وقفةٌ نقدية
د. الشيخ عصري الباني(*)
تمهيد
ظهر في الفترة الأخيرة، وبكثافةٍ، في الأسواق كتاب (التشيُّع العلوي والتشيُّع الصفوي)([1])، مترجماً إلى اللغة العربية. وقد قمتُ بمطالعته، ووجدتُ فيه بعض المحاسن، وعليه بعض المآخذ، وهو ممّا يدعو إلى التنبيه عليها؛ للاستفادة من المحاسن؛ وللحذر من المآخذ، ومن الله التوفيق.
1ـ التعريف بالكتاب
يتألَّف الكتاب من 329 صفحة بالقطع الوزيري، وقد قامت بطبعه دار الأمير، وهو عبارةٌ عن محاضرة ألقاها الدكتور عليّ شريعتي([2])، في حسينية الإرشاد في طهران.
2ـ ذكر المدح وترك القدح
ابتدأ الناشر الكتاب بعنوان (قالوا في شريعتي)؛ إذ قام بجمع المقولات في مدح الدكتور شريعتي. ومقتضى البحث العلمي أن يتعرّض للانتقادات التي وجهت إلى الدكتور علي شريعتي، وردّها؛ لكي يكون القارئ على بصيرةٍ من الموقف بشموليته، لا من خلال زاوية واحدة([3]).
3ـ نقده للمنبر الحسيني
بدأ الدكتور محاضرته بنقد للمنبر والمنبريين، وأنهم لا يأتون بالجديد، وأن مَنْ يجلس تحت المنبر إنما يجلس لأجل التعبُّد والحصول على الثواب، لا غير.
أقول: وهذا الأمر وإنْ كان صحيحاً لبعض المنابر (وللأسف الشديد)، ولكن تعميمه على كل المنابر ليس بالأمر الصحيح؛ من حيث إن هذه الشريحة أسهمت وبشكلٍ فعّال في إرشاد الأمّة وخدمة الدين، وكان لها أكبر الأثر في ربط العامة من الناس بالدين الحنيف. وأما في الخارج فقد وجدنا الكثير من الخطباء والمنبريين مَنْ يبذلون قصارى جهودهم من أجل إبراز منبرٍ علميّ يجذب الناس إليه، ويؤثِّر في المجتمع من خلال مستواه العلمي. وقد أُلِّف من بعض هذه المنابر، التي هي معاصرة لزمن الدكتور شريعتي وزمننا، كتب علمية طبعت عدّة طبعات، وما زال الطلب عليها كبيراً([4]).
ثم تعرّض إلى انتقاد حركات المنبريّين على المنبر، وأنهم متقيِّدون، واعتبره أمراً سلبياً.
أقول: إن ما انتقده هو في الحقيقة أمرٌ إيجابي وضروري للمنبريين، ولا بُدَّ منه لأمور:
أـ احتراماً لنفسه؛ من حيث إنه عالمٌ بالمعنى الأعمّ، إنْ لم يكن عالماً بالمعنى الأخصّ، ممّا يفرض عليه أن تكون حركاته متّزنة لا تشوبها الخفّة.
ب ـ احتراماً للجالسين تحت منبره؛ من حيث إنهم يقدِّسون هذا المقام في الغالب، وإلاّ لما جلسوا تحت منبره. ومن الواضح أن هؤلاء يتوقَّعون أن تشوب حركات هذا الخطيب الرزانة وعدم الخفّة، وهذا الأمر تتوقَّعه الناس وتطلبه في الشارع والأماكن العامة، كيف وهو مرتقٍ لمنبر رسول الله|. نعم، هذا لا يعني أن لا يستفيد من نظراته وحركة يديه وغيرها من الأساليب المتعارفة؛ من أجل لفت نظر الجالسين تحت منبره.
4ـ انتقاده للسلطة الحاكمة
نلاحظ أن الدكتور شريعتي يشنّ هجوماً واضحاً على السلطة الحاكمة آنذاك، ويتمتَّع بأسلوبٍ ثوريّ، وهو ما يدلّ على شجاعةٍ خاصة، وذلك من خلال التعريض بالنظام الصفوي وأساليبه، وهو في الغالب مشابهٌ للنظام البهلوي([5])، الذي كان يحكم في ذلك الزمان، في أساليبه وأدواته، ولديه إشاراتٌ واضحة، وفي عدّة مواضع في الكتاب.
5ـ نظرية تحوُّل الحركة إلى نظام
يذكر المصنِّف نظرية بعنوان: (تحوُّل الحركة إلى نظام)، ومفادها أن كل حركة أو مدرسة اجتماعية تظهر إلى مرحلة الوجود على أساس تلبية متطلبات زمانية أو طبقية أو قومية، وتقوم بدفع أتباعها ومريديها من أجل العمل لتحقيق هذه الأهداف والآمال، فإذا تحقَّق لها ما تريد، وحصل التحوُّل الاجتماعي الذي كانت ترنوا إليه، عندئذٍ تنطفئ جذوة التغيير في نفوس أصحابها، وعند ذلك تبدأ الحركة بالضمور تدريجياً، إلى أن تتلاشى. وقد ضرب لذلك أمثلةً، منها: المثال السوفياتي([6]).
أقول: إن ما بيَّنه أمرٌ صحيح، ويكاد ببيانه هذا يكون ممَّنْ قد تنبّأ بانهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وهذا الأمر الخطير ينبغي دائماً الالتفات إليه، والحثّ دائماً إلى ابتكار ما هو جديد في كلّ المجالات، حتّى لا تبتلى الثورة الإسلامية المباركة بهذا الداء.
6ـ نظرته إلى الحكم الصفوي
يعتبر المؤلِّف أن الحكم الصفوي حكمٌ طاغوتيّ، بل إنه يذهب إلى أنه لا فرق بينه وبين حكم بني أميّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حكم آل بويه([7]).
أقول: يتطابق المؤلِّف في نظرته مع الإمام الخميني([8])،الذي اعتبر أن كل الملكيات التي حكمت إيران هي جائرةٌ وظالمة، وأن الأبواق الدعائية هي التي صنعت من هؤلاء أساطير، مثل: (أنوشيروان([9])، حيث لقَّبته بالملك العادل)، أو ما يتعلّق بـ (الشاه عبّاس الأول الصفوي([10])، وقد كان أسوأ الملوك الصفويين على الإطلاق)، أو العميل الإنجليزي (ناصر الدين شاه القاجاري([11])، والذي عبّروا عنه بالملك الشهيد ظلماً وعدواناً). فهذه الحكومات من ناحيةٍ غيرُ شرعية. وأما من ناحية التصرُّفات فهي ظالمةٌ بكلّ ما للكلمة من معنى([12]). وهذا الرأي نصّ عليه القرآن الكريم([13]).
7ـ الإمبراطورية العثمانية([14]) والغرب
تعرّض المؤلف إلى الحروب التي حدثت بين الدولتين الصفوية والعثمانية، وألقى باللوم على الدولة الصفوية؛ باعتبار أن الدولة العثمانية كانت تواجه الغرب، فكان ينبغي مساعدتها، لا إعلان الحرب عليها. وقد قام بضرب مثالٍ، وهو موقف الإمام أمير المؤمنين× مع الخلفاء، كتأييدٍ لما ذهب إليه.
