دراسةٌ استدلاليّة مقارنة
ـ القسم الثاني ـ
الشيخ ذو الفقار عبد الرسول عواضة(*)
المستند الثاني: الملازمة بين إجبار المحتكر على البيع والتحريم
لا كلام في مشروعية إجبار المحتكر على البيع، بل قام عليه الإجماع([1]). وقد جعل من أدلة التحريم([2])، بدعوى الملازمة بين الإجبار عليه وكونه الاحتكار محرّماً؛ لأن هذا الحكم مخالف للقاعدة، وهي عدم الإجبار على الفعل المكروه.
وقد أورد الآخوند الخراساني على الاستدلال به بأنه لا ملازمة بين وجوب البيع وبين كونه محرّماً؛ لأن هذا الحكم مخالف للقاعدة؛ إذ إن الالتزام بحرمة الاحتكار لا يقتضي أزيد من إلزامه بتركه من باب النهي عن المنكر بأيّ نحوٍ يريد، لا خصوص وجوب البيع عليه، وذلك بأن يهبه مثلاً([3]).
ويمكن أن يُلاحَظ على ما أفاده بأنه ليس المقصود الإلزام بالبيع بالخصوص كي يرد الإشكال المذكور، وإنْ كان هو ظاهر كلماتهم، ولكنْ من خلال سياق كلماتهم يتبين أن مقصودهم بالبيع عدم حبسه والحيلولة بينه وبين الناس، ووضعه بين متناول الأيدي ونقله للآخرين، سواء كان ذلك بهبةٍ أو بيع وغيره من وجوه الانتقال، وإنما ألزم بالبيع خاصّةً لأنه إنما حبسه لأجل غلاء الأسعار، ومَنْ كان كذلك فلا مبرِّر شرعاً لإلزامه بغير البيع؛ لأنه لا يرضى إلاّ به، ولأن الضرورات تُقدَّر بقدرها.
ويدلّ على ذلك ما ذكره سلاّر: «للسلطان أن يجبر المحتكر على إخراج الغلّة…»([4])، وآخرون أيضاً. فغاية ما تدلّ على إخراج سلعته إلى السوق، ولم تلزمه بالبيع بخصوصه.
المستند الثالث: الاستناد إلى مبدأ الملازمة بين الاحتكار وتفويت حق العامة، تأمُّلٌ وتوقُّف
استدلّ بها بعض الأحناف على التحريم بما يسمّى بتفويت حقّ العامة؛ وذلك بدعوى الملازمة بين الاحتكار وامتناع المشتري عن البيع وتفويت حقّ العامة؛ لتعلّق حقّهم فيه([5]).
ويُلاحظ عليه: إن الظلم هو سلب ذي الحقّ حقّه، مما يعني أن ثبوت الظلم يتوقّف على ثبوت الحق في المرتبة السابقة، فنسأل: ما هو منشأ تعلّق حقّ العامة بما بيع في المصر؟ ولا يخلو الأمر من أحد أجوبة ثلاثة:
أوّلاً: أن تكون سنخية هذا الحق من قبيل: سنخية سائر الحقوق التي يجعل لصاحبها سلطنة على متعلّقها، كحقّ التحجير وغيرها، بحيث يحرم على الآخرين مزاحمته فيها؟
فإنْ كان المقصود هذا المعنى فغير تامّ؛ لعدم توفّر دليل شرعي ـ ولو رواية غير معتبرة ـ عليه.
ثانياً: أن يكون مجرّد استحسان، بدعوى أن السلع خلقها الله لتكون في متناول أيدي الناس عند الحاجة إليها، بشكل طبيعيٍ، وفي سعة من أمرهم، ولذلك يحرم احتكارها.
ويُلاحظ عليه: إن الاستحسان وإنْ كان حجة شرعية عند بعض المذاهب الإسلامية، إلاّ أنه لا يعتبر عندنا مدركاً شرعياً يمكن أن يستنبط منه حكم شرعي. ولذلك هو ساقطٌ عن الاعتبار من الناحية العلمية.
ثالثاً: أن يكون منشأ تعلّق حقّ العامة به هو حكم العقل العملي بقبح احتكار المالك لسلعته، وعليه يكون احتكاره قبيحاً؛ لسلب الناس حقّهم. وهذا هو الظاهر من كلامهم.
ويُلاحظ عليه: إن العقل لا يحكم بالقبح إلاّ في فرض الظلم، ولذلك لا يصدق في هذا الفرض؛ لأن حياة الناس لا تتوقّف على عدم الاحتكار، بحيث يؤدّي إلى هلاكهم، بل غاية ما في الأمر أنهم في حاجة إلى الأجناس المحتكرة؛ لقلتها في السوق. ولا ضير في ذلك طالما أنهم يستطيعون الاكتفاء بغيرها. ولو سلّمنا جَدَلاً بحكمه بالقبح في هذا الفرض فلا يوجد فرقٌ بين ما بيع في المصر وغيره. وببيانٍ مختصر: إن حرمة الاحتكار حكمٌ تعبدي صدر من الشارع، ولولا ذلك لكان مباحاً.
وصفوة القول: إن أكثر الأدلة التي حشدها القائلون بالحرمة لم تنهض في إثبات المدَّعى، فيدور أمرها بين ضعف في الدلالة أو السند، أو هما معاً، باستثناء البعض منها، كصحيحة الحلبي؛ وصحيحة الحنّاط.
موارد الاحتكار أو الأجناس المحتكرة
تعدّدت أقوال الفقهاء في تحديد الموارد التي نُهي عن احتكارها، وهي ـ على كثرتها ـ يمكن إرجاعها إلى خمسة:
1ـ تحديد مورد الاحتكار بخصوص الأجناس التي تعرّضت لها الأخبار، على اختلافها.
2ـ تحديد مورد الاحتكار بما يشمل كلّ ما تنتظم به أمور الناس، وما عليه قوام حياتهم المعيشية.
3ـ تحديد مورد الاحتكار بخصوص القوت.
4ـ تحديد مورد الاحتكار بخصوص الطعام.
5ـ تحديد مورد الاحتكار بخصوص الغلات الأربع.
أما القول الأول فبعضهم ـ كأبي الصلاح الحلبي([6]) ـ حصر مورد الاحتكار بأربعة، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب. وهناك مَنْ جعلها خمسة، فأضاف السمن إليها([7]). وبعضهم جعلها ستّة، فأضاف الزيت إليها([8]). وهناك مَنْ جعلها الستة المتقدّمة، ولكنه بدّل الزيت بالملح([9]). وبعضهم جعلها سبعة، فأضاف إلى الغلاّت الزيت والسمن والملح([10]).
وقد ذهب إلى القول الثاني أبو يوسف الحنفي([11])؛ ومالك، حيث قال: «الحكرة في كلّ شيء في السوق من الطعام، والزيت، والكتّان، وجميع الأشياء، والصوف، وكل ما أضرّ بالسوق…، وكلّ شيء([12])؛ والقلّة من فقهاء الإمامية المعاصرين([13]).
وذهب إلى القول الثالث الحنابلة([14])؛ والشافعية([15]). وهو ظاهر كلام يحيى بن سعيد الحلّي، حيث قال: «وهو حبس القوت، كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح»([16])، فجعل الأشياء المذكورة أمثلةً للاحتكار، حيث استعمل كاف التمثيل.
وذهب إلى القول الرابع بعض فقهاء الحنفية([17])؛ والإمامية([18]).
وعلى أيّ حال فقد طرحت نظريتان في المقام؛ الأولى منهما ذهبت إلى تقييد دائرة الأجناس المحتكرة ببعض الأجناس وإنْ اختلفت فيما بينها سعةً وضيقاً؛ وفي المقابل توجد نظرية ثانية تقول بتعميم الاحتكار لجميع ما يحتاجه الناس في حياتهم من الأمور الأساسية والضرورية.
وبما أن منشأ الاختلاف يعود إلى اختلافهم في فهمهم للروايات، واعتبار طرقها، مضافاً إلى دليلي نفي الضرر والحقّ العام، كان لا بُدَّ من الوقوف عليها، والمناقشة فيها، وتقييمها.
وحينئذٍ يطرح السؤال التالي: هل الاحتكار خاصٌّ بالأمور التي نصّ عليها في الروايات، ولذلك لا بُدَّ من الوقوف عليها تعبّداً،أم أنه لا خصوصية لها، وبالإمكان التعدّي منها إلى غيرها؟
نظريّة التقييد والتخصيص
إن الروايات التي تعرّضت للأجناس المحتكرة بعضها مطلق من جهة عدم ذكر متعلق النهي فيها، وبعضها الآخر صرّح بمتعلقه. ولكن البعض منها جعل متعلقه مطلق الطعام، وبعضها فصّل بين وجود الطعام في البلد وعدمه، وبعضها الآخر خصّه ببعض الأجناس من الطعام. فلذلك يمكن تقسيمها إلى أربع طوائف:
الطائفة الأولى: وهي الروايات التي دلَّت على المنع مطلقاً.
وهي مجموعةٌ من الروايات التي منعت من الاحتكار مطلقاً. ونقتصر على الأهمّ منها.
1ـ خبر ابن القدّاح، عن أبي عبد الله× قال: قال رسول الله‘: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون»([19]). ورواه الدارمي عن عمر بن الخطاب أيضاً([20]).
2ـ مرسل الفقيه قال: «ونهى أمير المؤمنين× عن الحكرة في الأمصار»([21]).
