د. محمد كاظم رحمتي(*)
رغم مرور ما يقارب من سبعة قرون على شهادة شمس الدين محمد بن المكّي الجزّيني العاملي(786هـ)، المعروف بالشهيد الأول، إلا أن الإبهام والتناقض لا زال يكتنف التقريرات التي طرحت حول أسباب هذه الشهادة، وكيفيتها؛ فشُحُّ المصادر والمعلومات حول مجريات هذه القضية دفع بالمحقّقين إلى إعمال الحَدْس والتخمين انطلاقاً من تحليل بعض آرائه الفقهية، وتحميلها في معظم التقارير فوق ما تطيق.
في هذا المقال سنحاول إعادة قراءة هذه البيانات والتقريرات، وإعطاء تحليل آخر لأسباب شهادة الشهيد الأوّل، وفق معطيات جديدة.
مقدّمة حول معضلات البحث في قضية استشهاد الشهيد الأول
من المعضلات التي تواجه البحث في تاريخ التشيُّع مسألة قلّة المصادر، بل ما يزيد الأمر صعوبةً تناقض المعلومات والتقريرات، بحيث تكون مستعصية عن الجمع حول الحوادث التاريخية التي تمّ تدوينها في القرون التي أتَتْ بعدها. ورُبَما؛ ولغرض إضفاء نوعٍ من المعقولية على تلك التقارير، تمّ إضافة عناصر أخرى لها([1]). ومسألة شهادة الشهيد الأول نموذجٌ بارز لهذه المعضلة في تاريخ التشيُّع. بل إن ما زاد من تعقيد الأمر هو محاولة بعض التقريرات التي تمّت لهذه القضية في العقود القليلة الأخيرة، والتي سَعَت إلى إلباس هذه القضية لبوساً سياسياً، ومحاولة قراءتها ضمن التجاذبات السياسية، وكان الإصرار على القراءة السياسية لكثيرٍ من الحوادث المشابهة في تاريخ التشيُّع. وبناءً على هذه القراءة تمّ طرح عدّة نظريات حول حادثة استشهاد الشهيد الأول. في دائرة الفقه السياسي تمّ الحديث عن دَوْرٍ سياسي متميِّز للشهيد الأول، كان الادعاء فيه قائماً على أساس أن الشهيد الأول كان له تفسيرٌ خاصّ لمفهوم «نائب الإمام»، وأشير فيه إلى الشهيد الأول بأنه أوّل فقيه شيعي تناول مفهوم «نائب الإمام» في مفهومه العام، عدا المفهوم الخاص الذي له استعمالات في الفقه الشيعي، وأنه فسّره بحيث يساوق في كلّياته مفهوم «الفقيه الجامع للشرائط» (المدّعى الأول). وفي استكمال الاستدلال على المدّعى المتقدِّم نُسب إلى الشهيد الأول مساعٍ أخرى وتفسيرات أخرى؛ ففي مسألة التصرُّف في الحقوق الشرعية، من خمس وزكاة ونحوهما، طُرحت نظريات بحيث يُفهم منها أن الشهيد أرادها معيناً له في تحقيق أهدافه السياسية. والواقع أنه نُسبت إلى الشهيد الأول نظريات ادُّعي فيها بأنه أول فقيه شيعي ادّعى أن للفقيه التصرّف في الحقوق الشرعية في زمن الغيبة الصغرى. وفي استكمال المعطيات، حيث لا بُدَّ من أرضية اجتماعية خاصة تثبت تحرّكات الشهيد الأول وفعّاليته، وضمن هذه التحقيقات نُسب إلى الشهيد الأول فعاليات علمية على مستوى منطقة جزّين، هذه الفعاليات التي تشمل التدريس والعمل على إيجاد مشروع حوزة شيعية في جبل عامل، وبالتحديد في جزّين، مسقط رأسه (المدّعى الثاني). وكان غياب معلومات كافية حول حياة الشهيد الأول بمثابة الأرضية المناسبة في إيجاد هذه النظرية الأخيرة. نعم، كما سنبين في هذا البحث، ليس هناك ترجمةٌ تامة ودقيقة للشهيد الأول، لكن بعض المعلومات الدقيقة المتفرّقة تبين بصراحةٍ أن الشهيد الأول قضى قسماً عظيماً من حياته بمدينة الحلّة، ولم يغادرها إلاّ بعد وفاة كبار مشايخها وعظام علمائها إلى الشام، ويتوقع أن يكون أقام في مدينة دمشق، التي كانت قريبة من منطقة حلب، التي كانت تُعَدّ فعلاً واحدة من الحواضر الشيعية المهمّة والكبيرة في تلك الفترة من عمر الزمن.
في هذا البحث سنحاول إعادة تحليل البيانات والتقارير المتداولة بخصوص حادثة استشهاد الشهيد الأول، وبعدها ننتقل إلى التحقيق في الادّعاءات المطروحة، انطلاقاً من بعض التقريرات والأخبار الجديدة. وفي الختام ننتقل إلى مناقشة آخر ما ورد حول هذه الحادثة، والبحث في خصوص ما نُسب إليه من فعاليات علمية واجتماعية في منطقة جزّين، انطلاقا من دراسة ترجمته، وفق المعلومات التي لم يسلَّط الضوء عليها قبل هذا، بمعنى وضع آثاره العلمية موضع البحث والتحقيق باعتبارها مصدراً يكشف عن تصريحاته ونظرياته.
التقريرات المتداولة حول حادثة استشهاد الشهيد الأول
بشكلٍ عام هناك أربع روايات حول شهادة الشهيد الأول.
أحد هذه الروايات ما كتبه المؤرِّخون السنّة، والتي تقسم بدَوْرها إلى: رواية ابن الجزري(833هـ)؛ ورواية الطاهر بن حبيب(808هـ)، ورواية البعض ممَّن قام بالتلفيق بين الروايتين الأخيرتين، أو اكتفى بذكر واحدة منهما.
تقرير الجزري، على رغم صغر حجمه، يشكِّل مادّةً دسمة باللحاظ المعلوماتي. فقد كان للجزري صحبة قديمة مع الشهيد الأول، ورغم أن الشهيد الأول كان قدم نفسه له على أنه شافعيّ، إلا أن الجزري ما فتئ يعرفه بأنه شيخ الشيعة والعالم المجتهد في المذهب الإمامي، وتابع في عرض معلومات مكثفة عن دراساته العلمية ومستواه العلمي العالي. وفي إشارة لشهادته، ومن دون أيّ تفصيل، اكتفى الجزري بالقول: «…صحبني مدّة مديدة، فلم أسمع منه ما يخالف السنّة؛ ولكنْ قامت عليه البينةُ بآرائه، فعقد له مجلس بدمشق…، فحكم بإراقة دمه، فضربت عنقه تحت القلعة بدمشق، وكنتُ إذ ذاك بمصر، وأمره إلى الله تعالى»([2]).
فالجزري كما أخبر بنفسه لم يكن حاضراً في دمشق في الفترة التي استشهد فيها الشهيد الأول، وما نقله من أخبار عن سبب شهادته إنما سمعه من آخرين لم يصرّح بشيء عن هويتهم. ذكر الجزري أنه قد أقيمت البينةُ على الشهيد الأول، والتي حكم على إثرها بالإعدام، لكنْ ما نوع هذه البينة؟ ومَنْ أقامها؟ كلّها نقاط لم يفصِّل فيها الجزري. كلّ ما فهمناه من كلامه أن هناك مجموعة قامَتْ بإدلاء شواهد وأدلّة ضدّ الشهيد الأول حكم عليه بموجبها بالقتل.
التقرير الثاني لمؤرِّخي أهل السنّة، والذي كان أساساً للتقارير الأخرى التي أتَتْ بعده، هو تقرير طاهر بن حبيب(808هـ)، ضمنه كتابه تكملة درة الأسلاك([3])، وتمّ بعد ذلك تكرار نفس هذا التقرير من طرف باقي مؤرِّخي أهل السنّة، ملفقين إليه بعض التهم الأخرى؛ محاولة منهم لإضفاء الشرعية على إعدام الشهيد الأول، ولتبرئة ذمّة القائمين بذلك([4]). ابن حبيب قبل أن يخوض في شرح مجريات وملابسات حادثة إعدام الشهيد الأول أسهب في ذكر فهرست كامل لعقائد النصيرية، يسعى من وراء ذلك إلى نسبة الشهيد الأول إلى نصيريي الشام. وأقدم بعد ذلك على القول: إن الشهيد الأول كان يعتقد ببعض معتقدات تلك الفرقة([5]).
التقرير الثالث لابن القاضي شهبة(851هـ) استند في قسمٍ منه إلى تصريحات وتقريرات الجزري، لكنْ أضاف إليه نقاطاً أخرى، يتّضح من خلالها أنه على الظاهر كان شاهدَ عيان على حادثة استشهاد الشهيد الأول، أو أنه أخذها من مصادر أخرى مرتبطة بشكلٍ مباشر بالقضية. وفي ختام تقريره أتى على ذكر اسم أحمد بن حِجّي بن موسى الحسباني الدمشقي(816هـ)، والذي يبدو أنه نقل عن كتابه([6]). يشتمل تقرير ابن شهبة على بعض الموارد الجديدة، فقد كتب حول الشهيد الأول قائلاً: «…وأثبت في حقّه محضر عند قاضي بيروت يتضمّن رفضه، وإطلاقه في عائشة وأبيها وعمر… عبارات منكرة، بل مكفّرة، على ما أفتى به جماعة من الشافعية والحنفية وغيرهم…».
لم يفصِّل في هذه العبارات حول نصّ المحضر الذي قدم لقاضي بيروت، لكن كشف أن نصّ المحضر قد تمّ تأليفه في بيروت، ومن ثمّ حمل بواسطة مجموعة إلى دمشق، حيث كان يقيم الشهيد الأول، وبموجبه تمّ اعتقال الشهيد الأول لمدّةٍ، وفي الأخير تمّ إعدامه. هذه النقطة لها أهمّيةٌ خاصة، وسنعود إلى مناقشتها لاحقاً([7]).