أقول: هنا تطرح عدّة أسئلة:
أـ هل أن الدولة العثمانية كانت تهدف إلى خدمة الإسلام والمسلمين أم أن أهدافها طاغوتية شخصية؟
ب ـ لم تكن الدولة العثمانية أوّل مَنْ حارب الغرب، بل إن بني أمية([15]) والعباسيين([16]) خاضوا حروباً عديدة ضدّ هذه القوى، فما هو موقف أئمتنا^ منها؟
ج ـ ما هي الأهداف التي تبنّتها هذه الدولة الظالمة لأتباع أهل البيت^؟
فللحكم على موقف الدولة الصفوية في حربها مع العثمانيين لا بُدَّ من الإجابة عن هذه الأسئلة. وفي معرض الجواب نقول: أما في خصوص النيّة، فمن خلال مراجعة تاريخ الدولة العثمانية يتّضح أنها لم تكن تفكّر في عزّة الإسلام والمسلمين، بل عاش المسلمون في ظلّها قروناً مظلمة، وما التخلُّف الذي تعيشه الدول الإسلامية إلاّ نتيجةً من نتائج سياساتها الظالمة. فالحروب مع الغرب كانت من أجل سدّ نَهَم الملوك العثمانيين وجَشَعهم لا غير، ولسان حالهم جميعاً يبيِّنه معاوية بن أبي سفيان([17]) لمّا قدم الكوفة قال: «ما قتلتكم على أن تصلوا وتصوموا، فإني أعلم أنكم تفعلون ذلك، بل لأتأمَّر عليكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا إنّ كلّ مالٍ أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلولٌ، وكل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين»([18]).
وأما موقف الأئمة الطاهرين^ من الحكمين الأموي والعباسي، بالرغم من حروبهم مع الدول الأخرى الكافرة، فقد كان حكم الحاكم الجائر هو حرمة التعامل معه، والترغيب في إضعافه. والشاهد على هذا الأمر تأييدهم^ للثورات التي قامت في تلك الفترات، كثورة المختار([19])، وزيد الشهيد([20])، وصاحب فخّ([21]). وهو سارٍ في الدولة العثمانية كما كان في بني أميّة وبني العبّاس؛ لأن الموضوع واحدٌ بلا أدنى شكٍّ، إلاّ ما ندر من الحوادث، عندما يشخّص المراجع أن مصلحة الإسلام تكمن في الوقوف إلى جانب الدولة العثمانية، كالموقف من غَزْو العراق 1914م، حيث أفتى المراجع بالقتال إلى جانب القوّات العثمانية([22]).
وأما نيّة الدولة العثمانية تجاه شيعة آل البيت^ فيمكن مراجعة كتاب (تاريخ الدولة العثمانية)، وسيتّضح أن أحد ملوكهم لمّا أراد أن يغزو بلاد العجم (إيران) أمر بإحصاء مواطنيه من الشيعة الساكنين على الحدود مع إيران، فعدّوهم 40 ألفاً، فقام بقتلهم عن آخرهم([23]). وهكذا فِكْرٌ ـ يريد استئصال التشيُّع من الوجود ـ من الواجب مواجهته، وهذا هو الذي دعا بعض كبار علمائنا للوقوف إلى جانب الدولة الصفوية في حربها مع العثمانيين.
ولستُ هنا في موقع المدافع عن سياسات الدولة الصفوية، وإنما أنتقد الانتقائية التي تعامل بها الدكتور شريعتي في تناوله للمسائل التاريخية.
وأما جواب استشهاده بموقف أمير المؤمنين× فمن خلال نقاط:
أـ إن الخلفاء كانت لديهم خطوط حمراء لم يتخطّوها. ولقد رأينا أنه عندما تعدّى الخليفة الثالث عثمان بن عفان([24]) هذه الخطوط تصدّى الإمام× له، ووقف في وجهه([25]).
ب ـ إن الإسلام كان جديد عهدٍ، وأيُّ قيامٍ كان سيؤدّي إلى تعرُّض أصل الإسلام للخطر، ورجوع الناس إلى الجاهلية([26]).
ج ـ لم يكن لأمير المؤمنين× العدد اللازم من الأتباع ليغيِّر الوضع الذي قام بعد وفاة رسول الله|، ولو توفَّر لقام بالإصلاح والتغيير، وإنْ كان بالسيف([27]).
فالمقارنة لم تكن صحيحةً.
8ـ الإسلام واللعن
من المؤاخذات التي طرحها الدكتور شريعتي على ما يسمّيه (التشيُّع الصفوي) هو السباب والشتيمة. ويذهب إلى أن السباب والشتيمة قد نهى عنها الإسلام، وأنه يعبِّر عن هبوط شخصية المتكلِّم قبل السامع. ويستدلّ بكلام لأمير المؤمنين× قاله لأصحابه في صفين: «إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين»([28]).
أقول: للجواب على هذه الشبهة لا بُدَّ من ذكر أمور:
أـ قد يكون اللعن واجباً وجزءاً من الإيمان إذا اقتصر المكلَّف عليه، قاصداً به البراءة؛ فالباري تعالى كما أوجب موالاة أوليائه ومودّتهم أوجب معاداة أعدائه والبراءة منهم، ولو كانوا أقرب الناس وألصقهم نسباً([29]).
ب ـ إن الله تعالى جعل من اللعن وسيلةً لإثبات دعوى النبوة، وحجّة على الجاحدين لها، في مباهلة نصارى نجران([30])؛ ولذلك انقطعوا ولجأوا إلى الصلح، وبذل الجزية، ولم يجدوا إلى ترداد القول سبيلاً. وهذا دليلٌ واضح على اعتنائه تعالى بشأن اللعن.
ج ـ إن النبيّ| لعن جماعةً من مرتكبي المعاصي([31]). وقد لعن أمير المؤمنين جماعةً([32]). فلولا أنه كان يرى أن لعنهم من أقرب القربات لما لعنهم.
د ـ إن النهي الوارد في بعض النصوص إنما جاء عن جعل السبّ خُلُقاً لهم. فالنهي بسبب المبالغة فيه والإفراط في ارتكابه، بحيث يلعن مَنْ يستحق ومَنْ لا يستحقّ، لا النهي عن لعن المستحقّين.
هـ ـ إن تصريح الأئمّة^ باللعن يدلّ على مشروعية اللعن لمَنْ يستحقّه، بل على استحبابه، وترتُّب الثواب عليه؛ إذ لولا ذلك لما صرَّحوا به في هذه الأدعية والروايات الشريفة، وجعلوه من جملة الدعاء الذي يتقرّب به إلى الله تعالى. فاللعن عبادة بالنسبة لمستحقّيه، كالصلاة، فإنها عبادة بالنسبة إلى مستحقّيها. وكما يترتَّب الثواب على القسم الثاني كذا يترتَّب على القسم الأوّل إذا وقع في محلّه؛ ابتغاءً لوجه الله.
9ـ القول بغير علم
من الأمور التي يؤاخَذ بها الكاتب هو حديثه عن أمور ليست من اختصاصه، بل هي من اختصاص الفقهاء. فقد تناول مسألة الرِّبا، وجعل يميِّز بين ما هو رباً حقّاً وما هو ليس بربا. وبدأ يناقش في مسألة غير النقدين، وإمكان أن يكون بينهما ربا، واعتبر كلّ مَنْ يقول بعدم وجود الرِّبا في الأوراق النقدية من (التشيُّع الصفوي). ثم تعرَّض إلى الشعائر الحسينية، وبدأ يصنِّفها إلى: حلالٍ وحرام، ومنسجمٍ مع روح الشريعة وغير منسجم.
