دراسةٌ مقارنة
ـ القسم الثاني ـ
د. الشيخ خالد الغفوري(*)
الجهة الثالثة: بيان النوع الثاني (ولاء ضمان الجريرة)
لقد عُدَّ ولاء ضمان الجريرة أو الموالاة سبباً من أسباب الإرث، ذهب إليه الإمامية([1])؛ ولكن عند أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر ومحمد إذا أسلم رجلٌ على يد رجل، وتعاقدا على أن يتعاقلا ويتوارثا، صحّ ونفذ وترتّب عليه الأثر ([2]).
وقد استُدلّ عليه بالكتاب والسنّة([3]) والإجماع([4]):
الدليل الأوّل: الكتاب
استُدلّ ببعض الآيات على سببية ولاء العتق للتوريث، وهي:
1ـ قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالعُقُودِ﴾ (المائدة: 1)، ونحوه من الآيات([5]). وهي بإطلاقها شاملةٌ لهذا المورد؛ لصدق العقد عليه.
المناقشة
إنّ الإشكالية التي تُواجه هذا الاستدلال هي أنّ هذه الآية تُثبت لزوم الوفاء بالعقد، وهذا متأخِّرٌ رُتْبة عن مشروعية العقد، والتي هي محلّ البحث، ومنشأ الشكّ هو حصر الشارع لأسباب الإرث، فكون العقد سبباً للتوارث بحاجةٍ إلى دليل، ومن هنا استدلّ بها الفقهاء على لزوم هذا العقد، لا على أصل مشروعيَّته([6]). وعليه فالاستدلال بهذا الآية لا ينفع في المقام.
2ـ قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً﴾ (النساء: 33). ويقع الاستدلال بالجزء الأخير من الآية.
وليُعْلَمْ أنّ في تحديد المراد بهذا المقطع عدّة احتمالات أو أقوال، نذكر منها ما يُفيد في المقام:
الاحتمال الأوّل: إنّهم الحلفاء، وهم موالي الموالاة، فقد كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتعقل عنّي وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من مال حليفه. قيل: وقد عاقد أبو بكر مولىً فورثه([7]). وعلى هذا فالجملة ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ…﴾ مقطوعة عمّا قبلها ـ وهو قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾ ـ، والواو استئنافيةٌ، وليست عاطفة. والمعنى: والحلفاء آتوهم نصيبهم من الإرث، وهو السدس، فأقرَّهم الاسلام عليه في البدء، ثمّ نُسخ ذلك ـ مطلقاً أو على بعض الوجوه([8]) ـ بقوله تعالى: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ (الأنفال: 75؛ الأحزاب: 6) أو بغير ذلك من الآيات. وحُكي عن الشافعي دعوى النَّسخ([9]). وسيأتي بحث ذلك مفصّلاً.
الاحتمال الثاني: وهو يتّحد مع الاحتمال الأوّل أيضاً في إرادة الحلفاء من النصّ، إلا أنّ المراد بـ ﴿آتُوهُم نَصِيبَهُمْ﴾ من النصر والعقل([10]) والرفد والمشورة والوصية، ولا ميراث لهم. وعلى هذا فلا نسخ في الآية، ولا علاقة لها حينئذٍ بالميراث. ونُسب هذا الرأي إلى مجاهد والسدّي، واختاره النحّاس([11]). وعليه فلا تكون الآية منسوخة.
ويُلاحَظ عليه:
1ـ إنّ التعبير بـ ﴿نَصِيبَهُمْ﴾ في المقام يُفهم منه عُرفاً النصيب ممّا ترك الوالدان، وهو الإرث، نظير قوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ﴾ (النساء: 7)، وإرادة غيره خلاف الظاهر ما لم تكن قرينةٌ، وهي مفقودةٌ في المقام، فتفسير الآية على النصيب الثابت المسمّى في عقد المحالفة أَوْلى وأشبه بمفهوم الخطاب من تأويل الآخرين([12]).
ولو أُريد غير الإرث لعبّر بلزوم الوفاء للحليف ونحوه، فإنّه المناسب للفظ العقد، كما في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ (التوبة: 4)، بل حتّى لو كان التعبير بالوفاء ونحوه لاقتضى ذلك الإرث أيضاً؛ لأنّ المتعارف في عقد المحالفة شموله للإرث. ولو أراد عدم الشمول للإرث شرعاً فالأنسب التعبير بـ (فانصروهم) ونحوه. ثمّ إنّ الذي يناسب العقل التعبير بـ (الإعانة) ونحوها، والذي يناسب الوصيّة التعبير بـ (الخير أو المعروف) ونحوهما، أو على أقصى التقادير التعبير بـ (الحقّ) ونحوه؛ لإمكان حمله على المعنى الواسع. وأمّا التعبير بـ (النصيب) فهو يتلاءم مع المال، ولا ينسجم مع ما ذُكر طرّاً.
2ـ إنّ إضافة النصيب إليهم ﴿نَصِيبَهُمْ﴾ تقتضي أنّ لهم حقّاً معيَّناً ومُحدَّداً، كما هو واضحٌ.
3ـ مُضافاً إلى عدم صدق النصيب على النصر والعقل والمشورة والوصية، كما أنّ بعض ما ذُكر ـ كالمشورة ـ ممّا يستوي فيها سائر الناس، ولا خصوصية لأحدٍ دون أحد([13]).
الاحتمال الثالث: المراد الحلفاء أيضاً، لكنْ يؤتون من التركة على سبيل التحفة والهدية بالشيء القليل، كما أمر الله تعالى لمَنْ حضر القسمة أن يُعطى شيئاً. قاله الأصمّ([14]).
ويَرِدُ عليه: إنّه قد اتَّضح ممّا تقدَّم أنّ الأنسب حينئذٍ التعبير بـ (الخير أو المعروف) ونحوهما، لا (النصيب).
الاحتمال الرابع: ما ذهب إليه الجبائي، من أنّ المراد بهم الموالي، وأنّ قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ معطوفٌ على ﴿الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾. ولأنّه يفسِّر الفقرة الأولى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ…﴾ ـ طبقاً لأحد الاحتمالات في تفسيرها ـ يكون المراد بمجموع الآية حَسْب رأيه: ولكلِّ شيءٍ ممّا تركه الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم موالي ـ أي وَرَثة ـ، فآتوا الموالي نصيبهم، ولا تأخذوا منه شيئاً إنْ كنتم محالفين لهم، وتدفعوا المال إلى الحليف، بل ادفعوه إلى الموالي الورّاث([15])، فيكون لفظ ﴿الَّذِينَ﴾ في محلّ المورِّث، لا الوارث([16]).
ويُلاحَظ عليه:
أوّلاً: إنّ هذا الاحتمال في منتهى الغلط؛ لأنّ قوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ إن جُعل معطوفاً على ما سبق ـ كما صرَّح به ـ فلا بُدَّ أن يكون المعنى: آتوا الورثة جميعاً نصيبهم، فإنّ الحليف داخلٌ في الورثة؛ بمقتضى العطف؛ وبمقتضى العرف السائد والارتكاز العرفي، واستثناؤه من الورثة بحاجةٍ إلى دليل واضح. ودعوى الاستثناء بهذه الجملة ذاتها دعوى غير مقبولة؛ لأنّ العبارة سوف يكون فيها إيهامٌ. ومن هنا فإنّ الظاهر من (الواو) كما فهمه أكثر المفسِّرين كونها استئنافية، لا عاطفة.
ثانياً: إنّ هذا التفسير مرتبطٌ بتفسير الفقرة الأولى من الآية بأنّ المُراد منها: لكلّ إنسان وارث ـ ممّا تركه الوالدان والأقربون ـ جعلنا موالي، أي موروثين. وعليه يكون المولى ـ الموروث ـ والوالدان مرفوعاً بالفعل ﴿تَرَكَ﴾، و﴿ما﴾ بمعنى (مَنْ)، والجار والمجرور صفة ﴿ما﴾ أضيفت إليه ﴿كُلٍّ﴾، والكلام جملة واحدة([17]).
وهذا التفسير أيضاً مردودٌ، فقد نوقش بأنّه بعيد([18]).
أقول: ولعلّ الوجه في استبعاده هو:
أوّلاً: إنّ النقطة المهمّة لدى العُرْف هي تحديد الورثة، لا تعيين الموروثين، فإنّ الشروع بالموروث سيرٌ عكس الاتّجاه من ناحية الذوق العُرْفي؛ وذلك لعدم جدوى تعيين الموروث ولغويّته بنظر العقلاء؛ لأنّ الشخص رُبَما يكون له عشرات الأقارب، فأيّ فائدةٍ في تعداد قائمة بالموروثين الذين يُمكن أن يُورَث منهم، بخلاف ما إذا تمّ تحديد الورثة للميت.
ثانياً: إنّ السياق لا يُساعده؛ فإنّ الحديث في الآية السابقة حول القناعة بما حدَّده الله لكلِّ أحدٍ من عطاء، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ (النساء: 32).
ثالثاً: استبعاد استعمال اسم الموصول (ما) ـ الذي يُستعمل عادة لغير العاقل ـ في العاقل، ولا سيَّما مع وجود تعابير وصياغات قرآنية مشابهة لها، من قبيل: قوله: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ…﴾ (النساء: 7).
الاحتمال الخامس: وهو في حقيقته تضييق للاحتمال الأوّل؛ فإنّ المراد بـ ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ إخوان المؤاخاة الذين آخى بينهم رسول الله| من المهاجرين والأنصار حين قدموا المدينة، وكانوا يتوارثون بذلك بينهم، ثمّ نُسخ ذلك بآية الميراث([19])، أي قوله تعالى: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُم أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾. وهو مرويٌّ عن عبد الله بن عبّاس، وقد ذهب إلى أنّه نُسخ بعد ذلك بآية الفرائض([20]).
ويُلاحَظ عليه: إنّ المؤاخاة من حيث هي ليست عَقْداً، وإنّما هي التزامٌ أخلاقي، حتّى لو وصل إلى حدّ الوجوب واللزوم؛ لسبب من الأسباب. أجل، إذا اشتملت المؤاخاة على عقد الموالاة وضمان الجريرة فيُمكن أن ينطبق عليها ظاهر النصّ، ولكنْ حينئذٍ لا أثر للمؤاخاة؛ نظراً لتبدُّل الموضوع. وسيرجع هذا الوجه إلى الاحتمالات المتقدِّمة، وهو غير مقصود لصاحب هذا القول ظاهراً.
الاحتمال السادس: أُريد بهم الأدعياء، وهم الأبناء الذين كانوا يتبنَّونهم في الجاهلية، ومنهم: زيدٌ مولى رسول الله|، فأُمروا في الإسلام أن يوصوا لهم بوصيّةٍ، وذلك قوله تعالى: ﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾. قاله سعيد بن المسيّب([21]).