القسم الرابع من تلك التقريرات حول شهادة الشهيد الأول ما كتب في تراجم الشيعة، والقائم أساساً على تقريرات الفاضل المقداد السيوري(826هـ)([8]). نقل الحُرّ العاملي تقرير الفاضل المقداد بصورة خلاصة، وفي ختام كلامه ذكر أنه قد سمع هذا التقرير من بعض مشايخه، ورآه بخطّ يد أحدهما، وأخبره هذا الشيخ أن التقرير بخط الفاضل المقداد السيوري. نفس التقرير أورده العلاّمة المجلسي، لكنه فصل أكثر في مصدره([9]). قال المجلسي: إنه رأى هذا التقرير لدى شخصٍ باسم السيد عز الدين بن حمزة بن محسن الحسيني، قال في ضمنه: إن التقرير حول شهادة الشهيد الأوّل رآه بخطّ الفاضل المقداد السيوري([10]). وفي الواقع لا يوجد دليلٌ مُعين يثبت أن الفاضل المقداد السيوري كان شاهدَ عيانٍ في حادثة استشهاد الشهيد الأول، ويحتمل بشكل كبير أن يكون تقريره قائماً في أساسه على بعض مسموعاته([11]).
وفي الأخير التقرير المفصَّل الذي يحتمل أن يكون كاتبه هو محمد بن عليّ بن وحيد البتديني العاملي، والذي صنَّف كتاباً في ترجمة الشهيد، تحت عنوان (نسيم السحر)، خلاصته تحت تصرُّفنا، بقلم: شرف الدين محمد مكّي بن محمد العاملي (كان حيّاً في القرن 12 الهجري)، من أحفاد الشهيد الأول، وسوف نتعرَّض له لاحقاً ضمن التقريرات الجديدة حول استشهاد الشهيد الأول.
بعض التقريرات الشيعية حول حادثة شهادة الشهيد الأول مختصرةٌ، ولا تشتمل سوى مطالب قليلة، من جملتها: خبر قصير، نُقل عن ابن الشهيد الشيخ عليّ الجزيني، قال فيه: إن والده، وبعد أن أُعدم، تمّ حرق جثمانه في يوم الخميس التاسع عشر من جمادى الأولى لسنة 786هـ، عند سفح قلعة رحبة في مدينة دمشق([12]). ولا توجد في هذا التقرير سوى إشارة إلى أن الشهيد الأول قبل شهادته قد سُجن لمدّة عامٍ في ثلاثة أبراج بالقلعة([13]).
بين كلّ تلك التقريرات يبقى تقرير الفاضل المقداد، أحد تلامذة الشهيد الأول، أكثر التقريرات تفصيلاً للحادثة؛ حيث أشار فيه إلى بعض أسباب شهادة الشهيد الأول. ذكر الفاضل المقداد السيوري أن الشهيد الأول بقي في السجن سنةً كاملة؛ بسبب وشاية شخص باسم تقي الدين الجبلي الخيامي. وبعد قتل هذا الأخير قام شخص آخر من أتباعه باسم يوسف بن يحيى بالوشاية بالشهيد الأول مرّة أخرى، وألّب عليه جماعةً بالشهادة ضدّه ضمن رسالةٍ حملوها إلى قاضي صيدا، ثم رفعوها إلى بيروت، ثم دمشق. وفي دمشق تقدَّم القاضي الشافعي عبّاد بن جماعة بالطلب من القاضي المالكي بإصدار حكم الإعدام في حقّ الشهيد الأول، رغم أن الشهيد الأول قد قام في جلسة المحاكمة بتفنيد وتكذيب كلّ الاتهامات التي وُجِّهت إلى شخصه، حتّى أنه لكي يدفع عن نفسه تهمة الرفض ادّعى أنه من ضمن علماء الشافعية، لكنّ القاضي والجلاّد لم يقبل دفاعه، وحكم عليه بالقتل، وكان من المحرِّضين على حرق جثمان الشهيد شخصٌ باسم محمد بن ترمذي. هذا التقرير الأخير كان مورد قبول المصادر الإمامية، فقد تناقلته معنونةً إياه: بيان حول حادثة استشهاد الشهيد الأول([14]).
النقطة الملفتة في تقرير ابن شهبة وتقرير الفاضل المقداد وجود نصّ الرسالة التي نظمها المعارضون للشهيد الأول ضدّه في بيروت، ونقلوها إلى دمشق، ليتمّ بموجبها الأمر باعتقال الشهيد الأول، ومن ثم إجراء حكم الإعدام في حقّه. فقد كان غياب المعلومات اللازمة حول هذه الرسالة سبباً في أن تقصر التحليلات التي حاولت التفصيل في الأسباب الداعية لاستشهاد الشهيد الأول عن تغطية عدّة جوانب رئيسة في الحادث. إن استحضار التقرير الجديد إلى ماهية وطبيعة الرسالة المقرّرة من المناوئين للشهيد الأول، والتي على أثرها تمّ إجراء حكم الإعدام في حقّه، وإحراق جثمانه، تسلِّط الضوء على جوانب جديدة في الحادثة وعللها.
وكما أشرنا آنفاً، فالإبهام والغموض الذي اكتنف موضوع استشهاد الشهيد الأول كان باعثاً على الإقدام على تحليلات وتقريرات مصدرها التخمين والحَدْس، وكان الطابع الغالب عليها سَعْيها الحثيث إلى إعطاء الأمر صبغة سياسية([15]). مصدر هذا التحليل وجود عبارة في تقرير الفاضل المقداد السيوري(826هـ) مفادها أن الشهيد الأول «كان عاملاً»، فقد تمّ تفسير لفظ عامل في تلك الفترة على أنها تطلق على المأمور بجمع الأموال، وبذلك فهي تدلّ على أن الشهيد الأول كان يجمع الحقوق الشرعية. انطلاقاً من هذا المعنى ذهب البعض إلى أن الشهيد الأول كان أوّل عالم شيعي أدخل البُعْد السياسي للفقيه في العُرْف الشيعي، ودليلهم في هذا المدّعى ما عبَّر عنه الشهيد الأول نفسه حول «الفقيه» بأنه «نائب الإمام»، مع سعيهم لإثبات التحرُّكات السياسية للشهيد الأول في منطقة جبل عامل، وبالأخصّ في جزّين. ومن الذين اعتمدوا هذه التفسيرات استيفن فينتر. ففي تحليله لأسباب شهادة الشهيد الأول أشار إلى هذه الخصوصية في كتب وآثار الشهيد الأول، وأكَّد على عبارة في كتاب البيان في باب جمع الخمس وإجراء الحدود في عصر الغيبة ضمن شروطٍ بواسطة الفقيه([16])، لكنّ الأمر الذي غفل عنه هؤلاء المحقِّقون هو أن رأي الشهيد الأول حول دَوْر الفقيه في التصرُّف في الحقوق الشرعية هو نفس رأي باقي الفقهاء في المذهب الإمامي([17]). وكذلك رأي الشهيد حول إجراء الفقيه الجامع للشرائط للحدود الشرعية والتعزيرية ليس مقتصراً على الشهيد الأول، بل هو نفس رأي فقاء الإمامية في الحلّة، وناقشها المحقِّق الحلّي في كتبه، كما ناقشها فقهاء الإمامية الآخرون([18]).
كان تعبير «نائب الإمام» رائجاً في الموروث الفقهي الإمامي زمن الشهيد الأول، وإلى مدّةٍ بعد شهادته، ولم يكن استعمال مصطلح «الفقيه الجامع للشرائط» رائجاً في تلك الفترة، والظاهر أن أوّل مَنْ استعمل نائب الإمام بمعنى الفقيه الجامع للشرائط هو المحقّق الكركي(940هـ) وفقهاء آخرون بعده([19]).
في عصر الشهيد الأول وإلى ما بعده بمدّة كان استعمال مصطلح «نائب الإمام» في النصوص الفقهية بمعناه البسيط، بحيث لم يكن يتعدَّ مفهوم المأمور والمكلَّف من طرف الإمام، ولم يكن من شروطه أن يكون فقيهاً. ويُلاحَظ أنه في كل الموارد التي استعمل فيها الشهيد الأول مصطلح نائب الإمام مباشرةً ينتقل للحديث عن الفقيه الجامع للشرائط الذي له كلّ تلك الخصائص، وهو ما يعني أن «نائب الإمام» لم يكن يعني عنده إلزاماً الفقيه. وفي الواقع إن لمصطلح «نائب الإمام» في العُرْف الفقهي المتداول في نفس زمن الشهيد الأول استعمالاتٍ ومعاني أخرى، حيث كان يُراد به النائب الخاصّ عن الإمام والمكلَّف (المنصوب) من طرف الإمام. ويمكن تتبُّع الموارد التي استعمل فيها الشهيد الأول هذا الاصطلاح في كتاباته، وبالأخصّ ضمن كتابه الدروس([20]). ففي بحثه حول شروط إقامة صلاة الجمعة ذكر أنها لا تقام إلاّ بحضور الإمام المعصوم أو مَنْ ينوب عنه، واعتبر ذلك من شروط تحقُّقها. وفي بحثه حول شروط نائب الإمام ذكر المنصوب من طرف الإمام، والواضح أنه لم يكن يرى نائب الإمام مرادفاً للفقيه الجامع للشرائط([21]). وعلى ما يبدو إن استعمال نائب الإمام في النصوص الفقهية كان في مرحلةٍ خاصّة، وفي زمن الغيبة الفقيهُ الجامع للشرائط منصوبٌ بالتنصيب العام، وهو ما يفهم منه الترادف لعبارة الفقيه الجامع للشرائط، في حين أن المتعارف في عرف الفقهاء، لا أقلّ إلى زمن الشهيد الأول، أن نائب الإمام في المتون الفقهية كان يفهم منه المنصوب من طرف الإمام. ويبدو أن الشهيد الأول لم يكن يقبل بأن تكون نيابة الفقيه تعني معناها الأوسع الذي يصل إلى مستوى الولاية السياسية والحاكم للأمة في عصر الغيبة. ومن فتاواه في كتابه الذكرى، ضمن حديثه عن غسل الميت الذي ليس له وليّ، أنه قال: إنه يتولّى غسله الوليّ في فترة حضوره، وفي فترة غيبة الحاكم أو في حال عدم وجود الحاكم الشرعي يكون غسله واجباً على كلّ المسلمين، وهي عبارة تنطق في مفهومها بأن الشهيد الأول لم يكن يرى لزوماً أن يكون الحاكم السياسي فقيهاً([22]). كذلك ذكر في مبحث الحجّ وانتخاب أمير الحجّ من طرف الإمام المعصوم في حال لم يكن سيحضر المعصوم بنفسه موسم الحجّ، ولا يوجد في كلامه إشارة إلى وجوب أن يكون أمير الحجّ ـ غير الإمام ـ فقيهاً([23]). رغم أن الشهيد الأول كان يرى أن تصدّي الفقيه لمثل هذه الأمور وما يشبهها من الأمور الأخرى التي تتوقّف على إذن الإمام في عصر الغيبة هو من باب الأَوْلى. وكمثالٍ: هو يرى أن الفقهاء في الأمور التي أناطها الشارع بإذن الإمام، كصلاة الجمعة، على الفقهاء أن يتصدّوا لها من باب الأَوْلى، حيث كتب قائلاً: «ولأن الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالإذن، كالحكم والإفتاء، فهذا أَوْلى»([24]). وأشار الشهيد الأول إلى موقف بعض علماء الإمامية الذين كانوا يظنّون أن الإذن للفقيه في الحكم والإفتاء لا يفهم منه الإذن العامّ في كلّ الأمور المنوطة بإذن الإمام([25]). وحيث إن الكثير من النصوص الفقهية لا زالت لم تخرج إلى الطباعة والنشر فالحديث عن الفترة التي تحوّل فيها معنى عبارة «نائب الإمام» إلى معناه الجديد «الفقيه الجامع للشرائط» جدّ مبكّر، ويحتاج إلى مزيدٍ من التحقيق والبحث ضمن المخطوطات والمطبوعات والمكتبات الخاصة. لكنْ ما هو ظاهر حتّى الآن أن هذا التعبير في الموروث الشيعي القديم في بيان أن الإمام هو الحاكم للأمّة، ونوابه يكلفون في حضوره، وأن الفقهاء مكلّفون ببيان الأحكام الشرعية، كان يعني أن نائب الإمام ليس بالضرورة هو الفقيه. والثابت حَسْب ما وُجد من المصادر أن المحقِّق الكركي(940هـ) هو أوّل فقيه شيعي استعمل مصطلح نائب الإمام في آثاره بالمعنى الجديد، الذي يعني النائب بالتنصيب العامّ، والمرادف للفقيه. وممّا قاله مير مخدوم شريفي في إشارته إلى هذه النظرية، ودور المحقِّق الكركي في طرحها: «و…قولهم بتعطيل الأحكام الإلهية قالوا: إنما الحكم للإمام أو نائبه. والنائب عندهم قسمان: النائب الخاصّ، ويريدون به مَنْ ولاّه الإمام حال حضوره بإقليمٍ أو بلدٍ معين؛ والنائب العامّ، وهو الذي بلغ درجة الاجتهاد والإمام غائب، ولم يوجد… أعلم منه، فهو قائمٌ مقام الإمام في كلّ شيءٍ، وليس لأحد غير المجتهد المزبور أن يحكم أو يفتي بنقيرٍ أو قطمير، لصغيرٍ أو كبير، في زمان الغيبة. ولا قول للميت عندهم باتّفاقهم. وادّعى ابن عبد العال فيه الشهرة التي قلنا: إنها في الحجّية كالإجماع لديهم. و(ادّعى) زين الدين العاملي فيه الإجماع…»([26]).
