حيدر حبّ الله([1])
تحرير وتنظيم بقلم: الشيخ سعيد نورا
المدخل
سوف نتحدّث ـ إن شاء الله تعالى ـ عن بعض الضوابط الأخلاقيّة والشرعيّة للعمل الإعلامي والصحفي، وهذا الموضوع يرتبط بما يُسمّى: أخلاق المهنة أو أخلاق العمل؛ فكلّ مهنةٍ أو عمل محكوم لضوابط ومعايير أخلاقيّة، ونريد أن نعرف ما هي المعايير الأخلاقيّة المتوقّعة للعمل الإعلاميّ؟ هل هو متحرّر من الأساس من أيّ معيار أخلاقي أو أنّ هناك معايير تحكمه؟ ثمّ ما هي المعايير الشرعيّة التي ينبغي عليه الالتزام بها؟ وهل هو متحرّر من المعايير الشرعيّة الدينيّة أو لا؟
لو فتحنا الرسائل العمليّة للفقهاء أو كتب الفقه الإسلاميّ، فإنّنا لا نجد باباً تحت عنوان الإعلام؛ لأنّ الفقه مقسّم بتقسيمٍ معروف يعود إلى فترة زمنيّة سابقة، ولم يقسّم الفقه السائد وفق الواقع الحياتي اليوم حتى نتوقّع منه أن يحمل فقه الإعلام أو العلاقات الدوليّة أو فقه المرأة بحسب الواقع الموجود، لكن إذا نظرنا في كلمات الفقهاء في بحوثهم المختلفة واستفتاءاتهم فقد نستطيع أن نأخذ مجموعة من النقاط التي تتعلّق بالعمل الإعلاميّ، وأقترح أيضاً بهذه المناسبة ـ وخطابي موجّه إلى الإعلاميين المتخصّصين ـ تدوين أيّ حدث يقع مع الصحفيّ أو مع رئيس التحرير أو أيّ نشاط يتعلّق بأيّ قضيّة إعلاميّة وإشكاليّة أخلاقيّة أو فقهيّة، ومن ثمّ إرساله إلى الفقهاء والأخلاقيّين، حتى نزيد من رصيد الوعيّ الفقهيّ عموماً أو الأجوبة الفقهيّة عموماً في هذا النوع من العمل الذي هو عمل قيّم وثمين، وربما بعد ذلك نستطيع أن نحصل على عدد كبير من المواقف الفقهيّة التي تضبط حركة الإعلام أو الصحافة ضمن الإطار الشرعيّ أو الأخلاقي.
ولا بأس أن اُشير هنا إلى أنّ بعض الفقهاء اشتغل على بعض القضايا المتعلّقة بالإعلام من الناحية الفقهيّة، وأذكر على سبيل المثال ما بحثه السيد محمد صادق الروحاني حول حقّ امتياز نشر الأخبار، وذلك في كتابه المعنون بـ (فقه المسائل المستحدثة)، ولكنّها ما تزال جهوداً محدودة، ونأمل أن تفتح دروس البحث الخارج والدراسات العليا في الحوزات العلميّة والمعاهد الدينيّة أبوابها لتناول فقه الإعلام من مختلف زواياه وقضاياه العصريّة.
ولكي أنظّم كلامي سوف أقسّم البحث في هذا الموضوع إلى محورين:
المحور الأول: الإطار الأخلاقي العام
المحور الثاني: الضوابط الأخلاقيّة والشرعيّة
في المحور الأول سوف نتحدّث عن أربع نقاط أساسيّة حول الإطار الأخلاقي العام الذي يحكم العمل الإعلامي، لكن في المحور الثاني سوف ندخل في التفاصيل أكثر ونتحدّث عن بعض الضوابط الأخلاقيّة والشرعيّة لهذا العمل، والتي استخرجناها من ثنايا البحوث الفقهيّة والأخلاقيّة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ البحث حول الضوابط الأخلاقيّة والشرعيّة للعمل الإعلاميّ يمكن أن يقع بوصفها جزءاً من الإطار الفقهيّ الشرعيّ الإلزامي، كما ويمكن إيقاعه تحت الإطار الأخلاقيّ الذي ربما لا يكون إلزاميّاً بالمعنى الفقهيّ للكلمة.
المحور الأول: الإطار الكلّي الذي يحكم العمل الإعلاميّ عموماً
في سياق هذا الإطار العام، يمكن اختصار البحث في نقاطٍ أربع:
1 ـ أداء حقّ الناس في معرفة الحقيقة المعنيّين بها
كلّ مواطن معنيّ بمجموعة من الحقائق التي تمسّ حياته الشخصيّة والاجتماعيّة، ومن حقّه أن يعرف الحقائق التي تعنيه لاسيما في الإطار الاجتماعيّ والسياسيّ العام؛ لأنّها تمسّه وقد يعود واقعها عليه بالضرر أو بالنفع، فهو معنيّ بمعرفة مجموعة من الحقائق التي تدور من حوله على صعيد الاجتماع السياسي وعلى صعيد القضايا العامّة؛ والعمل الصحفي والإعلاميّ هو في نهاية المطاف تعبير عن أداء حقٍّ من حقوق الناس في أن يعرفوا ما الذي يجري من حولهم وكيفيّة وقوع القضايا التي تعنيهم وما هو وجهها، فإذاً الإطار الأوّل إطار حقوقيّ.
2 ـ ضرورة التواصل بين الثقافات
إيجاد التواصل بين الناس والشعوب والثقافات والمذاهب والأديان والملل والأقوام؛ فإنّ معرفة كلّ واحداً منّا الآخر على المستوى الفرديّ والاجتماعي والسياسي هو جزءٌ من مبدأ التعارف، ويحتاجه الناس في حياتهم اليوميّة أيضاً، فإذاً الإطار الثاني هي حاجة إنسانيّة اجتماعيّة عامّة.
3 ـ تكريس مبدأ حريّة التعبير
تكريس مبدأ حريّة التعبير وتناقل المعلومات في مقابل مبدأ الحظر من حريّة التعبير ومن تناقل المعلومات إلا عبر قنوات خاصّة، والعمل الصحفيّ والإعلاميّ هو عمل يكرّس هذه الحريّة ويعطي الإنسان الحقّ في أن يعبّر عمّا يجري من خلال الصحافة والإعلام، حيث إنّ هذا الأمر حقّ طبيعيّ منحته الشريعة الإسلاميّة من جهة ومنحه إيّاه الحق الطبيعيّ الذي جاء على أساسه من جهة أخرى.
4 ـ تحقيق المصلحة العامّة
إنّ الأعمال الإعلاميّة جاءت لتحقيق المصالح العامّة للناس، وأهمّ المصالح العامّة لهم هي: كسر استغلال السلطة واحتكارها بيد جماعة مستبدّة لا تعطي للآخرين حقوقهم الطبيعيّة، والعمل الإعلامي بوصفه «سلطة رابعة» في الاجتماع الإنساني، بإمكانه أيضاً أن يحقّق هذه المصلحة العامّة، ويؤدّي إلى شكل من أشكال تداول السلطة بكلّ معاني السلطة المستخدمة.
