة؛ بل إن شأنهم الأساسي هو الأمور المرتبطة بالمبدأ والمعاد([44]). وبالتالي لا بدّ من القول: إنّ نظرية السيد البروجردي حول مسألة ولاية الفقيه بحاجة إلى مزيدٍ من التدقيق.
13ـ وفي هذا الكتاب نسبت «نظرية الانتخاب» إلى الشهيد مطهري. ورغم أن نظرية الولاية الانتخابيّة المقيَّدة للفقيه وُلدت على خلفية النقاش بين الشيخ حسين علي منتظري والشيخ الشهيد مطهري حول درس الإمام الخميني&، وانتقاداً لنظرية التنصيب، إلاّ أنّ العبارات القيِّمة للشيخ الشهيد أقرب إلى نظرية «الإشراف» من نظرية «الولاية».
الفرق بين نظريتي الولاية والإشراف أنّه في الولاية ترجع الشرعية في النهاية إلى الفقيه، سواء بالواسطة أم بدونها؛ في حين أن الأمور التنفيذية في نظرية الإشراف توكل إلى الناس أنفسهم، ويشرف الفقيه أو (الفقهاء) على التنفيذ أو التشريع. وهذا الإشراف يمكن أن يكون على النحو الذي يقوم فيه الناس بوضع الضمانات التنفيذية له؛ ويمكن أن تكون الولاية بالشكل التنصيبي أو الانتخابي. فالتنصيب والانتخاب هي أنماط وأشكال للوصول إلى السلطة؛ رغم ما لها من تأثير في حدود الولاية أيضاً.
وعلى أيّ حال فإنّ مراد مطهري من ذلك أن الفقيه، كأيِّ منظِّر ومرشد، يجب أن يشرف على الأمور بشكلٍ أساسي: «ولاية الفقيه لا تعني أن يكون الفقيه على رأس السلطة والدولة، ويحكم بصورة عملية. دور الفقيه في أيّ بلد إسلامي ـ أي البلد الذي آمن فيه الناس بالدين الإسلامي كنظريّة، والتزموا بها ـ هو دور المنظِّر، وليس دور الحاكم. ومسؤولية المنظِّر هو أن يكون له الإشراف على التطبيق والتنفيذ الصحيح للمنهج. فهو يشرف، ويدرس صلاحية منفِّذ القانون، والشخص الذي يريد أن يتبوّأ منصب رئيس الدولة، ويصبح من ضمن الكادر الفكري الإسلامي»([45]).
والملفت هنا أنّ الأستاذ مطهري يرجع فهم هذه المسألة واستيعابها إلى فهم الناس في عصر الدستور، ويقول: « تصوّر الناس في ذلك الوقت ـ المرحلة الدستورية ـ، وكذلك الناس في هذا الوقت، لولاية الفقيه لم ولن يصل إلى أن يمارس الفقهاء الحكم، ويديروا شؤون البلاد بأنفسهم»([46]).
ولكنْ تجدر الإشارة إلى أن الظاهر من بعض الآراء الأولية للإمام الخميني& أنها كانت تشير أيضاً إلى هذه النظرية، وترجعها أيضاً إلى المرحلة الدستورية: «نحن لا نقول بوجوب أن تكون الحكومة بيد الفقيه، بل نقول: يجب أن تُدار الحكومة بالقانون الإلهي الذي فيه صلاح البلاد والعباد، ولن يتمّ ذلك بدون إشراف الفقيه. وكما صوَّتت الحكومة الدستوريّة أيضاً على هذا الأمر، وصادقت عليه»([47]).
وبشكلٍ عامّ تؤكِّد النظريات التي تتبنى الولاية على الفرد، وتؤكِّد نظريّة الإشراف على المؤسَّسة بشكلٍ أكبر.
ففي نظريات النوع الأوّل، وعند الإجابة عن سؤال «مَنْ الذي؟» نجد أنها تطرح شخص الفقيه؛ ولكنْ في نظرية الإشراف الفرضية التالية واردةٌ، وهي أنّ الأمور التنفيذية أوكلت إلى الناس أنفسهم، ويجب أن تحظى بالتأييد والدعم من قِبَل المتخصِّصين من رجال الدين فقط. ولو افترضنا الأخذ بمسألة الإشراف لأسلمة الأمور فلا داعي على الإطلاق لاكتفائنا بإشراف الفرد؛ لأنّ إشراف مجموعة الفقهاء يبدو أقرب إلى الصواب. ولهذا السبب بالضبط نجد أنّ الفرد في النظريّات القائلة بالولاية أكثر تبنّياً ممّا هو في النظريّات التي تقول بالإشراف.
والظاهر أنّ الدكتور كَدِيوَر التفت إلى هذا التبايُن في كتاب (حكومت ولايي)، أي حكومة الولاية، ويذكر الأستاذ مطهري ضمن القائلين بنظرية الإشراف([48]).
14ـ النقطة التالية في تفسير نظرية الولاية المطلقة التنصيبيّة للإمام الخميني& على جانبٍ كبير من الأهمّية، وهو أنه يعطي الولاية المطلقة للحكومة، وليس للفرد. ولعله لأجل هذا يمكن القول: إنه يلاحظ في فكره عبوراً من الفرديّة إلى المؤسَّساتية. ولدى توضيح الإمام الخميني لحدود صلاحيات الحكومة قال بكلّ صراحة: «القول بأنّني قلتُ: إنّ الحكومة ذات صلاحيات في إطار الأحكام الإلهية على العكس تماماً من أقوالي»([49]). ويرى الإمام الخميني «أن الحكومة ـ التي تعدّ شعبة من شعب الولاية المطلقة لرسول الله| ـ هي إحدى الأحكام الأساسية للدين الإسلامي، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية، حتّى الصلاة والصوم والحجّ»([50]). إنّ الكلام في جميع العبارات السابقة يدور حول الحكومة وصلاحياتها، وليس عن الفرد.