بحَسَب القراءة السياسية لآراء الشهيد الأول، والتي ادَّعت أن تعيينه لوكلاء وإرسالهم لمناطق تواجد الشيعة في جبل عامل كانت بمثابة المقدّمات التي أوجدت تصادماً بينه وبين المماليك، وانتهت بالحكم عليه بالإعدام. وعلى ما يبدو إن أول مَنْ طرح هذا كان الشهيد السيد محمد باقر الصدر، ضمن كتابه المحنة، حيث تحدث عن أن الشهيد الأول كان أوّل فقيه شيعي أقدم على إجراء تحوّل في المرجعية الشيعية على المستوى العملي: «…إن هذا الوضع الموجود للمرجعية فعلاً أنا لا أعرف تطبيقاً أسبق من الناحية التاريخية له من تطبيق الشهيد الأول… قام بهذا التطبيق في لبنان وسورية، وعيَّن الوكلاء، وفرض جباية الزكاة والخمس على القواعد الشعبية من الشيعة، وبذلك أنشأ كياناً قوياً للشيعة مترابطاً لأوّل مرّة في تاريخ العلماء. وكان إنشاؤه لهذا الكيان هو من أهمّ الأسباب التي أدَّتْ إلى مقتله رضوان الله عليه، في قصة لا مجال الآن للتوسُّع فيها»([27]).
للأسف الشهيد محمد باقر الصدر لم يبين المستندات والمصادر التي استقى منها معلوماته في هذا التقرير. والواقع أن التحوُّل الأصلي في مرجعية العلماء ونظام المرجعية أخذ صورته في كتابات العلاّمة الحلّي(1401هـ)، وبحثه ضمن مبحث ضرورة الارتباط المباشر أو بالواسطة مع المجتهد الحيّ([28]). ويحتمل أن يكون أساس بيانات الشهيد محمد باقر الصدر في ما صرَّح به قائم على ما أورده الشهيد الأول في بداية كتابه الذكرى، حيث تحدث عن وجوب الرجوع للفقيه المجتهد([29]).
وفي العقدين الأخيرين انطلق الشيخ جعفر المهاجر العاملي، في تحليله لشهادة الشهيد الأول، مؤكِّداً على القراءة السياسية بشكلٍ كبير([30]).
المبحث الآخر الذي تم استنباطه وفق القراءة السياسية لشهادة الشهيد الأول تصنيفه لكتاب اللمعة الدمشقية، والذي صنَّفه بطلب من أمير حركة السربداريون (Sarbedaran) (السربداريون اسمٌ لحركة ثورية شعبية جمعت بين المتصوِّفة والشيعة في شمال غرب إيران، وتحديداً في مدينة سبزوار؛ تعبيراً عن سخط الجماهير من ظلم وتعدّيات الحكم المغولي الأليخاني آنذاك) عليّ بن مؤيد (كانت حكومته ما بين 766 ـ 783). ويشار هنا إلى أن كتابة كتاب بطلبٍ من أمير أو جواباً لطلب أحد من الرجالات العلمية أو السياسية كان رائجاً في تلك القرون، بل كان من الأمور التي جَرَتْ بها العادة خلال تلك القرون. لكنْ ما يهمّنا هنا هو أن عنوان الكتاب (اللمعة الدمشقية) دالٌّ على أن الشهيد قد صنَّفه في فترة تواجده بدمشق([31]).
من الأدلة الأخرى التي أشارت إليها بعض التقريرات حول شهادة الشهيد الأول مسألة الإحساس بالحَسَد تجاه الشهيد الأول من لَدُنْ مجموعة من علماء الشافعية في دمشق([32]). هذه الرواية الأخيرة أشارت إليها المصادر المتأخِّرة، حيث ذكرت شهرة الشهيد الأول في دمشق بشيخ ومرجع الشيعة ـ وهو أمرٌ بعيد ـ، كما تحدَّثت عما كان يعانيه من منافسة من كبير علماء الشافعية في زمانه في دمشق. كما ادّعوا أن هذا الفقيه الشافعي كان رفيقاً للشهيد في الدرس. وهو كلامٌ لا أساس له من الصحّة، ولا يعدو أن يكون من صنع المتأخِّرين.
ومن الروايات الأخرى التي نتجت عن القراءة السياسية لحادثة استشهاد الشهيد الأول ما قيل حول الفعاليات العلمية للشهيد الأول في منطقة جزّين من جبل عامل، والتي قالوا عنها: إنها كانت بمثابة تمهيد لفعالياته العلمية والسياسية في المنطقة. وتجدر الإشارة بعد كلّ هذه الروايات إلى أن هناك قسماً مهمّاً من تاريخ حياة الشهيد الأول لم يُلتَفَتْ إليه بعنايةٍ، مع أنه لو قُرئ بشكلٍ علمي وموضوعي لكشف عن الجوانب الموضوعية لهذه القضية. ونقصد بذلك التاريخ الجزء المشتمل على الإجازات المتبقّية عن الشهيد الأول، وبعض آثاره التي تحدّث فيها بنفسه عن محلّ سكناه وبعض المحطّات في حياته وفعالياته، والتي تُعَدّ بحقٍّ مصادر مهمّة في هذا المبحث.
إن تحليلاً أوّلياً لهذه المصادر يكشف أن الشهيد الأول قد قضى جزءاً كبيراً من عمره في الحلّة، وأن أكثر فعالياته العلمية كانت في هذه المدينة. وفي أواخر عمره، وبعد وفاة مشايخه، هاجر إلى دمشق، وهو ما يبين عدم صحّة ما ادُّعي من إقامته وفعالياته العلمية في منطقة جزّين بجبل عامل.
الشهيد الأول، حياته العلمية
هو شمس الدين محمد بن المكّي الجزّيني العاملي. ولد بقرية جزّين، إحدى قرى جبل عامل، وذلك بعد سنة 720هـ([33]). وبها، وعلى يدَيْ والده المكّي بن محمد بن حامد، تلقّى دروس المقدّمات الأوّلية للعلوم الدينية([34]). ورغم أن الكثير قد ذهب إلى أن ميلاده كان سنة 734هـ([35])، إلا أن مختاري([36]) ومهاجري بَيَّنا، وفق مجموعة من الأدلة، أن هذا التاريخ لم يكن صحيحاً.
وقع اختلافٌ بسيط في المصادر حول أسماء آبائه وأجداده. لكنّ المشهور أنه ابن المكّي بن محمد بن حامد الجزّيني([37]). والدته كانت من السادات العلويين من بني معية، وهي ابنة السيد محمد الحسني بن معية، ولهذا كان الشهيد الأول يلقَّب في بعض المصادر بـ (الشريف)، نسبةً إلى أمه الشريفة العلوية. كتب شرف الدين المكّي، وهو من أحفاد الشهيد الأول، ومن علماء الإمامية في القرن الثاني عشر، أن سبب شهرة الشهيد الأول بـ (الحارثي الهمداني الخزرجي)؛ لأنه كان وحارث الهمداني يرجعان معاً إلى نسبٍ واحد. وأما شهرته بـ (الخزرجي) فلنسبه العائد إلى سعد بن عبادة الخزرجي. كما اشتهر بـ (الحانيني الجزّيني) نسبةً لسكناه وأهله بقرية حانين وجزّين([38]). وبما أننا لم نعثر في مختلف المصادر عن شيءٍ يربطه بنسبة القرابة بحارث الهمداني فالظاهر أن الأمر إنما يتعلَّق بعقد الولاء. كما أن شهرته بـ (الجزيني) نسبةً إلى قرية جزّين. وأما شهرته بـ (الحانيني) فلرُبَما يكون أسلافه في الأصل من قرية حانين([39]). وعلى أيّ حال فشهرة والد الشهيد الأول بـ (الجزيني)([40]) يبين أنه سكن بها، وأن مكان ولادة الشهيد الأول كان بها. ولتجاور قرية حانين وقرية جزّين غيرُ بعيدٍ أن يكون الشهيد الأول قد فتح عيناه على الدنيا بقرية حانين، وهاجر بعد ذلك إلى قرية جزّين([41]).