3ـ رواية عليّ×، عن النبيّ‘، قال: «نهى رسول الله‘ عن الحكرة بالبلد»([22]).
4ـ وفي صحيح مسلم، عن معمر، قال رسول الله‘: «لا يحتكر إلاّ خاطىء»([23]).
وقد تقدّم الكلام في مناقشة هذه الروايات سنداً ودلالة، وأن بعضها تامٌّ سنداً أو دلالة على الحرمة الذاتية للاحتكار، فلا نعيد.
وأما الرواية الأخيرة فقد صحّح الترمذي سندها، وحسَّنه([24]). ولا يخفى أن هذه الروايات مطلقة من جهة تحديد الأجناس المحتكرة، وأنها شاملة لكلّ ما يصدق عليه مفهوم الاحتكار في نظر العُرْف.
الطائفة الثانية: وهي الروايات التي جعلت مطلق الطعام متعلقاً للنهي، دون أن تخصّه بصنفٍ معين.
1ـ روى البيهقي، بإسناده عن أبي أمامة، قال: «نهى رسول الله‘ أن يحتكر الطعام»([25]).
2ـ وروى الحاكم النيسابوري، في المستدرك، بإسناده عن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله‘: «مَنْ احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برىء من الله، وبرىء منه»([26]).
3ـ وروى أبو أمامة، مرفوعاً، عن النبيّ‘ أنه قال: «أهل المدائن الحبساء في سبيل الله، فلا تحتكروا عليهم الطعام، ولا تغلوا عليهم الأسعار»([27]).
4ـ وروى معاذ، عن رسول الله‘ أنه قال: «مَنْ احتكر طعاماً على أمّتي أربعين يوماً وتصدّق به لم يقبل منه»([28]).
5ـ وروى عمر، مرفوعاً، عن النبيّ‘ أنه قال: «مَنْ احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس»([29]).
فمن حيث السند الرواية الأولى قد تقدّمت المناقشة في سندها.
والرواية الثانية في سندها الهيثم بن رافع، وقد روى حديثاً منكراً؛ وفيه أيضاً أبو يحيى المكّي، وهو مجهول([30])، في حين أن هناك مَنْ وثَّقه([31]).
وأمّا سند الرواية الثالثة ـ لكنز العمال ـ فقد قال ابن حزم بأنه لا يصحّ؛ لأن فيه أصبغ بن نباتة، وكثير بن مرّ، وهو مجهول([32]). وقال العيني: «وفي إسناده مقالٌ»([33]).
والرواية الرابعة قد اختلف في توثيق رجالها، كما تقدّم([34]).
وأما الرواية الأخيرة فهي غير معتبرة، كما تقدّم ([35]).
وأما من حيث الدلالة فهذه الروايات ظاهرةٌ في دلالتها على تحريم احتكار الطعام. وقد استدل بالرواية الأخيرة بعض الشافعية على حصر موضوع الاحتكار بالطعام، دون غيره من الأقوات([36]).
ويُلاحظ على الاستدلال بهذه الروايات أنها واردةٌ في مقام بيان الحكم التكليفي لاحتكار الطعام، وهو الحرمة، لا أنها واردة في مقام بيان تمام موضوع الاحتكار، وهل أن موضوع الاحتكار خاصّ به دون غيره أم لا؟ فهذا شيءٌ آخر. وإن شئتَ قلتَ: إن هذه الروايات موافقةٌ للمطلقات، وليست معارضة لها، من قبيل: المعارضة بين العامّ والخاصّ، كي يحمل عليها بمقتضى القاعدة.
ولكنّ الكلام في وقوع المعارضة بينها وبين الطائفة الأولى وعدمه، فهل يجمع بينهما بحمل الطائفة الأولى على الثانية من باب حمل المطلق على المقيّد، أو يحمل الطعام على الفرد الغالب؛ لكونه أبرز المصاديق التي يحتاجها الناس في ذاك الزمان؟
وعلى فرض كون نتيجة الجمع بينها هو حرمة احتكار خصوص الطعام يقع الكلام في اختصاصه بالحنطة؛ لعدّه من معانيه لغةً، مضافاً إلى استعماله في بعض الروايات أيضاً،أو عمومها لكلّ ما يطلق عليه عنوان الطعام أو القوت والغذاء؟
ولكنّ الصحيح أنّ كلمة الطعام في اللغة أُطلقت على ما هو أعمّ من البرّ، وكذلك الأمر في الكتاب والسنّة أيضاً.
ففي اللغة قال الفراهيدي: «الطعام اسمٌ جامع لكلّ ما يؤكل، وكذلك الشراب لكلّ ما يشرب. والغالب في كلام العرب أن الطعام هو البر ّخاصّة. ويُقال: اسم له وللخبز والمخبوز. ثمّ يسمى بالطعام ما قرب منه، وصار في حدّه، وكلّ ما يسد جوعاً فهو طعام»([37]). وذكر كلٌّ من: الجوهري([38])؛ وابن فارس([39])، مثله. بل شكَّك كلٌّ منهما في أصل وجود دعوى اختصاص الطعام بالبرّ؛ فأضاف الأول قوله: «وربما خصّ الطعام بالبرّ»، وأما الثاني فقال: «وكأنّ بعض أهل اللغة يقول: الطعام هو البرّ».
وفي الكتاب قد استعملت كلمة الطعام في مطلق القوت أيضاً، كما في قوله تعالى: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ (البقرة: 61)، فقد استعمل في المنّ والسلوى، أو الخبز النقيّ مع اللحم([40])؛ وقوله تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ (آل عمران: 93)؛ وقوله تعالى: ﴿لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ﴾ (يوسف: 37)؛ وقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ﴾ (المائدة: 96).
وأما في السنّة ففي رواية سكين النخعي، الذي كان قد تعبّد وترك النساء والطيب والطعام، فكتب إلى أبي عبد الله× يسأله عن ذلك؟ فكتب إليه: «أما قولك في النساء فقد علمت ما كان لرسول الله من النساء، وأما قولك في الطعام فكان رسول الله يأكل اللحم والعسل»([41]).
ففي هذه الآيات وهذه الرواية استعملت كلمة الطعام في غير البرّ، أي السمن والعسل واللحم، وفي الأعمّ منها أيضاً. وعليه لا معنى لدعوى اختصاص استعمالها في البرّ، التي لم تثبت حتّى لدى اللغويين أنفسهم.
6ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله×، قال: «سُئل عن الحكرة؟ فقال: «إنما الحكرة أن تشتري طعاماً، وليس في المصر غيره، فتحتكره، فإنْ كان في المصر طعامٌ أو متاع (يباع) غيره فلا بأس أن تلتمس بسلعتك الفضل»([42]). وزاد الكليني، بسنده عن حماد، قوله: «وسألته عن الزيت؟ فقال: إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه»([43]).
وتقريب الاستدلال بها على المدَّعى أن يقال: إنها واردةٌ في مقام بيان تمام أفراد موضوعها؛ حيث قال الإمام: «الحكرة أن تشتري طعاماً»، فحصرت الحكرة بالطعام، ومقتضى مفهوم الحصر نفيها عن غيره.
إلاّ أن هناك اختلافاً في الكلمة التي وردت بعد (أو)، فهي مردّدةٌ بين متاع وبياع ويباع، على اختلاف النسخ. إلاّ أن الكلمتين الأوليين غير محتملتين في المقام؛ لأن الإمام في جوابه عرّّف الاحتكار بأنه شراء الطعام مع عدم وجود غيره في المصر، وبيّن حكمه التكليفي الذي يتعلق به، وقد صرَّح بالمفهوم أيضاً، والمفهوم لا بُدَّ أن يتناسب مع المنطوق الذي يدور مدار وجود الطعام وعدمه، فيقال: إن كان في المصر طعام فحكمه كذا، وإنْ لم يوجد فحكمه كذا. وعليه لا معنى لقوله: «أو متاع»؛ لأن إقحامه في المقام لغوٌ؛ لكون المتاع يشمل غير الطعام أيضاً، فلا معنى لأن يقول: وإذا وجد غير الطعام، مثل: الملبس، فلا بأس أن يلتمس بسلعته الفضل، حتّى لو حمل الطعام على المصداق الأبرز.
وأما المعنى الثاني فغير محتمل؛ لعدم وروده في المنطوق، ولعود الضمير إلى الطعام لا غير.
وعليه تتعين الكلمة الأخيرة، وهي: يُباع. فيصير المعنى هكذا: فإنْ كان في المصر طعامٌ يُباع غيره فلا بأس، بمعنى أن يباع طعام غير الطعام المحتكر، بحيث يكتفى به عنه. ويمكن أن يتأيّد ما ذكرناه بما أضافه الكليني، حيث جعل الإمام البأس وعدمه يدور مدار وجود الزيت عند الغير وعدمه.
ويُلاحظ على الاستدلال بمفهوم الحصر ملاحظتان:
أوّلاً: ما أفاده الشيخ شمس الدين من أن الحصر في هذه الصحيحة ليس حصراً حقيقياً، وإنما هو حصر إضافي. وممّا يشهد لذلك أمران:
الأوّل: إنه لو كان الحصر حقيقيّاً فما معنى عدم تعرُّض رواية غياث بن إبراهيم لذكر الزيت الذي صرَّحت به صحيحة الحلبي؟
الثاني: الاضطراب الموجود في متون الأخبار، حيث قال: «فهذا الاضطراب في متون الأخبار كاشفٌ عن أن المراد منها ـ على فرض تقدير صدورها ـ ليس الحصر الحقيقي، وإنما هو الإضافة إلى أصنافٍ أخرى من الطعام لم تكن في وقت صدور الخبر، أو ما كانت ذات أهمّية بالنسبة إلى حياة الناس ومعاشهم»([44]).
