د. السيّد حسين مدرسي الطباطبائي(*)
تمهيد
يرى المتخصِّصون في علم الملل والنحل من علماء المسلمين أن المجتمع الإسلامي، بلحاظٍ مذهبي، ينقسم إلى أربع فرق: سنّة، شيعة، خوارج، وغلاة. مع العلم أن هذه التسميات لم تكن حاضرة منذ الصدر الأول، وإنما كان هناك نوعٌ من التوجهات تحولت مع مرور الوقت إلى مبادئ وأصول مشتركة بين أصحاب كلّ فرقة. فمثلاً: ما يعرف اليوم بطائفة أهل السنة، والتي تمثل النسبة الأكبر من مسلمي العالم، لم تكن تحمل في بداياتها الأولى هذا الاسم، بل عُرفت هذه الفرقة الموالية للخلفاء الثلاثة الأول بعد فتنة عثمان بالعثمانيين، ثم أصبح اسمها بعد ذلك المرجئة، لتتحول بعد ظهور النزعات الكلامية إلى القَدَرية (وبعض فرقها الجهمية)، لتنقسم على نفسها بعد ذلك إلى ثلاثة اتجاهات كبرى: أهل الحديث، المعتزلة، والأشاعرة. وحتى تستقصي الشيعة والمعتزلة من الساحة الإسلامية المذهبية والفكرية، وحتى السياسية، تمّ توحد أهل الحديث والأشاعرة تحت اسم أهل السنة والجماعة، وأشير بأهل الرفض (الرافضة) والبِدْعة إلى الشيعة والمعتزلة.
وبعيداً عن هذا الحدّ المشترك، الذي كان يميِّز بين هذه الفرق الأربعة الكبرى عن غيرها، تمايز أصحاب كلّ فرقة فيما بينهم إلى فرقٍ، تنوعت بتنوع الطيف واللون الفكري والنظري. فقد كانت الاختلافات الكلامية وراء اختلاف الماتُريدية والكرامية عن فرقة السنّة. كما كان الاختلاف حول منحى التطرف أو تسالم والتسامح سبباً في تقسيم الخوارج إلى أربع فرق. كذلك اختلفت الشيعة عن الغلاة بلحاظاتٍ مختلفة، لتنقسم بدورها إلى فرقٍ تعرّضت لذكرها مصادر الملل والنحل.
تنوعت الاختلافات التي كانت وراء انقسام الفرق الإسلامية على نفسها، لكن مجمل الاختلافات كلامية وعقائدية، كالاعتقاد بالجبر أو بالجسمية للذات المقدّسة لله (سبحانه وتعالى عمّا يصفون)، الذي كان وراء ظهور الجبرية والمشبّهة. كذلك كانت الاختلافات الفقهية وراء بروز المذاهب الفقهية، كالحنفية، والشافعية، والمالكية والحنبلية بين السنّة، وكلٍّ من القاسمية، والهادوية، والناصرية والمؤيدية بين الشيعة الزيدية. لكنّ هذه التشعبات، وباستثناء بعض حالات الرغبة في التفوق وعرض القوة، لم تؤدِّ في أيّ وقتٍ من الأوقات إلى التطاحن والحرب فيما بينها، فلم تعمل على تفكيك البنية المشتركة إلى فرق متناحرة، كما انها لم تسبِّب أيّ محاولة لإقصاء المخالف لها، أو تكفير بعضها البعض، بل لم يصل بها الأمر حتّى إلى مجرد العداوة النفسية، حيث إن أتباع كلّ اتجاه يتبنَّوْن اختلافاتهم الكلامية والعقدية، ويبقَوْن منضوين تحت لوائها الكلي، الذي يضمن لهم قبول هذا التنوع في الأفكار والنظريات الفقهية، ونسيجها العامّ الذي يحفظ لهم هويتها المذهبية والطائفية.
ويلاحظ في كتب الملل والنحل أنها تولي عناية خاصة للاختلافات العقائدية والكلامية. ونادراً ما تسلط الضوء على الاختلافات الفقهية. اللهمّ إلاّ في ما يخص فرقتي الخوارج والمعتزلة؛ نظراً لغرابة بعض آرائهم الفقهية، حيث عمدت تلك الكتب إلى نقل بعض تلك الآراء غير العادية. وسنعمل بدورنا إلى تخصيص السطور المتبقية من هذا الموضوع لذكر بعض النماذج من تلك الآراء، من دون أن نسلك ترتيباً نوعياً خاصاً.
أـ الخوارج
لقد كانت هناك بعض الفترات التاريخية التي حظيت بها فرقة الخوارج في تمام نقاط العالم الإسلامي بالحفاوة. فقد كانت أفكارها في الدعوة إلى الخروج على الحاكم والثورة عليه سبباً في جلب واستقطاب العديد من الناس، ودفعت بالعديد من الفرق التي لم يكن يجمعها بها سوى هذا القدر المشترك إلى الانضواء تحت مظلّتها. لكنْ اليوم لم يتبقَّ من هذه الفرقة سوى مجموعة باتت تعرف بالإباضية، التي اختارت المسالمة والمهادنة، ونأت بنفسها عن كل الصراعات الدائرة في الساحة الإسلامية، وكأن دوائر الأيام والحال قد علمتها أن تغيير هذه الحياة أمر مستصعب، بل بات مستحيلاً، فهرعت إلى العزلة، وتقوقعت على نفسها، تمارس أفكارها وآراءها بين أفرادها، ولا شأن لها بالآخر.
وكما هو معلَنٌ في غير واحدة من دوائر الفكر والتاريخ فإن هذه الفرقة تحتفظ بإرث عظيم من الفكر، ضمن الآلاف من الكتب والرسائل العلمية المتنوعة، والقراطيس التاريخية التي دُوِّنت عبر القرون السالفة من تاريخ هذه الأمّة، والتي تتوارثها جيلاً بعد جيل. لكنْ لم يبقَ لنا عن الفرق الأخرى سوى بعض المتفرِّقات المتداولة في بعض المكتوبات المتنوعة. والظاهر من خلال هذه المتفرقات أن هذه الفرق كانت تولي أهمية خاصة في الجانب الفقهي لحفظ ظهورات القرآن، وتقدّمه؛ باعتباره الخطاب والمتن الأصيل للإسلام، بمعنى أنه لو كان النصّ القرآن واضح المعنى للعموم في خصوص قضية من القضايا فلا يمكن تجاوزه؛ بسبب نوعية المنهج العملي أو السلوك العام السائد بين جميع أطياف البشر، بل تبقى الأولوية للظهورات، ولا يتم تخصيصه أو استثناؤه أو إجراء أيّ قيد بخصوصه. والأمر الواقعي يؤكِّد أن المشرِّع لو كان يرى في القضية تخصيصاً أو قيداً أو استثناءً كان سيعبِّر عنه بكل وضوح، وكان سيبين تلك الشروط، بحيث لا يبقى معها إبهام. فالمشرِّع إنما أنزل القرآن ليبيِّن مراداته وقد عبَّر عن هذا المطلب في القرآن نفسه بشكلٍ صريح، فأن يترك ذكر تلك القيود وباقي الشروط هو ترك للبيان وهو خلاف الفرض. فالمواقف التي يكون فيها رأي جمهور المسلمين مخالفاً لهذا الأساس الاعتقادي بالنسبة إلى التعامل مع القرآن، أو مخالفاً لخطاب القرآن، فإن مخالفتهم هي في حقيقة الأمر مخالفة لأوامر الله تعالى، كما أنها قد تكون مخالفة لما سكت عليه القرآن ولم يصرِّح به؛ لحكمة لا يعلمها إلاّ الله، ورأيهم إذا عملوا به سيكون زيادةً في القرآن؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو كان يريد ما ذهبوا إليه في رأيهم لكان عبَّر عنه بوضوح وصراحة في القرآن، والحال أنه لم يفعل. وسنعمل في قسمين من هذا المقال على عرض بعض الأمثلة من الفقه الخوارجي، والتي استقيناها من مختلف المصادر العامة.