بعد أن أنهى محمد بن مكّي مرحلة المقدّمات، والظاهر أنه درسها جميعها عند والده، الذي كان على قيد الحياة إلى أواخر سنة 728هـ، سافر بعد ذلك إلى العراق؛ لمتابعة دراسته([42])، رغم أنه لا يوجد لدينا أيّ معلومات حول سفره إلى العراق، وحضوره مجالس فقهاء ومشايخ الحلّة، فكل المعلومات التي لدينا عن الشهيد الأول هي بعد تاريخ (751هـ)، أما ما قيل عنه قبل هذا التاريخ فلا دليل عليه، ويبقى مجرّد تخمينات. أقام في العراق إلى سنة 756هـ([43]). وحيث إن المصادر قد تحدَّثت عن تواجده في سنة 750هـ بمدينة الرسول|، وأنه صنَّف بها جزءاً من مجموع مصنَّفاته المشهورة، فيحتمل أن يكون قد سافر إلى الحجاز بقصد الحجّ والزيارة سنة 750هـ، وفي طريق عودته عرَّج على حاضرة الحلّة، التي كانت تُعَدّ آنذاك واحدةً من أهمّ الحواضر العلمية الشيعية([44]).
معلوماتنا حول إقامة محمد بن المكّي بالحلّة قليلة. وأصل المستند في هذه المعلومات مستنبطٌ من المقالات المصرّح بها في الإجازات الحديثية التي كانت له، أو بعض الأمور التي ذكرت ضمن القيام باستنساخ بعض مصنَّفاته. لكنّ أهم مصدر لترجمة الشهيد ما أودعه ضمن كتابه الأربعون حديثاً، والذي انتهى من تأليفه في 18 من شهر ذي الحجّة الحرام من سنة 782هـ. وهو لحسن الحظّ من المصادر الموجودة لدينا. في ظهر العشرين من شعبان لسنة 751هـ نال إجازةً من فخر المحققين(771هـ) في بيته بالحلّة([45]). في الرابعة والعشرين من شعبان من سنة 751هـ أخذ إجازة رواية الحديث من شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي المعالي الموسوي. ورغم عدم ذكر مكان أخذه لهذه الإجازة لكنّ الظاهر أنه أخذها في الحلّة([46]). سافر في نفس السنة، برفقة عميد الدين ابن أخت العلاّمة الحلّي، إلى كربلاء، وفي التاسع عشر من رمضان أخذ منه إجازة الرواية([47]). اشتغل الشهيد الأول طوال فترة إقامته بالحلّة بالدرس وقراءة النصوص الفقهية عند فقهاء الحلّة. وفي سنة 752هـ، وبعد أن قرأ المجلَّد الأول من كتاب تذكرة الفقهاء للعلاّمة الحلّي، أخذ إجازته من عميد الدين([48]). واستمرّت إقامته في الحلة إلى سنة 756هـ([49]). وفي مدّة إقامته تلك أخذ الإجازة من كبار علماء الشيعة بها، مثل: جلال الدين أبي محمد حسن بن نما الحلّي، الذي أخذ منه الشهيد الأول الإجازة بتاريخ ربيع الثاني من سنة 752هـ([50]). في سنة 754 سافر قاصداً الحجّ، وفي 22 من ذي الحجّة في نفس السنة أخذ من قاضي قضاة مصر عزّ الدين عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم ابن جماعة الكناني الشافعي(767هـ) الإجازة في رواية كتب أهل السنّة([51]). وهذا يوضِّح سبب ادّعاء الشهيد الأول أنه شافعي في جلسة الحكم عليه بالإعدام([52]). وكان انفتاحه على علماء السنّة كبيراً، فخالط علماءهم ودرس كلّ متونهم الفقهية والعقائدية. وأخذُه للإجازات من علماء سنّة آخرين خيرُ دليلٍ على المستوى الذي وصلَتْه هذه العلاقة([53]).
في طريق عودته من الحجّ إلى العراق عرَّج على فلسطين، قاصداً زيارة المسجد الأقصى، ثم الشام([54]). والمعروف أنه أخذ في الثالث من جمادى الأولى سنة 756هـ إجازة الرواية من فخر الدين في بيته في الحلّة([55])، وفي الخامس من شوال سنة 756هـ أتمّ كتابة الجزء الأوّل من كتاب إيضاح الفوائد([56]). ومشهور أن الشهيد الأول قبل هذا التاريخ قد قرأ هذا الكتاب عند أستاذه فخر المحقّقين. وفي نفس هذه السنة كان الشهيد قد كتب شهادةً لأحد تلامذته على إتمامه تسميع كتاب علل الشرائع، وذلك في الحلة([57]). في السادس من شوال من نفس السنة أخذ الشهيد الأول الإجازة من فخر المحقّقين في الحلّة([58]). وبالجملة فما هو مؤكَّد في كلّ ما سلف من ترجمة الشهيد الأول ما قبل سنة 750هـ أنه كان ساكناً في جزّين، وفي سنة واحدة بعد سنة (757هـ) في الثانية عشرة من شعبان أعطى الشهيد الأول إجازة قراءة كتاب علل الشرائع، للصدوق، لمجموعة من العلماء الذين قرأوه عليه([59]). في هذه السنة كان الشهيد الأول في الحلّة منشغلاً بتحصيل علم الفقه وأصول الفقه عند كبار علماء الشيعة، أمثال: فخر المحقّقين محمد نجل العلاّمة الحلّي(771هـ) وعدد آخر ممَّنْ تتلمذوا على العلاّمة الحلّي، نذكر من جملتهم: أبا عبد الله عميد الدين عبد المطّلب بن الأعرج الحسيني(754هـ)، تاج الدين محمد بن القاسم والمشهور بابن معيّة الحلّي(776هـ)، وآخرين([60]). ويبقى كلام الشهيد الأول في كتبه الدليل الوحيد في كشف أهم مشايخه وأكثرهم تأثيراً في حياته العلمية([61]).
أنهى الشهيد الأول كتابة الجزء الثاني من كتابه الفقهي غاية المراد في النصف من شهر ذي القعدة من سنة 757هـ في مدينة الحلّة([62]). وبعد ذلك، في شوال من سنة 765هـ، وفي الحلة، أنهى تصنيف كتابه المنسك الكبير([63]). في سنة 766هـ التقى الشهيد الأول بالعلاّمة قطب الدين الرازي في دمشق، وأخذ منه إجازة([64]). ويفهم من بعض الكتابات أن الشهيد الأول ما بين سنة 770 إلى سنة 776هـ كان مقيماً بالحلّة، ونظراً لمكانته العلمية العظيمة بين الشيعة فقد كانت له شبه مرجعية بهذه المنطقة، رغم أنه لم يصرِّح بهذا في المصادر المعتمدة. في شهر ربيع الثاني لسنة 776هـ أنهى الشهيد الأول استنساخ كتاب فهرست منتجب الدين بالحلة([65]). تاج الدين ابن معية، وقبيل وفاته بمدّةٍ قليلة، سنة 776هـ، منح الشهيد الأوّل وابنه إجازة الرواية([66]). من الشواهد الأخرى على إقامة الشهيد الأول بالحلّة في سنة 776هـ قيامه باستنساخ كتاب الأربعين عن الأربعين من الأربعين، لمنتجب الدين أبي الحسن عليّ بن عبد الله القمّي(توفي بعد سنة 585هـ)([67]). بعدها بسنة، أي سنة 777هـ، سافر الشهيد الأول إلى العراق، ويبدو أنه بعد إتمامه لزيارة مقامات أهل البيت^، وفي طريقه إلى الحلّة عرَّج على بغداد، حيث التقى شمس الأئمة الكرماني(786هـ) في أوائل شهر جمادى الأولى بمحلّ سكناه، وأخذ منه الإجازة في رواية كتب أهل السنّة([68]). وفي سنة 780هـ بدأ الشهيد الأول تصنيف كتابه الدروس الشرعية([69]). رغم عدم وجود أدلّة تثبت لنا مكان إقامته في هذه الفترة، إلا أن هناك شاهداً مهمّاً يمكن الاعتماد عليه في أن الشهيد الأول لما غادر الحلّة أقام في دمشق([70]). هذا الشاهد هو ما تحدّث عنه ابن الجزري(833هـ) في ترجمته الموجزة للشهيد الأول من الرفقة التي كانت تجمعه بالشهيد لمدّة مديدة. ونظراً لإقامة ابن الجزري الطويلة في دمشق، على ما هو ثابت ومؤكّد، يمكن القول: إنه في هذه المدة أقام في دمشق، كما يوضح ذلك مفهوم كلام ابن الجزري([71]). أنهى الشهيد الأول سنة 782هـ في دمشق تصنيف كتابه اللمعة الدمشقية. والمستند الوحيد الذي اعتمدنا عليه في تحديد تاريخ انتهاء الشهيد الأول من تصنيف هذا الكتاب هو ما أورده الشهيد الثاني في بداية كتابه (الروضة البهيّة) في أن الشهيد الأول قد صنَّف الكتاب المذكور في سنة 782هـ. أما المعلومات الأخرى حول مكان تصنيف هذا الكتاب فهي مأخوذةٌ من نفس كلام الشهيد الأول، حيث تحدَّث عن كونه قد منح الإجازة لابن خازن الحائري، وذلك في الثاني عشر من رمضان سنة 784هـ، ومن ضمن ما في هذه الإجازة كتاب اللمعة الذي أنهى تصنيفه. من هنا فالمؤكَّد من خلال ما كتبه في هذه الإجازة أن كتاب اللمعة قد صنَّفه الشهيد في تاريخ قبل سنة 784هـ. وما اشتهر من أن كتاب اللمعة كان آخر تأليفات الشهيد الأول ليس صحيحاً([72])؛ بدليل أن الشهيد قبل هذا التاريخ كان مقيماً في دمشق. وفي الحادي عشر من شهر صفر لسنة 784هـ أتمّ الشهيد الأول تأليف الجزء الأول من كتابه الذكرى([73]). وفي شهر ربيع الثاني من نفس السنة أنهى تأليف الجزء الأول من كتابه الدروس. وفي شهر رمضان من نفس السنة منح الشهيد الأول الإجازة لابن خازن الحائري بدمشق. وللأسف فقد غاب عنا جزءٌ آخر من حياة الشهيد لما كان مقيماً بدمشق، حيث لم يتحدَّث أيّ كتاب عن ذلك، كما لم تذكر المصادر([74]) شيئاً محدّداً عن مشايخه الذين درس عندهم طيلة هذه الفترة. وكلّ ما نعلمه أن دمشق كانت في تلك الفترة من الحواضر العلمية الكبرى، كما أن قربها من منطقة جزّين، موطن الشهيد الأول ومسقط رأسه، كان سبباً في أن يقيم الشهيد في أواخر عمره في دمشق([75]). ما قاله ابن الجزري في ترجمته للشهيد الأول: إنه كان شيخ الشيعة والمجتهد الكبير في مذهبهم، يكشف لنا أن الشهيد الأول آلت إليه المرجعية الشيعية (لم يحدّد ما إذا كانت هذه المرجعية مطلقة أو مجتزأة) في مدّة إقامته ببلاد الشام. ومنح الشهيد الأول في الثالث عشر من رمضان لعام 784هـ، وفي أثناء إقامته في دمشق، إجازة طويلة لابن خازن([76]) . في عام 784هـ، وبالضبط في الواحد والعشرين من شهر صفر لنفس السنة، أتمّ الشهيد الأول كتابته الجزء الأول من كتابه الذكرى، وفي نفس السنة وفي ربيع الثاني أنهى الجزء الأول من كتابه الدروس، وبالتَّبَع في الثانية عشرة من رمضان منح في دمشق إجازة لابن خازن الحائري([77]). في جمادى الأخيرة من سنة 785هـ تمّ اعتقاله، وأُودع سجن دمشق، بعد وصول الشكاوى ضدّه إلى قاضي دمشق، وبعد عامٍ وزيادة من سجنه، وذلك في التاسع من جمادى الأولى لعام 786هـ، نُفِّذ فيه حكم الإعدام، ثمّ حرق جثمانه.