ولكنّ الإنصاف أنّ ما أفاده شمس الدين ليس تامّاً، بل تَرِدُ عليه ملاحظتان:
الأولى: إن الاختلاف في العدد لا يرفع ظهور الحصر في الحصر الحقيقي؛ فإن مجرّد الاختلاف في العدد لا يصلح قرينةً على الحصر الإضافي، ولا يعدّ اضطراباً في المتون، بل الاختلاف موجبٌ للتعارض بين مفهوم الحصر في الأولى ومنطوقه في الثانية، ويمكن الجمع بينهما بالتقييد، وتكون النتيجة انحصار الاحتكار المحرَّم في جميع ما ذكر في النصوص، فلا تصل النوبة لحمله على الحصر الإضافي بلحاظ الأجناس الأخرى؛ فإن الضرورة تقدَّر بقدرها.
الثانية: إن الفقهاء لم يعدّوا الاختلاف في العدد اضطراباً في المتون، وإلاّ فينقض عليه بموارد متعدّدة ظاهرة في الحصر الحقيقي، ومع ذلك لم يعتبرها أحدٌ من الفقهاء اضطراباً في المتون. وهذا ما يلتزم هو به أيضاً، من قبيل: ما رواه زرارة، عن أبي جعفر× أنه قال: «لا تُعاد الصلاة إلاّ من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود»([45])؛ وما رُوي عن رسول الله‘ أنه قال: «ولا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»([46])؛ وما رواه أبو بصير، عن أبي عبد الله× أنه قال: قال أمير المؤمنين×: «مَنْ لم يُقِمْ صلبه في الصلاة فلا صلاة له»([47]). فهذه الروايات رغم كونها في مقام البيان من جهة الأمور المعتبرة في الصلاة، ولكنها مختلفة من حيث ذكر العدد المعتبر في بطلان الصلاة.
ثانياً: إن أداة الحصر ليست موجودة إلاّ في رواية الفقيه، وأما رواية الكافي والاستبصار فخاليةٌ منها، مما يعني أنها مجملةٌ من هذه الناحية. مضافاً إلى أن صحيحة الحلبي ظاهرةٌ في كون الملاك في الحرمة هو السعة وعدم السعة، وعدم ترك الناس بلا طعام تتوقَّف عليه حياتهم. فلذلك نجد الإمام يصّر ويكرّر هذا المعنى في صحيحتي الحلبي وحمّاد، ما يعني أنه أناط الحكم به. من هنا كان لا بُدَّ من حمل هذه الأجناس على أنها أظهر المصاديق التي كانت مورد حاجةٍ للناس في ذاك الزمن. وهذا ما يفسّر كثرة السؤال عنها، ومن ثم ذكرها الإمام في الجواب. بل يمكن القول: إن المفهوم في هذه الروايات من قبيل: مفهوم اللقب، وهو غير حجّةٍ، كما هو واضحٌ. واللقب الوارد في مقام التحديد ينعقد له مفهومٌ، إلاّ أن التحديد هنا لو كان متحقّقاً فهو ببركة دلالة أداة الحصر، وهي «إلاّ»، ولا دالّ على التحديد في الرواية غيره، وقد ناقشنا في حجِّيته سابقاً.
7ـ صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله×، قال: سألتُه عن الرجل يحتكر الطعام ويتربّص به، هل يصلح ذلك؟ قال: «إنْ كان الطعام كثيراً يسع الناس فلا بأس به؛ وإنْ كان الطعام قليلاً لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس لهم طعام»([48]).
وهذه الصحيحة ظاهرةٌ في انحصار الحكرة في الطعام؛ لوروده في سؤال السائل وجواب الإمام أيضاً، فجعل الإمام حكرة الطعام موضوعاً للحكم بعدم البأس والكراهة. والعناوين المذكورة في ألسنة الروايات ظاهرةٌ في الاحترازية، كما هو متَّفق عليه.
ويمكن أن يُلاحظ على الاستدلال بهذه الصحيحة ما يلي:
أوّلاً: إن هذه الصحيحة واردةٌ في مقام الجواب عن سؤالٍ معيّن وجّهه السائل إلى الإمام يتعلق بالطعام. وقد ورد في جواب الإمام× أيضاً من باب المجاراة. وبالتالي لا يُقال بأنه لا عبرة لذلك؛ لوروده في سؤال السائل. هذا مضافاً إلى أن العرف لا يرى أيّ خصوصية للطعام، وإنما منع من احتكاره لتوقُّف قوام حياة الناس عليه، فيسري الحكم إلى كلّ ما كان من هذا القبيل.
ثانياً: إن ظهور الحيثية التعليلية في العموم أقوى من ظهورها في اختصاصها بالطعام، فيقدَّم عليه من هذه الجهة. اللهمّ إلاّ أن يعترض ويقال: إن وقوعها جواباً عن السؤال عن الطعام من القدر المتيقَّن في مقام التخاطب، وهو مانعٌ من الإطلاق.
وعلى فرض القول باختصاص الحرمة باحتكار الطعام فنلتزم بحرمة احتكار كلّ ما يصدق وينطبق عليه عنوان الطعام لدى العُرْف، وهو كلّ ما يؤكل ويعدّ قوتاً عند الناس وعليه قوام حياتهم. وهذا يختلف باختلاف البلدان فقد يكون طعاماً في بلدٍ ولا يكون طعاماً في بلد آخر؛ لأن قوله×: «يكره أن يترك الناس بلا طعام» لا ينحصر باحتكار الحنطة، بل يصدق هذا العنوان ـ أي ترك الناس بلا طعام ـ على تركهم بلا أرزّ مثلاً، كما في بلاد الهند، ويشمل أيضاً مكوّنات الطعام وما يتوقف عليه إعداده، من وقود ونفط وكهرباء؛ لنفس العلة أيضاً. وهذا ما التزم به السيد الخوئي في بحثه العلمي([49]).
ولكنْ قد يناقش في ذلك ويقال بأنّ ما يتوقّف إعداد الطعام عليه لا وجه لتحريم احتكاره؛ بدعوى عدم دخوله تحت عنوان الطعام، ولا هو جزءٌ من أجزائه، كما هو واضح.
إلاّ أن هذه الدعوى غير تامة؛ فإنّنا وإنْ كنا نلتزم بعدم صدق الطعام عليه، ولكنّ الحكم بالتحريم من باب المقدّمة، ومن باب صيانة كلام الشارع المقدّس عن اللغوية؛ فإنّ الاقتصار على تحريم احتكار الطعام دون ما يتوقّف عليه سوف لن يحقّق غرض المولى، بل هو نقضٌ لغرضه المنشود، وهذا بعيدٌ عن ساحته المقدّسة. فما الفائدة من وجود الطعام مع عدم القدرة على طهيه وتناوله؟ أليس وجوده في حكم العدم؟
الطائفة الثالثة: وهي الروايات التي نصّت على أن الاحتكار يكون في بعض الأصناف الخاصّة. وهي كالتالي:
1ـ موثَّق غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله× قال: ليس الحكرة إلاّ في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن»([50]).
وروى الصدوق، بإسناده عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه×، مثله، إلاّ أنه قال: والزبيب والسمن والزيت»([51]).
2ـ خبر أبي البختري، عن أبي جعفر محمد الصادق×، عن أبيه محمد الباقر×، أن عليّاً كان ينهى عن الحكرة في الأمصار، فقال: «ليس الحكرة إلاّ في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن»([52]).
3ـ خبر السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن النبيّ‘ قال: «الحكرة في ستّة أشياء: في الحنطة والشعير والتمر والزيت والسمن والزبيب»([53]).
4ـ خبر دعائم الإسلام، عن عليٍّ× قال: «ليس الحكرة إلاّ في الحنطة والشعير والزبيب والزيت والتمر»([54]) .
5ـ خبر أبي العبّاس المستغفري، في طبّ الأئمة^، قال: «الاحتكار في عشرة، والمحتكر ملعونٌ: البر والشعير والتمر والزبيب والذرة والسمن والعسل والجبن والجوز والزيت»([55]).
والكلام يقع في هذه الروايات سنداً ودلالة:
أما من حيث السند، فالرواية الأولى معتبرة؛ فإنّ فيها غياث بن إبراهيم (التميمي الأسدي)، وقد وثّقه النجاشي([56]).
وأما الرواية الثانية ففيها أبو البختري، وهو وهب بن وهب، وقد ضعَّفه كلٌّ من المشايخ الثلاثة([57])، وقالوا في حقّه: «إنه ضعيف، عامّي المذهب، وكان كذّاباً».
والرواية الثالثة في طريقها حمزة بن محمد العلوي، ولم يوثَّق، إلاّ أن الصدوق أكثر من الرواية عنه والترحُّم والترضّي عليه، ولذلك هو ثقةٌ على هذا المبنى، وإنْ كنّا لا نرى ذلك؛ لأنهما أعمّ من الوثاقة وغيرها.
وأما الرواية الرابعة فلا سند لها.
والخامسةُ مرسلةٌ، هذا مضافاً إلى عدم اعتبار الكتاب الذي وردتا فيه.