ولمّا كان رأيه أنْ لا فرق بين رفض الأحكام الثانوية بعد تشخيص الموضوع بواسطة عرف الخبير ورفض الأحكام الأساسية بلا سبب، وأنّ الأحكام الثانوية وحدها غيرُ كافيةٍ للولاية المطلقة للفقيه، وأنّه بعد تصويت المجلس وإقرار مجلس صيانة الدستور لا يحقّ لأيّ شخص أن يرفضه، ويجب على الحكومة اتّخاذ الإجراء اللازم بدون أيّ نقاش([51])، جاء رأي الإمام الخميني باعتبار رأي ثلثي أعضاء مجلس الشورى الإسلامي حجّة في المواضيع العرفية، التي يُعتَمد في تشخيصها على العُرْف.
وكان يُنظَر إلى الرؤية الحكوميّة للإمام الخميني على أنها نقدٌ لبعض الفقهاء التقليديين القائلين بأن للفقيه (وليس لمؤسَّسة الدولة) الولاية في الأمور العامة المحددة بإطار أحكام الشرع.
وعندما أوصى الإمام الخميني&: «خذوا دور الزمان والمكان بعين الاعتبار؛ لأن الأبحاث والنقاشات الدائرة في حلقات الدرس لا تلبي الطموح، وتؤدي بنا إلى طريق مسدود»([52])، لعلّه جاء في ثنايا أفكاره ونهاياتها عبوره من «الفرد» إلى «المؤسَّسة».
ويرى الإمام الخميني أنّ «الحكومة» هي التي تحدِّد فلسفة التصدّي للشرك والكفر، وهي مفتاح الحلّ للمعضلات الداخلية والخارجية.
ويرى الإمام الخميني أنّ مصلحة النظام ترتبط بالولاية المطلقة، وأن الحكومة الإسلامية تستطيع إيقاف العمل بالأحكام الأوّلية والثانوية (بصورة مؤقَّتة)، بناءً على أساس المصلحة. ومن هذه الناحية فإن قوانين الدولة ومصلحة النظام تتقدَّم على الأحكام الشرعية الأوّلية والثانوية.
وهنا بالضبط يبدو لنا أنّ كيان «مؤسَّسة الدولة» يتمّ التطرُّق إليه والإشارة له؛ إذ إنّ قرارات الشخص وتقديره للمصلحة ليست بالتي تعطِّل العمل بالأحكام الشرعيّة، بل إنّ مؤسَّسة الدولة هي التي لها هذه المساحة من الصلاحيّات. وعندما يتنازل الفرد في الفقه السياسي عن موقعه لصالح المؤسَّسة تظهر الحاجة إلى نظريّة الدولة من حيث الفلسفة السياسيّة. ولو لم تكن هناك نظريّة معيَّنة في علم الفلسفة السياسية يمكن أن تحدِّد مسار الموضوع المتقدِّم فستبقى مصلحة الدولة ومصلحة نظام الحكم بدون سندٍ نظري، ويغدو ممكناً استنتاج أفكار متباينة منها، بل وأحياناً متقاطعة من الفهم ـ حتّى الذهاب إلى فكرة الدولة المقتدرة ـ. وعلى العكس من ذلك، لو أن كلاًّ من علمَيْ الفقه السياسي والفلسفة السياسية اقتصرا على الاهتمام بمهامهما الخاصّة، وكان بينهما تناغم وانسجام([53]) كما يقال، لتحوَّلت من زاوية الفلسفة السياسية إلى نظرية ناضجة وداعمة للفقه السياسي في باب إدارة الدولة.
وعلى أيّ حال فإنّ فكر الإمام الخميني& في خصوص الحكومة، والذي يمكن أن نذكره تحت عنوان «الجمهورية الإسلامية القائمة على ولاية الفقيه»([54])، يمكن اعتباره محاولةً في إطار إيجاد المواءمة بين المفاهيم القديمة والجديدة، وبخاصّة الولاية والجمهورية. ومن هذه الزاوية يعتبر استمراراً للمنهج الفكري للمجتهدين الدستوريين، أمثال: الشيخ النائيني([55]).
15ـ ومن ناحية أخرى نرى أنّ الرأي النظري للإمام الخميني& كان في حاجة إلى التوضيح. وبشكلٍ عامّ يمكن أن نستخلص استنتاجين من نظرية التنصيب:
الأوّل: أن يكون مبدأ التنصيب مشروطاً برأي الناس، أو على الأقلّ أن يؤخذ برأي الناس عند اكتساب التنصيب صفته الفعليّة، ويعتبر شرطاً في ذلك.
الثاني: أنّ الفقهاء منصَّبون بالتنصيب الإلهي، وأنّ رأي الناس مؤثِّر فقط في إقامة نظام الحكم.