1ـ تنقل الفرقة الحمزية من الخوارج (من فروع العجاردية، أصحاب حمزة بن أدرك) عن كتاب أبي محمد عثمان بن عبد الله العراقي الحنفي «الفرق المتفرقة بين أهل الزيغ والزندقة «أن استعباد أسراء الحرب ليس له أساسٌ شرعي، فالقرآن لم يجز للمسلمين أن يتَّخذوا أسراء الحرب عبيداً، فالآية الشريفة تقول: ﴿فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ (محمد: 4)، لكنّ المسلمين عملوا بالسلوك السائد آنذاك بين الأمم، حيث كانوا يتخذون أسراهم عبيداً وجواري. ونحن نعلم أنه قبل أن تسنّ قوانين حقوق الإنسان بين الدول في العقود الأخيرة كان هذا السلوك عرفاً عاماً في كل الدول والأنظمة.
2ـ مخالفة الحروري وأتباعه (الملقبون في كتب الفرق بالنجدات) في حدّ شارب الخمر([2]). والمعروف أن حدّ الشارب ثمانون جلدة. وهذا الحد بهذا النوع والعدد لم يذكر في القرآن، وإنما تنقل لنا المصادر الإسلامية أن الخلفاء هم مَنْ وضعوا هذا العدد بعد رحلة النبيّ الأكرم|. فالزعيم أو الحاكم السياسي له الحقّ في أن يسنّ ويضع بعض القوانين التي تتماشى والمصلحة العامة للمجتمع. والفرق بين القوانين الوضعية البشرية وبين القوانين والتشريعات الإلهية أن القوانين الوضعية تكون سائرة المفعول ومعتبرة مادامت تصبّ فعلياً في المصلحة العامة، وتكون هي الطريق المثلى في تحصيل تلك المصلحة، وإلاّ سقط اعتبارها. وهذا لا يجري على القوانين الإلهية؛ إذ لا أحد يدرك المصلحة الواقعية منها إلاّ الله سبحانه وتعالى، اللهمّ إلاّ ما صرّح فيه بملاك الحكم، وبيّنه بشكلٍ كامل وصريح.
3ـ أزارقة الخوارج أنكروا رجم الزانية، ورأوه من دون دليل شرعي؛ لأن القرآن حسب زعمهم إنّما عيَّن الحدّ فيها بجلدها مائة جلدة، ولا فرق بين المرأة ذات البعل وغيرها([3]). وقد أتت كتب التاريخ ومصادر الحديث والفقه على ذكر قضية حدّ الرجم بشكل مفصَّل، ولا يتسع المقام هنا للإتيان على ذكرها بالتفصيل، لكنّ خلاصة ما وقع أن المفسِّرين الأوائل قد وقع لهم الخلط في تفسير بعض مخاطبات النبي الأكرم. فحين خاطب النبي الأكرم| يهود المدينة، وقال لهم: «الرجم آية في كتاب الله» ـ ومن الواضح أن المتعارف عند القوم المخاطبين هنا بالكتاب هو سفر التثنية في كتاب التوراة ـ، توهَّم هؤلاء المفسِّرون أنه يريد القرآن، فعمدوا إلى وضع عبارة تقول: «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة». وإنّ هذا لمضحكٌ بالفعل؛ إذ لماذا أتوا على ذكر الشيخ والشيخة دون الشاب والشابة، حيث إن الواقع يقول: إن هذه الفئة أكثر عرضة للوقوع في الزنا؛ لثوران شهوة الجنس عندها، بينما تنقص عند الشيوخ؟!. وحيث إنهم لم يعثروا على هذه العبارة في القرآن قالوا: إن معزة السيدة عائشة قد ابتلعتها، لتؤمن بهذه القصة المذاهب الفقهية، حتّى أصبح الرجم حدّاً مسلماً به بين أتباعهم وفقهائهم. وهذا المطلب موجود حتى في فقه الشيعة، حيث يبين كيفية وحجم الانصياع للذهنية العامّة.
4ـ الشبيبية من الخوارج لم تكن ترى مانعاً شرعياً في إمامة المرأة، بل هي جائزة([4]). والظاهر من كلامهم أن المراد من الإمامة هنا الإمامة السياسية، وكذا إمامة صلاة الجماعة، حتّى أنها تستطيع أن تؤمّ الرجال([5]). ولا يوجد منعٌ أو نهي عن تولي المرأة الإمامة بكلا نوعيها.
5ـ الميمونية من الخوارج لم تكن ترى العلاقة بالنسب أو بالسبب محرِّمة للنكاح، اللهمّ إلاّ مَنْ ذكروا في القرآن، وخصِّصوا بالحرمة، كما جاء في الآية الشريفة 23 من سورة النساء. فنكاح حفيدة الأخت والأخ مثلاً لم يرِدْ بشأنهما التحريم، بل على العكس القرآن، وبعد أن عدَّ المحرَّمات، قال مجيزاً نكاح ما عداهم: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾، وهي واضحة في الجواز. وقد جاء هذا النظر ضمن كتاب البدء والتاريخ، للمقدسي([6]). مع الإشارة إلى أن هذا الكتاب قد نسب إلى هذه الفرقة من الخوارج جواز نكاح الفرد لأحفاده. ولعل هذه النسبة إنما أضيفت إليهم كلازمةٍ منطقية لقولهم بجواز نكاح حفيدة الأخ والأخت، مع العلم أن الآية المتقدِّمة لم تأتِ على ذكر الحَفَدة باللفظ، والظاهر أن لفظ ﴿بَنَاتُكُمْ﴾ شامل للحفدة؛ باعتبار أن لفظ البنت يشمل بنت الإبن وبنت البنت في العرف اللغوي، ولا يحتاج إلى تفصيل. ولعل الإشكال يرد في مسألة الزواج بحفدة الأخ والأخت، حيث إن الآية الشريفة نزلت في المدينة، وكان اليهود يشكِّلون نسبة كبيرة من سكانها، والمعلوم أن سنة اليهود كانت نكاح الحفدة من الدرجة الأولى، فكيف بالأحفاد من الدرجة الثانية، وهنا يمكن أن يقول المستشكل: لماذا لم يأتِ الخطاب القرآني مؤكِّداً على حرمة هذا النوع من النكاح ما دام سائداً في وسط اليهود؛ حتّى يردّ على مزاعمهم وينقض ما أحلّوه. والظاهر أن قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ لا يشمل الحفدة؛ لأن الخطاب القرآني جاء موافقاً للعرف العربي، ولما هو متفاهم عندهم، وهو لا يستدعي التفصيل؛ لأن لفظ البنت يشمل عندهم بنت الابن، وتوضيح ما هو واضح منقصةنقصح ما هو واضح شكال التالي واقع يقول ان هذه الفئة اكثر عرضة للوقوع في الزنا لثوران شهوة الجنس عندها بينما تنقص عند الشيوخ ومعيبة في الخطاب، وهذا ليس من شأن القرآن.