المحور الثاني: الضوابط الأخلاقية والشرعية للعمل الإعلامي والصحفي
قلنا في بداية الكلام أنّه لا يوجد عنوان مستقلّ لهذا البحث في الكتب الفقهيّة أو الأخلاقيّة، ومن هنا سوف نحاول استخراج هذه الضوابط من مجموع المواقف الفقهيّة والأخلاقيّة في تراثنا الإسلاميّ، والتي يمكن أن تصلح بوصفها مبادئ وموجِّهات للعمل الإعلامي، ونقتصر في هذه المناسبة على ذكر سبعة مبادئ أساسيّة، هي:
المبدأ الأوّل: الصدق
وهو مبدأ واضح وبديهيّ، ويقع في مقابل الكذب. ومن الواضح أنّ الشريعة الإسلاميّة قد حرّمت الكذب، ولا يختصّ استخدام الكذب في الحياة الفرديّة، بل هو أكثر خطورة وأهميّة حينما يستخدم في الحياة العامّة، فالكذب حرامٌ وتلفيق الشائعات حرام.
إنّ اختراع وسيلة إعلاميّة لحدثٍ وهميٍّ، ومن ثمّ القيام بنسجه بأحدث الوسائل العصريّة، بهدف إلقائه على الرأي العام لتضليله، هو أمرٌ محرّم من الناحيّة المبدئيّة، ولا يوجد له أيّ مبرّر شرعيّ ولا أخلاقيّ.
بل قد ألحق الفقه الإسلاميّ توصيف الشخص بوصف دون أن يُعلم بثبوته حقيقةً وعدم ثبوته بالكذب من الناحية الحكميّة على الأقلّ، كما إذا اتّهم الإنسانُ شخصاً بالسرقة من دون أن يعلم بأنّه السارقُ حقيقة، أو كما في موضوع التقوّل على الله من دون علم، فإنّ الكثير من الفقهاء يلحقون القول بغير علم بالكذب ـ حكماً على الأقلّ ـ في رأي معروف لهم، نعم قد لا يكون الأمر كذلك من الناحيّة الدقيّة كأن يكون ذلك الشخص سارقاً حقيقة، لكن حيث إنّه لا يعلم بسرقة هذا الرجل فإنّ النسبة إليه بنحو الجزم من دون أن يعلم ويملك المعطيات الكافية غير سديدة.
ليست المشكلة الوحيدة في العمل الإعلاميّ هي تلفيق الشائعات والأخبار مع العلم بعدم وجود مضمونها خارجاً، بل إنّ نسبة الخبر ـ بنحو اليقين والجزم والقطع ـ إلى الواقع والحقيقة، من دون تفحّص، هو الآخر أمرٌ مشكل من الناحية الشرعيّة، وحينما لا يعرف الإنسان صدقَ الأخبار وكذبها ويريد أن يجعل ذمّته بريئةً أمام الله عزّ وجلّ فلابد له من التدقيق في الجملة التي ينقل عبرها الخبر، كأن يقول: نُقل كذا وكذا، أو يُتداول كذا وكذا، أو نقلت الوكالة الفلانيّة كذا وكذا، أو يُشاع كذا وكذا، وبهذا النوع من التعبير يمكن للإنسان أن يُخرج نفسه من المسؤوليّة.. أمّا الجزم بمطابقة الخبر للواقع من دون التأكّد من ذلك ـ فضلاً عن التأكّد بعدم المطابقة ـ فهذا مشكلٌ شرعاً وهو من مصاديق الكذب أو من مصاديق القول بغير علم، وهما معاً محرّمان في الشريعة الإسلاميّة عند الكثير من الفقهاء.
فالمبدأ الأول هنا هو مبدأ الصدق مقابل الكذب، ويلحق به ـ ويهمّني هذا الإلحاق هنا ـ نشر الإعلام الأخبار بنحو الجزم دون علم بمديات صحّتها في واقع الأمر، وفي مثل هذه الحالة ينبغي اختيار الكلمات المناسبة التي لا توقعنا في الكذب أو في اختلاق الأخبار أو في نقل ما لا يجوز نقله؛ لأنه لا يُعرف وقوعُه من عدم وقوعِه.
ومع الأسف الشديد، هناك بعضُ الناس يعتقدون بأنّه ما دام الإنسان إعلامياً أو صحفيّاً، فيجب عليه التحرّر من القيم الأخلاقيّة؛ لأنّ عدم تحرّره يساوي فشله الإعلامي، وأنّه إذا كانت بداية العمل الإعلامي مقيّدةً بهذه الطريقة فلابد من إغلاق الكثير من الصحف والفضائيّات ووكالات الأنباء؛ إذ من المستحيل امتلاك المعلومات المؤكّدة بكلّ الأخبار التي يقوم الكادر الصحفيّ بنقلها، ومع عدم جواز نقل الخبر دون التأكّد منه، فهذا يعادل إغلاق العمل الصحفيّ، الأمر الذي يشكّل أزمةً كبيرة، خاصّة للإعلاميّين الملتزمين بالضوابط الدينيّة.
لكن الذي تقرّره المبادئ الأخلاقيّة هو ضرورة صياغة الخبر بطريقة لا تُعطي إيحاءً جزميّاً في حالة عدم الوقوف على واقع الخبر وثبوته، ولعلّ هذا لن يوجب إغلاق العمل الإعلامي، بل قد يزيد من مصداقيّته، ومن ثمّ اعتماد الناس عليه.
المبدأ الثاني: الدقّة والأمانة
لا نعني بـ (الدقّة) هنا ما يقع في مقابل الكذب؛ فهناك شيء أكثر عمقاً من قضيّة الصدق، نطلق عليه: مبدأ الأمانة والدقّة في النقل، ونعني به الدقّة في كيفيّة نقل الخبر كما هو، بعيداً عن أيّ شيء آخر.
ولكي أوضح هذه الفكرة، أذكر بعض الأمثلة:
أ ـ تجنّب الخلط بين الخبر وتحليله
المثال الأول: الخلط بين الخبر وتحليله، ففي كثير من الأحيان نخلط ـ بوصفنا رجال إعلام أو صحافة، وحتى بوصفنا بشراً عاديين ـ بين الخبر وبين ما نقدّمه من تحليلٍ للخبر؛ بمعنى أنّنا ننسب التحليل الذي نقدّمه للخبر على أنّه الخبر نفسه، وفي كثير من الأحيان تقع التباسات نتيجة هذا الخلط بين تحليل الخبر ـ والذي هو أمر حدسي نظري ذهني ـ وبين نفس الخبر الذي هو واقعة خارجيّة سمع الصحفيّ بها عن طريق معلومات مباشرة مثلاً أو رآها بعينه.