كما يُلاحَظ من تتبُّع سنوات عمر الشهيد الأول أن الشهيد قد قضى معظم أيام حياته في الحلّة ودمشق. وقد يكون قرب جزّين من دمشق دليلاً على أنه قد سكن لبعض الوقت في جزّين، لكنْ للأسف لم تحمل المصادر معلومات عن هذا الموضوع.
خلاصة هذا الجزء من البحث توصلنا إلى أن الشهيد الأول قد قضى معظم عمره ساكناً الحلّة ودمشق، وهو استنتاجٌ جديد له مكانةٌ كبيرة في تحديد الخطوات اللاحقة من هذا البحث([78]).
تقريرٌ جديد حول أسباب استشهاد الشهيد الأول
رسالة نسيم السحر تقريرٌ يحمل في طيّاته مستجدّات عن مجريات حادثة استشهاد الشهيد الأول. رغم أن معلوماتنا حول هذا الكتاب، سواء في ما يرتبط بتاريخ كتابته أو هويّة مؤلّفه، ليست تامة، لكنّ المرجّح أن شخصاً باسم محمد بن علي بن وحيد بِتِدّيني العاملي هو مَنْ صنَّف هذا الكتاب، وكان من علماء جبل عامل من أهالي قرية بِتِدّين، والتي يطلق عليها اليوم قرى بِتِدّين اللقش، تقع بالقرب من جزّين([79]). والأمر الثابت في حقّ الكتاب أنه كُتب قبل القرن الثاني عشر، وأن نسخته الكاملة كانت لدى محمد مكّي بن محمد بن حسن (كان سنة 1186هـ على قيد الحياة)، من أحفاد الشهيد الأول، الذي قام بتلخيصه. وما لدينا تحت عنوان نسيم السحر هو في الواقع هذه الخلاصة. الأجزاء التي قام بحذفها أوردها بشكلٍ مجمل في بداية الخلاصة. الشاهد على أصالة رواية بِتِدّيني الروايات الدقيقة التي تضمّنها حول ما عرضه السيوري وابن شهبة حول كتابة العريضة التي تضمّنت اتّهامات ضدّ الشهيد الأول في بيروت . ثم إن قيام حفيد الشهيد الأول بتلخيص نصّ الكتاب المذكور هو شاهدٌ آخر على أصالة هذا الكتاب، فلو كانت رواية البِتِدّيني غير صحيحة أو كانت مكذوبة مبدئياً كان حفيد الشهيد سيشير إلى عدم اعتبار المتن في مقدمة تلخيصه أو في خاتمته .
طبقاً للمطالب القليلة التي ذُكرت حول الشهيد الأول وما عاشه من أحداث في البدايات الأولى لحياته نجد أن الشهيد الأول أخذ المراحل التعليمية الأولى في جزّين، وظلّ بها إلى أن توفي والده، الذي كان أستاذه الأوّل بها.
تكمن أهمّية كتاب نسيم السحر في كونه تقريراً مفصلاً حول المجريات والأسباب التي أدّت إلى إعدام الشهيد الأول، وهي الحقائق التي لم تذكرها كلّ المصادر التي تحدّثت عن هذه الحادثة.
ذكر بِتِدّيني أن أحد قضاة الشافعية بدمشق، ويُعْرَف باسم عبّاد بن جماعة([80])،كان يكنّ العداء للشهيد الأول ويحسده على علوّ شأنه، وخصوصاً بعدما رأى من اتّساع أمر الشهيد الأول، وقدرته على التأثير في الأوساط العلمية والدينية والاجتماعية، فكان يخاصمه ويظهر له العداء، ويسعى بكلّ الوسائل لأن يوقع به. ورغم أنه كان سبباً في إدخال الشهيد الأول لمدّةٍ في السجن، إلاّ أن الشهيد استطاع أن يحصل على حرّيته، ورجع بعد خروجه من السجن إلى جزّين([81]). في أثناء إقامته في جزّين قام فردٌ في برج يالوش باسم محمد بن تقي الدين خيّامي (الراجح أنه تصحيف يالوشي) بادّعاء النبوة، واستطاع أن يستقطب العديد من سذج الناس وجذبهم إليه. لما وصل الخبر للشهيد الأول؛ ولأجل أن يقضي على هذه البِدَع، ويطفئ نار هذه الفتنة، ألَّف مجموعة من أربعين شخصاً أرسل معهم ابنه ضياء الدين عليّ إلى اليالوشي، حيث أمروه بالرجوع عن ادّعاءه الباطل، واتَّهموه بالسحر والشعوذة، لكنّ اليالوشي قام بقتل تلك المجموعة، ولم يُبْقِ منها إلاّ على خمسة أشخاص، كان ضياء الدين عليّ من جملتهم، وطلب منه أن يوصل رسالة إلى أبيه مفادها أن يتركه وشأنه. فلمّا أدرك الشهيد الأول أنه غير قادر وحده على وَأْد هذه الفتنة التي بدأت تتّسع أكثر فأكثر قرَّر الاستعانة بحاكم المماليك بدمشق بيدمر، فأرسل معه بيدمر جيشاً استطاع بمساعدته أن يخمد نار هذه الفتنة، ويقضي على اليالوشي، الذي قُتل في هذا الحادث([82]) وجمع ممَّنْ معه.
بعد هذا الحادث برز شخص باسم يوسف بن يحيى، الغالب أنه كان إمامياً ثم ارتدّ، ويحتمل أن يكون أحد تلامذة اليالوشي، فكان يتحرّك ضدّ الشيعة عامّة، وضدّ الشهيد الأوّل بشكلٍ خاصّ. يوسف بن يحيى، الذي يحتمل أن يكون قد فقد مصالحه بمقتل اليالوشي، عمل على الوشاية بالشهيد الأول والإيقاع به، وذلك باتهامه بسبّ الصحابة وإهانة معتقداتهم. ومن جهةٍ أخرى كانت العداوة التي كان يبديها الفقيه الشافعي عبّاد بن جماعة، والذي كان يتحين الفرصة للقضاء على الشهيد الأول، قد أوجدت الأرضية لتجد اتهامات يوسف بن يحيى موقعها، واستمرّ يوسف بن يحيى في الدسّ والمَكْر، حتّى استطاع أن يأخذ بعض الفقرات من بعض آثار الشهيد استدلّ بها على تشيّع الشهيد الأول، وكتب بمساعدة القاضي عبّاد بن جماعة عريضةً تشتمل على مقالات شنيعة في حقّ الشهيد الأول.
توسّل هؤلاء إلى بيدمر، واستمروا في تحريضه ضدّ الشهيد الأول، واستمرّت تلك التحرّكات في التصعيد إلى أن انتهَتْ بإصدار بيدمر، الذي كان يتخوَّف من الشهيد الأول؛ لما رأى من مكانته لدى الناس، أوامره باعتقال الشهيد الأول، وتقديمه للمحاكمة لدى عبّاد بن جماعة الشافعي ـ وكان شارك في كتابة عريضة التُّهَم ضدّ الشهيد القاضي المالكي برهان الدين التاذلي(803هـ)([83]) ـ وقد حاكم القاضيان الشهيدَ الأول وفق كَيْلٍ من التُّهَم، أبطلها الشهيد الأول وبيَّن كذبها وتلفيقها، وخصوصاً تُهَم الارتداد والزندقة. ووفق قواعد الفقه الشافعي الذي يستتاب فيه المتَّهم لمدّة سنة قرَّر عبّاد بن جماعة أن يودع الشهيد الأول في السجن لأكثر من سنةٍ. بعد ذلك أُعيدت محاكمة الشهيد مرّةٍ أخرى، لكنّ الشهيد أكّد مرّةً أخرى على براءته من كلّ التُّهَم الموجَّهة إليه، لكن القضاة المذكورين لم يقبلوا دفاعه. وبتاريخ يوم الخميس التاسع عشر من جمادى الأولى سنة 786هـ قضى القاضي المالكي بإعدام الشهيد، حيث تمّ شنقه ورجمه حتّى الموت، ولم يكن إعدامه ليكفي الحاقدين والمعادين له، بل تمادى بهم الأمر إلى سحب جثّته في عصر نفس اليوم وجرّها في الأسواق، وبعد ذلك إحراقها بالنار.
خاتمةٌ
المعلومات الجديدة التي تمّ الحصول عليها ضمن كتاب نسيم السحر سلّطت الضوء على جوانب مهمة في حادثة إعدام الشهيد الأول، وكشفت أن منازعته وصراعه مع الجماعات الخارجة عن التشيُّع في جبل عامل، وسعيها للانتقام من الشهيد، وحقد بعض وجهاء المذاهب الأخرى، كان هو السبب وراء إعدام الشهيد الأول وإحراق جثمانه.