وهناك احتجاج مماثل للفاضل صالح نجف آبادي في الانتساب بالرضاعة، حيث قال: إنه لو كان كل المنسوبين بالرضاعة بالإضافة إلى الأمّ والأخت من الرضاعة المذكورين في الآية الشريفة 23 من سورة النساء يحرم نكاحهم فلماذا لم يختصر المشرِّع ـ الذي هو أهل الفصاحة والبلاغة وأهل اللسان والقلم ـ العبارة المفصَّلة إلى حدّ الإطناب: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ﴾، ويقول: «ومن الرضاع مثل ذلك»، وكان بذلك سيرفع المشقّة عن نبيّ الرحمة|، الذي قال ليبين المراد: «الرضاع لحمة كلحمة النسب».
والجواب: إن المتكلم حين لا يكون في مقام البيان لا يجب أن يتوقَّع منه ذلك، لكن حين يكون في مقام البيان، وبدل أن يذكر كل الموارد يقتصر على فرد أو فردين، والحال أنه يريد الكلّ، فهذا ليس من الإطناب المملّ، بل هو إطناب مخلّ. الفقيه الشافعي الجويني والمعروف بإمام الحرمين في كتابه «غياث الأمم»، وبخصوص الحيوانات المحرَّم أكلها، يقول في الآيات الأربعة التي ورد فيها تعيين الحيوانات التي حرم أكلها: «والتي بالمناسبة إنّما خصت أربعة أصناف بالحرمة»، وفي الآية 119 من سورة الأنعام: ﴿وَمَا لَكُمْ أَنْ لا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾: إنني أوافق نظر إمامي الشافعي في هذا المورد، حيث أضاف إلى لائحة الحيوانات المحرَّم أكلها أصنافاً أخرى، غير التي ذكرها القرآن. وإنْ قلتُ: إني لا أجد في ذلك مشكلاً أكون قد أخفيت عليكم الحقيقة».
6ـ فرقة الأخنسين من الخوارج، وهي من فرق العجاردية، أتباع عبد الكريم بن عجرد، كانوا يعتقدون أنها وحدها ما قدّمه الفرد من طاعات وما أتى به من عبادات في حياته يعود عليه ثوابها في الآخرة. وأما ما أهدى له الآخرون من ثواب طاعات وعبادات قاموا بها خصيصاً لهذا الغرض فإن ثوابها لا يلحقه منها شيء؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنّما قال في كتابه: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾([7]). وبطبيعة الحال هذه الفكرة ليست بالغريبة، حيث لم تنحصر بهذه الفرقة، بل وجدنا السيوطي في كتاب الإتقان يذهب نفس هذا المذهب، حيث قال: «إن الأئمة الثلاثة (أبو حنيفة، مالك، والشافعي) يقولون: إن ثواب قراءة القرآن للميت يصل إليه. لكنَّني أرى خلاف ذلك؛ لأن الله يقول: ﴿لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى﴾»([8]).
ونجد كلاماً مشابهاً لهذا عند بعض فقهاء الشيعة([9]).
7ـ ادَّعت فرقتان من الخوارج: الحازمية من الأزارقة، والذين تشير إليهم مصادر علم الملل والنحل «بالبدعية»؛ والثانية فرقة من أتباع أبي إسماعيل البطيحي، أن المقدار الواجب من الصلاة اليومية صلاتان: واحدة في النهار؛ وأخرى بالليل، محتجين بقوله تعالى: ﴿وَأَقِمْ الصَّلاَةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ﴾([10]). ولذا تكون باقي الصلوات إما نافلة أو مندوبة، وليست بالواجبة. ومع ذلك فإن أقلّ ما تتحدّث عنه الآية لو اتبعنا منهجهم هو ثلاثة صلوات، واحدة في أول اليوم؛ وثانية عند الغروب؛ وثالثة في الليل. ويذكر ابن حزم في الفصل أن أتباع البطيحي لا يرون القدر الواجب من الصلوات، إلا هذا، أي صلاتين، وأن الصلاة ركعة واحدة؛ بحجة أن القرآن لم يأتِ على ذكر تكرار الركوع والسجود([11]).
- 8. طائفتان من الخوارج، وهما النسويّة والأخنسية، يقولان بما أن الرجل المسلم يجوز له في بعض الموارد الزواج بالمرأة غير المسلمة فكذلك يجوز للمرأة الزواج بغير المسلم، ولا فرق بينهما: «يقولون: لأننا نريد نساء أهل الكتاب فلماذا لا نسمح لنسائنا بمثل ما سمحنا به لأنفسنا، ونرى زواجهنَّ بأهل الكتاب سيئاً، مع أنه لا فرق بين أن تأخذ منهم وأن تعطيهم»([12]). وأما بعض ما يستدل به في هذا المورد كالقول باستعلاء غير المسلم على المسلم، وخطر الانحراف المذهبي والديني بالنسبة إلى المرأة والأولاد، فإنّه لا يصدق هذا بالنسبة إلى المجتمع المسلم، وحتّى إنْ وُجد فهو قليل. ويبقى المانع الوحيد هو التحوُّل عن الدين. وقد أخذوا هذا الأمر بالقياس، فالحنفية مثلاً تقول: «لهم ما لنا، وعليهم ما علينا» في الدية، حيث إن دية الذمّي ودية المسلم متساوية.
- 9. فرقة الكوزية من الخوارج كانت تقول: إنه في المجتمعات التي كان الرجل يكتفي بالقميص العربي لا بُدَّ له من الملابس الداخلية، وألزمت نفسها وأتباعها بهذا الرأي، وواظبت عليه كل المواظبة([13]). وقد آخذها علماء الفِرَق بهذا الأمر الذي لم يرَوْا فيه سوى مجرّد وسواس وغلوّ.
- 10. الحمزية والخلفية من الخوارج كانت ترى الصلاح في تعدُّد الأئمة للأمة، وهو خلاف المشهور بين الأمة جميعاً، حتّى أن بعض الإباضية يرَوْن رأيهم، ويذهبون مذهبهم([14]). ولم يكن ابن حزم الظاهري يرى في هذا الرأي خرقاً لما عليه إجماع المسلمين([15]). الكرّامية هم الآخرون كانوا يرَوْن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب× ومعاوية إمامين، كلاهما على حقّ، وأن إطاعة كل واحد منهما واجبة على مَنْ يعيش تحت إمرتهما وفي حكومتهما([16]). كذلك رأت نفس الرأي فرقة الصالحية الزيدية أتباع حسن بن صالح بن حيّ، والذي كان زيدياً بترياً. وبعد أن انقسم الزيديّون إلى فرقتين مستقلتين: واحدة في شمال إيران؛ وأخرى في اليمن، رأى بعض كبرائهما أن لا مشكلة في تعدُّد الأئمة في الزَّمن الواحد([17])، كذلك ذهب كلٌّ من أبي بكر الأصم المعتزلي وابن تيمية، حيث قالا بنفس القول([18]). بل حتّى الاشاعرة وجدناهم يقولون: إنه إذا كان يفصل بين المسلمين أرضين، كما هو بين شمال أفريقيا وبين الأندلس، حيث فصل البحر بينهما، وحيث إنه في وقت اللزوم لا يمكن لأحدهما أن يتصل بالإمام على الضفة الأخرى يجوز لهم اتّخاذ إمام ثانٍ، غير الذي على الضفة الأولى([19]).