ويُلاحَظ عليه: إنّ هذا المعنى خلاف الظاهر جدّاً؛ وذلك:
1ـ عدم مناسبة التبنّي مع قوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾؛ فإنّ التبنّي ليس عقداً، وإنَّما هو إقدامٌ إنساني من طرفٍ واحد، ولا سيَّما أنّ التبنّي عادةً يكون للطفل في أوائل صغره.
2ـ إنّ إضافة النصيب إليهم ﴿نَصِيبَهُمْ﴾ مشعرٌ بثبوت حقٍّ ونصيب لهم، وهو غير مناسب، والأنسب أن يعبِّر بأنّ لهم نصيباً وحظّاً؛ لأنّه تفضُّل وإحسان.
3ـ إنّ إرادة الوصية من ذلك غير مناسب؛ لأنّه فيه احتمالان: فإمّا أن يكون التقدير: فآتوهم نصيبهم من الوصيّة، ولم يَرِدْ للوصية ذكرٌ في المقام ولا في ما سبق؛ وإمّا أن يكون المراد بـ ﴿آتُوهُم﴾ أوصوا لهم وصيّة، وهذا أيضاً لا يناسب لفظ الإيتاء؛ لأنّه ظاهر في الإيتاء الفعلي الذي خوطب به الوارث، لا المورّث.
الاحتمال السابع: وهو ما طرحه أبو بكر الجصّاص، قال: «وجائزٌ أن يكون المراد بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ منتظِماً للحلف والتبنّي جميعاً؛ إذ كلّ واحدٍ منهما يثبت بالعقد، فهذا الذي ذكرنا كان من مواريث الجاهلية وبقي في الإسلام، بعضها بالإقرار عليه إلى أن نُقلوا عنه، وبعضه بنصٍّ ورد في إثباته إلى أن ورد ما أوجب نقله»([22]).
والمناقشة فيه تتَّضح ممّا تقدَّم.
الاحتمال الثامن: المراد: الزوجان([23]). قاله أبو مسلم الإصفهاني([24]).
الاحتمال التاسع: إنّ المراد بـ ﴿الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ الأئمّة^.
وسوف يأتي توضيح هذا الاحتمال ومناقشته في بحث (ولاء الإمامة).
الاحتمال العاشر: إنّ المراد بـ ﴿الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ مطلق مَنْ تمّ معه المعاقدة والمعاهدة، وهم الزوجان وضامن الجريرة والإمام؛ فإنّ هؤلاء الثلاثة إرثهم مسبَّبٌ عن المعاقدة والمعاهدة التي تقع بين الأطراف، وقد أمر الله تعالى بالوفاء بها، قال عزَّ وجلَّ: ﴿أَوْفُوا بِالعُقُودِ﴾ (المائدة: 1)، ولا سيَّما بعد تفسيره بالعهود. وهو واضحٌ جدّاً بالنسبة لعقد ضمان الجريرة، وأمّا بالنسبة إلى الزواج فقد أطلق عقد النكاح على الزواج الذي هو مسبَّب عن عقد النكاح، قال تعالى: ﴿…وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ…﴾ (البقرة: 235)، وأمّا بالنسبة إلى عقد ولاء الإمام فهو إمّا يتحقَّق بالبيعة له خارجاً مباشرة، وإمّا يثبت بالأحاديث والروايات، نحو ما ورد في تفسير هذه الآية الشريفة بالذات([25])، كما مرّ في بيان الاحتمال العاشر.
وليُعْلَمْ أنّه بناءً على هذا الاحتمال تكون الآية متعرِّضة إلى الإرث بقاعدتَيْه الأساسيتين: الأولى: القرابة (=النسب)، والثانية: العقد (=السبب). أجل، هي لم تتعرَّض إلى ولاء العتق.
لكنْ ادَّعى بعضهم إمكانية شمول الآية لولاء العتق بنحوٍ ما([26]). ومستند هذه الدعوى غير واضحٍ، إلاّ أن يعود إلى دعوى دلالة الفقرة الأولى من الآية ـ ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ…﴾ ـ عليه، لا هذه الفقرة، وحينئذٍ يَرِدُ عليه ما أوردناه هناك.
المناقشة
إنّ أصل دعوى شمول قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ…﴾ لعقد ولاء الإمام غير واضحة، بل مستبعدة؛ وذلك ـ مضافاً إلى الوجوه التي ذكرناها في مناقشة الاحتمال العاشر ـ أنّ الجمع بين الإمام بما هو منصبٌ شرعي وبين غيره في خطابٍ واحد غير مستساغ عُرْفاً؛ لأنّه لا جامع عرفياً بينهما، إلاّ جامع انتزاعي عقلي مبتنٍ على الدقّة والتحليل، ولا سيَّما مع إضافة النصيب إليهم، ففرقٌ بين ما يرثه الإمام باعتباره حقّاً ومالاً عامّاً وبين ما يرثه الشخص.
والحاصل من ذلك كلِّه أنّ أوجَهَ الاحتمالات وأظهرَها أوّلُها، وهو كون المراد من قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ هو إرث ضامن الجريرة. لكن يبقى البحث في ديمومة هذا الحكم أو نسخه، بناءً على قبول دعوى النسخ المطلق أو الجزئي.
ملحوظتان
أولاهما: إنّه ينقدح في الذهن إمكان إضافة وجه آخر أو أكثر في مدلول هذا النصّ، كاحتمال إرادة عقد النكاح وعقد ضمان الجريرة([27])، أو احتمال إرادة عقد ولاء الإمام× مع عقد ضامن الجريرة.
وممّا مرَّ ويأتي تتَّضح إمكانية الاستدلال على هذين الاحتمالين، وأيضاً نقاط المناقشة فيهما، فلا نُعيد.
والأخرى: لقد استفاد البعض من الآية الترتيب بين ذوي الأنساب وذوي الأسباب في الإرث من الآية، فقال: «إنّ الأمر الذي يُستفاد من هذه الجملة أنّ ميراث الذين عقدت أيمانهم وولاؤهم متأخِّرٌ رتبةً عن ولاء أولي الأرحام والأقربين، وأمّا إرث الإمام× فهو متأخِّرٌ عن الجميع؛ بمقتضى الآية الكريمة والروايات الواردة في السنّة»([28]). وصدر كلامه يظهر منه أنّ مقصوده ذوو الأسباب جميعهم بأصنافهم الثلاثة.
ويُمكن الاستدلال على تأخُّر ذوي الأسباب عن ذوي الأنساب بأنّ هذه الاستفادة تتمّ ببركة الواو التي تفيد الترتيب بين المعطوف والمعطوف عليه على فرض كونها عاطفةً. وأمّا الترتيب بين ذوي الأسباب أنفسهم فلم يتَّضح لنا وجهُ استفادته من هذا النصّ، فكيف ادَّعى صاحب هذا القول استفادة تأخُّر إرث الإمام× عن قرينَيْه: الأزواج؛ وضامن الجريرة؟!
المناقشة
1ـ إنّ أصل دعوى شمول قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ…﴾ لجميع ذوي الأسباب مردودةٌ، كما مرَّ في مناقشة الاحتمال العاشر.
2ـ وأمّا كون الواو دالّةً على الترتيب في استحقاق الإرث فهذا مجرَّد احتمال بحاجةٍ إلى مؤيِّد حتّى يرجح على ما يقابله من الاحتمالات الأخرى، مضافاً إلى عدم اطّراد هذا الحكم في الأصناف الثلاثة من ذوي الأسباب؛ فإنّ الزوجين يجتمعان مع الأقارب في طبقاتهم الثلاثة، فلا ترتيب فيهما.
3ـ وأمّا دعوى استفادة تأخُّر إرث الإمام عن جميع الورّاث بطبقاتهم وأصنافهم كافّة فلم نَرَ له وجهاً فنيّاً. إلاّ أن يُدَّعى أنّ ثمّة قرينةً لبّية، وهي أنّه لا يُصار إلى الوارث العام والأموال العامة إلاّ بعد فقد الوارث الخاصّ؛ أو نستعين بنصوصٍ من السنّة، بَيْدَ أنّ الاستعانة بالسنّة خروجٌ عن المدَّعى في استفادة ذلك من الآية.
التحقيق في إشكالية النسخ
وقع البحث في كون هذه الآية منسوخةً أو لا؟
وفي ذلك قولان:
الأوّل: إنّها مُحْكَمةٌ. واختاره الإمامية والحنفية.
الثاني: إنّها منسوخةٌ. واختاره الشافعي([29]).
وبناءً على قبول دعوى النسخ يبرز أمامنا اتّجاهان:
الاتِّجاه الأوّل
كون النسخ غير مطلق، فالإرثُ بسبب عقد ما يُسمَّى باصطلاح الفقهاء بضمان الجريرة باقٍ، لكنْ على بعض الوجوه والشروط، لا مطلقاً([30])، والتي منها عدم وجود وارثٍ أَوْلى منه، كالورثة النسبيين.
قال الشهيد الثاني: «هذا العقد كان في الجاهلية يتوارثون به دون الأقارب، فأقرَّهم الله تعالى في صدر الاسلام عليه، وأنزل فيه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾، ثمّ نُسخ بالإسلام والهجرة. فإذا كان للمسلم ولدٌ لم يهاجر ورثه المهاجرون، دون ولده([31])، وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِن وَلاَيَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ (الأنفال: 72)، ثمّ نُسخ بالتوارث بالرحم والقرابة، وأنزل الله تعالى فيه آيات الفرائض، وقوله تعالى: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾…»([32]).
وهذا الكلام مأخوذٌ من الرواية. فعن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق×، عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب× أنّه قال في بيان كيفية تشريع الإرث: «إنّ رسول الله| لمّا هاجر إلى المدينة آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، وجعل المواريث على الأخوّة في الدين، لا في ميراث الأرحام؛ وذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ (الأنفال: 72)، فأخرج الأقارب من الميراث، وأثبته لأهل الهجرة وأهل الدين خاصّةً، ثمّ عطف بالقول فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِنْ لاَ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ (الأنفال: 73)، فكان مَنْ مات من المسلمين يصير ميراثه وتركته لأخيه في الدين، دون القرابة والرحم الوشيجة، فلمّا قوي الإسلام أنزل الله: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً﴾ (الأحزاب: 6)»([33]).
المناقشة
ويُلاحَظ على هذا البيان:
إنّ هذا التحليل مبتنٍ على الفهم الشائع للآيات بكون الإرث كان يتمّ على أساس الأخوة الإيمانية، ومن هنا وقع أصحاب هذا الفهم في إحراجٍ، فلجأوا إلى القول بنَسْخ هذا الحكم.