إنّ الإعلاميّ الهادف لإيصال الواقع للرأي العام يفترض أن يكون محايداً في نقل الخبر، كما هي القاعدة الأخلاقيّة التي تقرّر هذا المعنى، أي عليه أن ينقل الخبر كما هو من دون إضافة تحليلات معيّنة بما قد يوهم أنّها تقع ضمنَ الخبر نفسه؛ إذ هذا قد يبلغ في بعض صوره وحالاته حدّ التورّط في الكذب، وإن كان في كثيرٍ من الحالات ثمّة فرق دقيق بينه وبين الكذب.
إنّ من الممكن أن يقع حدَث أمني معيّن، فيُقدّم الصحفيّ تحليلاً معيّناً، ربما يكون صادقاً ودقيقاً وممتازاً وناجحاً وربما يكون خاطئاً بعيداً عن الصواب، وحينما ينقل الإنسانُ الخبر بوصفه مراسلاً أو أو بوصفه وسيلةً إعلاميّة، فعليه أن لا ينقل الخبر بطريقة المزج بين الوقائع التي حدثت على الأرض وبين تحليلاته التي خلعها على الحدث نفسه، فهذا خلاف الدقّة والأمانة العلميّة، وعلى الإعلاميّ أن يكون ناقلاً لما رأت عينه أو ما سمعت أذنه بحياد، كما هو مقتضى القواعد الأخلاقيّة والشرعيّة. نعم تحليل الخبر أمرٌ سائغ، لكنّه لا يبرّر الخلطَ بين نقل الخبر وتحليله؛ لأنّه يوحي من خلاله كونه حسيّاً أنّه رآه بأمّ عينه بينما هو في واقع الأمر مجرّد حدس ذهنيّ من بنات أفكاره.
وهذه إحدى المشاكل التي تكثر في مجال الإعلام، وهي في تقديري لا تحمل تبريراً أخلاقيّاً عندما تكون مقصودة، بل كم من أكاذيب انتشرت عبر الخلط بين الخبر وتحليله، كما هي الحال في الخلط بين التحليل السياسي والحكم القضائي؛ لأنّ القاضي يختلف في تعامله مع الطريقة التي يمارسها المحلّل السياسي.
ب ـ نقل الوقائع بين المبالغة والتهميش
المثال الثاني: المبالغة في عمليّات نقل الوقائع، وهذا شكلٌ آخر من أشكال عدم الدقّة والأمانة، فقد تحصل مجموعة من الوقائع التي تختلف بين كونها كبيرة وبين كونها جزئيّة، ثم يقوم الإعلاميّ بتضخيم الوقائع الجزئيّة وتصويرها على أنها كبيرة، أو يصغّر الوقائع الكبيرة ويقلّل من حجمها ويقدّمها على أنّها أحداث عابرة لا قيمة لها.
قد لا يوجد إلزامٌ فقهيّ في هذا الموضوع بصرف النظر عن العناوين الثانويّة، لكن من الناحية الأخلاقيّة فهذا الأمر يُعدّ خلاف الأمانة؛ حيث هو تضخيمٌ لمجموعة من الأحداث الصغيرة وبثّ الروح فيها لتحويلها إلى حدث كبير، وفي المقابل تسخيف وتبسيط وتسطيح مجموعة من الأحداث الكبيرة جداً، وما هذا إلا شكل من أشكال تضليل الرأي العام في واقع الأمر وليس أمانةً في نقل الأخبار أو تناقلها، وهذا الأمر يحدث بكثرة في هذه الأيام، بل ربما يكون الخبز اليوميّ لكثير من وسائل الإعلام كما يعرف الجميع.
ج ـ معضلة بتر المعلومات أو اجتزاء النقل
المثال الثالث: بتر المعلومات المنقولة (النقل مع اجتزاء)، ففي كثيرٍ من الأحيان نجد حدَثاً مؤلّفاً من خمسة أجزاء مثلاً، لكن الإعلام يقتصر في نقله على أربعةٍ منها حاذفاً الجزء الخامس، ولاشكّ أنّ هذا الأمر يُعدّ خلاف الأمانة من الناحية الأخلاقيّة؛ حيث إنّ الإعلام مؤتمن من قبل الرأي العام على نقل الخبر كما وقع من دون زيادةٍ ولا نقصان، وكأنّ هناك عقداً اجتماعيّاً بين الناس ووسائل الإعلام ـ يشبه العقد الاجتماعيّ بين الناس وبين النائب عن الشعب في البرلمان أو الرئيس المنتخب ـ على أن ينقل الأخبار والحقيقة كما هي، أمّا عدم ممارسة ذلك من خلال نقل الحقيقة بنحو مبتسر أو مقتطع؛ لعدم كون نقلها كاملةً بكل أجزائها مما يناسبه، أو يقوم بتغييبه أو طيّه في داخل النقل بحيث لا يُلتفت إليه.. فهذا كلّه شكلٌ من أشكال الخيانة العلميّة أو خلاف الأمانة الخبريّة إذا أردنا الحديث من زاوية أخلاقيّة، وإن خلا ربما من إشكال من الزاوية الشرعيّة والفقهيّة.
المبدأ الثالث: مبدأ النزاهة
المعنى من هذا المبدأ واضح، وهناك أمثلة كثيرة لضرورة أن يكون العمل الإعلاميّ والصحفيّ عملاً نزيهاً:
أ ـ تجنّب ازدواجية العمل
المثال الأول: الازدواجيّة في العمل، ثمّة ـ مع الأسف ـ مبدأ سائد في مختلف مجالات الحياة، وهو تقديم القويّ على الضعيف؛ لأنّ القوّة تفعل فعلها حتى على السلطة القضائيّة وقوانينها، ففي تطبيق قوانين العقوبات يفرّق بين كون السارق فقيراً فيقام عليه الحدّ، وبين كونه غنيّاً فلا يقام عليه.
العمل الإعلامي أيضاً لا يشذّ عن هذا المبدأ العام، فإذا كان الخبر يمسّ شخصاً قويّاً بحيث يمكن أن يؤثّر سلباً علينا فسوف نتحايل في التعامل مع الخبر، أما إذا كان الخبر يمسّ جماعاتٍ بائسة فقيرة مستضعفة حتى لو قامت قيامتها لن تقدّم ولن تؤخّر شيئاً، فسوف نقدّم الخبرَ بكلّ وضوح وشفافيّة تامّة. هذا المنطق غير أخلاقي، وهو منطق يدعونا للتعامل مع القويّ بديناميكيّة، أمّا إذا كان ضعيفاً فلابدّ من التعامل معه بصرامة، ومع الضعيف فقط نصبح مثاليّين نطبّق القيم بشرف ونزاهة وحزم.
هذه الظاهرة لا تخصّ الإعلام، بل تشمل كلّ تفاصيل حياتنا خصوصاً في المجتمع الإسلاميّ؛ فكلّ من يملك قوّة نكون لطيفين معه، وكلّ من هو ضعيف تجدنا لا نمارس ذلك معه، بل نطبّق الحكم عليه (وإن كان هذا التطبيق في الواقع ممّا يستحقّه هو، وليس ظلماً له)، وما نشجبه ليس تطبيق الحقّ والعدل على الضعيف، بل التمييز بين القويّ والضعيف، سواء أكانت هذه القوّة ماليّة أم إعلاميّة أم سياسيّة أم عشائريّة أم كانت ناشئةً من توازنٍ اجتماعيّ معيّن.