تحدّث كتاب نسيم السحر حول الأساليب المختلفة التي اتَّبعها المخالفون للشهيد الأول في تحضير عارضة الاتّهامات في مبحثٍ مهمّ. أما ما مدى أصالة هذه المعلومات؟ في الحدّ الأدنى عقلانية رواية بِتِدّيني تفرض علينا قبول هذه الرواية.
وعليه فإن غياب رواية كتاب نسيم السحر جعل العديد من المحقّقين في قضية الشهيد الأول يلتجئون إلى القراءة السياسية وإلى الحَدْس والتخمين، فقالوا: إنه قتل بيد المماليك نتيجة علاقته بعليّ بن المؤيد، الذي كان من حركة سربداران، التي قامت ضد المغول، وخصوصاً مع ثبوت أن عليّ بن المؤيد كان يعمل على نشر التشيُّع الفقهي ليوقف مدّ الاتجاهات الصوفية([84]).
اشتداد وتيرة النزاع والخلاف بين المماليك والمغول وَجَدَه بعض المحقِّقين أهمّ الأسباب التي أدّت إلى استشهاد الشهيد، حيث اتُّهم الشهيد بالعلاقة بالمغول وبحركة سربداران، بينما الواقع التاريخي يؤكِّد أن الصراع بين المماليك وإيلخونان المغولي وهزيمة إيلخونان كان قبل استشهاد الشهيد الأول بعقود كثيرة([85]).
وكما بيَّنا سابقاً فتقرير كتاب نسيم السحر بيَّن بوضوحٍ أن السبب الكامن وراء استشهاد الشهيد كان العداوة الشخصية لبعض علماء السنّة للشهيد، والوشاية المغرضة لبعض مَنْ تبقّى من التيار المنحرف لليالوشي، الذي ادّعى النبوة.
وفي حقيقة الأمر الشهيد الأول كان ضحية قيامه ضدّ بعض الجماعات المنحرفة، وسعيه لإطفاء نار الفتنة التي كانت تنتشر بين سكان منطقة جزّين وما جاورها انتشار النار في الهشيم. فالمحكمة التي مثل أمامها الشهيد استندَتْ في تهمها إلى عارضةٍ كانت في حقيقتها مؤامرةً نسج خيوطها أعداء الشهيد، الذين نجحت مؤامرتهم، والتي بدأوها من بيروت، وانطلقوا بها نحو دمشق، حيث كان يقيم الشهيد في آخر المطاف، في إيصال الشهيد الأول نحو حبل المشنقة، ورجمه حتّى الموت، وحرق جثمانه، وكأنّ حقد قلوب هؤلاء لا يطفئ لهيبه إلاّ رماد جثة الشهيد الأول.
الهوامش
(*) باحثٌ متخصِّص في التراث والدراسات القرآنيّة والحديثيّة والتاريخيّة.
([1]) هذا المسير في وضع بعض المعلومات غير الواقعية وإضافتها للتقارير التاريخية نلاحظه في ما أدلى به الحُرّ العاملي حول شهادة الشهيد الثاني رغم قرب زمانه بعصر الشهيد الثاني. فمن خلال عدة تقريرات حول الشهادة العينية لشهادة الشهيد الثاني تبين أن تلك التقريرات حول شهادة الشهيد الثاني مجعولة ومختلقة. انظر في هذا:
Devin J. KStewart, «The Ottoman Execution of Zain al ـ DDn al ـ yamild», Die Welt des Islam, (volume 48 (3/4), (2008), pp 289-347).
([2]) شمس الدين محمد بن محمد الجزري، غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 256، تصحيح: بركشتر أسر، القاهرة، مكتبة الخانجي (1351 ـ 1352هـ). ونقل ابن شهبة تقرير الجزري ملخصاً. انظر: أبو بكر بن أحمد الدمشقي، المعروف بابن شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة 1: 151، تحقيق: عدنان درويش، دمشق، المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق (1977م).
([3]) بخصوص متن تقريره: رضا مختاري، الشهيد الأول، حياته وآثاره: 112 ـ 113، قم، مركز العلوم والثقافة الإسلامية (1430هـ). كتاب تكملة درّة الأسلاك لم ينشر بعد، وما نقله مختاري أخذه من نسخة موجودة بمكتبة المرعشي النجفي في قم تحت رقم 6280. بخصوص العُرْف المذكور في هذه النسخة لا تتوفّر لنا تفصيلات. والظاهر أن المؤرِّخين المملوكيين؛ للإساءة إلى سمعة الشهيد الأول، نسبوا له علاقة بالعرفة.
([4]) انظر: أحمد بن عليّ المعروف بابن حَجَر العسقلاني، إنباء الغمر بأنباء العمر 1: 311؛ 2: 181، إعداد: السيد عبد الله بن أحمد المديحج العلوي الحسيني الحضرمي، حيدر آباد دكن، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية (1387 ـ 1396هـ)؛ الشهيد الأول، حياته وآثاره: 112 ـ 115.
مستفيدين من تنفُّر المسلمين من معتقدات النصيرية كانت الكثير من الكتب تتَّهم الشيعة الإمامية بالمعتقدات النصيرية، وتنسبهم إليها. وجانب التفريق بين معتقدات النصيرية والإمامية يكمن في الجانب الفقهي. ولمزيد من المعلومات حول استغلال بعض التبليغات في عصر المملوكية لاتّهام الشيعة بالنصيرية انظر:
Urbain Vermeulen, «The rescript against the Shi,ites and the Rafidites of Beirut , Saida and district (746 A. A h /1363 A. D», Orientalia Lovanensia Periodica, vol 4 (1973) pp169-175.
([5]) محمد بن أحمد بن عبد الهادي، وقبل أن يذكر الرسالة المشهورة لابن تيمية بخصوص قتل الشيعة في جبل كسروان، اتهم الشيعة بأنهم «الروافض والنصيرية». انظر: محمد بن أحمد بن عبد الهادي(1356)، العقود الدرّية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: 182، تحقيق: محمد حامد الفقي، القاهرة، مطبعة الحجازي.
([6]) ابن حجي عالمٌ ومؤرِّخ من دمشق، كتب على هامش كتاب التاريخ لابن كثير كتابه المشهور بتاريخ ابن حجي، وكان لابن شهبة نسخة من هذا الكتاب، وقد استفاد منها في تقريره حول الحادثة. للمزيد من المعلومات حول الكتاب: صلاح الدين منجد، معجم المؤرِّخين الدمشقيين وآثارهم المخطوطة والمطبوعة: 229 ـ 230، بيروت، دار الكتاب الجديد (1398هـ/1978م).
([7]) التقرير القصير لعليّ بن داوود الصيرفي الجوهري(900هـ) لم يفصِّل في هذه النقطة، واكتفى بالقول «وفيها قتل ابن مكّي كبير الرافضة بدمشق؛ لإظهاره الرفض، وضربت عنقه تحت القلعة». انظر: عليّ بن داوود الجوهري، نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان 1: 88، تحقيق: حسن حبشي، القاهرة، مطبعة دار الكتب (1970م).
([8]) الحُرّ العاملي ، أمل الآمل 1: 182 ـ 183، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، بغداد، مكتبة الأندلس (1385هـ/1965 ـ 1966م)؛ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار 104: 186 ـ 187، بيروت، دار إحياء التراث العربي (1403هـ)؛ عبد الله أفندي، رياض العلماء وحياض الفضلاء 5: 186 ـ 187، تصحيح: السيد أحمد الحسيني، قم، مطبعة الخيام (1401هـ)؛ يوسف بن أحمد البحراني، لؤلؤة البحرين: 145، 148، حقّقه وعلّق عليه: السيد محمد صادق بحر العلوم، النجف (1966م)؛ الشهيد الأول، حياته وآثاره: 100 ـ 112.
([9]) المجلسي، بحار الأنوار 104: 184 ـ 186.
([10]) بخصوص الحسيني انظر: آغا بزرگ الطهراني، طبقات أعلام الشيعة: الضياء اللامع في القرن التاسع: 30 ـ 32، تحقيق: علي النقلي، المنزوي، طهران، الناشر جامعة طهران (1362هـ.ش).
([11]) ذكر القاضي نور الله الشوشتري(1019هـ) في مجالس المؤمنين شرحاً حول الشهيد الأول، في قسمٍ منه شرحٌ لجانبه العلمي. كما أورد الشوشتري مطالب أخرى حول علاقة الشهيد بابن جماعة الشافعي، وهو من نوع القصة. نماذج أخرى استفادت من اسم ابن جماعة في الموروث الشيعي موجودة في المكتبات (انظر: القاضي نور الله الشوشتري، مجالس المؤمنين 1: 579، طهران، الانتشار الإسلامية (1377هـ.ش). وتحدَّث السيد مصطفى التفريشي(1044هـ) في كتابه نقد الرجال عن الشهيد في سطور، وهي نفس المطالب التي أعاد ذكرها محمد بن عليّ الأردبيلي(1101هـ) في كتابه جامع الرواة، وهي غير مرتبطة بالأسباب التي أدَّت إلى أعدام الشهيد الأول. انظر: السيد مصطفى بن حسين الحسيني التفريشي، نقد الرجال 4: 329، تحقيق ونشر: مؤسسة أهل البيت^ لإحياء التراث، قم (1418هـ)؛ محمد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري، جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد 2: 203، بيروت، دار الأضواء.
([12]) الشهيد الأول، حياته وآثاره: 101.
([13]) الشهيد الأول، حياته وآثاره: 101 ـ 102.
([14]) الشهيد الأول، حياته وآثاره: 102 ـ 107.
([15]) تشوُّش الأخبار حول شهادة الشهيد الأول ليس وليد اليوم، ولكنّه كان منذ القدم. وقد صرح في كتاب نسيم السحر، الذي اعتنى بترجمة الشهيد من ولادته إلى شهادته: «واشتبه على قوم كثيرة صفة قتله؛ لأن المحب الصادق لم يَرْضَ فلم يحضر ذلك». انظر: جعفر المهاجر، الشهيد الأول: عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها (1430هـ)، طُبع ضمن كتاب (الشهيد الأول، حياته وآثاره): 203 (الملحق 1)، قم، مركز العلوم والثقافة الإسلامية.
([16]) Stefan H. Winte (1999), «shams al ـ Din Muhammad ibn Makki / al ـ shahid al ـ awwal», (d. 1384) and the shimah of syuk Studies Review, volume 3: pp160-164.