وأما من حيث الدلالة، فيمكن تقريب الاستدلال بهذه الروايات من خلال ظهور مفهومَيْ العدد والحصر، حيث جاء فيها حصر الاحتكار في خصوص الأجناس المذكورة، وهو قوله×: «ليس الحكرة إلاّ…»، فدلّ بالمفهوم على نفي الاحتكار عن غيرها.
فهناك إذن تعارضٌ بين الطائفة الأولى المطلقة التي نهَتْ عن كلّ حِكْرة عرفاً وبين الطائفة الثانية التي حصرت الاحتكار في خصوص الأجناس الخاصّة. ومقتضى الصناعة بالنظر الأوّلي حمل المطلق على المقيّد، وهو حرمة احتكار الأجناس المذكورة بالخصوص. وهذا ما عليه الفتوى. قال الصدوق: «والحِكْرة تكون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت»([58]).
بل نفى الكثير منهم الاحتكار عن غيرها؛ فقال الشيخ: «الاحتكار هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن من البيع. ولا يكون الاحتكار في شيءٍ سوى هذه الأجناس»([59]). وقال ابن إدريس: «والاحتكار عند أصحابنا هو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن من البيع، ولا يكون الاحتكار المنهيّ عنه في شيءٍ من الأقوات سوى هذه الأجناس»([60]). ولكنّ ابن حمزة جعل الزيت بدل الملح([61]). بل ادّعى العلاّمة الحلّي الإجماع على نفي الاحتكار في غير الأقوات، حيث قال: «ولا احتكار في غير الأقوات إجماعاً، ولا يعمّ جميع الأقوات، بل هو مختصٌّ بالحنطة والشعير والتمر والزبيب والملح والسمن»([62]).
وكيف كان فإنّ الطائفة الثالثة تصلح لأن تكون مفسِّرة للاحتكار المنهيّ عنه في مطلقات الطائفة الأولى، وللطعام المنهيّ عنه في الطائفة الثانية؛ لكون لسانها لسان الحصر، فتنفي بمفهومها الاحتكار عن غيرها.
ولكنْ يبقى أن نسأل عن اختصاص الاحتكار المنهيّ عنه بطعام الإنسان أو قوته، أو شموله لقوت الحيوان أيضاً؟
وهذا ما سنجيب عنه عندما نتعرَّض للنظرية الثانية.
وإن ظاهر الإمامية اختصاصه بطعام الإنسان.
وكذلك خصّه الإمام الشافعي، كما صرّح الفقهاء، كمحيي الدين النووي وغيره، فقال: «ثمّ تحريم الاحتكار يختصّ بالأقوات، ومنها: التمر والزبيب، ولا يعمّ جميع الأطعمة»([63])؛ وأحمد أيضاً، كما صرّح عبد الله بن قدامة وغيره، حيث جعلوا الاحتكار مشروطاً بثلاثة، ثانيها: «أن يكون المشترى قوتاً، فأما الإدام والحواء والعسل والزيت وأعلاف البهائم فليس فيها احتكار محرّم»([64])؛ وأبو حنيفة قيَّده بقوت البشر، كما صرح ابن عابدين([65]).
وقال المغني في شرحه الكبير في فقه الحنابلة في تعريف الاحتكار مشروطاً بثلاثة شروط: «…الثاني: أن يكون قوتاً، فأما الإدام والعسل والزيت وعلف البهائم فليس احتكاره بحرام»([66]).
بينما جعله مالك في كلّ شيء: «الحِكْرة في كلّ شيء في السوق من الطعام والزيت والكتان وجميع الأشياء والصوف وكلّ ما أضرّ بالسوق والعصفر والسمن والعسل وكلّ شيء»([67]).
وصحّة الاستدلال بمفهوم الحصر على المدَّعى تتوقَّف على أمور:
أوّلها: لا بُدَّ من الفراغ عن وجود صغرى في المقام من صغريات الحصر، فضلاً عن كونه حقيقياً. وقد ناقشنا في ما سبق في أصل انعقاده.
وممّا يؤيد أن الحصر ليس حقيقياً فهم بعض الفقهاء؛ فنرى أنهم أفتوا بحرمة احتكار الملح، مع أنه لم يَرِدْ في الروايات، من أمثال: الشيخ([68])، وابن حمزة([69])، والعلامة([70])، والشهيد الثاني([71])، فكيف يفتون بحرمة احتكاره؟! ألا يكشف ذلك أنهم لم يفهموا الحصر الحقيقي فيها؟ وقد وجّه إدراجه ضمنها المحدِّث البحراني، بعد أن استعرض رأي الشهيد الثاني: «أقول: والظاهر أن وجه قوّته عنده من حيث شدّة الاحتياج إليه، وتوقُّف أغلب المأكولات عليه، مع أنه لم يذكر في الأخبار الواردة في المسألة. ولعلّ السرّ في عدم ذكره أن الله تعالى؛ لعلمه بما فيه من مزيد الحاجة والاضطرار إليه، جعله في كثرة الوجود والرخص قريباً من الماء الذي لا قوام للأبدان والأديان إلاّ به»([72]). وهذا ما احتمله الشيخ الأنصاري([73]) أيضاً. بل صرَّح العلامة بأنها إنما لم يحرم احتكارها لعدم الحاجة إليها، حيث قال، في تعليل نفي الاحتكار عن غير الأقوات التي نصّت عليها موثَّقة غياث بن إبراهيم، مضافاً إلى الموثَّقة: ولأنّ ما عدا الأقوات المذكورة ممّا لا نعلم الحاجة إليها. وقد يستغنى عن أكثرها. فلم يتحقَّق الحكرة، كالثياب والحيوان»([74]).
أقول: ليت شعري لو أنهم يرَوْن اليوم قلة الماء التي يعاني منها العالم في عصرنا الحاضر، حتّى بات يُقال: إن الحرب العالمية الثالثة ستكون بدافع تأمين المياه.
ثانيها: عدم وجود دليل آخر أقوى منه ظهوراً يقدّم عليه. وهذا ما سنتعرّض له في النظرية الثانية إنْ شاء الله.
ثالثها: ما ذكره السيد الخوئي، من أنه لا مناص من الالتزام بمقتضى مفهوم الحصر، حيث تتّفق جميع الروايات في نفي مفهوم الاحتكار عن غير الأمور المنصوصة، لولا ضعفها السندي. وهذا ممّا يسهل الخطب في نظره.
ويُلاحظ على ما أُفيد: كيف يدّعي ضعف أسانيد الروايات الحاصرة بأجمعها، مع أن من بينها ما هو صحيح سنداً، وهي: رواية غياث بن إبراهيم، وقد التزم بوثاقته أيضاً([75])؟ ومع ذلك نجده يصرِّح في بعض بحوثه بعدم الاعتداد بجميع الروايات الحاصرة للاحتكار في عددٍ وصنف معيَّن، معللاً ذلك بضعفها من جهة أسانيدها([76]). بينما التزم في مقام الفتوى بحرمة احتكار خصوص الأجناس التي نصّت عليها رواية غياث([77]).
إلى هنا خلصنا إلى أن الاحتكار لا يختصّ بالأجناس المذكورة، ولكنْ يبقى الكلام في مدى سعة متعلّق الروايات، فهل يختصّ بأقوات الناس أو يشمل أقوات الحيوانات فقط لا غير؟ وهذا ما سنقوم بتنقيحه في النظرية التالية إنْ شاء الله تعالى.
نظريّة العموم والشمول
أما النظرية الثانية فهي النظرية التي تعمِّم متعلّق الاحتكار لكلّ ما يحتاجه الناس في معاشهم من الأمور الأساسية التي تقوم عليه حياتهم، ولا يختصّ بالأجناس المذكورة في الأخبار. ويمكن أن يستدل عليها بالأدلة التالية:
1ـ التمسُّك بعموم التعليل الوارد في ذيل صحيحة الحلبي، حيث قال×: «وإنْ كان الطعام كثيراً يَسَع الناس فلا بأس به، وإنْ كان الطعام قليلاً لا يَسَع الناس فإنّه يكره أن يحتكر الطعام، ويترك الناس ليس لهم طعام»([78]).
وتقريب الاستدلال بها أن الإمام× علَّل حرمة احتكار الطعام في حال عدم وجود الطعام بالمقدار الذي تتحقّق به الكفاية (بناء على استفادة الحرمة منها) بأمر ارتكازي عند العقلاء، وهو السعة والضيق، فجعل مفهوم الاحتكار يدور مدار الحاجة وجوداً وعدماً. فمتى كان الناس في ضيقٍ وحاجة يحرم الاحتكار، ومتى كانوا في سعةٍ من أمرهم، بحيث يوجد باذلٌ آخر يحقِّق الكفاية، فلا يحرم؛ لانتفاء العلة التي أناط بها الحكم، وهي الحاجة. طبعاً هذا في الأمور الأساسية والضرورية، التي هي من قبيل: الطعام من حيث الأهمّية.