ب ـ المعتزلة
لم يتبقَّ من كتب المعتزلة إلاّ ما كان لبعض متأخِّريهم، ونقصد بهم اتجاه القاضي عبد الجبّار الهمداني(415هـ)، صاحب كتاب المغني، والاتجاه الفلسفي لتلميذه أبي الحسن البصري(436هـ). لكنْ ما تبقى في الواقع هو آراء ونظريّات أبي هاشم الجبائي من مدرسة الاعتزال بالبصرة. بينما لم يبقَ إلاّ القلة القليلة من مدرسة بغداد لأبي القاسم الكعبي(319هـ)، والتي انتهج منهجها بعض علماء الإمامية فيما بعد. لكنْ ما يجب التذكير به هنا أن مدرسة الاعتزال مدرسة كبيرة ذات قوة فكرية، وتنوع كبير في الآراء. وقد برزت فيها شخصيات علمائية كبيرة في علم الكلام في مختلف المراحل التاريخية الأولى. لكن للأسف تمّ نسيان آثارهم وموروثهم الفكري، ولم يتبقَّ منه إلاّ النزر اليسير، الذي تناثر وبشكلٍ مختصر في بطون الكتب والدفاتر. وحتّى هذا القليل الموزَّع على المصادر العامة لا يوثَق بانتمائه الفعلي إلى مَنْ نسب إليهم. ولعل الكثير منه كان عبارة عن لوازم الاستدلال المنطقي التي استخدموها في مواضيع متعدّدة، ولم تكن بالضرورة معبّرة عن معتقداتهم، بل لوازم سلموا لها، والتزموا بها في مناظراتهم الكلامية من باب الفرض. وقد تكون مقولتهم في أن الله سبحانه وتعالى جسم لا كباقي الأجسام، والتي نسبت إلى هشام بن الحكم الشيعي في النصف الثاني من القرن الثاني، من تلك الالتزامات التي أجبروا على استعمالها في المناظرات الكلامية، والتي اتَّخذت بعد ذلك مفاهيم وتفاسير أخرى.
و نحن هنا نعرض نموذجين من الآراء الغريبة والنادرة في الفقه المنسوب إلى فرقة المعتزلة:
1ـ من أقدم الآراء الفقهية عند المعتزلة مقولتهم: إنه إذا ترك شخصٌ صلاته وصيامه عمداً فإن قضاءه إياهما ليس واجباً، وغير ممكن؛ لأن هذه العبادات مقترنة بزمان خاصّ، والزمن متحرِّك غير جامد. وقد نسب هذا القول إلى الحسن البصري(110هـ)، الذي يعتبر رائد مدرسة الاعتزال وزعيمها. وقد انحاز إلى هذا الرأي كذلك بعض متأخِّريهم، مثل: إبراهيم النظّام(231هـ)([20]). وبالطبع فقد استندوا في استدلالهم في هذا الرأي إلى الآية الشريفة: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً﴾ (النساء: 103)، التي جعلت الصلاة عملاً «موقوتاً»،حيث فهموا منها أنها مرتبطة بوقتها. وكذلك الآية 184 من سورة البقرة: ﴿أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، حيث يختصّ وجوب القضاء بالمسافر والمريض فقط، ولا تتجاوز إطار هاتين الحالتين. ولا يبقى أمام تارك هذه العبادات سوى اللجوء إلى باب التوبة. وقد قال حسن البصري: «عليه التوبة إنْ فاته عمداً».
لكنّ هذا الرأي قد لا يكون غريباً، وخصوصاً إذا عرفنا أن المصادر من الدرجة الثانية تذكر رأياً مشابهاً، ينسب إلى الظاهرية، ولم تكن الفرصة سانحةً لنا حتّى ننظر في «المحلّى» لابن حزم الظاهري؛ لنستقي مواضع هذا الرأي، لكنه موجود بالتأكيد.
2ـ ما جاء في أصول الدين لعبد القاهر البغدادي([21])، من أن ثمامة بن أشرس، العالم المعتزلي الكبير، والذي عاش في أيام المأمون العباسي، وتوفي سنة 213هـ، قد «حرم السبي واستفراش الإماء». وأظنّ أن كلمة «سبي» تصحيفٌ لكلمة «التسرّي»، وهي تعني نفس معنى «استفراش الإماء»، وهي تعني وطء الإماء من دون زواج. وقد وجدنا لحسن البصري مقولةً في حرمة نكاح الإماء وأسارى الحرب([22])([23]). وأصل القضية أنه في صدر الإسلام وقع لكثيرٍ من المسلمين التردُّد؛ بلحاظٍ ديني وأخلاقي، بالنسبة إلى مسألة وطء السبايا، واللواتي اتّخذوهنّ إماء، وبالخصوص في العلاقة الجنسية بالسبايا ذوات البعل. ويلاحظ تعدُّد النقل في هذا الخصوص في المجاميع الحديثية لأهل السنة([24]). فالذين رأوا جواز وطء السبايا احتجّوا بظاهر قوله تعالى: ﴿إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ (المؤمنون: 6)، والتي تجوز وطء السبايا؛ باعتبارهن ملك اليمين. أما المخالفون والمعترضون فقد احتجّوا بالقول: إن مقررات الزواج بملك اليمين وبالإماء قد بيّنت في الآيات القرآنية التي تتحدّث عن عقد الزواج وعن نكاح المملوكين، وليس هناك حديث عن الوطء خارج إطار الزوجية، الذي له أحكامه وشروطه. فالآية من سورة المؤمنون إنما تحدّثت عن وطء الإماء والمملوكين لكنْ تحت عنوان الزواج، ولم تكن في مقام تفصيل وبيان أحكامه، بل تحدثت فيه بالجملة، وأوعزت التفصيل فيه إلى محلّه. كذلك التفصيل في نكاح ملك اليمين وخصوصياته وصور حلّيته قد أُوكلت بها الآية 25 من سورة النساء: ﴿ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ واللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ ولا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. والظاهر أن المراد من «أزواج» أنهن النساء المحصنات اللواتي يكنّ كفؤاً للحُرّ من الرجال. وفي المجتمع العربي المراد بهن المحصنات من النساء، واللواتي يقدمن من قبائل عربية مختلفة. وقد يكون الزواج بهن مناسبة لعقد علاقة سببية بين قبيلة وأخرى. والآية الأخيرة تقول: إنه في الحالة التي يكون الزواج بالمحصنات غير ميسَّر؛ نظراً للمستلزمات المالية وتعهُّدات استرضاء قبيلتها، يجوز لمَنْ لا يصبر على الزواج أن ينكح الإماء وما ملكت اليمين؛ لأن مثل هذه الشروط عادةً لا تكون حاضرةً بنفس الميزان عند هذه الفئة. ولا تعني أن يطأ الإماء دون زواج. فالعلاقة الجنسية في الإسلام لا تخلو من نوعين: إما زواج؛ وإما سفاح. وقد نوقشت أحكام الزواج في فصول الأحكام الشخصية في الفقه عند جميع الفرق، ونوقشت في المقابل أحكام السفاح في فصل الحدود والأحكام الجزائية والجنائية. أما إذا تمّ فهم الإطلاق بالنسبة إلى الآيات التي تتحدَّث عن ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، حيث تشملها الأحكام الشخصية في الفقه، فلا بُدَّ إذن من توجيه وقبول اجتهاد تلك المرأة في زمن الخليفة الثاني، والتي أجازت لعبدها أن يطأها؛ محتجّةً بإطلاق الآية من سورة المؤمنون([25])، أو أقوال بعض فقهاء المالكية الذين قالوا: إن الإطلاق في الآية يطال حتى الغلمان؛ لأن مفهوم «ملك اليمين» للرجال يشمل الغلمان كذلك. كما أن القول بإطلاق «ما» في ﴿مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ سيفتح الباب لقبول ما أطلعني عليه والدكتور زرياب الأستاذُ المحقِّق (دانش پژوه) أنّه مما جاء في كتاب نثر الدرّ الآبي: «أخذ أعرابي وهو ينكح شاة، فرفع إلى الوالي، فقال: يا قوم، أليس الله يقول: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾؟! واللهِ، ما ملكت يميني غيرها»([26]). فإذا أصبحت مقرّرات الأحكام الشخصية تفسّر وفق مقرّرات أبواب التجارة والمعاملات فلا ضير أن تصبح مفاهيم الآية تتلاعب بها الأهواء والنزوات، وحينها لن يكون غريباً أن يصدر ذاك الفهم من تلك المرأة أو من هذا الأعرابي. ويصبح هناك معنى لطرح البحث التالي في الفقه: أهل السنة أمام مشكلة: إما أن لا يرى عمل «السلف الصالح» حجة؛ لأنهم مع قولهم: إن المسلم لا يجوز له نكاح المشركين وعبدة الأصنام الواقع يؤكِّد أنهم كانوا يقيمون علاقة جنسية مع العبيد والإماء ذوي الأصل الأفريقي، ومن دون شكِّ فإن معظم ـ إنْ لم نقُلْ: كلّ ـ هؤلاء العبيد والإماء قد جاؤوا من مناطق في أفريقيا ليس فيها سوى الشرك وعبادة الأوثان، ولكنْ حيث اعتبروا عمل السلف حجة وجدنا المتأخِّرين من فقهائهم في حيرةٍ وارتباك؛ إذ كيف سيفسِّرون هذا الانفصام بين هذا العمل والنظرية؟!([27]). بالنسبة إلى الفقه الشيعي الإمامي عمل الأئمّة من أهل البيت^ مفصل ومفسِّر لإجمال الآيات الواردة في هذا الموضوع، ويكفي مراجعة كيف كان الأئمّة يتزوَّجون بالإماء، هل كان التسرّي بهنّ بإجراء صيغة الزواج والالتزام بشروطه أو كان يتمّ من دون ذلك؟ كل ما هو حاضرٌ في ذهني الآن هو ما أتى في رجال الكشّي([28])، من أن الإمام الصادق× قال لزرارة: «أمتأهِّل أنت؟ قال: لا. قال: فكيف تصبر؟ أنت شابّ. قال: أشتري الإماء. قال: من أين طاب لك الإماء؟…. من أين طاب لك فروجها؟ قال: أفتأمرني أن أتزوَّج؟ قال: ذلك إليك…».
وبطبيعة الحال الحكم بالحلية الفقهية في هذا الموضوع ليست من السهولة بحيث تبدو للعيان، بل لا بُدَّ من إجراء قراءةٍ تامّة وشاملة في التفاسير، وتنقيح علمي للروايات. أما نظر ثمامة بن أشرس فلم يكن إنكاراً لما هو ضروري في الشريعة المحمدية، كما يمكن أن يستشف من كلامه في هذا الموضوع.
3ـ ما جاء في كتاب البدء والتاريخ، لمطهر بن طاهر المقدسي([29])، من أنه «قال ابن الراوندي في كتاب فضائح المعتزلة: إن جعفر العتبي([30]) كان يحلّ الخضخضة»، يعني الاستمناء، حيث كانت تسمّى في اللغة العربية القديمة بالخضخضة. وفي الخرائج، للقطب الراوندي، رواية عن الإمام الحسين× أنه قال: «أنتم معاشر العرب إذا خلوتم خضخضتم»([31]). حيث لا أعرف هل القطب الراوندي كان بالفعل يعتقد أن هذه الكلمة تصدر من الإمام الحسين×؟! كذلك وجدت في فهرست مخطوطات مكتبة الجامع الكبير في صنعاء عاصمة اليمن رسالة لمؤلِّف زيدي، كان اسمها «رسالة في تحريم الخضخضة»، وكذلك وجدته في أصلٍ للحسن البصري نقله ابن حزم في المحلّى([32])، الذي كان يرى هذا الأمر حلالاً، حيث قال: «كانوا (يعني مسلمي الصدر الأول) يفعلونه في المغازي؛ (لكون النساء لا يرافقنهم في الغالب)». وقال مجاهد: كان مَنْ مضى يأمرون شبابهم بالاستمناء، يستعفّون بذلك (يريد العفّة من الوقوع في الفاحشة)». لكنّ هذه العادة الغريبة في العرف الشيعي ليست كذلك في عرف أهل السنة. فابن حزم كان من المحلِّين لها والقائلين بجوازها. أحمد بن حنبل، في روايةٍ له في كتاب مغني ابن قدامة، نقل عنه فيها القول بجوازها، وكانت نظريته شائعة بين أتباعه، حتّى ابن رجب الحنبلي في «ذيل طبقات الحنابلة»([33])، في ترجمة أبي الوفا بن عقيل، مؤلف كتاب الفنون، قال: «وممّا تفرّد به قوله بتحريم الاستمناء على كلّ حال». ابن القيِّم في بدائع الفوائد لم يعُدْ عنده شكٌّ في حلية الاستمناء، بل تجاوز الخوض في الحكم الشرعي بأن انتقل إلى توضيح طرق ممارسة هذه العادة بالنسبة إلى الرجال، كما النساء. وليس ببعيدٍ عن زماننا، فقبل سنوات أفتى مفتي الديار القطرية ابن محمود بجواز الاستمناء، أو ما يصطلح عليه بالعادة السرية، بينما تجند للردّ عليه من فقهاء المملكة العربية السعودية القشقرقي، الذي كان مخالفاً بشدة لها، وألّف رسائل متعددة مسجَّعة باسم ابن محمود يردّ فيها عليه، وينقض فتواه، نظير «إغاثة المعبود في الردّ على ابن محمود»، «إبانة المقصود في الردّ على ابن محمود»، وغيرها كثير. وبين المالكية والشافعية والحنفية سادت نظرية الجواز مع الكراهة([34]). في ردّ المحتار لابن العابدين([35]) ـ وهو من فقهاء الحنفية ـ جمع جميع الآراء، واستخلص الموقف الفقهي، وقال: «الاستمناء حرام إذا كان لاستجلاب الشهوة، أما إذا غلبته الشهوة، وليست له زوجة ولا أمة، ففعل ذلك تسكيناً، فالرجاء أنّه لا وبال عليه، كما قاله أبو الليث. ويجب عليه لو خاف الزنا». ومن الزيدية الشوكاني قائلٌ بجوازها، وله فيها رسالة تحت عنوان «بلوغ المنى في حكم الاستمناء»، وقد تم طبعها. كما وجدت شيئاً مماثلاً في أحد كتب الإباضية، ولا يحضرني مع الأسف الآن اسمه. ومما جاء في كتاب (منهاج الطالبين): «مَنْ عبث بفرجه حتّى قذف المني فلا حدّ عليه، وتزويج الأمة والعبيد خيرٌ من ذلك لمَنْ لم يجد سبيلاً إلى التزويج…».