إلاّ أنّ دعوى أنّ الإرث كان على أساس الأخوة في الدين في صدر الإسلام غير صحيحة، كما اتَّضح. وأيضاً إنّ دعوى النسخ مرفوضةٌ؛ لعدم دليلٍ محكم عليها؛ ولعدم التنافي بين هذه الآيات والأحكام المشرَّعة فيها.
وأمّا ما ذُكر في الرواية فالمراد به وصف الواقع الذي مرَّ به المسلمون، حيث تمّ بينهم عقد الحلف، فكان الميراث يصل إليهم دون الأرحام، وعدم إرث الأرحام لم يكن بسبب إلغاء تأثيره، بل لعدم تحقُّق شرط الإرث، وهو الإيمان.
من هنا لا بُدَّ من تعديل بيان هذا النمط من التدرُّج، بأنّ التدرُّج كان في أصل إظهار وإبراز التشريعات التي لا تنافي فيما بينها، ففي كلّ فرصةٍ مناسبة يطرح الإسلام حكماً أو إشارة إلى أحد تشريعات الإرث. ولم ينفسخ الميراث عند فقد الأقربين والمولى، بل يتعلَّق الميراث بالمعاقدة عند عدم الرحم والولاء، فإنّ الله تعالى جعل ذوي الأرحام أَوْلى منه، فإذا لم يكونوا بقي على حكم الآية([34]).
ويُواجه هذا الاتّجاه مشكلةً صعبة، فما هو المراد بعدم كون النَّسْخ مطلقاً؟ إذ المتراءى للذهن بَدْواً أنّ الأمر يدور بين خيارين، لا ثالث لهما: إمّا قبول فكرة النسخ في المقام؛ أو رفضها.
أجل، يُمكن أن نطرح عدّة وجوه محتملة؛ انتصاراً لفكرة النسخ الجزئي، أي عدم كونه مطلقاً، وهي:
الوجه الأوّل: إرجاع فكرة النسخ النسبي أو الجزئي إلى التخصيص.
لكنّ هذه المحاولة غير ناجحة؛ باعتبار أنّ تصوير التخصيص بالشكل الذي تقدَّم لا يمكن استفادته من جميع الآيات التي ادُّعي كونها ناسخة.
الوجه الثاني: إنّ المراد كون التخصيص سببه السنّة.
ولكنّ معنى ذلك هو الرفض لفكرة النسخ المطلق أو النسبي ما دام تحديد دلالة النص القرآني تتمّ وفق ذلك على ضوء السنّة، وليست على أساس نصٍّ قرآنيّ آخر حتّى يبحث عن كيفية الجمع الدلالي بينهما.
وعلى أيّ حال يبدو عدم إمكان الجمع بين فكرة النَّسْخ للآية وبين دلالتها على الإرث بضمان الجريرة، ولو مع قيودٍ خاصّة.
وقد التفت المحقِّق الكاظمي إلى هذه المشكلة، فقال: «وكيف كان فلا دلالة فيه ـ أي قوله تعالى ـ على نفي ضمان الجريرة على الوجه الذي يقوله أصحابنا، وهو إرثه مع عدم المناسب والمسابب؛ فإنّ الوجه الأوّل اقتضى إعطاء الوارث له السدس، وهو غير ما نقوله؛ ولا على إثباته، بل هو معلومٌ من خارجٍ، كالأخبار»([35]).
الوجه الثالث: وهو احتمالٌ متصيَّد من كلمات بعضهم، ورُبَما يمكن على ضوئه توجيه فكرة النَّسْخ الجزئي، وذلك من خلال بيان انتفاء الحكم لوجود مانعٍ، أي إنّ بعض الآيات بيَّنت بعض الورثة الذين هم أَوْلى من غيرهم، فوجودهم يمنع الغير من الإرث، ومع انتفائهم يرتفع المانع فيرث، أي إنّ مقتضي الإرث حاصلٌ، ولكن لا يؤثِّر في حال وجود المانع، فأولو الأرحام يقدَّمون على الحليف أو المهاجر، ومع انتفائهم فالحليف والمهاجر يرثان. قال الجصّاص: «وهذا عندنا ليس بمنسوخٍ، وإنَّما حدث وارث آخر هو أَوْلى منهم، كحدوث ابنٍ لمَنْ له أخٌ يُخرج الأخ من أن يكون من أهل الميراث، إلاّ أنّ الابن أَوْلى منه، وكذلك أولو الأرحام أَوْلى من الحليف، فإذا لم يكن رحمٌ ولا عُصبة فالميراث لمَن حالفه وجعله له»([36]). وهذا وجهٌ فنِّي ودقيق.
الاتّجاه الثاني
كون النسخ مطلقاً. فلا إرث بضمان الجريرة مطلقاً، لا مع غيره ولا مع انفراده. وهو المنسوب إلى الشافعي([37]).
ولا بُدَّ من البحث هنا عن تحديد النصّ الناسخ ما هو؟ وفي ذلك عدّة آراء:
1ـ قيل: هو قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ (الأنفال: 72).
2ـ وقيل([38]): هو قوله تعالى: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾ (الأنفال: 75). قال القرطبي: «ورُوي عن جمهور السَّلَف أنّ الآية الناسخة لقوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قوله تعالى في الأنفال: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُم أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾. رُوي هذا عن ابن عبّاس وقتادة والحسن البصري، وهو الذي أثبته أبو عبيد في كتاب (الناسخ والمنسوخ) له»([39]).
3ـ وقيل: إنّ قوله: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ منسوخٌ، نسخه قوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾. فهذه الفقرة ناسخةٌ للأولى. كذا رواه البخاري عن ابن عباس([40]).
4ـ وقيل: بالعكس، أي إنّ قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ ناسخٌ، والمنسوخ هو قوله: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، كما رواه الطبري، واختاره ابن بطّال([41]).
المناقشة
ويُلاحَظ على هذه الأقوال:
1ـ إنّه بناء على التسليم بكبرى وقوع النسخ في آيات الكتاب فإنّ دعوى النسخ هذه إنّما تكون مقبولةً فيما لو كان هناك تنافٍ في الدلالة، بحيث يُلغى التشريع الأول المنسوخ، ويشرَّع بدله حكمٌ آخر، وهو الناسخ. أمّا لو لم يكن هناك تنافٍ وأمكن الجمع بين التشريعين والدلالتين، ولو بنحوٍ التخصيص أو التقييد أو الورود، فلا داعي لدعوى النسخ؛ فإنّ النسخ حالةٌ طارئة لا يُصار إليها إلاّ نادراً، والأصل بقاء التشريعات وعدم تغييرها. من هنا قال القرطبي: «ولا يصحّ النسخ؛ فإنّ الجمعَ ممكنٌ، كما بيَّنه ابن عبّاس في ما ذكره الطبري، ورواه البخاري عنه في كتاب التفسير…»([42]).
والجمع بين قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ…﴾ وقوله تعالى: ﴿وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾ في غاية الإمكان، كما سيأتي في محلِّه. لكن قد تبدو المشكلة لأوَّل وهلةٍ في إمكانية الجمع مع قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا…﴾، بَيْدَ أنّ الحَلّ ممكنٌ أيضاً؛ إذ لا داعي لحصر دلالة الآية الأخيرة في الإرث، بل يحتمل فيها احتمالات أخرى.
2ـ إنّ الرأيين الأخيرين ـ أي الثالث والرابع ـ في منتهى الغرابة والفساد؛ إذ كيف يُحتمل عُرْفاً النَّسْخ في الآية الواحدة، فصدرها يكون ناسخاً لعجزها، أو بالعكس؟!
والمستند هو ما رواه البخاري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قال: «كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوي رحمه؛ للأخوّة التي آخى رسول الله| بينهم، فلمّا نزلت: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ قال: نَسَخَتها ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾»([43]).
وهذا هو الذي أثار استغراب المحقِّقين، كأبي الحسن بن بطّال، مع اعترافه بوقوع ذلك ـ أي نسختها ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ ـ في جميع النُّسَخ، ثمّ حاول تصحيح العبارة بما لا يقلّ غرابةً عمّا استغربه، قال: «والصواب: أنّ المنسوخة ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، والناسخة ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾»([44]).
أقول:
1ـ إنّ الضمير في لفظ «نسختها» عائدٌ على (المؤاخاة)، لا على الآية([45])، والفاعل المستتر للفعل (نسخت) يعود على قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾.
2ـ من المؤكَّد أنّ منشأ ذلك هو عروض تصحيف على هذه الرواية؛ فإنّ الموجود في نسخة البخاري المطبوعة ما يلي: «…عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ قال: ورثة، ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قال: كان المهاجرون لمّا قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه؛ للأخوّة التي آخى النبيّ| بينهم، فلمّا نزلت ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ﴾ نسخت، ثمّ قال: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، إلاّ([46]) النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصى له»([47]).
وأخرج الحاكم النيسابوري: «عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾، قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يورث([48]) الأنصار دون ذوي القربى رحمه([49])؛ للأخوّة التي آخى رسول الله| بينهم، فلمّا نزلت ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾ قال: فنسختها، ثمّ قال: ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ من النصر والنصيحة»([50]).
قال ابن الجوزي: «كان جماعة من المحدِّثين يروون الحديث من حفظهم، فتقصر عباراتهم، خصوصاً العجم، فلا يبين للكلام رونقٌ، مثل هذه الألفاظ في هذا الحديث»([51]).
3ـ ومن الغرائب أن يتوهَّم خبير بنصوص الشريعة أنّ المقطعين هما آيتان مستقلِّتان. قال العيني: «نسخت آيةُ الموالي آيةَ المعاقدة»([52]).
الدليل الثاني: السنّة
استُدلّ على مشروعية هذا العقد بعددٍ من الأحاديث، يُمكن تقسيمها إلى طائفتين:
الطائفة الأولى: الروايات العامّة الدالّة على لزوم العقود، ومنها:
1ـ ما رُوي عن النبيّ الأكرم| أنّه خطب يوم فتح مكة، وكان ممّا قال: «ما كان من حلفٍ في الجاهلية فتمسَّكوا به، فإنّه لم يزِدْه الإسلام إلاّ شدّةً، ولا تُحدثوا حلفاً في الإسلام»([53]).
2ـ ما رُوي عنه| أيضاً من أنّه قال: «شهدت حلف المطيبين وأنا غلامٌ مع عمومتي، فما أُحبّ أنّ لي حمر النعم وأنا [وأنّي] أنكثه»([54]).
المناقشة: إنّ غاية ما تُثبته هذه الأحاديث لزوم العقود، ولا تُثبت المشروعية.