ولا شكّ في قبح التمييز بين القويّ والضعيف بحيث يؤدّي ذلك إلى كتم الخبر حياله وكشفه حيال غيره أو تلطيف الخبر بالنسبة إليه وكونه صريحاً شفافاً واضحاً في نقله هناك، فهذا التمييز بحاجة إلى إعادة النظر كي نقوم بأسلمة سلوكنا وأعمالنا. وأسلمة العمل تكون بإخضاعه للقيم الأخلاقيّة والشرعيّة، فيجب أن ننظر في أنفسنا إلى أي مدى نتماهى مع هذه القيم الأخلاقيّة، وهي العدل والمساواة مع الجميع في مسؤوليّة الإعلام ونقل الخبر.
وسوف نشير إلى وجود عناوين ثانويّة شرعيّة قد تكون مبرّراً لهذا التفريق، فالشريعة لا تمانع وجود حالات خاصة، لكن ينبغي أن لا تصبح هذه الحالة الخاصة الاستثنائيّة «قاعدة»، بل ينبغي الإبقاء على استثنائيّتها دون تحوّلها إلى قاعدة، ومشكلة ثقافتنا العمليّة أنّنا نحوّل الاستثناءات إلى قواعد بحيث تصبح هي الحالة الغالبة في تعاطينا مع الأمور.
ولا بأس أن نشير إلى أنّ التطفيف الذي توعّدت الآية الكريمة بمعاقبة من يمارسه: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ (المطفّفين: 1 ـ 3)، لا يحصره بعضُ الفقهاء والمفسّرين بالمكيال والميزان، وإنّما هو مبدأ يُقصد منه الإشارة إلى أنّ الشيء الذي يخصّ الإنسان من الخطأ أن يُتعامل معه على أنّه عظيمٌ في عينه، فيما يحتقر أو يستصغر ما يكون للآخرين، والتطفيف في العمل الإعلاميّ هو التمييز بين الشيء الذي يكون لمصلحة فلان، والشيء الذي يكون لمصلحة شخصٍ آخر، فيتمّ التفريق في طريقة التعامل ويكون هذا نوعاً من التطفيف إذا تمّت الموافقة على توسعة هذا المفهوم من حدود مجاله الوارد في المعاملات الماليّة والتجاريّة وفقاً للآية الكريمة.
ب ـ الاحتراز عن الرشوة بأنواعها
المثال الثاني: الاحتراز من الرشوة، فالرشوة من الابتلاءات العظيمة التي يواجهها الكثير من العاملين في السلك الإعلامي، ولا تنحصر الرشوة بالرشوة الماليّة، بل من الممكن أن تكون تسهيلاً لعملٍ ما أو منح منصب معيّن أو عدم معاقبته بطريقةٍ مّا كحفظ ماء وجهه مثلاً؛ فإنّ سقوط العامل في المجال الإعلامي في إطار الرشوة بهذا المفهوم هو أمرٌ قبيح أخلاقيّاً.
ج ـ سرقة أعمال الآخرين
المثال الثالث: سرقة أعمال الآخرين، وهذا موضوعٌ يُتبلى به على صعيد الثقافة العربيّة والإسلامية بنحو عام، فكم من أشخاص سرقوا كتباً ومقالات وطروحات وأفكاراً لآخرين دون أن يشيروا بنصف كلمة إلى مصدرها؟! وكم من أشخاص عمل الكثيرون معهم دون أن يشكروهم بكلمةٍ واحدة تقدِّرُ لهم جهودهم وتحفظ لهم حقّهم المعنوي، بل كانوا يترفّعون عن الإشادة بمساعدتهم لهم، ولا يعترفون لهم أمام الناس بفضلٍ ولا قيمة، فيما تنسب جهود هؤلاء إلى الشخص نفسه أمام الرأي العام، حتى يظنَّ الناس أنّه هو الوحيد صاحب هذا الجهد كلّه.
لا اُريد الحديث في هذا المثال عن الحكم الفقهي لهذه المشكلة الكبيرة؛ إذ هو بحث آخر وقع الكلام في جوازه وعدم جوازه بين فقهاء المسلمين، لكن يهمّني التعليق هنا من الناحية الأخلاقيّة؛ إذ يبدو لي أنّه لا شكّ في أنّه خلاف النزاهة والصدقيّة، فأن يجلب الإعلاميّ أخبارَ وكالاتٍ أخَر أو أعمالاً فكريّة أو مقالاتٍ ثقافيّة لآخرين، ثم ينسبها لنفسه، ويدّعي أنّه صاحب هذه الأعمال وحائزُ السبق الصحفي أو الثقافيّ فيها؛ إنّ هذا السلوك خلاف القيم الأخلاقيّة الدينيّة والإنسانيّة عموماً، وهذا أمرٌ نحن على ابتلاء عظيم فيه في كلّ مساحات حياتنا حتى في داخل المناخ الدينيّ، وهي قضيّة خطيرة جداً ينبغي التنبّه لها حتى لا نقع في مخالفةٍ شرعيّة أو أخلاقيّة على أقلّ التقادير.
د ـ اجتناب الانتقائيّة في تقديم الخبر
المثال الرابع: اجتناب الانتقائيّة في تقديم الخبر للمستمع أو المشاهد أو القارئ، فالانتقائية ليست في حقيقة الأمر كذباً، ولكنّها سلوكٌ غير أخلاقي على أقلّ التقادير، فما يحصل يوميّاً تقريباً من قيام بعض القنوات الفضائيّة أو الصحف بإجراء استبيان للناس عن فكرة معيّنة، وتكون النتيجة أنّ سبعين بالمئة من المصوّتين يؤيّدون الفكرة (أ) والثلاثين الباقين يؤيّدون الفكرة (ب)، فتقوم هذه الفضائيّة أو الصحيفة بنشر السبعين ولا تنشر الثلاثين أو تنشر السبعين وتنشر للفكرة (ب) عشرة فقط، إنّ هذا الأمر مرفوض أخلاقيّاً.
ربما لا يكون في هذا الأمر إشكالٌ من الناحية الفقهيّة، وإن كان يمكن افتراضه أيضاً ولسنا بصدده الآن، ولكن من الناحية الأخلاقيّة يُعدّ كلّ تلاعبٍ من هذا النوع خلاف العقد الاجتماعيّ الذي وقع بين الإعلام والمجتمع والقارئ؛ فالمفروض أن يتمّ النقل كما هو، إذ الإعلام مستأمن على كشف الواقع، أمّا أن تحصل الانتقائيّة في النقل ونقل ما ينفعني وعدم نقل ما لا ينسجم معي ومع توجّهات حزبي السياسيّة، بهدف تحقيق مصلحة ذاتيّة أو حزبيّة أو انتمائيّة أو فئويّة معيّنة، فهذا ما لا مسوّغ له من الناحية الأخلاقيّة على الإطلاق، وينبغي التنبّه لذلك.