4ـ ومما جاء أيضاً في كتاب «البدء والتاريخ»([36]) أن «عفار منهم يحلّ شحم الخنزير، وتفخيد الصبيان». «والظاهر أن عفار تصحيف «ثمامة»؛ لأن الخياط في كتاب «الانتصار»([37])، ومن دون تفصيل في الأمر، قال: إن ابن الراوندي «حكى عن ثمامة شيئاً كان هو الماجن يعرف به، وعوتب عليه مراراً فلم يتركه، حتّى أهلكه الله وصيَّره إلى أليم عذابه، ولولا صيانتي لهذا الكتاب عن ذكره لذكرتُه». وهذا الاستعفاف عن التفصيل إنما يتناسب وموضوع الاستمناء، والتي نسبها المقدسي إلى جعفر بن مبشر، وليس ثمامة، بينما نجد الخياط في هامش جعفر بن مبشر يقول: «ثم أردف كذبه على ثمامة بكذبه على شيخ المسلمين وفقيههم جعفر بن مبشر، فرماه بقولٍ هو أشبه به، والوصف له به أَوْلى، فتركنا ذكرها». وفي كلّ الأحوال فإن التعرض لموضوع شحم الخنزير لا بُدَّ أنه جاء أثناء المناظرات حول مدلول الألفاظ التي وردت في القرآن الكريم، وكانت المعتزلة في استدلالها القرآني أمام القبول بأن «لحم الخنزير» لا يشمل سمنه وشحمه؛ نزولاً عند نظريتهم في الألفاظ.
وفي ما يخص الموضوع الثاني فهو ليس غريباً، ومن دون سابقة. فقد جاء في تهذيب الشيخ الطوسي([38]) الحديث أن راوياً سأل الإمام الهادي× عن رجلٍ «لعب بغلام بين فخذَيْه، فإن بعض العصابة ـ يعني الجمهور ـ روى أنه لا بأس بلعب الرجل بالغلام بين فخذَيْه». فالسائل يستدلّ برأي الجمهور، وهو واضحٌ في انتشار الفتوى بجوازه، وهو نفس ما ذكرناه من قبلُ حول المملوك والغلام.
أسئلةٌ وأجوبة
جواب السؤال الأول([39])
بالتحديد هذا هو السبب وراء ذهاب بعض كتّاب الملل والنحل في تقسيم المسلمين بلحاظ الانتماء المذهبي إلى ثلاث فرق. وقالوا إذا كان الغلاة والباطنية ليسوا من المسلمين فلماذا نعدّهم فرقاً ضمن الفرق الإسلامية. لكنّ الظاهر أنهم كانوا ينظرون إلى «المسلمين» بلحاظ الثقافة العامة، ولسان التخاطب الديني. فهؤلاء قاموا وسط المجتمع الإسلامي، وضمن فكره العامّ، ولا يعرفون إلاّ في إطار الإسلام، رغم أنهم منحرفون عنه. ولعلّ أسماءهم، نحو: محمد وعلي وعمر وخالد وبكر، تضمن لهم كيفما كان اعتقادهم الانتماء إلى النسيج الإسلامي العام. والتقسيم الثلاثي الآخر ناظر إلى الاعتقاد بالأصول الثلاثة: التوحيد، النبوة، والمعاد، واتّحادهم في القبلة واحترام القرآن كحدٍّ مشترك بينهم، من دون استثناء.
جواب السؤال الثاني([40])
أنا شخصياً أرى أنها وحدها السيرة العملية للأئمّة الأطهار^ حجّة في هذا الموضوع. أما ما نقله عن سيرة النبيّ، ولأن الغالب في مثل هذه الكتب، نظير: سيرة ابن هشام ونحوها، وما دوِّن فيها على أنه عمل النبيّ وسيرته، فإنها في معظمها غير قابلة للاعتبار؛ لغلبة الكذب والخطأ عليها. وهذا الموقف يسري حتّى على ما دون في كتب التاريخ وبعض الجوامع الحديثية عن سيرة الإمام علي×، وحتى عن أبي بكر وعمر. فالأمويون وطوال مدة سيطرتهم على كرسي الحكم والسياسة استطاعوا أن يضفوا على نزواتهم وميولهم النفسية صفة الشرعية، من خلال انتسابها إلى النبيّ الأكرم| وإلى أحد الصحابة، وخصوصا أن المرتزقة وذوي النوايا السيئة كانوا دائماً على استعداد لجعل الأحاديث ونشرها بين الناس. فبنسبة تقرب من (99%) من المصادر العامة بين المسلمين قد تولّى كتابتها أتباع السلطة وعلماء البلاط. ولعل الشواهد الكثيرة من كتبهم خير دليل على هذا المدَّعى. وبالمناسبة فحضرتكم وقبل سنوات، وأثناء أحد برنامجكم الخاصة بشهر رمضان، صرَّحتم بمناسبة شهادة الإمام علي× أن الصورة التي نقلتها لنا كتب التاريخ عن الخوارج هي الصورة التي رسمتها الجهات الرسمية للدولة في القرن الأول، وأن الكثير مما نقل لنا يحتاج إلى إعادة النظر والتحقيق الدقيق. وللإنصاف فالمسلم المحايد لن يعتبر عمل وسيرة الجيل الثاني من المسلمين حجّة، ناهيك عن الجيل اللاحق ومَنْ بعده. وبأسلوبٍ أكثر وضوحاً لا يمكن الاطمئنان إلى أن يد الجيل الثاني من مسلمي المدينة غير ملطَّخة بالوضع والغشّ في نقل سيرة مَنْ سبقه من الصدر الأول. فيد الوضع والدسّ كانت طويلة في عهد الأمويين، حيث أوجدوا كل التسهيلات، وأتاحوا كل الإمكانات والمغريات، بدءاً بالمناصب والمال إلى السوط، لم يسلم منهم سوى أهل بيت النبيّ الأطهار^، سفينة النجاة، الذين لم يستسلموا للتهديد والتعذيب من قبل السلطة الأموية ومَنْ تبعها، بل نقلوا سيرة جدّهم رسول الله| وتعاليمه بكلّ صدق وإخلاص، صافية خالصة عن ظهر قلب، صدراً بصدر. ولهذا كانوا دائماً عرضة للتعذيب والملاحقة من طرف السلطة، التي ما فتئت تستعمل كلّ الطرق لإبعادهم عن الناس، وإبعاد الناس عنهم؛ بتخويفهم منهم، وإظهارهم بمظهر المبتدعة المحدثين في الدين ما ليس منه، وغيرها من تلك الصور. وقد سار الجيل الذي أتى من بعدهم على نهجهم، ولم يُتْعب نفسه في البحث عن الأسباب وراء النهي عن السماع إلى أهل البيت^، والاقتداء بهم، حتى وجدنا من علمائهم رجلاً، مثل: الشافعي، يكتب في كتابه «الأم»، ضمن فصل ضمان الصنّاع: أن شخصاً إذا أعطى ثوباً للخياط ليخيطه له فهو ضامنه. ينقل رواية عن الإمام الصادق×، عن زيد، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب×، ويقول بعدها: «هذا يروى بطريقٍ لا يثبت أهل الحديث مثله!»([41]).