أقول: إن أكثر الناس مدحاً للدكتور شريعتي لم يدَّعِ أنه كان مجتهداً([33]). وهذا الذي تحدَّث به هو من عمل الفقهاء واختصاصاتهم. فالفقيه يتبع الدليل. وحيث إن الدليل (بالفرض) وصل عند أحد الفقهاء إلى عدم صدق معنى الرِّبا على هذا الموضوع فإنه يفتي بما وصل إليه. أفهل يكون بذلك تابعاً للظالمين، وخارجاً عن الدين الذي يعتقده أمير المؤمنين×؟ وهكذا الأمر بالنسبة إلى الشعائر الحسينية؛ فإن هذا الأمر من اختصاص الفقهاء، استناداً إلى الأدلة الشرعية([34]).
10ـ قضية أمّ الإمام زين العابدين(عليه السلام)([35])
ناقش المؤلِّف مسألة أمّ الإمام زين العابدين’. وقد أطنب فيها. واعتبر فيه أن نسبة أمّ الإمام زين العابدين× إلى يزدجرد([36]) من صنائع الصفويّين، وهم الذين طبَّلوا وزمّروا لها. ولكنّه لم يأتِ بأيّ شواهد على ادّعاءه، واستهزأ كثيراً بقضيّة خطبة رسول الله| والزهراء÷ لبنت يزدجرد.
أقول: الجواب عن هذه الشبهة بـ:
أـ إن مَنْ ذكر هذا الأمر كبار محدِّثي الطائفة، فقد ذكره الشيخ الكليني([37])، والشيخ الصدوق([38])، في روايةٍ عن الإمام الباقر×. وهما كما هو معروف ولدا وعاشا وتوفّيا قبل مئات السنين من تأسيس الدولة الصفوية، فكيف يكون من صنائعهم؟!
ب ـ لم تكن مسألة الإمام السجّاد× الوحيدة؛ فقد ذكر المحدِّثون، وأغلب مَنْ كتب عن الإمام الحجّة#، أنّ أمّه÷ كانت من بنات ملوك الروم([39])، وقصتها تشبه كثيراً قصّة أمّ الإمام السجاد×. فهل يكون معنى هذا أن الروم هم الذين ابتكروا الفكرة، وطبَّلوا وزمَّروا لها؟!
ج ـ إنه أمرٌ طبيعي أن يفتخر أيّ شعب أو قبيلة أن تكون لها علاقة مصاهرة مع أهل بيت النبوة^؛ فهذا رسول الله| والإمام أمير المؤمنين× والإمام الحسين×، وكذلك ولده الإمام زين العابدين×، نجدهم يفتخرون بآبائهم بما هو مشهورٌ، فلماذا إذن ينكر على غيرهم؟([40]).
د ـ لا مانع من أن يخطب رسول الله| والزهراء÷ زوجة الإمام الحسين×، بل هو مقتضى الحال (إنْ صحّت الرواية). وهذا القرآن الكريم يشير إلى أحداث حَدَثَتْ في المنام، وكذلك السنّة الشريفة. فإنْ كانت المشكلة في المنام فلا بُدَّ حينئذٍ من إنكار كلّ تاريخنا في القرآن والسنّة الذي وقع في المنام، ولا مجال لقبول ذلك.
11ـ الفرس في الفكر الإسلامي
شكّك الدكتور شريعتي في الروايات والأحاديث التي جاءت تمدح الفرس، واعتبر ذلك من مخلّفات (التشيُّع الصفوي).
أقول: الردّ على هذا التشكيك بجوابين:
أـ إن النصوص التي دلّت على فضل الفرس والعجم بالمعنى الأخصّ وردت في كتب ألِّفت قبل ظهور الصفويين وحكمهم.
ب ـ إن هذه الروايات لم يختصّ بها الشيعة حتّى تنسب إلى (التشيُّع الصفوي)، بل هي في أغلبها من مصادر العامّة([41]).
12ـ نقده للحوزة العلميّة، واعتبارها خاملة، وراكنة للظلمة
يريد المؤلِّف أن يلقي لمستمعه أن الحوزة العلمية في الأعمّ الأغلب هي حوزةٌ ذات فكر ومنهج صفويّ، وأنها قد ركنت إلى الظَّلَمة، وتحوَّلت إلى أفيون للشعوب، ومساندة للحكام الجائرين.
أقول: إن المراجع لتاريخ الحوزة العلمية يجد أنها تفاعلت مع كلّ الأحداث التي واجهت الأمّة. وهناك شواهد عديدة وصارخة تدلّ على ذلك، منها: قضية التنباكو([42]). فعندما أحسّت المرجعية بالخطر على مصالح المسلمين وجدناها تتصدى للدفاع عن حقوق المسلمين ومصالحهم، وتتصادم مع الحاكم والجائر، وكان الحاكم آنذاك شيعياً. وأيضاً دَوْرها في الحركة المشروطة([43])، ومشاركتها فيها بكلّ ثقلها؛ من أجل رفع الحَيْف والظلم عن المسلمين ورعاية مصالحهم، مع أن الحاكم في ذلك الوقت كان شيعياً أيضاً. وأيضاً النهضة التي قام بها الإمام الخميني&، والتي أدّت إلى قيام الجمهورية الإسلامية، فقد كان الحاكم شيعياً، ولكننا نجد الحوزة العلمية نهضت ضدّه عندما أحسّت بالجَوْر والظلم وضياع حقوق المسلمين. نعم، إن لكلّ قاعدة شواذاً، ولكنّ القياس يكون على القاعدة، لا أن نتّخذ بعض الشواذ متّكأً؛ لكي نكيل التُّهَم لهذه المؤسسة الربّانية، ونعتدي عليها بهذا الشكل.
13ـ إنكاره للولاية التكوينية
أنكر المؤلِّف موضوع الولاية التكوينية. واستدلّ على إنكاره لها بأن هدف الأئمّة^ لم يكن إثبات أن لديهم ولايةً تكوينية حتّى يكون همُّهم أن يأتوا بها، بل كان همُّهم هو هداية الناس.
أقول: ينبغي أوّلاً التعريف بالولاية التكوينية، ثم نجيب عن الشبهة التي قام بطرحها الدكتور شريعتي. فالولاية التكوينية هي التصرُّف التكويني بالمخلوقات، إنساناً كان أو غيره. ويدلّ عليها آياتٌ، منها:
ـ قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ (الأعراف: 117 ـ 119).
ـ قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ (المائدة: 110).
وقد أسند الله الفعل إلى الأنبياء. وغير ذلك من الآيات. وبما أنه لا نحتمل أن يكون ذلك ثابتاً للأنبياء دون نبيِّنا فحينئذٍ ثبت ذلك لنبيِّنا محمد|. وقد ثبت أن عليّاً× نفس النبيّ| بنصّ القرآن، ولا فرق بين الأئمة^، إذن ما ثبت للأنبياء ثبت للنبيّ|، وما ثبت له ثبت للأئمّة^، إلا منصب النبوة.