([17]) للمثال انظر: محمد بن محمد المشهور بالشيخ المفيد، المقنعة: 810 ـ 812، تحقيق: مؤسسة النشر الاسلامي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي (1410هـ)؛ محمد بن الحسن الشيخ الطوسي، النهاية في مجرد الفقه والفتوى: 301 ـ 303، بيروت، دار الكتاب العربي (1390هـ)؛ أبو جعفر محمد بن منصور المشهور بابن إدريس الحلّي، كتاب السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي 2: 24 ـ 27، قم، مؤسسة النشر الإسلامي (1410هـ)؛ جعفر بن حسن المحقّق الحلّي، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام 1: 344، تحقيق وإخراج وتعليق: عبد الحسين محمد علي، بيروت، دار الأضواء (1403هـ).
([18]) كمثالٍ ما ذكره الشهيد الأول في كتاب غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، فقد ذكر آراء العلامة بشكل واضح في كتب مختلفة وأكّدها. راجع: محمد بن مكي، غاية المراد في شرح نكت الارشاد 1: 354 ـ 356، قم، مركز العلوم والثقافة الإسلامية (1430هـ/2009م).
([19]) Wilferd Madelung, «Authority in Twelver Shiism in the Absence of the Imam», in lanotiond, (autorite au Moyen Age: Islam), Byzance (Occident) Coll0ques internaionaux de la Napoule, 1978, (paris), presses Universitaires de France (1982), p 166.
([20]) الشهيد الأول في كتابه الدروس أتى على استعمال لفظ نائب الإمام، وكتب قائلاً: «تجب صلاةالجمعة ركعتين بدلاً عن الظهر بشرط الإمام أو نائبه، وفي الغيبة تجمع الفقهاء مع الأمن». الدروس الشرعية في فقه الإمامية 1: 129، «ويجب دفع الزكاة إلى الإمام أو نائبه مع الطلب، وإلا استحبّ، وفي الغيبة إلى الفقيه المأمون…». المصدر السابق 1: 199؛ وفي موردٍ واحد حين أراد الشهيد الأول التصريح بالنيابة العامة للفقهاء عن الإمام المعصوم استعمل تعبير «نائب الغيبة، وهو الفقيه العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى». المصدر السابق 1: 220.
([21]) راجِعْ: ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 4: 100 ـ 104.
([22]) الشهيد الأول، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 1: 303.
([23]) الدروس الشرعية في فقه الإمامية 1: 509 ـ 512.
([24]) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 4: 104؛ وانظر كذلك: الدروس الشرعية في فقه الإمامية 2: 59 ـ 60 (بحث في إجراء الحدود الشرعية في عصر الغيبة وجواز عمل الفقيه بها).
([25]) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 4: 106.
([26]) المير مخدوم شريفي، النواقض لبنيان الروافض، نسخة خطية، مكتبة بريطانيا، الورقة 92 ألف. وقد كان المهاجر يرى الشهيد الثاني أوّل فقيهٍ أمامي قال بأن نائب الإمام يعني الفقيه الجامع للشرائط. انظر: جعفر المهاجر، الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي: النتائج السياسية والثقافية: 22 ـ 23، بيروت، دار الروضة (1410هـ/1989م).
([27]) السيد محمد باقر الصدر، المحنة: 22 ـ 23، بيروت، دار التعارف (1410هـ/1990م).
([28]) حسن بن يوسف الحلّي، أجوبة المسائل المهنّائية: 101، تحقيق: محيي الدين المامقاني، قم، مطبعة الخيام (1401هـ).
([29]) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة 1: 43 ـ 44.
([30]) راجع: أحمد الترابي، الشهيد الأول، أول شهيد طريق الفقاهة، قم (1388هـ).
([31]) ضمن المعلومات الجديدة الأخيرة يعني مصدر نسيم السحر تحدّث فيه على أن الشهيد قد صنفه في فترة إقامته بدمشق. الشهيد الأول: عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها: 190.
([32]) مجالس المؤمنين 1: 579؛ محمد بن سليمان التنكابني، قصص العلماء: 439، بمساعي: محمد رضا بزرگ الخالقي وعفّت كرباسي، طهران، الناشر انتشارات علمي وفرهنگي (1383هـ.ش).
([33]) انظر: غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 265؛ الشهيد الأول، حياته وآثاره: 19 ـ 29؛ الشهيد الأول: عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها: 186؛ الشهيد الأول: نخستين شهيد راه فقاهت: 26 ـ 28.
([34]) لؤلؤة البحرين 1966: 144؛ الشهيد الأول: عصره، أعماله وما مكث منها: 185 ـ 186.
([35]) Devin J. Stewart, (1998) , Islamic Legal Orthodoxy: Tewelver ShiiteResponese to the Sunni Legal System, (the University of Utah Press m salt Lake City), p 78.
([36]) الشهيد الأول: عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها: 186 ـ 187.
([37]) الشهيد الأول، حياته وآثاره: 27 ـ 31؛ الشهيد الأول: عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها: 183 ـ 184.
([38]) الشهيد الأول، عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها: 184.
([39]) الشهيد الأول، حياته وآثاره: 31 ـ 32.
([40]) انظر: أمل الآمل 1: 185.
([41]) انظر: الشهيد الأول: عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها: 185. ويحتمل أن تكون شهرة والد الشهيد الأول والشهيد الأول بالجزّيني من العادات الجارية حول نسبة الشخص لأشهر مكانٍ قريب من مكان ولادته. وقد كانت جزّين سنة كتابة التراجم الشيعية اللاحقة مشهورة ومعروفة، فأثبتت لوالد الشهيد وابنه الشهيد الأول هذه الشهرة، وكون الشهيد قد اشتهر كذلك بـ (حانيني) فالاحتمال القويّ أنه ولد بقرية حانين. انظر في هذا: الشهيد الأول: عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها: 185.
([42]) حول والد الشهيد الأول انظر: بحار الأنوار 106: 20.
([43]) Islamic Legal Orthodoxy: Twelver Shiite Responese to the Sunni Legal System, p78 m no 1.
([44]) Hgaid] hgH,g: pdhji, Nehvi K w44 P hgaid] hgH,g: uwvi K sdvji K Hulhgi, lh l ;e lkih K w189-190.
([45]) محمد بن المكي، الأربعون حديثاً: 2، ح2، قم، مركز العلوم والثقافة الإسلامية (1430هـ).
([46]) السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة 9: 71، حقّقه وأخرجه: حسن الأمين، بيروت، دار التعارف (1403هـ/1983م).
([47]) الأربعون حديثاً: 1، ح1.
([48]) الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل 20: 400، إعداد ونشر: مؤسسة آل البيت^ لإحياء التراث، قم (1407 ـ 1420هـ).
([49]) أخذ الشهيد الأول إجازتين من فخر الدين محمد في الحلّة: واحدة في يوم الجمة الثالث من شهر جمادى الأولى 756؛ والأخرى في السادس من شوال عام 756. (الأربعون حديثاً: 240، 261). وفي نفس السنة أخذ أجازة من فخر المحقّقين. ذكرها المجلسي في بحار الأنوار 104: 177 ـ 178. ومما ذكره فخر المحققين أن الشهيد الأول قرأ عنده إشكالات كتاب إيضاح الفوائد، وهو ما يعني أن الشهيد الأول كان يدرس عنده الفقه. ومما يؤيِّد هذا المدّعى أن الشهيد الأول قبل أن يَرِدَ الحلّة كان مطّلعاً على الفقه؛ لأنه في الحلة درس المتون العالية في الفقه عند كبار فقهاء الحلّة ومشايخها.
([50]) الأربعون حديثاً: 3، ح3.
([51]) تولّى ابن جماعة منصب قاضي القضاة في مصر في فترة تقدّر بخمسة وعشرين سنة، من 738 إلى ما بعدها. وبخصوص آباء ابن جماعة راجِعْ:
- S. Salibi (1958), «the BanU Jamaya: ADaynasty of ShafiYeDJursits in the Mamluk Period», studia islamica 9, pp 97-109.
([52]) انظر: بحار الأنوار 106: 70 ـ 71.
([53]) بحار الأنوار 104: 71، 191، 200.
([54]) وكان له مقابلة مع ابن نجدة، يظهر هذا من إجازته له، وإنْ لم يذكر تاريخ ذلك. وكان له مقابلات أخرى مع فقهاء آخرين في هذا السَّفَر:
Islamic Legal Orthodoxy: twelve Shiite Response to the Suni Legal System, pp79-80.
([55]) الأربعون حديثاً: 26، ح39.
([56]) محمد تقي دانش پژوه(1335هـ.ش)، فهرست المكتبة التي أهداها السيد محمد مشكوة لمكتبة جامعة طهران، ج3، القسم الثالث: 1787 ـ 1788، طهران، الناشر جامعة طهران.
([57]) السيد جعفر الحسيني(1384هـ.ش/1426هـ)، فهرست النسخ الخطية لمكتبة مدرسة صدر بازار (أصفهان ـ إيران) 3: 707، قم مجمع الذخائر الإسلامية.
([58]) الأربعون حديثاً: 12، ح21. النكتة الملفتة في الإجازة الأخيرة تكشف عن المقام العلمي للشهيد الأول في ذلك التاريخ، بل إنها تبين أنه كان التلميذ الوحيد لفخر المحقّقين. وهناك عبارات من فخر المحققين كانت يكشف فيها أن الشهيد الأول كان في نفس مستواه العلمي، وكان يغدق عليه بعبارات مادحة، مثل: مولانا الإمام العلامة، الأعظم، أفضل علماء العالم. وقال: إن الشهيد إنما درس عنده بعض مطالب الكتاب (…من هذا الكتاب مشكلاته)، وإن العديد من مطالب الكتاب كان يستفيد من الشهيد الأول لما له من الفطنة والفكر الثاقب (…وحقّق وأفاد كثيراً من المسائل المشكلات بفكره الصائب وذهنه الثاقب). وتابع أنه ناول الشهيد الأول إجازةً عامة لكلّ ما كان لديه من الروايات. وتعابير مماثلة نلاحظها عند ابن معين في حقّ الشهيد الأول، وذلك في بيان مقامه العلمي، وذلك في ص754. (بحار الأنوار 107: 182). ويستقرأ من ذلك أن الشهيد الأول كان عالماً من قبل أن يسكن الحلّة، وكان شخصية علمائية متميزة. لكنّ العجيب أنه ليس هناك حديث حول مشايخ الشهيد الأول قبل هذه الفترة. وإلى جانب دقّة الشهيد الأول في ذكر أسماء أساتذته، كما رأينا في الحلة، فالظاهر أن الشهيد الأول قبل سفره إلى الحلّة لم يكن له أستاذٌ مهمّ في الفقه، والغالب انه درس الفقه لوحده، وما وصل إليه من تبحُّر في الفقه حاصل جهوده وتحقيقاته الخاصّة. (انظر: الشهيد الأول: عصره، سيرته، أعماله وما مكث منها: 187 ـ 188).