ولا يُقال بأن هذه الصحيحة واردةٌ في خصوص الطعام، فكيف يسري الحكم إلى غيره؟! لأنّ الطعام لا خصوصية له في المقام، وإنّما ورد في كلام الإمام من باب المجاراة للسائل لا أكثر. ومن المعلوم أن المورد لا يخصِّص الوارد. أضِفْ إلى ذلك أن جواب الإمام× جاء عاماً حيث أناط الحكم بالحاجة، فظهور عموم الحيثية التعليلية في نفي الاختصاص أقوى من ظهور اختصاص الاحتكار بالطعام. كما أن العُرْف لا يرى أيّ خصوصية للطعام، وذلك بمقتضى مناسبة الحكم للموضوع؛ إلاّ لكون غذاء الناس متقوّماً به. وعليه يمكن التمسُّك بعموم النكتة الارتكازية لدى العقلاء، وهي قبح احتكار كلّ ما هو أساسي وضروري في حياة الناس. فأيُّ فرق بين حاجة الناس إلى الطعام أو الماء أو الثياب أو لوازم البناء ووسائل النقل مثلاً؟ بل يمكن التعدّي إلى قوت البهائم أيضاً؛ بنفس النكتة المذكورة([79]).
وبالتالي يستفاد حرمة احتكار كلّ ما عليه قوام اجتماع الناس، شرط أن تكون حاجةً نوعية. فالعقلاء بما هم عقلاء يبنون على منع الاحتكار؛ لكونه خلاف مقتضى مراعاة المصلحة العامة والنظام العام، وقد أمضاها الإمام×؛ كي لا يختلّ النظام الاجتماعي.
2ـ ما ورد في عهد الإمام× إلى مالك الأشتر حين ولاه مصر في ما يتعلق بالتجار، من قوله×: «…واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً، وشحّاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكُّماً في البياعات، وذلك باب مضرّة للعامة، وعيب على الولاة»([80]).
وتقريب الاستدلال به أن الإمام× أمر واليه بأن يمنع التجّار من احتكار المنافع. وقد علَّل المنع بأمرٍ ارتكازي لدى العقلاء، وهو قوله: «وذلك باب مضرة للعامة». فيمكن التمسُّك بعموم هذه الحيثية التعليلية، وهو حرمة احتكار كلّ ما يؤدّي احتكاره إلى مضرّة عامة الناس. ولا فرق في ذلك بين احتكار الغلاّت الأربع وغيرها طالما أنّه يترتّب عليه عنوان المضرّة؛ فإن هذا التقييد آبٍ عن التخصيص. هذا مضافاً إلى أن قوله×: «واحتكاراً للمنافع» عامٌّ، يشمل كلّ منفعة، وخاصّة أن التجّار لا يفرِّقون بين أنواع المنافع، أكانت طعاماً أو غيره، طالما أن هدفهم تحصيل المال، بل يحتكرون كلّ ما تعلّقت به رغبة العقلاء؛ ليرتفع سعره تحت تأثير قانون العرض والطلب، فكلّما قلَّ العرض كلّما زادت القيمة. أضِفْ إلى ذلك أن الإمام لم يقيِّد الاحتكار بالأجناس الخاصة التي تعرَّضت لها الروايات الحاصرة، مع أنه كان في مقام البيان([81]).
3ـ التمسُّك بقاعدة (لا ضَرَر). يمكن الاستناد إلى قاعدة (لا ضَرَر)، بناءً على شمولها للأحكام العَدَمية أيضاً، وذلك بأن يقال: إن مفادها ليس نفي الحكم الضرري لتختصّ بنفي الأحكام الوجودية الضررية، بل مفادها نفي تسبيب الشارع للضرر، بمعنى أن الشارع لم يتسبَّب في إيقاع الضرر على المكلَّف. وعليه فعدم حكم الشارع بالضمان في موردٍ لولا حكمه بالضمان لتضرَّر المكلَّف يُعَدّ في نظر العرف تسبيباً من الشارع في إيقاع الضرر على المكلَّف. وبعبارةٍ ثانية: إن قاعدة لا ضرر تفيد نفي أيّ موقف من الشارع يوجب ضرراً على المكلَّف، فكما أن الحكم الوجودي إذا كان ضررياً موقف، فكذلك عدم الحكم مع كون الشارع في مقام البيان والقدرة على الحكم يُعَدّ موقفاً ضررياً منه. وهذا هو مختار السيد الشهيد الصدر([82])، والسيد اليزدي([83]).
وفي المقام نقول: إذا تضرّر المكلَّف من احتكار كلّ ما يحتاجه الناس، وذلك بأن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ومع ذلك لم يتدخَّل الشارع بإيجاب الضمان على المحتكر، في حين أن رفع الضرر متوقِّف على تدخُّله، فلا شَكَّ أن العرف يرى أن الشارع قد تسبَّب في إيقاع الضرر على المكلَّف. أو فقُلْ: إن عدم تشريع الحكم بالضمان في هذا الفرض موقفٌ ضرريّ، وهو منفيٌّ بقاعدة لا ضرر.
نعم، لو قيل بأن الضرر الواقع في الخارج على الناس ليس ناتجاً عن حكم المولى، ولا يصحّ نسبته إليه بحال، وإنما نشأ الضرر من سوء اختيار المحتكر وإقدامه على حبس السلعة ـ وإنْ كنّا لا نسلِّم به لصحة نسبة الضرر إلى المولى فيما إذا شرَّع جواز الاحتكار ـ كان جوابه: إن حرمة الإضرار مستفادةٌ من الفقرة الثانية ـ لا ضرار ـ بناءً على أن مفادها النهي، لا النفي.
إلاّ أنه من الواضح أن قاعدة لا ضرر تكون مدركاً لتحريم الاحتكار في خصوص الموارد التي يتضرر بها المكلَّف، لا مطلقاً، بخلاف ما لو قلنا بحرمته الذاتية، فإن دائرة الأجناس المحتكرة تختلف من حيث السعة والضيق.
وقد خلصنا ممّا سبق إلى أنه لا موضوعية للأجناس المذكورة، وإنما هي طريق إلى كلّ ما يحتاجه الناس في كلّ زمان ومكان. وهذا الحكم هو ما يلحظه المولى عند تقديم الأهمّ النوعي (وهو رفع حاجة النوع) على المهمّ الشخصي، الذي هو رعاية حقّ المالك، عندما تتزاحم ملاكات الأحكام.
وجوه الحمل في الأخبار التي تعرَّضت للحصر، وقفةٌ نقدية
فإذا كان الاحتكار لا يختصّ بموارد معينة فلماذا حصرت الروايات المتقدّمة الاحتكار في بعضها دون البعض الآخر؟ وبعبارةٍ أخرى: فما هي الأوجه المحتملة التي يمكن تصوُّرها في المقام؟
هناك ثلاثة وجوه محتملة ذكرت في المقام([84])، وهي:
الوجه الأوّل: كون القضية في تلك الروايات قد جعلت على نحو القضية الخارجية، دون الحقيقية، بمعنى أن تلك الأشياء كانت عمدة ما يُحتاج إليها في عصر صدورها، دون غيرها من الأشياء الأخرى؛ لكثرة توفُّرها ووجودها، فلذلك كان الناس يعزفون عن احتكارها، أو فقُلْ: كان حبسها يضرّهم. وهذا ما يفسِّر ذكر الزيت في ما رُوي عن النبيّ‘، وتركه في ما رُوي عن أمير المؤمنين×.
الوجه الثاني: ما ربما ينسبق إلى الذهن من أن الخلفاء وعمّالهم في البلاد في عصر الإمام الصادق× كانوا يتعرّضون لأموال الناس تحت عنوان الحِكْرة؛ استناداً منهم إلى فتوى أبي حنيفة ومالك فقيهي العراق والحجاز. في حين أن الأشياء الخاصة لم تكن محلّ حاجةٍ شديدة، إلى الحدّ الذي يدخلها تحت عنوان الحِكْرة، والذي يجوّز تدخل الحكومة. فتصدّى الإمام× لردعهم عن ذلك، وتنبيههم على أن عملهم مخالفٌ للموازين الشرعية.
ومن ثمّ استظهر من لحن تعبير الروايات أن هناك مَنْ كان يصرّ على عموم الحِكْرة لجميع الأشياء، فلذا حكى الإمام قولي رسول الله وأمير المؤمنين؛ في سبيل إلزامهم، وهذا ليس إلاّ بياناً آخر لكون القضية خارجية، لا حقيقية.
الوجه الثالث: إن الحصر في تلك الروايات لم يكن صادراً منه× على نحو الحكم الشرعي الذي يعمّ كلّ زمان ومكان، وإنما هو حكمٌ ولائيّ خاصّ في ذاك العصر، وبالتالي يكون تعيين الموضوع من شؤون الحاكم بحسب ما يشخِّصه من حاجة الناس في عصره. وأضاف: إن مقتضى كون الشريعة الإسلامية سهلةً سمحاء تشريع الكلّيات الصالحة للانطباق في كلّ زمان ومكان، وتفويض تعيين الموضوعات الجزئية إلى الحكّام والولاة.
وجعل الشاهد على ذلك أمر أمير المؤمنين× مالكاً بالنهي، ومعاقبة مَنْ تخلَّف، مضافاً لأمر رسول الله بالإخراج والبيع، كما في خبر حذيفة([85]).