نعم، الفرق بين الأنبياء والأئمة أن الأنبياء كانوا يفعلون ذلك لإثبات نبوتهم بالمعجزة، وأما الأئمة فكانوا لا يفعلون ذلك إلاّ في موارد نادرة، كما ورد ذلك في الأخبار، وكان الناس مكلَّفين بمعرفتهم، امتحاناً من الله للأمّة، بعد وفاة الرسول|، حتّى يتميَّز مَنْ يأخذ بقوله| ومَنْ لا يأخذ به، ولذا ورد في الزيارة: «والباب المبتلى به الناس»([44])، فكيف يظنّ بشخصٍ يلتزم بإمامتهم، وأنهم عدل للنبيّ| إلاّ في منصب النبوة، ولا يلتزم بالولاية التكوينية لهم^؟! مع أن الحكمة الإلهية اقتضَتْ أن تكون الولاية التكوينية بأيديهم؛ حتّى يتمكَّنوا من إبطال مَنْ يدّعي النبوة بعد النبيّ| بالسحر ونحو ذلك، ممّا يوجب إضلال الناس.
وقد خلط الدكتور شريعتي بين أمرين، هما: الهدف؛ والوسيلة. فهدف الأئمة^ هو الهداية، ولديهم من أجل تحقيق هذا الهدف وسائل، منها: الولاية التكوينية. ولو كان الأمر كذلك لاعتبر إتيان الأنبياء^ بمعاجزهم هدفاً. ولا أدري كيف اكتفى الدكتور شريعتي بهذا الدليل، وفي تلك الموقعية لردّ هكذا موضوع معقَّد، ألَّف له علماؤنا كتباً، وعقدوا له فصولاً مطوَّلة لبحثه؟!
14ـ لم يدعم أو يوثِّق المؤلِّف ما نسبه إلى الفقهاء والمحدِّثين أو المؤرِّخين وغيرهم، من رأيٍ أو فتوى، وذلك بإرجاعه إلى المصادر الأوّلية أو المراجع الثانوية. فمن الناحية العلمية هو كتابٌ فاقد لأيّ اعتبارٍ.
الهوامش
(*) أستاذُ التاريخ في جامعة الإمام الخمينيّ& للدراسات العليا ـ قم. من العراق.
([1]) كان ظهور الصفويين في أذربيجان، وكانت عاصمة دولتهم في البدء مدينة تبريز، ثم انتقلت إلى مدينة قزوين، ثم انتقلت إلى إصفهان. من ملوكهم المعروفين: الشاه إسماعيل الصفوي (الجلوس: 907 ـ الوفاة: 930)؛ الشاه طهماسب (930 ـ 984)؛ الشاه إسماعيل الثاني (974 ـ 985)؛ الشاه محمد (985 خلع 996)؛ الشاه عباس الكبير (996 ـ 1038)؛ الشاه صفي (1038 ـ 1052)؛ الشاه عباس الثاني (1052 ـ 1078)؛ الشاه سليمان (1078 ـ 1106)؛ الشاه سلطان حسين (1106 ـ 1130)؛ الشاه طهماسب الثاني (1143 ـ 1139). دائرة المعارف (باللغة الفارسية): 34.
([2]) ولد الدكتور علي شريعتي في كاهك في عام 1319هـ.ش. دخل عليّ المدرسة الابتدائية في السابعة من عمره، أنهى في سنّ السادسة عشرة من عمره مرحلة المتوسطة الأولى، ودخل الإعدادية. وفي السنة الثانية من الإعدادية، وفي عام 1322هـ.ش، شارك في تأسيس حركة «نهضت خدابرستان»، أي (جمعية الموحّدين). وفي عام 1331هـ.ش، اعتقل لأوّل مرّة، على أثر أول مواجهة له مع الحكومة، وموقفه المؤيد للحكومة الوطنية. في عام 1331هـ.ش، حينما كان في المرحلة الأخيرة من الإعدادية، بدأ بترجمة كتاب أبي ذرّ الغفاري. بعد حصول علي شريعتي على شهادة الثانوية من معهد المعلِّمين عمل في مجال التعليم، وإلى جانب التعليم ـ في مدرسة كاتب پور الابتدائية، وكان يواصل الدراسة مساءً، إلى أن حصل على شهادة الدبلوم العالي. في عام 1334هـ.ش التحق بكلّية العلوم والآداب الإنسانية في مشهد. في شهر مهر من عام 1336هـ.ش ألقي القبض عليه. حاز في عام 1338هـ.ش على المرتبة الأولى، وحاز على زمالة دراسية. دخل في بداية دراسته [في فرنسا] عام 1959م في جامعة السوربون في قسم الآداب والعلوم الإنسانية (القرون الوسطى وتاريخ الإسلام). انضمّ علي أثناء وجوده في أوروبا إلى شبّان النهضة الوطنية الإيرانية، وأخذ يشارك في نشاطات الحركات الطلابية الإيرانية في أوروبا، ومنها: اتحاد الطلاب الإيرانيين المقيمين في فرنسا، واتحاد الطلبة الإيرانيين في الخارج. وكان يساهم معهم في كتابة البيانات والكلمات. ودافع في هذه السنة (1963) عن رسالته، وحصل رسمياً على شهادة الدكتوراه من الجامعة. توفي سنة 1356هـ.ش، ودفن في سوريا. وله مؤلَّفات عديدة، أكثرها منشور، ومنها: الكتاب محل البحث. صحيفة مردم إيران (الشعب الايراني) الأسبوعية، العدد 32، تاريخ 25/5/1358هـ.ش.
Firouzeh Nahavandi, «Aux Sources dela Revolution Iranienne» Harmattan, Pub, 1988, P. 164 ـ171.
([3]) راجع صحيفة النور 7: 42، وفيها يشير الإمام الخميني& إلى أن هناك خلافاً حول شخصية الدكتور شريعتي، دون إبراز رأي معين.
([4]) ككتاب (الطفل بين الوراثة والتربية)، للعلامة الخطيب محمد تقي الفلسفي.
([5]) بدأت السلطة البهلوية على إيران باستيلاء رضا خان على السلطة سنة 1304هـ.ش، بعد تنحية آخر ملوك السلالة القاجارية أحمد شاه. وبعد احتلال الحلفاء إيران سنة 1941م نُحِّي عن الملك، ونصب الحلفاء ابنه محمد رضا ملكاً. وأسقظ الأخير في الثورة الإسلامية المباركة بقيادة الإمام الخميني سنة 1979م. دائرة المعارف (فارسي): 36 (المؤلِّف).
([6]) هو اتحاد مكوَّن من عدّة جمهوريات، تأسس سنة 1917م، بعد الثورة البلشفية، التي قادها الحزب الشيوعي الروسي. وقد تلاشى هذا الاتحاد سنة 1991م، وتحوَّل إلى عدّة جمهوريات (المؤلِّف).
([7]) كان ظهور أمراء آل بويه من مازندران، وبحكومتهم انتهت حكومة الأمراء العرب الذين كانوا يسيطرون على زمام الأمور في الدولة الإسلامية. ومن أبرز أمرائهم: عماد الدولة عليّ بن بويه (الجلوس: 322 ـ الوفاة: 338)؛ وركن الدولة حسن بن بويه، ومعزّ الدولة أحمد بن بويه، وعضد الدولة ابن ركن الدولة، وفخر الدولة ابن ركن الدولة، والذي كان الأديب العظيم الصاحب بن عبّاد وزيراً له. وكان آخر أمرائهم السلطان رحيم ابن أبو كاليجار (443 ـ 450هـ). دائرة المعارف (فارسي)، مهرداد مهرين: 31.