جواب السؤال الثالث([42])
للأسف فإن الأصل في مسألة حلّية الارتباط الجنسي للمالك بمملوكه، ونسبتها إلى الشيعة، إنما الغرض منها تأليب قلوب الشيعة على السنّة. ثم أولاً هذا الأمر لم تكن نسبته إلى ناصر خسرو لوحده، بل قد ادُّعي أن العديد من الشعراء الفرس قد نظموا فيها شعراً، وأن أحد محقِّقي النجف([43]) قد جمع هذا الشعر ضمن سلسلة مقالات طبعها في مجلة «الإسلام»، التي تطبع في النجف([44]). كذلك كتاب «بدائع الوقائع»، للآصفي الهروي، الذي قامت مؤسّسة «بنياد»([45]) بطبعه([46]). كذلك هناك شعر عربي يشتكي من الأئمة الأربعة لمذهب أهل السنة، وكان هذا الموضوع ضمنها، حيث نسبه إلى مالك، ويوجد هذا الشعر في كلٍّ من كتاب «شرح رسالة الحور العين»، لنشوان الحميري. ومما جاء فيها: «يروى عن المالكية أنهم يستحلون اللواط بالمماليك»([47]). وكتاب «معيد النعم ومبيد النقم»، لتاج الدين السبكي، مؤلف طبقات الشافعية([48])، وفي أماكن أخرى. لكنّ أهم المصادر لهذا الموضوع، والأكثر اعتباراً، هي المصادر الفقهية، ومن بينها: كتاب «الدرة المضيئة»([49])، لتقي الدين السبكي، الملقب بشيخ الإسلام، وأحد كبار علماء الشافعية، ومما جاء فيها: «﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ فقد يخطر بباله أن هذا يقتضي حلّ المملوك. وقد خطر ذلك لبعض الجهّال. فإذا أخذ بهذا العموم ضلّ. وقد قال بعض أصحاب الشافعي أن مَنْ تأوَّل هذا التأويل نسقط عنه الحدّ، وأخطأ في هذا القول»؛ «الاستقامة»، لابن تيمية، وقد جاء فيها: «وقد بلغني من ذلك عن أقوام مشهورين بالفتيا والقضاء، حتّى حكوا…. وقد أبلغ من ذلك: يحكون في بلادهم عن مالك حلّ اللواط، ويذكر ذلك لمَنْ هو من أعيان مذهبه، فيقول: القرآن دلّ على تحريمه، ولا يمكنهم أن يكذبوا الناقل، ويقولوا هذا حرامٌ بالإجماع…. لكنّ هؤلاء ليسوا في الحقيقة فقهاء في الدين، بل هم نقلة لكلام بعض العلماء ومذهبه…»([50]). وكذا ذكرها ابن القيِّم في «إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان»، وقد قال: «وصنَّف بعضهم كتاباً في هذا الباب، وقال في أثنائه: باب في المذهب المالكي. وذكر فيه الجماع في الدبر من الذكور والإناث…. وظنّ كثيرٌ من الجهّال أن الفاحشة بالمملوك كالمباحة أو مباحة، أو أنها أيسر من فعلها بالحُرّ. وتأوّلت هذه الفرقة القرآن على ذلك، وأدخلت المملوك في قوله: ﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾، حتى أن بعض النساء لتُمكِّن عبدها من نفسها؛ متأوِّلة القرآن في ذلك…. ومنهم مَنْ يجعل ذلك مسألة نزاعٍ؛ يبيحه بعض العلماء؛ ويحرِّمه بعضهم، ويقول مخالفوهم: شبهة. وهذا كذب وجهل…. ثم ذلك الخلاف قد يكون قولاً ضعيفاً، فيتولَّد من ذلك القول الضعيف، الذي هو من خطأ بعض المجتهدين…، تبديل الدين وطاعة الشيطان…»([51]). وغيرها من الكتب التي نقل الحكم المشهور في هذا الموضوع. وقد جاء في تحفة الترك، لنجم الدين الطرسوسي، التوصية للقاضي إذا قضى وفق مذهب مالك أن يتحقَّق من الموضوع، حتّى لا يأخذ بالأقوال الضعيفة: «ولا يحكم بحلّ نكاح المتعة، ولا بحل أكل الكلب، ولا بشهادة الصبيان…، ولا بما شابه هذه المسائل، التي دليله فيها ضعيف جدّاً، ولا يفتي بحلّ إتيان النساء في الدبر، ولا بما شنع من المسائل…»([52]). وكلُّهم صرَّحوا بأن وجود الحكم بالحلّية كان من وراء توهُّم الإطلاق لعبارة: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، حيث تشمل حتّى المملوك والغلمان([53]). ونذكر هنا أن مذهب الحنفية، رغم قولهم بحرمة زواج المثلين (بين شخصين من نفس الجنس)، لكنْ لا يرَوْن الحدود الشرعية والعقوبات تشملهما. وقد عبَّروا عن رأيهم هذا بشكلٍ صريح، حيث قالوا: إن المالك إذا ارتكب الفاحشة بغلامه (مملوكه) لا يقام عليه الحدّ، معتبراً ملاك المملوكية متقدّماً على الملاك في الحدود وإقامة الأحكام الجنائية الإسلامية عليه. ومثاله: لو أن أحداً يملك أخته من الرضاعة، فبلحاظ كونها أخته من الرضاعة يحرم عليه نكاحها، لكن بلحاظ المملوكية يحلّ له نكاحها. فالأخت بالرضاعة بلحاظ أحكام باب الأحوال الشخصية تحرم على مالكها؛ لأنها أخته من الرضاعة، لكنْ إذا حصل أن واقعها فإنّ القضاء ينظر إلى مسألة الملكية، فيرى جواز فعله، ومن ثمّ يعفى من العقاب في هذه الدنيا. وهذه المسألة وجدناها مفصَّلة في فتاوى تاتارخانية وفتاوى قاضي خان([54]). وذكر ابن القيِّم في مؤلفه «إغاثة اللهفان» أن هذا الموضوع قد طرح بشدّة في عصره، وخصوصا أن نظر الحنفية فيه قد أُسيئت الاستفادة منه، وتمت ممارسة هذه الفاحشة تحت غطاء شرعي من طرف جهلة وفساق موالي الترك (الذين كانوا يشكلون مكونات الحكومة والجيش آنذاك)([55]). ولم يتوقَّف الأمر عند شمول هذا الفعل الحدود والتعزيرات، ولكنْ تجاوز حتّى صارت تقام المناظرات حول إمكان وجود نكاح المثلية في الجنّة، كالمناظرة التي جرَتْ بين أبي عليّ بن الوليد المعتزلي وأبي يوسف القزويني، حيث قال الأول بإمكان وجوده في الجنة؛ محتجّاً بالقول: إن المصلحة من تحريمه في الحياة الدنيا لأجل حفظ النوع، وما دامت هذه المصلحة منتفية في الجنة، شأنها شأن شرب الخمر الذي حرم في الدنيا؛ لحفظ العقل، ولانتفاء هذه المصلحة في الجنة كان شربه فيها حلالاً، بل عُدَّ من نعم الجنة؛ أما الثاني فقد أنكر وجوده في الجنة.
وقد تغلب أبو الوليد في تلك المناظرة على مناظره! وبعبارة أخرى: ما احتجّ به المثبت لوجود هذا الفعل في الجنة أن هذا الفعل لا علاقة له بالقبح الذاتي والأخلاقي، وإنما الشرع ناظر إليه في إطار المصلحة التي بلحاظها تمّ تحريمه، ومتى انتفت هذه المصلحة ينتفي؛ للالتزام، الحكمُ بالحرمة.
وفي الحقيقة أنا مثلكم أتمنى أن تكون هذه التصريحات والشائعات مجرّد كذب، وأن لا يكون لما قيل في هذا الموضوع حظٌّ في الواقع. لكن للأسف الواقع على غير ما نتمنّاه، وقد سجل الحبر على الورق ما كان من آراء وأقوال، هي بالفعل ثابتة في حقّ بعض مَنْ نُسبت إليهم([56]).