إنّ من الضروري الإشارة هنا أيضاً إلى أن ّهناك مجالات من العمل التي دخلها المتديّنون قد وفدوا إليها من دون أيّ خلفيّة دينيّة وضوابط خاصّة؛ بحيث إذا عرفوا بعد ذلك أنّ هناك ضوابط دينيّة أو أخلاقيّة فسوف يفاجؤون؛ لأنّهم اعتادوا على أن لا تكون هناك ضوابط لمثل هذا العمل، ولم يخضعوا لتوجيهات دينيّة وأخلاقيّة وتربويّة في هذا السياق؛ لأنّ القضيّةَ كانت مفتوحةً في تصوّرهم.
المبدأ الرابع: المكاشفة والنقد الذاتي
يمكن أن نجعل هذه الآية الكريمة شعاراً لهذا المبدأ، وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ (النساء: 135).
إنّ ما تقرّره هذه الآية الكريمة هو أنّ على الإنسان أن يقول الحقيقة ولو على نفسه، وهذا ما يفتح الباب أمام مبدأ النقد الذاتي، وهو المبدأ الغائب عن حياة الكثير من المسلمين، بل إنّ نقد الذات غدا عيباً في بعض الثقافات؛ مُسقِطاً لمكانة الإنسان واُبّهته، وبهذا يقال له بأنّه لا ينبغي له الاعتراف بالخطأ، ولا هو لائق به ولا يحسن منه، أو هو مكْسَبٌ يعطيه الإنسان للخصم لكي يضربه به، فلا يصحّ منه القيام بذلك، وبمثل هذه الحجج يغيب النقد الذاتي وتغيب مكاشفته.
ينقسم النقد الذاتي إلى قسمين:
1 ـ نقد الإنسان لنفسه مع نفسه، وهذا ما لا يعنينا في بحثنا الحالي، بل هو يرجع لسلسلة من القواعد الأخلاقيّة التي تحدّث عنها علماء الأخلاق، مثل المراقبة والمحاسبة ونحو ذلك.
2 ـ مصارحة الرأي العام، بأن يُعلن الإنسان انتقاد نفسه أمام الملأ في قضايا عامّة تتصل بالشأن العام، وهذا هو محلّ حديثنا الآن.
ولكي أقدّم بعض الأمثلة في هذا السياق، يمكن الحديث عن نشر الصحفيّ أو الإعلاميّ قراءات نقديّة لعمله أو لجماعته وفئته وحزبه، من على صفحات صحيفته، أو من خلال الوسيلة الإعلاميّة التي يمتلكها، فيطلب من مجموعةٍ من الخبراء والنقّاد أن يبيّنوا عيوبه وحسناته في الوقت نفسه، تعبيراً عن مصداقيّته، ومكاشفةً بينه وبين المستمع والقارئ الذي يتابعه والذي ربما يكون وقّع معه نوعاً من العقد الاجتماعيّ على أن يكون صادقاً صريحاً شفّافاً إذا جازت هذه التعابير.
والملفت أنّ كلّ الوسائل الإعلاميّة تعرّي الآخرين عادةً، ولكنّها لا تنقل أخبار نفسها بوصفها أمراً عامّاً من أمور الأمّة، ومن الضروري أن نتربّى على هذه القيمة الأخلاقيّة، فعلى سبيل المثال نستطيع أن نعقد مؤتمراً سنوياً لنقد ذواتنا؛ لنرى ما هي نواقصنا وسلبيّاتنا؟ وما هي إيجابيّاتنا ونقاط قوّتنا؟ وما هي الإخفاقات والنجاحات؟ ونطلب من الجميع مساعدتنا.. إنّ هذا النوعَ من القيم الأخلاقيّة ربما يكون مغيّباً، تحت اعتبارات تنطلق من أنّك لو فعلت ذلك فسوف يؤدّي هذا الأمر إلى إسقاط هيبتك وجعلك في وضع محرج أمام الوسائل الإعلاميّة الأخرى.
ومجمل القول: إنّ نشر ثقافة النقد الذاتيّ سيكرّس تقبل الآخر وملاحظاته بسهولة أكثر؛ وأشقّ شيء على نفوسنا هو أن ننشر لأولئك الذين ينتقدوننا مع مراعاتهم الضوابط العلميّة والأخلاقيّة في النقد.
إنّ الاعتراف بالخطأ مثال آخر يصبّ في هذا الاتجاه؛ ولا ينحصر في مسألة الوسائل الإعلاميّة، بل يجري حتى في الفكر والثقافة والدين، بأن يعترف الباحث أو عالم الدين بأنّني أخطأت في القضيّة الكذائية.. فلماذا الإصرار في حياتنا العربيّة والإسلاميّة على أن يكون الكبار ـ سواء كانوا كباراً في السياسة أم في الدين أم في الإعلام ـ محيّدون من الاعتراف بالخطأ، ونصوّر لهم أنّ الاعتراف بالخطأ يضرّ بقيمتهم المعنويّة بين الناس وهيبتهم ونفوذهم؟! مع أنّ هذه القيم ـ مثل الاعتراف بالخطأ ـ هي قيم أخلاقيّة، وترفع على المدى البعيد من مستوى صدقيّتهم بين الناس.
إنّ الأنبياء والأوصياء عليهم السلام مع كونهم في مراتبهم الكمالية العالية، لم يكن لديهم مانع من الاستماع إلى الآخرين الذين يخطّئونهم؛ وعلى سبيل المثال الخوارج حينما كانوا يأتون إلى الإمام عليّ× وكانوا ينتقدونه، لم يواجههم أحدٌ بالمعاقبة أو قطع الرؤوس، ولم نسمع أنّ أحداً اعتبر أنّ مثل هذا الانتقاد يضرّ بمكانة عليّ الرفيعة، وإذا كانت هناك مقامات تتضرّر من النقد فهي مقامات دنيويّة وهميّة، وعلينا التركيز على المقامات الروحيّة وعلى القيم، وإلا ما الذي يميّز التجربة الإسلاميّة إذا كان المسلمون مثل سائر الناس؟! وما هي الإضافة النوعيّة التي يقدّمونها تحت مظلّة الإسلام إذا كانوا مثل الآخرين؟! إنّ هذه الإضافة لابدّ أن تكون في كونهم أكثر الناس إخلاصاً وتطبيقاً للقيم الشرعيّة والأخلاقيّة والروحيّة الحقيقيّة من دون أن يتلاعبوا بها، فإذاً كلّما استطعنا التخفيف من حجم التلاعب بالقيم الأخلاقيّة بعناوين افتراضيّة نخترعها لأنفسنا، فسوف نقترب من التجربة الأنموذجيّة أكثر، نعم هناك مشاكل ومتاعب ولا شكّ أن هناك حالات استثنائية إلا أنّ القاعدة التي ينبغي السير عليها ينبغي أن تكون بالالتزام بموضوع القيم الأخلاقيّة إلى أبعد الحدود الممكنة.
المبدأ الخامس: أخلاقيّة تحصيل المعلومة (=التجسّس..)