الطائفة الثانية: الروايات الخاصّة لهذا العقد، ومنها:
1ـ صحيحة عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله× قال: «يذهب فيولي مَنْ أحبّ، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه»([55]).
2ـ صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله× قال: «إذا والى [=ولي] الرجلُ الرجلَ فله ميراثه، وعليه معقلته»([56])، والمعقلة: دية جناية الخطأ([57]).
3ـ صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله× قال: سألتُه عن مملوكٍ أُعتق سائبةً؟ قال: «يتولّى مَنْ شاء، وعلى مَنْ تولاّه جريرته، وله ميراثه». قلتُ: فإنْ سكت حتّى يموت. قال: «يُجعل ماله في بيت مال المسلمين»([58]).
ونحوه صحيحة أبي بصير([59])، عن أبي عبد الله×([60]).
4ـ صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال: سألتُ أبا عبد الله× عن رجلٍ أسلم، فتوالى إلى رجلٍ من المسلمين؟ قال: «إنْ ضمن عقله وجنايته ورثه وكان مولاه»([61]).
5ـ صحيحة محمد، عن أحدهما’ قال: سألتُه عن السائبة ـ والذي كان من أهل الذمّة ـ إذا والى أحداً من المسلمين على أن يعقل عنه، فيكون ميراثه له، أيجوز ذلك؟ قال: «نعم»([62]).
6ـ صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر× قال: «مَنْ مات وليس له وارثٌ من [قِبل] قرابته [=قرابة]، ولا مولى عتاقة قد ضمن جريرته، فمالُه من الأنفال»([63]).
7ـ صحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله×، قال: سمعتُه يقول: «مَنْ أعتق سائبةً فيتوالَى مَنْ شاء، وعلى مَنْ والى جريرته، وله ميراثه، فإنْ سكت حتّى يموت أخذ ميراثه، فجُعل في بيت مال المسلمين إذا لم يكن له وليٌّ»([64]).
8ـ صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله× قال: «قضى أمير المؤمنين× في مَنْ أعتق عبداً سائبة أنّه لا ولاء لمواليه عليه، فإنْ شاء توالى إلى رجلٍ من المسلمين، فليُشهِدْ أنّه يضمن جريرته وكلّ حَدَثٍ يلزمه، فإذا فعل ذلك فهو يرثه، وإنْ لم يفعل ذلك كان ميراثه يُرَدّ على إمام المسلمين»([65]).
9ـ صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله× قال: «السائبة ليس لأحدٍ عليها سبيلٌ، فإنْ والى أحداً فميراثه له، وجريرته عليه، وإنْ لم يُوالِ أحداً فهو لأقرب الناس، لمولاه الذي أعتقه»([66]).
10ـ بل يُمكن الاستدلال أيضاً بما أطلق فيه لفظ (الموالاة أو المولى)، كصحيحة محمد الحلبي، عن أبي عبد الله×، في قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِْ الأَنْفَالِ﴾ (الأنفال: 1)، قال: «مَنْ مات وليس له مولىً فمالُه من الأنفال»([67])؛ وصحيحة أبان بن تغلب([68]) قال: قال أبو عبد الله×: «مَن مات لا مولى له ولا ورثة فهو من أهل هذه الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لله وَالرَّسُولِ﴾ (الأنفال: 1)»([69]).
ثمّ إنّه بناءً على مشروعية مثل هذا العقد ينفتح البحث في بعض الجهات، نظير: صيغة هذا العقد، وحكمه من حيث اللزوم والجواز، وشروط المتعاقدَيْن، ومقدار ما يورث به، وهل يتعدَّى الإرث بهذا الولاء من الضامن إلى أقاربه وورثته أو لا؟
كما أنّه وقع البحث في رتبة هذا السبب؛ فقد اختار الإمامية أنّه متأخِّر عن الإرث بالنسب وولاء العتق، فلا يرث ضامن الجريرة إلاّ مع فقد كلِّ مناسبٍ وارث ـ من الطبقات الثلاث ـ، ومع فقد كلِّ منعمٍ وارث. ويجتمع مع الزوجية، فيرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الأعلى. وهو مقدَّم عندهم على ولاء الإمامة، فإذا فقد ضامن الجريرة يرث الإمام([70]).
الجهة الرابعة: في بيان النوع الثالث (ولاء مَنْ أسلم على يدَيْه كافرٌ)
تفرَّد المحقِّق الطوسي من الإمامية بالقول بثبوت ولاء لمَنْ أسلم على يدَيْه كافر([71])، إنْ مات، ولم يكن له وارثٌ نسبي ولا زوج ولا مولى عُتاقة، ورثه المسلم الذي دعاه إلى الإسلام وهداه إليه.
الاستدلال بالسنّة
من الواضح أنّه لا نصّ من الكتاب دالٌّ على ذلك، لا صريحاً ولا تلويحاً، لكنْ يمكن الاستدلال له بالسنّة:
النصّ الأوّل: معتبرة السكوني([72])، عن أبي عبد الله× [عن أبيه، عن آبائه^] قال: «قال أمير المؤمنين×: بعثني([73]) رسول الله| إلى اليمن، وقال لي: يا عليّ، لا تُقاتلنّ [=لا تقاتل] أحداً حتّى تدعوه [إلى الإسلام]، وأيم الله، لئن يهدي الله [عزَّ وجلَّ] على يدَيْك رجلاً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه يا عليّ»([74]). فقد صرَّح في هذا الحديث بثبوت الولاء لمَنْ أسلم على يديه كافر، فأشير إلى ثوابين لكلِّ مَنْ يهدي إنساناً إلى الإسلام، وهما: الثواب الأخروي غير المحدود؛ والثواب الدنيوي، وهو الميراث.
المناقشة
أمّا النصّ الأوّل فمن المستبعد إرادة إرث المال؛ وذلك لندرة حصوله؛ فإنّه كثيراً ما يكون للإنسان وارث مناسب أو مُسابب، فلا يناسب أن يُجعل الأمر النادر جزاءً للفعل الذي يُراد الترغيب فيه؛ وأيضاً لحقارته وقلّته بالنسبة إلى الثواب الأخروي المعطوف عليه، فهو نظير عطف الواحد على الألف بل الآلاف في قول القائل: إنْ فزْتَ فسأعطيك عدّة آلاف، مُضافاً إلى أنّي سأعطيك واحداً، فإنّه من الواضح استهجانه عُرْفاً.
والراجح إرادة أحد احتمالَيْن من (الولاء):
الأوّل: إرادة الارتباط والتعلُّق المعنوي والديني.
الثاني: إرادة ولاء الحِلْف وضمان الجريرة؛ لكونه كان شائعاً عند العرب آنذاك، ولا سيَّما لمَنْ أسلم وانقطع عن قومه؛ فإنّه أحوج ما يكون إلى النصير، وأقرب شخص إليه وأوثق هو مَنْ أسلم على يديه، فيواليه عادةً. وقد يؤيَّد هذا الاحتمال ببعض المرويّات، ومنها:
1ـ صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال: سألتُ أبا عبد الله× عن رجلٍ أسلم، فتوالى إلى رجلٍ من المسلمين؟ قال: «إنْ ضمن عقله وجنايته ورثه وكان مولاه»([75]).
2ـ ما رُوي عن مجاهد: أنّ رجلاً أتى عمر فقال: إنّ رجلاً أسلم على يدي فمات وترك ألف درهم، فتحرَّجت منها، فرفعتها إليك، فقال: أرأيت لو جنى جنايةً على مَنْ تكون؟ قال: عليَّ، قال: فميراثه لك([76]). فقد جُعل المدار في الإرث على ضمان الجريرة وكأنّه مفروغ عنه، ولم يُجعَلْ المدار على مجرَّد الإسلام على يدَيْه.
إنْ قيل: إنّ حديث عمر على العكس أدلّ؛ إذ ظاهره ثبوت حكمين على مَنْ أسلم على يديه كافر بمجرَّد الإسلام، وكأنّهما مفروغٌ عنهما، وهما: الولاء، والعقل عنه.
قلنا: إنّ ثبوت العقل على مَنْ أسلم على يدَيْه كافر غير محتمل بالمرّة، فضلاً عن أن يكون مفروغاً عنه؛ فإنّ المتوقَّع إعطاؤه امتيازاً، والعقل ليس امتيازاً فيما لو كان ثابتاً على الطرفين، وهو غرامةٌ وعقوبة عليه فيما لو كان العقل ثابتاً عليه خاصّة.
النصّ الثاني: ما رُوي في مُسند زيدٍ من قوله×: «لا ولاء إلاّ لذي نعمةٍ»([77])، ووجه الاستدلال به بناء على إرادة المعنى الواسع للنعمة ـ كما هو ظاهر اللغة ـ، فيكون داعماً لنظرية المحقِّق الطوسي.
المناقشة
وأمّا النصّ الثاني فهو ظاهرٌ في إرادة المعنى الخاصّ للنعمة، وهو نعمة التحرير من العبودية، وليس المراد مطلق النعمة، ولهذا لم يقُلْ أحدٌ بثبوت الولاء لمَنْ أقرض شخصاً قرضاً أو أسدى إليه معروفاً، ويؤيِّده بل يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ…﴾ (الأحزاب: 37)؛ فإنّ الظاهر من الآية الكريمة أنّ المراد بالنعمة نعمة التحرير من العبودية، وحينئذٍ فلا دلالة في النصّ المنقول عن عليٍّ× على ثبوت الولاء لمَنْ أسلم على يدَيْه أحد([78]).
الجهة الخامسة: في بيان النوع الرابع (ولاء مُستحقّ الزكاة)
ذهب المحقِّق الطوسي من الإمامية إلى ثبوت ولاءٍ لمُستحقّ الزكاة ـ من الفقراء والمساكين وغيرهم ـ على العبد المُشترى من مال الزكاة([79]).
ويدلّ عليه: موثَّقة عبيد بن زرارة([80]) قال: سألتُ أبا عبد الله× عن رجلٍ أخرج زكاة ماله ألف درهم، فلم يجِدْ [لها] موضعاً يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوكٍ يُباع في مَنْ يُريده [=يزيد]، فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته، فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: «نعم، لا بأس بذلك». قلتُ: فإنّه لمّا أن أعتق وصار حُرّاً اتَّجر واحترف فأصاب مالاً، ثمّ مات وليس له وارثٌ، فمَنْ يرثه إذا لم يكن له وارثٌ؟ قال: «يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقُّون الزكاة؛ لأنّه إنّما اشتُري بمالهم»([81]). فقد صرَّح في ذيل الحديث بثبوت الولاء لمَنْ يستحقّ الزكاة من الفقراء، مع ذكر العلّة.
المناقشة
أوّلاً: شذوذ القول بها.