([8]) زعيم المسلمين ومؤسس الجمهورية الإسلامية السيد روح الله بن السيد مصطفى الموسوي الخميني. ولد في مدينة خمين، إحدى توابع المحافظة المركزية في إيران في 30 شهريور 1279هـ.ش، المصادف مع ولادة الصديقة الطاهرة÷. استشهد والده وهو بعدُ لم يبلغ 5 أشهر، فتولَّت رعايته والدته السيدة هاجر، والتي توفيت وهو لم يبلغ 15 سنة. وبعد دراسته المقدّمات في مدينته انتقل إلى مدينة أراك سنة 1298هـ.ش، وبعد سنتين انتقل إلى مدينة قم. نال أعلى الدرجات العلمية في معظم الدروس التي درسها. وبعد وفاة السيد البروجردي تولّى التدريس في المسجد الأعظم. وبعد الإجراءات التي قام بها الشاه الخائن أعلن نهضته على هذا النظام، ممّا أدّى إلى إبعاده إلى تركيا، ومنها هاجر إلى النجف الأشرف، حيث بقي هناك إلى أن قام بقيادة الثورة الإسلامية وانتصارها سنة 1357هـ.ش. توفي سنة 1368هـ.ش، ودفن في مقبرة جنّة الزهراء في طهران. (سيرته مأخوذة من القرص المدمّج روح الله 2).
([9]) السلطان أنو شيروان ولد سنة 531م، ووقعت في عهده عدّة حروب بين إيران والروم. عقد أنوشيروان صلحاً مع الروم أسموه بالصلح الدائم. وبعد مدّة ساءت ظنون أنوشيروان بالروم، فأعد العدّة وجهّز الجيوش للهجوم على الروم، واشتعلت نيران الحرب. وفي فترة قليلة نسبياً فتح الفرس سورية، وأحرقوا مدينة أنطاكية، ونهبوا آسيا الصغرى. واستمرت الحروب حتّى عشرين عاماً، وحتّى فقد كلّ من المعسكرين إمكاناتهم وطاقاتهم فيها. وبعد خسائر كثيرة عقدوا الصلح بينهم مرّةً أخرى، ورجعوا إلى حدودهم السابقة كما كانت، شريطة أن يدفع الروم كلّ عام عشرين ألف دينار من الذهب لإيران. وبعد أن تملَّك في الروم «تي پاريوس» بدأ هجوماً عنيفاً على إيران؛ بغية الانتقام منها، واستمرت هذه الحروب سبع سنين. وفي فتنة مزدك قتل ثمانين ألفاً من أصحابه؛ ليقتلع جذور الفتنة، بينما جذور الفتنة كانت تكمن في التمايز الطبقي، وكنـز الثروات بيد الأثرياء الأغنياء، وحكر الثراء والمقام بأيدي طبقة خاصة، إلى جانب حرمان الأكثرية الساحقة، وسائر المفاسد الأخرى، في حين يحاول أنوشيروان أن يسكت الناس بالضغط وقوّة السلاح. وبصدد توجيه نسبة صفة العدالة إلى أنوشيروان يقول إدوارد براون: «وذلك لشدّة بطشه بالزنادقة المزدكيين، ممّا حبَّبه إلى مؤبد المجوس، وهم الذين أثبتوا له هذه الصفة. ووصفوه بأنه كان قد علق خارج قصره سلسلة ليحرِّكها المظلومون، فينبِّهونه بذلك، ويدعونه للعدل بشأنهم. ومات عنها أنوشيروان سنة 589م. التاريخ الاجتماعي لإيران (فارسي) 11: 618؛ تاريخ أدبي إيران (فارسي) 1: 246.
([10]) الشاه عباس الصفوي الماضي ولد في هرات 978هـ، وجلس للملك 996هـ، وتوفّي 1038هـ. ومدة ملكه 42 سنة. وقد كتب إسكندر بيك تاريخ (عالم آرا) في وقايع تلك المدّة، وهو الذي جعل إصفهان دار السلطنة في 1000هـ، بعد مقتلة الصوفية بقزوين. الذريعة (القسم 2) 9: 680.
([11]) السلطان ناصر الدين شاه ولد سنة 1247هـ، وجلس على سرير الملك سنة 1264هـ، وتوفّي سنة 1313هـ. الذريعة 2: 478.
([13]) قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾ (المائدة: 44 ـ 47).
([14]) كانت الدولة العثمانية التركية أقوى دولة إسلامية في القرن العاشر الهجري، وقد استبدّ السلطان سليم بعد أبيه بالحكم، وابتدأه بقتال الطامعين فيه من إخوته وأبنائهم، إلى أن قضى عليهم، ثم توجّه إلى قتال الشاه إسماعيل مؤسِّس الدولة الصفوية بفارس، وكان شيعياً علوياً ينتهي إلى عليّ بن أبي طالب. فحاربه السلطان سليم، واستولى على مدينة تبريز قاعدة ملكه، وانتزع منه العراق وما إليه من البلاد، ثم توجه بعد هذا إلى قتال المماليك بمصر، فحاربهم حتّى أسقط دولتهم سنة 923هـ = 1517م، وانتزع لنفسه الخلافة الصورية من آخر خلفاء بني العبّاس بمصر. وبهذا صار ملوك الدولة العثمانية التركية خلفاء المسلمين، بعد أن كانوا ملوكاً على دولتهم فقط. ثم توفّي السلطان سليم سنة 926هـ = 1520م، فخلفه ابنه السلطان سليمان الأوّل القانوني. وفي عهده وصلت هذه الدولة إلى نهاية عظمتها، فاستولت على بلاد الصرب والمَجَر، ووصلت فتوحاتها إلى فيينا قاعدة النمسا، واستولت على الجزائر وغيرها من بلاد المغرب. وقد انتهت باستيلائها على تلمسان دولة بني زيان سنة 952هـ ـ 1545م، واستولت على اليمن وغيره من بلاد العرب. وكان لهذا السلطان إصلاحات دينية ومدينة عديدة، ثمّ توفّي سنة 974هـ = 1566م، فخلفه ابنه سليم الثاني، وكان ضعيفاً لا يتحلّى بالصفات التي تمكِّنه من إدارة هذه المملكة الواسعة، ولكنْ كان له وزيرٌ عظيم هو محمد باشا الصقلي، فاعتمد عليه في تدبير أمور هذه الدولة، وإليه يرجع الفضل في المحافظة عليها في عهده. وقد تمّ في عهده الاستيلاء على مدينة تونس من بلاد المغرب، فانتهت بهذا الدولة الحفصية سنة 981هـ = 1573م، وتوثَّقت العلاقة في عهد هذا السلطان بين فرنسا والدولة العثمانية التركية، حتى أباح لفرنسا أن ترسل بعوثاً دينية إلى البلاد الإسلامية، فأرسلت إليها كثيراً من هذه البعوث، مع أنها كانت تقصد تربية الطوائف المسيحية الموجودة بين المسلمين على الإخلاص لها، وسيكون لهذا من العواقب السيِّئة ما سيأتي بيانه في القرون الآتية، ثمّ توفّي هذا السلطان سنة 982هـ = 1574م، فخلفه ابنه مراد الثالث، وابتدأ حكمه بعادتهم السيِّئة، فقتل إخوته؛ لئلاّ ينازعوه في الملك، ثم أعلن تحريم شرب الخمر، وكان قد شاع في عهد أبيه، وأفرط فيه الإنكشارية، فثاروا عليه، واضطرّوه إلى إباحته بالمقدار الذي لا يُسْكِر. وفي عهده كانت علاقة الدولة حسنةً مع فرنسا والبندقية وإنجلترا، وقد حصلت هذه الدول على كثيرٍ من الامتيازات التجارية في بلاد الدولة بسبب هذه العلاقة، وسيكون لهذه الامتيازات أثرها السيّئ في القرون الآتية. وقد وقعت في عهد هذا السلطان حروب كثيرة بينه وبين الدولة الصفوية، فازدادت بها العلاقة سوءاً بينهما، وكانت أَوْلى بحسن العلاقة من الدول الأوروبية السابقة. وفي عهده أعلنت الفلاخ والبغدان وترنسلفانيا العصيان على الدولة، وأمكنها بمساعدة ملك النمسا وألمانيا الاستيلاء على مدن كثيرة من هذه البلاد. وكانت وفاة هذا السلطان سنة 1003هـ = 1594م. وكانت نهاية الدولة العثمانية وتفكُّكها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمتها فيها. سبل الهدى والرشاد 1: 35.