لقد حرّمت الشريعة الإسلاميّة التجسّسَ من خلال نصوص وافرة كالآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ (الحجرات: 12)، بل إنّ التجسّس لأجل الأمر بالمعروف هو أيضاً حرامٌ من الناحية الشرعيّة، وقد أفتى بعض الفقهاء في بداية الثورة الإسلاميّة في إيران ـ ومنهم الإمام الخميني رحمه الله ـ بحرمة التجسّس على الناس لمعرفة أنّهم يصلّون أو لا؟ ويرتكبون الفواحش أو لا؟ و.. ما لم يكن الأمر من شؤون الاجتماع العام كالقضايا الأمنيّة، أي القضايا التي تتعلّق بالمصلحة النوعيّة، وإلا فلا يحقّ التجسّس حتى وإن كان بقصد الهداية للإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهناك نصّ للسيّد الخميني يحرّم فيه على الأجهزة المعنيّة والمختصّة ممارسة التجسّس على الأفراد بغرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبغرض تحسين سلوكهم الأخلاقيّ([2])، بل إنّ الإسلام سعى بمقدارٍ كبير جداً إلى عدم إطلاع الناس على معاصي الآخرين الفرديّة من خلال تحريم الغيبة وأمثالها، نعم إذا كان هناك مخالفة عامّة معلنة فهذا بحث آخر.
إذن، لا يجوز انتهاك الحرمات الشخصيّة للناس، فالدخول إلى الحياة الفرديّة ـ ولو للشخصيّات العامة ـ بهدف تحصيل المعلومات لا شكّ في كونه يحمل مشكلةً شرعيّة، نعم في جانب واحد يجيز الشارع ذلك وهو تحوّل الفرد إلى حقّ عام، بمعنى خروجه من حالة الحقّ الفرديّ إلى كونه حقّاً عامّاً للمجتمع، بحيث يحقّ للمجتمع أن يعرفوا ماذا يفعل فيما يرتبط بالمجتمع؛ فالتجسّس لا يكون على الجانب الفرديّ من شخصيته وإنما بما يتصل بالجانب العام منها.
ويلزمني أن اُشير هنا إلى أنّه لا ينبغي للمسلم العامل في مجال الإعلام أن يجعل تجارب الآخرين ـ قبل الفحص عن شرعيّتها وأخلاقيّتها ـ أنموذجاً له دوماً، بل عليه أن يصنع أنموذجه الخاصّ به وفقاً لقيمه الدينيّة والأخلاقيّة، ومن ثمّ فما يعرف بالصحافة الصفراء التي تلاحق الناس ـ من سياسيّين وفنّانين وغيرهم ـ حتى في حياتهم الشخصيّة، بغية تحصيل سبق إعلامي أو ربح مالي.. غيرُ صحيح على إطلاقه، بل الأمور تختلف وفقاً للمعايير التي ألمحنا لبعضها آنفاً.
المبدأ السادس: أخلاقيّة نشر المعلومة
ونعني بهذا المبدأ أنّ على الإعلام أن لا يهتك الحريم الخصوصي للأفراد، وغالباً ما يكون هذا الهتك بسبب الانجرار وراء فوضى الصحافة في العالم، فتقوم الصحف ووسائل الإعلام بهتك حرماتهم وبثّ معلومات عنهم قد تكون شخصيّةً لا يرغبون ببثّها، كما في حالة بثّ صور متهم لم تثبت إدانته بعدُ وفضحه أمام الناس، ولا ندري من هو الذي سيردّ له حرمتَه أمامهم إذا تبيّنت براءته؟!
من هنا، كان من اللازم علينا التفكير في هذه الأشياء قبل الإقدام عليها، فهل يجوز لنا ـ إذا وجهت التهمة لشخص بجريمة معيّنة ـ أن نبثّ هذا الاتهام وننشره بين الناس، وربما يكون بريئاً، وقد يؤدّي ذلك إلى تشوّه سمعته، وربما تكون القضية التي يريد نشرها هي قضيّة شخصيّة في صفحة الشؤون الاجتماعيّة..؟ ينبغي علينا التأمل قليلاً والتماس الموقف الأخلاقي والشرعي في مثل هذه الأعمال، وعلينا أن لا ننساق خلف الأنموذج القائم ونسير عليه دون معايير في هذا الإطار، فالإعلام ليس سلطة أعلى من سلطة الأخلاق والقيم، وكونه محكوماً لهذه السلطة لا يعني سلب الحريّات، بل على العكس يعني احترام خصوصيّات الناس وحرماتها.
وهنا توجد أيضاً مشكلة الغيبة، والتي هي من صميم أخلاقيّات العمل الإعلاميّ؛ إذ نتوّرط فيها في بعض الأحيان، فقد يمارس بعض الأشخاص أموراً مخالفة للدين والشرع والأخلاق، إلا أنّهم لا يعلنونها، ومن ثمّ فقيام الصحافة والإعلام بنشرها، قد يكون مصداقاً للغيبة إذا كانت أصل الواقعة التي نُشرت صحيحة، أمّا إذا كانت خاطئة وغير واقعيّة فهي مصداق للبهتان، وعلى هذا فأيّ مبرّر يسوّغ للصحافة والإعلام إعلان هذه المخالفات والسلوكيّات والأفعال أمام الرأي العام ولو كانت صادقة؟ ومجرّد اعتيادنا على هذه النسخة من الإعلام لا يعني أنّها مبرّرة أخلاقيّاً دائماً.
نعم، إذا كانت هذه المخالفات من قضايا الشأن العام، بحيث يجوز نقلها للناس؛ لأنّ في ذلك الصالح العام، فمن الممكن نشرها دون معايير محدّدة، ولهذا أخضع بعضُ الفقهاء المتأخّرين مستثنياتِ الغيبة لقانون الأهم والمهم، أمّا فتح الباب على مصراعيه لمجرّد أنّ مرتكب هذا التصرّف أو ذاك فنّانٌ أو شخصيّة مشهورة أو غير ذلك وأنّه لابد من فضح كلّ شيء قد ارتكبه، فهذا ما يحتاج إلى تفكير وتأمّل؛ فأيّ وجهٍ يُسوّغ ذلك؟ وما هو السبيل الذي سمح بفضح هذا الإنسان حتى وإن كان مخطئاً واقعاً؟!
وفي هذا الإطار أيضاً يأتي التمييز بين النقد والتجريح، فمن حقّ الصحافة والإعلام ممارسة النقد لأيّ شخصيّة أو تيار سياسيّ أو دينيّ أو اجتماعي أو غير ذلك، لكنّ الانتقاد شيءٌ والتجريح والتجديف والإهانات شيء آخر، فلا يسوّغ للصحفيّ أو الإعلاميّ أن ينشر تجريحاً بحقّ شخصيّة معيّنة؛ لأنّ ذلك مشكلٌ من الناحية الأخلاقيّة بل وفي كثير من الأحيان من الناحيّة الشرعيّة أيضاً، وينبغي الانضباط الأخلاقيّ والشرعي في العمل، ولابد من ممارسة الرقابة الأخلاقيّة والشرعيّة على الوسيلة الإعلاميّة التي نملكها؛ بحيث تخضع جميع الأعمال الصحفيّة والإعلامية لمعايير وضوابط شرعيّة وأخلاقيّة، بدل الانسياق خلف حمّى تناقل الأخبار دون ضوابط على أساس أن عدم فعل ذلك يجعل العمل من الدرجة الثانية أو الثالثة.