ثانياً: احتمال كون المراد منه ولاء العتق، كما عن جماعةٍ، فلا تزداد به أقسام الولاء، كما أنّه لا تزداد المراتب بأعمام أبي الميِّت وجدِّه وأخواله كذلك؛ لاندراج الجميع في الأعمام والأخوال([82]).
ردّ المناقشة
أوّلاً: كيف يُدَّعى شذوذ القول بها مع ذهاب المحقِّقين إلى ذلك بشهادة المحقِّق الحلّي؟! قال: «إنّ القول بها عندي أقوى؛ لمكان سلامتها عن المُعارِض، وإطباق المحقِّقين منّا على العمل بها»([83])، مُضافاً إلى أنّه لا حزازة في الإفتاء مع قيام الدليل الحجّة.
وإنْ أمكن ردّ هذا الكلام بأنّ المحقِّق الحلّي إنّما ادَّعى العمل بالرواية من قِبَل المحقِّقين وصرف المال للفقراء، ولم يدَّعِ قولهم بثبوت ولاءٍ خاصّ لهم في المقام.
ثانياً: عدم وجاهة احتمال إرادة ولاء العتق؛ لعدم انسجامه مع الحديث؛ إذ إنّ الولاء لو كان ثابتاً للمُعْتِق لاحتُمل ثبوت ولاء العتق له، أمّا وقد حُكم بثبوته للفقراء فلا، مُضافاً إلى كون المُعْتِق ليس متبرِّعاً بالعتق، ومن شروط ثبوت ولاء العتق التبرُّع، على ما هو المعروف.
ثالثاً: إنّ التنظير له بأعمام أبي الميِّت وجدِّه لا طائل تحته، فلو سُلِّم ثبوته فهو سببٌ مستقلّ.
والصحيح أن يُقال في فقه الحديث: إنّ تركة هذا العتيق الذي لا وارث له إمّا أن يُقال بلزوم صرفه على الفقراء ابتداءً، وإمّا أن يكون راجعاً للإمام، وقد أباح صرفه فيهم. وعلى كلا التقديرين لا يثبت سببٌ جديد غير ما تقدَّم. ولا خصوصية للمورد، بل هذا شأنه شأن أيّ مالٍ آخر لا وارث له.
الجهة السادسة: في بيان النوع الخامس (ولاء الإمامة)
ذهب الإمامية إلى أنّ ولاء الإمامة هو من أسباب الإرث، فإذا عُدم ضامن الجريرة صار الميراث للإمام، وهذا من مختصّات الإمامية التي أجمعوا عليها([84])، ووردَتْ به رواياتهم([85]).
الاستدلال بالكتاب
كما في قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً﴾ (النساء: 33). ويقع الاستدلال بالفقرة الثانية من الآية، وهو قوله ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾. وليُعْلَمْ أنّ في تحديد المراد بهذا المقطع عدّة احتمالات أو أقوال:
أحدها: إنّ المراد الأئمّة^. ويدعم هذا التفسير بعض الروايات، ومنها:
1ـ صحيحة الحسن بن محبوب قال: سألتُ أبا الحسن× عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ (النساء: 33)، قال: «إنّما عنى بذلك الأئمّة^، بهم عقد الله عزَّ وجلَّ أيمانكم»([86]). فإنّ يمين الولاء للرسول| والأئمّة^ قد أخذها الله تعالى على عباده، وأمر عزَّ وجلَّ بالوفاء بعهدها الذي من مصاديقه إعطاؤهم استحقاقهم من الإرث.
2ـ ويمكن أيضاً الاستدلال بما ورد من أحاديث في كون الإمامة ميثاقاً قد أخذه الله على عباده، وهذا الميثاق قابلٌ لأن يُفسَّر بتفسيرين على سبيل مانعة الخلوّ:
أوّلهما: أخذ الميثاق الذي تمّ بطريقةٍ غيبية، فقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله متى أخذ ميثاقك؟ قال: «وآدم بين الروح والجسد»([87]). وبحَسَب نظرية الإمامية فإنّ الإمامة امتدادٌ للنبوة واستمرار لها، وفي هذا الشأن يذكرون أحاديث كثيرة تُراجع في كتبهم العقائدية والكلامية.
وثانيهما: أخذ الميثاق من خلال التوجيهات والخطابات الإلهية، أوامر كانت أو نواهي، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: 59).
وعلى أيٍّ من هذين التفسيرين فإنّ (عقد اليمين) يصدق على عقد الميثاق للأئمّة^.
المناقشة
1ـ عدم مناسبة ما ورد في الآية من التعبير عمّا يُعطى الإمام بالنصيب، فهو ليس نصيباً وحصّة، ولا سيَّما مع لحاظ عدم كونها معيَّنة ومحدَّدة.
2ـ إنّ الإمام في أغلب الحالات ينفرد بإرث المال دون مشاركٍ؛ لأنّه وارث مَنْ لا وارث له، فلا تصل النوبة إليه إلاّ بعد فقد الوارث الخاصّ. بل إنّ التعبير عن ذلك بالإرث تعبيرٌ مسامحي، وليس دِقِّياً وحقيقياً، وإنّما هو من الأنفال والفَيْء العائد إلى بيت المال.
3ـ عدم صدق عنوان ﴿عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ على الميثاق الإلهي، سواء أكان غيبياً أو لا؛ لأنّ عنوان (عقد اليمين) تعبيرٌ خاصّ لا يصدق إلاّ على العقد الخارجي بمعناه العُرْفي، بخلاف غيره من العناوين، كالميثاق والعهد ونحوهما، فإنّهما يكونان أعمّ، والوارد في الآية هو العنوان الخاصّ ـ وهو عَقْد اليمين ـ لا غير.
وبعبارةٍ أخرى: إنّ العقد تارةً يكون عقداً باليمين، وهو العقد الخارجي الذي يتمّ بتوسّط اليد اليُمْنى، وأخرى يكون عقداً والتزاماً لا دخل لليد فيه، وهذا لا يُطلق عليه عقد اليمين، وإن صدق عليه العقد.
ولا يُمكن الالتزام بحمل العقد على ما يشمل البيعة للإمام؛ لأنّه قد لا تقع البيعة خارجاً ـ كما هو الغالب ـ، فهل يُقال حينئذٍ بانتفاء إرث الإمام عند انتفاء البيعة؟! بل حتّى لو وقعت البيعة خارجاً فهي تقع من قِبَل بعض المكلَّفين، لا جميع الناس، فيما نرى أنّ الحكم بإعطاء الإمام شامل للجميع، مَنْ بايع ومَنْ لم يُبايع، حتّى غير المكلَّف.
وإنْ قيل: لا يُشترط دخل اليد في مفهوم عقد اليمين؛ فقد ورد التعبير بعقد اليمين بالنسبة للقَسَم، مع أنّه إيقاعٌ، وليس عَقْداً عُرْفياً.
قلنا: إنّ هذا قياسٌ مع الفارق؛ إذ إنّ اليمين بمعنى اليد غير اليمين بمعنى القَسَم، فهما من الألفاظ المشتركة. فعقد اليمين بمعنى اليد معناه العقد العُرْفي والالتزام بين طرفين، وعقد اليمين بمعنى القَسَم معناه إيقاع القَسَم الجادّ عن قصدٍ.
4ـ وأمّا التمسُّك بما رُوي عن الإمام الرضا× فهذه الصحيحة وإنْ كانت بحَسَب النظر البدوي بصدد تفسير الآية، ولكنْ باعتبار عدم كون التفسير المذكور فيها ظاهراً من ألفاظ الآية تكون من روايات التأويل، لا من روايات التفسير؛ فإنّ في استفادة هذا المدلول من الآية غموضاً، فنُرجِع علمَها الى أهلها، كما يُقال، وحينئذٍ لا تصلح مؤيِّداً لهذا الاحتمال، فضلاً عن أن تكون دليلاً عليه([88]).
5ـ يُمكن إبراز وجهين آخرين فنِّيين في تفسير هذه الرواية:
أحدهما: المراد أنّ انعقاد هذا السنخ من العقود إنَّما كان بسبب حكم الشارع بمنح بعض دَوْر الأئمّة^ في الضمان الاجتماعي لضامن الجريرة، وإمضاء الشارع لهذا العقد؛ والقرينة على ذلك ما ورد فيها من التعبير. فبعد قوله: «إنَّما عنى بذلك الأئمّة^» قال: «بهم عقد الله عزَّ وجلَّ أيمانكم»، ولم يقُل: (معهم عُقدَت أيمانكم)، بل استخدم حرف الجرّ الباء المفيدة للسببيّة، فلولا كونهم أولياء للميِّت وأولويّتهم بتركته لما كان مجالٌ لدخول طرفٍ أجنبيّ في عملية التوريث. وهذا الوجه هو الذي نرجِّحه في تفسير الآية. ولنا عودةٌ إلى هذا الوجه لاحقاً.
والآخر: إنّه يُمكن فهم الرواية على أساس أنّ الإمام×، إنّما أراد بيان كون الإمام مشمولاً بهذا الحكم، ويثبت له ولاء، لا أنّ المراد دخوله في ظاهر لفظ الآية، بل إرادة ذلك ليست ببعيدةً. ويدعم ذلك تعدُّد ألسنة الروايات الواردة بهذا الشأن:
فبعضها يظهر منه أنّ منشأ ولاء الإمامة هو ضمان الجريرة، فقد روى الحلبيّ ـ في الصحيح ـ، عن الإمام أبي عبد الله الصادق×، في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِْ الأَنْفَالِ﴾ (الأنفال: 1)، قال: «مَن مات وليس له مولى فمالُه من الأنفال»([89]).
وبعضها ظاهره الاستدلال بما دلّ على ولاية المعصوم، كقوله: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (الأحزاب: 6)، فقد روى الحذّاء ـ في الصحيح ـ، عن الإمام الصادق أيضاً× أنّه قال: «كان رسول الله| يقول: أنا أَوْلى بكلّ مؤمنٍ من نفسه، ومَنْ ترك مالاً فللوارث، ومَنْ ترك ديناً أو ضياعاً فإليَّ وعليَّ»([90]).
وفي بعضها تطبيق عنوان ضمان الجريرة عليه، ففي مصحَّح عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله×، قال: قلتُ له: مكاتب اشترى نفسه وخلَّف مالاً قيمته مئة ألف ولا وارث له؟ قال: «يرثه مَنْ يلي جريرته». قال: قلتُ: مَنْ الضامن لجريرته؟ قال: «الضامن لجرائر المسلمين»([91]).
إلى غير ذلك من البيانات المتنوِّعة، فراجِعْ روايات الباب إنْ شئتَ.