([15]) نسبة إلى أمية بن خلف، الكافر الذي قتل في يوم بدر، قتله بلال الحبشي. بدأ حكمهم الفعلي أيام الخليفة الثالث، حيث ولاّهم جميع الأقطار الإسلامية تقريباً، وسلَّطهم على رقاب المسلمين. وأعلن حكمهم رسمياً في زمن معاوية بن أبي سفيان، فكان أول ملوكهم، وآخر ملوكهم مروان بن محمد (الحمار). وانتهى حكمهم كما أرشد إليه القرآن الكريم بعد ألف شهر، سنة 131هـ، على يد بني العبّاس، واختفى نسلهم من الوجود. شرح ابن أبي الحديد 1: 198؛ 3: 33؛ المصنّف 8: 477؛ الثقات 2: 322.
([16]) العبّاسيون: نسبة إلى العبّاس بن عبد المطّلب عمّ النبيّ الأعظم|. كانت بداية دولتهم سنة 132هـ، عندما قتل داوود بن عليّ بن عبد الله بن عباس مروان بن محمد ببوصير، وبويع أبو العباس اسمه (السفّاح) عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب. ومات أبو العباس بالأنبار 136هـ، واستخلف (المنصور) عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. ومات أبو جعفر المنصور بمكة 158هـ، واستخلف (المهديّ) محمد بن عبد الله المنصور. وتوفّي المهديّ 169هـ، واستخلف موسى (الهادي). ومات موسى بن الهادي 170هـ، واستخلف (هارون) الرشيد. ومات الرشيد، وكانت خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهراً وستّة عشر يوماً، واستخلف (الأمين) محمد بن الرشيد. وقُتل الأمين 198هـ؛ واستخلف (المأمون) عبد الله بن هارون. ومات المأمون 218هـ، واستخلف (المعتصم) محمد بن هارون الرشيد. ومات المعتصم 227هـ، واستخلف هارون (الواثق) بن المعتصم. ومات هارون 232هـ، واستخلف جعفر (المتوكِّل) بن المعتصم. وقتل المتوكِّل، وكانت خلافته أربعة عشر سنة وتسعة أشهر، وولي (المنتصر) ولده، فأقام ستّة أشهر ومات، وولي (المستعين)، فأقام أربع سنين إلا ثلاثة أشهر وخلع، وولي (المعتز)، فأقام ثلاث سنين وتسعة أشهر وقتل، وولي (المهتدي)، وقتل فكانت ولايته أحد عشر شهراً، وتولّى (المعتمد)، وولي (المعتضد)، وكانت نهاية عهدهم على يد هولاكو المغولي سنة 656هـ. كتاب المحبر: 33؛ معاني القرآن 1: 7.
([17]) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، القرشيّ الأمويّ: مؤسِّس الدولة الأموية. ولد بمكة سنة 20هـ، وأسلم يوم فتحها (سنة 8هـ). وتعلم الكتابة والحساب، فجعله رسول اللهﷺ في كتابه. ولمّا ولي (أبو بكر) ولاّه قيادة جيش تحت إمرة أخيه يزيد بن أبي سفيان، فكان على مقدّمته في فتح مدينة صيداء وعرقة وجبيل وبيروت. ولمّا ولي (عمر) جعله والياً على الأردن، ثم ولاّه دمشق بعد موت أميرها يزيد (أخيه)، وجاء (عثمان) فجمع له الديار الشامية كلها، وجعل ولاة أمصارها تابعين له. وقتل عثمان، فولي (عليّ بن أبي طالب)، فوجّه لفوره بعزل معاوية. وعلم معاوية بالأمر قبل وصول البريد، فنادى بثأر عثمان، واتَّهم عليّاً بدمه. ونشبت الحروب الطاحنة بينه وبين عليٍّ، وانتهى الأمر بإمامة معاوية في الشام، وإمامة عليّ في العراق. ثم قُتل عليٌّ، وبويع بعد ابنه الحسن، فسلَّم الخلافة إلى معاوية سنة 41هـ. توفّي سنة 60. الأعلام 7: 261.
([18]) شرح ابن أبي الحديد 4: 6؛ تاريخ ابن كثير 8: 131؛ الانتصار 8: 7؛ الصراط المستقيم 3: 48؛ الغدير 10: 326.
([19]) المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي (1 ـ 67 هـ = 622 ـ 687م)، أبو إسحاق: من زعماء الثائرين على بني أمية، وأحد الشجعان الأفذاذ. من أهل الطائف. انتقل منها إلى المدينة مع أبيه في زمن عمر، وتوجَّه أبوه إلى العراق فاستشهد يوم الجسر، وبقي المختار في المدينة منقطعاً إلى بني هاشم. وتزوَّج عبد الله بن عمر بن الخطّاب أخته (صفية بنت أبي عبيد)، ثم كان مع عليٍّ بالعراق، وسكن البصرة بعد عليٍّ. ولما قتل (الحسين) سنة 61هـ انحرف المختار عن عبيد الله بن زياد (أمير البصرة)، فقبض عليه ابن زياد وجلده وحبسه، ونفاه بشفاعة ابن عمر إلى الطائف. ولما مات يزيد بن معاوية (سنة 64هـ)، وقام عبد الله بن الزبير في المدينة بطلب الخلافة، ذهب إليه المختار، وعاهده، وشهد معه بداية حرب الحصين بن نمير، ثم استأذنه في التوجُّه إلى الكوفة؛ ليدعو الناس إلى طاعته، فوثق به، وأرسله، ووصّى عليه. غير أنه كان أكبر همّه منذ دخل الكوفة أن يقتل من قاتلوا (الحسين) وقتلوه، فبايعه زهاء سبعة عشر ألف رجل سرّاً، فخرج بهم على والي الكوفة عبد الله بن مطيع، فغلب عليها، واستولى على الموصل، وعظم شأنه. وتتبَّع قتلة الحسين، فقتل منهم شمر بن ذى الجوشن الذي باشر قتل الحسين، وخولّي بن يزيد الذي سار برأسه إلى الكوفة، وعمر بن سعد بن أبى وقّاص أمير الجيش الذي حاربه. وأرسل إبراهيم بن الأشتر في عسكرٍ كثيف إلى عبيد الله بن زياد، الذي جهَّز الجيش لحرب الحسين، فقتل ابن زياد، وقتل كثيرين ممَّنْ كان لهم ضلع في تلك الجريمة. وكان يرسل بعض المال إلى صهره ابن عمر وإلى ابن عبّاس وإلى ابن الحنفية، فيقبلونه. وعلم المختار بأن عبد الله بن الزبير اشتد على ابن الحنفية وابن عباس؛ لامتناعهما عن بيعته (في المدينة)، وأنه حصرهما ومَنْ كان معهما في (الشعب) بمكّة، فأرسل المختار عسكراً هاجم مكة وأخرجهما من الشعب، فانصرفا إلى الطائف، وحمد الناس له عمله. ورُويت عنه أبياتٌ قالها في ذلك، أوّلها:
تسربلت من همدان درعاً حصينة *** تردّ العوالي بالأنوف الرواغم
وعمل مصعب بن الزبير، وهو أمير البصرة بالنيابة عن أخيه عبد الله، على خضد شوكة المختار، فقاتله، ونشبت وقائع انتهت بحصر المختار في قصر الكوفة، وقتله ومَنْ كان معه. ومدّة إمارته ستة عشر شهراً. وفي (الإصابة)، وهو من غريب المصادفات، أن عبد الملك بن عمر ذكر أنه رأى عبيد الله ابن زياد وقد جيء إليه برأس الحسين، ثم رأى المختار وقد جيء برأس عبيد الله بن زياد، ثم رأى مصعب بن الزبير وقد أُتي برأس المختار، ثم رأى عبد الملك بن مروان وقد حُمل إليه رأس مصعب. الأعلام 7: 192.