والتأمّل في كلمات الإمام الخميني& يؤكِّد الاستنتاج الأوّل: «الحكومة الإسلامية حكومة وطنية، حكومة تستند إلى القانون الإلهي وآراء الأمّة. وتتحقَّق بآراء الشعب، ومتى ما عملَتْ خلافاً لرأي الشعب فإنّها ستسقط حتماً…([56]). وكلّ ما تطرحه الأكثرية من آراء فهي محترمة، حتى لو كانت مخالفة، وتعود بالضرر عليهم. فالديموقراطية هي أن تكون آراء الأكثرية هي المحترمة…([57]). وعندما أُعلن عن التصويت كان رأيي هو حكومة الجمهورية الإسلامية، إلاّ أن الناس أحرار في أن يعبِّروا عن رأيهم، ويقولوا بأنّنا نريد نظام الحكم المَلَكي، وأن يقولوا بأنّنا نريد عودة محمد رضا بهلوي. إنهم أحرارٌ في أن يقولوا: نريد نظام الحكم الغَرْبي، وأن يكون جمهوريّاً، ولكنْ ليس إسلاميّاً»([58]).
النظرية المتقدِّمة من الديموقراطية وحكم الشعب بمكانٍ؛ بحيث إنّها مستعدة لتسليم السلطة السياسية في حالة رفض الشعب للإسلام ولرجال الدين.
ولكنْ على أساس الاستنتاج الثاني يمكن أن تكون صلاحيات الولي الفقيه أوسع من الدستور([59])، وأن تكتسبساس القراءة الثانية أستا
أساس الانتخابات شكلها الصوري والدستوري برأي وليّ الأمر، وتصبح مسألة تعيين الحكومة مثار التساؤل. وفي نظام كهذا تحلّ «التكاليف» محلّ « الحقوق». وبدلاً من أن يتمكَّن الناس من المشاركة في الأمور الاجتماعية والسياسية بشكلٍ حرّ، على أساس الرضا وممارسة حقّهم، يتوجَّب عليهم القيام بأعمال خاصّة على أساس التكليف. ووفقاً لهذا التفسير يصبح نظام الحكم الولائي نظاماً جمعيّاً، ويصبح الفرد فيه مستحيلاً، ويفقد استقلاليّته، وفي المقابل تتغلَّب الدولة بكلّ قوّة على الفرد، بناء على مبدأ المصلحة([60]).
16ـ رغم أنّ نظريّة الشيخ منتظري في هذا الكتاب وُصفت بأنّها نظرية الولاية الانتخابية المقيّدة للفقيه بشكلٍ واضح، فإنّه في الطبعة الجديدة لكتاب نظريات الحكومة في الفقه الشيعي (نظريه هاي دولت در فقه شيعه) كان لا بدّ من الإشارة كذلك إلى نظريّاته الأخيرة (نظرية الإشراف، وحتّى شورى القيادة).
ويبدو أنّه يمكن أن نطرح أيضاً مسألة العبور من «الفرد» إلى « المؤسَّسة» في الاختلاف الموجود بين كتاب (دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية)([61]) وكتاب (الدولة الدينية وحقوق الإنسان)([62]).
ولا شكّ في أنه تمّ طرح «نظرية الولاية الانتخابية المقيّدة للفقيه» في الكتاب الأوّل، ولكنْ يبدو أن المقترح غير المكتوب للمؤلِّف في الكتاب الثاني كان في العبور الجميل من الفرد إلى المؤسَّسة. وبناء على ذلك لا بدّ من أخذه بعين الاعتبار في وضع نظريّة جديدة ـ وليس قراءة جديدة لنظرية الولاية الانتخابيّة ـ.
ومع أخذ الفرضية التالية بنظر الاعتبار، وهو أنّه لم يقُلْ شيئاً متناقضاً (بمعنى أنه لا يؤمن بكلتا النظريّتين في آنٍ واحد)، وبالنظر إلى نيّة المؤلف (والقرائن الخارجية الأخرى)، يمكن القول: إنه يلاحَظ في الآراء الأخيرة وجود تحوُّل جوهري من «الولاية» إلى «الإشراف». وفي هذا السياق نشير إلى جملة من النقاط المؤيِّدة لهذا القول:
أـ ماهية الولاية والإشراف: ماهيّة الولاية غير الإشراف. «الولاية» نوع من السلطة والقدرة للقيادة والتولّي المعطاة لشخصٍ أو عدّة أشخاص معينين؛ في حين أن «الإشراف» عبارة عن عملية تقييم مدى انطباق الأحكام والأعمال الموجودة في حكومةٍ ما على أساس الشريعة، والتي تحصل عادةً بناء على طلب الأمّة.
ففي نظريّته الأولى تمّ النظر إلى ولاية الفقيه باعتبارها استمراراً للولاية الإلهية: «المرتبة الكاملة للولاية التشريعية الخاصّة بالذات الإلهية المطهَّرة، ومراتبها الأدنى لبعض الأنبياء والنبيّ الأكرم والأئمّة المعصومين^، وفي زمن الغيبة للفقيه العادل العالِم بأحوال الزمان، ومَنْ له الدراية بمشاكل العصر، والقادر على التصدّي لها وحلّها»([63]).
وعلى أساس نظرية الولاية المنتخبة للفقيه لم يتمّ تنصيب شخصٍ معيَّن من قبل الشارع المقدَّس للولاية، بل إن الله تعالى أخذ بعين الاعتبار وجود صفات معينة للحاكم الإسلامي. ومن هنا، ورغم أنّ الشارع المقدَّس وافق على مبدأ انتخاب الفرد الجامع للشروط من قبل الناس؛ إلاّ أنّ شكل الحكومة، وطريقة الانتخاب، وخصائص الناخبين، وكيفية إجرائها، قد وُضعت بيد العقلاء.