ومن هنا ينقدح في الذهن إضافة وجهٍ آخر أو أكثر في مدلول هذا النصّ القرآني، كاحتمال إرادة عقد النكاح وعقد ضمان الجريرة([92])، أو احتمال إرادة عقد ولاء الإمام× مع عقد ضامن الجريرة. وممّا مرَّ تتضح إمكانية الاستدلال على هذين الاحتمالين وأيضاً نقاط المناقشة فيهما، فلا نُعيد.
الاستدلال بالسنّة
وقد مرَّ عليك الاستدلال بعددٍ من الأخبار، ومنها:
1ـ مُصحَّحة عبد الله بن سنان([93])، عن أبي عبد الله×، قال: قلتُ له: مكاتب اشترى نفسه، وخلَّف مالاً قيمته مئة ألف، ولا وارث له، قال: «يرثه مَنْ يلي جريرته»، قال: قلتُ: مَنْ يلي جريرته؟ قال: «الضامن لجرائر المسلمين»([94]).
2ـ صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله الصادق×، قال: سألتُه عن مملوك أعتق سائبةً؟ قال: «يتولّى مَنْ شاء، وعلى مَنْ تولاه جريرته، وله ميراثه». قلتُ: فإنْ سكت حتّى يموت؟ قال: «يُجعل ماله [=ميراثه] في بيت مال المسلمين»([95]).
ونحوه صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله×([96]).
3ـ صحيحة محمد، عن أحدهما×، قال: سألتُه عن السائبة ـ والذي كان من أهل الذمّة ـ إذا والى أحداً من المسلمين على أن يعقل عنه، فيكون ميراثه له، أيجوز ذلك؟ قال: «نعم»([97]).
4ـ صحيحة الحسن بن محبوب قال: سألتُ أبا الحسن× عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ (النساء: 33)، قال: «إنّما عنى بذلك الأئمّة^، بهم عقد الله عزَّ وجلَّ أيمانكم»([98]).
5ـ صحيحة محمد الحلبي، عن أبي عبد الله×، في قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِْ الأَنْفَالِ﴾ (الأنفال: 1)، قال: «مَنْ مات وليس له مولىً فمالُه من الأنفال»([99]).
6ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله× قال: «مَنْ مات وترك دَيْناً فعلينا دَيْنه، وإلينا عياله، ومَنْ مات وترك مالاً فلورثته، ومَنْ مات وليس له موالي فمالُه من الأنفال»([100]).
7ـ مصحَّحة عمّار بن أبي الأحوص([101]) قال: سألتُ أبا جعفر× عن السائبة، فقال: «انظروا في القرآن فما كان فيه ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ (النساء: 92؛ المائدة: 89؛ المجادلة: 3) فتلك يا عمّار السائبة، التي لا ولاء لأحد عليها إلاّ الله، فما كان ولاؤه لله فهو لرسول الله| [=لرسوله]، وما كان ولاؤه لرسول الله| فإنّ ولاءه للإمام، وجنايته على الإمام، وميراثه له»([102]).
8ـ صحيحة أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله×: «مَنْ مات لا مولى له ولا ورثة فهو من أهل هذه الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ﴾ (الأنفال: 1)»([103]).
9ـ صحيحة عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله×: «قضى أمير المؤمنين× في مَنْ كاتب عبداً أن يشترط ولاءه إذا كاتبه»، وقال: «إذا أعتق المملوك سائبة فإنّه لا ولاء عليه لأحدٍ إنْ كره ذلك، ولا يرثه إلاّ مَنْ أحبّ أن يرثه، فإنْ أحبّ أن يرثه وليُّ نعمته أو غيره فليُشهِدْ رجلين بضمان ما ينوبه لكلِّ جريرةٍ جرّها أو حَدَث، فإنْ لم يفعل السيّد ذلك ولا يتوالى إلى أحدٍ فإنّ ميراثه يُردّ إلى إمام المسلمين»([104]).
10ـ صحيحة سليمان بن خالد([105])، عن أبي عبد الله×، في رجلٍ مسلم قُتل وله أبٌ نصراني، لمَنْ تكون ديته؟ قال: «تُؤخَذ فتُجعَل في بيت مال المسلمين؛ لأنّ جنايته على بيت مال المسلمين»([106]).
الجهة السابعة: في بيان النوع السادس (جهة الإسلام)
ذهبت المذاهب السنّية الى أنّ مَنْ مات من المسلمين ولم يترك وارثاً ـ قريباً كان أو زوجاً أو مولى ـ فماله لبيت المال، يرثه المسلمون بالعصوبة كما يحملون عنه دية جنايته. وذهب الأحناف وبعض الشافعية الى أنّه لا يكون ميراثاً، بل على سبيل المصلحة؛ لأنّها ليس لها مالكٌ، فحتّى لا تبقى سائبةً تُوضَع في بيت المال([107]).
المناقشة
1ـ إنّ عدم رضا الشارع بضياع المال هو أمرٌ صحيح، ولكنّ هذا لا يقتضي أنّ تركة مَنْ لا وارث له تكون إرثاً للمسلمين، بل هو غير محتمل بالمرّة؛ لأنّ التوريث يستلزم القسمة على الورثة كافّةً، وهو متعذِّرٌ أو مستحيل، كما أنّ المسلمين لا يتحمَّلون جناية مَنْ لا وارث له؛ لعدم كونهم عاقلته، وهو واضحٌ.
2ـ وأمّا جعله في بيت المال؛ لصرفه على سبيل المصلحة، فهو معقولٌ، ولازمه أنّه يكون مِلْكاً للأمّة ملكيّةً عامّة، ولكنْ لا دليل عليه إثباتاً، بل قام الدليل على خلافه، وذلك:
أوّلاً: إنّ الكتاب دلّ على أنّ الأنفال هي لله وللرسول، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ﴾ (الأنفال: 1)، ولا رَيْب في أنّ المال الذي لا صاحب له هو من مصاديق الأنفال، فيكون مِلْكاً لمنصب رئاسة الدولة.
ثانياً: قد رُوي في المصادر الحديثية ما جاوز حدّ التواتر أنّ الدَّيْن يتحمَّله النبيّ|، فقد رُوي عنه أنّه قال: «مَنْ ترك مالاً فلورثته، ومَنْ ترك كَلاًّ فإلينا». وقد رُوي بألفاظ مختلفة. وقد تضمَّن بعضها التصريح بولاية النبيّ| وأولويّته بالمؤمنين من قبيل: «ما من مؤمنٍ إلاّ وأنا أَوْلى به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إنْ شئتم ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم﴾ (الأحزاب: 6)…»، ونحو ذلك([108]). ومن الواضح أنّ المراد من ولاية النبي| وتحمّله الدَّيْن لا بما هو شخص، بل بما هو رئيس للدولة، وهذا المنصب لا يتعطَّل بعد وفاته|، بل ينوب عنه فيه نائبه، وهو ما اصطلحت عليه الإمامية بـ (ولاء الإمامة).
وقد شرح الإمام الباقر× ذلك في معتبرة عطاء([109])، قال: قلتُ له: جُعلتُ فداكَ، إنّ عليَّ دَيْناً إذا ذكرتُه فسد عليَّ ما أنا فيه، فقال: «سبحان الله! أما بلغك أنّ رسول الله| كان يقول في خطبته: «مَنْ ترك ضياعاً فعليَّ ضياعه، ومَنْ ترك مالاً فأكله [=فلأهله])»، فكفالة رسول الله| ميّتاً ككفالته حيّاً، وكفالته حيّاً ككفالته ميّتاً»، فقال الرجل: نفَّستَ عنّي، جُعلتُ فداكَ([110]).
إذن، فمع وجود الوليّ الأعلى لا يصحّ توريث مال مَنْ لا وارث له للمسلمين، ولا يصحّ جعله في بيت المال وصرفه في مصالح الأمّة العامّة، بل يرجع المال إلى منصب الإمامة، وتكون من أموال الدولة الخاصّة بها.
أهمّ نتائج البحث
1ـ سعينا قدر المستطاع للإفادة من النصّ القرآني وتوظيف أقصى ما يمكن من طاقةٍ دلالية فيه في مختلف ثنايا البحث.
2ـ وقد اعتمدنا أسلوب البحث المقارن بين الفقه الإمامي والفقه السنّي.
3ـ استعرضنا أدلّة النوع الأوّل من أنواع الولاء، وناقشناها. وانتهينا إلى عدم كونه أحد مُوجِبات الإرث، وأنّه ليس عُلْقة قهرية بين المُنْعِم والعتيق، بل إنّ المُوجِب هو عقد ولاء ضمان الجريرة، الذي هو سببٌ اختياري.
4ـ وتبعاً لرؤيتنا المتقدِّمة طرحنا رأياً خاصّاً في مسألة كون التوارث بين المُنْعِم والعتيق يثبت للطرفين أو لأحدهما، وهو أنّ ذلك تابعٌ لمضمون العقد.
5ـ قدّمنا تصويراً خاصّاً حول سببية الولاء بأنواعه للتوريث، وأنّه في حقيقته خارج عن مقولة التوريث.
الهوامش
(*) عضو الهيئة العلميّة في جامعة المصطفى| العالميّة، ورئيس تحرير مجلّة فقه أهل البيت^. من العراق.
([1]) النراقي، مستند الشيعة 19: 424؛ النجفي، جواهر الكلام 39: 254.
([2]) السيوري، كنـز العرفان 2: 325؛ تفسير البيضاوي 1: 342.
([3]) الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة 26: 243 ـ 255.
([4]) مستند الشيعة 19: 424؛ جواهر الكلام 39: 254.
([5]) مستند الشيعة 19: 424؛ الروحاني، فقه الصادق 24: 404 ـ 405.
([6]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 13: 224.
([7]) انظر: السلطاني، أقصى البيان في آيات الأحكام 2: 486.
([8]) انظر: الجرجاني، آيات الأحكام 2: 569.
([9]) انظر: الجزائري، قلائد الدرر: 344.
([10]) المراد بالعقل العقل في باب الجناية، أي تحمُّل دية وأرش الجناية عن الحليف لو ارتكب جنايةً أوجبت ذلك.
([11]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 5: 166.
([12]) محمد علي السايس، تفسير آيات الأحكام 1: 444.
([13]) الجصّاص، أحكام القرآن 1: 112.
([14]) السايس، تفسير آيات الأحكام 1: 443.
([16]) انظر: خنجر حمية، فقه المواريث والفرائض 1: 28.
([19]) السايس، تفسير آيات الأحكام 1: 443.
([20]) الطبرسي، مجمع البيان 3: 76 ـ 77؛ السلطاني، أقصى البيان في آيات الأحكام 2: 486.