([20]) زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب: الإمام، أبو الحسين، العلويّ الهاشمي القرشي. (79 ـ 122هـ = 698 ـ 740م) ويقال له: (زيد الشهيد). عدَّه الجاحظ من خطباء بني هاشم. وقال أبو حنيفة: ما رأيت في زمانه أفقه منه، ولا أسرع جواباً، ولا أبين قولاً. كانت إقامته بالكوفة، وقرأ على واصل بن عطاء (رأس المعتزلة)، واقتبس منه علم الاعتزال. وأشخص إلى الشام، فضيّق عليه هشام بن عبد الملك، وحبسه خمسة أشهر. وعاد إلى العراق، ثم إلى المدينة، فلحق به بعض أهل الكوفة يحرِّضونه على قتال الأمويين، ورجعوا به إلى الكوفة سنة 120هـ، فبايعه أربعون ألفاً على الدعوة إلى الكتاب والسنّة، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، والعدل في قسمة الفَيْء، وردّ المظالم، ونصر أهل البيت. وكان العامل على العراق يومئذٍ يوسف بن عمر الثقفي، فكتب إلى الحكم بن الصلت، وهو في الكوفة، أن يقاتل زيداً، ففعل. ونشبت معارك انتهت بمقتل زيد في الكوفة، وحمل رأسه إلى الشام، فنصب على باب دمشق. ثم أرسل إلى المدينة فنصب عند قبر النبيّﷺ يوماً وليلة، وحمل إلى مصر فنصب بالجامع، فسرقه أهل مصر ودفنوه. الأعلام 3: 59.
([21]) (شهيد فخّ) الحسين بن عليّ بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب×، صاحب فخّ. أمه زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب×. خرج في أيام موسى الهادي بن المهدي بن أبي جعفر المنصور مع جماعةٍ كثيرة من العلويين بالمدينة، في ذي القعدة سنة 169هـ، وصلّى بالناس الصبح، ولم يتخلَّف عنه أحدٌ من الطالبيّين إلاّ الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب× وموسى بن جعفر×. وخطب على منبر رسول الله|، وخرج إلى الحجّ في تلك السنة، وحجّ أيضاً العباس بن محمد وسليمان بن أبي جعفر وموسى بن عيسى، فلمّا صاروا بفخّ، وهو بفتح الفاء وتشديد الخاء، بئر بينه وبين مكّة فرسخ تقريباً، وقع بينهم الحرب، فالتقوا يوم التروية وقت صلاة الصبح، فكان أوّل مَنْ بدأهم موسى، فحملوا عليه فاستطرد لهم شيئاً حتّى انحدروا في الوادي، وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم فطحنهم طحنةً واحدة حتّى قتل أكثر اصحاب الحسين، ثم قتل الحسين وسليمان بن عبد الله بن الحسن المثنى وعبد الله بن إسحاق بن ابراهيم بن الحسن المثنّى، وأصاب الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن المثنّى نشابة في عينه، فتركها، وجعل يقاتل أشدّ القتال حتّى أمنوه ثم قتلوه، وجاء الجند بالرؤوس والأسرى إلى موسى الهادي، فأمر بقتلهم، ومات في ذلك اليوم. الكنى والألقاب 2: 391.
([22]) قال الشيخ كاشف الغطاء في شرح موقف الشيعة من هذا الغزو: (وخرج الشيعة لمحاربة الغزاة الإنجليز بشكلٍ اقشعرّت له أبدانهم، واهتزّت لمنظره أفئدتهم. نعم، لقد اصطف الشيعة آنذاك، يتقدّمهم علماؤهم الأبرار، مع بقايا الجيش العثماني المهلهل المنهزم؛ لإدراكهم بوضوحٍ ما يشكله الاستعمار البريطاني من مخاطر وخيمة، لا تستهدف خيرات الشعوب المسلمة فحَسْب، قدر ما يمثله من خطر جدّي على عموم العقيدة الإسلامية المباركة بكلّ أبعادها، خلاف الدولة العثمانية التي رغم كل انحرافاتها ومساوئها فإنها يحتويها معهم رباط الإسلام المقدَّس. وهذا ما أثبتت صوابه الأيام. وهكذا فقد بدأت قوافل العلماء المجاهدين بالتوجُّه إلى ساحات النـزال والمجالدة الشرعية، مرتدين أكفان الشهادة بعزيمة وإصرار راسخين، مسجِّلين مآثر ازدانت بها صفحات التأريخ، وتفاخر بها الأبناء ومن بعدهم الأحفاد، وستبقى خالدة مدى الدهر. أصل الشيعة وأصولها: 66.
([23]) تاريخ الدولة العلية العثمانية 1: 189.
([24]) عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أميّة (47ق.هـ ـ 35هـ = 577 ـ 656م)، من قريش: ثالث الخلفاء. ولد بمكة، وأسلم بعد البعثة بقليل. وكان غنياً شريفاً في الجاهلية. وصارت إليه الخلافة بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة 23هـ، فافتتحت في أيامه أرمينية والقوقاز وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبس. وأتمّ جمع القرآن، وكان أبو بكر قد جمعه وأبقى ما بأيدي الناس من الرقاع والقراطيس، فلما ولي عثمان طلب مصحف أبي بكر، فأمر بالنسخ عنه، وأحرق كلّ ما عداه. وهو أول مَنْ زاد في المسجد الحرام ومسجد الرسول، وقدّم الخطبة في العيد على الصلاة، وأمر بالأذان الأوّل يوم الجمعة. واتّخذ الشرطة. وأمر بكلّ أرضٍ جلا أهلها عنها أن يستعمرها العرب المسلمون، وتكون لهم. واتخذ داراً للقضاء بين الناس، وكان أبو بكر وعمر يجلسان للقضاء في المسجد. وروى عن النبيﷺ 146 حديثاً. نقم عليه الناس اختصاصه أقاربه من بني أميّة بالولايات والأعمال، فجاءته الوفود من الكوفة والبصرة ومصر، فطلبوا منه عزل أقاربه، فامتنع، فحصروه في داره يراودونه على أن يخلع نفسه، فلم يفعل، فحاصروه أربعين يوماً، وتسوَّر عليه بعضهم الجدار، فقتلوه صبيحة عيد الأضحى. الأعلام 4: 210.