المبدأ السابع: مراعاة الصالح العامّ
قلنا بأنّ هناك نوعاً من العقد الاجتماعي بين الإعلام والمجتمع، وهو أن يراعي الإعلام الصالح العام للمجتمع وأن يسعي في سبيل تنميته ورشده، وسأذكر بعض الأمثلة التي تتصل بهذا المبدأ المهمّ:
أ ـ أذية المجتمع (نشر الكراهية)
المثال الأول: عدم نشر ما يفضي إلى تدهور حال المجتمع، وعلى رأس ذلك (نشر الكراهية)
تعاني مجتمعاتنا الإسلاميّة اليوم من الكراهيّة المتعاظمة في نفوس الناس على جميع الأصعدة العرقيّة واللغويّة والدينيّة والعشائريّة والمذهبيّة والسياسيّة والفئوية وغير ذلك.. وقد خرجت هذه الكراهية المتعاظمة عن حدّها الطبيعي، وبدأت تحوّل اختلافنا الإيجابي إلى خلاف سلبي، وتفتت الأمّة وتعيق التنمية بكلّ معانيها، وهذا الذي يحصل اليوم في العالم الإسلاميّ ليس مصداقاً لحرية التعبير بل معيق للتنمية ونهوض الأمّة، فإذاً يجب التفكير في ضوابط ومعايير، أمّا إذا فرضنا أنّ من حقّ أي شخص أن يقول ما يريد على أيّ وسيلة إعلاميّة حتى وإن أدّى إلى سفك دماء الناس في الطرقات وفي المدن والأرياف، وحتى لو أدّى ما قاله إلى إحداث مشكلة كبيرة في المجتمع بأن تنشر الكراهيّة والحقد بين الناس، فهذا ما لا يمكن القبول به، ويحتاج إلى وقفة أخلاقيّة مع نفوسنا لضبط الأمور من ناحيتها، ولا يمكن أن نطرح مثل هذه المواضيع الأخلاقية بحجّة السبق الصحفي أو بأيّ حجّة أخرى ونطرح معلومات تؤدّي إلى تدهور الحالة الاجتماعيّة، بل يُفترض بالإعلام والصحافة أن يكون حريصاً على المجتمع في نشر المعلومات؛ فإن من هو في سنّة الخامسة من عمره مثلاً لا يمكن تزويده بمعلومات تتعلّق بالعلاقات الجنسيّة بين الرجل والمرأة؛ فإنّ ذلك من الممكن أن يؤدّي إلى ضرر عليه، والمجتمع أيضاً من حقّه أن يعرف ويطّلع على الواقع فهو حقّ عام، لكن أيضاً من حقّه أن لا تُطلعَه على ما يؤدّي إلى تناحره وتراجع حاله، بل على الإعلام والصحافة أن يقدّما له ما يساهم في تقويته ونموّه الاقتصاديّ والثقافيّ والاجتماعيّ وغير ذلك.
إنّ أشكال التمييز بين الناس بكلّ مستوياتها تؤدّي إلى تشظّي حال الأمّة، وعلى الإعلام مسؤوليّة كيفيّة نشر الخبر ونمط بيانه على أن لا يؤدّي إلى صبّ الزيت على النار وإثارة الحالة الانقساميّة السلبيّة في الأمّة، نعم لا بأس من إثارة حالة الاختلاف الإيجابيّ والتنوّع والذي هو مبدأ إيجابيّ، فلا بأس أن نكون متنوّعين ومختلفين وأن يكون لكلّ واحد منا رأياً، وأن يكون الإعلام انعكاساً لحالة التنوّع الإيجابي في المجتمع، لكنّ إثارة الكراهيّة ـ وهي مفهوم آخر غير مفهوم التنوّع والاختلاف ـ أمرٌ مرفوض تماماً، ويهدّد الاستقرار والتنمية والسلم الأهليّ.
ب ـ نشر الفاحشة
المثال الثاني: نشر الفاحشة، فثمّة آية قرآنيّة تشير لمسألة نشر الفاحشة، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النور: 19)، ويذهب بعض العلماء إلى عدم دلالة هذه الآية على عدم جواز نشر أخبار الانحرافات الأخلاقيّة، ويقصرون دلالتها على عدم جواز نشر نفس الفاحشة لا أخبارها، وهذا أمرٌ سليم في قناعتي على المستوى الدلالي في الآية نفسها، لكن هناك دراسات تؤكّد على أنّ الإيحاء بشيوع الفواحش للرأي العام من خلال نشر بعض الأخبار، سوف يؤدي إلى كسر هيبة الإقدام عليها، ومن ثمّ سيكون ذلك مصداقاً ـ ولو بالواسطة ـ لشياع الفاحشة نفسها.
فعلى سبيل المثال، إذا قامت وسائل الإعلام ببيان اتّساع نطاق تعاطي المخدّرات في المجتمع، وأنّها بلغت حدّ السبعين في المئة مثلاً، فإنّ هذا قد يؤدّي تلقائياً إلى كسر هيبة الإقدام عليها؛ وذلك أنّ الإنسان حينما يقرأ مثل هذه النسبة، فسوف يشعر بأنّ تعاطي المخدّرات ليس مشكلةً كبيرة بالنسبة له وليس شذوذاً اجتماعيّاً؛ لأنّ نسبة سبعين بالمئة من المجتمع قد أقدم عليها؛ وحينما يتحدّث الإعلام عن الخيانات الزوجيّة مثلاً ويطرحها على أنها ظاهرة عامّة رائجة، فسوف تصبح هذه الظاهرة في اللاوعي عند الناس ظاهرة ليست شاذة وإنّما هي حالة عاديّة، وعلينا الدقّة في هذا الأمر، فلا يصحّ منّا أن نقيس المجتمع الإسلامي على بعض المجتمعات الغربيّة؛ فإنّ الغرب حينما لم تكن لديه مشكلة من هذه الزاوية لم تكن لديه مشكلة أيضاً في نشر الكثير من هذه الأخبار، لكن بالنسبة لنا فإنّ الحفاظ على مفهومنا للحياء العام في المجتمع ضروريّ جداً.