([21]) ابن العربي، أحكام القرآن 1: 414؛ الجصّاص، أحكام القرآن 2: 112 ـ 113.
([22]) الجصّاص، أحكام القرآن 2: 113.
([23]) الراوندي، فقه القرآن 2: 348. وانظر: الجزائري، قلائد الدرر: 344.
([24]) السايس، تفسير آيات الأحكام 1: 443.
([25]) انظر: السبزواري، مواهب الرحمن 8: 155.
([26]) الجرجاني، آيات الأحكام 2: 568 (انظر: الهامش، للإشراقي).
([27]) الجزائري قلائد الدرر: 344.
([29]) الماوردي، الحاوي الكبير 18: 82 ـ 83.
([31]) كذا في المصدر. ولعلّ الأنسب (والده)، بدل (ولده).
([33]) النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل 17: 151 ـ 152، باب 1 من موجبات الإرث، ح2.
وسند الحديث: محمد بن إبراهيم النعماني ـ في تفسيره ـ، عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، عن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر.
وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم الكاتب النعماني، المعروف بابن زينب، من تلاميذ محمد بن يعقوب الكليني، عظيم القدر (محمد الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 483، رقم 9940 ـ 9938 ـ 9963).
والحافظ أبو العبّاس أحمد بن محمد بن عقدة الزيدي من مشايخ الكليني، جليل القدر (المصدر السابق: 42، رقم 869 ـ 868 ـ 871).
وأبو الحسين أحمد بن يوسف بن حمزة بن زياد الجعفي الكوفي مولى بني تيم الله، ثقة (المصدر السابق: 50، رقم 1023 ـ 1022 ـ 1027؛ رجال الطوسي: 351، رقم 5205).
وإسماعيل بن مهران ثقة (المصدر السابق: 70، رقم 1437 ـ 1436 ـ 1445؛ رجال النجاشي: 26 ـ 27، رقم 49).
والحسن بن عليّ بن أبي حمزة كذّابٌ ملعون (المصدر السابق: 145، رقم 2929 ـ 2928 ـ 2937).
وأبوه عليّ بن أبي حمزة البطائني كذّابٌ متَّهم (المصدر السابق: 381، رقم 7834 ـ 7832 ـ 7846).
فالسند ضعيفٌ، ومشكلته ضعف الراويين الأخيرين.
وأمّا جابر بن إسماعيل فهو ثقةٌ (العلاّمة الحلّي، خلاصة الأقوال: 54، رقم 2؛ رجال ابن داوود الحلّي: 50، رقم 179؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 64، رقم 1303 ـ 1302 ـ 1310).
([34]) الطبري، أحكام القرآن 2: 205.
([35]) الفاضل الجواد، شمس الدين الكاظمي، مسالك الأفهام 4: 163.
([36]) الجصّاص، أحكام القرآن 2: 112.
([37]) الماوردي، الحاوي الكبير 18: 82 ـ 83.
([38]) مسالك الأفهام 13: 222؛ مجمع البيان 3: 66.
([39]) الجصّاص، أحكام القرآن 2: 110، 111.
([40]) انظر: الجامع لأحكام القرآن 5: 165.
([42]) المصدر السابق: 166. وفيها احتمالات أخرى، بيَّناها في بحث آية الأنفال.
([43]) صحيح البخاري 8: 8. ورواه أبو داوود مع زيادةٍ في آخره: «فلمّا نزلت هذه الآية ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا َمَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ﴾ قال: نسختها ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ من النصر والرفادة والنصيحة، ويُوصى له، وقد ذهب الميراث» (سنن أبي داوود السجستاني 2: 11، ح2922).
([44]) نقلاً عن: الجامع لأحكام القرآن 5: 165 ـ 166؛ ابن حجر، فتح الباري 12: 24.
([45]) انظر: فتح الباري 12: 24، حكاه عن ابن المنير.
([47]) صحيح البخاري 3: 57؛ 5: 178 ـ 179.
([48]) كذا هنا. وفي موضعٍ آخر بلفظ: «دون ذوي رحمه» (البيهقي، السنن الكبرى 10: 296).
([49]) كذا. وفي موضعٍ آخر: «يورّثون» (السنن الكبرى 10: 296). وهو الأنسب.
([50]) الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين 2: 306.
([51]) انظر: فتح الباري 12: 24.
([52]) العيني، عمدة القاري 12: 119.
([53]) مجمع البيان 3: 42؛ الزيلعي، تخريج الأحاديث والآثار 1: 310، ح23. وانظر: مسند أحمد بن حنبل 2: 207، 213؛ سنن الترمذي 3: 73، ح1634؛ السيوطي، الجامع الصغير 1: 429، ح2798.
([54]) مسند أحمد بن حنبل 1: 190؛ المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير 4: 217 ـ 218، ح4900؛ تفسير الثعلبي 3: 301؛ مجمع البيان 3: 77.
([55]) وسائل الشيعة 26: 243، باب 1 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح1.
([56]) وسائل الشيعة 26: 244 ـ 245، باب 1 من ولاء ضمان الجريرة، ح1، 4.
([58]) وسائل الشيعة 23: 73، باب 41 من العتق، ح1؛ 26: 244، باب 1 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح3؛ 26: 254، باب 4 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح8؛ وانظر: الكليني، الكافي 7: 172، ح8؛ وانظر أيضاً: 171، ح4؛ الطوسي، تهذيب الأحكام 8: 255، ح927؛ الصدوق، مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 136، ح3503.
([59]) أبو يعقوب شعيب العقرقوفي ثقةٌ عين، وهو ابن أخت أبي بصير يحيى بن القاسم (رجال النجاشي: 195، رقم 520؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 279، رقم 5741 ـ 5740 ـ 5750).
([60]) انظر: وسائل الشيعة 23: 73، باب 41 من العتق، ح1، حيث أشار إليه في ذيل صحيح سليمان بن خالد، مع أنّه غيره، وكان عليه أن يُعبِّر بـ «وروى مثله أو نحوه»؛ وانظر: الكافي 7: 171، ح4؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 136، ح3503؛ تهذيب الأحكام 8: 255، ح927.
([61]) وسائل الشيعة 26: 245، باب 1 من ولاء ضمان الجريرة، ح5؛ وانظر: الكافي 7: 131، ح1؛ تهذيب الأحكام 7: 388، ح1555؛ 9: 382 ـ 383، ح1366.
([62]) وسائل الشيعة 26: 246، باب 2 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح1؛ وانظر: تهذيب الأحكام 9: 396، ح1415.
([63]) وسائل الشيعة 26: 246، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح1؛ وانظر: الكافي 7: 169، ح2؛ تهذيب الأحكام 9: 387، ح1381؛ الطوسي، الاستبصار 4: 196، ح734؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 333، ح5714.
([64]) وسائل الشيعة 26: 249، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح9؛ وانظر: تهذيب الأحكام 9: 394، ح1406.
([65]) وسائل الشيعة 26: 250 ـ 251، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح12؛ وانظر: تهذيب الأحكام 9: 394، ح1407؛ 10: 52 ـ 54.
([66]) وسائل الشيعة 26: 253، باب 4 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح6؛ وانظر: تهذيب الأحكام 9: 394، ح1408.
([67]) وسائل الشيعة 26: 247، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح3؛ وانظر: الكافي 7: 169، ح4؛ تهذيب الأحكام 9: 386، ح1379؛ الاستبصار 4: 195، ح732.
([68]) سند الحديث: محمد بن الحسن الطوسي، عن المفيد والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم، عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن زياد، عن رفاعة، عن أبان بن تغلب (تهذيب الأحكام 9: 386، ح1380؛ 10: 75، المشيخة؛ الاستبصار 4: 195، ح733؛ 320 ـ 323، المشيخة).
ورفاعة بن موسى الأسدي النخّاس ثقة (رجال النجاشي: 166، رقم 438؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 225، رقم 4611 ـ 4610 ـ 4619).
وأبو سعيد أبان بن تغلب بن رباح [=رياح] البكري الجريري عظيم المنـزلة في أصحابنا، ثقة (رجال النجاشي: 10، رقم 7؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 2، رقم 28).
([69]) وسائل الشيعة 26: 249، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح8.
([70]) مستند الشيعة 19: 424 ـ 425.
([71]) لقد جعل المحقِّق الطوسي هذه المرتبة الثالثة من مراتب السبب (انظر: نصير الدين الطوسي، جواهر الفرائض (مخطوط)، مجلّة فقه أهل البيت^، العدد 17: 207؛ النجفي، جواهر الكلام 39: 8).
([72]) السند الأوّل: محمد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني (الكافي 5: 28، ح4).
والحسين بن يزيد بن عبد الملك النوفلي النخعي قال العلامة: «قال قومٌ من القمّيين: إنّه غلا في آخر عمره، والله أعلم. وقال النجاشي: وما رأينا له رواية تدلّ على هذا» (خلاصة الأقوال: 339، رقم 9؛ وانظر: رجال ابن داوود الحلّي: 241، رقم 156)، ووثّقه بعض (الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 183، رقم 3706 ـ 3705 ـ 3715؛ وانظر: النمازي مستدركات علم رجال الحديث 3: 213، رقم 4764).
وإسماعيل بن مسلم السكوني ثقةٌ من العامّة (المُحقِّق الحلّي، المعتبر 1: 252؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 63، رقم 1284 ـ 1283 ـ 1290؛ مستدركات علم رجال الحديث 1: 612 ـ 616، رقم 223 / 2021).
السند الثاني: محمد بن يعقوب الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن مسمع بن عبد الملك (الكافي 5: 36، ح2).
وأبو جعفر محمد بن الحسن بن شمون ضعيف جدّاً، فاسد المذهب (رجال النجاشي: 335، رقم 899؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 514، رقم 10487 ـ 10482 ـ 10509).
وعبد الله بن عبد الرحمن هو الأصمّ المسمعي، الذي ضعَّفه ابن الغضائري (رجال ابن الغضائري: 76، رقم 87؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 338، رقم 6953 ـ 6951 ـ 6962).
السند الثالث: محمد بن الحسن الطوسي، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن النوفلي، عن السكوني (تهذيب الأحكام 6: 141، ح240).
([73]) كذا. وفي النقل الآخر: «لمّا وجَّهني… قال: يا عليّ».
([74]) وسائل الشيعة 15: 42 ـ 43، باب 10 من جهاد العدوّ، ح1؛ 26: 251، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح14؛ الكافي 5: 28، ح4؛ مستدرك الوسائل 17: 210، باب 6 من ولاء ضمان الجريرة، ح1.
([75]) وسائل الشيعة 26: 245، باب 1 من ولاء ضمان الجريرة، ح5؛ وانظر: الكافي 7: 131، ح1؛ تهذيب الأحكام 7: 388، ح1555؛ 9: 382 ـ 383، ح1366.