([25]) شرح نهج البلاغة 3: 20؛ 8: 301.
([26]) قول أمير المؤمنين×: إن الله لما قبض نبيّه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حقٍّ نحن أحقّ به من الناس كافّة، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب، يفسده أدنى وهن، ويعكسه أدنى خلف. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 1: 307 ـ 308.
([27]) قول أمير المؤمنين×: يا بن قيس، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إني لو وجدت يوم بويع أخو تيم ـ الذي عيرتني بدخولي في بيعته ـ أربعين رجلاً، كلّهم على مثل بصيرة الأربعة الذين قد وجدت، لما كففت يدي، ولناهضت القوم، ولكنْ لم أجد خامساً، فأمسكت. كتاب سليم بن قيس: 668 ـ 669؛ إرشاد القلوب: 397؛ بحار الانوار 29: 470 ـ 471.
([28]) الخطبة 206 من نهج البلاغة 2: 185.
([29]) قوله تعالى: ﴿فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ (البقرة: 89)؛ وقوله تعالى: ﴿لَعَنَهُمْ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ (الاحزاب: 57)؛ وقوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً﴾ (النساء: 52)؛ وقوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (البقرة: 161).
([30]) قوله تعالى: ﴿ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ (آل عمران: 61).
([31]) قوله×: «لعن الله من لعن والديه». نهج السعادة 8: 485. قوله×: «ولعن الله آكل الرِّبا». مستدرك الوسائل 13: 336. وقوله|: «ولعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبايعها…». سنن ابن ماجة 2: 174.
([33]) الاجتهاد لغة: المبالغة في الجهد. واصطلاحاً: استنباط الأحكام الفرعية عن مداركها الشرعية المقررة ومصادرها المعتبرة. د. أحمد فتح الله، معجم ألفاظ الفقه الجعفري: 28؛ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، القواعد الفقهية 1: 14.
([34]) الأستاذ مطهري والمتجدّدين (فارسي): 42.
([35]) قال الذهبي: السيد الإمام، زين العابدين، وكان له جلالة عجيبة، وحقّ له ذلك، وكان أهلاً للإمامة العظمى؛ لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألهه، وكمال عقله. وقد كان الزهري إذا حدَّث عن علي بن الحسين يقول: «حدَّثني زين العابدين عليّ بن الحسين»، فقال له سفيان بن عيينة: «ولِمَ تقول له «زين العابدين»؟ قال: «لأنني سمعت سعيد بن المسيّب يحدِّث عن ابن عباس أن رسول الله| قال: «إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ: أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطو بين الصفوف». وعن ابن زيد، عن أبيه زيد بن أسلم، أنه قال: «ما رأيت مثل عليّ بن الحسين فيهم ـ يعني بذلك إمّا قريش أو بني هاشم ـ». وقال أبو زرعة: «ما رأيت أحداً كان أفقه منه». وقال المناوي: «زين العابدين، إمام، سند، اشتهرت أياديه ومكارمه، وطارت بالجوّ في الوجود حمائمه، كان عظيم القدر، رحب الساحة والصدر، رأسا لجسد الرئاسة، مؤملاً للإيالة والسياسة». سير أعلام النبلاء 4: 398؛ علل الشرائع 1: 229؛ المعرفة والتاريخ 1: 544؛ تاريخ دمشق 41: 371؛ الكواكب الدرية 2: 139.
([36]) يزدجرد بن شهريار بن كسرى، وكان ملكه سنة إحدى عشرة من الهجرة، وملك عشرين سنة، وقتل بمرو سنة 31هـ، في خلافة عثمان بن عفان. وكان قد فرّ والتجأ إلى بيت نقّار رحى، فطمع النقّار في ما معه، وفي ثيابه، فقتله غيلةً، وهو نائم. محمد بن حبيب البغدادي، كتاب المحبر: 363؛ تاريخ ابن الأثير 3: 119 ـ 123.
([37]) محمد بن يعقوب بن إسحاق، أبو جعفر الكليني، فقيه إمامي. من أهل كلين (بالري)، كان شيخ الشيعة ببغداد، وتوفّي فيها. من كتبه: (الكافي)، صنَّفه في عشرين سنة؛ و(الردّ على القرامطة)؛ و(رسائل الأئمة)؛ وكتاب في (الرجال). سير النبلاء ـ خ. الطبقة الثامنة عشرة، وفيه: هو بضمّ الكاف وإمالة اللام، توفّي سنة 329هـ. اللباب 3: 49 (بضمّ أوّله وكسر اللام)؛ رجال النجاشي: 266؛ فهرست الطوسي 135؛ أحسن الوديعة 2: 226، 485؛ الأعلام 7: 145.
([38]) الشيخ أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي، المشتهر بالشيخ الصدوق. وعن روضات الجنات: قال صاحب لؤلؤة البحرين: قال العلاّمة في الخلاصة: محمد بن عليّ بن الحسين..، نزيل الريّ، شيخنا وفقيهنا، وجه الطائفة بخراسان. ورد بعد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حديث السنّ. كان جليلاً حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار. ولم يُرَ في القمِّيين مثله في حفظه وكثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنَّف.. مات سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. معجم المطبوعات العربية 1: 43.
([39]) كمال الدين وتمام النعمة: 417.
([40]) الكتاب 28 من نهج البلاغة 3: 34؛ بحار الانوار 45: 138؛ فتوح ابن أعثم 5: 247 ـ 249؛ مقتل الخوارزمي 2: 69 ـ 71.
([41]) سنن الترمذي 5: 60؛ مستدرك الحاكم 2: 485؛ تحفة الإحوذي 9: 103؛ المعجم الأوسطـ 8: 349؛ فتح القدير 5: 43؛ 2: 52؛ الدرّ المنثور 6: 67؛ تفسير ابن كثير 4: 196؛ تفسير القرطبي 16: 258؛ زاد المسير 7: 157.
([42]) وهذه الفتوى كانت لها ظروفها الخاصة بها، وقد صدرت عام 1891م على لسان الميرزا الشيرازي. وقد نصت على أن التدخين الآن حرام، وبمثابة محاربة لإمام الزمان المهديّ المنتظر. وكان السبب في هذه الثورة هو منح شركة بريطانية حقّ استغلال التبغ الإيراني لمدّة خمسين عاماً. الخدعة: 154.
([43]) حركة المشروطة حدثت في إيران من أجل أن تكون الملكية دستورية، لا أن يكون الملك فيها حاكماً مطلقاً؛ لتقليل الظلم على أفراد الأمة، وترقية المجتمع. وتم الإعلان عن السلطنة المشروطة في إيران سنة 1324هـ. حياة الميرزا النائيني&: 6، مركز المصطفى|.