ويُلاحظ على ما أُفيد:
أوّلاً: ما ذكر من أن عمل الخلفاء وعمالهم كان يعتمد على فتوى أبي حنيفة ومالك في عصر الإمام الصادق× في غير محلِّه؛ لأن أبا حنيفة لم يكن له مذهب في حياته حتّى يعتمد من قبل الأمويين والعباسيين، بل كان معارضاً للدولة الأموية في أواخر عهدها، وحاول واليها إجباره على تولّي منصب القضاة، فلمّا أبى ضُرب بالسياط. وكان معارضاً للعباسيين فأُمر بتعذيبه أيضاً. وإنما انتشر مذهبه بعد مماته، وعلى يد تلميذه أبي يوسف، بعدما تقرّب من الخلفاء العباسيين، وعُين قاضياً؛ حيث توفي أبو حنيفة عام 150هـ، بينما توفي الصادق× عام 149هـ. ومع هذا كيف يمكن القول: إن الإمام الصادق عندما صدرت منه الروايات الحاصرة كان في مقام التصدّي والردّ على أبي حنيفة؟
وأما مالك فلم يكن مقرَّباً من العباسيين، بل لمّا وُشي به إلى جعفر بن سليمان العباسي، الذي كان والي المدينة، بأنه لا يؤمن ببيعتهم استدعاه، وجرَّده من ثيابه، وضربه أسواطاً، فانخلع كتفه.
أضِفْ إلى ذلك أن ما استظهر من لحن الروايات الحاصرة، وهو وجود مَنْ يصرّ على تعميم الحِكْرة، ظاهر البطلان، نقضاً وحلاًّ.
أمّا نقضاً فبرواياتٍ أخرى وردت بنفس التعبير، ومع ذلك لا يوجد ما يدلّ على وجود مخالفٍ، ولم يدَّعِ ذلك أحدٌ، من قبيل: ما رواه زرارة، عن أبي جعفر× أنه قال: «لا صلاة إلاّ بطهورٍ…»([86]). فاعتماد أسلوب الحصر في بيان الحكم أعمّ من ذلك، والنكتة من ورائه إفهام السامع والسائل حصر الحكم؛ كي لا يكرِّرا السؤال عن حكم حِكْرة موارد أخرى، فينقطع به.
أمّا حلاًّ فإنّ بعض الروايات الحاصرة رواياتٌ نبوية، والبعض الآخر منها منسوبٌ إلى أمير المؤمنين×. نعم، باستثناء موثَّقة غياث بن إبراهيم؛ فقد رواها الشيخ الطوسي، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله×([87])، ولكنْ رواها الصدوق، عن جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر×، بنفس السند، فقال: رُوي عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه×([88]). فبالنتيجة جميع هذه الروايات منسوبةٌ إلى غير الإمام الصادق×، ولم تصدر عنه ابتداءً.
ثانياً: إن الوجه الأخير لا يصلح وجهاً مستقلاًّ في مقابل الوجهين الآخرين، بل يتعين بعد صحّة أحدهما على الأقلّ، وهو كون الحكم قد صدر من المعصوم على نحو القضية الخارجية في ذاك الزمن الذي قد يتغيّر نظراً لاختلاف حاجة الناس، وهذا يلزم منه أن تشخيص موضوعات الحِكْرة من شؤون وصلاحيّات الوالي.
نعم، لا بُدَّ من الإشارة إلى أن تشخيص الوالي ليس إلاّ عبارة عن طريق وكاشف عن الواقع، فيؤخَذ بقوله باعتباره من أهل الخبرة؛ بحيث لو شهد أهل الخبرة بأن بعض الأشياء لا يكفي وجودها في السوق بحاجة الناس لحرم احتكارها، سواء منع عنها الوالي أم لا. فإنْ أراد هذا المعنى فكلامُه متينٌ وقويّ، وإلاّ فلا.
فتحصَّل بذلك أن الروايات الحاصرة لم تصدر من الإمام الصادق× للردّ على أبي حنيفة ومالك؛ لأنها منسوبةٌ إلى غير الإمام الصادق. مضافاً إلى كونهما لم يكونا مقرّبين من الدولة الأموية والعباسية.
استخلاصٌ واستنتاج
وقد ظهر لك ضعف النظرية القائلة بكراهة الاحتكار، وقوّة النظرية القائلة بالتحريم.
وإن موضوع الاحتكار عامٌّ لكلّ ما يشكّل حاجة نوعية لعامة الناس التي تقوم عليه حياتهم ومعاشهم، وتعتبر من العناصر الأساسية التي يتوقّف عليها نظام اجتماعهم.
ولا يختصّ بجنسٍ خاصّ من الأطعمة، بل تختلف باختلاف الزمان والمكان والأعراف. ويشمل غير الطعام أيضاً، من قبيل: آلات النقل والبناء وغيرها؛ وذلك استناداً لعموم الحيثية التعليلية الارتكازية، الواردة في ذيل صحيحة الحلبي، وهي قوله×: «وإنْ كان الطعام قليلاً لا يَسَع الناس فإنّه يكره أن يحتكر، ويترك الناس ليس لهم طعام».
هذا، مضافاً إلى قاعدة نفي الضرر في حال فرض عدم توفُّر أدلة دالّة على الشمول بالعنوان الأوّلي. وهذا موافقٌ للقاعدة، وهو تقديم المهمّ النوعي على المهم الشخصي.
وأما ما صدق عليه عنوان التَّرَف فلا يحرم احتكاره، وهي الأمور التي يقتنيها ويأكلها الخاصّة، وهم الأغنياء، دون عامّة الناس، من قبيل: أطعمة التَّرَف التي لا تتوقَّف عليها حياة الناس المتعارف عليها، أو آلات النقل باهظة الثمن وغيرها من الأشياء الأخرى.
وقد تبين أن الحصر بالغلاّت الأربع وغيرها، الذي جاء في بعض الروايات، حصرٌ إضافي لا مفهوم له في نفي الاحتكار عن غيرها. وعليه فتحمل على كونها الأشياء التي كانت محلّ حاجة لدى الناس في ذاك الوقت، وأن ذكرها من قِبَل الإمام كان من باب كونها طريقاً إلى ما يحتاجه الناس في كلّ زمان ومكان.
مفهوم الاحتكار في النظام الاقتصادي الرأسمالي
عرف الاحتكار (monopoly) في الاصطلاح الاقتصادي بأنه انفراد شخص أو عدّة أشخاص أو مشروع في عملٍ معين.
والاحتكار تارةً يتحقّق في البيع؛ وأخرى في الشراء.
فاحتكار البيع هو الانفراد في إنتاج سلعة معينة ليس لها بديل، وبيعها، كما لو احتكرت شركةٌ ما إنتاج دواء معين، أو وسيلة للنقل.
وأما احتكار الشراء فكما لو احتكرت الدولة أو شركة صاحبة امتياز عام شراء سلعة([89]).
ويتحقَّق الاحتكار عندما تختلّ بعض شرائط المنافسة الكاملة في السوق، فكان لا بُدَّ من التعرُّف على تلك الشرائط.
سوق المنافسة الكاملة
يتحقّق سوق المنافسة الكاملة متى توفّرت الشرائط الخمس التالية:
أـ التجانس بين وحدات السلعة (تجانس المادة)
ويقصد بالتجانس أن تكون السلعة التي تنتجها كافّة المشاريع غير مختلفة في شكلها، وأسلوب تقديمها من بائعٍ إلى آخر، من وجهة نظر المستهلك، فتتساوى مع مثيلاتها، من حيث قدرتها على إشباع حاجته، فلا يتعاقد البائع والمنتج مع مشترٍ معين؛ لاقتدار الجميع على دفع الثمن.
ب ـ تعدُّد البائعين والمشترين
يشترط وجود عددٍ كبير من البائعين والمشترين للسلعة المفترضة، بحيث تكون حصة كلّ مشترٍ أو بائع منتج ضئيلة، قياساً مع جميع السلع المعروضة، ممّا يعني أن أحداً لن يتمكّن من التحكم بالكمية المطلوبة أو المنتجة. فلو حاول أيُّ فردٍ رفع الثمن سيخسر المشترين؛ لأنهم سيشترون السلعة بالثمن السائد من بائعٍ آخر، فيتوحّد الثمن حينئذٍ.
ج ـ علنيّة السوق
ويُراد بهذا الشرط أن يكون جميع المشترين والبائعين عالمين بالثمن السائد في السوق. مضافاً إلى علمهم بظروف عرضها وطلبها. وينتج من هذا الشرط نتيجتان:
1ـ عدم قدرة البائعين على زيادة ثمن السلعة؛ لأنّ المشترين على علمٍ بالثمن السائد في السوق، فيضطر للبيع بالقيمة المتعارفة.
2ـ عدم قدرة المشتري على دفع ثمن أقلّ من ثمن السلعة؛ وذلك لعلم البائعين بالثمن المتعارف.
د ـ حرّية الدخول والخروج من السوق
ويقصد بها أنّ لكل فرد الحرّية المطلقة في دخول السوق وإنتاج أيّ سلعة يريد، دون أن تواجهه عوائق قانونية، اقتصادية أو إدارية، أو اتّفاق بين الأطراف على رسم سياسة معينة، كتحديد الثمن وتوزيع الأسهم. وتشمل حرّيةُ الدخول حرّيةَ انتقال عوامل الإنتاج بين فروع الإنتاج، والحصول على المواد الأوّلية والخبرات الفنية اللازمة.
هـ ـ سيوبة السوق
وهي سيوبة العرض والطلب؛ أي إن بإمكان كلّ مشترٍ التواصل مع أيّ بائع شاء، وكذلك العكس بالنسبة إلى البائع. فلا قيود مفروضة تحول دون التواصل بين الطرفين.