وعلى أساس هذه النظرية تعتبر البيعة الوسيلة الإنشائية للتولية. وتستند شرعية الحكومة في إطار الشرع في زمن الغيبة إلى الأمّة.
ويمكن تقييد صلاحيات الحاكم بالدستور، بآلية الشروط الواردة ضمن العقد. كما يمكن تحديد ولاية الحاكم بمدّة معينة (عشر سنوات مثلاً). ويمكن عزل وليّ الأمر في إحدى حالتين: فقدانه الصفات المطلوبة، أو عدم إيفائه بتعهُّداته (الشروط الواردة في العقد في إطار الدستور).
والحكومة مسؤولة عن الأمور العامّة للمجتمع، والناس أحرارٌ في ممارسة حياتهم الخاصة وأمورهم الشخصيّة. ورغم أنّ اتّباع رأي الأكثرية ليس واجباً على الحاكم، بناءً على نظرية الولاية الانتخابية المقيدة للفقيه، إلاّ أنه يستفيد من آلية الشورى والتشاور.
ويشرف الفقيه على السلطات الثلاثة. ويمكن تقنين مسألة الفصل بين السلطات بشكلٍ نسبيّ في الدستور.
واستناداً إلى هذه النظرية فالولاية «للفقيه»، وليس لجميع الفقهاء، ولا لشورى الفقهاء.
ويمكن مقارنة نظرية الولاية التنصيبية المطلقة ونظرية الولاية الانتخابية المقيّدة للفقيه من خلال الأمور التالية: مصدر الشرعية، الصفة الإسلامية، دور الأمّة، البيعة، جمهورية الحكومة، تنصيب الحاكم وعزله، الدستور، إمكانية الإشراف وكبح السلطة السياسية، إطلاق صلاحيات الحكومة وتقييدها، مدّة الحكم، مصلحة النظام، توحيد الحكومات الإسلامية وتعدُّدها، المجتمع المدني ودائرة الحرّيات([64]).
وعلى العكس من ذلك فإنّ كتاب الحكومة الدينية وحقوق الإنسان، الذي يهتمّ بالإنجازات البشرية في مجال فصل السلطات وتقسيم السلطة، ينفي بصريح العبارة ولاية الفقيه في مجال التنفيذ([65]). ومن هنا فإنّ الأمر المهم الوحيد في هذا السياق هو تطبيق أحكام الشريعة، لا غير، وليس لولاية شخص الفقيه أيّ مدخليّة في هذا المجال([66]). وفي النظريّة الجديدة لا ضرورة لأن يكون الفقيه على رأس الهرم.
ب ـ حدود دائرة الولاية: ولاية الفقيه بمعناها العامّ هي عبارة عن إجماع الفقهاء.
وقد أقرّ الجميع امتلاك الولاية على الأقلّ في دائرة الفتوى والقضاء و الولاية (أو جواز التصرُّف) ضمن دائرة الحِسْبة. ولكنّ البعض منهم فقط يؤمن بولاية الفقيه بمعنى امتلاك الولاية السياسية الواسعة لإقامة الدولة.
نظرية الولاية المنتخبة تحدِّد الولاية «للفقيه» ضمن حدود الشرع المقدَّس، وضمن حدود عقد البيعة والشروط التي يتضمَّنها العقد (من قبيل: مدّة عشر سنوات، أو الشروط الواردة في الدستور). ومن هنا فهي تقول بدائرة أضيق للفقيه قياساً بنظرية الولاية التنصيبية المطلقة للفقيه: «جميع الأمور المتعلِّقة بالمجتمع الإسلامي كمجتمع تقع على عاتق الحاكم الإسلامي… كما ويمكن تلخيص واجبات الحاكم بهذه الجملة: «حراسة الدين وسياسة الدنيا»([67]). ويقول: إن الولاية ليست كالإشراف المعمول به في النظم المَلَكية مثل: بريطانيا([68]). وتشمل دائرة ولاية الفقيه الجهاد الابتدائي في زمن الغيبة أيضاً([69]).
ولكنْ على أساس نظريّته الأخيرة فليس للفقيه ولاية أصلاً لتشكيل الحكومة وإدارتها، وسوف «يشرف» (إذا أراد الناس ذلك) على التطبيق الصحيح لأحكام الشريعة فقط: «ولا تعني ولايته أنها ثابتة وسارية في دائرة التنفيذ»([70]).
كما سبق أنْ أكَّد في كلمته عام 1376هـ.ش على هذا الأمر أيضاً([71]). ولكنْ بإمكان «الناس» طبعاً أن يقترحوا آليّات معيَّنة ليصبح هذا الإشراف مصحوباً بضمان التنفيذ.
كما أن الشيخ النائيني الذي كان يقول بالولاية في حدود الحِسْبة الموسَّعة([72])، ويعتقد بإشراف خمسة فقهاء على التطبيق الصحيح للأحكام (على أساس دستور الثورة الدستورية)، لم يكن لديه هو الآخر سوى هذا الاعتقاد أيضاً.