من هنا، علينا الالتزام بأنّ نقل القضايا الأخلاقيّة ينبغي أن لا يؤدّي إلى كسر هيبة الإقدام عليها والتخوّف منها؛ فالمرأة إذا أرادت أن تخون زوجها فسوف تشعر بأنّ هذا الأمر غريب، لكن حينما نخبرها بأنّ نصف المجتمع من حولها يفعل ذلك، فسوف يصبح أمراً هيّناً عليها من الناحية النفسيّة، وهذا يعني أنّنا من حيث لا نشعر نكون عمليّاً قد مهَّدنا السبيل لمزيد من وقوع الفاحشة في المجتمع، وفي هذا النوع من القضايا الأخلاقيّة على الخبراء الإعلاميّين أن يدقّقوا في كيفيّة نشر الخبر ومراعاة هذه الآثار النفسيّة والاجتماعيّة بحيث لا يؤدّي ذلك إلى ناتج سلبيّ، فليس نشر المعلومات مقدّسٌ متعالي عن المحاسبة لا يحكمه شيء، وإنما هو أمر مقدَّمي لتنمية المجتمع وسلامته. والحفاظُ على الأمن الاجتماعيّ للمجتمع يظلّ هو الأهم.
العناوين الثانويّة والحالات الطارئة
وربما يسأل سائل هنا قائلاً: على أساس ما تقدّم من الضوابط، ينبغي علينا إغلاق الوسائل الإعلاميّة أو نتشدّد في أمرها بحيث تفشل نشاطاتُها؟
لا شكّ بأنّه كلّما ازدادت حساسيتنا الأخلاقيّة إزاء العمل الذي نقوم به فسوف نضيّق الخناق على بعض الأمور، لكن هذا لا يعني إغلاق الأمور كلياً، وإنّما هذه المواضيع جاءت لتصحيح مسارها، وفي حقيقة الأمر تصبُّ لصالحها ولصالح المجتمع، إضافة إلى أنّ هناك حالات خاصة وعناوين طارئة يقدّم فيها الأهمّ على المهم.
إنّ مبدأ المصلحة مبدأ إنسانيّ قبل أن يكون مبدأ شرعياً، وحتى علماء الشريعة حينما يؤمنون بقانون التزاحم فلا ينطلقون في ذلك من نصوص بقدر ما ينطلقون من الحالة العقليّة والعقلائيّة والمنطقيّة للأشياء، كما قرّروا ذلك أنفسهم، فعندما يتزاحم المهم والأهم، يقدّم الأهم.
لكن المشكلة التي نعاني منها، وهذا ما نستلهمه من سيرة أمثال الإمام علي×، هو ثقافة المصلحة، فالفرق بين على× وبين غيره يكمن في أنّ الآخرين طبقوا مبدأ المصلحة، لكنّهم جعلوها أصلاً، فتحوّلت ثقافتهم إلى ثقافة المصلحة، بينما علي× لم يحوّلها إلى أصل، وبقيت ثفاقته ثقاقة المبادئ التي تحمل في أعماقها مصلحة أكبر للإنسان.
فحينما نضحّي بالضعيف لمصلحة القويّ لوجود مصلحة أهمّ، ونضحي بالمظلوم لمصلحة الظالم؛ لأنّ المصلحة مع الظالم، ونبدأ بالتضحية بأشياء لأجل أشياء أخر، فستتحوّل ثقافتنا إلى ثقافة المصلحة، وهنا سوف تظهر علامة الاستفهام الكبيرة ، وهنا نحتاج إلى «عليّ» ليمنع من أيّ قاضٍ غير شرعي، فيكون جذريّاً في علاج الأمور. وليس عليّ راديكاليّاً لأنّه لا يفهم السياسة كما قال بعض المستشرقين، حيث تمنّوا عليه أن يُبقي معاويةَ لفترة معيّنة في الحكم أو يتصالح مع الزبير وطلحة لمدّة من الزمن دون أن يخوض هذه الحروب التي لا طائل من ورائها كما يرون، لكن ـ ويمكن أن يكون هذا أحد الأسباب ـ الأمّة حينما تنحرف في فكرة المصالح والتضحية بأشياء على حساب أشياء، ويصبح عقلها عقلاًً مصلحيّاً لا مبدئيّاً أخلاقيّاً، فسوف تنجرف من حيث لا تشعر إلى جانب المصلحة لتتضخّم، فتجمّد العقوبات والحدود والشريعة والقيم لأجل فلان وفلان، وهكذا يصبح عقلنا عقلاً مصلحيّاً بهذا المعنى، وليس هناك من مساحة للمبادئ، فبماذا تمتاز تجربتنا عن تجربة غيرنا إذاً؟! ولماذا نعدّ أنفسنا الأفضل؟! هنا نحتاج لنوع من الصرامة وإحداث صدمة وعي.
إنّ الميزة التي ندّعيها لأنفسنا هي هذه المجموعة من القيم الأخلاقيّة والدينيّة والروحيّة والإنسانيّة، وبحجم التفاعل معها والإخلاص لها سنكون مختلفين عن غيرنا، وإلا فما هي الإضافة النوعيّة التي قدّمناها للمجتمع حينئذ؟!
إنّ الاستثناء أمرٌ مقبول لا نقاش فيه، لكن ينبغي أن لا يتحوّل الاستثناء إلى قاعدة تكسر القيم والمبادئ بحجّة أنّها الاستثناءات، بحيث تتجمّد تسعين بالمئة من المبادئ لمصلحة هذا الاستثناء، ليس ليومٍ ولا ليومين، وإنما لعقود مستمرّة بحيث يتحوّل الاستثناء إلى قاعدة في الجيل الثاني أو الثالث.
كلمة أخيرة
إنّ نشر القيم الأخلاقيّة والدينيّة الرفيعة بأسلوبٍ غير مباشر من الوظائف الأساسيّة للإعلام الإسلامي، والمهم في هذا الأمر هو الأسلوب غير المباشر؛ وذلك لأنّ الخطاب الدينيّ والأخلاقيّ (بالخصوص) يمتاز غالبيّته بطابع المباشرة، فينبغي علينا إيصال مفاهيمنا الدينيّة بطريقة غير مباشرة تؤثر في الشباب أكثر، ونشر قيم التواصل، والتسامح، والأخلاق، والدين، والمحبّة ونبذ العنف، والعفّة، والأسرة، والتاريخ والانتماء له، والانتماء للهويّة دون جمود، والحفاظ على خصوصيّاتنا الحضاريّة.. وهذه المفاهيم ينبغي نشرها بطريقة غير مباشرة في المجتمع، ووسائل الإعلام من أهمّ الوسائل الموكل إليها تحقيق ذلك.
([1]) محاضرة ألقيت في أحد الوفود الإعلاميّة العراقيّة في مدينة قم، بتاريخ 24 ـ 12 ـ 2013م. وقد أجرى الشيخ حبّ الله عليها بعض التعديلات.
([2]) أصدر السيّد الخمينيّ رضوان الله عليه في عام 1982م أمراً يتضمّن ثمانية مواد خصّ بها الأجهزة الأمنيّة والقضائيّة، ونصّ فيه على ضرورة رعاية الموازين الحياتيّة للمجتمع والأفراد، وألحقه بعد ذلك بأمرٍ قضى فيه بحلّ الهيئات المختارة في عموم البلاد وقرّر في المادة الخامسة منه بحرمة التجسّس على الأفراد سوى المفسدين منهم، وهكذا حرمة متابعة الناس على عباداتهم وأعمالهم.