([76]) عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي، المصنّف 7: 399، باب 109، ح2.
([77]) مسند الإمام زيد بن عليّ: 331.
([78]) انظر: خالد الغفوري، فقه الإمام علي× 1: 193 ـ 195.
([79]) لقد جعل المحقِّق الطوسي هذه المرتبة الرابعة من مراتب السبب (انظر: المحقِّق الطوسي، جواهر الفرائض (مخطوط)، مجلّة فقه أهل البيت^، العدد 17: 207؛ أبو الحسن بن أحمد الأبيوردي، شرح الفرائض النصيرية: 33 ـ 34).
([80]) سند الحديث: محمد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن مروان بن مسلم، عن ابن بُكَيْر، عن عُبَيْد بن زرارة.
وأمّا الراوي عن ابن بُكَيْر فإن كان مروان بن مسلم فهو ثقة (رجال النجاشي:: 419، رقم 1120؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 599، رقم 12234 ـ 12229 ـ 12258)؛ وإنْ كان هارون بن مروان (البرقي، المحاسن: 305، ح15) فهو ثقةٌ أيضاً (رجال النجاشي: 438، رقم 1180؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 649، رقم 13244 ـ 13241 ـ 13270).
([81]) وسائل الشيعة 9: 292، باب 43 من المستحقّين للزكاة، ح2؛ وانظر: الكافي 3: 557، ح3؛ تهذيب الأحكام 4: 100، ح281.
([82]) المحقِّق الحلّي، المعتبر 2: 589.
([84]) مستند الشيعة 19: 426؛ جواهر الكلام 39: 260.
([85]) وسائل الشيعة 9: 529 ـ 530، باب 1 من الأنفال، ح17؛ 26: 529 ـ 242، باب 4 من ميراث ولاء العتق، ح1؛ 26: 244 ـ 257.
([86]) وسائل الشيعة 26: 247، باب 3 من ضمان الجريرة والامامة، ح2؛ وانظر: الكافي 1: 216، ح1.
([87]) السيوطي، الدرّ المنثور 5: 184.
([88]) وليُعْلَمْ أنّه ليس مرادنا من ذلك هنا إسقاط حجّية هذه الرواية وعدم إمكانية الاستدلال بها فقهياً لإثبات ولاء الإمامة وأنّ الإمام وارث مَنْ لا وارث له، وإنّما مرادنا أنّها لا تُثبت كون هذه الآية ظاهرة في شمولها للأئمّة^، ووقوعهم طرفاً للتعاقد.
([89]) وسائل الشيعة 26: 247، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة والامامة، ح3؛ 26: 246، 247، 249، ح1، 4، 8؛ وانظر: الكافي 7: 169، ح4؛ تهذيب الأحكام 9: 386، ح1379؛ 10: 75؛ الاستبصار 4: 195، ح732.
([90]) وسائل الشيعة 26: 251، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح14؛ وانظر: مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 351، ح5759.
([91]) وسائل الشيعة 26: 248، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح7؛ وانظر: الكافي 7: 152، ح8؛ تهذيب الأحكام 9: 352 ـ 353، ح1264؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 342، ح5740.
([92]) الجزائري، قلائد الدرر: 344.
([93]) سند الحديث: محمد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس، عن عبد الله بن سنان (الكافي 7: 152، ح8؛ تهذيب الأحكام 9: 353، ح1264).
وإسماعيل بن مرّار من الرواة المشهورين، وهو تلميذ يونس بن عبد الرحمن، لكنّه لم يُوثَّق (محمد جعفر الكرباسي، إكليل المنهج في تحقيق المطلب: 138 ـ 139، رقم 151). ولكنْ رجَّح البعض توثيقه (الوحيد البهبهاني، تعليقة على منهج المقال: 93؛ الوحيد البهبهاني، الفوائد الحائرية: 231؛ النمازي مستدركات علم رجال الحديث 1: 669، رقم 446؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 70، رقم 1431 ـ 1430 ـ 1439).
وسند الصدوق: عن محمد بن موسى بن المتوكِّل، عن عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان (مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 342، ح5740؛ وانظر: 496، المشيخة).
([94]) وسائل الشيعة 26: 242، باب 4 من ميراث ولاء العتق، ح1.
([95]) وسائل الشيعة 23: 73، باب 41 من العتق، ح1؛ 26: 244، باب 1 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح3؛ 26: 254، باب 4 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح8؛ وانظر: الكافي 7: 172، ح8؛ وانظر: 171، ح4؛ تهذيب الأحكام 8: 255، ح927؛ 9: 395، ح1409؛ الاستبصار 4: 199، ح746، 747؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 136، ح3503.
([96]) انظر: وسائل الشيعة 23: 73، باب 41 من العتق، ح1، حيث أشار إليه في ذيل صحيح سليمان بن خالد، مع أنّه غيره، وكان عليه أن يُعبِّر بـ «وروى مثله أو نحوه». وانظر: الكافي 7: 171، ح4؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 136، ح3503؛ تهذيب الأحكام 8: 255، ح927.
([97]) وسائل الشيعة 26: 246، باب 2 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح1؛ وانظر: تهذيب الأحكام 9: 396، ح1415.
([98]) وسائل الشيعة 26: 247، باب 3 من ضمان الجريرة والامامة، ح2؛ وانظر: الكافي 1: 216، ح1.
([99]) وسائل الشيعة 26: 247، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح3؛ وانظر: الكافي 7: 169، ح4؛ تهذيب الأحكام 9: 386، ح1379؛ 10: 75، المشيخة؛ الاستبصار 4: 195، ح732.
([100]) وسائل الشيعة 26: 247 ـ 248، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح4؛ وانظر: الكافي 7: 168، ح1؛ الاستبصار 4: 196، ح734؛ تهذيب الأحكام 9: 387، ح1381؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 333، ح5714.
([101]) سند الحديث: محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن رئاب، [عن] عمّار بن أبي الأحوص (الكافي 7: 171، ح2؛ تهذيب الأحكام 9: 395، ح1410؛ الاستبصار 4: 199، ح748).
وإشكالية السند عمّار بن أبي الأحوص، فهو مجهولٌ (الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 419، رقم 8620 ـ 8618 ـ 8632)، ولكنْ استظهر الوحيد البهبهاني اتّحاده مع عمّار أبي اليقظان الأسدي، فيكون ثقة (انظر: تعليقة على منهج المقال: 261 ـ 262؛ الخوئي، معجم رجال الحديث 13: 264 ـ 265، رقم 8632).
([102]) وسائل الشيعة 26: 248، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح6.
([103]) وسائل الشيعة 26: 249، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح8؛ وانظر: تهذيب الأحكام 9: 386، ح1380؛ الاستبصار 4: 195، ح733.
([104]) وسائل الشيعة 26: 249، باب 3 من ولاء ضمان الجريرة، ح8؛ وانظر: تهذيب الأحكام 8: 257، ح933؛ الاستبصار 4: 27، ح88.
([104]) وسائل الشيعة 23: 78، باب 43 من العتق، ح3.
([105]) سند الحديث: محمد بن عليّ الصدوق، عن [محمد بن موسى بن المتوكِّل، عن عبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى]، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن سليمان بن خالد (مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 333، ح5716؛ 4: 453، المشيخة).
وأبو الحسين مالك بن عطيّة الأحمسي البجلي ثقة (رجال النجاشي: 422، رقم 1132؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 478، رقم 9818 ـ 9815 ـ 9839).
وسند الطوسي: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن سليمان بن خالد (تهذيب الأحكام 9: 370، ح1322؛ 9: 390، ح1392؛ 10: 52 ـ 54، المشيخة).
([106]) وسائل الشيعة 26: 253، باب 4 من ولاء ضمان الجريرة والإمامة، ح5، و 257،و باب 7، ح1.
([107]) انظر: محمد محمد جمعة برّاج، أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية: 195 ـ 196.
([108]) صحيح البخاري 3: 85؛ 8: 8؛ صحيح مسلم 3: 11؛ 5: 62؛ مسند أحمد بن حنبل 2: 334 ـ 335، 356، 464، 527؛ 3: 338، 371، وغير ذلك.
([109]) سند الحديث: محمد بن الحسن الطوسي، عن [المفيد و…، عن] محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي عبد الله، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن زياد بن محمد بن سوقة،عن عطاء (تهذيب الأحكام 6: 211، ح494؛ 10: 71، المشيخة).
وأبو عبد الله الظاهر أنّه محمد بن خالد البرقي، وهو ثقة (النمازي، مستدركات علم رجال الحديث 7: 80 ـ 81، رقم 13262).
والحسن بن الحسين اللؤلؤي قيل: تعارض فيه التوثيق والتضعيف (الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 138، رقم 2785 ـ 2784 ـ 2793)، ورجَّح البعض وثاقته (خلاصة الأقوال: 102، رقم 11؛ الكرباسي، إكليل المنهج في تحقيق المطلب: 182 ـ 183، رقم 261؛ وانظر: 429).
وزياد بن محمّد بن سوقة اشتباهٌ، فهو إمّا زياد بن سوقة أو محمد بن سوقة، وكلاهما ثقة (خلاصة الأقوال: 149، رقم 5؛ و271، رقم 183؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 234، رقم 4787 ـ 4786 ـ 4796؛ و535، رقم 10923 ـ 10918 ـ 10945؛ وانظر: النمازي مستدركات علم رجال الحديث 8: 326، رقم 4810؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 235، رقم 4801 ـ 4800 ـ 4810).
وأمّا عطاء فالظاهر أنّه ابن السائب، وقيل: إنّه مجهول (الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث: 374، رقم 7684 ـ 7682 ـ 7695، 7690 ـ 7688 ـ 7701، لكنْ مال البعض إلى توثيقه (النمازي، مستدركات علم رجال الحديث 5: 239، رقم 9397).
وسند الصدوق: عن [محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسى بن عُبَيْد، عن] النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أيّوب بن عطية (مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 351، ح5759؛ و495 ـ 496، المشيخة).
([110]) وسائل الشيعة 18: 337 ـ 338، باب 9 من الدَّيْن والقرض، ح5؛ وانظر: الكافي 1: 406، ح6؛ القاضي أبو حنيفة التميمي، دعائم الإسلام 2: 391 ـ 392، ح1386؛ مَنْ لا يحضره الفقيه 4: 351، ح5759؛ الصدوق، علل الشرائع 1: 127، ح2؛ الصدوق، عيون أخبار الرضا× 1: 91 ـ 92، ح29؛ الصدوق، معاني الأخبار: 52، ح3).