ولعله لهذا السبب تناول منتظري موضوعة الحِسْبة في كتاب (حكومت ديني وحقوق إنسان): «لو أنّ الناس لم يقدموا في مكانٍ ما أو في زمنٍ ما على إقامة السلطة اللازمة، وبالتالي ظهرت الفوضى وفقدان الأمن وتضييع الحقوق والقتل والسلب والنهب، أو كانت هناك حكومةٌ ظالمة على رأس السلطة، تسبَّبت في تضييع حقوق الناس، أو كانت مناوئة للقِيَم الإنسانية والدينية، ففي كلتا الحالتين يجب على الفقهاء العدول بالدرجة الأولى، وعلى عدول المؤمنين بالدرجة الثانية، ومن باب الحِسْبة أن يبادروا إلى إقامة السلطة اللازمة والضرورية بقدر استطاعتهم، وتصبح إعانتهم كذلك واجبة على الناس»([73]).
ج ـ شروط الحاكم الإسلامي: الشروط الواجب توفُّرها في الحاكم الإسلامي وفقاً لنظرية الولاية المنتخبة تختلف عن نظرية إشراف الفقيه (أو الفقهاء).
ففي النظرية الأولى هناك عدّة شروط للحاكم الإسلامي، وهي: العقل الوافي، الإسلام والإيمان، العدالة، الفقاهة والعلم الاجتهادي بالأحكام الإسلامية، بل الأعلمية (باعتبارها أهمّ الشروط)، التدبير، عدم البخل، الرجولة، وطهارة المولد([74]).
في حين أشار كتاب الدراسات، وبشكلٍ صريح، إلى شرط الفقاهة والأعلمية([75]). وجاء في كتاب الحكومة الدينية: «ولاية الفرد أو الأفراد الفقهاء في هذا المجال لا موضوعيّة لها»([76]) ، وإنّ شرط الأعلمية حدِّد في مجال الإفتاء فقط([77]).
د ـ فرديّة أو جماعيّة هذه المسؤولية: وفقاً لنظرية الولاية المنتخبة المقيدة للفقيه فإنّ فقيهاً واحداً فقط له الولاية بالفعل، على العكس من النظريّات القائلة بالتنصيب: «نظريّة ولاية الفقيه هي المعمول بها في هذه النظريّة، وليست ولاية الفقهاء. فالفقهاء غير المنتخبين يفتقدون للولاية الفعليّة»([78]).
في حين جاء في النظريّة الأولى: «رئيس الحكومة الإسلامية عبارة عن فرد، وليس شورى القيادة»([79])؛ وفي النظرية الثانية يمكن أن يتمّ الإشراف من قبل فقيه واحد أو مجموعة من الفقهاء: «وفقاً لفرضيّتنا فإن فقيهاً واحداً من بين الفقهاء من ذوي الفتوى ـ أو عدّة فقهاء منهم على نحو الشورى ـ له الحقّ في الإشراف على قوانين البلاد، وأن يرفض القوانين المخالفة للشرع أحياناً. ويجب أن يصار كذلك إلى اتّباع رأيه وفتواه، وله مثل هذه السلطة»([80]).
ويرى أنّ شورى القيادة تقلِّل من خطر الاستبداد: «وعلى أيّ حال يبدو أن السلطة السياسية إذا لم تنتقل إلى شخصٍ واحد أفضل؛ لأنه في الشخص الواحد يكون خطر الاستبداد أكثر… إذن ما المانع في أن تصبح السلطة السياسية بيد جميع المراجع الذين يتمّ تعيينهم بصفة شورى القيادة من قبل مجلس الخبراء بمقتضى الآية الكريمة: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾؟ وبذلك سيكون خطر الاستبداد أقلّ وقوعاً حتماً»([81]).
ويجب البحث عن سبب هذا الأمر في التفاوت الموجود بين المعصوم# وغير المعصوم، واحتمال الوقوع في الخطأ: «انطلاقاً من الأوضاع السياسية المعقَّدة السائدة في عالم اليوم، ونظراً إلى النضج السياسي للشعوب والعلاقات الدولية، والحاجة إلى الاختصاصات المختلفة والعقول المفكِّرة في مختلف المجالات، فإنّ وضع جميع مفاصل السلطة بيد فردٍ واحد غير معصوم وجائز الخطأ، ولربما قابل للتأثُّر بأفراد من ذوي الصلاح في الظاهر والطامعين والمتملِّقين، ليس في صالح الإسلام والبلد»([82]).
هـ ـ مصدر شرعيّة الفقيه: رغم أنّ الشرعية في نظريّة الولاية الانتخابية متأتِّية أساساً من قبل الأمّة فإنّه يمكن اعتبار الشرعيّة في هذه النظرية ـ من جهة تحديد صفات الوالي ـ إلهيّة هي الأخرى؛ ذلك أنّ الله تعالى حدَّد صفات الحاكم الإسلامي (ومنها: الفقاهة).
إنّ الشرعيّة في النظريّات التنصيبيّة (مثل: نظرية الولاية المطلقة للفقيه) هي من قِبَل الله تعالى، وآراء الناس محترمةٌ حتماً من جهة أنّها مقبولة. أمّا شرعية ولاية الفقيه في نظريّة الانتخاب فهي تستند إلى رأي الأمّة من جهة أنّ الناس هم الذين يميلون نحو أحد الفقهاء ويبايعونه: «للأمّة حقّ الانتخاب، ولكنْ ليس بشكلٍ مطلق، بل بأخذ الصفات اللازمة بنظر الاعتبار»([83]).
ويقوم الفقيه (أو الفقهاء) في نظريّته الأخيرة، وكما تمّت الإشارة إليه، بالإشراف فقط، وليست له الولاية لممارسة الحكم؛ لكي يصار إلى البحث في نوعها. كما أن شرعية إشرافه تنبثق من الناس بالكامل، ويقوم بهذا الأمر عندما يريد الناس ذلك فقط.