([59]) آغا بزرگ الطهراني، طبقات أعلام الشيعة: الحقائق الراهنة في المائة الثامنة: 4، تحقيق: علي نقي منـزوي، بيروت، دار الكتاب العربي (1975م). حول متن الإجازة انظر: الشهيد الأول، حياته وآثاره: 72 ـ 73، 76.
([60]) غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 256؛ أمل الآمل 1: 181 ـ 182؛ الشهيد الأول، حياته وآثاره: 68، 73 ـ 76.
([61]) استعمل الشهيد الأول عبارات المدح في حقّ فخر المحققين، وقال فيه: سلطان العلماء، خاتم المجتهدين، الشيخ الأعظم. وعبّر عن السيد المرتضى بعبارات: عميد الدين، شيخ أهل البيت في زمانه، وفقيه أهل البيت. وهذه العبارات تكشف عن أن الشهيد الأول في حياته العلمية كان عارفاً بالفقه لأستاذين عظيمي الفضل الكبير والدَّوْر الكامل، وهما: فخر المحققين والسيد المرتضى عميد الدين. انظر: الشهيد الأول، حياته وآثاره: 73، 75. العبارة التي نقلها السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة 5: 397)، ونقلاً عنه في بعض المصادر الأخرى، حول ما قاله فخر المحقّقين بخصوص الشهيد الأول: (استفَدْتُ منه أكثر ممّا استفاد منّي)، هي عبارةٌ غير صحيحة، كما بيّنها مختاري (الشهيد الأول، حياته وآثاره: 74)، وتبين الفكرة الرائجة آنذاك في جبل عامل حول المقام العلمي العالي للشهيد الأول.
([62]) أشير لهذا المطلب في نهاية النسخة من كتاب غاية المراد برقم 1407 في مكتبة المرعشي النجفي.
([63]) الشهيد الأول، حياته وآثاره: 387 ـ 389.
([64]) بحار الأنوار 104: 140 ـ 141؛ الشهيد الأول، حياته وآثاره: 46 (الهامش 5).
([65]) الشهيد الأول، حياته وآثاره: 47 (الهامش 1).
([66]) الميرزا حسين النوري(1407 ـ 1420)، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: 312، إعداد ونشر: مؤسسة آل البيت^.
([67]) فهرست مكتبة آقا السيد محمد مشكوة، التي أهداها لمكتبة جامعة طهران 3، القسم الثالث: 1081.
([68]) حول ترجمة الكرماني انظر: عبد الحيّ بن عماد الحنبلي (بدون تاريخ)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب 6: 294، بيروت، منشورات دار الآفاق الجديدة.
([69]) الشهيد الأول، حياته وآثاره: 331.
([70]) غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 265. قال إستوارت: إنه يحتمل قويّاً أن الشهيد الأول قد قضى أواخر عمره في دمشق أو في جزّين بعد أن غادر الحلّة. استنبط هذا من قول القاضي شهبة (تاريخ ابن قاضي شهبة 1: 134 ـ 135) أن الشهيد الأول قبل اعتقاله واستشهاده أقام بجزّين. انظر:
Islamic Legal Orthodoxy: Twelver Shiite Respon Sunni Legal System, p 81.
[71])) أشار ابن الجزري لمصاحبته للشهيد الأول بقوله: «صحبني مدة مديدة…». حول ترجمة ابن الجزري وإقامته في دمشق انظر: أحمد پاکتجي(1369هـ.ش)، «ابن الجزري» دائرة المعارف الإسلامية الكبرى 3: 231 ـ 234، طهران، مؤسسة دائرة المعارف الإسلامية الكبرى.
[72])) بخصوص البحث حول تاريخ تصنيفه للمعة انظر: الشهيد الأول، حياته وآثاره: 370 ـ 377.
([73]) محمد تقي دانش پژوه(1339هـ.ش)، فهرست المكتبة المركزية لجامعة طهران 8: 521 ـ 522، طهران، الناشر منشورات جامعة طهران؛ الشهيد الأول، حياته وآثاره: 343 ـ 344.
([74]) ابن الجزري، غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 265، ومن دون أن يذكر التاريخ المحدَّد قال: إن الشهيد درس القراءات عن أصحاب عبد الله بن مؤمن بن وجيه الواسطي(740هـ)، الذي كان من كبار القرّاء في العراق في زمانه. غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 72 ـ 73. وحول ابن مؤمن انظر: غاية النهاية في طبقات القرّاء 1: 429 ـ 430.
([75]) كما قال ابن لبّان الدمشقي(776هـ) لابن الجزري: إن الشهيد الأول قد درس عنده عدّة سنوات علم القراءات. (غاية النهاية في طبقات القرّاء 2: 265). والسؤال المطروح هنا: في أيّ فترةٍ درس الشهيد القراءات؟ وكلامهم ليس في مقدوره أن يحدِّد لنا هذه الفترة، من أين تبتدئ؟ وإلى أين تنتهي؟ ولعل ما يسارع إلى الذهن أن تحصيل القراءات باعتبارها من المقدّمات الأولى قد يكون الشهيد قد حصلها في مرحلة الابتدائي، لكنْ بلحاظ أن علماء الشيعة لم يكن لديهم آنذاك اهتمامٌ بهذا العلم؛ لما هو ثابت لديهم من عدم صحة العديد منها، فيكون الشهيد الأول قد حصَّلها فيما بعد، أي في مرحلة متأخِّرة من حياته العلمية، ولعلها صادفت مرحلة إقامته بدمشق. وتابع ابن الجزري عن ابن لبّان أنه كان مرافقاً للشهيد الأول مدّةً طويلة، ولم يَرَ منه ما يخالف طريقة أهل السنّة. غير أن هذا الأمر منتفٍ؛ لأن قوله: (صحبني) يرجع لابن الجزري، وليس لابن اللبّان. انظر: الشهيد الأول، أوّل شهيد على طريق الفقاهة: 229 ـ 230 (يرجع الضمير إلى ابن الجزري).
Winter 1999 p164, Islamic Legal Orthodoxy: Twelver Shiite Response to the Sini Legal System, p 81.
وفي المرجعين الأخيرين تمّ إرجاع الضمير إلى ابن لبّان. وعلى أيّ حال فالكلام يقودنا إلى معرفة أن الشهيد قضى أواخر عمره بدمشق.
([77]) حول متن الإجازة راجِعْ: بحار الأنوار 104: 186 ـ 192؛ الشهيد الأول، حياته وآثاره: 414 ـ 420.
([78]) لم يهتمّ كثيراً وينتر بهذا المطلب، ولم يُشِرْ كثيراً إلى أن الشهيد الأول قد أنهى دراسته بالحلّة، وإلى اهتمامه الخاصّ بآثار العلامة الحلّي. كما أن وينتر لم يدرك جيداً أن التقارير التي تحدّثت عن تدريس الشهيد الأول بجزّين متأخّرة كثيراً، ولا يقوم لها شواهد تاريخية ثابتة. وحيث تحدث عن إقامته مدّةً بالحلة ودمشق فالمرجَّح أنه كان منشغلاً فيهما بالتدريس. كما أنّ ما أورده الحُرّ العاملي حول حضور سبعين عالماً ومجتهداً شيعياً تشييع جثمان الشهيد الأول أمرٌ يفتقد إلى الدليل، والظاهر أنه مجرّد كلام لا صحّة له تاريخياً. انظر:
«Shams al ـ Din Muhammad ibn Makki / al ـ shahid al ـ awwal», (d,1384) and the Ahi`ah of Syria Mamluk Studies Review, Volume 3 (1999), pp 156-159.
([79]) نعم هناك شكٌّ قليل حول كون بِتِدّيني هو مؤلّف هذه الرسالة. أساس هذا الشك ما جاء في مكانٍ فيها أن مكّي أشار إلى أنه رأى متن نسيم السحر ضمن مجموعة كتبها البِتِدّيني. وهي النقطة التي أشار إليها كذلك يوسف طباجة في: شرف الدين مكّي، مختصر نسيم السحر، تحقيق: يوسف طباجة (1430هـ)، ضمن: الشهيد الأول، حياته وآثاره: 551 (الهامش 4)، قم، المركز العالي للعلوم والثقافة الإسلامية.
([80]) كان برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحمن ابن جماعة(790هـ) في ذلك التاريخ قاضي قضاة الشافعية في دمشق.
([81]) حول ترجمته يرجع إلى: تاريخ ابن قاضي شهبة: 248 ـ 251. كان من كبار قضاة الشافعية وممتازيهم في دمشق ما بين تاريخ 773هـ إلى تاريخ وفاته في 790هـ. صحف اسمه في مصادر الشيعة إلى عبّاد. وهو غير صحيح. وأما حول ما ذكرته بعض المصادر الشيعية حول خصومته والشهيد الأول فالظاهر أنه غير صحيح، وليس له أساسٌ تاريخيّ. للتعرُّف على ترجمة ابن جماعة انظر: تاريخ ابن قاضي شهبة 1: 248 ـ 251.
وهناك ترديدٌ كثير حول صحّة القول الأخير؛ فابن جماعة كان من كبار أسلاف ابن جماعة في الشام، ومن المحتمل أن يكون قول كاتب نسيم السحر فقط لبيان مكانة الشهيد العلمية وإعلائها، حيث تكرّرت أكثر من مرة في هذه الرسالة.
([82]) أورد مؤلِّف نسيم السحر أن الشهيد الأول كان يتعرّض لمشاكل كثيرة في تدريسه، وكان تدريسه للشيعة يتمّ بالليل، بينما يشتغل في النهار بتدريس الفقه الشافعي. وهذه مسألةٌ أخرى تستدعي مزيداً من الاهتمام؛ كون الشهيد قد قضى معظم حياته في الحلّة ودمشق، كما سبق، وإنْ بحثنا في القسم الأول من هذا البحث حول جدولٍ لأعوام حياته. انظر: الشهيد الأول، حياته وآثاره: 44 ـ 47.
([83]) حول التاذلي: محمد بن عبد الرحمن السخاوي ، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع 1: 155 ـ 156، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي (بدون تاريخ).
([84]) السيد حسن الأمين، الشهيد الأول محمد بن مكّي: 7، 33 ـ 41، بيروت، الغدير (1418هـ/1998م).