الهوامش
_______________________
(*) من أبرز الباحثين المعاصرين في التراث الإمامي، وأحد أبرز أساتذة الجامعات الأميركية الإيرانيين اليوم. له أعمالٌ علميّة تراثية تحقيقيّة مشهودة.
([1]) أصل هذا النصّ محاضرة ألقيت في جمعية التاريخ التابعة لمؤسسة الثقافة الإيرانية (طهران، فروردين 1356). وأعيد طبعها ضمن مجموعة «تاريخيات» (نيوجرسي، 2009).
([2]) البغدادي، الفرق بين الفرق: 68، القاهرة، 1984.
([3]) الفرق بين الفرق: 68؛ الشهرستاني، الملل والنحل، حيث قال: «واحتجوا بعدم ذكره في القرآن»؛ ناشئ أكبر، مسائل الإمامة: 69، حيث قال: «أنكروا الرجم، ولم يوجبوا من الشرائع إلاّ ما نصّ عليه القرآن، أو نقله فرق أهل الصلاة كلّهم بالإجماع».
([4]) الفرق بين الفرق: 89 ـ 92.
([5]) وهذا مماثلٌ لفتوى طاووس، وبعض متقدِّمي السنة.
([6]) المقدسي، البدء والتاريخ 5: 138.
([8]) السيوطي، الإتقان 1: 386.
([9]) انظر في هذا الأمر: الذريعة 2: 362.
([10]) مسائل الإمامة: 69 بالنسبة للبدعية؛ ابن حزم، الفصل 5: 51 بالنسبة لأتباع إسماعيل البطيحي.
([14]) الشهرستاني، الملل والنحل: 132؛ أبو حفص الإباضي، مقدمة التوحيد: 113؛ مشارق أنوار العقول السالمة: 356 ـ 357.
([16]) عبد القاهر البغدادي، أصول الدين: 274.
([17]) الشهرستاني، الملل والنحل: 165.
([18]) مسائل الإمامة: 60 ـ 61. وبالنسبة للأصمّ يرجع إلى: ابن تيمية، نقد مراتب الإجماع: 216.
([19]) عبد القاهر البغدادي، أصول الدين: 274؛ السمناني، روضة القضاة 1: 68، والذي نسب هذا الادّعاء إلى أبي إسحاق الإسفرائيني وجماعة من أصحاب الشافعي.
([20]) الفرق بين الفرق: 89؛ وكذلك نقل ابن الرواندي في انتصار الخياط: 132.
([21]) عبد القاهر البغدادي، أصول الدين: 336.
([22]) مغني ابن قدامة، فصل في جواز وطء الإماء في كتاب النكاح.
([23]) يوجد الآن في المجلد 9: 552، طبعة عبد الفتاح الحلو. وهذا الهامش وباقي الهوامش الأخرى جاءت بعد إضافة المحاضرات في هامش المتن الأصلي.
([24]) كمثال: سنن أبي داوود 1: 497، في باب وطء السبايا من كتاب النكاح.
([25]) للتعرف على هذه القصة يرجى الرجوع إلى: الغدير 6: 118، ومصادر أخرى متعددة.
([26]) في الأول لم يكن من هذا الكتاب إلاّ نسخة مصغرة لنسخة خطية بالمكتبة المركزية بالجامعة، لكن اليوم لا أقل هناك طبعتان من الكتاب، حيث أخذ المطلب من المجلد 6، الفصل الثاني: 475، طبعة القاهرة، 1989.
([27]) راجع: ابن قدامة، المغني 9: 552 ـ 554، كتاب النكاح، فصل جواز وطء الإماء، طبعة عبد الفتاح محمد الحلو.
([28]) رجال الكشّي: 141، مع وجود بعض الاختلافات في الكافي 2: 402.
([29]) المقدسي، البدء والتاريخ 5: 143 ـ 144.
([30]) كذا ذكر. ويراد منه جعفر بن مبشر الثقفي، المتوفى سنة 234.
([31]) القطب الراوندي، الخرائج والجرائح: 246، الأبطحي، قم.
([32]) ابن حزم، المحلّى 11: 263.
([33]) ابن رجب الحنبلي، ذيل طبقات الحنابلة 1: 192.
([34]) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية 4: 98، والهوامش.
([35]) ابن عابدين، ردّ المحتار 3: 240.
([37]) الخياط، كتاب الانتصار: 88.
([38]) الطوسي، تهذيب الأحكام 10: 56.
([39]) هذا كلام للمرحوم دانش پژوه، حيث اعترض على جعل بعض كتّاب «الملل والنحل» الغلاة ضمن قسم منفصل، بينما هم ليسوا من المسلمين، حتّى يعدّوا قسيماً منهم. ولهذا يكون التقسيم الصحيح منحصراً في: سني وشيعي وخوارج.
([40]) السؤال كان من طرف المرحوم الدكتور زرياب الخوئي، حول مسألة اتّخاذ العبيد. وبالطبع فإن سيرة النبيّ الأكرم| والجيل الأول من المسلمين لا بُدَّ وان تؤخذ بعين الاعتبار، بلحاظ كونها مفسِّرة لمجمل الكتاب، ومبيِّنة له.
([41]) الشافعي، الأمّ 8: 88، طبعة بولاق.
([42]) السؤال كان من طرف الدكتور أصغر مهدوي.
([43]) المراد هو المحقِّق السيد عبد العزيز الطباطبائي تغمده الله برحمته.
([44]) كانت هذه المجلة قبل عشرة إلى اثنتي عشرة سنة. واستمرت في طبع أعدادها شهرياً لمدّة سنة. وبعد ذلك توقَّفت عن الطبع.
([45])» بنياد فرهنگ إيران»، التي نظمتها جمعية التاريخ.
([46]) الآصفي الهروي، بدائع الوقائع 1: 412.
([47]) نشوان الحميري، شرح رسالة الحور العين: 216.
([48]) تاج الدين السبكي، معيد النعم ومبيد النقم: 102، طبعة بيروت.
([49]) تقي الدين السبكي، الدرة المضيئة: 21، طبعة دمشق، 1347.
([50]) ابن تيمية، الاستقامة 1: 61، طبعة محمد رشاد سالم، الرياض.
([51]) ابن القيم، إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان 2: 177 ـ 179.
([52]) نجم الدين الطرسوسي (فقيه حنفي من القرن 8)، تحفة الترك: 83 (طبعة رضوان السيد). حيث أوصى الحاكم عند القضاء وفق مذهب مالك أن يأخذ الاحتياط في مَنْ ينقل عنه.
([53]) في تعليقات النقض 1: 272. كما نقلت في رسالة يوحنا الذمّي بأنها صريحة في المملوك، وليست مطلقة.
([54]) يرجى الرجوع إلى: ابن حجر الهيثمي، الإعلام بقواطع الإسلام): 353، السطر 9 ـ 10، طبعة دار المعرفة، بيروت؛ التاتارخانية 5: 108 ـ 116؛ فتاوى القاضي خان 3: 480 ـ 489.
([55]) إغاثة اللهفان 2: 177 ـ 179.
([56]) بصراحة المرء يحتاج إلى أن يكون وقحاً حتّى يدَّعي ما ادّعاه الحنفي في عون المعبود في شرح سنن أبي داوود 6: 200 (طبعة المدينة، 1388)، حيث قال: «ذهبت الإمامية إلى جواز إتيان المملوك في الدبر».