و ـ هيكل الحكومة الإسلامية: يمكن أن نستشرف هيكل الحكومة الإسلامية على أساس نظريّة الانتخاب طبقاً للصيغة الواردة في دستور الجمهورية الإسلامية. فرغم وجود السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الثلاثة في النظرية الأولى إلاّ أنّها جميعاً تكتسب قيمتها في ظلّ ولاية الفقيه. ويقول: «إن ما ذكر في كتاب الدراسات جاء على افتراض تمركز السلطات في السلطة الدينية»([84]). وجاء التصريح بالهيكل الهَرَمي للسلطة في هذه النظرية كما يلي: «الفرد المسؤول والمكلَّف الأصلي في الحكومة الإسلامية هو الحاكم الإسلامي، والسلطات الثلاثة هي عبارة عن سواعده وأياديه، وهو في الحقيقة يقف على رأس الهَرَم المخروطي للسلطة والمسؤولية، ويشرف على جميع أجزاء هيكل الحكومة بشكلٍ كامل تماماً»([85]).
ولكنْ في نظريته الأخيرة بما أنّه ليس للفقيه الولاية في الأمور التنفيذية يمكن الحديث عن نموذج الفصل بين السلطات بشكلٍ أكثر واقعية: «بناء على أساس التجربة وحكم العقلاء فإنّ تمركز السلطات من حيث المبدأ في شخصٍ غير معصوم ـ وبخاصّة في الظروف الحالية للمجتمعات ـ يمهِّد الأرضيّة اللازمة للاستبداد والفساد. ووفقاً لفرضية فصل السلطات ستكون دائرة ولاية الفقيه الجامع للشرائط محدودةً بطبيعة الحال بالإفتاء والإشراف على شرعيّة القوانين في البلاد، ولا يعني ذلك أن تكون ولايته ثابتة في المجال التنفيذي»([86]). «طبقاً لنظرية فصل السلطات لا يلزم أن يكون المتولي للسلطة التنفيذية فقيهاً»([87]). وبالإضافة إلى ذلك يضيف قائلاً: إن نموذج إشراف الفقيه عبارة عن «مقترح» لا غير، وهو بحاجة إلى تفسير من ذوي الخبرة. وبناء على ذلك بإمكان المتخصِّصين استبداله بنماذج أكثر فاعليّة([88]).
وخلاصة القول: عند مقارنة كتاب «دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية» وكتاب «حكومت ديني وحقوق إنسان» يمكن أن نلاحظ نوعاً من الميل من النظرية الفردية (الولاية الانتخابية المقيّدة للفقيه) نحو النظرية المؤسَّساتية (نظرية الإشراف)؛ لستّة أسباب على الأقلّ، وهي: إن ماهيّة الولاية هي غير ماهيّة الإشراف؛ وحدود الولاية في النظرية الأولى لها شمولية أكبر قياساً بالنظرية الثانية؛ في حين أن الشرط الأهم للحاكم الإسلامي وفقاً للنظرية الأولى هو الفقاهة والأعلمية، والفقيه في النظرية الثانية ليست له ولاية تنفيذية أساساً؛ وفي النظرية الأولى هناك ولاية لفقيه واحد فقط (وليس شورى الفقهاء)، أمّا في النظرية الأخيرة فيمكن إحالة الإشراف لشورى الفقهاء كذلك؛ مصدر شرعيّة الفقيه وفقاً للنظرية الأولى تأتي من قبل الأمّة، وإن كانت صفات الحاكم تحدَّد من قبل الله تعالى. ولكنْ بناء على النظرية الأخيرة ليست للفقيه ولاية تنفيذية؛ لكي يدور الحديث عن مصدر شرعيّتها؛ تكتسب عملية الفصل بين السلطات معناها ـ وفقاً للنظرية الأولى ـ في ظلّ ولاية الفقيه فقط، وبناء على ذلك يمكن القول: إنّ جميع السلطات موجودةٌ في الواقع، ولكنْ في النظرية الثانية بما أن الفقيه ليست له ولاية تنفيذية فإنّ فصل السلطات يتحقَّق بشكلٍ أفضل.
وقد انحازت الآراء الأخيرة للشيخ منتظري باتّجاه نظريّة الإشراف وشورى المراجع.
وعلى أيّ حال فالملاحظات المتقدّمة لا تقلِّل من قيمة الكتاب، وبخاصّة النقطة الأخيرة، التي تعتبر بمثابة مقترح للإصلاح في الطبعات التالية.
الهوامش:
(*) محقِّقٌ وباحثٌ إسلامي، وأستاذٌ مساعد لمادّة العلوم السياسية في جامعة المفيد، من إيران.
([1]) محسن كَدِيوَر، نظريات الحكومة في فقه الشيعة، طهران، دار نشر ني، 1376.
([3]) مهدي الحائري، الحكمة والحكومة: 165 ـ 166، لندن، شادي، 1995.
([4]) مهدي الحائري اليزدي، «تأملاتي گذرا درباره إمام خميني»، مجلة متين الفصلية: 378، العدد 1 (شتاء 1377).
([5]) راجع: عباس علي عميد الزنجاني، «ديدگاه حكومتي در نظريه حسبه»: 14 ـ 20، مجلة (حكومت إسلامي)، العدد 3 (ربيع 1376).