سوق الاحتكار الكامل
يمثّل سوق الاحتكار الكامل طرف النقيض مع سوق المنافسة الكاملة، فلا تجد فيه أيّ أثر للمنافسة من جهة البائع والمشتري:
أـ من جانب البائع: يتحقّق الاحتكار الكامل من جهته إذا توفَّرت الشرائط التالية:
1ـ انتفاء التجانس: عدم وجود سلعة أخرى قادرة على إشباع رغبة المشتري.
2ـ وجود منتج (بائع) واحد: عدم وجود منتج آخر للسلعة. ويترتّب عليه قدرة البائع على احتكار المنتج، وبيعه بالثمن الذي يريد.
3ـ انتفاء شرط العلم الكامل بظروف السوق: فلا عبرة بالعلم بظروف السوق؛ لأن المحتكر وحده الذي يمثّل الإجمالي العام للإنتاج، فله تحديد الثمن، بعيداً عن انسجامه مع ظروف السوق والمستهلك؛ لاضطراره للشراء على كلّ حال.
4ـ السوق مغلق: لا يقدر أيّ مشروع على الدخول في السوق؛ نتيجة العوائق التي تكفل للمحتكر السيطرة عليه. هذا مضافاً إلى أن إيقاف المحتكر الإنتاج يساوي انعدامه كلّياً؛ لانتفاء البديل.
ب ـ من جانب المشتري: يتحقّق الاحتكار الكامل من جهته إذا لم يكن هناك مشتر آخر، ممّا يتيح له القدرة على التأثير في الثمن على اختلاف الكمّية التي يطلبها منها. وهذا النوع من الاحتكار يمكن تحقُّقه في فرض وحدة البائع أو تعدُّده، فيشترك من هذه الجهة مع الاحتكار الكامل من جانب البائع.
سوق المنافسة الاحتكارية
هذا النوع من السوق تجتمع فيه بعض شروط المنافسة الكاملة، وبعض شروط الاحتكار الكامل. فينظم السوق من جهة البائعين إذا توفّر الشرطان التاليان:
الشرط الأول: تعدُّد البائعين (المنتجين للسلعة)
إذا تعدّد المنتج يقدِّم حينئذٍ كثير من البائعين السلعة إلى المستهلكين، ولن يؤثِّر في تحديد الثمن، ولا في نسبة إجمالي الكمية المنتجة أو المعروضة من السلعة.
الشرط الثاني: انتفاء التجانس
تختلف وحدات السلعة المعروضة من قبل المنتجين والبائعين في نظر المستهلك الذي يقدر على التمييز بينها تَبَعاً لقدرتها على إشباع رغبته. والمعيار في تمييزه إمّا أن يقوم على أساس صفات موضوعية من حيث المتانة والجودة؛ أو على أساس صفات ظاهرية يوجدها البائع في ذهن المستهلك، عبر التسويق الإعلاني، وحسن طريقة العرض، والخدمة، وجودة التغليف، والأمانة.
1ـ سوق احتكار القلّة (oligopoly)
ويقصد به وجود عدد قليل من بائعي السلعة المعروضة أو منتجيها، وعدد قليل من المشترين لها. ويترتَّب على هذا الفرض قدرة المشترين على تحديد الثمن والتأثير في تحديد نسبة الكمّية المطلوبة. واحتكار القلّة يمكن صدوره من جهة البائعين أو المشترين:
أـ احتكار القلّة من جانب البائعين
يتميّز هذا النوع من السوق بوجود عددٍ قليل من البائعين أو المنتجين، بحيث يكون لكلٍّ منهم القدرة على تحديد الثمن والكمية المنتجة أو المعروضة. فالكمية المعروضة من كلّ بائع تشكّل جزءاً أساسياً من إجمالي الكمية الموجودة في السوق. فمتى قرّر بعضهم تحديد الثمن والكمية المطلوبة فإنّه يعلم بأن الآخرين سيتّخذون القرار نفسه.
وفيه ينتفي التجانس الكامل بين السلع، رغم تشابه خصائصها الجوهرية، ولكنها تختلف في الغالب من جهة الشكل. ولا بُدَّ من توفُّر شرط العلم بظروف السوق من قبل البائع. وأما بالنسبة لشرط الدخول والخروج من السوق فهو متحقِّق بصورة محدودة جدّاً؛ وذلك لأن كلّ مشروع يصمّم الدخول في إنتاج السلعة المفترضة سيواجه عوائق مادية وقانوية عديدة.
ب ـ احتكار القلّة من جانب المشتري
يتميّز هذا النوع من السوق بمحدودية المستهلكين، وتحديد الثمن والكمية المطلوبة من السلعة؛ لأن لكلّ مشترٍ جزءاً هامّاً من إجمالي الطلب الكلي، فينتج عنه أن كلّ مشترٍ يريد اتخاذ قرار معين بشأن الكمية المطلوبة أو الثمن يأخذ بالحسبان ما سيقدم عليه المشترون الآخرون من اتخاذ القرار نفسه. وهذا يفرض على المشترين العلم بظروف السوق.
2ـ الاحتكار البسيط
الاحتكار البسيط هو انفراد منتج أو عارض واحد لسلعةٍ يوجد لها بديلٌ قريب، وهذا يعني أن المحتكر يواجه منافسة ليست بشديدة من السلع الأخرى. وبهذا يتّضح الفرق بين الاحتكار البسيط والاحتكار الكامل؛ إذ إن العارض في النوع الأول يواجه منافسة غير شديدة، بينما العارض في النوع الثاني لا يواجة أيّ منافسة على الإطلاق.
مقارنة بين مفهومي الاحتكار الإسلامي والاحتكار الرأسمالي
من خلال المقارنة بين هذين المفهومين، وتحديد أوجه الشبه والاختلاف بينهما، يظهر ما يلي:
يمتاز مفهوم الاحتكار الإسلامي بعدّة خصائص عن مفهوم الاحتكار في النظام الاقتصادي الرأسمالي، وهي:
1ـ محدودية الموارد المحتكرة، أي محدودية الموارد التي يجري فيها الاحتكار، وإنْ اختلفت فيما بينها من حيث السعة والضيق، وكونها ضرورية أو لا.
2ـ طلب الزيادة في الثمن. فقد اعتبر كثيرٌ من الفقهاء كون حبس السلعة بغرض طلب الزيادة في الثمن شرطاً في تحقُّق الاحتكار. وهذا العامل مشتركٌ بين المفهومين.
3ـ عدم وجود المقدار الكافي لعامة الناس.
4ـ محدودية الزمن: اشترط بعض الفقهاء في صدق الاحتكار تحقّقه بعد مدة زمنية معينة. هذا ما يراه بعض الفقهاء. وعلى مَنْ لا يراه من الفقهاء يتّفق مع الرأسمالي.
5ـ تملُّك السلعة بالشراء خاصّةً، وإلاّ لما تحقَّق الاحتكار.
6ـ حبس السلعة: تحقّق الاحتكار في خصوص حبس السلعة بعيداً عن متناول الأيدي، بخلاف مختار السيد الخوئي، فيتوافق بذلك مع النظام الرأسمالي.
مفهوم الاحتكار في النظام الاقتصادي الرأسمالي
بينما يمتاز مفهوم الاحتكار في النظام الاقتصادي الرأسمالي بعدّة خصائص، وهي:
1ـ شمولية الاحتكار لجميع الموارد: يجري الاحتكار في جميع الموارد المفترضة، مع قطع النظر عن كونها ضرورية أو غير ضرورية، فهي غير مختصة ببعض الأجناس دون البعض الآخر.
2ـ عدم العلم الكامل بظروف السوق: فلو علم المشتري والبائع بظروف السوق فلا يتحقّق احتكارٌ في البين؛ لأن المشتري على علمٍ كامل بالسعر، وبالتالي لن يقدم على شراء السلعة بأغلى من الثمن المتعارف عليه. وكذلك بالنسبة إلى البائع فإنّه لن يبيع بأقلّ منه.
3ـ عدم اعتبار حبس السلعة عن أعين الناس: يتحقّق الاحتكار سواء حُبست السلعة بعيداً عن أعين الناس أو وُضعت في متناول أيديهم.
5ـ يتحقق الاحتكار حتّى في فرض وجود منتجٍ واحد، أو بائع واحد، أو مشتر واحد، يبيع بسعر يساوي القيمة االسوقية الواقعية للسلعة.
2ـ يعتبر عدم التجانس الكامل أو الجزئي بين السلع، أو وجود بديلٍ قريب لها: يتحقّق الاحتكار في ظلّ عدم توفُّر التجانس الكامل بين السلع، أو الاختلاف الخارجي الذي يتمثل في اختلاف الشكل والصورة، مع الاشتراك في الجوهر. ويتحقق أيضاً عند انفراد المنتج أو البائع لسلعةٍ لها بديل قريب، الذي يصطلح عليه بالاحتكار البسيط.
اعتبار وحدة التجانس بين السلع
يتحقّق الاحتكار إذا كانت السلع من جنسٍ واحد، فيحرم احتكار الغلاّت الأربع مثلاً، سواء وجد لها بديلٌ قريب أم لا. فهذه الأجناس بذاتها يحرم احتكارها، وإنْ تمكّن الناس من شراء طعامٍ آخر.
وكما ترى فإنه لا يوجد إلاّ عامل واحد مشترك بين مفهومي الاحتكار الإسلامي والرأسمالي، وهو الشرط السادس على بعض معاني حبس السلعة.