([6]) أبو القاسم الخوئي (مع تعليقة: جواد التبريزي)، (صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات 1: 10، قم، سرور، 1384: «والذي نقول به هو أنّ الولاية على الأمور الحِسْبيّة بنطاقها الواسع، وهي ما علم أنّ الشارع يطلبه، ولم يعيِّن له مكلفاً خاصّاً، ومنها بل أهمّها إدارة نظام البلاد، وتهيئة المعدّات والاستعدادات للدفاع عنها؛ فإنها ثابتة للفقيه الجامع للشرائط».
([7]) كَدِيوَر، المصدر السابق: 60.
([8]) إحدى الأسر التي حكمت إيران.
([9]) محمد حسين النائيني، تنبيه الأمّة وتنـزيه الملّة: 73، طهران، شركة انتشار المساهمة، 1378.
([10]) كَدِيوَر، المصدر السابق: 117.
([12]) محمد هادي معرفت، «ولايت فقيه أز ديدگاه شيخ أنصاري وآيت الله خويي»، مجلة (أنديشه حوزه)، العدد 17 (صيف 1378).
([13]) الصدوق، إكمال الدين وإتمام النعمة: 484، تصحيح: علي أكبر غفاري، قم، 1405هـ.
([14]) الأنصاري، المكاسب (طبعة حجرية) 3: 54 ـ 557، قم.
([15]) علي أبو الحسني، تراز سياست: 131، طهران، مؤسّسة دراسات التاريخ المعاصر لإيران، 1383.
([16]) معرفت، المصدر السابق: 250 ـ 251.
([17]) الأنصاري، المصدر السابق: 250 ـ 251.
([18]) الأنصاري، كتاب القضاء والشهادات: 49، قم، 1373.
([19]) الأنصاري، كتاب الخمس: 516.
([20]) الأنصاري، كتاب الزكاة: 356.
([21]) على سبيل المثال: السيد إيزدهي يعتبر أنّ صاحب الجواهر يؤمن بالولاية المطلقة للفقيه، كالإمام الخميني (السيد سجّاد إيزدهي، أنديشه سياسي صاحب جواهر: 108 ـ 114)، قم، دار نشر بوستان كتاب. واستدلاله على النحو التالي: ولاية الفقيه عند صاحب الجواهر تمتاز بالعمومية، وعلى حدّ قول الأستاذ معرفت فالمقصود من الولاية العامّة هي الولاية المطلقة؛ ولذا فإن مقصود صاحب الجواهر هو نفس الولاية المطلقة للإمام الخميني. في حين أنّ الإطلاق في كلامه يشير إلى عدم التقييد في أمور معينة، كالقضاء، كما جاء في كتب الشيخ الأعظم. كما أن للولاية العامّة صورتين: الولاية المقيَّدة؛ والولاية المطلقة.
([22]) محمد حسن النجفي، جواهر الكلام 21: 397، بيروت: «نعم لم يأذنوا لهم في زمن الغيبة ببعض الأمور التي يعلمون عدم حاجتهم إليها، كجهاد الدعوة المحتاج إلى سلطان وجيوش وأمراء ونحو ذلك، ممّا يعلمون قصور اليد فيها عن ذلك ونحوه. وإلاّ لظهرت دولة الحقّ كما أومأ إليه الصادق× بقوله: لو أنّ لي عدد هذه الشويهات ـ وكانت أربعين ـ لخرجت».
([23]) مهدي هادوي، موقع بازتاب 21/9/85:
www. khobreganrahbari. com/modules. php?name=News&file=print&sid=201 ـ 14k ـ
([25]) الإمام الخميني، صحيفة النور 20: 171.
([26]) الخوئي (والتبريزي)، المصدر السابق.
([27]) أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى (الاجتهاد والتقليد)، بقلم: الميرزا جواد التبريزي: 423 ـ 424، قم، 1410.
([28]) محسن كَدِيوَر، حكومت ولايي: 52، طهران، دار نشر ني، 1377.
([29]) أبو القاسم الخوئي، منهاج الصالحين: 365، 379.
([30]) أبو القاسم الخوئي، مباني تكملة المنهاج 1: 224 ـ 226، بيروت.
([31]) معرفت، المصدر السابق: 261.
([33]) الإمام الخميني، كتاب البيع 2: 461، قم.
([34]) معرفت، المصدر السابق: 260.
([35]) كَدِيور، المصدر السابق: 131 ـ 132.
([36]) كَدِيوَر، نظريه هاي دولت در فقه سياسي شيعه: 20.
([39]) المصدر السابق: 52 ـ 54.
([43]) المراد بالحِسْبة الموسَّعة طيف واسع من الأمور الاجتماعية التي لا يوافق الشارع على تركها. وفي المقابل الحِسْبة المضيَّقة تقتصر فقط على مسائل معينة من قبيل: أمور الغائب والقصَّر. ودائرة الولاية التنصيبية العامّة أوسع من أمور الحِسْبة الموسَّعة أيضاً؛ ذلك أنها لا تتحدَّد بـ «الأمور التي لا يوافق الشارع على تركها».
([44]) علي پناه اشتهاردي، کتاب هفت ساله چرا صدا درآورد؟: 160 ـ 185، قم، العلمية للنشر، 1391هـ.
([45]) مرتضى مطهري، پيرامون انقلاب إسلامي: 82 ـ 86، قم، صدرا.
([47]) الإمام الخميني، كشف الأسرار: 222، قم، مصطفوي للنشر.
([48]) كَدِيوَر، حكومت ولايي: 146.
([49]) الإمام الخميني، صحيفة النور 20: 170.
([52]) المصدر نفسه 21: 60: «أنصح أعضاء مجلس صيانة الدستور نصيحة أبوية بأن يأخذوا مصلحة النظام بعين الاعتبار قبل الوقوع في هذه المطبّات؛ ذلك أن إحدى القضايا المهمة للغاية في عالمنا المتلاطم هو دور الزمان والمكان في الاجتهاد ونوع القرارات المتَّخذة. فالحكومة هي التي تحدِّد الفلسفة العملية اللازمة لمواجهة الشرك والكفر والمعضلات الداخلية والخارجية. وهذه النقاشات العلمية في المدارس ضمن إطار النظريات ليست غير مجدية فحَسْب بل إنها تجرّنا الى متاهات لا سبيل للخروج منها».
([54]) داود فيرحي، «نظام سياسي ودولت در إسلام»، مجلة العلوم السياسية الفصلية، السنة الرابعة، العدد 16 (شتاء1380).
([55]) سيد علي مير موسوي، إسلام، سنت ودولت مدرن: 331، طهران، دار نشر ني.
([56]) الإمام الخميني، صحيفة النور 5: 213.
([59]) «وفقاً لما يراه ديننا. لدينا معيار واحد فقط للطاعة، وهو الأمر الذي يأمر به ديننا. نحن غير مسؤولين أمام غير الله تعالى». (محمد تقي مصباح اليزدي، صحيفة إيران وصحيفة خراسان، 1/5/1380).
([60]) «إذا كنتم تريدون العيش في ربوع هذه البلاد يجب عليكم القبول بالحكومة الإسلامية، حتّى لو لجأت هذه الحكومة إلى استخدام القوّة. وكلّ مَنْ يعارض الحكومة الإسلامية مدانٌ، ويجب محاربته، حتّى لو بقي شخصٌ واحد فقط في البلاد على هذا المبدأ». (محمد تقي مصباح، آفتاب يزد، 5/3/1380).
([61]) حسين علي منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، قم، المرکز العالمي للدراسات الإسلامية، 1411هـ.
([62]) حسين علي منتظري، حکومت ديني وحقوق إنسان، قم، أرغوان دانش، صيف 1387.
([63]) حسين علي منتظري، مباني فقهي حكومت إسلامي، ترجمة: محمود صلواتي 1: 146 ـ 147، طهران، سرائي، 1379.
([64]) محسن كَدِيوَر، دغدغه هاي حكومت ديني: 64 ـ 74، طهران، دار نشر ني، 1379.
([65]) منتظري، حكومت ديني وحقوق إنسان: 13 ـ 14.
([67]) منتظري، مباني فقهي حكومت إسلامي 3: 61.
([69]) المصدر السابق 1: 38: «الجهاد الابتدائي ووجوبه ـ وكما قالوا ـ مشروط بوجود الإمام. ولكنْ على الأقوى أنّ الإمام لا ينحصر بالإمام المعصوم، ويكفي الإمام العادل، ويشمل ذلك طبعاً الفقيه الجامع للشرائط أيضاً».
([70]) منتظري، حكومت ديني وحقوق إنسان: 13 ـ 14.
([71]) «توجد في دستورنا ولاية للفقيه. ولكنّ الفقيه وبالشروط التي يجب أن يمتلكها، له واجبات محدَّدة في الدستور، وواجبه الأساسي والمهم هو أن يشرف». (حسين علي منتظري، من كلمته في 23/8/1376).
([72]) الحِسْبة هي الأمور التي لا يرضى الشارع المقدَّس بتركها. إحدى التصوُّرات كانت تقول: إنّ الحِسْبة تتحدَّد ببعض الأمور مثل: الصغار واليتامى (الحِسْبة المضيَّقة). أمّا الحِسْبة طبقاً لمفهوم المحقِّق النائيني فإنّها تشمل أموراً من قبيل: أمن المدن، والدفاع عن الحدود، وجميع الأمور التي تعدّ من واجبات سلطان أيّ بلد من البلدان. (محمد حسين الغروي النائيني، تنبيه الأمة وتنـزيه الملة، مع مقدمة وحاشية: السيد محمود الطالقاني: 46، 78، الطبعة الثالثة، طهران، 1334).
([73]) منتظري، حكومت ديني وحقوق إنسان: 25.
([74]) كَدِيوَر، نظريه هاي دولت در فقه شيعه: 150.
([75]) منتظري، دراسات في ولاية الفقيه 1: 310: «الرابع من شروط الإمام: الفقاهة والعلم بالإسلام وبمقرَّراته، أو العالم بها تقليداً».
([76]) منتظري، حكومت ديني وحقوق إنسان: 23.
([78]) كَدِيوَر، نظريه هاي دولت در فقه شيعه: 157.
([79]) منتظري، دراسات في ولاية الفقيه 3: 37.
([80]) منتظري، حكومت ديني وحقوق إنسان: 14.
([81]) حسين علي منتظري، ديدگاهها: 53، الطبعة الثالثة، قم، مكتب منتظري، 1382.
([82]) المصدر السابق: 44 ـ 45.
([83]) منتظري، دراسات في ولاية الفقيه 1: 404: «كان للأمة حقّ الانتخاب، ولكنْ لا مطلقاً، بل لمَنْ وجد الشرائط والمواصفات المعتبرة. ولعل إمامة الفقهاء في عصر الغيبة من هذا القبيل».
([84]) منتظري، حكومت ديني وحقوق إنسان: 31.
([85]) منتظري، مباني فقهي حكومت إسلامي 3: 106.