ولا يتحقّق الاحتكار الشرعي في جميع أنواع الاحتكار في النظام الرأسمالي، حتّى في سوق الاحتكار الكامل، فضلاً عن الأنواع الثلاثة الأخرى، ما دام هذا البائع والمشتري الواحد يؤمّنان للناس ما يكفيهم من السلعة المفترضة.
نعم، يحرم عليهم شرعاً منع البائعين والمشترين الآخرين من شرائها وبيعها. وإنما يحرم من جهة كونه ظلماً للآخرين. فهذا حكمٌ تكليفي آخر لا علاقة له بالاحتكار.
اللهمّ إلاّ إذا قلنا بأن للمنتج حقّ براءة الاختراع، فلا يصحّ إقدام أحد على إنتاج تلك السلعة، ولكنْ ليس لأحد منع الآخرين من شرائها، وحصر البيع والشراء بأحدٍ دون غيره.
ومن الملاحَظ أنه أخذ في مفهوم الاحتكار في النظام الاقتصادي الرأسمالي انعدام عنصر المنافسة الكاملة، ولو بانتفاء بعض شرائطها، يعني بنسبة معينة، سواء انعدمت كاملة أو ناقصة تصل في أدنى مستوياتها مع الاحتكار البسيط. وهذا ما صرح به في تعريف الاحتكار، كما تقدّم.
ولكنْ لم يؤخَذ عنصر المنافسة وعدمها في تحقُّق مفهوم الاحتكار في النظام الاقتصادي الإسلامي على الإطلاق، وإنّما أخذ السعة وعدم السعة من تلك السلعة التي يحرم احتكارها، في ظلّ توفر شرائط أخرى. فهذا هو قوام تحقُّق مفهوم الاحتكار في الإسلام لا غير.
الهوامش
(*) كاتبٌ وأستاذٌ في الحوزة العلميّة. من لبنان.
([1]) ابن فهد الحلّي، المهذب البارع 2: 370.
([2]) التنقيح 2: 42؛ العاملي، مفتاح الكرامة 4: 107.
([3]) الأنصاري، حاشية المكاسب: 139 ـ 140.
([5]) كـ: أبي بكر الكاشاني، بدائع الصنائع 5: 129؛ المرغياني، الهداية 4: 68.
([7]) الصدوق، المقنع: 372؛ الطوسي، النهاية: 374؛ ابن إدريس، السرائر 2: 238؛ العلاّمة الحلّي، مختلف الشيعة 5: 40؛ المحقّق الحلّي، شرائع الإسلام 2: 275؛ عليّ بن محمد القمّي، جامع الخلاف والوفاق: 279؛ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 3: 193؛ السبزواري، كفاية الأحكام 1: 422.
([8]) الصدوق، المقنع: 372؛ النراقي، مستند الشيعة 14: 49؛ الطباطبائي، رياض المسائل 8: 173.
([9]) الطوسي، المبسوط 2: 195؛ ابن حمزة الطوسي، الوسيلة: 260؛ العلاّمة الحلّي، تذكرة الفقهاء 12: 166؛ مجمع الفائدة والبرهان 8: 20؛ الكركي، جامع المقاصد 4: 40.
([10]) الشهيد الأول، اللمعة الدمشقية: 110؛ الدروس الشرعية 3: 180؛ العاملي، مفتاح الكرامة 12: 356.
([13]) الكلبايكاني، هداية العباد 1: 347؛ زين الدين، كلمة التقوى 4: 27، مسألة 49؛ منتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 2: 644 ـ 666؛ محمد مهدي شمس الدين، الاحتكار في الشريعة الإسلامية: 140؛ عبد الأعلى السبزواري، مهذّب الأحكام 16: 34.
([14]) ابن قدامة، المغني 4: 283؛ البهوتي، كشف القناع 3: 216؛ ابن قدامة، الشرح الكبير 4: 47.
([15]) النووي، المجموع 13: 44؛ الشربيني، مغني المحتاج 2: 38؛ البكري، إعانة الطالبين 3: 31؛ الرعيني، مواهب الجليل 6: 1.
([17]) بدائع الصنائع 5: 129؛ ابن عابدين، حاشية ردّ المختار 6: 717؛
([18]) الخوئي، مصباح الفقاهة 5: 497 ـ 498؛ السيستاني، منهاج الصالحين 2: 19 ـ 20؛ هداية العباد 1: 347.
([19]) الكافي 5: 146، باب الحِكْرة، ح6.
([20]) سنن الدرامي 2: 248، باب في النهي عن المنكر.
([21]) مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 267، باب غلاء الأسعار ورخصها، ح3962.
([22]) كنـز العمال 4: 182، كتاب البيع، باب 3، ح10068.
([23]) صحيح مسلم 5: 56، باب النهي عن الحلف في البيع، ح10069.
([25]) البيهقي، السنن الكبرى 6: 30؛ مستدرك الحاكم، ج2، باب 11 من كتاب البيوع، ح9720؛ الطبراني، المعجم الكبير 8: 188؛ ابن شيبة، المصنف 5: 47.
([26]) المستدرك 2: 11؛ مسند أحمد 2: 33.
([27]) كنـز العمال 4: 100، باب الاحتكار، ح9734.
([28]) المصدر السابق 4: 97، كتاب البيوع، ح9720؛ السيوطي، الجامع الصغير (مع شرحه فيض القدير، للمناوي) 6: 35.
([29]) سنن ابن ماجة 2: 729، باب الأجر على تعليم القرآن، ح2150.
([31]) سؤالات الآجري لأبي داوود سليمان بن الأشعث 2: 27
([32]) ابن حزم، المحلّى 9: 64.
([33]) العيني، عمدة القاري 11: 249.
([34]) تقدم في مناقشة الشرط الأخير في الاحتكار، وهو الحدّ الزماني، وكانت الرواية الثالثة.
([35]) تقدم في مناقشة الشرط الأخير أيضاً في الاحتكار، وكانت الرواية الثانية.
([36]) الدمياطي، إعانة الطالبين 3: 31.
([39]) معجم مقاييس اللغة 3: 410 ـ 411.
([41]) وسائل الشيعة 20: 15، كتاب النكاح، باب 1 من أبواب مقدمات النكاح، ح8.
([42]) المصدر السابق 27: 426، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح1.
([43]) الكافي 5: 164، باب الحِكْرة، ح3.
([44]) الاحتكار في الشريعة الإسلامية: 120.
([45]) وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، باب 3 من أبواب الوضوء، ح8؛ سنن الترمذي 1: 156، باب 183، ح274.
([46]) الأحسائي، عوالي اللآلي، ج2، باب الصلاة، ح13؛ سنن الترمذي: 156، باب ما جاء أنه لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب، ح247.
([47]) وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، باب 2 من أبواب القيام، ح2.
([48]) وسائل الشيعة 27: 424، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح2.
([49]) الخوئي، مصباح الفقاهة 5: 430 (تقريرات السيد الخوئي، بقلم: الميرزا محمد علي التوحيدي).
([50]) وسائل الشيعة 17: 425، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح4.
([54]) دعائم الإسلام 2: 35، كتاب البيوع والأحكام فيه، ح78.
([57]) المصدر السابق: 420؛ اختيار معرفة الرجال 2: 597؛ الفهرست: 256.
([63]) روضة الطالبين 3: 78؛ عبد الكريم الرافعي، فتح العزيز 8: 216 ـ 217؛ وغيرها من الكتب الأخرى.
([64]) المغني 4: 283؛ الشرح الكبير 4: 47؛ وآخرون أيضاً.
([65]) حاشية ردّ المختار 6: 717 ـ 718.
([67]) الإمام مالك، المدوّنة الكبرى 4: 291.
([70]) نهاية الأحكام 2: 514؛ تذكرة الفقهاء 12: 166.
([71]) الشهيد الثاني، مسالك الأفهام 3: 192
([72]) البحراني، الحدائق الناضرة 18: 62.
([75]) الخوئي، معجم رجال الحديث 14: 250 ـ 253.
([77]) الخوئي، منهاج الصالحين 2: 13.
([78]) وسائل الشيعة 27: 424، كتاب التجارة، باب 27 من أبواب آداب التجارة، ح2.
([79]) استدلّ بعموم هذا التعليل الشيخ منتظري في كتابه نظام الحكم في الإسلام: 389؛ وتبعه الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه الاحتكار في الشريعة الإسلامية: 135.
([81]) استدل بعموم هذا التعليل الشيخ منتظري في نظام الحكم في الإسلام: 389؛ وتبعه في ذلك الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه الاحتكار في الشريعة الإسلامية: 136 ـ 137.
([82]) بحوث في علم الأصول 5: 491.
([83]) العروة الوثقى 6: 115، ملحقات العروة، مسألة 33.
([84]) دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 2: 646 ـ 648.
([85]) وسائل الشيعة 17: 429، كتاب التجارة، باب 29 من أبواب آداب التجارة، ح1.
([86]) وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، باب 9 من أبواب وجوب الاستنجاء للصلاة، ح1.
([88]) مَنْ لا يحضره الفقيه 3: 360.
([89]) يراجع: الدكتور سمير حسّون، كتاب مبادىء الاقتصاد السياسي المعاصر: 257؛ الموسوعة العربية الموسوعة العربية الاحتكار (ENCYCLOPEDIA):
www.arabـency.com/index.php?…pnEncyclopedia
ويراجع: الدكتور ميثم عبد الكريم شعبان، كتاب الاقتصاد السياسي، الفصول التاسع والعاشر والحادي عشر.